اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

بريد الجمعة - كنز التجارب الإنسانية ~ (محاولة للأرشفة )


KANE

Recommended Posts

41171‏السنة 123-العدد1999اغسطس27‏16 من جمادى الأولى 1420 هــالجمعة

الشعاع الوحيد

قرأت رسالة لحظة العبور للسيدة التي فقدت زوجها تحت عجلات القطار عقب خلافها معه وتشعر بالندم علي سابق دعائها عليه بالموت‏,‏ فآثارت الرسالة شجوني وذكرتني بما أحاول نسيانه خلال البقية الباقية من عمري‏,‏ فأنا سيدة تزوجت عقب دراستي الثانوية منذ‏38‏ عاما من رجل فاضل كان يكبرني بـ‏3‏ سنوات ورزقني الله بولد لم يعش أكثر من ساعات‏,‏ وفسر الأطباء ذلك بالمشكلات الوراثية نظرا لصلة القرابة بيني وبين زوجي‏,‏ فانطويت علي نفسي وتفرغت لرعاية زوجي ثم شاءت إرادة الله أن يرزقني بابنة نجت من مصير شقيقها ودرجت في العمر حتي بلغت ثلاث سنوات ثم بابنة أخري تعلقت بالأمل في أن تنجو هي الأخري من هذا المصير‏,‏ لكن الأجل المحتوم حل عليها بعد أسابيع‏,‏ فقررت أنا وزوجي عدم محاولة الإنجاب مرة أخري‏,‏ وشكرنا الله علي ابنتنا التي حفظها لنا‏,‏ وركزت كل حبي ورعايتي أياها‏,‏ واعتبرتها ملاكي الصغير‏,‏ الذي يضيء سماء حياتي والتصقت بها ولازمتها في كل خطواتها‏,‏ ورأيتها وهي تتفتح أمامي كالزهرة النضرة الجميلة‏,‏ فما أن بلغت سن الخامسة عشرة حتي وجدنا من شباب العائلة من يطلب الارتباط بها لكني وزوجي أصدرنا علي أن تستكمل تعليمها وزادني إصرارا علي ذلك أنني لم أكمل تعليمي العالي والتحقت ابنتي بالجامعة وراحت تروي لي عن صديقاتها بالكلية وارتباطاتهم بشباب من زملاء الجامعة وعدم رضائها هي عن ذلك‏,‏ فازددت حبا لها وإعجابا بكمالها وعقلها وأخلاقياتها‏,‏ ومضت بنا الحياة وادعة سعيدة حتي أوشكت علي التخرج‏,‏ فإذا بوالدها يرحل عن الحياة‏,‏ فيصبح كل منا هو السند الوحيد للآخر في الحياة‏,‏ وتخرجت ابنتي الغالية من كليتها وبدأت رحلة العمل وازددنا تلاصقا واقترابا‏,‏ وأصبحت اعتمد في حياتي علي معاش زوجي الراحل ومرتب ابنتي التي تضعه في يدي أول كل شهر فتترك لي حرية التصرف فيه ثم بدأت بعد فترة ألاحظ عليها السرحان وعدم التركيز وبعدها النفسي عني‏,‏ وحاولت أن اتحري عن طريق صديقاتها سر ما طرأ عليها من تغير‏,‏ ففوجئت بأنها قد تعرفت علي شاب يكبرها بـ‏12‏ عاما‏,‏ ويعمل معها في نفس المكان نفسه وواجهتها بما عرفته عنهما‏,‏ فلم تنكره وإنما أخبرتني بأنها وافقت علي الزواج منه وأنها كانت تحاول منذ فترة تهيئتي لهذا الأمر‏,‏ لكن الحزن الذي سيطر علي بعد وفاة أبيها لم يمكنني من ملاحظة ذلك‏.‏

وطلبت منها مقابلة هذا الشاب لكي استطيع أن أصدر حكمي عليه‏,‏ والتقيت به فلم يترك لدي أي انطباع بالارتياح إليه‏,‏ خاصة أن امكاناته المادية عادية غير أنني لا أنكر في الوقت نفسه

انني قد رأيت الحب في عينيه لابنتي وعقب انصرافه من البيت ثارت علي ابنتي لأول مرة في حياتي وأبلغتها برفضي القاطع لهذا الشاب لأنه دون المستوي الاجتماعي المناسب لعائلتنا وأيضا بسبب فارق السن بينهما‏.‏

وبكت ابنتي لكنها لم تيأس ولم تكف عن محاولة إقناعي به‏,‏ وراحت تقنع كل من حولي بالتوسط لها عندي‏,‏ وأنا مازلت علي موقفي منها وهي لاتيأس أبدا من الأمل في نيل موافقتي حتي حل الصمت والجفاء بيننا وأصبحنا غريبتين تعيشان تحت سقف واحد‏,‏ وأستمر الحال بيننا علي هذا النحو خمسة أشهر ثم حدث أن رددت علي التليفون ذات مرة فكان هذا الشاب‏,‏ ولتشابه صوتي مع صوتها فقد ظن أنني ابنتي وتحدث علي هذا الأساس‏,‏ فطلبت منه الابتعاد عنها لأنني لم أوافق عليه نهائيا‏,‏ ولأن هناك من سوف يتزوجها وهو ابن خالتها ثم أغلقت السماعة في وجهه‏.‏

ولم أكتفي بذلك وانما شكوته لمديره في العمل وافتريت عليه بالكثير والكثير‏,‏ وحاول الرجل تهدئتي ووعدني بأن يتدخل لديه لمنعه من تكرار الاتصال بابنتي‏,‏ ولم تمض أيام حتي كانت ابنتي قد علمت بكل ماجري ولاأنسي نظرتها اللائمه لي‏..‏ولا عبارتها المؤلمة لي بعد أن ظلت للحظات تنظر الي في صمت مؤلم‏:‏ حرام عليك‏..‏ماتفعلينه بي‏!‏

وازداد حاجز الصمت والجفاء الصامت بيني وبينها رسوخا‏,‏ واستمرت الحياة بيننا علي هذا النحو وأنا آمل كل يوم في أن ترجع الي طبيعتها معي وتنسي هذا الشاب‏..‏وهي تأمل في أن أرحم يتمها ووحدتها وأرجع عن موقفي من زواجها‏.‏

الي أن كان يوم انصرفت فيه الي عملها باكية وهي تكررلي نفس تلك العبارة المفؤلمه‏:‏ حرام والله ماتفعلينه بي فلم اجبها سوي بالدعاء عليها‏..‏لخصامها وجفائها لي بعد أن كرست كل حياتها لها فغادرت البيت والدموع في عينيها‏,‏ فكانت المرة الاخيرة التي رأيتها فيها وهي علي قيد الحياة ياحسرة قلبي المكلوم عليها ويامصيبتي الهائلة فيها‏!‏ فلقد تعرضت لحادث تصادم بشع أودي بحياتها القصيرة وشبابها الغض وانطفأ الشعاع الأخير الذي كان يضيء حياتي‏,‏ ومضت الأيام بي بعدها وأنا كالميتم‏..‏مابين مرض‏,‏ وعلاج‏,‏ وبكاء لاينقطع عليها حتي استطعت بعد أكثر من عام أن اتمالك بعض نفسي وحتي اكرمني الله بأداء العمرة مرتين ولابنتي الحبيبة التي أتمني أن يعوضها الله في جنته بما حرمتها منه في الارض وأنني الآن استرجع ماكان من أمرها معي وأمري معها وأعجب لنفسي لماذا حرمتها مما رأت فيه سعادتها‏..‏وهي التي لم تغضبني قبل هذا الموضوع ذات مرة‏,‏ وكانت دائما نبعا للحب والحنان معي‏,‏ ويشتد علي الألم حين أتساءل‏:‏ تري لوكنت قد وأفقتها علي ماأرادته أكان يمكن أن تودع الحياه دامعة باكية قانطة كما رأيتها آخر مرة؟ أوليس من المحتمل أن يكون حزنها وانشغال بالها بموقفي منها قد عجلا لها بالقضاء فلم تمر السيارة القاتلة وهي تقترب منها؟ إنني ارجوك أن تنصح السيدة كاتبة رسالة لحظة العبور بألا تكرر خطأ الدعاء علي أحد اعزائها مرة أخري وكل الآباء والأمهات الا يفعلوا ذلك أيضا وبألا يتحجروا في مواقفهم من ابنائهم اذا كانوا لايقبلون منهم شيئا مخالفا للشرع والدين‏,‏ كما فعلت انا مع ابنتي وزهرة عمري الوحيدة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

: ولكاتبة هذه الرسالة أقول‏

من المؤكد يا سيدتي ان العمر لو كان قد طال قليلا بهذه الابنة الغالية فانك كنت ستتوصلين معها الي حل مرض لهذه المشكلة التي عكرت صفوكما في الفترة الاخيرة من حياتها القصيرة‏,‏ وقد كان الاغلب الاعم هو ان تتنازلي انت عن معارضتك لزواجها وتقبلي بارتباطها بهذا الشاب وتسعدي بسعادتها‏,‏ غير ان عجلة لايام سريعة الدوران للأسف وكثيرا ما تسبق خطواتنا ورغباتنا‏,‏ فنرجو لو كنا قد أسرعنا‏,‏ قليلا بما تدبرناه في اعماقنا ولم نستبعد الاقدام عليه ذات يوم قريب او بعيد لكننا آثرنا كما نفعل احيانا لثقتنا غير المبررة في الايام ان ننتظر بعض الوقت عسي ان يجيء التنازل والاقتراب من الجانب الآخر‏..‏ أوعسي ان نفوز نحن في سباق التحمل والمعاناة الي ان تضعف مقاومة الآخرين ويسلموا لنا برغباتنا‏..‏ وقد نكافئهم في هذه الحالة نحن ايضا بالاستجابة لبعض رغباتهم‏.‏

فإذا حق لأحد ان يحزن فليحزن علي ايام العمر الثمينة التي تبددت في الجحود والعناد والكبرياء‏,‏ ولنحزن ايضا علي تعجلنا لأسباب الشقاق والجفاء والصدام مع الاعزاء‏,‏ وقد كان في مقدورنا لو اتينا او اوتينا الحكمة وبعد النظر ان نتفادي كل ذلك والا نحرمهم مما رغبوا فيه ورأوا فيه جماع سعادتهم وغاية امانيهم‏,‏ ولكننا قد اسعدنا أيامهم بالتأييد والمساندة وتركنا لتجربة الأيام ان نمتحن صدق اختياراتهم‏.‏

فهذا هو واجبنا تجاههم يا سيدتي ان نخلص لهم النصح دائما فيما نراه محققا لخيرهن وصلاح امرهم ونبذل اقصي ما نملك من جهد لإقناعهم به‏...‏ وتبصيرهم بما هم مقدمون عليه‏,‏ فإذا تمسكوا بعد كل ذلك باختياراتهم الشخصية‏..‏ وأبوا الاقتناع بما في وجهة نظرنا بشأنهم من حكمة وبعد نظر‏,‏ لم نحرمهم بالرغم من ذلك من ثمار حكمة الايام التي اكتسبناها بالتجربة والخطأ خلال رحلة العمر‏,‏ ولم ندعهم لطريقهم يواجهون فيه المجهول وحدهم‏,‏ وإنما واصلنا حدبنا عليهم حتي وهم يسيرون الي الطريق الذي عارضناه من قبل‏..‏ واكدنا لهم في كل حين اننا سنكون الي جوارهم دائما وفي كل الاحوال وكلما احتاجوا الي دعمنا ومساندتنا‏,‏ لأن ما بيننا وبينهم لا ينفصم بخلاف في الرأي او التوجهات‏..‏ وانما دائم ومستمر الي ان يقضي الله امرا كان مفعولا‏.‏

وأحسب ان هذا هو نفسه ما كانت ستئول اليه علاقتك بابنتك الغالية بالرغم مما حدث بينكما في الايام الاخيرة‏,‏ وما تساؤلاتك المريرة عما اذا كان من الممكن ان يتأخر عنها الاجل المحتوم لو لم تكن قد غادرت البيت دامعة مشغولة الخاطر بهمها‏,‏ سوي صدي آخر لما تعايننه الآن من حسرة عليها‏..‏ واحساس مؤلم بالذنب تجاهها لأنك قد عارضت اختيارها لشريك حياتها‏,‏ ولا لوم علي احد في القضاء الذي لا راد له ولا يقدم أو يؤخر منه شيء وإنما هي حسرات القلب المكلوم علي وحيدته الراحلة‏..,‏ رحمها الله واحزانك انت علي أعانك عليها ـ فاعفي نفسك من مرارة الندم بعد فوات الأوان ياسيدتي‏..‏ وتذكريها دائما بدعائك الصالح لها وتأكدي أنها لم تحمل لك في اعماق قلبها سوي الحب والحنان اللذين كانا خلال عمرها القصير نبعا دائما يفيض بمائه العذب عليك‏,‏ فإن كان قد حل بعض الجفاء بينكما في شهورها الاخيرة‏,‏ فلقد كانت تعرف في اعماقها انك ما عارضت في زواجها إلا بدافع الحب لها والخوف عليها والامل من اجلها في افضل الاشياء‏,‏ وبالصبر والصلاة والايمان نستطيع دائما ان نروض الاحزان‏..‏ ونأمل في عون السماء لنا علي احتمالها ومواصلة الحياة بالرغم منها‏..‏ وقديما قال الشاعر الانجليزي وودورث‏:‏ ان العاقل هو من يحزن علي ما بقي له من العمر وقد حاصرته الاحزان والآلام اكثر مما يحزن علي ما مضي من هذا العمر‏..‏ ولو كان فيه ما فيه من الاخطاء والاشواك‏.

"نحن شعب ينتحر -بمزاجه- إنتحاراً جماعياً ببطء كين

~~~~~

قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "انها ستكون سنون خداعات .. يخون فيها الأمين ويؤتمن فيها الخائن .. ويكذب فيها الصادق .. ويصدق فيها الكاذب .. وينطق فيها الرويبضة .. قالوا وما الرويبضة يا رسول الله ؟ قال : الرجل التافه يتكلم فى أمر العامة

~~~~~

فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا (41) يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا (42){النساء}

رابط هذا التعليق
شارك

  • الردود 42
  • البداية
  • اخر رد

أكثر المشاركين في هذا الموضوع

الأيام الأكثر مشاركة

أكثر المشاركين في هذا الموضوع

41171‏السنة 123-العدد1999اغسطس27‏16 من جمادى الأولى 1420 هــالجمعة

الأحاديث التافهة‏!‏

اكتب اليك رسالتي هذه وارجو المعذرة اذا كانت ألفاظها ركيكة‏,‏ لانها مجرد اخراج لما بداخلي فاذا اهملتها سوف اتأكد من ان مشكلتي بسيطة‏,‏ واذا لم تهملها وجدت لديك الحل والمشاركة فأنا مدرس بمحافظة قنا وعمري‏27‏ سنة ومشكلتي هي ان الله سبحانه وتعالي قد أنعم علي بذكاء حاد وذاكرة قوية جدا كما انني مثقف وجامعي وملم بالعديد من قضايا الوطن والعالم فهل تصدق بعد ذلك ياسيدي الفاضل انني قد خطبت اكثر من فتاة وتم فسخ الخطبة بسبب ماتقدم‏!‏ حيث انني عند التحدث مع خطيبتي اجدني عالما بكل ماتقوله بمجرد ان تنطق الكلمة الاولي منه كما انني لا احب الكذب ابدا‏,‏ ولهذا اجدني اقاطع حديثها لانبهها الي عدم صدق كلماتها بطريقة لاتخلو من الادب وتكون النتيجة ان افاجأ بعد عدة جلسات بان خطيبتي لاترغب في اتمام الخطبة وتريد فسخها والاعجب من ذلك ان اخت خطيبتي السابقة متزوجة من شخص لايجيد التحدث الا في المواضيع التافهة ومع ذلك فهو محبوب من كل افراد اسرتها‏,‏ فهل لكي أوفق في حياتي مع شريكة مخلصة لي ينبغي علي ان اتساهل واتعلم الكذب والنسيان وألا اتحدث إلا بهذه الاحاديث التافهة وبكلام الحب والغرام فقط؟ وهل هذا هو ماتريده فتيات هذه الايام؟ وبماذا تشير علي لكي اوفق في الارتباط بانسانة ملائمة ولاتفشل خطبتي لها‏.‏

: ولكاتب هذه الرسالة اقول‏

لا ياصديقي ليس المطلوب منك أن تتساهل وتتعلم الكذب والنسيان لكي تواصل مع شريكة حياة مخلصة لك‏,‏ وإنما المطلوب منك فقط هو حسن الادراك وبعض الكياسة والفهم بطبيعة الأمور‏.‏

فالإمبراطور الروماني القديم هيدويان كان يقول إنه من الصعب أن تكون إمبراطورا وأنت بين يدي الطبيب‏!‏ بمعني انك حتي ولو كنت إمبراطورا فإنك حين تخضع للكشف أمام الطبيب لاتكون إمبراطورا وإنما تصنع مريضا يطلب العلاج ولا قيمة لسلطته وسطوته في طلب الشفاء من المرض‏,‏ وكذلك أنت ايها الشاب حين تكون بين يدي فتاة خطبتها فإنك لاتكون حينذاك ذلك الإنسان حاد الذكاء وصاحب الذاكرة القوية جدا والجامعي الملم بقضايا الوطن والعالم‏,‏ فإذا حدثتك خطيبتك فيما يتحدث فيه البشر من أحاديث المسامرة وتزجية الوقت في مثل هذه المناسبة‏,‏ استدعيت علي الفور قوة ذاكرتك وذكائك الحاد‏.‏ لتكتشف علي الفور أنك تعرف حقيقة ماتتحدث عنه الفتاة وتقاطعها منبها إياها إلي كذب ماتقول وعدم صحته‏..‏ فيتفرج وجهها بحمرة الخجل‏,‏ وتشعر بعدم كياستك وتتهم ذوقك وانما انت في هذه الحالة مجرد شاب كغيره من الشباب يرغب في الاقتراب من خطيبته واكتشاف شخصيتها وتعريفها بسماته الشخصية وايجاد دوائر مشتركة للاهتمام بينهما‏.‏

والشخص المهذب كما يقول أحد المفكرين هو الذي يستمع باهتمام شديد إلي أمور يعرفها بأفضل مما يعرفها من يحدثه عنها‏!‏ لكنه من الكياسة وحسن الإدراك ألا يظهر لمحدثه معرفته بما يتحدث عنه‏,‏ وألا يصحح اخطاءه خلال الحديث اولا بأول وكأنه مدرس يصحح كراسة أحد تلاميذه‏..‏ احتراما لمشاعره وإنسانيته وحرصا علي الا يقطع خيوط الاتصال بينهما‏.‏

ولقد كان أرسطو يقول أنه ليست الشجاعة هي أن تقول كل ما تعتقده في كل الأحوال‏..‏ وإنما ألا تقول إذا تكلمت إلا ما تؤمن به‏.‏

والصراحة المطلقة إذا لم يكن الأمر يتعلق بشهادة حق تطلب من المرء‏..‏ أو بانصاف أحد أو نصرة مظلوم‏,‏ فإنها قد تكون جليطة تثير العداوات بلا مبرر وتقطع الخيوط بيننا وبين الآخرين بلا داع‏.‏

وقديما قالت العرب إن البلاغة هي مواءمة الحال لما يقال‏,‏ وليس من المواءمة أن تقاطع خطيبتك خلال حديث مرسل لها لأنك بذكائك الحاد وذاكرتك القوية جدا قد عرفت كل ما تريد هي قوله لك بمجرد أن نطقت بالكلمة الأولي منه‏,‏ ومثل هذه الخطيبة إذا شعرت بالنفور منك‏..‏ وعدم التواصل معك يكون لها كل العذر في ذلك‏,‏ لأن الكلام أخذ وعطاء وحوار بين طرفين‏..‏ وليس تسميعا من طرف ومقاطعة بالتصحيح من الطرف الآخر‏.‏

فانس قليلا حكاية ذكائك الحاد وذاكرتك القوية وعلمك الواسع بقضايا الوطن والعالم وأنت تتحدث إلي أي فتاة ترتبط بها في المستقبل‏..‏ وتذكر فقط أنك شاب تريد أن يقترب من خطيبته ويجتذب مشاعرها إليه‏..‏ وأن يعبر لها عن إعجابه بها وحبه لها‏..‏ وليس كل ذلك من الأحاديث التافهة كما تتصور‏,‏ بل إنه من الذكاء الحقيقي وليس المصطنع ومن الإنسانية‏..‏ وترضية النفوس‏..‏ والفهم الصحيح لحقائق الحياة‏..‏ فحاول مرة أخري مستفيدا من أخطاء تجاربك السابقة‏..‏ واكتسب بعض التواضع لكي يعلو قدرك لدي الآخرين ويتواصلوا معك بلا نفور ولا حواجز بإذن الله‏.

"نحن شعب ينتحر -بمزاجه- إنتحاراً جماعياً ببطء كين

~~~~~

قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "انها ستكون سنون خداعات .. يخون فيها الأمين ويؤتمن فيها الخائن .. ويكذب فيها الصادق .. ويصدق فيها الكاذب .. وينطق فيها الرويبضة .. قالوا وما الرويبضة يا رسول الله ؟ قال : الرجل التافه يتكلم فى أمر العامة

~~~~~

فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا (41) يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا (42){النساء}

رابط هذا التعليق
شارك

41171‏السنة 123-العدد1999اغسطس27‏16 من جمادى الأولى 1420 هــالجمعة

غرباء في الليل‏!‏

انا موظف بدرجة مدير عام‏,‏ أبلغ من العمر‏54‏ عاما‏,‏ وقد تزوجت منذ ربع قرن زواجا تقليديا من احدي قريباتي‏,‏ وأحببت زوجتي حبا عميقا جارفا كما بادلتني هي حبا بحب‏,‏ ورزقنا الله بابنتين جميلتين‏,‏ ثم سنحت لي فرصة السفر للخارج‏,‏ فسافرت للعمل بإحدي الدول وضحت زوجتي بعملها وتفرغت لرعاية البنتين والبيت‏,‏ وكنت أرجع إلي أسرتي لمدة شهر كل ستة شهور‏,‏ فأقضي أيامي مع زوجتي وأسرتي في سعادة وانسجام الي ان مضت عشر سنوات كاملة من الغربة ورجعت للاستقرار في بلدي‏,‏ ورزقنا الله بالمولود الثالث وكان ولدا واكتملت به سعادتنا‏,‏ وتخرجت الإبنة الكبري‏,‏ وتمت خطبتها وأوشكت الثانية علي التخرج‏,‏ أما الإبن الأصغر فقد بلغ نهاية المرحلة الابتدائية‏,‏ وبعد عودتي من العمل في الخارج كنت أسحب من مدخراتي لتغطية نفقات الأسرة التي تتزايد عاما بعد عام ونفقات التعليم والدروس الخصوصية إلخ‏,‏ حتي نفذت كل مدخراتي بعد‏14‏ عاما من العودة وفقدت السيارة التي كنت أمتلكها ولم أستطع شراء غيرها‏,‏ ولم أعد أملك سوي مرتبي الحكومي وهو يكفي بالكاد لمواجهة الضروريات‏,‏ لكنه ببركة من الله نظهر أمام الجيران والأهل بمظهر راق ومستوي جيد والحمد لله‏.‏

والمشكلة يا سيدي هو أن زوجتي بعد العشرة التي دامت بيننا‏25‏ عاما‏,‏ وبعد أن كبرت الإبنتان وقل دخلي وفقدنا السيارة التي كانت الأسرة تعتبرها الواجهة الاجتماعية الملائمة لنا‏,‏ بدأت زوجتي وبناتي يبتعدن عني‏,‏ وراحت زوجتي تسمم أفكار البنتين ضدي حتي استطاعت ان تجعل منهما حزبا ضدي‏,‏ بعد ان صورت لهما انني قيد علي حريتهما وسعادتهما‏,‏ ولقد حدثت زوجتي كثيرا عن أن ذلك ليس في صالح الأسرة فلم تستجب لي‏,‏ وأصبحت لا تهتم بمظهرها في البيت وتهمل شئونه‏,‏ كما بدأت تتعمد التهرب مني كزوجة‏,‏ الي ان هجرت منذ‏6‏ شهور غرفة نومنا ولجأت إلي حجرة البنتين‏,‏ وكلما عاتبتها علي ذلك قالت لي انها تقترب من الخمسين‏,‏ ولم يعد لها خلق علي شيء بل ونصحتني بالزواج من أخري‏,‏ وهي تعلم جيدا ان إمكاناتي لا تسمح لي بذلك‏..‏ فهل كل امرأة تبلغ الخمسين تصبح فاقدة للحياة علي هذا النحو؟

لقد أصبحنا الآن نعيش في بيت واحد كالغرباء في الليل والنهار‏,‏ لا نتبادل الحديث إلا في أضيق الحدود وللضرورة القصوي وانعدمت بيننا المودة والرحمة‏,‏ وكلما ضقت بأمري تساءلت‏:‏ هل كانت تفعل ما تفعل الآن أو تقول ما تقوله لو كان عندي المال الوفير كما كنت في الماضي؟

إنني أعيش في حرمان عاطفي وأخشي الوقوع فيما يغضب الله ولو بالنظرة الحرام في هذه السن‏,‏ وقد عصمني الله بعد الزواج فإذا كانت لي أخطاء قبله فإني أدعو الله دائما أن يغفرها لي بعد أن ندمت عليها‏..‏ وزوجتي بتصرفاتها هذه تدفعني دفعا الي احد أمرين‏:‏ اما الوقوع في الخطأ‏..‏ أو الزواج من أخري‏,‏ وحولي في العمل ومن المعارف من فاتهن قطار الزواج أو من طلقن أو ترملن ويقبلن بمثلي‏,‏ لكن أسرتي سوف تتحطم في هذه الحالة‏,‏ وقد يؤثر ذلك علي إتمام زواج ابنتي الكبري‏,‏ وابتعاد الخطاب عن أختها مع أن الجميع يعتبروننا أسرة مثالية‏,‏ ولست أريد ا ن ادمر هذه الصورة الجميلة ولا أن أؤثر علي معنويات الإبن الأصغر‏,‏ لهذا فإني أرجو أن تقدم النصيحة لزوجتي وهي من المعجبين ببابك وتقرأه بانتظام‏,‏ وان تؤكد لها انه اذا كان قلبي قد تغير بعض الشيء تجاهها بسبب تصرفاتها معي‏,‏ فانني لم أكرهها ومازال يراودني الأمل في اصلاحها وعودة المياه الي مجاريها بيننا‏,‏ لأنه ليس هناك أب يتمني التعاسة لأبنائه وأحبائه‏..‏ وشكرا‏..‏

ولكاتب هذه الرسالة أقول

اذا لم تكن هناك أسباب اخري لا أعرفها لهذا النفور الذي تبديه زوجتك تجاهك الآن‏,‏ فإني اقول لها انها تأثم بذلك أشد الإثم‏,‏ وإنك لو أصبت إثما نتيجة لهذا النفور‏,‏ غير المبرر وهذا الحرمان كان عليها بعض وزره‏.‏

فأما مسألة فقد الحياة عند سن الخمسين أو بعدها بالنسبة للمرأة فلا أساس لها من الصحة‏,‏ والمرأة الحقيقية كما تقول العبارة الأمريكية الشهيرة‏,‏ لا يتقدم بها العمر ابدا ولا تفقد رغبتها في الحياة ذات يوم‏,‏ فإذا كان ثمة نفور قد حل بينكما فلعله من اثر بعض التراكمات القديمة التي تختزنها الزوجة خلال رحلة السنين‏,‏ وتعبر عنها لا اراديا حين تجد في نفسها القدرة علي الصمود والمواجهة‏..‏ ولعله ايضا من اثر ما يسميه البعض بالكسل المعنوي‏,‏ الذي يفقد معه البعض الرغبة في استمرار بذل الجهد للارتقاء بالنفس والحفاظ علي الحيوية ورعاية حقوق الآخرين‏,‏ وهو كسل قد تعا ني منه الزوجة فلا تدفعه عن نفسها بقوة الإرادة والإحساس الداخلي بالشباب مهما بلغت من العمر‏,‏ وإنما تستسلم للخمول والجمود وفقد الحماس للاحتفاظ بالرونق القديم‏..‏ والإقبال علي الأشياء‏,‏ وقد يصاب به الزوجة كذلك فيكف عن الاهتمام بمظهره والعناية باختيار كلماته واشاراته وعن بذل الجهد لاجتذاب الطرف الآخر إليه‏,‏ كما قد يصاب به الإنسان ايضا حتي في علاقاته الاجتماعية الأخري فيتهرب به من أداء الواجبات‏..‏ ويضن بالجهد اللازم للحفاظ علي حرارة العلاقات الإنسانية مع الآخرين‏,‏ ولعل هذا الفتور قبل ذلك وبعده من اثر ازمة منتصف العمر لدي المرأة وما تستتبعها من بعض المشاكل البيولوجية التي يمكن تفادي آثارها بسهولة ويسر باستشارة الطبيب المختص‏..‏

وفي كل الأحوال فليس من صالح الوئام العائلي واستقرار الأبناء وسعادتهم ان يحل الفتور والجفاء الصامت بين الزوجين‏,‏ ولا هو من صالح الأسرة ان يجيش احد الأبوين بعض الأبناء ضد الطرف الآخر‏,‏ ولا ان تنقسم الأسرة إلي معسكرين يقود كل منهما طرفا من طرفي العلاقة الزوجية‏,‏ ويحشد لنفسه فيه الأنصار والمؤيدين‏,‏فالأسرة ليست ميدانا للصراع واستقطاب الأبناء ضد احد الأبوين‏,‏ وانما هي ارض التواد والتراحم والتعاون المشترك علي رعاية الأنباء وحمايتهم من الأنواء‏,‏ كما ان نقص الإمكانات المادية لا يمكن ان يخصم ابدا من جدارة الزوج بحب زوجته وأبنائه مادام لا يبخل عليهم بما ملكت يداه‏,‏ ولا يقصر في بذل الجهد لرعايتهم وتحمل مسئوليتهم والحدب عليهم‏,‏ والكفاح بإخلاص في الحياة من أجلهم‏.‏

فعلاقة الزوجة والأب بزوجته وأبنائه ليست علاقة استثمارية تزدهر كلما زاد الدخل والعائد‏..‏ وتتراجع أو تنكمش كلما انحسرت الأرباح وقلت المكاسب‏,‏ فإذا كانت زوجتك تعرض عليك الزواج من أخري حلا لمشكلتها تلك‏,‏ فلعلها تعرف عن نفسها أنها أول من ستشقي بهذا الاقتراح اذا تحقق‏,‏ وان ابناءها هم اول من سيدفعون ثمنه بالسلب من استقرارهم وأمانهم اذا دخل ذات يوم حيز التنفيذ‏,‏ بل انها لم تطرح هذا الاقتراح من الأصل إلا لتأكدها من استحالة تنفيذه‏.‏

فالتنفض إذن عن نفسها هذا الكسل المعنوي ولتحاول أن تبذل بعض الجهد لإعادة الجو الأسري الدافء إلي حياتها وحياة أبنائها ولتبذل أنت أيضا بعض الجهد في تنبيه مشاعرها واجتذابها إليك وتذكيرها بحبك إخلاصك لها‏,‏ وإصرارك علي تجديد الروابط العاطفية معها‏.‏

ولنأمل خيرا في حكمتها وأمومتها وقيمها الدينية كزوجة في أن تتجاوز سريعا هذه المرحلة‏,‏ وتنفض عنها غبار الاستسلام لفكرة السن التي لا أساس لها من الحقيقة‏..‏ وتتفتح للحياة من جديد‏.‏

وشكرا‏.‏

"نحن شعب ينتحر -بمزاجه- إنتحاراً جماعياً ببطء كين

~~~~~

قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "انها ستكون سنون خداعات .. يخون فيها الأمين ويؤتمن فيها الخائن .. ويكذب فيها الصادق .. ويصدق فيها الكاذب .. وينطق فيها الرويبضة .. قالوا وما الرويبضة يا رسول الله ؟ قال : الرجل التافه يتكلم فى أمر العامة

~~~~~

فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا (41) يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا (42){النساء}

رابط هذا التعليق
شارك

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة

×
×
  • أضف...