اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

بريد الجمعة - كنز التجارب الإنسانية ~ (محاولة للأرشفة )


KANE

Recommended Posts

41059‏السنة 123-العدد1999مايو7‏21 من شهر محرم 1420 هـالجمعة

موضوع الجدال‏!‏

أنا سيدة في الثانية والأربعين من عمري‏..‏ زوجة لرجل فاضل وإنسان بمعني الكلمة‏,‏ وقد أنجبت منه علي مدي‏12‏ عاما ثلاثة أطفال أكبرهم في الحادية عشرة من عمره‏,‏ وأصغرهم وهي بنت جميلة وذكية في الرابعة من عمرها‏.‏

والحق أنها ليست الرسالة الاولي التي أكتب اليك فيها‏,‏ فلقد كتبت لك من قبل رسالة لم أبعث بها اليك‏,‏ لانني لم استأذن زوجي في كتابتها‏,‏ وحين قرأتها عليه شعرت بأنه ليس راضيا عنها فمزقتها‏.‏

وكانت المشكلة التي أردت تحكيمك فيها بيني وبينه هي انني موظفة حكومية وزوجي موظف صغير بأحد بنوك القطاع العام‏,‏ وينفق مرتبه كله في البيت فلا يكفي لذلك‏,‏ بالرغم من انه لا يدخن ولا يجلس في مقهي‏,‏ وكان لهذا السبب يأخذ مني مرتبي كله ليكمل به نفقات البيت ومطالب الأبناء‏,‏ ولم أكن أعترض علي ذلك لكني كنت أريد فقط أن يترك لي جزءا من مرتبي ولو ربعه لكي أشعر بأنني موظفة وأتقاضي أجرا عن عملي ولي مصروف خاص‏,‏ وكان يغضب هو لذلك‏,‏ ونتجادل حول هذا الأمر‏,‏ ونختلف حول مشاركتي بمرتبي كله في مصروف الأسرة‏.‏ هل هو فرض علي كما كان يقول زوجي مادامت هناك ضرورة‏,‏ أم أنه تطوع كما كنت أقول وأري ان الرجل هو المسئول الاول والوحيد عن تلبية مطالب اسرته‏,‏ والآن ياسيدي فلقد توقف الجدال بيني وبينه حول هذا الامر‏,‏ وليته لم يتوقف‏.‏ فلقد ظهرت في حياتنا منذ أربع سنوات مشكلة أخري طغت علي كل المشاكل وجعلت منها ترفا نتحسر عليه الآن ونتمني لو كان قد استمر‏,‏ فلقد اصبت بالمرض اللعين في صدري منذ أربع سنوات‏.‏ وقال لي الأطباء انني محظوظة لاكتشافه مبكرا‏,‏ وحمدت الله علي ذلك وتقبلت الأمر برضا ولم اجزع له لانني مؤمنة بأننا لن نهرب من اقدارنا مهما اردنا‏,‏ واجريت لي الجراحة بنجاح والحمد لله‏..‏ وظلت حالتي الصحية جيدة بعدها فعشت حياة طبيعية ورحت اقوم بخدمة زوجي واطفالي واشارك في المناسبات الاجتماعية واقيم حفلات أعياد الميلاد للأبناء‏,‏ وأضع التورتات بنفسي وادعو الاهل والاقارب‏,‏ ونسيت تماما انني قد ابتليت بهذا المرض كما طلب مني الطبيب ان افعل‏,‏ واستمر الحال علي هذا النحو لمدة عامين‏,‏ ثم فجأة تدهورت حالتي وبدأ المرض ينتشر في جسمي‏,‏ وتمسكت بصبري وايماني ورضيت بما اختاره لي ربي وتلقيت العلاج من جديد وما أدراك ما عذابه وما آثاره الجانبية‏,‏ وتحملت كل شيء في جلد وصلابة‏,‏ واخفيت معاناتي عن زوجي واطفالي‏..‏ حتي كانت طفلتي تتعجب للطاقية التي أغطي بها رأسي وتسألني عن سبب ارتدائي لها دائما فأشغلها عن السؤال بشيء آخر‏.‏ أما زوجي فلقد وقف الي جواري في محنتي وراح يشد أزري ويخفف عني ويذهب معي من طبيب الي آخر ويذكرني بمواعيد الدواء ويصبر علي ظروفي الصحية التي لم تعد تسمح لي بأن اكون زوجة كاملة له منذ شهور‏,‏ ولم يعد له مطلب في الحياة سوي ان يستطيع ذات يوم ان يهييء لي زيارة بيت الله الحرام‏..‏ وقد اشتركنا في جمعية ادخار‏..‏ لكي نتمكن من اداء فريضة الحج في المستقبل‏,‏ لكن العمر يجري ولا أحد يدري هل يتسع لتحقيق هذه الأمنية الغالية أم لا‏,‏ واني اتعجب الآن من حالنا‏..‏ فلقد كانت المشكلة التي نتجادل حولها من قبل هي مرتبي وهل احتفظ لنفسي بقدر منه أم أنفقه كله علي البيت‏,‏ فنسينا هذه المشكلة الآن تماما‏,‏ وادركنا كم كانت تافهة واصبحت المشكلة هي هل يكتب الله لي الشفاء في القريب العاجل أم لا‏.‏؟ وهل يتسع العمر لتحقيق أمنية الحج أم لن يتسع؟‏.‏ فهل تعرف ياسيدي بعض الجمعيات أو الهيئات التي يمكن أن تساعدنا علي تحقيق هذه الأمنية في حدود امكانياتنا البسيطة؟

ولكاتبة هذه الرسالة اقول

‏ لو اتيح للانسان أن يطلع علي ما تخبئه له الايام لاستخسر أن يبدد الاوقات الخالية من مشاكل الحياة الحقيقية في الشقاء بما لا يستحق الشقاء به‏,‏ ولأحسن الاستمتاع بأوقات السعادة الصافية من كل الأكدار وغبط نفسه عليها‏..‏ ورجا ربه أن يطيل أمدها في رحلته ويحفظها عليه‏..‏ لكن متي اتيح للانسان أن يعرف ما سوف تحمله له امواج الحياة في قادم الايام‏,‏ ليسعد بحياته الحالية ويدرك كم هو سعيد الحظ لخلوها من الآلام الجادة؟

اننا للاسف لا نتنبه الي ذلك إلا حين تداهمنا اختبارات الحياة القاسية‏,‏ ولا ندرك قيمة السعادة المتاحة لنا إلا بالمقارنة مع ما نواجهه فيما بعد من أحزان وشقاء‏,‏ ولو ألهمنا الحكمة في الوقت المناسب لأبينا أن نبدد لحظة واحدة من الأيام الخالية فيما لا يستحق العناء من اجله او الشكوي منه‏,‏ ولادخرنا كل قوانا النفسية والصحية لمواجهة ما تخبئه لنا أمواج الحياة من أنواء‏,‏ تماما كما يستثمر الملاح أوقات هدوء الرياح في الراحة والاسترخاء والاستمتاع بجمال الطبيعة‏,‏ لكي يستنفر كل طاقته للسيطرة علي السفينة حين تهب عليها أعاصير الشتاء‏,‏ ولأن الأمر كذلك فلا عجب في أن يتواري موضوع الجدال القديم من حياتك ياسيدتي ويصبح بالمقارنة بما امتحنتك به الأقدار فيما بعد‏,‏ ترفا تتحسرين علي انقضائه وتتمنين لو كان قد استمر الي ما لا نهاية‏.‏

فأما موضوع الجدال الجديد في حياتك فإن ايمانك العميق بربك وتسليمك بارادته وامتثالك لقضائه سوف يحسمه لصالحك باذن الله فيتحقق الشفاء التام حين يأذن به ربك إن شاء الله‏,‏ ويتسع العمر لزيارة بيت الله الحرام وقبر رسوله الكريم بإذن الله‏.‏ والمهم ان نستمسك دائما بالأمل في رحمة الله‏,‏ وأن نؤمن كذلك بحقنا العادل في الحياة‏,‏ وفي الغد الافضل الذي تتحقق فيه الأمنيات‏.‏ فالايمان بالله جزء جوهري من العلاج‏,‏ والامل الغلاب في الشفاء يسرع به الي المريض والثقة في الله وحسن الظن به من أهم عوامل النجاة باذن الله‏..‏ وتفضلي بالاتصال بي مساء الاثنين المقبل لنستكمل الحديث حول كل ذلك إن شاء الله‏.‏

"نحن شعب ينتحر -بمزاجه- إنتحاراً جماعياً ببطء كين

~~~~~

قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "انها ستكون سنون خداعات .. يخون فيها الأمين ويؤتمن فيها الخائن .. ويكذب فيها الصادق .. ويصدق فيها الكاذب .. وينطق فيها الرويبضة .. قالوا وما الرويبضة يا رسول الله ؟ قال : الرجل التافه يتكلم فى أمر العامة

~~~~~

فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا (41) يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا (42){النساء}

رابط هذا التعليق
شارك

  • الردود 42
  • البداية
  • اخر رد

أكثر المشاركين في هذا الموضوع

الأيام الأكثر مشاركة

أكثر المشاركين في هذا الموضوع

Kane

أشكرك على كل نقل هذه التجارب المفيدة

كان هذا الباب أول ما نقرأه في عدد الجمعة قبل وفاة الرائع عبد الوهاب مطاوع

قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا

رابط هذا التعليق
شارك

41066‏السنة 123-العدد1999مايو14‏28 من شهر محرم 1420 هـالجمعة

محطة القطار‏!‏

أكتب لك للمرة الثالثة وأرجو أن تجد رسالتي لديك هذه المرة اهتماما كافيا لأنني في أشد الحاجة إلي مساعدتك‏..‏ فأنا شاب عمري‏36‏ سنة حاصل علي شهادة عليا ومن أسرة متوسطة ومحترمة‏..‏ وقد مضت حياتنا هادئة وطبيعية في ظل أبوينا‏,‏ فتعلمنا وعمل اخوتي وحققوا نجاحهم‏,‏ وعملت أنا بعمل مرموق باحدي الهيئات وأصبحت حياتي موزعة بين العمل والبيت والنادي‏,‏ وبعد التحاقي بالعمل خطبت فتاة فكان مصير خطبتي الفشل بعد حين لخلافات عائلية‏,‏ وبعد فترة أخري خطبت فتاة أخري‏,‏ وكان الفشل أيضا هو مصير هذه الخطبة الثانية ولنفس السبب‏,‏ ثم رحل والدي عن الحياة يرحمه الله وشعرت بالحزن الشديد عليه لأنه ضحي بالكثير من أجلنا‏,‏ وكان وافر العطاء لنا رحمه الله وأثابه عنا‏.‏ وعقب رحيله عن الحياة ببعض الوقت أبلغتني والدتي أن احدي صديقاتها وهي سيدة مصرية مهاجرة لأمريكا وترجع من حين لآخر فتلتقي بأمي وتتبادل معها الزيارات‏,‏ لها قريبة فتاة شابة تبحث عن فرصة ملائمة للعمل وطلبت مني أن أحاول مساعدتها علي العمل معي بنفس الهيئة‏..‏ ووعدتها خيرا ونسيت الأمر لبعض الوقت لكن إلحاح أمس علي دفعني لأن أحدث رئيسي في شأنها فطلب مقابلتها لابداء الرأي فيها‏,‏ وحددت معه موعدا للمقابلة واتصلت بالسيدة صديقة أمي وطلبت منها ارسال قريبتها إلي مكتبي في هذا الموعد‏,‏ وجاءت فوجدتها فتاة جميلة ومشرقة وممتلئة بالحيوية وتحدثت إليها حديثا طويلا وجدتني في نهايته أتمناها لنفسي وأتعجب لهذه الرغبة العجيبة‏,‏ وتم اللقاء بينها وبين مديري‏,‏ وانتظرت خروجها لأعرف ماذا جري في اللقاء لكنها كانت قد خرجت من باب آخر‏,‏ وبعد ساعات اتصلت بي لتشكرني وعرفت أن المدير قد اقتنع بها وقرر أن يعطيها فرصة للعمل تحت الاختبار‏,‏ وجاءت الفتاة إلي لكي أعرفها بظروف العمل وكيفية التعامل مع العاملين فيه‏,‏ وجري حديث طويل بيننا شعرت خلاله بانجذاب شديد إليها‏.‏ وتكرر اللقاء والحديث بيننا وفي كل مرة أجدني أكثر انجذابا إليها حتي سلمت بعد بضعة أسابيع بأنني أحبها وأرغب في الارتباط بها‏,‏ وهنا بدأت المشكلة التي اعتصرتني بعد ذلك وغيرت من مجري حياتي‏,‏ فلقد أدركت من الوهلة الأولي أن والدتي لن توافق علي الاطلاق علي ارتباطي بها علي الرغم من أنها هي التي أوصتني بتشغيلها في جهة عملي‏,‏ لأنها من وسط اجتماعي أقل من وسطنا وان لم يكن أقل من الناحية المادية حيث أن والدها يمارس عملا شريفا مربحا لكنه ليس عملا مهنيا مرموقا كعمل والدي‏,‏ وحاولت تجنب المشاكل مع والدتي التي أعرف عنها الصلابة وقوة الشخصية‏,‏ فقررت الابتعاد عن هذه الفتاة‏,‏ وحاولت ذلك بالفعل لكني وجدتني عاجزا عن الاستمرار في البعد ومكتئبا وحزينا علي الدوام‏,‏ فتشجعت وفاتحت أمي برغبتي في خطبة هذه الفتاة‏,‏ فكانت الطامة الكبري وانفجرت في وجهي بالرفض والصراخ والبكاء وأثارت علي اخوتي‏,‏ وفشلت كل المحاولات معها لاثنائها عن هذا الموقف المتشدد‏,‏ وانقطع حبل الكلام بيني وبينها‏,‏ وفي غمرة ضيقي بتأزم العلاقة بيني وبين أمي توجهت إلي الأزهر الشريف ودار الافتاء وحصلت منهما علي فتوي مكتوبة بأن من حقي شرعا أن أختار من أريد وأتزوجها علي سنة الله ورسوله لأنني رشيد‏,‏ ورجعت إلي أمي بهذه الفتوي‏,‏ فرفضتها لأنها للأسف كانت مختصرة وغير مسببة وتتحدث فقط عن جواز أن أفعل ذلك من الناحية الشرعية‏,‏ وهجرت البيت خلال فترة اشتداد الخلاف بيني وبين أمي بصفة مؤقتة تجنبا لتصعيد الموقف‏,‏ فطلبت مني والدتي العودة ووعدتني بالتفاهم ورجعت مستبشرا فاذا بها علي نفس موقفها أو أشد‏,‏ وبدأت في الشجار معي من جديد كل يوم حول هذا الموضوع وتدخل الآخرون بيننا فأدي التدخل إلي زيادة العناد وارتفاع الصوت وساءت حالتي المعنوية كثيرا‏,‏ وقل تركيزي في العمل بعد أن كنت مرشحا للنجاح الباهر فيه‏,‏ حتي تم نقلي إلي مكان آخر داخله وأصبح مزاجي حادا وعصبيتي شديدة ووالدتي تلاحقني كل يوم بالتهديد والمطالبة بترك هذه الفتاة‏,‏ وفي فترة يأس شديدة قررت الحصول علي اجازة بدون مرتب من عملي والسفر إلي أمريكا لألحق بصديق مهاجر إلي هناك منذ فترة‏,‏ وقدرت انني اذا لم أوفق في الحصول علي عمل خلال فترة محددة‏,‏ فإني أستطيع العودة لعملي في مصر‏,‏ بعد أن أكون قد ابتعدت بعض الوقت عن الجحيم الذي أعيش فيه بسبب الخلاف مع والدتي وعلي أمل أن يسهم البعد في تهدئة الغضب والأعصاب وكتبت إليك في هذه الفترة رسالتين أستشيرك فيهما في ذلك لكنهما ضاعتا للأسف في زحام الرسائل لديك ولم أقرأ ردا عليهما‏.‏

وسافرت بالفعل بغير معارضة من جانب والدتي‏,‏ بل لعلها سعدت بسفري لكي أبتعد عن هذه الفتاة وأتخلي عن الرغبة في الزواج منها‏,‏ واستقبلني صديقي أحسن استقبال وأشركني معه في مسكنه وقدمني لصاحب العمل الذي يعمل معه حيث كان يستعد لتركه لعمل آخر‏..‏ وعملت في مكان صديقي‏,‏ وبدأت حياتي في الغربة‏.‏ وبعد أسابيع كانت فتاتي قد نجحت هي الأخري في الحصول علي تأشيرة الدخول عن طريق قريبتها المهاجرة وجاءت إلي نفس المدينة التي أقيم فيها وأقامت لدي أقاربها وعملت‏,‏ وأصبحنا نلتقي كل مساء في محطة القطار عقب انتهاء العمل وكل منا في طريقه إلي بيته‏,‏ فتشرق أسارير كل منا حين يري الآخر ويقبل عليه بلهفة ونمضي معا في المحطة فترة سعيدة من الزمن يروي فيها كل منا للآخر ماذا فعل في يومه‏,‏ وماذا صادفه من أحداث وتجارب ثم يركب كل منا قطاره إلي سكنه علي وعد باللقاء في اليوم التالي‏.‏

ومضت حياتي في الغربة في طريقها المعهود ومن حين لآخر أحاول أن أتلمس من خلال الاتصال التليفوني بأمي أي تغير في موقفها من مسألة زواجي من هذه الفتاة فأجدها علي رفضها وتمسكها الشديد بموقفها فألتزم الصمت خاصة وأنها لاتعرف أن فتاتي قد جاءت إلي نفس البلد الذي أعيش فيه‏..‏ ومضت شهور علي غربتنا حدثت خلالها مشاكل كثيرة‏..‏ وانتقلت أنا إلي أكثر من عمل وواجهت فتاتي بعض المشاكل في عملها فطلبت منها تركه واستجابت‏.‏ ونصحني بعض الأصدقاء في الغربة بأن أتزوجها ولو عرفيا حماية لها من مؤثرات الغربة‏,‏ وأقاويل زملاء العمل المهاجرين‏..‏ ورحت أفكر في ذلك طويلا وفي وقعه علي والدتي‏,‏ فقررت أن أصارحها في التليفون لأول مرة بأن فتاتي مقيمة في نفس البلد الذي أعيش به‏,‏ وفعلت ذلك مترددا فاذا بها تجري تحريات عني وعن هذه الفتاة عن طريق بعض الأصدقاء في الغربة وتتصل بأحد الأشخاص العائدين لمصر في اجازة لتسأله عن رقم تليفون صديق لي في الغربة فيتطوع سامحه الله وهو الذي كان علي خلاف مع فتاتي وبسببه طلبت منها أن تترك العمل‏,‏ كان يتقول عليها بكل سوء وبأن يقول لأمي اننا قد تزوجنا‏,‏ فثارت ثورة عارمة ومرضت واتصلت بي تليفونيا لتطلب مني طلاقها باصرار شديد‏,‏ وكلما حاولت الشرح أو الاعتذار لم أسمع منها سوي كلمة‏:‏ طلقها‏!!‏ ورجعت إلي البيت في ذهول لمعرفتها بأمر زواجنا وواجهت فتاتي بما حدث وسألتها عما أفعل فتوسلت إلي ألا أطلقها لأنها سوف تتحطم نهائيا اذا فعلت ذلك فهي تحتاج إلي وتحبني ولا تري لنفسها حياة بعيدا عني‏,‏ وشعرت بضعفها وانكسارها فأحسست بخنجر حاد ينغرس في قلبي‏,‏ وازددت ألما وحرنا وأنا الآن في حيرة من أمري‏,‏ فأمي تطلب مني طلاقها باصرار ولا تقبل أي تفاهم حول هذا الأمر‏,‏ وأنا أحبها ولا أرضي بغيرها بديلا‏,‏ ولا أريد في نفس الوقت أن أفقد أمي التي أحبها وأعترف لها بفضلها علي وأبكي ألما لمرضها حين تمرض ولغضبها حين تغضب‏..‏ انني أرجوك أن تساعدني علي الخروج من هذه المحنة بغير أن أفقد أمي أو فتاتي وأن تكتب لوالدتي كلمة تستعطفها فيها ألا تحرمني من رضاها عني ومشورتها لي التي أفتقدها الآن بسبب هذه الظروف المعقدة‏..‏

ولكاتب هذه الرسالة أقول

الهروب من مواجهة المشكلة ليس حلا لها‏,‏ وأنت قد واجهت مشكلتك مع رفض والدتك لمن اختارها قلبك بالهروب النفسي والمكاني من مواجهة المشكلة وليس بالصبر عليها ومحاولة التوصل إلي حل وسط لها‏..‏ ولأن الهروب من مواجهة المشاكل لايثمر سوي تأجيل انفجارها لفترة من الزمن‏,‏ فلقد انفجرت المشكلة الآن بينك وبين والدتك بشكل أعنف مما كان عليه الحال قبل أن تلجأ إلي هذا الحل الهروبي‏.‏ ولا غرابة في ذلك لأن تأجيل بعض المشاكل يؤدي إلي تفاقمها وتعقدها بدلا من أن يساعد علي حلها‏..‏ وأنت قد هربت من المواجهة ـ مكانيا ـ بالهجرة إلي أمريكا‏..‏ ونفسيا ـ بتكتم خبر وجود فتاتك في حياتك بالغربة عن والدتك‏..‏ وبادعاء أن سفر فتاتك إلي المهجر ولقاءك بها هناك كانا مجرد مصادفة قدرية أتاحت لكما اعادة جمع شملكما واستكمال مشوار الحب والارتباط من جديد‏,‏ وكذلك بالتعمية علي حقيقة زواجك منها في الغربة حتي في رسالتك لي وإلي حد أنني لم أتبين زواجك منها إلا من خلال مطلب والدتك القاطع منك أن تطلقها‏!‏ فلماذا لاتعترف لنفسك ولوالدتك والجميع بحقائق الأشياء بلا هروب ولا تنصل منها؟

ولماذا لاتعترف لنفسك بأنك قد دبرت مع فتاتك حين يئست من قبول والدتك لها كزوجة لك أن تهاجرا إلي أمريكا الواحد بعد الآخر لتلتقيا هناك وتتزوجا بغير معارضة من أحد؟

انك لو كنت قد فعلت ذلك قبل سفرك وهجرتك وامتلكت شجاعة المواجهة لوالدتك وصارحتها بنيتك في الهجرة خصيصا لكي ترتبط بفتاتك هناك‏,‏ وانه لابديل أمامك سوي ذلك مادامت هي مصرة علي موقفها المتصلب منها‏,‏ لربما أعانتها هذه المواجهة الصريحة علي ادراك الحقيقة التي غاب عنها ادراكها في غمار معارضتها لهذا الزواج وتكتمك أنت لحقيقة الموقف عنها‏,‏ وهي أن رغبتك في الزواج من فتاتك هذه قد خرجت عن نطاق السيطرة وان استمرارها في معارضتها لك إلي ما لانهاية لا عائد له عمليا إلا دفعك إلي الخروج عن طاعتها والزواج من فتاتك رغما عنها في السر أو العلن‏,‏ ومادام الأمر قد بلغ بك هذا الحد الذي لاتجدي معه النصيحة أو المجادلة‏..‏ فإن الأكرم لها ألا تستمر في معارضتك إلي ما لانهاية حتي ولو كانت غير راضية عن اختيارك‏,‏ ولربما كانت قد أدركت حينذاك أن من واجبها كأم تحرص علي ألا يخرج ابنها علي طاعتها‏,‏ أن ترخي الخيط الرفيع الذي يربط بينه وبينها قبل أن ينقطع بالعصيان والاقدام علي تنفيذ ما لم تقبل به رغما عنها ولو في السر‏.‏ لكنك لم تفعل ذلك وآثرت الحل الهروبي‏,‏ وكانت النتيجة هي انفجار المشكلة ومواجهتك لهذا الاختيار القاسي بين الأم ونداء القلب‏.‏ ولأن ماجري قد جري فسوف أتوجه بحديثي إلي السيدة الفاضلة والدتك‏..‏ وأقول لها انني أقدر دوافعها كأم لمعارضة زواج ابنها ممن تراها من وجهة نظرها غير ملائمة له‏,‏ وأعرف جيدا أنها ماعارضت هذا الزواج إلا طلبا لما تراه الأفضل والأنفع لابنها‏..‏ لكن من حقائق الحياة كذلك مايفرض علينا ياسيدتي أن نسلم به وألا نقف في طريقه وإلا اكتسحتنا أمواجه في طريقها‏,‏ ومن هذه الحقائق أن لأبنائنا الحق في أن يختاروا لحياتهم مايرون هم من وجهة نظرهم أنه سوف يحقق لهم سعادتهم وأمانهم في الحياة‏,‏ وليس لنا عليهم سوي واجب النصيحة والارشاد‏,‏ فإن تبينوا ما في وجهة نظرنا من أوجه الحكمة والخير لهم وعملوا بنصحنا سعدنا باستماعهم لنداء العقل ورجونا لهم الخير في الدنيا والآخرة‏,‏ وان عميت أبصارهم عما في رأينا من حرص عليهم وخير لهم واختاروا أن يخوضوا تجربتهم في الحياة وفقا لرؤيتهم ورغباتهم‏,‏ لم يكن لنا أن ننكر عليهم حقهم في التجربة والاختيار حتي ولو كنا نري في الأفق نذر التعاسة والفشل تقترب من سمائهم‏,‏ ذلك لأنهم راشدون ومسئولون عن أنفسهم شرعا وقانونا‏,‏ وغاية أمرنا معهم هو أن نوجه أنظارهم إلي ما قد يغيب عنهم في غمرة اندفاعهم لنيل مايريدون‏,‏ ونرجو الله أن يكذب الظنون ويحقق لهم مايرجونه لأنفسهم من سعادة ونجاح ولو أثبت ذلك خطأ توقعاتنا‏.‏ ولقد كان هذا هو مضمون الفتوي التي حملها إليك ابنك من لجنة الافتاء بالأزهر ودار الافتاء حتي ولو لم تتعرض للتفاصيل‏,‏ ولهذا فليس من الرشد أن نفرض نحن حكمتنا علي أبنائنا الراشدين ولو كنا علي يقين أنها الأنفع لهم‏,‏ ولا أن نلزمهم برؤيتنا للأشياء ولو كنا علي ثقة من خطأ تقديراتهم‏.‏ وإلا دفعناهم بذلك دفعا إلي شق عصا الطاعة علينا واهدار مشورتنا في كل أمور الحياة‏.‏ ولقد قال الله سبحانه وتعالي لرسوله الكريم‏:‏ انك لاتهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء‏56‏ القصص‏,‏ والمعني هو أن الحب وحده قد لايكفي أحيانا لاقناع من نحب بما نريده له من خير ورشاد‏,‏ وان لقدرة البشر حدودا في ذلك‏,‏ ولو كانوا من الرسل المكرمين فما بالنا نحن‏.‏ أن الحب الحقيقي المبرأ من الأنانية وشهوة التسلط علي الأبناء هو الحب الذي لايضعهم أمام الاختيار القاسي بيننا وبين من يختارون وما يختارون من اختيارات الحياة لأننا بذلك لانعينهم علي البر بنا وانما علي شق عصا الطاعة علينا‏,‏ وليس من حقنا حين ندفعهم دفعا إلي ذلك أن نأسي لأنفسنا ونتهمهم بالعقوق‏,‏ لأننا في واقع الأمر قد حرضناهم تحريضا عليه‏,‏ بالتصلب الشديد معهم والتمسك المطلق بإخضاعهم لمشيئتنا دون النظر إلي رغباتهم واختياراتهم واعتباراتهم الشخصية والإنسانية‏.‏ ويكفيك دليلا علي حب ابنك لك وحرصه علي ألا يفقدك‏,‏ تخفيه بأمر زواجه عنك وهو يعيش علي بعد آلاف الأميال عن أنظارك‏,‏ ويكفيه دليلا علي ذلك أيضا أنه لايحتاج إليك ماديا لكي يتوسل بطاعته الشكلية لك لنيل مايطمح إليه منك‏,‏ وانما كل ما يرجوه منك هو رضاك عنه‏..‏ وتسليمك بحقه في الاختيار لحياته حتي ولو لم يكن هذا الاختيار مقنعا لك‏,‏ فتنازلي ياسيدتي عن موقفك المتصلب معه ورفضك لاختيار ابنك لحياته حتي ولو كانت كل مبرراتك للرفض صحيحة وصائبة واختياره لنفسه خاطئا ولا تحرميه من رضاك عنه وتواصلك الإنساني معه‏,‏ وحقه في خوض تجربة الخطأ والصواب علي مسئوليته الكاملة وتذكري أنه يعيش الآن في مجتمع يعتبر مجرد تدخل الأب أو الأم بابداء الرأي في اختيار الأبناء عدوانا صارخا علي حريتهم الشخصية وحقهم في الاختيار‏.‏ وعلي الرغم من ذلك فهو لم يتأثر والحمد لله بمؤثرات هذا المجتمع ولم يفقد الرغبة في استرضائك والأمل في نيل قبولك لما اختار لحياته‏..‏ كما أرجوك أيضا في النهاية أن تتذكري أن ابنك الشاب هذا ليس فتي غرا مراهقا تتحملين أمانة المسئولية عنه أمام الله والناس‏,‏ وانما رجل مكتمل الأهلية في السادسة والثلاثين من عمره ومن حقه أن يختار لحياته حتي ولو لم نرض نحن عن هذا الاختيار وشكرا‏..‏

"نحن شعب ينتحر -بمزاجه- إنتحاراً جماعياً ببطء كين

~~~~~

قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "انها ستكون سنون خداعات .. يخون فيها الأمين ويؤتمن فيها الخائن .. ويكذب فيها الصادق .. ويصدق فيها الكاذب .. وينطق فيها الرويبضة .. قالوا وما الرويبضة يا رسول الله ؟ قال : الرجل التافه يتكلم فى أمر العامة

~~~~~

فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا (41) يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا (42){النساء}

رابط هذا التعليق
شارك

41073‏السنة 123-العدد1999مايو21‏5 من صفر 1420 هـالجمعة

سوط الحقيقة‏!‏

كتبت إليك من قبل رسائل عديدة في فترات سابقة ولم أرسلها لك‏,‏ أما الآن فاني في حاجة إلي مشورة إنسان لايجاملني ولا يترفق بي‏..‏ وانما يمسك بسوط الحقيقة ويجلدني به بلا شفقة‏.‏

فأنا سيدة في الثانية والثلاثين من عمري‏,‏ تزوجت بعد حصولي علي الشهادة الاعدادية مباشرة امتثالا لرغبة أبي‏..‏ ولم أكن أرغب في زوجي ولا أحبه بالرغم من أنه شاب هاديء وطيب‏,‏ وقد استمر زواجنا‏12‏ عاما حملت خلالها‏4‏ مرات وفي كل مرة يموت الجنين أو المولود بمجرد ولادته‏,‏ فيئس مني زوجي وبدأ يفكر في الزواج مرة ثانية‏,‏ وتجرعت المرارة طوال عامين وأنا أراه مشغولا بالتفكير في الزواج إلي أن فاض بي الكيل فطلبت الطلاق‏,‏ ورجعت إلي بيت أسرتي جريحة الكرامة والأنوثة‏,‏ ومضت شهور قليلة تقدم إلي خلالها كثيرون لأني كما يقولون شابة جميلة‏,‏ وكان معظم المتقدمين لي من المتزوجين‏,‏ وفكرت جديا في الزواج من رجل لديه أبناء لكيلا أقاسي ماقاسيته مع زوجي السابق بسبب الانجاب‏,‏ ورجوت أبي ألا يتدخل هذه المرة في اختياري لمن يشاركني حياتي بعد ماحدث في المرة الأولي‏,‏ وتقدم لي شاب عمره‏30‏ عاما ومتزوج وله طفلتان‏,‏ وزوجته حامل‏!‏ وبالرغم من ذلك فقد طلبت أن أتحدث معه لأعرف شخصيته وجاء إلينا وقال انه غير متفاهم مع زوجته لكنه لم يطلقها من أجل أطفاله‏,‏ وانما سيتزوج بمن يتفاهم معها‏,‏ وان زوجته موافقة علي ذلك‏..‏ وتعجبت لما سمعت وطلبت منه أن يدعو زوجته للحضور معه إلي بيتنا في الزيارة المقبلة لأتأكد من قبولها بزواجه من غيرها‏..‏ وجاءت معه بالفعل ووجدتها أصغر مني سنا وجميلة جدا‏,‏ وسألتها عما قاله لي زوجها فهزت رأسها وقالت انه سيتزوج في كل الأحوال سواء مني أم من غيري‏..‏ ولهذا فهي لاتعترض تسليما بالأمر الواقع وبالرغم من أن كل الظروف كانت تدعوني للابتعاد عن هذا الشاب فقد قبلت به وتمت خطبتنا‏..‏ وبعد الخطبة ترامت إلي أقاويل عن سلوكه وسوء سمعته من الناحية النسائية وعلمت أن عمله يتطلب منه أن يقضي في كل محافظة بضعة شهور فيبتعد عن زوجته ويتورط في علاقة نسائية أخري‏,‏ بل ان والده نفسه قد جاءني بعد الخطبة ونصحني بألا أتزوج ابنه لأنني لا استحق ماسوف ينالني منه‏,‏ وواجهته بما قيل لي عنه فاذا به يعترف لي بكل بساطة بأن كل ما سمعته عنه صحيح‏,‏ لكن تفسيره لي هو أنه كان يبحث عن الحب الذي لم يجده في حياته الزوجية وانه مادام قد وجده فسوف يتغير ويبدأ معي صفحة جديدة في حياته‏,‏ ويلتزم بالصلاة وفروض دينه الخ‏.‏

وثار أهلي جميعا ورأوا عدم اتمام هذا الزواج الذي لن يعدني إلا بالمشاكل‏,‏ لكني صممت علي أن أتزوجه وسط دهشة الجميع واعتراضهم لسبب بسيط هو أنني كنت مشدودة إليه بقوة وتأكدت من أنني أحبه‏,‏ وتخيلت أن الحب الحقيقي يطهر الإنسان من أدرانه ويجعله أقرب إلي الملائكة ومادام قد أحبني فلسوف يتغير إلي الأفضل‏,‏ وتزوجته بالفعل بالرغم من مقاطعة أهلي ورفض معظمهم لهذا الزواج‏,‏ وطلبت منه أن يكون عادلا بيني وبين زوجته الأولي‏,‏ وبدأت حياتي بالاقتراب منها وزيارتها والخروج معها ونجحت إلي حد كبير في امتصاص غضبها‏,‏ خاصة بعد أن وقفت إلي جوارها حين وضعت حملها وأنجبت طفلا جميلا‏.‏ وبعد فترة قصيرة شعرت بالجنين يتحرك في أحشائي وسعدت بذلك كثيرا وآملت أن تتحقق أمنيتي الغالية هذه المرة‏,‏ ووضعت طفلة لكنها للأسف ماتت هي الأخري بعد ولادتها بساعة‏,‏ واكتأبت لذلك كثيرا ثم حاولت التآلف مع ظروفي‏,‏ وبعد فترة أخري وقع خلاف شديد بين زوجي وزوجته الأولي طلبت علي اثره الطلاق منه وحصلت عليه‏,‏ وتنازلت له عن حضانة الطفلتين والولد الذي كان عمره حينذاك ستة شهور‏,‏ وفكر زوجي في أن يضم أطفاله الثلاثة إلي والدته لكي ترعاهم‏,‏ لكني رفضت ذلك باصرار وصممت علي أن يقيموا معي لأنني أحبهم حيث أنهم بضعة من زوجي الذي أحبه‏,‏ وجاء الأطفال للاقامة معنا وحملت الطفل الصغير بين يدي وأنا في غاية الابتهاج واذ كانت المرة الأولي في حياتي التي يصبح لي فيها طفل وليد‏,‏ وسعدت للغاية بالطفلتين وبكلمة ماما الجميلة التي حرمت منها طوال عمري وتعلقت بالطفل الوليد كثيرا وأصبحت أخاف عليه حتي من ملامسة يدي لجسمه الرقيق‏,‏ واعتبرته تعويض السماء لي عن حرماني الطويل وأصبح الجميع ينادونني باسمه ومضت سنتان وأنا في سعادة غامرة‏,‏ بالرغم من أن زوجي لم يتغير ولم يكف عن المغامرات النسائية‏,‏ ولم ينكرها أيضا حين واجهته بها‏,‏ لكني احتملت حياتي وتفانيت في محاولة اسعاده واسعاد أولادي وحرصت علي أن أكون زوجة مثالية وأما رائعة ولست زوجة أب‏.‏ وخلال ذلك كانت مطلقة زوجي قد تزوجت من رجل آخر وعاشت معه ولم تعد تسأل عن الأطفال‏.‏

وفجأة عرفت انها قد حصلت علي الطلاق من زوجها واكتشفت لدهشتي وذهولي أن زوجي ظل طوال العامين الماضيين يطاردها وهي زوجة لرجل آخر إلي أن طلقها منه لترجع إليه‏..‏ وانه الآن في انتظار فترة العدة لكي يتزوجها‏..‏

وصعقت حين علمت بذلك وواجهته فلم ينكره ومشكلتي الآن هي أنني لم أعد أتخيل أن ترجع حياتي إلي الخواء الذي كانت عليه بعد عامين طويلين اعتدت خلالهما علي وجود أولادي معي‏,‏ وامتلأت بهم حياتي وروحي ونفسي فكيف أتركهم لها الآن خاصة ابني الصغير هذا؟

ان من المستحيل أن تسمح هي بأن يظل معي لأنها لن تترك لي ابنها‏,‏ لكنه لو خير بيننا لاختارني حيث انه لايعرفها ولقد حاولت الهروب من المشكلة فطلبت الطلاق من زوجي لأعود لأسرتي وأغلق حياتي علي نفسي وهمومي‏,‏ لكنه رفض واتهمني بالأنانية لأنني أريد أن أحرم زوجته السابقة من أطفالها‏,‏ ونسي أنها هي التي اختارت وتركت أولادها وتنازلت عنهم ونسي انها تركتهم عامين لم تفكر خلالهما سوي في حياتها ونفسها في حين سلمت أنا روحي ونفسي لهم وتعودت علي وجودهم في حياتي‏..‏ انني أعرف انه ليس ذنبها‏..‏ لكنه أيضا ليس ذنبي حيث أعتقد انني لم أخطيء في شيء بل احتملت مرارة حياتي من البداية للنهاية وتحملت فضائح زوجي النسائية من أجل بيتي وأولادي وحياتي‏,‏ كما أنني أعرف أن الطلاق لن يحل مشكلتي بل سوف يعقدها لأنني أحب زوجي بالرغم من كل شيء‏,‏ ولأن زواجي به هو الزواج الثاني في حياتي ولن أحتمل الفشل مرة أخري‏..‏ فهل أنا ظالمة أم مظلومة‏..‏ وبماذا تنصحني؟

ولكاتبة هذه الرسالة أقول‏:‏

اذا كنت تحتاجين حقا لمن يجلدك بسوط الحقيقة ولا يجاملك علي حسابها‏,‏ فلابد لي من أن أقول لك ان رغبتنا الشديدة في الأشياء لاتسوغ لنا أبدا اغتصابها من أصحابها أو الاستئثار بها دونهم‏,‏ حتي ولو أهملوها بعض الوقت أو بدوا لنا غير مبالين بها‏,‏ فالحقيقة التي تبقي غير قابلة للجدال هي أن حقهم فيها يظل قائما وثابتا بغير الحاجة إلي دليل‏.‏ كما أن رعايتنا نحن لهذه الودائع الثمينة في فترة انصراف أصحابها عنها قد توجب لنا الشكر عليهم لكنها لاترتب لنا أبدا حق الاستيلاء عليها دونهم بحجة أننا قد أخلصنا في رعايتها وأحببناها وسعدنا بها وملأت علينا حياتنا‏.‏ وهكذا فلابد لك لكي لاتتجاوزي حد الانصاف أن تسلمي بهذه الحقيقة المؤلمة لك وهي أن هؤلاء الأطفال الثلاثة ليسوا أبناءك وانما هم أبناء هذه الأم التي تخلت عن حضانتهم بعض الوقت وتزوجت من غير أبيهم وتستعد الآن لاعادة جمع شمل أطفالها مع أبيهم تحت سقف واحد‏.‏

ولأن الحقيقة كثيرا ما تكون مصادمة لأهوائنا ورغباتنا فإن شجاعة التسليم بها تتطلب منا أن نرتفع فوق هذه الرغبات والأهواء‏,‏ وألا نتأثر بمشاعرنا الشخصية في حكمنا علي الأمور لنكون من المنصفين‏,‏ فالحق ينبغي له أن يكون أحب إلينا مما تهفو إليه نفوسنا وقلوبنا‏.‏ ولقد كان الفقيه الحنبلي ابن القيم الجوزيه في شرحه لكتاب الشيخ الهروي منازل السائرين يقول حين يتهيأ لمعارضته في بعض آرائه‏:‏ شيخ الإسلام حبيب إلينا عزيز علينا لكن الحق أحب إلينا منه وأعز علينا منه‏,‏ ثم يعرض بلا حرج مايختلف فيه معه‏.‏

فلعلك تفهمين من ذلك اذن أن تقديري لظروفك الإنسانية وتطلعك المحروم للأطفال لايجيز لي أن أخالف الحق المر بالنسبة لك‏,‏ وهو أن هؤلاء الأطفال الثلاثة مهما بلغ من حبك لهم وعطفك عليهم واحتياجك النفسي لوجودهم في حياتك‏,‏ ليسوا متاعا يفقد صاحبه الحق فيه اذا أهمله أو ابتعد عنه راغما أو راضيا بعض الوقت‏.‏ وانما هي أمانة استودعت إياها في ظروف معقدة‏,‏ ثم تغيرت هذه الظروف الآن وآن لك أن ترديها إلي أهلها كما يأمرنا بذلك الحق سبحانه وتعالي مع الفارق في التشبيه في قوله تعالي‏:‏ إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلي أهلها‏58‏ النساء‏,‏ وفي قوله تعالي‏:‏ فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي أؤتمن أمانته وليتق الله ربه‏283‏ البقرة‏..‏ خاصة اذا تذكرت في هذا الشأن قوله صلي الله عليه وسلم فيما معناه‏:‏ من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة وتذكرت كذلك أن عمر ابن الخطاب قد طلق زوجته الأنصارية بعد أن أنجب منها ولدها عاصم ثم رآه في الطريق وأراد ضمه إليه فقال له أبوبكر‏:‏ ريحها ومسها ومسحها وريقها خير له من الشهد عندك ياعمر‏..‏

فاذا كان هذا هو الحال مع الأب فكيف يكون معك أنت ياسيدتي مهما بلغ من حبك لهؤلاء الأطفال وحنوك عليهم واحتياجك النفسي إليهم‏..‏ فلا تجادلي في الحق الذي لا مراء فيه‏.‏ ولا تحاولي اقناع نفسك بأنك أحق بهؤلاء الأطفال الصغار من أمهم التي حملتهم وهنا علي وهن لأنها قد انفصلت عن زوجها وتزوجت غيره‏..‏ وابتعدت عنهم راغمة أو راضية عامين من الزمان‏,‏ ذلك أننا لانعرف الكثير عن ظروف انفصالها عن زوجها‏,‏ وان كان زواجه بك وهي حامل في طفله الثالث بدعوي عدم تفاهمه معها‏,‏ يكفي وحده للاشارة إلي ماعانته وتكبدته من أجل الحفاظ علي هؤلاء الأطفال أنفسهم حتي لتضطر راغمة للتسليم بزواجه من غيرها وتصحبه أيضا إلي بيتك لتبلغك بعدم معارضتها له‏,‏ والله وحده أعلم بعمق الجرح في قلبها وصدرها وهي تفعل ذلك فاذا كانت قد ضاقت بها الحيل بعد حين وطلقت منه وتزوجت غيره وكان الثمن الباهظ لذلك هو التنازل عن حضانة هؤلاء الصغار‏,‏ فإن وقوفك في وجه إصلاح هذا الخطأ الفادح واعادة جمع شمل الأطفال بين أبيهم وأمهم لايمكن تفسيره بالفعل إلا بالأنانية ومحاولة ايثار النفس بما ليس من حقها حتي ولو كانت في أشد الاحتياج إليه‏,‏ لأن الاحتياج وحده لايصنع حقا لأحد تماما كما أن الاستغناء لايسقط حقا لبشر‏,‏ ولقد اخترت حياتك هذه بملء ارادتك فارتبطت برجل متزوج وزوجته حامل في طفله الثالث‏,‏ ومضيت في مشروع زواجك منه بالرغم مما اطلعت عليه من أمره‏,‏ ولم تستجيبي في ذلك لنصح الناصحين حتي والده الذي كره لك أن تتعرضي معه لما لاتستحقين من المتاعب والمشاكل‏,‏ فأنت اذن واختيارك ولك أن تبرريه لنفسك بما تشاءين من المبررات العاطفية حتي ولو أنكرها العقل والحكمة‏,‏ لكنه لايحق لك مهما كانت معاناتك مع الحرمان المؤلم من الانجاب‏,‏ أو الارتباط العاطفي بهؤلاء الصغار أن تدعي لنفسك فيهم حقا ليس لك‏,‏ ولو كنت قد أحسنت رعايتهم والحدب عليهم‏,‏ لكنه علي الناحية الأخري فإن‏:‏

من بفعل الخير لايعدم جوازيه

لايذهب العرف بين الله والناس

وهكذا فإن رعايتك لهؤلاء الأطفال الثلاثة لن تذهب سدي‏,‏ وانما سوف تنالين عنها أجرك الموفور باذن الله من السماء‏,‏ كما أن علاقتك الإنسانية بهم لن تنقطع بمجرد عودتهم إلي أحضان أمهم وانما من الممكن أن تتواصل وتستمر فتعوضك بشكل أو بآخر عن بعض حرمانك منهم ومن الممكن بكل تأكيد أن تكوني أما ثانية لهم إلي جوار أمهم الحقيقية‏,‏ لكنه ليس من العدل أو الرحمة أن تتطلعي لأن تكوني أمهم الأولي دونها‏.‏ أما شكواك من عدم تغير زوجك ومغامراته النسائية وصبرك عليها حرصا علي مصلحة أولادك واقتناعك بأن الطلاق منه لن يحل مشكلتك وانما سوف يزيدها تعقيدا‏,‏ فلا تعقيب لي عليها سوي أن من يعرف قواعد اللعبة قبل المشاركة فيها لايحق له الاعتراض عليها خلال اللعب‏.‏ وأنت قد قبلت الزواج من رجل متزوج وله أطفال ويتمتع بسمعة غير طيبة بشأن ضعفه النسائي ومغامراته المتعددة‏..‏ فأمرك اذن بيدك اذا رغبت في أن تواصلي الشرب علي القذي كما يقول الشاعر أو ترفضي الاستمرار في تجرع الماء العكر وتختاري لنفسك حياة أخري‏..‏ أما تبريرك لرغبتك في الاستمرار في زواجك بالرغم من كل شيء بالحب فإنه تكرار لما وصفه الكاتب الفرنسي مارسيل بروست الصراع بين الذكاء الواعي للإنسان‏.‏ وارادته الوضيعة أي الضعيفة تجاه مايحب ويعلم في نفس الوقت أنه يدفعه دفعا إلي الوقوع في البئر لغير سبب سوي انه يريد من يحب ولا يقوي علي مقاومة ضعفه تجاهه‏,‏ بالرغم من اقتناع عقله الواعي بكل مثالبه وعيوبه‏..‏ وهو صراع قد يطول أو يقصر لكنه لابد له في النهاية من لحظة حسم واختيار ويتمالك الإنسان فيها ارادته فيفعل مايمليه عليه العقل‏..‏ ويتغافل عنه أو يتجاهله الآن استسلاما لهذه الارادة الضعيفة وشكرا لك‏..‏

"نحن شعب ينتحر -بمزاجه- إنتحاراً جماعياً ببطء كين

~~~~~

قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "انها ستكون سنون خداعات .. يخون فيها الأمين ويؤتمن فيها الخائن .. ويكذب فيها الصادق .. ويصدق فيها الكاذب .. وينطق فيها الرويبضة .. قالوا وما الرويبضة يا رسول الله ؟ قال : الرجل التافه يتكلم فى أمر العامة

~~~~~

فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا (41) يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا (42){النساء}

رابط هذا التعليق
شارك

41080‏السنة 123-العدد1999مايو28‏12 من صفر 1420 هـالجمعة

المقارنة العادلة‏..!‏

قرأت رسالة وطيس المعركة للرجل الفاضل الذي يشكو من انشغال زوجته عنه بابنائهما‏,‏ ويفكر في الارتباط بزوجة أخري لهذا السبب وحده بالرغم من حبه لزوجته واعترافه لها بفضائلها ومزاياها الأخري‏,‏ ولقد نكأت هذه الرسالة جرحا شخصيا غائرا عندي فرأيت ان احكي له قصتي لعله يستفيد بها في اتخاذ القرار السليم‏,‏ فانا رجل في مثل عمره‏..‏ واعمل عملا مرموقا مثله‏,‏ ولي زوجة فاضلة كزوجته كانت لي دائما الزوجة والأم والحبيبة والصديقة‏,‏ وقد وهبني الله منها زهرتين جميلتين هما ولد وبنت في سن ابنائه‏,‏ ومنذ فترة من الزمن بدأت أشعر بما يشعر به هذا القارئ الفاضل الآن من افتقادي للمسات الحب والحنان والدفء العاطفي من جانب زوجتي بسبب استغراقها في رعاية الأبناء والاهتمام بامرهم فأحسست بمثل ما أحس به كاتب رسالة وطيس المعركة وجال بخاطري مايجول بخاطره الآن‏.‏

وقررت الارتباط باخري في لحظة من لحظات الضعف التي نشعر بها كرجال في هذه المرحلة من العمر وارتبطت باحدي زميلاتي في العمل كانت تظهر لي الحب والحنان والاهتمام وتتعامل معي برقة فرحت أقارن بين اهتمام هذه الزميلة بي‏,‏ وانشغال زوجتي عني بأولادنا‏,‏ وبين رقة الأخري واهتمامها باللفتات العاطفية الصغيرة في التعامل معي‏,‏ وبين تجاهل زوجتي لها لارهاقها في البيت وشئون الأبناء‏,‏ وبين حديث الأخري الحنون الرقيق معي‏,‏ وحديث زوجتي العملي المقتضب معي والذي لايتجاوز غالبا مطالب البيت والأبناء ومشاكل الأسرة حتي أقتنعت تماما بانني مظلوم مع زوجتي ومن حقي ان اتزوج من لايشغلها عني شيء ولاتنسي لغة العاطفة في التعامل معي‏,‏ وتزوجت زميلتي واتفقت معها علي ان تحتفظ بسرية زواجنا لفترة في البداية خاصة في مجال العمل‏,‏ لكن زوجتي الجديدة لم تتوان عن اظهار هذه العلاقة للآخرين في كل مناسبة تجمعنا مع زملاء العمل حتي ثارت حولنا الأقاويل‏,‏ ومع ذلك فلقد شعرت بانني قد حصلت علي السعادة الصافية التي كنت في حاجة اليها‏,‏ وبسبب استغراقي في هذه السعادة تضاءل نصيب زوجتي وأولادي في وقتي ومالي‏,‏ لكن هذه السعادة الصافية الخالية من كل الشوائب لم تدم أكثر من أيام لمسته بعدها مدي حقد وكراهية زوجتي الثانية ليس فقط لأسرتي الأولي بل ولكل اسرة أخري مستقرة وتنعم بسعادة علنا وليس في السر وتبدل الحب والاهتمام والحنان التي أجتذتبني اليها ورجت كفتها عند المقارنة الي طموحات شخصية ومطالب زائدة عن الحد علي حساب الزوجة الاولي وابنائها‏,‏ وبدأت الخلافات تنشب بيننا علي اتفه الاسباب وتبدلت السعادة الصافية التي خيل الي أنني فزت بها الي شقاء‏,‏ وعذاب ضمير من ناحيتي لاحساسي بالتفريط في حقوق زوجتي وابنائي‏,‏ وخلال هذه المعاناة صدر القرار بنقلي في عملي الي دولة خارجية في مركز اكبر يتطلب انتقال اسرتي معي‏,‏ وكان الطبيعي ان تكون زوجتي الاولي وابنائي هم الاسرة التي تصاحبني الي مقر عملي الجديد‏,‏ لكن زوجتي الثانية فعلت كل شيء لاقناعي بترك اسرتي في مصر كما هي واصطحابي معها بدلا منها‏,‏ وتحت ضغط الحاحها وافقت علي ذلك وشجعني عليه خوفي علي اولادي من ان يتعرضوا للانحراف في الدولة الاجنبية التي انتقلت اليها‏,‏ ونفذت النقل وفوجئ زملائي في العمل بل وحتي رؤسائي فيه‏,‏ بأن هذه الزميلة سوف تصاحبني الي مقر عملي الجديد‏,‏ وانكشف بذلك امر زواجنا للجميع‏,‏ وسافرنا معا وبدأنا حياتنا في هذه الدولة‏,‏ فإذا بزوجتي الثانية الرقيقة الحنون تتغير تغيرا كاملا هناك وتحاول ان تستغل قوانين ذلك البلد الأجنبي بطريق مباشر‏,‏ وغير مباشر لارغامي علي التخلص من زوجتي الاولي واولادي الموجودين في بلدنا الام‏,‏ ولم تمض اسابيع علي سفرنا حتي اصبحت تمثل ضغطا نفسيا وعصبيا علي لاقصي درجة‏,‏ اضف الي احساسي بالغربة وافتقادي لأولادي‏,‏ حتي رحت الفت نظرها الي ما اشعر به من هموم الغربة لكي ترأف بحالي وتظهر لي بعض ما كانت تظهره نحوي من حنان واهتمام في اوقات الشدة‏,‏ لكن ذلك كان يزيد من نارالحقد والغيرة داخلها الي مالا نهاية‏,‏ فشعرت بفداحة خطئي في حق زوجتي الاولي وابنائي في الارتباط بزوجة اخري علي حسابهم‏..‏ وفي اصطحابها معي الي مقر عملي الجديد دونهم‏.‏

وانني لاروي قصتي هذه لكاتب رسالة وطيس المعركة لكي اناشده ألا يكرر خطئي الذي اندم عليه الآن اشد الندم ولأقول له ان السعادة التي سينالها مع اخري لن تطول ولن تساوي شيئا امام بعده عن زوجته التي يحبها واولاده الذين يحتاجون اليه واحذره من ان يخدعه لمعان الماء علي سطح البئر اللعين التي سقطت فيها‏,‏ لأن تحت هذا اللمعان الذي يوحي كذبا بالصفاء أكدار وشوائب كثيرة‏..‏ كثيرة‏!‏

ولكاتب هذه الرسالة أقول‏:‏

نحن لا نتعلم الحكمة بغير ثمن يا صديقي‏,‏ وإنما لابد أن ندفع دائما ثمن أخطائنا من حياتنا وصحتنا وصفاء أوقاتنا‏,‏ وإذا كان العقلاء من البشر هم الذين يستفيدون من تجارب الآخرين في تجنب الشقاء وعدم تكرار الأخطاء التي وقع فيها غيرهم كما تريد صادقا ومشكورا لكاتب رسالة وطيس المعركة أن يفعل‏,‏ فإنه يبقي هناك دائما من لا يرون الخطر الذي يسعون إليه حثيثا إلا إذا سقطوا في بئره‏,‏ ومن لا يصدقون تحذيرات المخلصين لهم من جمر النار الذي تقترب أيديهم منه إلا إذا مسوه بأصابعهم واكتووا به‏,‏ وهذا هو حالنا نحن البشر منذ قديم الأزل‏.‏

ولقد أثارت رسالتك هذه تأملات عديدة لدي لكني توقفت خلالها أمام هذا الخطأ القديم في التفكير الذي طالما أورد الإنسان موارد الشقاء‏,‏ في مثل هذه الظروف الشخصية وهو خطأ عقد المقارنة غير العادلة في ذهنه بين غير متماثلين واستخلاص النتائج الخاطئة بالضرورة منها‏.‏

ولقد نبهنا المفكر الفرنسي الكبير رجاء جارودي إلي أن المقارنة العادلة إنما تكون بين مثال ومثال أو بين حقيقة وحقيقة وليست بين مثال وحقيقة أو واقع كما فعلت أنت حين عقدت تلك المقارنة الظالمة في ذهنك بين رقة فتاتك وزميلتك في العمل وحنانها بك واهتمامها بأمرك‏,‏ وبين انشغال زوجتك الأولي عنك بأبنائها وشئون بيتك وأسرتك‏,‏ وبين اهتمام فتاتك خلال مرحلة الارتباط الرومانسي الخالية من المسئوليات الحياتية بلغة العاطفة واللفتات الصغيرة في تعاملها معك وبين لغة الحياة العملية التي تستخدمها معك زوجتك في الحديث عن شئون الأبناء ومشكلات الحياة إلخ‏,‏ ومع أن المطلوب دائما هو ألا تغفل الزوجة لغة العاطفة في تعاملها مع زوجها مهما بلغ من استغراقها في شئون الحياة العملية وهموم الأبناء‏,‏ إلا أن المقارنة تبقي في النهاية غير عادلة لأنها مقارنة بين مثال عاطفي خلال فترة الحب الخالية من الهموم العملية‏,‏ وبين واقع عملي تختلط فيه العاطفة بهموم الحياة والأبناء ومشكلاتهم وعناء رعايتهم‏,‏ ولهذا فلابد أن تكون نتيجة هذه المقارنة الظالمة لمصلحة المثال علي حساب الحقيقة أو الواقع‏..‏

ولو أردت الإنصاف لعقدت الآن هذه المقارنة نفسها ولكن بين متماثلين هما واقع زوجتك الأولي وواقع زوجتك الثانية التي تقول أنت في رسالتك إنها قد تكشفت لك الآن عن حقد وكره عميقين ليس فقط لأسرتك ولكن لكل أسرة تنعم بالاستقرار والسعادة في حياتها‏,‏ عن طموحات شخصية زائدة ومطالب مادية لا نهاية لها علي حساب زوجتك الأولي وأبنائك‏,‏ حتي أصبحت تمثل بالنسبة لك ضغطا نفسيا وعصبيا شديدا لا يترفق بك وإنما يضاعف من عناء حياتك في الغربة‏,‏ وافتقادك لأسرتك وأبنائك‏.‏

فلمن تكون المقارنة الصحيحة لا الظالمة هذه المرة؟

وماذا تنتظر لكي تصحح خطأك في حق زوجتك الأولي وأبنائك الذي تندم عليه الآن أشد الندم؟

إنني أخشي أن يكون ندمك الحالي من نوع ندم الرشيد علي حنثه بقسمه لصديقه ووزيره جعفر البرمكي ألا يناله منه سوء مهما حدث بينهما في المستقبل‏,‏ فلما وقعت نكبة امكة وسجن الرشيد صديقه السابق وصادر أمواله وأموال أسرته تذكر ذات يوم هذا القسم فندم علي حنثه به أشد الندم وقرر أن يكفر عن ذلك بالحج ماشيا إلي بيت الله الحرام‏,‏ وقام بهذه الرحلة الشاقة بالفعل وتكبد خلالها مشقات كثيرة وتكبدت الدولة نفقات أكبر حيث أقيمت له علي طول الطريق من بغداد إلي مكة الاستراحات الوثيرة‏,‏ وبالرغم من كل ذلك فإنه لم يفكر لحظة واحدة في أن يكون تكفيره عن حنثه بهذا القسم بالإفراج عن وزيره وصديقه السابق ورد بعض أمواله إليه‏,‏ فبقي في سجنه حتي مات في سن السبعين وهكذا فقد يندم الإنسان بالفعل علي أخطائه ويكفر عنها ولكن في الاتجاه الآخر الذي لا يعيد لضحاياه حقوقهم لديه أو يداوي جراحهم منه‏.‏

فهل ندمك من هذا النوع يا سيدي؟

وهل تتصور أن هناك خطأ وقع فيه الإنسان ويمكن أن يصححه بغير خسائر مادية أو معنوية يتكبدها ويقبل لها العقلاء كثمن عادل لتصحيح الأخطاء والعودة إلي الطريق الصحيح؟

"نحن شعب ينتحر -بمزاجه- إنتحاراً جماعياً ببطء كين

~~~~~

قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "انها ستكون سنون خداعات .. يخون فيها الأمين ويؤتمن فيها الخائن .. ويكذب فيها الصادق .. ويصدق فيها الكاذب .. وينطق فيها الرويبضة .. قالوا وما الرويبضة يا رسول الله ؟ قال : الرجل التافه يتكلم فى أمر العامة

~~~~~

فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا (41) يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا (42){النساء}

رابط هذا التعليق
شارك

41087‏السنة 123-العدد1999يونيو4‏19 من شهر صفر 1420 هـالجمعة

السعادة الخفية‏!‏

أنا سيدة في أوائل الخمسينيات من عمري‏..‏ تزوجت وأنا صغيرة أنجبت أربعة أبناء ذكور‏..‏ وسعدت بهم كثيرا لكن روحي كانت تهفو دائما الي أن تكون لي بنت تشاركني الاهتمامات النسائية اللذيذة‏,‏ وتحنو علي وأحنو عليها‏,‏ فحملت من جديد واستجاب الله لدعائي فجاء مولودي الخامس بنتا طرت بها فرحا وسعد بها أبوها وأخوتها الذكور كثيرا‏,‏ وأصبحت هذه البنت هي مصباح البيت الذي يضيئه بابتسامتها ورقتها وظرفها‏..‏ ونالت منا كل الحب والتدليل اللذين لم ينلهما أحد من أخوتها بهذا القدر من قبل‏.‏

وكبر الأبناء وتقدموا في مراحل التعليم‏..‏ وكبرت البنت وتقدمت في مدارج الحياة‏,‏ فأصبحت صديقتي الأولي‏,‏ ورفيقة كل أوقاتي‏,‏ فالأبناء يخرجون الي أصدقائهم وحياتهم ومشاغلهم‏,‏ أما ابنتي فهي معي دائما وما أن ترجع من المدرسة ثم الكلية فيما بعد حتي نجلس معا ونقوم بالواجبات المنزلية أو نشاهد مسلسلات التليفزيون‏..‏ أو نتحدث في كل الأشياء‏..‏ أو نرتب جدول أعمال البيت معا‏..‏ ونحدد متي سنقوم بغسل ملابس الأسرة في الغسالة‏..‏ ومتي نقوم بتنفيض البيت‏..‏ ومتي نضع ملابس الشتاء في الدواليب ونخرج ملابس الصيف‏,‏ ونفعل كل ذلك يدا بيد مهما استعنا بمن تساعدنا فيه‏,‏ وفي مواسم الامتحانات تسهر حبيبتي للمذاكرة وأسهر الي جوارها أعد لها سندوتشات الطعام واكواب الشاي‏,‏ وانتظر عودتها من امتحان كل مادة بلهفة وخوف فاطمئن حين أراها مبتهجة‏..‏ ومتفائلة وأشعر بالقلق حين أراها ساهمة ومكتئبة‏,‏ وحين تظهر النتيجة وتنجح تكون سعادتي طاغية‏,‏ أما في الصيف فإن الأوقات تطول بنا‏..‏ فندخل المطبخ معا لاعداد طعام الغداء‏,‏ ونجلس أمام التليفزيون بالساعات‏,‏ ويطول بنا السهر كل ليلة‏,‏ ونخرج معا لشراء ما تحتاج اليه من فساتين وأحذية‏..‏الخ‏.‏

ومضت بنا رحلة الحياة وتخرج الجميع في كلياتهم‏,‏ وبمجرد تخرج ابنتي في كليتها تقدم اليها مهندس شاب من جيراننا يشهد له الجميع بالأدب والاحترام‏..‏ وتم عقد القران سريعا‏,‏ وسعدت به ابنتي ورحبت به أنا واعتبرته ابني الخامس‏,‏ وأصبح يناديني بـ ماما فأحسست ان قلبي قد انقسم نصفين‏:‏ نصف لابنتي الحبيبة والآخر لخطيبها الشاب ولا مكان بعد ذلك في قلبي لحب آخر‏!‏ وشغلت معي ابنتي باعداد جهازها‏..‏ وخرجنا معا عشرات المرات الي المحلات التجارية لشراء مستلزمات حياتها الجديدة وكانت فترة شراء الجهاز من أكثر فترات الاقتراب والتلازم بيننا‏..‏ وحرصت علي تلبية كل طلباتها وشراء أحسن ما تسمح امكانياتنا المادية به‏,‏ وانتهي كل شيء وتحدد موعد الزفاف وكانت ليلة سعيدة من ليالي العمر تألقت فيها ابنتي بجمالها وسعادتها‏..‏ وانتقلت الي بيتها الجديد‏,‏ وتلفت أنا حولي بعد أيام من زواجها فلم أجد نصف قلبي في ضلوعي واصابني الجنون‏,‏ وبدأت أتمني استعادة ابنتي التي فقدتها بالزواج‏..‏ وأرجو ألا تتصور اني أردت حرمانها من زوجها‏..‏ فليس الأمر علي هذا النحو أبدا‏..‏ لكنني فقط قد استوحشت حياتي بعد انتقال ابنتي الحبيبة الي بيت زوجها وبدأت أتمني أن ترجع للاقامة معي فترات طويلة وليس في زيارات قصيرة تنتهي بأن يدعوها زوجها للخروج فتستجيب له صاغرة وتمضي معه‏!‏ وشيئا فشيئا بدأ يحدث بينها وبين زوجها مايحدث بين أي زوجين شابين لم يتعود كل منهما بعد علي طباع الآخر وشخصيته‏,‏ من خلافات بسيطة مشاجرات صغيرة ووجدتني ـ واعترف لك بذلك ـ أسعد سعادة خفية لا يدري بها أحد بما يقع بينهما من هذه المشاجرات لكي يحضرا الي للفصل فيها‏,‏ وفي كل مرة يأتيان الي في أمر مماثل أطيل بقاءها معي لأطول فترة ممكنة‏..‏ وأطلب من زوج ابنتي أن يتركها معي لفترة حتي تهدأ أعصابها‏..‏ وكانت ابنتي متعاطفة معي علي طول الخط أما زوجها فكان يتجاوز عن اهاناتي له ويفهم ما أفعل ولا يوافقني فيه لكنه لايعترض عليه كذلك‏,‏ ثم بدأت ألح علي ابنتي وزوجها في أن يكثرا من زيارتهما لي‏..‏ وكانت أسعد أوقاتي هي وقت بداية الزيارة وأتعسها عندي هو نهايتها حين يهمان بالانصراف فأشعر بأن روحي تنسحب مني وان هذا الشاب يخطف ابنتي ويبتعد بها عني‏,‏ وبعد فترة أخري طلبت منه أن تزورني ابنتي يوما بعد يوم‏,‏ فاعتذر عن عدم الاستجابة لرغبتي هذه بحجة مشاغل العمل وضيق الوقت‏,‏ واستأت لذلك في أعماقي وترصدت أول مشكلة وقعت بينهما بعد ذلك فأصررت علي بقاء ابنتي معي لفترة طويلة حتي تهدأ أعصابها‏..‏ ويتعلم هو كيف يعامل زوجته باحترام‏..‏ ورفضت عودتها الي بيته باصرار بالرغم من اعتذاراته وتوسلاته‏..‏ وتبعتني ابنتي في موقفي من زوجها وتجرأت عليه باهانته كما كنت أفعل معه‏,‏ وبقيت ابنتي معي‏..‏ وطالت فترات وجودنا معا واحاديثنا وسهرنا أمام التليفزيون كما كنا نفعل في أيامنا الجميلة‏..‏ وكلما سعي زوجها لاستعادتها تصديت له واهنته وطالبته بما لايستطيع القيام به حتي يئس مني ومنها تماما وابتعد‏..‏ ولم يعد يكرر هذه المحاولات‏..‏ أو يتصل بي أو ابنتي‏,‏ الي أن علمنا فجأة انه سافر للعمل في دولة عربية بدون أن يخطرنا بذلك أو يسعي لاستعادة ابنتي‏,‏ ومضت الشهور بلا أي اتصال من جانبه‏..‏ وبدأت أشعر بأنني قد تسببت في انهاء علاقته الزوجية بابنتي‏,‏ واراجع نفسي فيما حدث ثم هاجمني المرض منذ أسابيع فشعرت بأنني قد ظلمت هذا الشاب كثيرا وحرمته من ابنتي وحرمتها منه‏,‏ وزاد من شعوري بالذنب ما بدأت ألاحظه علي ابنتي من وجوم واكتئاب‏..‏ ولهذا فإني أريد أن أخاطب هذا الشاب من خلال بابك الذي يحرص علي قراءته وأرجوه أن يصفح عما فعلت به ويعيد علاقته بابنتي قبل أن أقابل وجه رب كريم سبحانه وتعالي‏,‏ يسألني عما فعلت‏,‏ ومع استعدادي الكامل لفعل أي شيء يرضي هذا الشاب ويعوضه عما فات‏..‏ فهل يقبل هذا النداء؟

ولكاتبة هذه الرسالة أقول‏:‏

الفرق بين الحب السوي والحب المريض‏,‏ هو أن الأول لا يتجاوز صاحبه القصد في سعيه الي الاشباع العاطفي من المحبوب ولا يغفل خلال ذلك عن صالحه وسعادته‏,‏ فاذا تعارض هذا السعي مع ما فيه صالح المحبوب رد نفسه عنه وتصبر علي بعض الحرمان منه‏.‏ أما الحب الأناني المدمر فإنه لا يراعي في هذا السعي مصلحة المحبوب ولا سعادته ولا حقوق الآخرين عليه فيضر به ضررا بالغا من حيث لايرجو ولايريد‏,‏ ويكون وبالا عليه بدلا من أن يكون زادا له وواحة يهجع اليها‏.‏

وحب الأمهات لأبنائهن كما فطرهن الله سبحانه وتعالي عليه‏,‏ هو بالضرورة من ذلك النوع السوي النبيل الذي يقوم علي العطاء لهم والتضحية من أجلهم والتصبر علي شيء من الحرمان العاطفي منهم حين يشبون عن الطوق وتتفتح قلوبهم ومشاعرهم لشركاء الحياة وتصبح لهم حياة مستقلة عن حياتهم السابقة في كنف أمهاتهم وآبائهم‏.‏

وأنت ياسيدتي قد غاليت في الالتصاق النفسي بابنتك المحبوبة حتي كأنما قد نسيت القابلة ان تقطع الحبل السري الذي يربط بينكما عند ولادتها‏,‏ وجاوزت حد القصد والاعتدال في رغبتك في الاستمتاع بقربها منك والاستئثار بها دون زوجها‏..‏ وبدلا من أن تحاولي تعويض افتقادك العاطفي لها بعد زواجها بتدريب النفس علي القبول بحقائق الحياة التي لا مفر من القبول بها‏..‏ وترشيد مشاعرك تجاهها‏,‏ واستبدال وجودها الفعلي في حياتك بحضورها العاطفي في قلبك ومشاعرك وسعادتك بسعادتها مع زوجها واستقرار حياتها‏,‏ سعيت بوعي أو بغير وعي الي استردادها الي حضانتك العاطفية من جديد‏,‏ وتعاملت مع زوجها الشاب كما تتعامل الأم مع خاطف ابنتها وليس مع شريك الحياة الذي زفتها اليه الأم وتمنت لها السعادة معه‏,‏ وشعرت بالسعادة الخفية لأول بادرة خلاف وقعت بينها وبينه وانسقت وراء رغبتك الأنانية في الاستئثار بابنتك دون زوجها‏,‏ فنفخت في نار الخلافات الصغيرة بينهما بدلا من اخمادها والتعامل معها بحكمة الأم الراغبة في استقرار حياة ابنتها ونجاح زواجها‏.‏

وكل ذلك ليس من الحب الحقيقي لابنتك في شيء‏,‏ وانما هي الرغبة القهرية لديك في الاستمرار في امتلاك ابنتك والسيطرة علي حياتها والتحكم فيها‏.‏

ولأن الحق والباطل قد ينبعان أحيانا من نبع واحد في النفس البشرية كما يقول لنا شاعر الألمان الأعظم جوته‏,‏ فإن القلب الذي نبع منه هذا الحب الطاغي لابنتك هو أيضا الذي نبعت منه تلك الرغبة غير الرشيدة في الاستئثار بها دون زوجها لأطول وقت ممكن ولو أدي ذلك كما حدث الي تدمير حياتها الزوجية‏.‏

فلا عجب إذن في أن يضيق زوج ابنتك باغتصابك لها منه وحرمانه منها‏..‏ ورفضك لقبول اعتذاراته وتوسلاته لاعادتها اليه فيبتعد عنكما تاركا للأيام أن تعلمكما معا ما لا تعلمان‏..‏ فإذا كانت ابنتك قد تعاطفت معك دائما علي حساب زوجها‏..‏ وجارتك في التجرؤ علي اهانته كما كنت تفعلين معه‏,‏ فلا عجب في ذلك أيضا لأنها بدلا من أن تجد الأم التي تردها عن غيها وترشدها الي حسن معاملة زوجها وما فيه خيرها وسعادتها قد وجدت من تسعد بتجرئها علي زوجها وخلافاتها معه وهجرها له واستقرارها في بيت أسرتها بدلا من عش الزوجية‏.‏

وقديما استشهد الإمام أبوحامد الغزالي في مقدمته كتابه احياء علوم الدين وهو يتحدث عن فساد الأحوال في زمنه ومسئولية رجال الدين والعلماء عن ذلك ببيت من الشعر يقول‏:‏

يامعشر القراء يا ملح البلد

ما يصلح الملح اذا الملح فسد

وعلي غرار ذلك استطيع أن أقول لك أيضا‏:‏

ما يصلح البنت اذا الأم قدمت لها المثل السييء في معاملة زوجها بدلا من المثل الصحيح‏..‏ واذا هي استسلمت لأهوائها ورغبتها في امتلاك ابنتها دون شريكها بدلا من أن تنبهها الي واجباتها تجاهه وتعينها علي الاستقلال النفسي والعاطفي عنها‏.‏

ان مسئوليتك ياسيدتي عن تدمير علاقة ابنتك بزوجها كبيرة وهي مسئولية قد بدأت منذ زمن طويل حين أسرفت في تدليلها في صغرها وغمرتها بحبك وعطفك‏,‏ واعتبرتها مصباح البيت الوحيد بالرغم من وجود أربعة مصابيح أخري فيه‏,‏ وغاليت في تعويدها علي الاعتماد النفسي عليك في كل شيء الي حد أن عجزت عن التواؤم مع حياتها المستقلة عنك مع زوجها‏,‏ غير أنني أري في النهاية أن أخطاءك وأخطاء ابنتك لم تذهب كلها سدي بالرغم من كل شيء‏..‏ وانك قد بدأت تدركين فداحة جناية حبك الأناني لابنتك علي زواجها وسعادتها‏..,‏ كما أري ان ابنتك قد بدأت هي الأخري في ادراك ذلك والتنبه له‏,‏ ولهذا فإني أنشر رسالتك طالبا من زوج ابنتك ان يقرأها جيدا ويمعن التفكير فيما جاء علي لسانك فيها‏..‏ وان يتصرف وفقا لما يستشعره منها من صدق ندمك وندم ابنتك علي اخطائكما في حقه‏..,‏ راجيا ألا يكون الوقت قد فات لاصلاح الأخطاء والتجاوز عنها‏..‏ والسلام‏.‏

"نحن شعب ينتحر -بمزاجه- إنتحاراً جماعياً ببطء كين

~~~~~

قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "انها ستكون سنون خداعات .. يخون فيها الأمين ويؤتمن فيها الخائن .. ويكذب فيها الصادق .. ويصدق فيها الكاذب .. وينطق فيها الرويبضة .. قالوا وما الرويبضة يا رسول الله ؟ قال : الرجل التافه يتكلم فى أمر العامة

~~~~~

فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا (41) يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا (42){النساء}

رابط هذا التعليق
شارك

41094‏السنة 123-العدد1999يونيو11‏26 من شهر صفر 1420 هـالجمعة

المياه الراكدة

اعرف جيدا ان مصير رسالتي هذه سيكون سلة المهملات لأنك لاتحب هذا النوع من الرسائل‏..‏ ومع ذلك فاني اكتبها لك عسي ان يستفيد بها بعض الزوجات والازواج‏.‏

فانا سيدة في الاربعين من العمر تزوجت منذ‏12‏ عاما‏,‏ وقد تأخرت في الزواج لاني شغلت بعملي المرموق وصممت آذاني عن عبارات الحب والاعجاب والهيام بحياتي‏,‏ إلي أن اشتد الحاح أبي وأمي علي للحاق بقطار الزواج قبل ان يفوتني‏,‏ فقبلت شابا يعمل عملا مهنيا محترما وتزوجته ووجدته بعد الزواج انسانا طيبا وحنوناو عرفت انني المرأة الأولي في حياته ومضت بنا السنوات وانجبت طفلين وشيئا فشيئا حل الفتور بيننا واصبحت حياتنا كالمياه الراكدة لايحركها تيار‏..‏ ولايغير من مللها شيء وازداد اهتمامه بعمله‏..‏ ورجعت انا للعمل الذي كنت قد انقطعت عنه عند الانجاب‏,‏ ومنذ ثلاث سنوات ذهبت إلي عيادة طبيب اسنان شاب لعلاج اسناني فابدي اعجابه واهتمامه الفائقين بي‏,‏ وبعد عدة جلسات حاول ان يعبر عن حبه لي لكني افهمته انني سيدة متزوجة‏,‏ وان زوجي هو الرجل الأول والأخير في حياتي فالتزم حدوده معي وواصلت بعد ذلك زيارته كلما احتجت للعلاج‏,‏ وفي احدي هذه الزيارات صارحني بأنه يحبني للغاية ويتمني لو كنت غير متزوجة كي يفوز بي دون الآخرين‏,‏ فإذا سألتني الآن لماذا واصلت التردد علي عيادته بعد ان صارحني بذلك‏,‏ ولماذا لم اذهب لعيادة طبيب آخر‏,‏ سيكون جوابي هو انني قد اعتدت ان اسمع كلمات الاعجاب من الآخرين دون ان تؤثر علي التزامي كما ان هذا الطبيب قد التزم بالحد الذي اوقفته عنده لكنه لم يتوقف بالرغم من ذلك عن ادارة اسطوانة الغزل وكلمات المديح والاعجاب الشديد بجمالي وأخلاقي وأدبي واحترامي لنفسي ورشاقتي‏..‏ الخ‏.‏ وشيئا فشيئا وجدتني احب سماع هذا الكلام منه‏,‏ بل ووجدتني ايضا اتعمد الذهاب لعيادته وانا في كامل اناقتي وجمالي واسعد باهتمامه بي حين يستقبلي علي باب غرفة الكشف بابتسامة عريضة ولأنني كنت محرومة من سماع كلمات الغزل من زوجي فقد وجدتني استعذب سماع هذه الكلمات من هذا الطبيب‏,‏ ومنذ عام اكتشفت أن زوجي يعبث في اوراقي كأنما يحاول ان يكتشف فيها شيئا لايعرفه عني‏..‏ وضقت بشكه في خاصة حين عرفت انه كان يفعل ذلك طوال السنوات الماضية‏,‏ وانفجرت فيه لأول مرة منذ تزوجنا‏.‏ وحاول هو ان يهدئ من روعي وطلب مني أن أخفض صوتي العالي دون جدوي‏,‏ فاذا به يرفع يده إلي اقصي مدي ثم يهوي بها علي وجهي ليسكتني‏,‏ فنزلت صفعته علي وجهي كالصاعقة‏,‏ وكففت عن الصراخ واحسست ان جدارا سميكا قد قام فجأة بيني وبينه وغادرت بيت الزوجية عائدة إلي بيت إبي وبعد فترة قصيرة ذهبت إلي عيادة هذا الطبيب للعلاج ووجدتني اتحدث معه عن مشكلتي مع زوجي‏,‏ فكان ينبوعا للحنان وحاول ان يخفف عني ولم يحاول ان يستغل الظروف لاستثارتي ضد زوجي بل قال لي ان من حقه ان يعرف عن زوجته كل شئ لانه ليست هناك خصوصية بين الازواج‏,‏ فزادني هذا الموقف اقترابا منه‏,‏ واستمررت في الاقامة في بيت أبي ورفضت محاولات زوجي للصلح حتي ضاق بي أبي وانذرني انني إذا حصلت علي الطلاق فلامكان لي في بيته لان بناته لايعرفن الطلاق‏,‏ فانتقلت للاقامة في شقة أخي المسافر للخارج‏.‏ وبعد فترة من الوحدة والملل وجدتني ارجع إلي بيت الزوجية وحدي دون ضغط من أحد‏..‏ ومضت فترة طويلة دون أن ترجع علاقتي بزوجي إلي طبيعتها السابقة لأن صورته وهو يهوي بيده علي وجهي كانت تقف حائلا بيني وبينه‏..‏ ثم اشتعلت الخلافات بيننا من جديد لأن زوجي لم يتفهم حالتي النفسية ولم يتحملني وطالت فترات الخصام بيننا‏..‏ وفي هذه الفترة رجعت للتردد من جديد علي عيادة طبيب الأسنان الشاب بعد انقطاع‏9‏ شهور‏..‏ وكنت هذه المرة في حالة نفسية سيئة وعلي استعداد لقبول غزله وإعجابه‏,‏ وذات يوم وقعت مشاجرة عنيفة بيني وبين زوجي هجرت بيت الزوجية علي اثرها ورجعت للإقامة في شقة أخي فذهبت إلي عيادة هذا الطبيب وجلست علي كرسي الأسنان استعدادا للعلاج وجلس هو إلي جواري وسألني عما بي‏,‏ فلم أجب لكني تنهدت تنهيدة عميقة فأمسك بيدي وضغط عليها بحنان ولم أعترض‏..‏ فرفعها إلي فمه وقبلها ولم يتحرك لي ساكن وخلال لحظات انتهي كل شيء‏,‏ ورجعت إلي بيتي وأنا ذاهلة‏..‏ وفي غرفتي وجدتني أبكي بمرارة وأنظر إلي نفسي في المرآة باحتقار ثم أبصق عليها وبعد أيام جاءني صوته يحاول أن يقنعني بأن ما حدث بيننا لم يكن لأحدنا يد فيه إلخ‏..‏ ودارت رأسي بكلامه المعسول وغزله الرقيق مرة أخري‏..‏ وعرفت منه لأول مرة أنه متزوج وعنده أطفال‏..‏ وبالرغم من ذلك فقد تكرر الخطأ بيننا مرة ثانية في المكان نفسه‏..‏ ومرة ثالثة أيضا‏,‏ وبعد هذه المرة الثالثة لم يتصل كما كان يفعل من قبل‏,‏ وطال تجاهله لي لفترة‏,‏ وحين اتصلت به ولمته علي ذلك تعلل بمشغولياته العديدة‏,‏ فأصبحت أنا التي ألاحقه وهو الذي يتعلل بالانشغال والمسئوليات وضيق الوقت إلخ‏.‏

وبدأت أفيق مما أوقعت نفسي فيه وذهبت إليه في العيادة وأنا عاتبة عليه لتجاهله لي ففوجئت به يكشر لي عن أنيابه ويسقط عن وجهه قناع الرقة والحنان ويحتد علي في النقاش إلي حد أن دفعني بيده في كتفي وهو في قمة الانفعال‏,‏ وخرجت من عنده وأنا لا أصدق ما فعلت بنفسي وكرامتي‏..‏ وشرفي ولم يغمض لي جفن طوال الليل وعشت الأيام التالية وأنا في أسوأ حال أسأل نفسي كيف انحدرت فجأة من قمة الوقار والاحترام إلي مستنقع السقوط والخطيئة‏,‏ وأين ذهب عقلي وأنا أتخلي عن التزاماتي ومسئولياتي كزوجة وأم‏,‏ وضاعف من عذابي وحيرتي أن زوجي قد ظهر بعد هذه المحنة نادما علي ما حدث بيننا من خلافات ومشاجرات طوال العام الأخير وراغبا في استمرار الحياة بيننا بأية شروط أضعها لأنه متمسك بي ويقدر في طيبتي وتسامحي معه‏..‏ ووجدتني أرفض العودة إليه بإصرار ليس كرها فيه ولكن خجلا من نفسي‏..‏ وكان جوابي علي توسله لي للعودة إلي هو أن هذا الحل لم يعد صالحا الآن للتنفيذ للأسف‏,‏ دون إفصاح عن السبب‏,‏ وفي لحظات الصدق مع نفسي اقتنعت بأن كل مشكلاتي مع زوجي في العام الأخير كانت من أثر تحول مشاعري عنه بسبب هذا الشيطان اللعين الذي غدر بي‏..‏ أما زوجي فهو كما هو منذ تزوجته ولم تكن العيوب والأخطاء التي أخذتها عليه سوي تبرير أقنع به نفسي لتحول مشاعري عنه‏..‏ وللأسف فإنني لا أستطيع مصارحته بالحقيقة ولا بسبب رفضي الحقيقي العودة إليه الآن بعد ما حدث‏..‏ فماذا أفعل مع نفسي لكي أنسي ما حدث وأمحو عن ثوبي الأبيض هذه البقعة القذرة‏,‏ وماذا أفعل مع زوجي الذي يلح علي هو وكل الأهل في العودة إليه‏.‏ إنني أكتب إليك لكي تقول لكل زوجة إن الرجل الذي يغازل سيدة متزوجة لا يكون شريف القصد‏,‏ ولا يكون له سوي هدف واحد يسعي للوصول إليه‏,‏ وبمجرد بلوغه هدفه تصبح هذه السيدة أرخص عنده من فردة الحذاء‏,‏ وأقول لكل الأزواج إن قليلا من الاهتمام بالزوجات وشيئا من الرقة والحنان والذوق الذي يتعامل به مع الأخريات سيكون له مفعول السحر في نفس زوجته‏..‏ أما أنا فإني نادمة نادمة حتي النخاع‏..‏ والسلام‏.‏

ولكاتبة هذه الرسالة اقول‏:‏

هناك مثل فرنسى قديم يقول : لايعجب بفستان امرأة .. من يدفع ثمنه ‍‍‍‍‍ وإنما يعجب ‍‍‍به دائما ويبرع فى التعبير عن هذا الإعجاب من لايكلفة إعجابه به سوى الكلمات السهلة التى لاتترتب عليها أى التزامات وقد يكون مفارقات الحياة التى تستحق التأمل أن من يعجب بفستان امرأة "أى يغفل فى الوقت نفسة عن إظهار اعجابه بفستان زوجته أو جمالها ‍ومن هنا تاتى المفارقة التى تخدع أبصار البعض أحيانا حين تقارن الزوجة بين ندرة كلمات الغزل والإعجاب بجمالها التى تسمعها من زوجها وسخاء وشاعرية كلماتة الطرف الخارجى فى التعبير عن إعجابه بجمالها ورقتها وأناقتها الى أخر هذه المعزوفة الشيطانية التى تدير بعض الرؤوس . ومع أن الأفضل والأمثل دائما هو أن يتبادل الزوجان التعبير عن الحب والإعجاب بالكلمات ةالأفعال وليس بالأفعال وحدها كما يفعل البعض ألا إكتفاء بعض الأزواج بالتعبير العملى الصامت عن الحب والإعجاب لايبرر للزوجة الاستنامة لكلمات الغزل والإعجاب ممن يحاولون غزو حصونها ولايجدون ثغرة ينفذون منها إليها إلا بمثل هذا الغزل الحقير ز ولايبرر كذلك بخلبعض الزوجات بكلمات الحب على أزواجهن لهؤلاء الأزواج أن يطروبوا لكلمات الإعجاب الشاردة التى قد يسمعونها من الأخريات ويبنون عليها حساباتهم وعلاقاتهم مع الأطراف الخارجية . كما لايبرر عقم حديث بعض الأزواج وزوجاتهم واقتصاره على شئون الحياة اليومية والشئون الأسرية لأحد أن ينخدع بمثل هذه المقارنة الظالمة بين "رقة الأخرين " و " تحفظ الشركاء " .. أو خلو أحادثهم من الكلمات الشاعرية لأنهم إنما يتعاملون مع الصورة الخارجية لهؤلاء الاخرين ولايتعاملون مع أعماقهم وسرائرهم وشخصياتهم الحقيقية . ذلك أن العشق أسهل ألف مرة من الزواج كما كان يقول الأديب الفرنسى بلزاك لأنه يتطلب منك أن تكون لطيفا بعض الوقت .. أما الزواج فإنه يتطلب منك أنتكون لطيفا كل الوقت وفى كل الأحوال والظروف وهو مالايقدر عليه أحد فإذا اضطررنا للتعامل مع هؤلاء الأخرين " كل هؤلاء الأخرين " كل الوقت وعلى مستوى العمق وليس على المستوى السطح .. فلا أحد يضمن ألا يكون هذا اللطف قناعا مؤقتا يسقط عن وجوههم عند أول اختبار كما سقط قناع الرقة والحنان واللطف عن وجه طبيبك الشاب فاسفر عن قسوة وانانية وخسة فى التعامل لاتقارن بها كل أخطاء زوجك إذا كانت له أخطاء تستحق التوقف عندها . وجوهر الخطأ فى قصتك هذه هو انك قد استمريت فى التردد على عيادة هذا الطبيب بعد أن غازلك غزلا صريحا مرددا على مسامعك أنشودة انه كان يتمنى لو كنت غير متزوجة لكى يفوز بك دون العالمين أما تبريرك لاستمرارك فى التردد عليه بعد أن غازلك بانك قد ألفت سماع كلمات الإعجاب بجمالك دون أن تدير رأسك وتنسيك التزاماتك كزوجة وأم فهو تبرير خادع وليس صادقا .. لان المرأة المتزوجة التى ترغب حقا فى أن تناى بنفسها عن الأغراء والخطا هى التى تقطع صلتها بحسم بمن غازلها غزلا مكشوفا أو مستترا إذ إن استمرار هذه الصلة بينها وبينه بعد أعلان الإعجاب والهيام .. لايعنى لمن غازلها سوى أن مقاومتهاقد بدأت تتأثر بالفعل بانشودة الغزل التى أنشدها لها وأن المسألة ليست فى النهاية سوى مسألة زمن يطول أو يقصر ثم تنهار حصونها .. وقد تساعد ظروف طارئة فى حياتها على الإسراع بهذا الإنهيار كما حدث معك حين اشتدت خلافاتك مع زوجك ووجدت نفسك تطربين لسماع هذه الكلمات التى رفضتها فى البداية رفضا لينا يشجع على أستمرارها وليس توقفها ثم بدات تستمرين سماعها وتذهبين إلى عيادة هذا الطبيب وأنت فى كامل جمالك وأناقتك لكى تطلبى المزيد منها ولاعجب فى ذلك لأنك قد خطوت الخطوة الأولى على الطريق المنحدر حين رجعت لعيادة هذا الطبيب مرة ثانية بعد أن سمعت منه كلمات الغزل والهيام ولأن لللمديح والإطراء أثر السحر فى نفوس البشر مهما تصوروا فى أنفسهم القدرة على عدم التأثر بهما ولقد قال حكيم عن أحد الأشخاص الذين يتظاهرون بالفضل .. أستطيع أن أحول هذا المغرور ألى مجنون خلال شهر واحد فقيل له : كيف ؟ فاجاب : بالمديح والتملق كما كان الأمام أحمد بن حنبل رضى الله عنه يبكى إذا حدثه البعض عن افتتان الناس به ويقول : هذا استدراج . أى هذا استدراج من القائل له لكى يعجب بنفسه قيفقد بعض تواضعه ورشده أما أنت ياسيدتى فلقد استسلمت لهذا "الاستدراج" حتى ضغفت مقاومتك تدريجيا وأنهارت حصونك وتكشفت لك الحقيقة المؤلمة فإذا كنت ترغبين حقا فى محو هذه البقعة السوداء من ثوبك فلا سبيل لذلك سوى بلوم النفس على ما اوردتك اليه من موارد التهلكة والندم الصادق على مافعلت والكف عنه وعقد النية على ألا ترجعى اليه ابدأ ومع كثرة الاستغفار والالتزام بالطريق القديم والتفكير الصادق عما حدث يتطهر الثوب تدريجيا مما علق به .. ويصح لك عندها التفكير فى مستقبل علاقتك بزوجك وشكرا

"نحن شعب ينتحر -بمزاجه- إنتحاراً جماعياً ببطء كين

~~~~~

قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "انها ستكون سنون خداعات .. يخون فيها الأمين ويؤتمن فيها الخائن .. ويكذب فيها الصادق .. ويصدق فيها الكاذب .. وينطق فيها الرويبضة .. قالوا وما الرويبضة يا رسول الله ؟ قال : الرجل التافه يتكلم فى أمر العامة

~~~~~

فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا (41) يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا (42){النساء}

رابط هذا التعليق
شارك

41101‏السنة 123-العدد1999يونيو18‏4 من ربيع الأول 1420 هــالجمعة

الأرض المحترقة‏!‏

منذ ثلاث سنوات كتبت إليك رسالة من سلسلة رسائل النكد الزوجي التي كنت تنشرها في ذلك الوقت وشكوت لك من تصرفات زوجتي النكيدية التي تجعل حياتي معها غير محتملة وكيف أنها تهوي البكاء في كل مناسبة سواء لمرض أحد أفراد أسرتها أو لأني انتقدتها في شيء عابر من شئون الحياة اليومية‏,‏ فإذا لم تبك تعمدت استفزازي بإجبار طفلتنا علي الصراخ والبكاء بإرغامها علي تناول الطعام قسرا أو بحرمانها من اللعب عقابا لها علي أي خطأ إلي جانب اعتبارها لكل تصرف من تصرفات أهلي تجاهها إهانة لها‏,‏ وبعد كل زيارة منهم لنا تلقني محاضرة في حقوق الزوجة وكيف أن واجب الزوج هو التربص لكل بادرة تشتم منها رائحة الإسادة لزوجته‏,‏ فيهب ممتطيا حصانه وشاهرا سيفه في وجوه أهله إلي آخر ما ذكرته لك في حينه‏,‏ وقد قرأت ردك علي رسالتي ورسائل غيري من الأزواج الذين شاركوا في مسلسل النكد الزوجي‏,‏ فوجدتك بالرغم مما ذكرته في ردودك عن تأثير هذا السحر اللعين للنكد علي الحياة الزوجية تدعوني وغيري من ضحايا النكد الزوجي إلي الصبر والتضحية من أجل أطفال لا ذنب لهم في شيء‏,‏ ومحاولة التكيف مع الأمر الواقع والتقليل بقدر الامكان من أثر هذا السحر اللعين علي الحياة الزوجية‏..‏ الخ‏

لكني رغم اقتناعي بما قلت لم استطع مواصلة الاحتمال وحسمت أمري علي الانفصال عن زوجتي وطلب مني والدها التروي قبل اتخاذ تحملت هذا القرار من أجل طفلتي التي أحبها وتحبني كثيرا لكني سددت أذني عن النصيحة وتم الانفصال وبدأت أبحث عن عروس أخري وأحلم بالسعادة والهناء معها وبعد ستة شهور من الانفصال كنت قد ارتبطت بفتاة أخري رشحتها لي أسرتي وتزوجتها‏,‏ وأملت أن أجد سعادتي وهددء بالي معها‏,‏ وبعد شهرين من الزواج علمت أن مطلقتي قد وضعت طفلي الثاني وأنها كانت قد أخفت عني حملها عند الانفصال لكيلا ترغمني علي العودة إليها مضطرا وأصارحك القول بأن مشاعري لم تتحرك في ذلك الوقت لرؤية وليدي الجديد‏,‏ ربما لأن أمه كانت قد أقامت ضدي دعوي نفقة للطفلين بالرغم من أن والدها ميسور الحال وتصورت‏,‏ كما أقنعني بذلك الجميع أنها تصر علي ملاحقتي بالنكد حتي بعد انفصالنا‏,‏ وتمنيت أن أنسي كل ما جري في حياتي السابقة‏,‏ وأن تعوضني عنه زوجتي الجديدة‏,‏ لكني وجدتها بعد شهور قليلة من الزواج تضيق بمشاكلي وأحزاني‏,‏ ولا تحتمل ظروفي المادية الجديدة التي فرضتها علي الظروف مؤقتا بسبب تكاليف الزواج الجديد‏,‏ ودفع مستحقات الزوجة السابقة‏,‏ بل وجدتها كذلك لا تحتمل أي نقد ولو كان رقيقا لأي تصرف من تصرفاتها‏,‏ وإنما تثور علي ثورة هائلة وتفقد سيطرتها علي لسانها فتوجه لي أفظع السباب ولربما قذفتني كذلك خلال انفعالها بأي شيء تجده أمامها من الأدوات المنزلية‏.‏

وخلال ذلك توفي أبي إلي رحمة الله وأصبحت أمي وحيدة في مسكنها وقبل أن أفكر في فعل أي شيء للتخفيف عنها‏,‏ وجدت زوجتي ترفض باصرار إقامتها معنا ولو لفترة مؤقتة عقب الوفاة وتضعني في حرج شديد أمام اخوتي وأهلي‏,‏ في الوقت الذي جعلت فيه من بيتي أرضا مشاعا لكل أقاربها حتي الدرجة الثالثة يأتون إليه في أي وقت‏,‏ وترحب بهم في كل حين‏,‏ وحرمت بيتي في المقابل علي أهلي‏,‏ ومن يغامر بزيارتنا وتفلت منه ولو علي سبيل المزاح كلمة تعتبرها أساءة لها يكون مصيره الطرد بلا رحمة‏.‏

وتساءلت أين السعادة التي بحثت عنها وهجرت من أجلها زوجتي الأولي وأطفالي؟ وتراكم الإحساس بالمرارة في أعماقي لكني تحملت كل شيء خوفا من الفشل الثاني في الزواج ومن شماتة زوجتي السابقة‏,‏ وفي أحد أيام شهر مضان الماضي توجهت لأحد المساجد الكبري لأداء صلاة التراويح وبكيت في صلاتي وأنا اتذكر طفلتي الحبيبة وطفلي‏,‏ الذي قارب علي العام الأول من عمره ثم هممت بمغادرة المسجد بعد الصلاة فوجدت والد مطلقتي أمامي واتجهت إليه لأحييه فأشاح الرجل بوجهه عني لكني لاحقته وتوسلت إليه بالمكان الطاهر الذي يجمعنا وأيام الشهر الفضيل الذي نعيشه أن يسمح لي برؤية أطفالي وتحملت صابرا جرحه لكرامتي وهو يذكرني بأن الأبناء ليسوا فقط زينة الحياة الدنيا‏,‏ وإنما هم أيضا مسئولية كبري لا يصح التنصل منها أو التخلي عنها ليتحملها عني الآخرون‏,‏ ووافق في النهاية علي أن آراهما وتوجهت معه إلي البيت وشعرت حين رأيتهما بالسعادة والحزن في نفس الوقت السعادة لرؤيتهما والحزن لحرمان نفسي من الاستمتاع بقربهما وملاحظة مراحل نموهما عن قرب وغلب الحزن علي السعادة في قلبي حين رأيت طفلي الجديد وهو يخطو خطواته الأولي وينظر إلي في ترقب وشك ولا يعرفني للأسف‏.‏

ورجعت إلي وكر النكد الحقيقي وحمدت الله حين وجدت زوجتي نائمة‏,‏ وتهيأت للنوم فإذا بالعاصفة تهب علي غير انتظار وإذا بزوجتي تصحون من نومها وتنفجر في بسيل من الكلمات البذيئة لأنني لم استأذنها في التأخر عن العودة للبيت وإذا بها أيضا بها تقذفني بوسادة تطير كالقذيفة وترتطم بوجهي فلم أشعر بنفسي إلا وأنا أنها عليها ضربا بعد أن نفد صبري‏,‏ وطلقتها‏..‏ ووضعت النهاية المخزية لهم السعادة والابتعاد عن النكد الزوجي‏..‏ ووافقت علي تسليمها أثاثها وديا علي ان تبقي في البيت الي حين انتهاء عدتها‏,‏ وتسلم والدها أثات ابنته ومزق امامي قائمة المنقولات‏,‏ وتركت لها البيت وانفردت بنفسي ورجعت أتساءل عما فعلت بنفسي وحياتي‏,‏ فلم يمض أسبوعان حتي فوجئت بالزوجة الثانية وقد أقامت ضدي دعوي تبديد لأثاث الزوجية‏..‏ واكتشفت بعد فوات الأوان أن القائمة التي مزقها الأب لم تكن القائمة الأصلية‏,‏ وحاولت بالرغم من ذلك التفاهم معها وديا لتجنب الوقوف امام المحاكم فكان ثمن تنازلها عن هذه الدعوي هو ان ادفع لها مرة اخري ثمن الأثاث الذي تسلمته بالفعل تأديبا لي علي ما فعلت وراحت اسرتي تلح علي في اعادتها الي عصمتي لكي تتنازل عن دعوي التبديد بلا شرط لكني رفضت ذلك وآثرت ان افترض المال لأسدد ليها المبلغ المطلوب‏,‏ ولم تكتف سامحها الله بذلك وانما اصرت عند انتهاء عدتها دون ان اعيدها لعصمتي علي الا تترك البيت الا بعد الحاق كل ما تستطيع من ضرر بالشقة قبل مغادرتها من اتلاف للجدران الي تكسير النوافذ وأطقم الحمامات إلخ‏..‏ ورجعت الي البيت فوجدته خرابا‏..‏ وفي غمار ذلك تلقيت من عملي انذارا بالاستغناء عني اذا لم ارجع الي سابق انضباطي والتزامي بمواعيد العمل‏,‏ بعد ان كثرت ايام غيابي بسبب هذه الظروف‏,‏ وبعد انتهاء العاصفة وجدتني افكر في زوجتي السابقة وعيو بها التي دفعتني لإنهاء حياتي معها‏,‏ وبنظرة عادلة هذ المرة للعيوب المزايا‏,‏ وجدت انها اذا كانت تبكي كثيرا لأي شئ او لمرض احد ذويها‏,‏ فقد كانت علي الناحية الأخري تجلس علي الأرض الي جواري اذا اصابني بعد عابر وان كنت اراه قسوة من جانبها علي طفلتنا كان سببه الخوف عليها ورغبتها في توجيهها الي الصواب وما كنت اسمعه من شكوها من اهلي وثورتها علي تصرفاتهم معها لم يكن يتجاوز في النهاية حدود الكلام والغضب المؤقت‏,‏ ثم ما كان اسهل ارضائها بعد ذلك بأقل كلمة اعتذار مني ولو كانت ساخرة‏,‏ فضلا عن انها لم تحرجني امامهم مرة احدة ولم تتعمد اهانتهم في بيتي او طردهم منه كما فعلت زوجتي الثانية بل كانت بالرغم من كل خلافاتها معهم توصيني بالبر بهم وصلة رحمهم‏,‏ حتي توقفها مني بعد انفصالنا لم يتجاوز الرغبة المشروعة في ا لحصول علي حق اطفالي مني واشعاري بمسئوليتي عنهم لكنها لم تتعمد ابدا ايذائي او الافتراء علي ظلما كما فعلت الزوجة الثانية وبعد تفكير طويل رغبت في إصرار في استعادتها والاعتذار لها‏,‏ عن كل ما جري وسعيت اليها آملا في ان تكون الأيام قد علمتنا نحن الاثنين درسها القاسي‏,‏ لكنها رفضت مقابلتي وذكرني والدها حين فاتحته برغبتي في استعادة ام اطفالي برسالتي التي ارسلتها اليك ونشرتها في حينها وما ذكرته فيها عن ابنته فقررت ان ا كتب اليك مرة اخري ليس فقط لكي تقنعها بالعودة الي وانما ايضا لكي ارفع عنها الظلم الذي ظلمته لها في رسالتي السابقة اليك وارجو الا تبخل علي بمساعيك الحميدة هذه المرة ايضا لإقناعها بالعودة الي بدء صفحة جديدة من حياتنا لأنني في اشد الحاجة اليها الآن لكي اتجاوز محنتي‏..‏ وارجو ان تصفح هي عني ويكفيها انني قد عرفت بالتجربة القاسية النكد الحقيقي المدمر خلال زواجي الثاني والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته‏.‏

: ولكاتب هذه الرسالة اقول

ليس لدي الكثير مما اقوله لك تعقيبا علي رسالتك هذه سوي انها تقدم لنا مثلا جديد الآفة الانسان لأن القديمة في كلمة الصبر علي ما يشكو منه ولو كان هينا بسيطا‏,‏ ولميلة العريزي للرثاء لنفسه واعتبارها ضحية للآخرين عن طريق تضخم عيوبهم وابراء النفس من كل شبهة عيب او خطأ من جانبه في حقهم‏.‏

لقد تعجلت يا سيدي هدم اسرتك الأولي وحرمان طفلتك الصغيرة منك ومن حقها عليك في ان تحيا حياه عائلية مستقرة‏,‏ لغير اسباب جدية تجعل من الانفصال عن زوجتك الخيار الصعب الذي لا بديل له‏,‏ ولا مفر منه‏.‏

فكيف كان جزاء؟

لقد اثبتت لك التجربة العملية ان كل ما شكوت منه مما اعتبرته من عيوب زوجتك الأولي كان من الممكن احتماله والتجاوز عنه او علاجه وفهم دوافعه واسبابه واستجلاء النيات الطيبة وراءه‏,‏ وكما اثبتت لك التجربة ايضا والأشياء تعرف بأضدادها‏,‏ انه لا وجه للمقارنة بين مانسبته الي زوجتك الأولي من عيوب وأخطاء وما تجرعت آلامه ومرارته الحقيقية مع زوجتك الثانية‏,‏ فحتي ما اعتربته ملاحقة لك بالنكد من جانب زوجتك الأولي بعد انفصالك عنها لم يكن اكثر من سعي مشروع للحصول علي حق عادل لطفليك عليك‏,‏ ولا يغير من مشروعية هذا الحق شيئا أن يكون والدها ميسور الحال أو غير ميسور‏,‏ لأن الحق لا يتقرر بمدي احتياج الإنسان إليه وإنما بمشروعيه هذا الحق من الأصل أو عدم مشروعيته‏.‏ ولو كانت زوجتك الأولي قد رغبت حقا في ملاحقتك بالنكد بعد انفصالك عنها لما تعففت عن إبلاغك بحملها الثاني لكيلا تكون عودتك إليها إذا رغبت فيها اضطرارية وليست إرادية‏.‏

بل إني لأري أن شرف خصومتها لك بعد الانفصال وعدم ادعائها عليك بباطل قد كشف عن معدنها الأصيل‏,‏ وحقيقة القيم الأخلاقية السائدة في محيطها العائلي‏,‏ ذلك أن الفضلاء حقا هم من لا يخرجهم الخلاف والغضب عن التزامهم بالعدل والفضل مع الآخرين ولو آذاهم هؤلاء الآخرون وافتروا عليهم السوء‏.‏ فالخلاف هو محك الأخلاقيات الحقيقية للإنسان وليس الرضا والوفاق‏.‏

وفي ذلك يقول الشاعر‏:‏

من يدعي الحلم أغضبه فتعرفه ...................... لا يعرف الحلم إلا ساعة الغضب

ويقول الإمام ابن حزم الأندلسي‏:‏

أفعال كل امرئ تنبني بعنصره .................... والعين تغنيك عن أن تطلب الأثر

فقارن إذن نبل خصومة زوجتك الأولي لك بعد الانفصال‏..‏ بفحش خصومة زوجتك الثانية لك عند الخلاف خلال الحياة الزوجية بينكما‏..‏ وبعد انتهائها‏,‏ حيث لم تكتف باسترداد أثائها وإنما استأدتك ثمنه أيضا بالباطل وتحت سيف التهديد بالسجن قضية التبديد‏..‏ ولم يشف ذلك وحده غليلها فاتبعت معك سياسة الأرض المحترقة التي كانت تتبعها جحافل التتار حين تحرق القري برمتها قبل الجلاء عنها لكيلا يجد الخصوم فيها الأخضر ولا اليابس عند دخولها‏..‏

فإذا كان الأفضل دائما هو ألا يحتاج الإنسان لأن تطحنه التجربة القاسية لكي يعرف اقدار الآخرين ويعترف لهم بفضائلهم‏,‏ فإن ما يتعلمه المرء من جحيم التجربة قد يكون في كثير من الأحيان أعمق أثرا في حياته وأفكاره‏..‏ لأنه قد دفع ثمنا غاليا لما اكتسبه من حكمة وفهم للحياة‏,‏ ويبقي بعد ذلك أن أناشد زوجتك الأولي وأم طفليك الصغيرين ألا تغلق أبواب الرجاء في وجهك‏..‏ وألا تسمح لغضبها المشروع لكرامتها بأن يحجب عنها رحمتها بطفليها وعدلها معهما الذي يفرض عليها ألا تعاقبهما بخطأ أبيهما وتحرمهما من حقهما في الحياة الطبيعية بين أبويهما‏..‏ وكم من ازواج وزوجات اعترضت حياتهم مثل هذه المحنة‏..‏ فلم تمنع إعادة اجتماع شملهم مرة أخري ومواصلة رحلة الحياة بينهم إلي النهاية المقدورة لها‏..‏

فإذا كانت في حاجة إلي ترضية واعتذار كافيين‏..‏ فلا تتردد في تقديمهما إليه‏..‏ واصبر علي رفضها للعودة إليك بعض صبرك علي أذي زوجتك الثانية لك‏,‏ لأن لكل إنسان كرامته في النهاية ومن حق المظلوم أن يسترضيه ظالمه ويصبر عليه حتي تشتفي نفسه من مرارتها ويصبح مستعدا للصفح والنسيان فا ذهب إليها ياسيدي مرة ثانية وثالثة‏..‏ ولا تتوهم أن مجرد إبداء رغبتك في عودتها إليك بعد كل ما جري كاف لأن يذيب المرارة التي ترسبت في أعماقها‏..‏ وإنما واصل السعي لاستردادها بلا كلل‏..‏ وتمثل بقول الشاعر‏:‏

إذا كان ذنبي كل ذنب فإنه ......................... محا الذنب كل المحو من جاء تائبا

وما أحسب إلا أنها سوف تصفح وتنسي بعد حين‏..‏ لأن المعدن الأصيل الذي تبدي في الخلاف فلم يسمح لها الافتراء عليك بباطل‏,‏ سوف يتجلي أكثر وأكثر حين تلمس صدق ندمك علي إساءتك السابقة لها وحين تغلبها أمومتها الحانية لطفليها علي مشاعرها فترحج لديها سعادتهما وأمانهما علي كل شيء بإذن الله‏.

"نحن شعب ينتحر -بمزاجه- إنتحاراً جماعياً ببطء كين

~~~~~

قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "انها ستكون سنون خداعات .. يخون فيها الأمين ويؤتمن فيها الخائن .. ويكذب فيها الصادق .. ويصدق فيها الكاذب .. وينطق فيها الرويبضة .. قالوا وما الرويبضة يا رسول الله ؟ قال : الرجل التافه يتكلم فى أمر العامة

~~~~~

فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا (41) يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا (42){النساء}

رابط هذا التعليق
شارك

41108‏السنة 123-العدد1999يونيو25‏11 من ربيع الأول 1420 هــالجمعة

الرداء الابيض‏!‏

أنا فتاة في العشرين من عمري أكتب لك هذه الرسالة نيابة عن سيدة اعتبرها مثل أمي وأعرف ان كلماتك ستكون البلسم الشافي لها باذن الله أما هذه السيدة فهي مثل كثيرات غيرها من الأمهات الطيبات‏..‏غير انها تختلف عن كثيرات منهن في انها تعيش مع رجل لو قلت عنه انه قاسي القلب لظلمته‏..‏لأنه بلا قلب من الأصل‏,‏ ولأنها زوجته وأم ابنائه فقد أختصها بالقدر الأكبر من هذه القسوه وتحملت هي صابرة حياتها معه لكي ترحم ابناءها وتحميهم من غوائل الحياة‏.‏

ومنذ فترة ليست طويلة مرضت ابنتها الكبري التي تبلغ من العمر‏23‏ عاما وكان مرضها بالقلب يتطلب الراحة والرحمة والهدوء‏..‏ لكنه بسبب اهمال علاجها ساءت الحالة فنتج عنه تضخم القلب والرئة وارتشاح في الرئة والساق والكلي‏.‏

وقد تحملت هذه الفتاة مرضها بصبر عجيب وتحملت تحذيرات الاطباء الباردة لها من انها لاتستطيع الزواج ولو تزوجت فلن تستطيع الانجاب لسوء حالتها وكان خطيبها هو الشيء الوحيد الذي يخفف عنها وقع هذه الكلمات القاسية علي فتاة في مقتبل العمر تحلم بارتداء ثوب الزفاف كغيرها من الفتيات وبدأت الفتاة رحلتها القاسية مع المرض وتمكن منها الداء حتي اصبحت كالهيكل العظمي وأصبحت تقضي معظم ايامها في المستشفيات ومن حولها أمها واخواتها وخطيبها الانسان بكل معني الكلمة‏.‏

أما ابوها فلم تهتز له شعرة‏,‏ لمرضها ومعاناتها ولم يذهب معها الي المستشفي مرة واحدة وكلما رجته امها وهي خائفة أن يذهب للمستشفي لرؤية ابنته وجبر خاطرها ولو أمام خطيبها‏..‏اجابها بانها تدعي المرض‏..‏ وانه لاوقت لديه لمثل هذه الدلع‏!‏

وحين كان المرض يشتد عليها وهي في البيت كانت آهاتها تمزق قلوب الجيران فيأتون الي الشقة ويتعاونون علي حملها من الدور السادس الي الدور الارضي لكي تذهب للمستشفي‏,‏ أما والدها فيظل جالسا في الشرفة يدخن السجائر ويقرأ الجريدة في هدوء فاذا جاءت اليه زوجته ترجوه باكية أن ينقلهم الي المستشفي بسيارة الأجرة التي يملكها‏..‏ هز رأسه بالرفض وواصل القراءة والتدخين في سلام ويبحث الجيران عن سيارة تنقل الفتاة للمستشفي ويأتي خطيبها مهرولا الي المستشفي ويقف الي جوارها الي أن يخفف الله عنها بعض آلامها‏.‏

وكانت هذه الفتاة تحتاج الي ست انابيب للاكسوجين يوميا لكي تستطيع التنفس والبقاء علي قيد الحياة‏,‏ وكانت أمها ينخلع قلبها خوفا من أن تفرغ الانابيب قبل ان يتوفر لها غيرها‏,‏ وكم من مرة طلبت من زوجها ان يدفع ثمن انبوبة واحدة للاكسوجين لكي تتنفس ابنته فكان يرفض ذلك بكل قسوة فينفق خطيبها جزاه الله كل خير علي علاجها وعلي شراء انابيب الاكسوجين‏,‏ بجانب ماتنفقه الفتاة نفسها من مرتبها البسيط وتتحمل آلامها في صبر ورضا وتصلي وهي نائمة وتستمع دائما الي شرائط القرآن الكريم وتدعو ربها في كل حين‏:‏ رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري

وكان جميع من حولها من الأم والاخوة والخطيب والجيران الطيبين يزورونها في المستشفي ويرثون لحالها ويعلمون ان ايامها في هذه الدنيا القاسية قليلة ماعدا الأب الذي زارها ذات مرة زيارة قصيرة وهي في أسوأ فتراتها فرجته ابنته وهي تبكي ان يبقي الي جوارها حتي ينفذ فيها سهم القضاء لأنها كما قالت له مستعطفه ـ تموت فاذا به يجيبها ببرود بان من يموت بالفعل لايعرف انه يموت ولايقول انه يحتضر كما تقول هي وبالتالي فان هذا كله تمثيل ودلع بنات لاوقت لديه لتحمله‏,‏ ثم انصرف عنها بلا وداع‏,‏ وقرب الفجر استنجدت به أمها لكي يأتي ويعيد ابنته الي بيتها لكي تحتضر هناك في سلام فرفض النزول من البيت والاستجابة للرجاء ولم يمض وقت طويل حتي كانت روح هذه الفتاة الطيبة قد صعدت إلي السماء‏,‏ وكان آخر ماطلبته من أمها هو أن تتصدق بمرتبها عن الشهر الاخير من حياتها القصيرة‏..‏وبما تبرع لها به الجيران الطيبون للمساهمة في علاجها علي الفقراء ترحما عليها‏!‏

وكان آخر ماقالته لأمها الحزينة هو انها لن تسامح اباها أبدا علي مافعله بها ولا علي عدم تحمله لنفقات علاجها وتركها للغريب‏..‏أي لخطيبها لكي يتحمل نفقات العلاج دونه كما لن تسامحه ابدا علي رفضه البقاء الي جوارها في ساعاتها الاخيرة ورفضه الاستجابة لنداء أمها له أن يأتي الي المستشفي ليصطحبها الي البيت لتقضي به مابقي لها من عمر‏.‏

أما آخر كلماتها الحسيرة الأخري فهي انها كانت تتمني ككل فتاة في مثل عمرها أن ترتدي ثوب الزفاف الابيض وتسعد بحياتها مع من احبها واحبته‏..‏ لكن اارادة الله قد شاءت لها أن ترتدي بدلا منه رداء الرحيل الأبيض‏..‏وهذه هي اراده الله ولا راد لقضائه ولامعقب علي حكمه وهو الرحمن الرحيم‏.‏

ورحلت هذه الفتاة الطيبة عن الدنيا في هدوء وبكتها أمها واخواتها وجيرانها الطيبون وخطيبها الانسان‏.‏

وفي مجلس العزاء في بيتها كانت الأم والاخوة والخطيب والجيران هم الذين يتقبلون العزاء فيها أما الأب الذي لا أجد له وصفا فقد كان جالسا أمام التليفزيون يتابع المسلسل اليومي ويدخن في هدوء غريب‏!‏

ولم يكتف هذا الرجل بالاساءة لابنته الراحلة وهي علي قيد الحياة‏..‏وانما أساء اليها أيضا وهي في رحاب الله‏..‏فقد جاء خطيبها لزيارة والدتها واخوته بعد العزاء فاذا بهذا الأب القاسي يقابله بجفاء ويطلب منه عدم العودة الي هذا البيت مرة أخري ويسأله‏:‏ لماذا تجيء الآن وقد ماتت من كنت تأتي لرؤيتها؟

ولقد كنا نظن ان رحيل ابنته عن الحياة سوف يغير من بعض طباعه القاسية ويدفعه لان يرعي الله في أمها واخوتها من بعدها‏,‏ ولكن فلم يتغير من طبعه شيء وهو الآن يواصل قسوته علي أخيها المريض بالسكر ويرفض الانفاق علي علاجه الذي ان لم يأخذه في موعده جاءته غيبوبة المرض ويواصل ايضا بلا رحمة قسوته علي امها فيسبها ويضربها‏..‏وهي التي لاتجف دموعها علي أبنتها‏..‏ومازالت لاتصدق أنها قد رحلت عنها فتنهض من نومها مفزوعة وهي تنادي علي ابنتها عسي ان تجيبها من عالم الغيب والشهادة لقد كتبت لك قصة هذه السيدة المعذبة لكي توجه اليها كلمة عزاء في ابنتها وتخفف عنها بكلماتك الحانية بعض احزانها‏..‏كما كتبتها لك ايضا عسي ان تستطيع مساعدتها في زيارة بيت الله الحرام لعلها تجد هناك مايدخل السكينة الي قلبها ويعيد اليها بعض الطمأنينة‏,‏ لأنها حتي اذا استطاعت تدبير نفقات العمرة من أهل الخير المحيطين بها ويعرفون مأساتها فان هذا الرجل الظالم لن يسمح لها بالسفر

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ولكاتبة هذه الرسالة أقول‏:‏

ياالهي‏..‏ ألي هذا الحد قد تنزع الرحمة أحيانا من بعض القلوب؟

ان القتلة والسفاحين قد ترق قلوبهم في بعض الأحيان وتتحرك اشفاقا علي بعض البشر‏.‏ فكيف خلت نفس هذا الرجل من كل لمسة شفقة أو رحمة بابنته الطيبة هذه؟

ومن أي نوع من الاحجار الصلدة قد قلبه فخلا من كل عطف علي ابنته وزوجته وابنائه؟

لقد قلت ذات مرة أن من الآباء من لايستحقون لقب الأب الجليل الذي يعني في جوهره العطف والعطاء والرحمة والمسئولية لكني لم اتصور حين كتبت ذلك ان يكون علي سطح الارض أب تحتضر ابنته العروس وترجوه البقاء إلي جوارها في لحظاتها الأخيرة أو اعادتها إلي بيتها لتقضي مابقي لها من ساعات فيه فيصم أذنيه عن ندائها ولاتتفجر في قلبه ولوكان من صخر يناييع الرحمة والعطف علي هذه الابنة المعذبة ففي أي زمن نعيش ياربي وإلي اين ينتهي بنا المصير؟ وماذا سيقول هذا الأب لمخالقه من يسأله عن ويعيه الغالية التي استودعه اياها كيف لم يترفق بها وهي هذين السماء اليه‏..‏ وكيف لم يرحم ضعفها وعذابها حين كانت في أشد الحاجة إليه وكيف تخلي عن مسئوليته عنها ورفض الانفاق علي علاجها وترك هذه المسئولية الانسانية لخطيبها الشهم وجيرانها الطيبين؟ لقد وادها هذا الرجل الفظ بقسوته وغلظته وجمود مشاعره فبأي جواب سوف يجيب ابنته يوم يكون الحساب‏(‏ إذا الموءودة سئلت باي ذنب قتلت‏).‏

لقد كان إلم النفس اقسي عليها من آلام الجسد‏.‏

وكانت مرارة خزلان أبيها لها وتخليه عن علاجها ورفضه الوقوف بجوارها حتي في لحظاتها الأخيرة اشد بطشا بجسمها التخيل وعلة القلب وآلامها‏.‏

فبزي حق ينحو مثل هذا الرجل من عقاب القتل المعنوي لابنته في الارض قبل ان يلقي قصاصه العادل عنه في السماء؟

وكيف يقف القانون عاجزا عن محاسبة مثل هذا الرجل عن جريمة القتل المعنوي هذه؟

وألا من مخرج لدي فقهاء القانون لمحاسبة مثل هذا الرجل عما صنع بابنته؟ وعما يفعل الآن بابنه المريض بالسكر وزوجته المكلومة وابنائه الحائرين؟

ان هناك اشخاصا يكفي مجرد وجودهم في الحياة ولكي تتخفف الدنيا من بعض قبحها وقسوتها وعنائها وهناك اشخاص آخرون يكفي مجرد وجودهم في الحياة لكي تزداد مساحات العناء والظلم والقسوة فيها‏.‏

وهذا الرجل من هذا الصنف الأخير ولابد من وسيلة مشروعة لمحاسبته عما جناه علي ابنته ولرده عما يفعل الآن بابنه المريض وزوجته المفجوعة في ابنتها الراحلة وبقية ابنائه‏.‏

افتوني ايها الملأ من رجال القانون عما يمكن فعله مع هذا الرجل وارغامه به علي الرفق بزوجته وابنه المريض والتكفير عن جنايته علي ابنته‏.‏

لقد كان الفقيه شمس الدين محمد بن ابي بكر المعروف باسم ابن قيم الجوزية يقول في معرض الحديث عن قسوة القلوب ماضرب عبد بعقوبة اعظم من قسوة القلب والبعد عن الله ويقول‏:‏ خلقت النار لإذابة القلوب القاسية ويقول أبعد القلوب من الله القلب القاسي‏,‏ ويقول‏:‏ إذا قسا القلب قحطت العين‏,‏ أي جفت من ماء الدمع وكل ذلك ينطبق علي هذا الرجل الذي اكبح جماح قلمي بصعويه شديدة لكيلا يصفه بما يستحقه من صفات فمن عجبة‏,‏ بعد كل ذلك ان يكون كما تقولين في رسالتك ممن يقرأون الجريدة ويعرفون خط الاحرف‏.‏

فغلا افادته القراءة ولارفقت حاشية خطوب الحياه فبأي حق يسعي امثاله في الحياة ويزيدون من مساحة القبح والعناء فيها؟

ولمن سوف يرق قلبه إذا لم يكن قد رق لابنته الشابة وهي تتسمع انغام الرحيل أو لابنه الذي يعاني من مرض السكر شفاه الله منه أو لزوجته الحزينة علي ابنتها الراحلة؟

لقد اعتدت ان أناشد الازواج والزوجات ان يترفقوا بشركاء الحياه لكني لاأشعر باي رغبة في ان اناشد هذا الرجل في شيء‏-‏ أو اوجه اليه اي كلمة وبدلا من ذلك فاني‏-‏ ولعلها المرة الأولي التي افعل فيها ذلك اقسم بالله العلي القدير الذي لا إله سواه انني سوف الاحق هذا الرجل بكل الوسائل القانونية المتاحة ان لم يترفق بزوجته ويسمح لها باداء العمرة علي نفقة بريد الأهرام مع مراعاة حقه عليها كزوج في ان يصحبها إلي هذه العمرة إذا شاء اكراما لها وليس له وتيسيرا عليها وليس عليه وكذلك ان لم يتحمل مسئوليته عن علاج ابنه أو يسمح لبريد الأهرام بتنظيم علاجه ورعايته إلي ان يكتب الله له الشفاء باذن الله‏.‏

فانتظري مني ايتها الانسة الطيبة كاتبة هذه الرسالة اتصالا قريبا لادعوك إلي زيارتي مع هذه السيدة الملكومة راجيا ان تصطحب معها تقارير ابنها الطيبة لترتيب مسألة علاجه واوراقها الشخصية اللازمة لاستصدار جواز سفر لها والله المستعان علي كل أمر عسير‏.‏

"نحن شعب ينتحر -بمزاجه- إنتحاراً جماعياً ببطء كين

~~~~~

قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "انها ستكون سنون خداعات .. يخون فيها الأمين ويؤتمن فيها الخائن .. ويكذب فيها الصادق .. ويصدق فيها الكاذب .. وينطق فيها الرويبضة .. قالوا وما الرويبضة يا رسول الله ؟ قال : الرجل التافه يتكلم فى أمر العامة

~~~~~

فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا (41) يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا (42){النساء}

رابط هذا التعليق
شارك

41115‏السنة 123-العدد1999يوليو2‏18 من ربيع الأول 1420 هــالجمعة

الأسئلة الصامتة؟

أنا شاب علي أبواب الأربعين من عمري نشأت في أسرة طيبة بين أب كريم يرحمه الله وأم فاضلة أطال الله عمرها وعدد من الإخوة والأخوات‏,‏ وقد رحل أبي عن الحياة وأنا في السادسة عشرة من عمري وحصلت علي شهادتي العليا‏,‏ وأنهيت خدمتي العسكرية وسافرت للعمل بإحدي الدول العربية‏,‏ وخلال عملي بها أعلنت خطبتي لإبنة خالتي وهي فتاة كريمة الأخلاق وعقدت قراني عليها وبعد‏3‏ شهور تم الزفاف وقضيت مع عروسي في مصر شهرين ثم سافرت الي مقر عملي‏,‏ وبعد‏8‏ شهور اخري رجعت اليها وقضيت معها‏75‏ يوما‏,‏ وبعد شهور اخري لحقت هي بي في مقر عملي وسعدت بها ومضت الأيام بنا هادئة‏,‏ غير انني لم ألمس بشائر الحمل بعد كل هذه الفترة فتوجهت الي احد المعامل لإجراء تحليل للخصوبة‏,‏ وقرأت النتيجة في وجه طبيب المعمل قبل ان يصارحني بها وتقبلتها هادئا‏,‏ ثم أعدت إجراء التحليل في معمل آخر‏..‏ ثم ثالث وجاءت النتيجة مماثلة‏..‏ وإلي هذه اللحظة لم أكن قد أخبرت أحدا علي ظهر الأرض إنه لا أمل لي البتة في الإنجاب لانعدام الحيوانات المنوية لدي نهائيا‏..‏ ولم أكن أيضا قد فقدت هدوئي وتماسكي‏,‏ لكن نتيجة التحليل الثالث كانت قد قضت علي آخر أمل تعلقت به‏..‏ فشعرت بحزن شديد أذهلني حتي رؤية صاحب العمل حين صادفني عند عودتي للعمل‏..‏ وبعد قليل من رجوعي للعمل سألني مديري عن سبب تجاهلي لصاحب العمل حين التقيت به منذ قليل‏..‏ فأجبته صادقا بأنني لم التق به‏,‏ فقال لي بل التقيت به واستغرب عدم مصافحتك له‏..‏ فوجدتني ابوح له بما أهمني وشغل خاطري‏..‏ وبعد قليل طلبني صاحب العمل في مكتبه وأسمعني من الكلام الطيب ما خفف عني بعض احزاني وطلب مني التمسك بالصبر والأمل في رحمة الله رب العالمين‏..‏

وجاء الي المدينة بعد شهور جراح مصري كبير فعرضت نفسي عليه‏,‏ واستقر الرأي علي إجراء فحص جراحي وأخذ عينة لتحليلها ووافقت علي ذلك بشرط عودتي لبيتي في نفس اليوم لكيلا تشعر زوجتي بالقلق‏,‏ وتم إجراء الجراحة وانتظرت نتائج تحليل العينة لمدة أسبوعين وقلبي يخفق بالأمل والخوف‏,‏ وحين توجهت إلي الطبيب الجراح لمعرفة النتيجة تكرر لي ما حدث في أول تحليل وقرأت النتيجة في وجه الطبيب قبل أن يصارحني بها ولم أقل له سوي إنه سبحانه وتعالي قد قدر لي هذا وما شاء فعل ووجدت عبارة لأحد الصوفية الكبار تتردد بقوة في أعماقي هي‏:‏ ربما منع فأعطي‏,‏ وربما أعطي فمنع‏!..‏

ورجعت الي البيت هادئا فكان أول ما فعلته هو ان جلست مع زوجتي وشرحت لها كل شئ بصراحة تامة‏,‏ وطلبت منها ان تفكر جيدا في امرها‏,‏ فاسمعتني اكرمها الله من الكلمات الحانية ما أثلج صدري وخفف عني بعض الألم‏,‏ وصارحت شقيقي الأكبر الذي يعمل معي في نفس المدينة بأمري‏..‏ ووجدتني بعد قليل أخفف عنه ألمه وهمه والوم نفسي ان اثقلت عليه‏,‏ بما صارحته به‏.‏

ومضت حياتي مع زوجتي في سلام الي ان رجعنا لمصر بعد عامين ووجدتني محاصرا بالأسئلة الصامتة في عيون الأهل والأخوة والأخوات والأصهار عن سبب عدم حمل زوجتي وإنجابها حتي الآن‏,‏ ولم استطع بالطبع مصارحة أحد من أهلي بالحقيقة ليس خجلا منها وإنما إشفاقا من وقعها عليهم بعد ان جربت ذلك من قبل مع شقيقي الأكبر ورجعنا بعد انتهاء الإجازة الي مقر عملنا‏..‏ وأمضينا عامين آخرين‏,‏ ثم رجعنا الي بلدنا مرة اخري في اجازة وكان قد مضي علي زواجنا حوالي سبع سنوات دون إنجاب فوجدتني في وضع لا أحسد عليه‏..‏ ووجدت التساؤلات التي كانت صامتة في الزيارة السابقة قد أصبحت صريحة‏,‏ ووجدتني ملزما بأن أشرح لكل فرد من الأهل والأصهار ما حدث بالضبط‏..‏ وما فعلت‏..‏ وما قاله الأطباء وكيف كانت نتائج التحاليل الأولية‏..‏ والنهائية إلخ وهو حديث ثقيل علي النفس ومؤلم لصاحبه وحدث ما كنت أخشاه من ردود الأفعال التي تباينت بين الحزن والتعاطف‏..‏ والشماتة من البعض لا أدري لماذا‏..‏ غير أن هذه الردود لم تترك والحمد لله أي أثر علي علاقة زوجتي بي‏..‏ وإن كانت قد شرخت علاقتي أنا بالأهل كلهم للأسف الشديد ورجعت الي غربتي وفي النفس مرارة وفي الحلق غصة‏.‏

فإذا سألتني ما هي المشكلة الآن‏..‏ أجبتك انها تتمثل في انني قد اصبحت انسانا آخر مع كل من اضطرني عن قصد او سوء نية ان اعلن علي الملأ شيئا شديد الخصوصية بالنسبة لي‏,‏ وهو عدم قدرتي علي الإنجاب لأسباب لا حيلة لي فيها‏,‏ وذلك بإلحاحه علي السؤال أو بإحراجي بالتساؤلات التي لا مفر من تقديم الإجابات عنها‏,‏ وأتمني أن أرجع كما كنت مع الجميع لكنني لا أملك ذلك للأسف حتي الآن‏,‏ ولهذا فلقد كتبت لك هذه الرسالة لكي أرجو من كل الأهل ـ أهلي وأهل الجميع ـ أن يرحموا كل زوجين يريدان ان يحتفظا لنفسيهما بما يخصهما من أسرار لا ينعكس أثرها سوي عليهما وحدهما‏,‏ وأن يترفقوا بهما في السؤال سواء بأسئلة العيون أو بالأسئلة الصريحة‏,‏ لأن السؤال غير اللائق أو الجارح لا ينمحي أثره أبدا من نفسي من يوجه اليه‏,‏ علي عكس ما يتصورون وفي النهاية فإني أطمئنك أنني وزوجتي علي أحسن حال‏,‏ ونرعي الله في عشرتنا معا وقد اصبح بيتنا واحة للمحبة وراحة البال والاحترام وأكرمنا الله بالحج والعمرة عدة مرات‏,‏ وشكرا لك أن أتحت لي هذه الفرصة لإخراج هذا البخار المكتوم من صدري‏.‏

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته‏.‏

ولكاتب هذه الرسالة اقول‏:‏

من اشق الأمور علي الانسان المهموم بأمره ان يجد نفسه مضطرا إلي التصريح بما يتحرج أن يعرفه عنه الآخرون‏,‏ أو ربما كان يرجو ان يعفوه من الحديث عنه أو الاشارة اليه‏,‏ تلطفا منهم وادراكا لحساسية الأمر وخصوصيته بالنسبة له‏.‏

ولكن ماذا نفعل ياصديقي مع من قد يدفعهم حرصهم علينا أو حبهم لنا في بعض الاحيان إلي عدم الاكتفاء بملاحظة الحال بغير سؤال‏,‏ والالحاح علينا بالتسأولات الصامتة أو الصريحة عما لاتكون اجابته إلا كشف افكارنا والحديث عما لايسعدنا البوح به؟

وماذا نفعل مع غيرهم من البشر الذين لايدركون أين تقع اسئلتهم المؤلمة من القلوب الحزينة‏.‏

لقد قال بعض الحكماء ان من ادب السؤال‏,‏ ألا يسأل المرء صاحبه عما يعلم أنه يتحرج منه التصريح به‏,‏ أو تؤلمه مجرد الأشارة اليه‏,‏ وأن من لايلتزم بمثل هذا الأدب في التعامل مع الآخرين انما يضطرهم لمكابدة عناء الكذب لاخفاء مالا يفضلون ان يكون موضوعا للنقاش مع الغير‏,‏ أو يضطرهم لمكابده عناء البوح بما يريدون ان يطلع عليه غيرهم‏.‏

ولهذا فلقد نهانا الله سبحانه وتعالي عن الفضول الذي يقتحم خصوصيات الآخرين ويهتك استارهم‏,‏ وعن كثرة السؤال التي تفتح الأبواب لنطأ الجراح ـ وايلام المشاعر‏,‏ واثارة المتاعب‏.‏

ولقد نزلت الأية الكريمة‏101‏ من سورة المائدة التي تقول‏:‏ يا أيها الذين أمنوا لاتسألوا عن اشياء ان تبد لكم تسؤكم

فيمن كانوا يلحقون بالسؤال علي رسول الله صلي الله عليه وسلم عن أشياء لم ينزل فيها أمر ونهي‏,‏ او يلحون في طلب تفصيل أمور أجملتها القرآن وجعل في اجمالها سعة للناس‏,‏

او بالاستفسار عن أشياء لاضرورة لكشفها لان كشفها قد يؤذي السائل أو غيره من البشر‏,‏ غير ان المفسرين يجعلون منها منهاجا اخلاقيا للتعامل بين البشر في أمور الحياة الأخري‏,‏ ويرون في هذا المنهج درءا لشرور الفضول والتطفل علي خصوصيات الآخرين واسرارهم

والمثل الإنجليزي القديم‏:‏ لاتسألني فاكذبك‏.‏

اي لاتسلني عما لااحب البوح به لك أو لغيرك فتضطرني للكذب‏!.‏

وليس السؤال المحرج هو وحده السؤال الذي ينطق به اللسان‏,‏ لأن من أسئلة العيون الصامتة ايضا مالايقل احراجا للمسئول عن السؤال الناطق‏,‏ لهذا فقد كان من حسن الكياسة دائما ان يكبح المرء لسانه عما لايجوز له السؤال عنه‏..‏ وعينه أيضا عما لايجوز لها الالماح اليه‏.‏

والأمر معقود في النهاية لحسن الادراك والفهم اللذين ينبغي ان يتوفرا لدي المحيطين بالمرء من أهله واصدقائه‏!‏

اذا ماذا يعني سؤال زوجين مضي علي زواجهما سبع سنوات دون حمل ولاانجاب عن أسباب عدم انجابهما سوي ايلام المسئول‏..‏ ونكأ جراحه ووضعه في موضع المطالب بتقديم تفسير لما لاح حيلة له فيه ولاجريرة؟ وماذا يغير مثل هذا السؤال الجارح من واقع الحال‏.‏

وأي عائد جدي له سوي جرح مشاعر المقصود به وتذكيره بحرمانهالذي لاحيلة له فيه ولم يختره لنفسه بارادته؟

انني معك ياصديقي تماما في ان من واجب الجميع عدم الالحاح بالسؤل علي اي زوجين يرغبان في ان يحتفظا لنفسيهما بمساحة من الخصوصية لايجوز حتي لاقرب الناس اليها اقتحامها‏,‏ أو التطفل عليها ومعك أيضا في ان من جراحات اللسان مالا التئام له في بعض الأحيان علي عكس جراحات السنانأي السيوف علي حد تعبير الشاعر العربي‏,‏ لكني ادعوك من ناحية أخري الي التخفف من بعض حساسيتك الزائدة من تجاه هذا الأمر‏,‏ لأن مالاحيله للمرء معه لاذنب له عنه‏..‏ ولاعيب فيه‏.‏

ومادمت تحيا حياتك في وئام ووفاق مع زوجتك ويرعي كل منكما الله سبحانه وتعالي في عشرته للآخر‏..‏ فلتتجاور عن مثل هذا الفضول الذي كدرصفوك في بعض الاوقات‏,‏ ولتلتمس لأصحابه بعض العذر فيه باهتمامهم بأمرك وحبهم لك وحرصهم عليك‏..‏ حتي وان اساء مثل هذا الاهتمام التعبير عن نفسه بالالحاح عليك بالتساؤلات المحرجة‏..‏ فمثل هذا الفضول لن يستمر ولن يتواصل‏,‏ ولسوف يعرف اصحابه الآن أنه لاعائد له سوي تكدير القلوب القلوب المحروعة فيتعلمون درس التجربة‏..‏ ويتجنبون العودة اليه مرة أخري‏.‏

ولقد اشرت الي الكلمة الحكيمة التي ترددت في اعماقك بقوة حين علمت بنتيجة الفحص الجراحي‏:‏ ربما اعطاك فمنعك وربما منعك فاعطاك‏,‏ وهي من الحكم المعروفة‏,‏ لابن عطاء الله السكندري تاج الدين وترجمان العارفين‏,‏ الجذامي نسبا‏,‏ المالكي مذهبا‏,‏ السكندري دارا‏,‏ القاهري مزارا‏,‏ الصوفي حقيقة الشاذلي طريقة‏,‏ أعجوبة زمانه ونخبة عصره وأوانه المتوفي سنة تسع وسبعمائة هجرية كما وصفه‏,‏ ابن عجيبة وقد قال النفري الرندي‏:‏ في شرحه لهذه الحكمة التي تحمل رقم‏83‏ في سلسلة الحكم العطائية‏,‏ ربما اعطاك الله سبحانه وتعالي ماتميل اليه نفسك‏,‏ فمنعك التوفيق والطاعة والاقبال عليه‏,‏ وربما منعك منه او من بعضه فاعطاك التوفيق والرضا والقبول‏,‏ وهكذا فقد يكون المنع في حقيقته عطاء والعطاء في جوهره منعا

فاسعد بحياتك الهانئة وزوجتك الفاضلة الوفية واشكر الخالق الكريم عطاءه‏..‏ وتجاوز عمن اساء اليك بغير تعمد والسلام‏.‏

"نحن شعب ينتحر -بمزاجه- إنتحاراً جماعياً ببطء كين

~~~~~

قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "انها ستكون سنون خداعات .. يخون فيها الأمين ويؤتمن فيها الخائن .. ويكذب فيها الصادق .. ويصدق فيها الكاذب .. وينطق فيها الرويبضة .. قالوا وما الرويبضة يا رسول الله ؟ قال : الرجل التافه يتكلم فى أمر العامة

~~~~~

فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا (41) يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا (42){النساء}

رابط هذا التعليق
شارك

41122‏السنة 123-العدد1999يوليو9‏25 من ربيع الأول 1420 هــالجمعة

جني الثمار‏!‏

أنا سيدة متزوجة منذ عشرين عاما‏..‏ نشأت في أسرة فاشلة بسبب سوء العلاقة بين الأبوين‏,‏ فأورثني ذلك الاصرار علي النجاح في حياتي‏,‏ وفضلت منذ صباي الاعتماد علي عقلي أكثر من عاطفتي‏,‏ وحين بلغت سن الشباب اخترت ممن تقدموا لي شابا يتميز بالرجولة‏,‏ والشهامة والحنان ويعرف دينه وله أخلاقياته الكريمة ويتمتع بحب من حوله‏,‏ وتزوجنا فكان عند حسن ظني به‏,‏ وأصبح لي الزوج والحبيب والصديق والأب ـ مشكلتي الوحيدة معه كانت تتمثل في أنني لا أحسن التعبير عن الحب بالكلمات‏,‏ فعوضت ذلك بالتعبير عنه بالأفعال وباهتمامي الشديد بزوجي وبكل شئونه‏..‏ كما صبرت علي صعوبات البداية وعثراتها إلي أن توصلت معه إلي علاقة دافئة اعتبرتها من جانبي ناجحة تماما‏,‏ وأعجب بها أهله قبل أهلي وراحوا يشيدون بحميمية العلاقة بيننا وبالإيثار المتبادل بيني وبينه‏,‏ ولقد وجدت فيما أسمعه وما أقرأه في بريد الجمعة أن معظم الأزواج يشكون من أنهم يرجعون إلي بيوتهم مرهقين من عناء العمل والحياة فيجدون زوجاتهم في انتظارهم بالمزيد من العناء‏,‏ ويلقين علي أكتافهم مشاكل البيت والأبناء‏,‏ فحاولت ألا أفعل ذلك‏,‏ وأن أبذل كل جهدي لحل مشاكل البيت والأبناء قبل عودة زوجي إلي بيته‏,‏ لكيلا أضجره بها‏,‏ كما رأيت ولمست كذلك أن بعض أسباب المشاكل الزوجية هو أن بعض الأزواج والزوجات لايسرعون بتصفية المشاكل الصغيرة التي قد تنشأ بينهم فيؤدي ذلك إلي تراكمها وإلي ابتعاد المسافات بينهم بدلا من اقترابها‏,‏ فحرصت علي أن تكون لنا من حين لآخر جلسة للمراجعة نقوم فيها أنا وزوجي بتصفية الخلافات الصغيرة بيننا ويخرج كل منا من صدره ما يضايقه من الآخر‏,‏ ويتم التصافي وتقترب المسافات‏.‏

كل ذلك إلي جانب وضعي لزوجي علي قمة أولوياتي واهتماماتي فشعرت أن الدنيا قد عوضتني بزوجي حقا عن كل ما افتقدته في حياتي السابقة من حنان‏,‏ ولم أشعر من ناحيته إلا بكل إخلاص وتفان في إسعادي‏,‏ حتي فكرت ذات يوم في أن أكتب لك عن تجربتي الناجحة في الحياة الزوجية لتستفيد بها غيري من الزوجات والمقبلات علي الزواج‏..‏ لكنني شعرت منذ فترة ـ بإحساس الزوجة ـ أن هناك شيئا قد تغير في زوجي‏,‏ فلقد أصبح يثور كثيرا وهو المعروف بهدوء الطبع ويتذرع بالحجج الكثيرة للخروج من البيت‏..‏ كما أن لغة الحوار قد توقفت بيننا وابتعدت المسافات‏,‏ ولأنني أعرف كل خلجة من خلجاته فلقد تيقنت من أن هناك شيئا ما قد طرأ عليه ولابد لي من اكتشافه‏,‏ وواجهت زوجي بأفكاري فاذا به يعترف لي بلا مراوغة بأن هناك امرأة أخري‏!‏ كيف‏..‏ ولماذا‏..‏ وماذا حدث؟‏..‏ سألته عن كل ذلك وأنا ذاهلة فاذا به يقول لي انه النصيب وانه وجد نفسه متعلقا بأخري‏!‏ ولأنني كما قلت لك في البداية أوثر الاعتماد علي العقل أكثر من العاطفة فلقد استغربت أن يفعل الإنسان شيئا لايستطيع تبريره أو الدفاع عنه وحاولت أن أعرف من زوجي أسباب مافعل‏,‏ فإذا به يتحدث عن أخطاء لي‏,‏ ويعتبرها مبررا لهذا التحول الذي طرأ عليه‏..‏ ويكفي أن أقول لك عن هذه الأخطاء أن آخرها حدث منذ خمس سنوات ولايعدو الأشياء البسيطة التي تحدث بين أي زوجين‏,‏ وان من هذه الأخطاء أيضا ماكنت أظنه أنا في سجل مميزاتي‏,‏ فلقد اعتبر محاولتي الدائمة لعدم الضغط عليه بمشاكل الأبناء والبيت خطأ من هذه الأخطاء‏,‏ وشكا من أنه قد بدأ يشعر بعدم أهميته في البيت‏,‏ وبأن الأبناء قد أصبحوا يعتمدون علي في حياتهم فقط دونه‏!‏ وقررت أن أسلك الطريق الصعب وأستمر في محاورة عقله علي الرغم مما يعتصرني من الألم‏,‏ وقلت له اذا كان قد كرهني فمن الأفضل لي أن يدعني لحالي ويسرحني بإحسان‏,‏ فاذا به يرفض ذلك رفضا قاطعا ويقول لي انه لايستطيع الاستغناء عني ولا أن يتنفس هواء لا أتنفسه أنا‏,‏ وانه سوف يحتفظ بي للنهاية ولو كان ذلك ضد ارادتي‏.‏ وكان المنطقي بعد أن أسمع منه هذا الجواب أن أطالبه في الحال بترك الأخري ما دام لايستطيع الاستغناء عني‏,‏ لكنه صدمني من جديد بأنه لايستطيع ذلك أيضا لأنه يريدها هي الأخري في نفس الوقت‏,‏ وبعد حوارات طويلة ومريرة معه‏..‏ عرفت أنه يريدني أن أوافق علي زواجه منها وعلي استمرار علاقتي به دون أي تغيير‏,‏ ويتعلل في ذلك بالحق الشرعي له في الزواج مرة أخري حتي ولو لم يكن يشكو شيئا من زوجته وأم أبنائه‏,‏ وبأنه قادر علي الإنفاق علي الأسرتين وقادر أيضا علي العدل بينهما‏!‏

ولقد حار عقلي في فهم مايريد الرجل‏..‏ وماذا يرضيه‏..‏ إنه يشكو من زوجته اذا أثقلته بمشاكل البيت والأبناء‏..‏ ويشكو منها كما فعل زوجي اذا هي حملتها عنه وأراحته منها‏..‏ وأريد أن أسألك بضعة أسئلة تنغص علي حياتي‏:‏ هل من العدل ياسيدي أن أتحمل أنا قسوة البدايات وأن أعيش في العسر سنوات وأتسلم أرضا جرداء لا زرع فيها ولا ماء فأرويها بشبابي وسنوات عمري عشرين عاما أو أكثر إلي أن تؤتي الأرض ثمارها ويحين وقت الحصاد‏,‏ فأجد من تمد يدها معي لتجني نصف الثمار التي لم تروها بقطرة ماء واحدة ولم تشق في رعاية بذورها وأشجارها؟

وهل تستوي الزوجة الصالحة التي ترعي ربها في زوجها وبيتها وأبنائها وليست مريضة بمرض يمنعها من أداء واجباتها الزوجية‏,‏ ولا سيئة الطبع أو العشرة‏,‏ مع أخري لم ترع زوجا ولا بيتا ولا مالا ولم تحسن معاشرة زوجها ولم تجد معها محاولات الإصلاح فبحث زوجها عن أخري وتزوجها حلا لمشكلته مع الأولي؟

واذا لم يكن هناك فارق بين الزوجتين‏..‏ في مثل هذه الحالة‏..‏ فلماذا إذن تسعي امرأة لكي تكون زوجة صالحة إذا كانت النتيجة واحدة في النهاية وهي تعلل الرجل بالحق الشرعي في الزواج من غيرها؟

ثم أريد في النهاية أن أسأل تلك الغافلة‏:‏ ألا تعلم هي حقا أن من عاشر زوجته عشرين عاما لم يشتك منها خلالها وكان دائم الاشادة بها في كل مناسبة حتي ظهرت هي في حياته‏..‏ أسأل هذه الغافلة‏:‏ هل تتوقع حقا أن يستمر زواجها بمثل هذا الرجل؟‏..‏ وهل تتصور أنه لن يجيء الوقت الذي يشعر فيه بالحنين لزوجته التي يقول إنه لايستطيع ألا يتنفس الهواء الذي تتنفسه‏,‏ فيكره المرأة التي أبعدته عنها ويشعر أنها قد أغوته ويعتبرها مسئولة عن فقدانه لزوجته وأسرته؟‏..‏ وهل تظن حقا أن مايشعر به تجاهها ليس سوي رغبة رجل يحس بأنه يريد امرأة اضافية لنفسه متعللا في هذه الرغبة بالرخصة الشرعية في الزواج الثاني؟‏!‏

وبماذا أنصح ابنتي ياسيدي عند الزواج‏..‏ هل أنصحها بأن تكرر ما فعلته أنا وتختار شابا يحبها وله أخلاقياته وتدينه ومبادئه ومستقبله الذي يبشر بالخير كوالدها فتكافح معه بضع سنوات وتتحمل عناء البداية والسنوات العجاف إلي أن تبدأ في جني ثمار الكفاح؟‏..‏ أم تري أن أنصحها بألا تتعب نفسها في الكفاح والصبر وبأن تنتظر رجلا حان وقت قطاف ثماره‏,‏ فتشارك زوجة أخري مكافحة في جني هذه الثمار أو تستأثر به دونها كما تفعل الآن هذه الأخري التي كدرت سماء حياتي؟‏..‏

إنني حائرة ومتخبطة‏..‏ فماذا تقول لي؟

‏*‏ ولكاتبة هذه الرسالة أقول‏

أقسي من الألم أن تضطرنا الظروف القاسية في بعض الأحيان إلي التجاوز عن آلامنا‏,‏ لكي نناقش بصبر وموضوعية مع من صنعوا لنا هذا الألم ونحاول إقناعهم بالعدول عما يفعلون بنا‏,‏ ونتحمل مجادلاتهم وادعاءاتهم لتبرير مافعلوا بنا‏.‏

ولأن الحياة ليست في كل الأحوال نزهة شاعرية في نهر هاديء الأمواج‏,‏ فمن واجبنا أن ندرب أنفسنا علي تجاوز الألم في بعض الأحيان إلي مناقشة صانعيه في أسباب إيلامهم لنا‏,‏ وكيفية عدولهم عما يؤلموننا به‏,‏ وكأنما نتحدث في ذلك عن مشكلة صديق نهتم بأمره وليس عن آلامنا الشخصية وتعاستنا الخاصة‏.‏

ولقد لفت انتباهي في رسالتك وأنت تناقشين مع زوجك أسباب رغبته في الارتباط بأخري علي الرغم من خلو علاقتكما الزوجية من أسباب واضحة للشكوي أو التعاسة‏,‏ أنه قد بدأ المناقشة بتعليل ذلك في البداية بــ النصيب جريا علي عادتنا نحن البشر في نسبة نزواتنا وأخطائنا وضعفنا البشري إلي قوي غيبية غامضة نبدو معها وكأننا مسيرون فيما نفعل رغما عنا ولسنا مخيرين فيما نختاره لأنفسنا من اختيارات‏,‏ وحين لم يكف هذا التبرير القدري لإقناعك وهو غير مقنع بالفعل‏,‏ فلقد راح يسترجع مايعتبره من أخطائك ويبرر به تحوله ووقوعه في هوي تلك الأخري‏,‏ والتماس الأخطاء للآخرين حيلة نفسية معروفة لتبرير اساءة المرء لهم‏,‏ وكأنما يريد بذلك أن يعفي نفسه من الاحساس بالذنب تجاههم بادعاء أن الآخرين يستحقون ما ارتكبه ضدهم من إساءات‏..‏ وبالتالي فلا لوم عليه فيما فعل ولا تثريب‏,‏ وكلتا المحاولتين خاطئتان وظالمتان بكل تأكيد‏,‏ فتعليق أخطائنا ونزواتنا وبدوات أنفسنا علي النصيب محاولة فاشلة للزعم بانعدام الارادة فيما نفعل ونختار‏,‏ وهو مايتنافي حقا وصدقا مع الواقع والحقيقة في معظم الأحيان‏.‏ ومحاولة التماس الأخطاء لك‏,‏ دوافعها النفسية واضحة ومفهومة وهي ميل الإنسان الغريزي للرثاء لنفسه‏..‏ وتفضيله في كثير من الأحيان لأن يعتبر نفسه ضحية للغير وليس جانيا عليهم‏,‏ وخطورة الغدر ممن لايتوقع منهم الإنسان إلا الوفاء‏,‏ هو أنه يهز القيم والمثل في نفس المغدور به‏,‏ وأنه يشككه في جدوي التزامه بالمباديء والقيم التي يري نفسه ملتزما بها‏..‏ ولهذا فمن العدل أن نتعامل مع الخطأ باعتباره تصرفا فرديا أو نزوة عابرة ترجع في أسبابها إلي ضعف مرتكبها وليس إلي عيب في هذه المباديء‏,‏ فلا يغير من ذلك ثوابتنا الأخلاقية ولا يفقدنا الايمان بخيرية المباديء القويمة والقيم المثلي‏,‏ ولهذا فلسوف تجدين نفسك ياسيدتي بالضرورة وليس بالاختيار تنصحين ابنتك بأن تكرر قصتك أنت مع الزواج وليست قصة الأخري قاطفة الثمار‏,‏ لأنها المثل السوي الذي ينبغي تكراره مهما اعترض الحياة من عثرات وهفوات‏,‏ ولسوف تجدين نفسك مطالبة بإعلاء نفس مثلك وأفكارك عن الحياة الزوجية السوية لديها‏..‏ من ارتباط بشاب مناسب لها في السن والكفاح معه وتحمل صعوبات البداية إلي أن يؤتي زرعها حصاده وتستمتع بثمراته‏,‏ ولن يغير من ذلك شيئا أن والدها قد فاجأك بعد‏20‏ عاما من العشرة الطيبة بوقوعه في هوي أخري ورغبته في الجمع بين الحسنيين في حياته‏,‏ زوجته الأولي وحياته المستقرة معها ومع أبنائه‏,‏ وهواه الجديد وارتشاف الرحيق الموهوم فيه بالطريق المشروع‏,‏ ولا عجب في ذلك لأن نهجك في الزواج هو القاعدة‏,‏ ولأن رغبة زوجك في التمتع بأخري بلا أي مبررات جادة أو نقص يشكوه في حياته معك هو الاستثناء‏,‏ وسيظل كذلك إلي أبد الآبدين‏.‏

ولقد قلت مرارا إن الحلم المستحيل الذي يراود كل زوج يقع في هوي امرأة أخري أو يتوهم ذلك‏,‏ هو أن يحتفظ بزوجته الأولي وحياته معها واستقرار أبنائه في كنفها‏,‏ ثم يمرح هو كيفما يشاء مع زوجته الجديدة زاعما لنفسه أنه يحقق العدل بينها وبين زوجته الأولي ورفيقة كفاحه‏,‏ ومطمئنا إلي أن أسرته الأولي لم تنهدم بالانفصال‏,‏ وأن استقرار الأبناء وسعادتهم لم يتأثرا بزواجه العاطفي الآخر‏.‏

ولهذا فهو يكافح حتي الرمق الأخير لكي لايكون ثمن استجابته لنداء العاطفة أو المغامرة‏,‏ هو تهدم أسرته الأولي وتمزق أبنائه بينه وبين زوجته‏,‏ ولا يتخلي عن الأمل في أن ينجح بكل الحيل في إقناع زوجته الأولي بالاستمرار‏,‏ زاعما لها أنه لايستطيع الاستغناء عنها أو أنه لايقدر علي ألا يتنفس الهواء الذي تتنفسه كما يقول لك زوجك‏,‏ ولا شك فيما يحمله هذا الزعم من تناقض غريب لايتفق مع المنطق ولا مع الطبيعة البشرية‏,‏ لأن من لايقوي علي مفارقة زوجته لأسباب عاطفية وليس لحاجته إليها لرعاية أبنائه والحفاظ علي كيان الأسرة ينبغي له ألا يقدركذلك ـ اذا كان صادقا في زعمه ـ علي إيلام زوجته وإشراك امرأة أخري لها في مشاعره واهتماماته وحياته‏,‏ ولهذا فإن نصيحتي لكل من تواجه هذا الموقف العصيب هي ألا تسلم نفسيا بقبول هذا الوضع الذي يرغب زوجها في فرضه عليها‏,‏ لكي يقلل من فاتورة الخسائر العائلية بسبب زواجه الآخر‏,‏ وأن تتمسك بالرفض النفسي لذلك حتي ولو آثرت تغليب اعتبارات الأبناء علي اعتباراتها الشخصية وفضلت الاستمرار مع زوجها حماية لأبنائها واحتفاظا بحقها المشروع في ألا تنسحب من الأرض التي روتها بعرقها ودموعها وتخليها طائعة لمن لم تظهر في الأفق إلا في موسم الحصاد‏!‏

وكثيرات هن من يرجحن مصلحة الأبناء علي الكرامة الشخصية والاعتبارات العاطفية‏,‏ لكنهن يتمسكن في نفس الوقت بالرفض النفسي لما يرغب شريك الحياة في فرضه عليهن بشتي الحيل والمزاعم إلي أن يكتشف الزوج زيف المغريات ويرجع نادما إلي من أساء إليهن‏..‏ فاذا كان لي أن أضيف إلي ماقلت شيئا فلعلي أقول فقط انني قد توقفت خلال سردك لقصتك أمام ماقلت عن نفسك من أنك كنت تواجهين مع زوجك مشكلة واحدة هي أنك لا تجيدين التعبير عن الحب بالأقوال وتؤثرين التعبير عنه بالأفعال وحدها وباهتمامك بزوجك ووضعه دائما علي رأس أولوياتك واهتماماتك‏,‏ ويتسق ذلك مع ماقلت في موضع آخر من أن ظروفك العائلية قد أورثتك إيثار الاعتماد علي العقل أكثر من العاطفة‏..‏ ولا شك في أن الاعتماد علي العقل في تصرفات الإنسان واختياراته أمر مطلوب دائما‏,‏ ولكن دون إهمال في نفس الوقت لدور العاطفة في حياته وإلا خلت الحياة من بعض مباهجها ومن كثير مما يجعل الإنسان إنسانا‏..‏ وكذلك فإن التعبير عن الحب بالأفعال والتصرفات أمر إيجابي ومرغوب بالفعل‏,‏ لكن ذلك لايبرر أبدا إغفال التعبير عنه كذلك بالكلمة الرقيقة واللفتة الحانية‏,‏ وإلا ظن الشريك في شريكه جمود العاطفة وجفاف القلب‏..‏ ونفس الشيء يمكن أن يقال عن شكوي زوجك من أن الأبناء قد أصبحوا يعتمدون في حياتهم عليك دونه‏,‏ وأنه لايشعر بأهميته لدي أبنائه وفي بيته‏,‏ فالحق أن دوافعك لعدم إرهاق زوجك بمشاكل الأبناء والبيت كانت دوافع مخلصة وتهدف إلي التخفيف عن كاهله بدلا من إثقاله بالمتاعب الأسرية‏,‏ لكن المثل الانجليزي القديم يقول لنا أيضا‏:‏ ان الطريق إلي الجحيم كثيرا مايكون مفروشا في بعض الأحيان بالنيات الحسنة‏!!‏ وبالتالي فلقد كان من حسن الادراك والفهم أيضا ألا تتجاوز رغبتك في التخفيف عن زوجك الحدود الآمنة لها فتبدو في نظره وكأنها إبعاد له عن شئون أبنائه وبيته وليس إشفاقا عليه من إثقاله بها‏..‏ وكان من حسن الإدراك كذلك ألا يشعر الزوج أبدا بأن الحياة في بيته تدور حول محور آخر سواه مهما كانت نية هذا المحور الآخر طيبة ودوافعه نبيلة‏,‏ ومن هذا القبيل أيضا ألا يشعر الزوج والأب أن أبناءه ليسوا قريبين منه بنفس درجة قربهم من أمهم‏,‏ وأنه لايواجه في حياته العائلية حربا خفية مع شريكة حياته لاستقطاب أبنائها إليها‏..‏ وليس إليه‏,‏ فلماذا لاتناقشين كل ذلك مع زوجك من جديد‏..‏ ولماذا لاتواصلين جهادك المقدس للاحتفاظ به لنفسك وأبنائك دون الأخريات‏..‏إن الأوان لم يفت بعد لتعديل الأفكار وتصحيح المسار‏..‏ ومقاومة الغزاة‏..‏ فلماذا لاتكررين المحاولة مرة أخري؟

"نحن شعب ينتحر -بمزاجه- إنتحاراً جماعياً ببطء كين

~~~~~

قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "انها ستكون سنون خداعات .. يخون فيها الأمين ويؤتمن فيها الخائن .. ويكذب فيها الصادق .. ويصدق فيها الكاذب .. وينطق فيها الرويبضة .. قالوا وما الرويبضة يا رسول الله ؟ قال : الرجل التافه يتكلم فى أمر العامة

~~~~~

فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا (41) يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا (42){النساء}

رابط هذا التعليق
شارك

41129‏السنة 123-العدد1999يوليو16‏3 من ربيع الأخر 1420 هــالجمعة

النقطة السوداء‏!‏

أنا زوجة رجل معروف وله مكانته في المجتمع وسمعته الطيبة وتدينه المشهود له به‏,‏ وقد رزقنا الله سبحانه وتعالي بالبنين والبنات ومضت رحلة العمر بخيرها وشرها وكبر الأبناء وتزوجوا وأصبح لنا الآن‏4‏ أحفاد نسعد بهم ونشعر بامتدادنا فيهم‏..‏ ولقد تغير كل شيء تقريبا في الحياة منذ تزوجت قبل ثلاثين عاما إلا شيء واحد لم يتغير في زوجي وهو النقطة السوداء الوحيدة في شخصيته والتي لم أجد لها دواء ولا شفاء حتي الآن‏,‏ فمنذ سنوات زواجنا الأولي اكتشفت فيه أسوأ مايمكن أن يبتلي به إنسان من مرض‏,‏ وهو داء الخيانة مع الشغالات‏,‏ وحين اكتشفت ذلك أصررت علي الطلاق أكثر من مرة‏,‏ وفي كل مرة كان يستعطفني أن أصفح عنه وأتجاوز عما حدث ويعتذر عنه بأنه لم يكن في وعيه أو بأنه من طيش الشباب الخ‏..‏ وكنت أصفح في النهاية وأصبر من أجل أطفالي‏,‏ وبعد وفاة أبي ووفاة والدي زوجي اللذين كنت أشكو لهما مما يفعل بي زوجي ويخففان عني‏,‏ سلمت بأن هذا هو قدري في الحياة واتجهت لربي وتركت عملي وتفرغت لتربية أبنائي والعناية بزوجي وكنت امرأة شديدة الجمال والاثارةوربة بيت من الطراز الأول وأما تحنو علي أبنائها وزوجة لاتحتمل أي شيء يمس أسرتها‏,‏ كما حرصت علي أن أفعل كل شيء يرضي زوجي‏,‏ وأن أشبع رغباته هو وأكبت رغباتي‏,‏ فأفاجأ بعد كل ذلك بالشغالة التي تعمل عندي تجيء إلي وترجوني ألا أتركها في البيت وحدها مع زوجي في أي وقت من الأوقات لأنه يفعل أشياء لايرضي عنها الله‏!‏ فأكاد حين أسمع ذلك أن أصرخ‏,‏ وأسأل نفسي ماذا يدعوه إلي مطاردة الشغالات صغيرات السن‏,‏ وأنا أقدم له كل مايطلبه الرجل من امرأة‏,‏ ثم أضطر في النهاية إلي الاستغناء عن خدمات هذه الشغالة وقطع رزقها‏,‏ وتعويضها ماديا عن ذلك‏,‏ ومع تكرار هذه النقطة السوداء ماتت بداخلي أشياء كثيرة كالغيرة والكرامة الشخصية والثقة بالنفس‏,‏ وأصبح كل مايشغلني الآن هو حسن الختام‏,‏ وأتساءل باشفاق كيف سيواجه زوجي ربه بكل هذه الخطايا وهو الذي يؤدي الفرائض الدينية في أوقاتها‏,‏ ويحج ويعتمر ويبكي من قلبه في العمرة‏,‏ ثم يرجع بعد ذلك إلي هذه الأفعال المخزية؟‏!‏

ان زوجي بالرغم مما بلغ من العمر والمكانة مازال يطارد كل شغالة تعمل عندي‏,‏ ولا يتورع عن مغازلة صديقاتي وزميلاتي في العمل‏,‏ ومعظمهن صغيرات السن حتي أنه لم يدع فتاة عمرها‏15‏ سنة بدون أن يتحرش بها ويغازلها‏,‏ ولقد لجأت إلي الطبيب النفسي منذ عدة سنوات وشكوت له مما أعانيه‏,‏ فطلب أن يلتقي بزوجي ويتحدث معه‏,‏ وعرضت ذلك عليه فرفض باصرار الذهاب معي إلي الطبيب واستاء كثيرا لمجرد تفكيري في ذلك‏.‏

والآن ياسيدي وبعد أن تزوج الأبناء واستقروا في بيوتهم الصغيرة لم أعد قادرة علي مواصلة التحمل والصبر علي أفعال زوجي هذه‏,‏ انني مازلت ربة البيت التي لايأكل زوجها إلا من صنع يديها‏,‏ والزوجة المحجبة خارج البيت والتي تهتم بنفسها وزينتها داخله‏,‏ وتدعو لزوجها بالهداية في كل صلاة‏,‏ لكنني فقدت آخر قطرة من قدرتي علي الصبر والاحتمال بعد آخر حادث مخجل لزوجي مع آخر شغالة عملت عندي‏,‏ وكان ذلك منذ بضعة أسابيع فقط‏,‏ فقد جاءتني الفتاة الصغيرة باكية وقد جمعت أشياءها لتستأذنني في الرحيل بسبب ماتعرضت له من مضايقات من جانب زوجي‏,‏ وبسبب تحرشه بها في كل مرة تقدم إليه فيها شيئا‏,‏ ولقد أثار أحزاني‏,‏ أنني وجدت هذه الفتاة الصغيرة تشعر بالاشفاق علي ولا تصدق مايحدث وتقول لي انني لاأستحق ذلك من زوجي‏..‏ وهنا فاض بي الكيل نهائيا وفكرت جديا في طلب الطلاق لأن أبنائي قد كبروا الآن ولم يعد لدي مايدعوني للاحتمال من أجلهم‏,‏ لكني تحيرت فيما سأقوله للأبناء عن سبب طلبي للطلاق وتمسكي به وأنا ووالدهم في هذه المرحلة من العمر‏..‏ انني لم أخبر زوجي حتي الآن بعلمي بواقعته الأخيرة مع الشغالة الصغيرة‏,‏ وأفكر جديا في هجر البيت أو طلب الطلاق والاصرار عليه‏..‏ فبماذا تنصحني أن أفعل بعد أن تكاثرت علي الآلام الجسدية في الظهر والساق والذراع‏,‏ وارتفع ضغطي بسبب ما أعانيه من هذه الأفعال المخزية؟‏!‏

ولكاتبة هذه الرسالة أقول‏:‏

الهوس بالفتيات صغيرات السن ومطاردة الشغالات‏,‏ نوع من الاانحراف النفسي المؤكد الذي يستعصي علي العلاج بالجهود الشخصية‏,‏ ويتطلب علاجا نفسيا منتظما‏,‏ وإلا تفاقمت أخطاره وعرض صاحبه للوقوع ذات يوم تحت طائلة القانون متهما بارتكاب جريمة الاعتداء علي قاصر أو التحرش بها‏..‏ غير أن آفة معظم من يعانون من هذا الانحراف النفسي هي أنهم يجدون صعوبة شديدة في الاعتراف لأنفسهم بأنهم مرضي ويحتاجون للعلاج‏,‏ ويفضلون دائما التهرب من مواجهة هذه الحقيقة‏,‏ والتماس الأعذار المختلفة لأنفسهم في كل مرة يفتضح فيها أمرهم‏,‏ كما أن الآخرين قد يجدون أيضا صعوبة مماثلة في تصديق صدور هذه الأفعال المخزية عنهم‏,‏ لتناقضها الشديد بين المظهر الوقور لهم وبين حقيقة مايصدر عنهم في الخفاء من تصرفات مخجلة‏.‏ ولهذا فإني أري لك أن تواجهي زوجك بما علمت عن واقعته الأخيرة مع الشغالة الصغيرة‏,‏ وأن تخيريه بحزم نهائي هذه المرة بين الرضوخ للحقيقة والاعتراف بحاجته إلي العلاج النفسي‏,‏ وبين الانفصال عنه‏,‏ مع ماسوف يترتب عليه من آثار عائلية وخيمة‏,‏ وازعاج للأبناء واثارة للتساؤلات المؤلمة في الأوساط العائلية المحيطة بكم‏..‏ وان كنت أتعجب ياسيدتي مما كان يدعوك للاستعانة دائما بهؤلاء الشغالات الصغيرات في بيتك‏,‏ وقد علمت عن زوجك منذ زمن طويل ضعفه المخزي مع الفتيات‏,‏ وتحرشه بهن ومطاردته لهن‏..‏ ان كثيرات من الزوجات اللاتي عرفن عن أزواجهن مثل هذا الضعف الأخلاقي وهذا الميل المنحرف للتحرش بالصغيرات‏,‏ قد حرمن بيوتهن ـ كاجراء وقائي ـ علي مثيلات هؤلاء الفتيات‏,‏ وتكبدن في سبيل ذلك العناء راضيات به‏,‏ بدلا من اتاحة الفرص لأزواجهن للاستجابة لهذا الهوس الذي قد يصل ببعضهم إلي مايسميه علماء النفس بالرغبة القهرية في ممارسة مايعرفون جيدا أنه يتناقض مع كل القيم والأخلاقيات ومع حرصهم علي مسمعتهم ومكانتهم العائلية بين الأبناء وفي المجتمع‏.‏ انني أعرف أن ذلك ليس حلا جذريا للمشكلة‏,‏ لكنه كان خطوة علي الأقل لتضييق فرص الخطأ أمام زوجك‏,‏ ولتفادي أسباب المشاكل التي عانيت منها الكثير والكثير‏.‏

ولقد قلت مرارا ان الوسيلة الوحيدة للتعامل مع الأزواج الذين يدمنون الاستجابة لنزواتهم وأهوائهم‏,‏ اذا دعت الضرورة الزوجة إلي الحفاظ علي حياتها الزوجية بسبب مصلحة الأبناء والاعتبارات الأخري‏,‏ هي أن تحاول الزوجة بقدر الإمكان تضييق فرص الخطأ أمام زوجها‏,‏ وأن تنصرف بعد ذلك إلي العناية بأبنائها وأسرتها ونفسها‏,‏ محاولة حماية معنوياتها وحالتها النفسية من التأثر بهذه الخيانات المخجلة‏..‏ ولا غرابة في ذلك لأن الخطأ انما يعيب مرتكبه أولا وأخيرا‏,‏ وليس ضحيته‏,‏ ولأن مايستعصي علي العلاج قد يكون من الصحة النفسية في بعض الأحيان ألا يدمي الإنسان رأسه بنطح الصخر محاولا علاجه‏,‏ مع التمسك بالأمل في أن يعالج الزمن ماعجز هو عن علاجه‏,‏ وفي أن يثوب المخطيء إلي رشده ذات يوم ويدرك كم أدمي قلوب من أحبوه وأخلصوا له بمثل هذا العبث الطائش‏..‏ ان الخيانة شيء مؤلم للنفس حقا ياسيدتي‏..‏ وهي تصبح أكثر إيلاما حين تجيء في سن الجلال والاحترام وبلا أي مبرر سوي الاستجابة لأهواء النفس ونزواتها وبحثها العابث عن المتعة العابرة‏..‏ فقولي لزوجك ياسيدتي كل ذلك‏,‏ وحاولي ازالة الغشاوة عن عينيه ليري فداحة الجرم الذي يرتكبه في حق ربه ونفسه وزوجته وأبنائه بمثل هذا العبث الصبياني‏,‏ وذكريه بواجباته تجاه أبنائه في ألا يحرجهم وهم أزواج وزوجات بمثل هذه الخطايا الفاضحة التي قد تنفجر في وجوههم وتحرج مراكزهم العائلية ذات يوم قريب‏.‏ واحمليه علي الاعتراف بأنه يعاني من انحراف نفسي قابل للعلاج اذا تعامل معه بجدية‏,‏ والتمسي له أسباب الشفاء لدي الطبيب المختص‏,‏ أما الانفصال الآن أو هجر البيت بعد كل هذه السنين وبعد أن بلغت السفينة مرفأ الأمان‏,‏ فلسوف يؤلم أبناءك بأكثر مما تحتمل شخصيتك المضحية التي تحملت عناء الرحلة الطويلة من أجلهم‏,‏ كما أنه ليس من العدل ولا من الرحمة أن تضطرب حياتك وأنت في هذه المرحلة من العمر وبعد كل ما قدمت للحياة والأبناء والزوج بسبب هذا الطيش الجنوني من زوجك‏,‏ وانما يقضي العدل أن يعفيك هو من كل ذلك‏,‏ وأن يثوب إلي رشده وربه ويعوضك عن شقاء السنين بما يشعرك بالكرامة‏..‏ والسعادة والأمان‏.‏

"نحن شعب ينتحر -بمزاجه- إنتحاراً جماعياً ببطء كين

~~~~~

قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "انها ستكون سنون خداعات .. يخون فيها الأمين ويؤتمن فيها الخائن .. ويكذب فيها الصادق .. ويصدق فيها الكاذب .. وينطق فيها الرويبضة .. قالوا وما الرويبضة يا رسول الله ؟ قال : الرجل التافه يتكلم فى أمر العامة

~~~~~

فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا (41) يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا (42){النساء}

رابط هذا التعليق
شارك

41136‏السنة 123-العدد1999يوليو23‏10 من ربيع الأخر 1420 هــالجمعة

لحظة العبور

أنا سيدة من قارئات بابك منذ عام‏1985‏ حتي الآن‏..‏ ولم أتصور أن يجيء اليوم الذي أصبح فيه صاحبة إحدي مشكلاته‏..‏ فلقد تزوجت من موظف بإحدي الوزارات وأنجبنا ثلاثة أبناء‏,‏ وسافرنا جميعا في منتصف السبعينيات الي إحدي الدول العربية حيث عمل زوجي في وظيفة بإحدي الهيئات وعملت أنا أيضا في تخصصي ورجعنا الي بلدنا بعد رحلة غربة طويلة والتهمت شركات توظيف الأموال جزءا كبيرا من حصيلة شقاء الغربة‏,‏ ووضعنا الجزء الباقي في البنك ليدر علينا دخلا شهريا يعيننا علي مواجهة الحياة ونفقات الأبناء‏,‏ ومضت بنا الأيام بحلوها ومرها‏,‏ وتركت عملي وتفرغت لزوجي وأبنائي‏..,‏ وآمنت دائما بأنه لا فرق بين الزوجة وزوجها من الناحية المادية وشجعني علي ذلك أن زوجي رجل عطوف وحنون ويحبني حبا عظيما‏..‏ كما أنني أيضا أحبه حبا كبيرا‏,‏ غير أنني لاحظت عليه بعد عودتنا واستقرارنا في مدينتنا بالاقاليم اهتمامه المبالغ فيه بزميلة له في العمل متزوجة ولها أبناء‏,‏ لكني استبعدت أن يكون معجبا بها‏,‏ ولم أمانع في التعرف عليها استجابة لإلحاح زوجي علي ذلك‏,‏ وتم التعارف بيننا فأصبحت هذه السيدة بعد ذلك جزءا من حياتنا‏,‏ تزورنا هي وزوجها وأبناؤها كل يوم تقريبا‏,‏ ويحرص زوجي علي استمرارها لأطول وقت ممكن‏,‏ وبعد فترة أخري وجدت زوجي متحمسا لإنشاء مشروع تجاري صغير‏,‏ يموله زوجي ويشارك فيه زوج هذه السيدة بالعمل والمجهود وبدأ المشروع بالفعل وتحسنت أحوال الشركاء المادية وجددت هذه السيدة أثاث بيتها‏,‏ واشترت الذهب والملابس لنفسها ولأولادها وكل هذا وأنا أنبه زوجي الي أن هذه النفقات الجديدة من رأسمال المشروع أو أرباحه‏,‏ وزوجي يرفض تصديق ذلك ويكذب ظنوني ويتهمني بالتجني علي هذه السيدة وزوجها بدوافع الغيرة‏.‏

وثارت مشاكل عديدة بيني وبين زوجي بسبب هذا الأمر‏,‏ وطلبت منه الطلاق بعد أن أصبح الوضع بينه وبين هذه السيدة المتزوجة محرجا أمام الأبناء‏,‏ كما طلبت أيضا أن يجعل جزءا من المال الذي شقيت في جمعه خلال سنوات الغربة باسمي‏,‏ ولم يستجب زوجي لهذا الطلب أو لذاك‏,‏ ومن شدة غيظي وحنقي وضيقي بما أراه دعوت عليه بالموت مرارا وتمنيته له بالفعل لأنه لايستجيب لي‏,‏ وإنما يستجيب لرغبات هذه السيدة الملعونة لا لشيء إلا لأنها بيضاء البشرة وأنا سمراء‏!‏

وتعجبت غاية العجب كيف لرجل مثل زوج هذه السيدة أن يرضي لنفسه أن يلمس اهتمام رجل آخر بزوجته وغمره لأسرته بالهدايا والأطعمة الفاخرة لها‏,‏ ولا يتشكك في نية هذا الرجل الغريب تجاه زوجته‏,‏ ولا يعترض علي ذلك‏,‏ بل يتقبل ذلك بسعادة ورضا‏.‏ وكل ذلك وأنا المخلصة الوفية لزوجي لا ألقي منه سوي التجاهل لرغباتي وتحذيراتي‏.‏

لقد سلمت أمري الي الله‏..‏ وغلبني حبي لأولادي الذين منحتهم زهرة عمري علي إحساسي بكرامتي كزوجة‏,‏ وتركت لمن لا يغفل ولا ينام أن يحل هذه المشكلة التي أعيتني الحيلة في حلها‏,‏ وذات يوم ركبت السيارة مع زوجي إلي المدينة المجاورة لمدينتنا التي لايفصل بينهما سوي الكوبري لكي يدفع زوجي مبلغا من المال لأحد الأشخاص هناك‏..‏ وتوقف زوجي بالسيارة قرب محطة السكة الحديد وترك لي مفاتيحها واستأذن في أن يغيب عشر دقائق فقط يعبر خلالها شريط القطار ويدفع المبلغ المطلوب ويرجع إلي‏..‏

وراقبته في صمت وهو يتجه الي شريط القطار لكي يعبره‏..‏ وقبل أن يصل اليه أذن لصلاة العشاء في مسجد المحطة الصغير فاتجه اليه زوجي بدلا من عبور القضبان‏,‏ وأدي الصلاة‏,‏ وغاب بعد ذلك عن نظري فلم ألاحظه وهو يتجه الي غايته أو يرجع منها‏,‏ ومضي الوقت وطال بغير أن يرجع‏..‏ وبعد نصف الساعة مرت من جواري سيارة إسعاف تدوي صفارتها المزعجة وانقبض صدري‏..‏ وبعد ساعتين أخريين غادرت السيارة لأبحث عن زوجي‏,‏ فإذا بي أعرف أن قطارا قد دهم رجلا لحظة عبوره لشريط القطار عند المحطة‏,‏ وأنه نقل بسيارة الإسعاف وهو في حالة سيئة الي المستشفي‏..‏ وبطريق الصدفة البحتة اكتشفت من أحاديث من حولي أن هذا الرجل هو زوجي‏,‏ ومادت بي الأرض وسقطت مغشيا علي‏..‏ وتعاون الناس علي حملي للسيارة وإعادتي للبيت حيث تأكدت من رحيل زوجي عن الحياة ـ يرحمه الله ـ وتحملت الصدمة المؤلمة وحدي وصبرت علي أقداري ومصيبتي في أعز إنسان لدي في الوجود‏,‏ والآن وبعد عشرة أشهر علي وفاته لا أستطيع أن أصف لك عمق حزني عليه وهو من كان زوجي وحبيبي وأخي وكل من لي في الحياة‏..‏ ولقد مرضت بالسكر وساءت حالتي الصحية والنفسية‏,‏ وأصبح السؤال الذي يؤرقني ويضاعف من همومي وأحزاني هو‏:‏ هل دعائي علي زوجي بالموت هو الذي عجل بوفاته؟ وهل استجاب الله سبحانه وتعالي لدعائي المذموم هذا عليه أم أنه قدر مكتوب من قبل أن يأتي إلي الحياة؟‏,‏ انني مؤمنة بقضاء الله وقدره وصابرة علي أقداري لكن ضميري يعذبني وأعاني من الاكتئاب والإحساس المؤلم بأنني السبب في وفاة زوجي‏,‏ وأدعو له الله بالمغفرة والرحمة وأتعلق بالأمل في أن يكون موته عقب خروجه من المسجد مباشرة كما علمت إشارة إلي أن الله ـ سبحانه وتعالي ـ قد غفر له كل ذنوبه‏,‏ لكن عقلي يكاد ينفجر كلما تذكرت الطريقة الفظيعة التي لقي بها زوجي مصرعه‏..‏ ـ رحمه الله‏.‏

وأرجو من قرائك جميعا أن يقرأوا له الفاتحة ترحما عليه وأخيرا فإني أتساءل‏..‏ ألا يحق لي أن أقاضي هيئة السكك الحديدية لمسئوليتها عن مصرع زوجي حيث كانت محطة القطار عند عبوره لها مظلمة تماما فلم ير القطار الذي دهمه‏,‏ وبعد الحادث تم إصلاح الإنارة فيها؟

وهل أجد من قرائك من المحامين من يتبني هذه الدعوي القضائية ولدي كل الأوراق والمستندات المؤيدة لها‏!‏

ولكاتبة هذه الرسالة أقول‏:‏

هوني علي نفسك ياسيدتي‏,‏ فإن الآجال لا شيء من دعاء البشر يعجل بها أو يؤخرها‏,‏ وإنما هي كما جاء في الأثر كالرزق والسعادة‏,‏ تقدر علي الانسان وهو في رحم أمه‏,‏ فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون‏[‏ صدق الله العظيم‏]‏

غير أنه ليس من المستحب‏,‏ أن يرجو الإنسان موت أحد مهما كان حانقا عليه أو مكلوما منه‏..‏ خاصة اذا كان هذا الإنسان شريكا له في حياته أو قريبا منه‏,‏ لكنه ينقم عليه فقط بعض أفعاله‏,‏ ومن الأفضل دائما أن يعتصم المرء بالحلم والصبر علي من آذوه‏,‏ وأن يدع أمرهم لخالقهم راجيا أن ينصفه ـ سبحانه وتعالي ـ منهم بعدله ورحمته‏.‏ فإذا ما نزلت بهم النوازل لم يشمت في مصيبتهم ولم يفرح لها‏,‏ وإنما اكتفي بالاعتبار‏..‏ والصمت‏..‏ والتفكر في عدالة السماء وعبرة الاحداث‏.‏

ومن الأفضل كذلك إذا اشتد ضيق المرء بجناية البعض عليه وظلمهم له أن يدعو بدعاء الرسول صلوات الله وسلامه عليه ـ المأثور عنه‏:‏ رب أعني ولا تعن علي‏,‏ وانصرني ولا تنصر علي‏,‏ وامكر لي ولا تمكر علي‏,‏ واهدني ويسر الهدي لي‏,‏ وانصرني علي من بغي علي‏.‏

وفي ذلك ما يغني المرء عن تمني الأذي للآخرين انتصافا لنفسه أو ثأرا لها منهم‏,‏ وما يطهر الصدور من سخائمها‏,‏ ويعفي الانسان من الاحساس المرير بالذنب إذا تصادف أن أصابت الأقدار من اشتد به حنقه عليهم فرجا لهم الأذي‏,‏ ومن دعاء الرسول الكريم كذلك ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ‏:‏ رب تقبل توبتي‏,‏ واغسل حوبتي واجب دعوتي‏,‏ وثبت حجتي وسدد لساني‏,‏ واهد قلبي‏,‏ واسلل سخيمة صدري

ومن سداد اللسان وهداية القلب وخلو الصدر من سخيمته ألا يستجيب الإنسان لنوازع الغضب والحنق فينطق لسانه بما يندم عليه‏,‏ أو ينطوي قلبه وصدره للآخرين علي مايكرهه لنفسه من الأحاسيس والمشاعر‏.‏ غير أن الإنسان خلق عجولا فما ان يضيق صدره بشيء حتي يطلق العنان للسانه وتمنياته‏,‏ التي لاتعدو أن تكون في أغلب الأحيان أكثر من إطلاق للبخار المكتوم في صدره‏,‏ ولا تعبر في حقيقة الأمر عن رغباته وتمنياته الحقيقية‏..‏ وما أسرع ما يندم عليها المرء لو تحققت في أرض الواقع‏.‏

وحالك خير مثال علي ذلك ياسيدتي‏,‏ فلقد ضقت باهتمام زوجك بتلك السيدة ورفضه الاستجابة لك‏,‏ مع استمراره في الخضوع لها والاستجابة لرغباتها‏,‏ فكان أن تمنيت الموت له‏,‏ فما أن أصابته الأقدار في موعدها المقدور حتي عضك الندم‏,‏ وعانيت الوحدة والوحشة وفقدان الرفيق‏,‏ واستشعرت جسامة الخسارة الانسانية التي أصابتك‏,‏ ورجوت لو كانت الحياة قد امتدت برفيق الحياة ولو كان في العمر مافيه من الحسرات فأما مصرعه وقد خرج لتوه من المسجد ذاكر القلب واللسان‏,‏ ومتطهرا‏,‏ فلعله من علامات القبول والإجابة‏,‏ باذن الله‏,‏ وأما عن مقاضاتك لهيئة السكك الحديدية لمسئوليتها عن مصرع زوجك الراحل ـ يرحمه الله ـ فهي من حقك بل من واجبك أيضا تجاه نفسك وزوجك الراحل وأبنائك‏,‏ ذلك أن سكوت صاحب الحق المنهوب عن حقه قد يجعل المعتدي صاحب حق في الاعتداء‏,‏ أو يغريه بمواصلة عدوانه علي الآخرين بلا رادع ولا عقاب‏!‏

"نحن شعب ينتحر -بمزاجه- إنتحاراً جماعياً ببطء كين

~~~~~

قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "انها ستكون سنون خداعات .. يخون فيها الأمين ويؤتمن فيها الخائن .. ويكذب فيها الصادق .. ويصدق فيها الكاذب .. وينطق فيها الرويبضة .. قالوا وما الرويبضة يا رسول الله ؟ قال : الرجل التافه يتكلم فى أمر العامة

~~~~~

فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا (41) يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا (42){النساء}

رابط هذا التعليق
شارك

41143‏السنة 123-العدد1999يوليو30‏17 من ربيع الأخر 1420 هــالجمعة

الملابس الساخنة‏!‏

أكتب إليك هذه الرسالة وقد بلغ بي اليأس قمته‏,‏ فأنا طالبة جامعية عمري‏22‏ عاما وعلي درجة عالية من الجمال‏,‏ مما جعل كل من حولي وأمي بصفة خاصة يكيلون دائما المديح لجمالي‏..‏ حتي أدار الغرور رأسي ولم تكتف أمي بالاشادة بجمالي في كل مناسبة‏,‏ وانما راحت تدفعني أيضا إلي إظهار مفاتني وتشجعني علي ارتداء الملابس الساخنة‏!‏ وانني أعلن الآن مايدور في رأسك عني وأعرف أنك لابد تتساءل وأين أبي من كل ذلك؟‏..‏ وأجيبك بأنه منفصل عن أمي ويعمل باحدي الدول العربية ويرسل إلينا كل شهر مبلغا يغطي احتياجاتنا‏.‏

وعلي الرغم من جمالي وارتدائي للملابس المغرية إلا أنني كنت حريصة علي المحافظة علي نفسي‏,‏ ثم أحببت إنسانا يعمل عملا مرموقا‏,‏ وأحبني‏,‏ ودعاني إلي تغيير طريقة ملابسي ومكياجي وارتداء الحجاب فاسجبت له وكنت علي استعداد لأن أغير كل حياتي من أجله في مقابل ماشعرت به معه من حنان الأب الذي افتقده منذ صغري‏,‏ وبالفعل فقد أصبحت أكثر التزاما‏,‏ وحدثني هو عن رغبته في التقدم لخطبتي عند عودة أبي في اجازته‏,‏ وبعد فترة أبلغني باعتراض أهله الشديد علي ارتباطه بي للفارق الكبير بين العائلتين‏,‏ ثم تزوج من فتاة من أسرة صديقة لعائلته‏,‏ وشعرت بصدمة قوية هزت وجداني‏,‏ وأدركت أنه لم يكن حبا بل أي شيء آخر‏,‏ ورجعت لسابق عهدي في ارتداء الملابس إياها والماكياج وإظهار مفاتني ولاحظت فجأة خلال ذلك إعجاب أستاذي في الكلية الذي تعدي الخمسين من عمره بي ولفت نظري إليه ماقالته بعض زميلاتي أمامي من أنه لايرفع عينيه عني طوال المحاضرة وكأنني الطالبة الوحيدة في المدرج‏..‏ ثم حدث أن سلمت إليه في مكتبه بحثا كان قد طلبه من تلاميذه‏,‏ فأبدي اهتمامه الشديد بي ورغبته في مساعدتي‏,‏ وألح علي في حضور حفل الكلية السنوي‏,‏ ولم أكن أنوي حضوره‏,‏ فذهبت إليه والتقيت به فيه وقدمني إلي زوجته وأشاد بي أمامها‏,‏ ونوه بحبه الكبير لها‏!‏

واقترب الامتحان فتوجهت إليه في مكتبه لأسأله عن بعض ماغمض علي فهمه من المنهج‏,‏ فرحب بي بحرارة وشرح لي كل ما أردته ثم صمت وراح يتفحصني باهتمام شديد ثم قال لي انه كان يتمني لو أنني قد ظهرت في طريقه منذ‏15‏ عاما‏!‏ وسألني عن رقم تليفوني فأعطيته له وهممت بالانصراف فصافحني بحرارة واحتوي يدي بين يديه في حنان‏,‏ وانصرفت وقد شعرت بأنني قد استرددت بعض كرامتي التي أهدرت في حبي الأول‏,‏ وبعد انتهاء الامتحانات بدأ أستاذي يتصل بي تليفونيا بالساعات‏,‏ وفي بعض الأحيان كان يطلبني فترد عليه أمي ولا تنزعج من اتصاله بي باعتباره بمثابة أبي‏!‏

وفي الفصل الدراسي الثاني كنت قد أصبحت صديقة لزوجته بناء علي رغبته وتدبيره‏,‏ واعترف لك أنني كنت أشعر بسعادة خفية وأنا أتعامل مع زوجته وأشعر أنها مخدوعة في وفي زوجها‏,‏ كما أعترف لك بأنني أحببت هذا الشعور الداخلي بالانتصار عليها‏,‏ بل وبالسخرية الداخلية منها حين كانت تحدثني عن حب زوجها لي‏,‏ وأنا أعلم تماما أنه يحبني ويتحرق شوقا للارتباط بي وجاء اليوم الذي انتظرته منه وفاتحني في الزواج‏..‏ لكنني صدمت بأنه يعرض علي الزواج العرفي فرفضت ذلك بحدة‏,‏ وكنت قد علمت من زوجته أن أقل ضغط تمارسه عليه يجعله يستجيب لطلباتها‏,‏ فلقد قررت أن أستفيد من هذه الخبرة‏,‏ وانقطعت عن الذهاب إلي الكلية والرد علي اتصالاته التليفونية‏,‏ فجن جنونه وراح يسأل عني كل الصديقات‏,‏ واكتفيت بهذا القدر من الضغط عليه وعدت للكلية فوجدته ملهوفا علي‏,‏ وكان أول مافعله هو أن طلب الخروج معي‏,‏ وفي السيارة التي ركبتها معه بعد شيء من التردد انهمرت دموعه وطلب مني ألا أتخلي عنه‏..‏ وأعلن استعداده للزواج الشرعي مني ولكن بشكل سري‏.‏ وقبلت بذلك وتم زواجنا شرعيا في السر واستأجر شقة خارج المدينة التي نقيم فيها‏,‏ وبدأت أخرج من بيتي في الصباح بدعوي الذهاب إلي الكلية ثم أتوجه إلي هذه الشقة ويأتي هو إلي لنمارس حياتنا الزوجية في هذا العش البعيد وانتهي العام الدراسي وبدأ عام جديد وأنا أتصور أن علاقتنا سرية‏,‏ إلا أنني اكتشفت أن جميع أساتذة الكلية يعلمون بارتباطه بي‏,‏ وانه يتباهي بينهم بصولاته وجولاته معي‏,‏ كما علمت كذلك أن زوجي العزيز قد بدأ يكرر نفس اللعبة مع طالبة جميلة أخري لديه لا ترغب في الزواج منه لكنها لاتمانع في التساهل معه مقابل رعايته لها دراسيا‏!..‏ وما دفعني لأن أكتب إليك هذه الرسالة رغم علمي بما سوف ينالني منك من لوم شديد وربما أيضا الشعور تجاهي بالاحتقار‏,‏ هو أنني الآن حامل في شهري الثالث وقد فكرت بجدية في اجهاض نفسي ووافقني زوجي علي ذلك‏,‏ لكني أرجع فأري ذلك ذنبا عظيما‏..‏ وأتساءل علي الناحية الأخري لو أنني احتفظت بالجنين كيف سأواجه زوجة أستاذي التي أصبحت الآن بمساعدته صديقة لأمي‏,‏ وتعتبرني ابنة لها‏,‏ وكيف سأتصرف مع أمي وماذا أقول لها ولكل من حولي‏..‏ صحيح أنني زوجة شرعية‏..‏ لكن زوجي قد هددني بأنه اذا أعلنت زواجي منه فسوف ينكر أبوته لطفلي‏..‏ فماذا أفعل؟‏..‏ وفي النهاية فإن لدي نصيحة لكل الأمهات ألا يفعلن مع بناتهن مافعلته أمي معي‏,‏ فلقد دفعتني بغير قصد إلي الطريق الشائك‏,‏ واطمأنت إلي ذئب وضعتني معه في غرفة واحدة‏!‏

ولكاتبة هذه الرسالة المزعجة أقول‏:‏

أرجو ألا تكوني قد اخترت إبلاغ زوجة أستاذك بزواجك الشرعي منه عن طريق نشر رسالتك هذه في بريد الجمعة‏,‏ فالحق انني قد شككت في ذلك لبعض الوقت ولهذا فقد تعمدت التعمية علي ملامح شخصيتك وشخصية أستاذك ونوع دراستك لكيلا تستخدمي بريد الجمعة في تحقيق بعض أغراضك‏..‏ ويبقي بعد ذلك أن أناقش رسالتك وأن أرد علي تساؤلاتك محاولا بقدر الإمكان تحييد مشاعري تجاهك‏,‏ وأبدأ بأن أقول لك انه ليس لديك ماتخشينه كثيرا من أمك اذا علمت بما أوقعت نفسك فيه من الارتباط برجل متزوج يكبرك بحوالي‏35‏ عاما في زواج سري لايختلف كثيرا عن علاقة العشق لافتقاده ركن الاشهار‏,‏ وهو من أركان الزواج الشرعي الأساسية‏,‏ ذلك أن من تحث ابنتها علي اظهار مفاتن جسدها وتحضها علي ارتداء ماتسمينه بالملابس الساخنة‏,‏ لن يتجاوز غالبا رد فعلها لحمقك وتهورك واندفاعك إلي الارتباط بأستاذك المتزوج بغير علمها حدود اللوم الهاديء لك علي عدم اشراكها معك في تبريرك للارتباط بهذا الرجل وربما أبدت ـ ولها الحق في ذلك ـ أسفها لتجاهلك لها في هذا الأمر كله من البداية‏,‏ مع أنها لو علمت به وشاركت فيه في الوقت المناسب لربما كانت قد استطاعت أن تحصل لك علي شروط أفضل للزواج والارتباط بهذا الرجل‏!!‏ أما خشيتك من مواجهة الآخرين بما فعلت فلا معني لها أيضا ولا هي هم حقيقي لك ينبغي التوقف عنده‏,‏ لأن من تفعل مافعلت في سنها الصغيرة هذه لايتعذر عليها مواجهة أحد بما فعلت‏,‏ والمضي قدما فيه مرفوعة الرأس وكأنها لم تأت أمرا إدا ولم تفعل ماتستحق اللوم عليه‏!..‏ يبقي بعد ذلك مايستحق التحسب له بالفعل وهو أن تعرف زوجة أستاذك بزواجك منه سرا‏,‏ وتكتشف خديعتها الكبري فيمن كانت تعدها بمثابة الابنة الشابة لها‏,‏ وخديعتها الأكبر في زوجها الأستاذ الجامعي الوقور الذي لايتواني عن التنويه بحبه لها في كل مناسبة‏,‏ كما فعل معك في حفل الكلية‏,‏ فهذا هو الهم الحقيقي الوحيد الذي ينبغي أن تتحسبي له في هذه القصة المؤسفة كلها‏,‏ والحق أنني لا أقصد بهذا الهم حرجك الإنساني معها ولا احساسك تجاهها بالذنب‏,‏ أو شعورك الشديد بالخجل منها والاشفاق عليها‏,‏ لأنك والحمد لله لاتعانين من مثل هذه المشاعر الترفية التي يشقي بها آخرون من البشر‏,‏ وانما أقصد به تحسبك لما سوف يترتب علي انكشاف أمر زواجك من زوجها من زوابع وعواصف في حياته العائلية‏,‏ وما سوف يتعرض له هو من ضغوط إنسانية شديدة من زوجته وأهله قد تفلح في النهاية في دفعه للتخلص من ارتباطه بك‏,‏ وهو مايستحق أن تستعدي له بالفعل من الآن‏,‏ وخاصة وقد أثبتت لك التجربة أن زواجه منك لم يكن تتويجا لحب حقيقي قهار لايملك معه ارادته‏,‏ وانما كان كما أتصور استجابة متسرعة لرغبة حسية عارمة فيك والوسيلة الوحيدة التي أتيحت له لقضاء وطره منك بعد أن تعذر عليه قضاؤها بغير الزواج منك‏,‏ بدليل انه وقد نال منك مأربه وهدأت رغبته فيك قد بدأ يكرر نفس اللعبة مع زميلة أخري لك أكثر تساهلا معه منك وأقل تدبيرا وتخطيطا‏,‏ فلعله قد نقل إليها نظراته في المحاضرة وكأنما قد خلا المدرج إلا من غيرها‏..‏ ولعله يبكي الآن بين يديها طالبا الزواج العرفي منها اذا تعذر عليه بلوغ مأربه منها بغير ذلك‏.‏ والحق أيها السيدة الصغيرة انني لا أشعر تجاهك بأي تعاطف‏,‏ ولا أراك كما حاولت اقناعي في رسالتك ضحية لأستاذك‏,‏ ولهذا لم أستجب لرغبتك في أن يكون عنوانها هو ضحية أستاذها كما رغبت‏,‏ وانما أنت ضحية فساد القيم الأخلاقية السائدة في مجتمعك العائلي‏,‏ وضحية غياب الدين في حياتك الأسرية وخفوت صوته في دائرتها كما أنك ضحية غياب الأب عن القيام بدوره الجوهري في توجيهك وحثك علي الالتزام بالقيم الدينية والأخلاقية‏,‏ فلا عجب في أن تعدلي عن الحجاب والاحتشام في مظهرك عقب فشل تجربتك الأولي‏,‏ لأن حجابك لم يكن عن اقتناع داخلي لديك ولا نابعا عن وجدانك الديني‏,‏ وانما كان وسيلة لاغراء ذلك الشاب بالتقدم لخطبتك فما أن فشل التدبير والتخطيط حتي رجعت عنه بلا ندم‏,‏ غير أنك لن تستفيدي للأسف من درس التجربة الأولي‏..‏ ولم تتعلمي حكمتها وهي أن الشاب قد يعجب في بعض الأحيان بالفتاة الجميلة المتحررة في ملابسها ومظهرها‏..‏ لكنه لايرتبط غالبا إلا بمن يثق في قيمها الأخلاقية الدينية ويشعر بأنه يستطيع أن يأمن علي شرفه وعرضه معها‏..‏

وبدلا من استيعاب هذا الدرس الثمين والاهتداء بهديه في حياتك بعد ذلك‏,‏ فلقد شعرت للعجب بأن كرامتك قد جرحت وانك قد استرددت بعضها حين تأكدت من سطوة تأثيرك علي أستاذك‏,‏ فلقد سعيت أنت إليه في مكتبه بعد أن لاحظت افتتانه بك‏,‏ ورحبت باعطائه رقم تليفونك‏,‏ وتهللت لاتصالاته التليفونية الطويلة معك‏,‏ وهي الاتصالات التي لم تعترض عليها أمك للأسف استمرارا لسياستها الخاطئة المتساهلة في تربيتك‏,‏ واستفدت من خبرة زوجته في التعامل معه في الضغط عليه لكي يتزوجك‏,‏ وقبلت وهو الأخطر الزواج من رجل متزوج وله أبناء‏,‏ فكيف يمكن اعتبارك ضحية بريئة من كل اثم لسوء توجيه والدتك أو لمثل هذا الرجل؟‏..‏ صحيح أنه يتحمل الجانب الأكبر من المسئولية الأخلاقية عما انتهي إليه مصيرك الآن وأنت في الثانية والعشرين من عمرك كزوجة سرية لرجل يكبرها بـ‏35‏ عاما‏,‏ وصحيح أيضا أنه كان خليقا به أن يتعفف عن مغازلتك وملاحقتك والتحرش بك‏,‏ احتراما لنفسه وموقعه كأستاذ جامعي ولوضعه العائلي كزوج وأب‏,‏ لكن مسئوليتك أنت أيضا عن هذا المصير المؤسف جسيمة‏..‏ فلقد سعيت إليه في مكتبه بذرائع مختلفة لإحكام سيطرتك عليه بعد أن علمت عنه ضعفه معك‏,‏ ولم يكن سعيك إليه في مكتبه سوي دعوة ضمنية له لمغازلتك والمضي قدما في هذا الطريق الشائك‏.‏ والرجل أو المرأة لا يرمي أحدهما غالبا سهامه‏..‏ ويواصل الرماية بلا كلل إلا إلي من يأنس فيه ترحيبه ولو كان صامتا بهذه السهام الموجهة‏..‏ ولولا ذلك لانثني عن هدفه اذا وجد أن سهامه لم تصب الهدف‏.‏ ولقد نشرت رسالتك علي الرغم من استيائي لها عسي أن يستفيد بأخطائها غيرك من الشباب والأمهات والآباء‏,‏ لأننا نتعلم من أخطائنا بأكثر ما قد نتعلم أحيانا من اختياراتنا القويمة في الحياة‏,‏ ولقد تأملت طويلا ماحكيت عنه عما كنت تشعرين به من سعادة شريرة وأنت تمارسين خداع زوجة هذا الرجل التي تعاملت معك بحسن نية ولم تسيء إليك في شيء‏,‏ كما توقفت أيضا أمام ما كنت تشعرين به من سخرية داخلية تجاهها حين تحدثك بسلامة طويتها عما يكنه لها زوجها من حب‏..‏ فشكرا لك لأنك قد أطلعتنا علي مثل هذا الجانب السادي المظلم من النفس البشرية‏,‏ وأرجو أن تكوني قد تطهرت من بعضه‏..‏ حين علمت بأن هناك الآن من لعلها تشعر بمثل هذه السعادة الشريرة في باطنها وهي تري زوجك يتودد وتحس بانتصارها القريب عليك‏..‏ وفي النهاية فإني أقول لك انك يجب أن تصارحي أمك علي الفور بما فعلت بحياتك وأن تواجهي الأمر الواقع وتتحملي عواقبه بشجاعة وتحاولي تحجيم خسائره فالحق أن زواجك بهذا الرجل محكوم عليه بالفشل والانهيار طال العهد به أو قصر‏,‏ لأنه زواج غير متكافيء من ناحية السن ونواح أخري ولأنه زواج مؤقت كالنزوة العابرة التي ترشح صاحبها بعد انقضائها للندم بأكثر مما ترشحه للسعادة ودوام التجربة‏,‏ فأما الجنين الذي أثمرته هذه النزوة الخرقاء في حياتك‏,‏ فإن تهديد زوجك لك بانكاره أبوته له اذا أعلنت زواجك منه‏,‏ ليس سوي محاولة مكشوفة للضغط عليك لمنعك من إعلان هذا الزواج‏,‏ وتخويفك من عواقب ذلك‏,‏ لأن زواجك منه مادام شرعيا وموثقا فإن انكاره لأبوة هذا الجنين تهديد أجوف لايعتد به كثيرا‏,‏ ولن يغير من الواقع شيئا‏..‏ وأما عن تفكيرك في مصير هذا الجنين الذي لم يكمل بعد شهره الثالث‏..‏ فإني أنقل لك هنا ماجاء في كتاب بيان للناس الصادر عن الأزهر الشريف في مسألة الاجهاض‏,‏ وملخصه أن الحمل متي استقر في الرحم لمدة‏120‏ يوما أو أربعة أشهر فقد ثبت بالقرآن والسنة نفخ الروح فيه وبذلك يصير إنسانا له حقوق الإنسان الكاملة حتي لتجوز له الوصية والوقف عليه والميراث بعد موت مورثه وبذلك يكون من النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق ويحرم اجهاضه إلا اذا دعت إلي ذلك ضرورة قهرية كأن يكون بقاء الحمل ضارا بحياة الحامل‏..‏الخ‏.‏ أما قبل نفخ الروح فيه فللفقهاء أربعة أقوال في الحكم عليه‏:‏

الأول‏:‏ الاباحة مطلقا من غير توقف علي وجود عذر‏,‏ وهو قول فقهاء الزيدية‏,‏ ويقرب منه قول فريق من فقهاء الحنفية‏,‏ وان قيده بعضهم بوجود العذر‏,‏ وهو أيضا مانقل عن بعض فقهاء الشافية وما يدل عليه كلام المالكية والحنابلة‏.‏

والثاني‏:‏ الاباحة لعذر والكراهة لعدم وجود العذر‏,‏ وهو ماتفيده أقوال فقهاء الأحناف وفريق من الشافعية‏.‏

والثالث‏:‏ الكراهة مطلقا وهو رأي بعض فقهاء المالكية‏.‏

والرابع‏:‏ الحرمة وهو الرأي المعتمد عند المالكية‏.‏

فحاولي أيتها السيدة الصغيرة أن تتعلمي درس التجربة وتصححي الأوضاع الخاطئة في حياتك وتبدئي صفحة جديدة منها خالية من مثل هذه المغامرات الطائشة والأفكار الخاطئة عن الحياة والحب والزواج‏..‏ والسلام‏.

"نحن شعب ينتحر -بمزاجه- إنتحاراً جماعياً ببطء كين

~~~~~

قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "انها ستكون سنون خداعات .. يخون فيها الأمين ويؤتمن فيها الخائن .. ويكذب فيها الصادق .. ويصدق فيها الكاذب .. وينطق فيها الرويبضة .. قالوا وما الرويبضة يا رسول الله ؟ قال : الرجل التافه يتكلم فى أمر العامة

~~~~~

فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا (41) يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا (42){النساء}

رابط هذا التعليق
شارك

41150‏السنة 123-العدد1999اغسطس6‏24 من ربيع الأخر 1420 هــالجمعة

الشوكة القوية

قرأت رسالة الحرب الشرسة للطبيب الذي يروي عن معاناته مع زوجته السابقة والحرب الشرسة التي شنتها عليه حتي نالت منه ما لا حق لها فيه‏,‏ فأثارت هذه القصة شجوني ودفعتني لأن أروي لك قصة حرب مماثلة كنت أنا قائدتها لا ضحيتها‏..‏ فأنا مهندسة شابة علي قدر من الجمال نشأت في أسرة متوسطة وكنت أول طفلة في عائلتي فتمتعت بعطف الأسرة وتدليلها الزائد لي‏,‏ حتي تعودت أن آمر فأطاع وإلا غضبت وتعذر إرضائي إلا بصعوبة شديدة‏,‏ كما ساعدني علي هذا الدلال كذلك تفوقي الدراسي والتحاقي باحدي كليات القمة‏,‏ وخلال فترة الدراسة تعرفت علي معيد شاب يكبرني بخمس سنوات‏,‏ فأحببته بجنون وفرضت حوله أسوارا من الممنوعات والمحظورات خوفا من ان تأخذه مني فتاة أخري أو يرحل عن الحياة‏,‏ ابتداء من تعليماتي المشددة له بألا يعبر الطريق إلا اذا كان خاليا‏,‏ الي تحريمي عليه ان يتبسط في الحديث مع اي فتاة أو زميله له في العمل الحكومي أو في المكتب الاستشاري الذي يعمل به في المساء‏,‏ وياويله مني لو فاجأته في المكتب فوجدته يتحدث مع زميلة له‏,‏ إذن فهي النار التي لا يطفئها سوي تركه للعمل في هذا المكتب نهائيا‏,‏ مهما كان دخله منه‏.‏ وتكررت هذه القصة كثيرا حتي لم يعد يستقر في اي مكتب سوي بضعة شهور واحيانا أسابيع‏,‏ وحتي رفضته بعض المكاتب لعدم استقراره في العمل

وعلي هذا النحو مضت فترة خطبتي له ثم تزوجنا وتكررت مواقف الشك فيه والغيرة عليه‏,‏ فكنت أشك في كل اتصال تليفوني يتلقاه‏..‏ وكل ورقة أجدها في جيبه أو حقيبته ولا أفهم فحواها‏,‏ وأحاصره حين يرجع من عمله مرهقا بالأسئلة والاستجوابات المضنية إلي ما لا نهاية‏.‏

وأنجبت طفلة جميلة‏..‏ والحال مازال علي ما هو عليه‏,‏ ثم زاد شكي فيه حين أبلغني بعض الزملاء انه شوهد يسير في الشارع في احد الايام مع زميلة له في آخر مكتب هندسي قبله للعمل فيه‏..‏ ولاحقته بالتحريات واستجواب زملائه في المكتب حتي هيأ لي شيطاني انه لابد أن يكون قد أخطأ مع هذه الزميلة‏,‏ فافتعلت معه مشاجرة عنيفة وأخذت طفلتي وعدت الي بيت أهلي‏,‏ وبغير أي محاولة للتفاهم معه بدأت في شن حربي الشرسة ضده‏,‏ ابتداء من رفع دعوي قضائية ضده واتهامه بتبديد أثاثي الي رفع دعاوي النفقة‏,‏ الي تشويه سمعته في عمله بالمكتب الهندسي وعمله الحكومي الي اتهامه بكل مالا يخطر علي البال من اتهامات‏,‏ وكل ذلك وهو لا يكف عن محاولة اعادتي الي بيته مرة أخري واسترضائي والتفاهم معي‏,‏ لكني كنت قد تحجرت امام مطلب واحد هو الطلاق والحصول علي كل حقوقي بلا تنازل عن اي شيء مهما كان ولم أترك وسيلة مادية او معنوية لايذاء زوجي إلا واستخدمتها وكل ذلك وهو صابر ويكتفي بالدفاع عن نفسه ومحاولة دفع الاتهامات الظالمة عنه دون أي محاولة لايذائي‏.‏

وخلال انهماكي في قيادة هذه المعركة الضارية ضد زوجي تقرب الي كثيرون من الزملاء يريدون الزواج مني بعد نجاحي في الحصول علي الطلاق‏,‏ فقوي ذلك من شوكتي وزادني اصرارا علي مواصلة الحرب حتي النصر‏!‏

واخيرا حصلت علي الطلاق وفزت بالاحكام القضائية التي أردتها‏..‏ وتلقيت التهاني من الأهل والصديقات‏,‏ وشعرت بنشوة النصر‏..‏ وبدت أفكر في المستقبل فانتظرت انقضاء فترة العدة لكي أبدأ في اختيار واحد من الذين يحومون حولي ويرغبون في الزواج مني للارتباط به‏,‏ وبدأت أقارن بين مميزات كل منهم وعيوبه‏..‏ وأفكر بعمق في ذلك لكيلا اكرر التجربة الفاشلة في حياتي‏,‏ ولكي أحصل علي أفضل الشروط والظروف لحياتي الجديدة‏..‏ وبدأت أتهيأ لاستقبال عروض الزواج والمفاضلة بينها‏.‏ فاذا بالذين كانوا يتنافسون علي الفوز بي خلال انشغالي بالمعركة الطاحنة‏,‏ يبتعدون عني واحدا بعدالآخر بمجرد حصولي علي الطلاق‏..,‏ واذا بأحدهم يقولها لي بصراحة إنه كان يريد صداقتي فقط وليس الزواج مني‏,‏ اذ ماذا يجبره علي الزواج من مطلقة ولديها طفلة‏!‏

وبعد عشرة شهور فقط من حصول علي الطلاق رحل أبي فجأة عن الحياة رحمه الله وسامحه فيما جناه علي‏..‏ إذ لم ينهني يوما عن شيء مما فعلته ولم يفتح عيني علي حقائق الحياة التي أدركها بخبرته‏,‏ وبدلا من أن يرشدني للحق والعدل في معركتي مع زوجي كان يساعدني عليه بحيل وأفكار شيطانية‏.‏

ومضي العام تلو العام‏..‏ فضمد زوجي السابق جراحه ورمم حياته التي حطمتها له تحطيما وتزوج من أخري وتحسنت احواله المادية تدريجيا حتي استطاع شراء شقة جديدة وسيارة جديدة وقام بأداء فريضة الحج مع زوجته مرتين وانجب منها البنين‏,‏ اما أنا فلقد طردني أخي من شقة ابي لكي يتزوج فيها وانتهي بي المطاف لان أحيا وحيدة مع طفلتي التي تبلغ من العمر الآن تسع سنوات في شقة صغيرة بالايجار‏,‏ وقد أصيبت ابنتي بحالة من الاكتئاب والتبول اللاإرادي وتعذبني دائما بتساؤلاتها المريرة‏..‏ لماذا يكون لكل صديقاتها آباء وهي وحدها بينهن التي بلا أب‏.‏ وذلك بالرغم من أن اباها يراها مرتين كل اسبوع ويصطحبها معه الي المصيف والرحلات القصيرة‏.‏

وإني أكتب لك هذه الرسالة لكي اقول لكل انسانه علي وشك الانفصال عن زوجها‏,‏ انني وبكل كبريائي أقبل الآن ان يعود الي زوجي ولو ضربني كل يوم‏,‏ وأقبل به ولو عرف امرأة مختلفة كل يوم‏,‏ وأقبل به كذلك ولو رفض حتي ان يكلمني أو يجالسني‏,‏ لكي أحس فقط بالأسرة‏,‏ وبأننا أب وأم واطفال‏,‏ واناشد كل زوجة وكل زوج ان يعبرا علي شركة الحياة وان يسعي كل منهما لحل مشكلاته بالصبر والتفاهم والامل في المستقبل‏..‏ وانصح كل زوجة بإن تقرب زوجها منها وان تعبر علي مالا يرضيها منه الآن لانه قد يتحسن للافضل في الغد‏..‏ فان لم يتحقق ذلك فهذا أفضل لها كثيرا من الوحدة والندم اللذين اتجرع مرارتهما الآن‏.‏

ولكاتبة هذه الرسالة أقول‏:‏

يشغلني دائما حين أقرأ رسالة مماثلة لرسالتك هذه سؤال غريب أتأمله طويلا ولا أصل عادة الي جواب شاف له ـ وهو‏:‏ لماذا يحتاجه الانسان دائما إلي ان تنزل به النازلات كثيرا ما يدرك خطأ مواقفه السابقة التي طالما اصر عليها من قبل واستمسك بها ورأي أنها الحق‏..‏ الذي لا يأتيه الباطل من شماله أو يمينه‏,‏ وكم من السنين يحتاجه المرء لكي يكتشف أخطاءه ويري خطل مواقفه السابقة فينهض لإصلاح الأخطاء وأداء الحقوق لمن ظلمهم خلال اعتزازه بنفسه وقوته واقتناعه المطلق بصحة موقفه‏.‏

إن السعداء من البشر هم الذين تهديهم حكمتهم الي اكتشاف أخطائهم والتسليم بها بلا مكابرة في المدي الزمني القريب الذي يسمح لهم بالاعتذار عنها وإصلاح آثارها بغير أن يخسروا الكثير‏,‏ والتعساء منهم هم من لا يرون الحق حقا إلا بعد أن يتعذر عليهم إصلاح الأخطاء وتدارك المواقف‏,‏ فيدفعون الضرائب الباهظة من حياتهم وأمانهم‏..‏ وسعادتهم‏.‏

ونحن كثيرا ما نقول لأنفسنا انه لو رجعت بنا الأيام الي الوراء لما فعلنا كذا وما استمسكنا بكذا وكذا من مواقفنا السابقة وآرائنا‏,‏ ونحن نحن نفس البشر حين استمسكنا بهذه المواقف ودافعنا عنها باستماتة في وجه الآخرين‏,‏ ونحن نحن البشر حين أدركنا الآن كم كنا جهلاء وحمقي وقصار النظر حين صممنا آذاننا عن كل نصيحة وتصورنا ان موقفنا أو اختيارنا هو الحق الذي لا يدانيه حقه‏,‏ وأن الآخرين هم المخطئون الذين لا شبهة في خطلهم وخطئهم‏,‏ فما الذي تغير فينا وغير من مواقفنا وأفكارنا وآرائنا؟ إنها تجربة الأيام وحكمة السنين التي تضنن غالبا بدورتها علي من لم يدفع ثمنها الغالي من حياته وتجاربه‏.‏

فهل كنت تتصورين ذات يوم يا سيدتي وأنت تقودين المعركة الطاحنة ضد زوجك في المحاكم وترفضين كل محاولات الصلح أو التفاهم إنه سوف يجيء اليوم الذي تعترفين فيه بجنايتك علي نفسك وزوجك وطفلتك‏,‏ وبخطأ موقفك من شريك الحياة من البداية الي النهاية ومادام الحال هكذا‏..‏ وما كان يبدو لنا هو الصواب الذي لا يأتيه الخطأ من فوقه أو تحته‏,‏ قد يصبح بعد بضع سنوات هو عين الخطأ نفسه ونشعر بالندم المرير عليه ـ‏,‏ فلماذا لا يبدي أحدنا وهو في عنفوان تمسكه برأيه وموقفه أي استعداد لمراجعة نفسه وتأمل مواقفه ومواقف الآخرين ومحاولة تحري العدل فيها‏.‏

ولماذا نتهلل للخلاف من أول بادرة فنقفز علي الفور الي مياهه العميقة ونخوض المعارك الضارية ضد من اختلفنا معهم بلا أي اعتبار لسابق مودتنا لهم أو مودتهم لنا أو لما يربطنا بهم من روابط إنسانية‏.‏

لقد كتبت رسالتك هذه يا سيدتي وأنت في حالة صدق مع النفس‏,‏ حبذا لو استشعرها الانسان دائما لكي يعترف بأخطائه ويتعلم دروسها ويبرأ من حقوق من ظلمهم خلال معاركه الضارية معهم‏..‏

فلقد ادركت انك وأنت من أحببت زوجك السابق بجنون كما تقولين‏,‏ قد حطمته حياتك معه بغيرتك المفرطة عليه‏,‏ وشكوكك الدائمة فيه واعتيادك بأثر تنشئتك الخاطئة وتدليلك المفرط ان تأمري فيستجاب لك بلا مناقشة‏,‏ فلعلك قد تعلمت الآن درس التجربة الذي يقول إن الحب وحده لا يكفي لاستمرار الحياة الزوجية ونجاحها مالم يرافقه الفهم وحسن الإدراك والاتزان والانصاف وحسن المعاشرة واتحاد الأهداف‏,‏ ولعلك ادركت الآن أيضا ان الحياة ديون‏,‏ وأننا نحاول دائما ان نحتمي من ظلم الايام لنا‏,‏ بألا نظلم أحدا ولا نفتري علي أحد‏,‏ وبألا تدركنا نشوة النصر الظالم علي من نعرف جيدا في قرارة انفسنا حقيقة ظلمنا له وأنه لم يكن يستحق منا بعض ما فعلنا به‏..‏ فلا عجب إذن يا سيدت ان تعوض الحياة زوجك عن ظلمك له‏,‏ وأن تبدله زوجة أخري ترعي مودته وتحرص عليه‏,‏ ويحيا معها آمنا مستقرا‏,‏ ولا عجب أيضا ان يبدله الله من حياته التي تعترفين بانك قد نجحت في تحطيمها ماديا ومعنويا‏,‏ حياة جديدة أفضل وأنجح وأوفر ثمرة‏.‏

كما لعلك ايضا قد تعلمت أهم دروس هذه التجربة وهو الفارق الهائل بين من يحومون حول امرأة متزوجة بهدف الفوز بها كصديقة‏,‏ وبين من يرغبون حقا وصدقا في الارتباط بها والزواج منها‏..‏

فلقد فات عليك للأسف إدراك هذا الفارق فقويت شوكتك علي زوجك الذي لم يكن يرغب في فراقك حتي اللحظة الأخيرة‏,‏ بهؤلاء الذين تخلوا عنك بمجرد ان زال عنك قيد الزوجية‏.‏

ولو أنك أمعنت النظر الآن في الأمر كله‏,‏ لأدركت ان أحد اسباب نفور هؤلاء الرجال من التفكير فيك كزوجة بمجرد انتصارك الشامل في معركتك الضارية ضد زوجك السابق‏,‏ هو هذه المعركة نفسها‏!‏ ولا غرابة في ذلك لأن من تخوض مثل هذه المعركة بالحق والباطل ضد من أحبته من قبل بجنون وأنجبت منه طفلة صغيرة‏,‏ وتستخدم فيها كما تقولين الأفكار والحيل الشيطانية التي يساعدها بها والدها ضده‏,‏ من تفعل ذلك يا سيدتي لا يأمن غالبا الرجل للارتباط بها اذا اقترب منها خلال قيادتها لهذه المعركة ولمس عن قرب ضراوة عداوتها ولدد خصومتها حتي ولو كان غارقا في حبها فلعل ذلك يكون ايضا أحد دروس تجربتك التي تدعين الآخريات والآخرين الي الاستفادة بها فلا يفجر احدهم في الخصومة فينفر منه من يحيطون به خوفا من ان تطولهم سهامه ذات يوم وهو من خبروا عنه انه لا يرعي حقا ولا ينفر من باطل‏.‏

وختاما فإني أشكرك علي صدقك مع نفسك وعلي رغبتك المخلصة في ان تضعي تجربتك أمام الآخرين ليستفيدوا بدروسها ويتفادوا اشواكها وأرجو لك ولطفلتك الصغيرة ان تعوضكما الحياة عما تعانيان وتمسح علي جراحكما وتبدل من أمركما خيرا بإذن الله‏..‏ والسلام‏.‏

"نحن شعب ينتحر -بمزاجه- إنتحاراً جماعياً ببطء كين

~~~~~

قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "انها ستكون سنون خداعات .. يخون فيها الأمين ويؤتمن فيها الخائن .. ويكذب فيها الصادق .. ويصدق فيها الكاذب .. وينطق فيها الرويبضة .. قالوا وما الرويبضة يا رسول الله ؟ قال : الرجل التافه يتكلم فى أمر العامة

~~~~~

فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا (41) يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا (42){النساء}

رابط هذا التعليق
شارك

41157‏السنة 123-العدد1999اغسطس13‏2 من جمادى الاولى 1420 هــالجمعة

الحديقة اليانعة‏!‏

أكتب إليك بعد قراءتي رسالة جني الثمار للزوجة التي تشكو من زواج زوجها بامرأة أخري‏,‏ وتتساءل‏:‏ هل من العدل أن تتحمل هي سنوات الكفاح وصعوبات البداية حتي إذا حان وقت الحصاد فوجئت بأخري تريد أن تشاركها جني الثمار بغير تعب ولا كفاح مع الزوج‏..‏ ورسالتي هذه قد تكون جريئة بالنسبة للبعض لكني لا أشعر بأي حرج وأنا أكتبها لك فأنا يا سيدي زوجة ثانية لرجل له زوجة وأبناء وعشرة دائمة وممتدة بينه وبين زوجته لمدة‏17‏ عاما‏,‏ وأريد أن أوضح لبعض الزوجات مبررات مثل هذا الزوج الغالي للزواج علي زوجته وخيانة عشرة العمر كما تطلقون عليها‏,‏ فلقد جمعتني ظروف العمل منذ خمسة أعوام برجل وقور محترم واضطرتنا الضرورة للاحتكاك والوجودد في مكان واحد لمدة ست ساعات يوميا وكنت أنا مطلقة من رجل شاذ خانني مع كل امرأة قابلها في حياته بالرغم من جمالي الظاهر وأنوثتي الطاغية وثرائي‏,‏ وجاهدت معه الجهاد المقدس كما طالبت كاتبة الرسالة بأن تفعل مع زوجها‏,‏ لإنجاح الحياة الزوجية بيني وبينه‏,‏ لكني فشلت في تقويم المعوج وانتهي الأمر بيننا بالطلاق‏.‏ ودفعتني ظروفي كمطلقة في مجتمع عمل معظم أفراده من الرجال إلي التحفظ الشديد مع الجميع حتي لا يسيء أحد الظن بي أو تشعر أي زميلة لي بأني قد أخطف منها زوجها‏,‏ ثم اقترب مني هذا الزميل رويدا رويدا واخترق الحصار الذي فرضته علي نفسي وحاول التدخل لحل مشكلتي مع مطلقي‏,‏ لكنه فشل لإصراري علي حفظ كرامتي‏,‏ وتكرر الحديث بيننا عن مشكلتي ثم تدرج منها إلي مشكلته هو في حياته الشخصية ففوجئت به يشكو من تسلط زوجته الحاد علي حياته ومن قسوتها عليه إلي حد الإهانة وكيف أنه لم يسمع منها طوال عشرته لها كلمة ثناء واحدة علي أي شيء فعله من أجل البيت والأبناء‏,‏ وإنما دائما هناك الاستخفاف بكل محاولاته الجادة للارتقاء بمستوي الأسرة‏,‏ وبالرغم من أنها قد تزوجته وهي شبه معدمة ومن أسرة منهارة عائليا‏,‏ ولقد كان ينتظر ممن حرمت من الحنان الأسري أن يجد لديها شلالا من هذا الحنان‏,‏ ففوجيء بالعكس من ذلك تماما‏,‏ وأدرك بعد المحاولات العديدة‏,‏ أن الصبار الذي ينمو في أرض الشقاق لا ينبت عادة زهورا جميلة فساءت علاقتها بجيرانها بسبب حدة طبعها‏,‏ وساءت علاقتها بأهله وأصبحت حياته سلسلة متصلة من النكد والصراع الخفي حول من تكون له اليد العليا في البيت والأسرة‏,‏ وفي البداية رفضت بشدة عرض هذا الزميل للارتباط بي حتي لا أصيب أسرته في مقتل وأشتت شمل أبنائه مع أبيهم‏,‏ لكنه أقسم لي أنني سأكون الدافع له لتعويض أبنائه عن سنوات الجفاف التي عاشوها وأنني لن أكون عقبة في طريق تواصله مع أبنائه وتزوجنا لاحتياجي الشديد لحبه واحتياجه الشديد لي‏,‏ وحين شعرت زوجته الأولي بوجود امرأة أخري في حياته صارحها بأنه حقه الشرعي وحين سألته‏:‏ لماذا لم يناقشها في الأسباب التي تدفعه لهذا الزواج ويناقشها فيما ينكره عليها لإصلاح الأمور قبل تفاقمها؟ صارحها بأنه لم يكن يؤمن بجدوي المناقشة معها لأنها لم تكن لتعترف بأخطائها ولهذا لم يرد جرح مشاعرها‏.‏

ولقد دأبت بعض الزوجات علي أن يشكين من زواج أزواجهن بأخريات‏,‏ ومن خيانة شريك العمر للعشرة‏,‏ ومن غدره علي غير توقع‏,‏ كما دأبن علي تصوير هذه الزوجة الثانية كغازية لبيت كان مستقرا قبل ظهورها في حياة الزوج أو كراغبة في جني الثمار واقتناص زوج جاهز لم تشاركه صعوبات البداية وسنوات الكفاح‏.‏

وأريد أن أقول لك أن الزوجة الثانية كثيرا أيضا ما يكون لها دخل ثابت بل ومرتفع أحيانا لأنها قد تعبت هي الأخري في العمل والحياة وبدأت تجني ثمار كفاحها‏,‏ وأنا علي سبيل المثال ميسورة الحال ولم أضغط علي زوجي في النفقات والمصروفات بالرغم من أنه قادر ماليا ولم أحاول أبدا قطف ثمار حديقة زرعها غيري لأن لي حديقتي الغناء التي تكفيني والحمد لله ولا أحتاج من زوجي سوي الحب والاحتواء وإلي أن يكون ملكي المتوج علي عرش قلبي وحياتي فأنا أهوي الخضوع للرجل والسكن إلي جواره والنوم مطمئنة إلي جوار قلب ينبض بحبي كما أني لم أحاول مطلقا تخيير زوجي بيني وبين زوجته الأولي رغم ثقتي أنني لو فعلت فسوف يختارني لبعد الفارق بيني وبينها في كل شيء‏,‏ لكن ماذا سأجني من ذلك؟ إنني أفضل أن أكون زوجة تحافظ علي أسرة زوجها وتؤهله نفسيا للاعتناء بأبنائه من الأخري‏,‏ عن أن أنفرد به دونهم‏,‏ بل إنني أتقي الله في أبنائه هؤلاء وأسرته وأحث زوجي دائما علي العدل معهم‏,‏ ولقد مضت علي علاقتنا الآن خمس سنوات ومازلنا نجني ثمار حديقتنا اليانعة من الحب والتفاهم والاحتواء واتقاء الله في المعاملة‏,‏ وليس جني الثمار المادية الزائلة‏,‏ فلماذا تحكمون يا سيدي علي الزوجة الثانية بأنها دائما كأمنا الغولة‏..‏ ولماذا لا نري فيها أنها قد تكون في بعض الأحيان المنقذة لزوج محطم محبط نفسيا وعلي وشك الانهيار النفسي والأخلاقي بسبب قسوة حياته وخلوها من العطف والحب والمعاملة الطيبة؟

ولكاتبة هذه الرسالة أقول

كما قد تكون الزوجة الثانية هي المنقذة في بعض الأحيان لزوج محطم نفسيا وعلي وشك الانهيار النفسي والأخلاقي كما تقولين‏,‏ فإنها قد تكون أيضا مجرد فتاة صغيرة طموح تعزف عن الكفاح واحتمال صعوبات البداية‏,‏ مع شاب مقارب لها في العمر وتؤثر الطريق السهل واقتناص زوج متوسط العمر‏,‏ تجاوز صعوبات البداية وصنع نجاحه العملي وأغراه يسر الحياة بعد جفافها بالتطلع إلي المغامرة العاطفية‏..‏ وطلب المزيد من المتعة‏.‏

وقد تكون كما خشيت أنت علي نفسك من أن تظنك زميلاتك‏,‏ خاطفة أزواج أو سيدة واجهت محنة الفشل في زواجها‏,‏ فرغبت في ترميم حياتها علي حساب زوجة آمنة وأبناء مستقرين ولم تكن حياتهم لتتعرض لمثل هذه المحنة لو لم تظهر في حياة أبيهم هذه السيدة‏,‏ وكذلك قد تكون هذه الزوجة الثانية منصفة وترعي حدود ربها مع أسرة زوجها الأولي وطالبة للحب والأمان مع زوج تنام مطمئنة إلي جواره‏..‏ كما تقولين عن نفسك‏,‏ وقد تكون سيدة أنانية وراغبة في الاستحواذ علي زوجها دون زوجته الأولي وأبنائه‏..‏ وتضيق حتي الموت بكل محاولة من جانبه لرعايتهم وأداء واجباته العائلية تجاههم وقد تكون‏..‏ وقد تكون‏..‏ وقد تكون‏...‏ إلخ‏.‏

فمن طبائع البشر أن يختلفوا فيما بينهم وأن تختلف مثالياتهم ومبادئهم وسبل تعاملهم مع الحياة لكن السؤال الأهم هو‏:‏ هل المطلوب منا هو أن نشجع الفتيات الصغيرات علي رفض الحب والكفاح والحياة الطبيعية مع شركاء متقاربين معهم في العمر واختصار الطريق باقتناص أزواج الأخريات وتهديد أمانهن وسعادتهن واستقرار أبنائهن؟

أم هل المطلوب منا هو تشجيع كل من يشكو من بعض أوجه النقص أو الخلاف في حياته‏,‏ أن يسارع إلي التطلع حوله ويسعي للزواج من زميلة له في العمل أو أي مكان آخر يجني معها ثمار حديقتها اليانعة‏,‏ دون أية محاولة لإصلاح الأمور بينه وبين زوجته وبلا أي مغالبة للنفس ومحاولة ردها عن أهوائها ومن ميلها الغريزي لما يحقق لها الراحة والمتعة ولو شقي آخرون بذلك‏.‏

إن الإنسان يا سيدتي يميل بطبيعته إلي الرثاء لنفسه وإلي اعتبار نفسه شهيدا لظروفه وضحية للآخرين‏,‏ ولو اتبع كل إنسان هواه وبحث عما يؤمن له وحده المتعة والراحة والسعادة دون النظر لأي اعتبار آخر وبلا أي مغالبة للنفس ولا محاولة للإصلاح لإنهارت أسر عديدة وخلت من عمرها من الأزواج والزوجات ولدفع الأبناء الذين لم يستشرهم أحد في اختيار آبائهم وأمهاتهم الثمن الغالي من سعادتهم واستقرارهم‏.‏

كما أن الإنسان بارع في استخدام حيلة التبرير النفسية لإعفاء نفسه من كل لوم واصطناع الأسباب التي تجعل تصرفاته كلها منطقية وعادلة‏,‏ ولو راجعت ما نسبه زوجك إلي زوجته من عيوب وهو في مرحلة الإقتراب منك لوجدتها لا تكاد تتجاوز كثيرا مألوف الحياة بين أزواج وزوجات كثيرين ولا يفكرون ـ بالرغم من ذلك ـ في الزواج الثاني أو الانفصال‏,‏ لأن ما يجمع بينهم أكبر مما يفرق بينهم‏,‏ ناهيك عن أنك قد سمعت وجهة نظره وحده في هذه العيوب ولم تسمعي وجهة نظر الطرف الآخر فيها ولا في عيوب زوجها‏,‏ فإذا كنت لا أنكر عليك سعيك المشروع بعد الانفصال للزواج المستقر الآمن‏,‏ فلعلي أتساءل فقط‏:‏ ولماذا لا يبرر رجل كزوجك رغبته في الزواج منك بأنه قد وقع في هواك وتمكن منه حبك ويريد الارتباط بك بغير أن يقيم دعواه لتبرير هذا الزواج علي أساس من عيوب الزوجة الأولي ومعاناته معها؟

ولماذا لا تبررين أنت قبولك لهذا الزواج بحبك لهذا الرجل ووحدتك بعد الانفصال عن زوجك السابق وحاجتك إلي الحب والزواج والأمان بغير الإساءة إلي أية أطراف أخري؟

وماذا يمكن أن نسمي الزواج الذي يقدم عليه الزوج دون إخطار زوجته به وتخييرها بين القبول به أو الانفصال عنه سوي بأنه خيانة للعشرة ولعهد الوفاء الذي قطعه علي نفسه مع الزوجة الأولي‏,‏ وهو التعبير الذي تستائين منه في رسالتك؟

إني معك في أن الزوجة الثانية ليست دائما كأمنا الغولة أو دراكيولا مصاص الدماء وأنها قد تكون العاصم بالفعل للرجل من الخطيئة‏,‏ لكن قوانين الحياة الطبيعية بالرغم من ذلك هي الأولي دائما بالاتباع‏,‏ ولابد دائما من استنفاد كل وسائل الإصلاح وحماية الأسرة والأبناء من العواصف والزلازل قبل الإقدام علي مثل هذا الخيار والسلام‏.

"نحن شعب ينتحر -بمزاجه- إنتحاراً جماعياً ببطء كين

~~~~~

قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "انها ستكون سنون خداعات .. يخون فيها الأمين ويؤتمن فيها الخائن .. ويكذب فيها الصادق .. ويصدق فيها الكاذب .. وينطق فيها الرويبضة .. قالوا وما الرويبضة يا رسول الله ؟ قال : الرجل التافه يتكلم فى أمر العامة

~~~~~

فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا (41) يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا (42){النساء}

رابط هذا التعليق
شارك

41157‏السنة 123-العدد1999اغسطس13‏2 من جمادى الاولى 1420 هــالجمعة

بحر الكراهية

كتبت إليك منذ ثماني سنوات ولم تجد رسالتي فرصة النشر‏,‏ والآن أعاود الكتابة مرة أخري‏.‏ فأنا سيدة في الخامسة والأربعين من عمري تزوجت منذ‏21‏ عاما من إنسان توسمت فيه أن أجد لديه كل ما تمنيته في الرجل‏.‏ فلقد كانت طفولتي تعيسة للغاية فقد رحلت أمي عن الحياة وأنا طفلة لا يزيد عمرها علي عام ونصف العام‏,‏ وتقلبت بي الحياة بين أيدي ثماني زوجات أب كان لكل منهن أسلوبها معي ووجدت منهن ما جعلني أكره حياتي وأتطلع لمغادرة بيتي إلي بيت زوج يعوضني عما عانيته في حياتي من شقاء‏,‏ وتزوجت أول من طرق بابي‏,‏ واصطدمت بعد زواجي منه بشخصيته التي تختلف عن شخصيتي في كل شيء‏,‏ فهو من النوع العنيف الذي يعالج أموره بالضرب‏,‏ وكثيرا ما كان ضربا مبرحا يترك آثارا تستمر لعدة شهور علي وجهي وجسدي‏,‏ وفي خلال عامين أنجبت منه طفلين وأنا كارهة ومن أجلهما احتملت الحياة مع رجل لم أعد أطيق عشرته وأصبح وجوده في البيت كابوسا ثقيلا وكرهته كل الكرة‏,‏ فلم يكن بيننا ذات يوم حوار إلا وانتهي بالضرب والشتم والسب‏,‏ ولقد أصبحت أكره ملامح وجهه لم أعد أنظر إليها منذ‏15‏ عاما ولقد اضطررت‏,‏ وليسامحني الله في ذلك ـ أن أنفصل عنه وأنام في حجرة أطفالي منذ سنوات بعيدة لكني بالرغم من ذلك لم أكن أرفضه إذا دعاني‏,‏ وكانت هذه هي أكثر أوقاتي عذابا ومعاناة‏.‏

ومضت السنوات بخيرها وشرها فلم أستطع العودة إلي حجرة نومي أبدا‏,‏ ولقد حاول هو كثيرا اعادتي إليها وفشل‏,‏ فاسلوبه لم يتغير والحياة معه حرمان من كل شيء‏,‏ وكلما طلبنا منه شيئا ضروريا تكون الإجابة هي الضرب‏,‏ وكلما ضربني كرهته أكثر حتي أصبح كرهي له بلا حدود‏,‏ ولم يكن لي خيار في استمرار الحياة معه‏,‏ فلقد كان من المستحيل أن أعود إلي بيت زوجة الأب مرة أخري‏,‏ وإمكاناتي لا تسمح لي بالعيش وتحمل مسئولية أبنائي‏,‏ ولقد كان من رحمة ربي بي أنه كان كثير السفر في عمله‏,‏ فصبرت علي حياتي معه حتي كبر أبنائي والتحقوا بالجامعة منذ عامين‏,‏ والكارثة الآن هي أن زوجي قد ترك العمل وتفرغ للجلوس في البيت وأنا لم أعد أتحمل وجوده المستمر فيه لكرهي الشديد له‏,‏ ولا أعرف لماذا لم يطلقني وقد طلبت منه الطلاق مليون مرة‏.‏

ونوبات الاكتئاب لم تفارقني منذ زواجي‏,‏ وقد مرض زوجي أخيرا بمرض معد عن طريق الدم وأكد لي الطبيب ذلك‏,‏ وزوجي دائم الشجار معي لهجري له وأنا زوجة لا تستطيع أن تكون زوجة لكرهها الشديد لزوجها‏..‏ فماذا أفعل في مشاعر الكراهية هذه وهي لا حيلة لي فيها لأنها حصاد رحلة العمر المريرة‏.‏

إنني أتمني أن أعيش مع أولادي وحدي وأن يتركني ذلك الرجل ويبحث لنفسه عن زوجة أخري‏,‏ فقد ضاع عمري معه في حياة خالية من كل معني ومن السعادة‏.‏الآن إلا في الانفصال عن زوجي لأنني لا أريد أن أراه أو أسمع صوته وأكره كل شيء فيه منذ‏15‏ عاما كاملة‏!‏

وإنني أسألك يا سيدي‏:‏ أليس من حقي أن أحيا ما بقي لي من عمر بدون هذا الرجل فأتنفس الصعداء وأتخلص من الاكتئاب الذي يخيم علي حياتي؟‏!‏

ولكاتبة هذه الرسالة أقول

‏ لا حصاد لمثل هذه العشرة السيئة إلا اختزان المرارة وترسبها في الأعماق وتحولها مع مر السنين إلي كراهية متأصلة لا يجدي معها نصح ولا حديث‏!‏إذ ماذا ينتظر العشير الذي لا يتفاهم مع شريكة الحياة إلا بالضرب المبرح الذي يترك آثارا علي الجسد والوجه لعدة شهور‏,‏ سوي أن تنطوي له زوجته علي ما يشبه الحقد المكظوم الذي ينتظر تغير الظروف لكي ينفجر في وجهه معبرا عن نفسه بلا حرج ولا تجمل؟

لقد قلت من قبل إن بعض الزوجات قد تضطرهن ظروف الحياة والحرص علي مصلحة الابناء إلي احتمال عشرة شريك الحياة والصبر عليها إلي أن يشب الأبناء عن الطوق وتنتهي الحاجة المادية للزوج‏,‏ فتنفجر الكراهية المختزنة في أعماقهن طوال سنوات الصبر والاحتمال‏,‏ ويقوم حاجز نفسي منيع بين الزوجة وزوجها تفشل معه كل المحاولات فيعيش الزوجان تحت سقف واحد وقد تحولا إلي غريبين لا ينطوي أحدهما للآخر إلا علي أسوأ المشاعر‏,‏ أو تحتمي الزوجة ببيوت أبنائها رافضة اقتسام الحياة من جديد مع زوجها‏,‏ أو تصر الزوجة في بعض المضاعفات الشديدة علي الحصول علي الطلاق والانفراد بحياتها دون النظر لأي تبعات تترتب علي هذا الانفصال‏.‏

ولا عجب في ذلك إذ ماذا ينتظر العشير ـ زوجا كان أو زوجة ـ من شريك الحياة إذا هو قهر إرادته بالحاجة ومصلحة الأبناء سنوات طوالا حين يتحرر الشريك من هذا القيد بنمو الأبناء ويسترد قدرته علي الاختيار‏.‏

لقد شرع الله سبحانه وتعالي الخلع للمرأة التي تعجز عن احتمال عشرة زوجها لكراهيتها الشديدة له حتي ولو لم تنكر عليه خلقا ولا دينا فرخص لها بأن ترد عليه ما سبق أن أدي إليها من مال وتختلع منه‏.‏ولقد روي لنا الاثر تلك القصة المعروفة عن امرأة ثابت بن قيس التي شكت إلي الرسول ـ صلوات الله وسلامه عليه أنها تكره زوجها كراهية شديدة وإن لم تكن تنكر عليه شيئا من خلقه أو دينه فأمرها أن ترد عليه ما أخذته منه وأمره بأن يطلقها كما روي لنا الأثر أيضا أن الرسول الكريم‏,‏ صلوات الله وسلامه عليه ـ قد رق قلبه لرجل انفصل عن زوجته وهو راغب فيها فذهب إليها الرسول يحدثها في عودتها إليه فسألته علي استحياء‏:‏ هل جاء شافعا أم آمرا؟ فأجابها بأنه انما جاءها شافعا وليس آمرا‏,‏ فأجابته‏:‏ اذن فلا أعود‏!‏ فلم يرغمها الرسول الكريم علي ما لا تريده ولم يتهمها في دينها ولا في طاعتها لربها ولرسوله‏.‏

لكن المشكلة لا تتمثل في حقك في أن تتنفسي الصعداء بعد سنوات الصبر والاحتمال وأن تعيشي مع أبنائك بغير زوجك‏,‏ وإنما المشكلة هي كيف يتحقق لك ذلك وأنت بلا مال ولا إمكانات لتوفير المأوي الكريم لك بعد الانفصال‏,‏ كما أن زوجك ليس قادرا فيما يبدو لي من أحواله علي أن يوفر لك ولأبنائك مسكنا مستقلا ويتزوج هو ممن ترضي بمشاركته الحياة في مسكن الزوجية‏,‏ فما العمل اذن‏!‏ هل نطالبه كما تحلم بذلك بعض الزوجات الكارهات بأن يتلطف الزوج المكروه بالاختفاء من حياة زوجته وأبنائه ويخلي لهم مأواه الوحيد ويبحث لنفسه عن غرفة في أي مكان ليعيش فيها وحيدا عليلا ما بقي له من عمر لأن زوجته تكرهه أشد الكراهية ومع استمراره في الإنفاق علي ساكني الجنة التي طرد منها بغفلته وقسوته وسوء عشرته لزوجته؟وهل يقبل زوجك بهذا الحلم الحسير الذي يراودك ويراود مثيلاتك من الزوجات الكارهات؟لقد أخطأ زوجك في حقك كثيرا وزرع بذور كرهك له في أعماقك علي مر السنين‏,‏ ولكن ألا تستطيعين ما دمت غير قادة علي أي حل آخر أن تغالبي نفسك وتحاولي النظر إلي وجهه الذي كففت عن مجرد النظر اليه طوال السنوات الماضية بنظرة جديدة خالية من مرارات الماضي وذكرياته ان المرض المعدي الذي حدثتني عنه يقدم الاطباء بحقن الزوجة ومخالطي المريض بمصل يقيهم خطر العدوي منه‏.‏ وزوجات كثيرات يخالطن أزواجهن المرضي بهذا المرض بغير خوف من العدوي بعد المصل؟ فهل فكرت في التحصين ضده؟وألا تحاولين ما دمت عاجزة عن أي بديل آخر تحييد مشاعرك تجاه زوجك بما يخفف عنك بعض عناء الحياة ويعينك علي مواصلة أداء رسالتك مع أبنائك بغير أن تعرضيهم للمتاعب؟

إن الحب لا يشتري ولا يباع وإنما هو شعلة ذاتية الاشتعال تتطلب دائما رعايتها والحرص عليها لكي ينمو ويستمر لهبها عاليا ويصمد لرياح الحياة‏,‏ ولهذا فلست أطالبك ـ وأنت من تحملين لزوجك كل هذه الكراهية ـ بحبه أو الوقوع في غرامه بعد كل ما جري منه لكني أطالبك فقط بمحاولة تحييد مشاعرك تجاهه‏..‏ ومحاولة نسيان مرارات الماضي‏,‏ رفقا بك أنت وبحالتك النفسية وجهازك العصبي قبل أي شيء آخر‏,‏ فهل تستطيعين ذلك لكي تخففي عنك ثقل الأيام؟

"نحن شعب ينتحر -بمزاجه- إنتحاراً جماعياً ببطء كين

~~~~~

قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "انها ستكون سنون خداعات .. يخون فيها الأمين ويؤتمن فيها الخائن .. ويكذب فيها الصادق .. ويصدق فيها الكاذب .. وينطق فيها الرويبضة .. قالوا وما الرويبضة يا رسول الله ؟ قال : الرجل التافه يتكلم فى أمر العامة

~~~~~

فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا (41) يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا (42){النساء}

رابط هذا التعليق
شارك

41164‏السنة 123-العدد1999اغسطس20‏9 من جمادى الأولى 1420 هــالجمعة

الجوانب المضيئة‏!‏

قرأت لك في ردودك علي رسائل قرائك أن الإنسان لديه ميل غريزي للرثاء لنفسه‏,‏ولقد كانت هذه هي المرة الأولي التي أقرأ فيها عنه‏,‏ فتوقفت أفكر في أمري واتساءل هل يكون ما أشعر به وشعرت به معظم فترات حياتي‏,‏ هو من أثر هذا الميل الغريزي؟

ولكي تعنيني علي الاجابة علي هذا السؤال أريد أن أروي لك قصتي مع الحياة‏,‏ فاقول لك إني شاب أبلغ من العمر الآن‏33‏ عاما‏,‏ حرمت من حنان الأم وأنا طفل صغير عمره‏4‏ سنوات‏,‏ وكان والدي وقتها مازال طالبا ويقيم معظم السنة في المدينة البعيدة حيث يدرس ولا يرجع إلي زوجته وطفله إلا في شهور الاجازة الصيفية فلا يبقي لي حضن طوال العام سوي حضن أمي‏,‏ ووجدتني وأنا في هذه السن الصغيرة قد حرمت منه‏,‏ وعجز عقلي الصغير عن فهم سبب غيابها عني غير أن الاطفال الذين لايحترسون لكلماتهم تولوا مصارحتي بالحقيقة المريرة وهي أنها قد ماتت ولن ترجع مرةأخري أبدا ولست أذكر الآن كيف تقبل عقلي وقتها هذه الحقيقة المؤلمة‏,‏ لكني أذكر أن مسئوليتي قد انتقلت بعدغياب أمي‏,‏ إلي جدتي وأنها قدعوضتني بعطفها عن حنان أمي المفقود فتعلقت بها بشدة وتمتعت في كنفها بالحب والرعاية والحنان‏,‏ إلي أن رجعت من مدرستي ذات يوم وأنا تلميذ في السنة الخامسة الابتدائية فشهدت حركة مريبة في البيت وسمعت نواحا وصراخا‏..‏ ورأيت شقيقتي تبكي فادركت بحاستي أن أسرتنا قد شهدت حادث غياب جديد وصرخت هلعا حين عرفت أن جدتي قد تركتني هي الأخري‏.‏

وتلفت حولي ابحث عن أم أخري لي‏..‏ فوجدت شقيقتي الكبري التي لم تتجاوز السابعة عشرة من عمرها وتزوجت بالرغم من صغر سنها قبل شهور‏,‏ تحتضني وتقوم عني مقام الأم بالرغم من اعتلال صحتها بسبب الحمل المبكر‏,‏ فأحببتها كما أحببت كما أصيبت من قبل أمي وجدتي‏,‏ ودعوت ربي أن يهبها الصحة وطول العمر لكي أنعم برعايتها للنهاية ثم حانت ساعة ولادتها وذهبت إليها في العيادة لأزورها واترقب مجئ مولودها إلي الحياة‏,‏ فاذا بولادتها تتعسر وإذا بها تلفظ انفاسها الأخيرة خلالها‏,‏ وإذا بي ابتلي بفقد الام من جديد وانتقلت رعايتي بعد ذلك إلي السيدة التي تزوجها أبي وكانت لم تنجب منه بعد فكانت علي خلاف الشائع في اوساطنا عن زوجة الأب‏,‏ أما رحيمة لي وتقدم نفسها للآخرين علي أنها أم فلان أي أمي ثم انجبت طفلا فاصرت علي التمسك بتسميتها الأولي‏,‏ مؤكدة للجميع انني ابنها البكري‏,‏ وفي كنف هذه السيدة الطيبة تمتعت بالحنان والعطف الصادقين غير ان عمر السعادة لايطول كثيرا في حياتي ياسيدي فلقد فقدتها هي الأخري بعد بضع سنوات‏,‏ ورحلت عن الحياة صغيرة وبكيتها بدموع سخينة وتمنيت لو كانت زوجة اب قاسية لكيلا يوجعني فراقها كما اوجعني‏.‏

وبالرغم من كل شيء فقد واصلت الحياة واجتهدت بقدر الامكان في دراستي وتحملت ظروفي الخاصة من عيب في النطق كان يعرضني كثيرا لسخرية زملاء الدراسة ورفاق الصبا إلي ضعف السمع الذي كثيرا ماعرضني للمواقف المحرجة إلي مرض في العينين لاشفاء له إلي اعتلال طفيف ظهر أخيرا في الكبد ولاأعرف إلي أين ستقودني مضاعفاته إلي مشاكل لاحصر لها مع والدي لا أريد الاشارة إليها احتراما وحياء مني إلي صدماتي العاطفية أكثر من مرة كشاب بسبب ظروفي الاجتماعية والمادية‏.‏

وبالرغم من كل ذلك فالحياة تسير وهناك جوانبها المضيئة ايضا فلقد تخرجت وعملت بوظيفة لابأس بها واتمتع باحترام من هم حولي في المسكن والعمل ولست اكتب لك رسالتي هذه طلبا لحل مشاكلي لان حلها ليس في مقدور أحد وانما اكتبها لك لكي يقرأها بعض اللاهين؟ والساخطين علي حياتهم بلا سبب جدي يدعوهم لذلك ليعرفوا قيمة مابين ايديهم من اسباب السعادة فأهمها الأسرة المستقرة والبيت الدافئ بعطف الابوين وحبهما ورعايتهما لابنائهما اما أنا فانه تحيرني عدة اسئلة آمل ان اجد لديك الاجابة عليها الأول هو هل تراني محقا في الشعور ببعض الرثاء للنفس من واقع ظروف حياتي ام هل تري ذلك من اثر هذا الميل الغريزي لدي الانسان والثاني هو إذا كان الانسان مؤمنا ويؤدي فرائض دينه علي أكمل وجه فلماذا يبتلي بمثل هذا العذاب وألا يحتمل ان يهز ذلك من ايمانه؟

اما السؤال الأخير فهو لو قدر لي الزواج ذات يوم تري هل ستدور الدائرة من جديد علي ابنائي فيعانون مما عانيت منه‏..‏ أم أن اقدرارهم ستكون ارحم بهم من اقداري؟

:ولكاتب هذه الرسالة أقول

الحياة تسير دائما سواء رضينا عن اقدارنا فيها أم سخطنا عليها‏,‏ ولا خيار أمامنا سوي اللحاق بركبها ومداواة جراحنا ومحاولة التواؤم مع ظروفنا واقدارنا‏,‏ لأن القافلة لا تنتظر ـ المتخلفين عنها‏,‏ ولا عائد لنا من التجمد امام الاكدار سوي مضاعفة الخسائر‏,‏ واتساع الشقة بيننا وبين الركب المتجه دوما الي غايته‏.‏

ولا عزاء لنا سوي ان نتمسك دائما بالايمان بالله والرضا بقضائه وقدره خيره وشره‏,‏ وبالامل الدائم في ان يكون الغد الآتي افضل من الامس المنقضي‏,‏ وسوي ان نردد دوما مع الامام الشافعي رضي الله عنه‏:‏

دع الايام تفعل ما تشاء

وطب نفسا اذا حكم القضاء

ولقد كان من دعاء خامس الراشدين عمر بن عبد العزيز‏:‏

اللهم رضني بقضائك‏,‏ وبارك في قدرك‏,‏ حتي لا أحب تعجيل ما أخرت ولا تأخير ما عجلت‏!‏

وقد ضرب لنا المثل الاعظم في الرضا بقضاء ربه وقدره‏,‏ حين ثكل ابنه التقي الورع عبد الملك وفاضت روحه وهو بين ذراعية‏,‏ فبكاه عمر حتي ابتلت لحيته‏,‏ ولم ير في ذلك بأسا لعلمه بأن الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه قد بكي لموت ولده ابراهيم ولم يقل ما يغضب ربه‏,‏ فما أن غادر عمر حجرة ابنه مطأطئ الرأس كسير القلب وجاءه الناس يعزونه حتي كان قد تمالك نفسه من جديد فقال لمن يعزونه‏.‏

ـ امر قد رضيه الله لي فلا أكرهه‏.‏

ومن بعد الرضا‏,‏ بالأقدار يجئ الامل دوما‏,‏ في الغد الافضل وتعويض السماء‏,‏ فإذا كنت تسألني بعد ذلك عن مشروعية‏...‏ احساسك ببعض الرثاء لنفسك بعد كل ما عانيت من حرمان من حنان الأم‏,‏ وفقد متكرر للأمهات البديلات‏,‏ وبصمات العناء علي سمعك وبصرك ولسانك وكبدك‏,‏ فأني اجيبك بأن الرثاء للنفس عن حق‏,‏ كما في مثل ظروفك المؤلمة‏,‏ لا يتعارض مع الرضاء باقدار الانسان في الحياة‏,‏ والقبول بها‏,‏ وانما هي لحظات عابرة يستسلم فيها المرء لاحساسه بالاشفاق علي نفسه مما يكدره ويتوجه فيها بالأمل في رحمة الله ان تعوضه السماء عما عاناه آلام وأحزان جزاء وفاقا لما صبر عليه من احزان الحياة‏,‏ ولا بأس بذلك من حين لآخر كلما اشتدت معاناة الانسان‏,‏ وكلما كانت احزانه وآلامه حقيقية‏.‏

وليست‏,‏ موصومة ولا مبالغا فيها‏,‏ فمن حق المحزون ان تدمع عيناه يا صديقي رثاء لنفسه وترويحا عما يختزنه صدره من هموم واملا في رحمة ارحم الراحمين سبحانه‏,‏ بغير ان ينقص ذلك من رضاه وايمانه بربه وتسليمه باقداره فللنفس طاقتها في النهاية علي الاحتمال وما إختبارات الحياة‏/‏ سوي ممن يمتحن بها السماء صبر المؤمنين وتقبلهم لما تجني به اليهم اقدارهم‏,‏ وقد اعيا سؤالك عن حكمة الابتلاء ذوي الالباب منذ قديم الزمان‏,‏ ولم ينقذهم من حيرتهم ازاءها سوي التسليم المطلق بقضاء الله وقدره‏,‏ واسلام الوجه لله‏,‏ والرضا بكل ما تحمله اليهم امواج الحياة‏,‏ والتعزي في ذلك بمضمون الحديث الشريف الذي يقول عنها انه ما من شوكة تصيب المؤمن إلا ويمحو بها الله من سيئاته أو يرفع بها من درجاته‏.‏

وبقوله سبحانه وتعالي في الآية‏214‏ من سورة البقرة‏:‏

أم حسبتم ان تدخلوا الجنة‏,‏ ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم الباساء والضراء وزلزلوا‏.‏

وبقول النبي داود عليه السلام‏:‏ لله الحكمة‏..‏ ولنا الألم‏.‏

اي ان له جل شأنه حكمته التي تخفي عن الافهام فيما يقدره علينا من اقدار ولنا نحن ظاهرها البادي من الالم ـ وهو خير لنا في الاخرة إن كنا من الصابرين‏.‏

فما يزداد المؤمنون باختبارات الحياة ومحنها إلا إيمانا‏,‏ وطمعا في حسن جزاء الصابرين عند ربهم‏.‏

فأما سؤالك هل اذا تزوجت فسوف تدور الدائرة علي ابنائك فيعانون مثل ما عانيت انت فعلم ذلك عند ربك سبحانه وتعالي وحده‏..‏ غير ان الرجاء في رحمة الله لا ينقطع ابدا والله جل شأنه عند حسن ظن عبده به‏,‏ كما جاء في مضمون الحديث القدسي‏:‏

ولقد وجدت أنت من إيمانك بربك ورضاءه باقدار كما لم يحجب عنك بعض الجوانب المضيئة في حياتك فتحدثت عن توفيقك في الدراسة والعمل‏,‏ فلم لا تتوقع ان تتسع مساحة هذه الجوانب المضيئة في حياتك وأن يعوضك ربك عن معاناتك بالتوفيق في الزواج‏..‏ والسعادة بالأبناء الاصحاء الناجحين في الحياة بإذن الله؟ إننا ندعو الله دائما ان تكون حظوظ ابنائنا في الحياة افضل من حظوظنا نحن فيها‏,‏ وان تجنبهم عناية السماء أشواك الطريق التي ادمت اقدامنا‏,‏ خلال رحلة الحياة فلماذا لا تأمل انتأيضا في ذلك‏!..‏ وتستبشر به ان شاء الله؟

"نحن شعب ينتحر -بمزاجه- إنتحاراً جماعياً ببطء كين

~~~~~

قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "انها ستكون سنون خداعات .. يخون فيها الأمين ويؤتمن فيها الخائن .. ويكذب فيها الصادق .. ويصدق فيها الكاذب .. وينطق فيها الرويبضة .. قالوا وما الرويبضة يا رسول الله ؟ قال : الرجل التافه يتكلم فى أمر العامة

~~~~~

فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا (41) يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا (42){النساء}

رابط هذا التعليق
شارك

41164‏السنة 123-العدد1999اغسطس20‏9 من جمادى الأولى 1420 هــالجمعة

الثمن الفادح

قد تكون مشكلتي هذه غير مألوفة بالنسبة لطبيعة رسائل البريد‏,‏ ولكنها موجودة علي أية حال في كثير من البيوت المغلقة ولايجرؤ أحد علي المصارحة بها‏.‏

فأنا ياسيدي عضو هيئة تدريس بإحدي كليات القمة بالأقاليم‏,‏ وعلي قدر كبير من التدين والتمسك بتعاليم الدين وقد شاء حظي ان اكون اكبر اخوتي وان اكون البنت الوحيدة وسط أربعة ذكور‏,‏ ولن أطيل عليك فقد اصاب العجز والشيخوخة أبي وأمي حتي صارا مقعدين لايستطيعان أن يخدما أنفسهما‏..‏ واستقطعت جزءا من وقتي أقضي لهما فيه مصالحهما وأعطيهما الدواء واشتري لهما الطلبات التي يحتاجون اليها‏,‏ وقد توليت هذه المسئولية وحدي لوجودي معهما في نفس البلد‏,‏ اما اخوتي الذكور فهم يقيمون في محافظات اخري لظروف العمل‏.‏ ثم حدث ان مرض والدي مرضا شديدا استدعي نقله للمستشفي لفترة لايعلم نهايتها إلا الله‏,‏ ونظرا لشيخوخة والدتي وعدم استطاعتها البقاء معه كمرافق في المستشفي‏..‏ توليت أنا هذه المسئولية عن اقتناع تام بمسئوليتي نحوه واضطرني ذلك إلي الغياب عن بيتي كثيرا ومبيتي كل ليلة في المستشفي بجواره حتي مضت الأيام بطيئة ووالدي لايتحسن‏,‏ واخوتي الذكور يحضرون من مدنهم زائرين أقرب منهم إلي أن يكونوا مشاركين في تحمل مسئولية والدهم‏,‏ فأثار ذلك حفيظة زوجي وبدأ شيئا فشيئا يتبرم من إلقاء المسئولية كلها علي عاتقي وحدي وبدأ يحدثني عن ان اخوتي يتهربون‏,‏ ويتعللون بأن ظروف العمل والغربة لاتسمح لهم بأكثر من اجازة عارضة لاتزيد علي يومين‏,‏ ووجدتني عاجزة عن تلبية مطالب بيتي وإرضاء زوجي وخدمة والدي الذي اعجزه المرض عن الحركة فصار ثقيلا في الوزن ويحتاج لمن يحمله‏,‏ لكي يرتدي او يغير ملابسه أو يستحم أو لكي يجلس ليتناول طعامه وأنا علي مشارف الخمسين من عمري‏,‏ ولاأملك هذه القوة لكي أحمله وأنقله من مكان لآخر حتي أصابني ألم في اسفل الظهر‏.‏ أبكي كل مساء قبل النوم‏,‏ وقد أغضب ذلك زوجي وثار ثورة عارمة ضد اخوتي وطالب بأن يتناوبوا خدمة أبيهم‏,‏ لان لهم من القوة الجسمانية مايجعلهم يتحملون مثل هذا النوع من الخدمة‏,‏ فتعللوا بأنهم لايعرفون أصول خدمة المرضي وبظروف العمل إلخ‏...‏ وبدأت زوجات الاخوة يمارسن ضغوطا خفية لاستعادة أزواجهن سريعا كلما حضروا لزيارة والدي‏,‏ وتعقدت الأمور تماما بيني وبين زوجي واخوتي‏,‏ انني ياسيدي اخدم والدي بنفس راضية أملا في ثواب الله‏..‏ غير ان حالته قد تدهورت الي حد لم يعد معه يتحكم في الإخراج مما يسبب لي حرجا شديدا كابنة له عند تنظيفه‏,‏ وقد تأثرت اسرتي بسبب انشغالي عنهم بخدمة ابي وظهر أثر ذلك في نتائج امتحانات ابنائي لسوء حالة البيت ونقص الضروريات وقذارة المطبخ والحمام الخ‏..‏ واني أسالك ياسيدي هل خدمة الوالدين المسنين مسئولية الابنة وحدها لانها أقدر علي ذلك من الابناء الرجال؟ وهل يقتصر دور الابن فقط علي دفع فواتير العلاج وكتابة النعي في صفحة الوفيات واستقبال المعزين ثم الوقوف في ساحة المحكمة لاستخراج إعلام الوراثة لينالوا ضعف نصيب الأنثي من الميراث؟

انني مشتتة وزوجي غاضب ويطالبني بمقاطعة اخوتي‏,‏ وامي وهنت صحتها وارادتها ولاتستطيع ان تقوم بدور ايجابي في هذه المشكلة فما أفعل؟

:لكاتبة هذه الرسالة أقول

من المؤلم حقا ان يتحول الأب المسن إلي عبء يختلف الأبناء حول تحديد مسئوليته‏..‏ ومن منهم يتحمله دون الآخرين او بالمشاركة معهم‏,‏ ولقد تذكرت وانا اقرأ رسالتك هذه كلمة معبرة لجوناثان سويفت مؤلف رواية رحلات جاليفر الشهيرة يقول فيها ان هبة العمر الطويل تشتري بثمن بالغ الفداحة‏..‏ ولقد قالها الأديب الانجليزي متشكيا من فقد الاعزاء والاحباء وحزنه عليهم واحدا بعد الآخر خلال رحلة عمره التي بلغت‏78‏ عاما‏,‏ فماذا كان عساه ان يقوله لو علم ان الثمن الفادح لايقتصر فقط علي هذا الجانب العاطفي‏,‏ وانما يشمل كذلك عبء الخدمة والرعاية لمن يعجزه الكبر والمرض عن خدمة نفسه‏,‏ ولمن ينطبق عليه قول الحق سبحانه وتعالي ومن نعمره ننكسه في الخلق‏,‏ وعفوا ياسيدتي لهذا الشرود عن صلب مشكلتك فلقد أثارت رسالتك تأملاتي عن أحوال البشر‏..‏ ولعلي اقول لك بعد ذلك‏,‏ ان خدمة الآباء والأمهات واجب ديني وإنساني علي كل ابنائهم علي السواء‏..‏ كل بمايستطيعه من جهد أو رعاية أو مال‏,‏ ولقد كان من المنطقي ان يقع عليك العبء الأكبر في خدمة الأب المريض والأم المسنة‏,‏ ليس لان خدمة الآباء والأمهات هي مسئولية البنات دون البنين وإنما لأنك الوحيدة التي تقيمين معهما في نفس المدينة وبقية الاخوة مشتتون بين البلاد‏,‏ غير ان الله لايكلف نفسا الا وسعها من ناحية أخري‏,‏ ومادمت تنوئين بهذه الخدمة وحدك وتستشعرين الحرج كابنة في بعض شئون هذه الرعاية‏,‏ ويضيق زوجك بانفرادك بهذه المسئولية دون بقية الاخوة ويتذمر‏,‏ فلا مجال للمناقشة النظرية حول علي من تقع مسئولية رعاية الآباء والأمهات في الكبر‏,‏ ومن واجب اخوتك في مثل هذه الحالة ان يبذلوا كل مايستطيعون من جهد لتخفيف هذا العبء عنك وعن اسرتك كأن يتناوب كل منهم رعاية الأب لاربعة ايام مثلا كل شهر ولو اضطروا لتجميع راحاتهم الاسبوعية وتقسيم رصيد إجازاتهم السنوية علي الشهور المختلفة ليستطيع كل منهم قضاء بعض الوقت مع ابيه وامه الي ان يقضي الله امرا كان مفعولا‏,‏ ولكي يتوافر لك انت من الوقت ما تمنحينه لزوجك وبيتك وابنائك حتي ولو تطلب الأمر الاستعانة بممرض خاص يعين الجميع علي رعاية الأب المريض‏,‏ والمشكلة في النهاية ليست مستعصية علي الحل اذا توافرت روح التعاون والتضحية والعطاء لدي الجميع‏,‏ بمن فيهم زوجك الذي ينبغي له ان يبدي قدرا اكبر من التفهم لظروفك ومسئوليتك تجاه أبويك في هذه المرحلة من العمر‏,‏ وليتذكر جيدا انك بما تقدمين لابيك وامك من عطاء وماتتحملينه من عناء من أجلهما انما تضربين المثل لابنائه هو في البر بالأب ورعاية حقوقه عليهم وتحمل العناء من أجله‏..‏ فليكن اذن اكثر فضلا ونبلا من ان يحرضك علي قطع صلة الرحم بينك وبين اخوتك حتي ولو تقاعسوا بعض الشئ عن مشاركتك في العبء الذي تشتكين منه‏,‏ فقطع الرحم اثم فادح ولايجوز لزوجك ان يوردك مثل هذا المورد الذي يعرضك لغضب ربك وينقص من أجرك عنده علي برك بأبويك ورعايتك لهما في الكبر والسلام‏.‏

"نحن شعب ينتحر -بمزاجه- إنتحاراً جماعياً ببطء كين

~~~~~

قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "انها ستكون سنون خداعات .. يخون فيها الأمين ويؤتمن فيها الخائن .. ويكذب فيها الصادق .. ويصدق فيها الكاذب .. وينطق فيها الرويبضة .. قالوا وما الرويبضة يا رسول الله ؟ قال : الرجل التافه يتكلم فى أمر العامة

~~~~~

فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا (41) يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا (42){النساء}

رابط هذا التعليق
شارك

41164‏السنة 123-العدد1999اغسطس20‏9 من جمادى الأولى 1420 هــالجمعة

الوصية

أنا سيدة في السادسة والثلاثين من عمري‏..‏ تزوجت قريبا لي وأنجبت منه طفلين‏..‏ وعشت حياتي معه راضية سعيدة‏,‏ وبعد زواجي تعرفت بابنة الجيران المتزوجة في حي آخر وترجع لزيارة أهلها من حين لآخر‏,‏ وجمعت الصداقة بيننا‏,‏ تقاربنا وأصبحت الزوجة صديقة حميمة لي وأصبح زوجها صديقا مقربا لزوجي‏,‏ وتبادلنا الزيارات العائلية وازدادت أواصر الصلة بيننا بعد التحاق زوج صديقتي بنفس العمل الذي يعمل به زوجي‏,‏ فأصبحا يقضيان معا أوقاتا طويلة في العمل وفي البيت عندنا أو عند هذه الأسرة‏,‏ كما أصبح زوج صديقتي يثق في نصائح زوجي ويعمل بها‏,‏ وبعد سنوات قرر زوج صديقتي السفر للعمل بإحدي الدول العربية لتحسين مستواه المعيشي‏,‏ وأوصي زوجي برعاية زوجته وولديه في غيبته‏,‏ وعمل زوجي بالوصية‏,‏ فأصبح يتردد علي بيت صديقه كثيرا ويرعي شئون أولاده ويلبي مطالبهم‏..‏ وبدأت أنا أشعر بالقلق لقيامه بهذه الزيارات وحده دون اصطحابي معه كما تقضي بذلك الأصول‏,‏ وعاتبت صديقتي علي تقبلها لهذا الوضع الذي لا يرضي أحدا ثم ازداد قلقي حين لاحظت علي زوجي أن حياته قد انقلبت رأسا علي عقب وأنه قد أصبح إنسانا آخر معي علي الرغم من أنني لا أقصر معه في واجباتي الزوجية‏..‏ وسكن الشك في أعماقي‏..‏ وتضاعف كثيرا حين أدركت بعد فوات الأوان أن زوجي وهذه الصديقة كانا قبل زواجها متحابين ولم يكتب لهما التوفيق في الزواج فتزوجت من الآخر وتزوج هو بعد سنوات أخري مني‏.‏ وواجهته بما علمت وبما يفعل فأنكر كل شيء‏,‏ وحاول إقناعي بأنه لا يفعل إلا ما أوصاه به صديقه من رعاية أسرته في غيابه‏..‏

ولم يسترح قلبي لما يقول وطالبته بالانقطاع عن زيارة هذه السيدة وأن يدع أمر رعاية شئونها لأهلها‏.‏ كما ساءت علاقتي بها وتوقفت عن زيارتها واستقبالها في بيتي‏.‏ وأصبحت أعد الأيام والساعات علي عودة زوجها من الخارج واستقراره مع أسرته‏,‏ لكي أنقذ أسرتي من الضياع‏,‏ وتحققت الأمنية بالفعل وعاد الزوج من الخارج عودة نهائية‏,‏ لكنه لم يكد يستقر في بيته وأسرته عدة أيام‏,‏ حتي فوجيء بزوجته تطلب منه الطلاق وتتمسك به بإصرار‏,‏ وحاول الرجل مرارا أن يعرف سببا لذلك دون جدوي‏,‏ ولجأ إلي صديقه المخلص فإذا به ينصحه بأن يطلقها ما دامت هذه هي رغبتها‏,‏ واقتنع الرجل برأي صديقه وطلق زوجته وفوجيء أهلها الذين يقيمون في الجوار بعودة ابنتهم إليهم مطلقة بلا أسباب واضحة‏..‏

وأصبحت الصديقة الحميمة أمام زوجي ليل نهار في مسكن الجيران‏,‏ وما أن انتهت عدتها حتي تزوجت من زوجي سرا‏,‏ ووقعت قسيمة زواجهما في يدي بالصدفة البحتة ووجدت عنواني فيها مخالفا للحقيقة لكيلا يتم إعلاني بهذا الزواج‏..‏

والآن يا سيدي فلقد تزوجت صديقتي الحميمة بصديق زوجها المخلص بمال الزوج الذي جمعه بالشقاء في غربته‏,‏ ورضيت أنا بأقداري من أجل أبنائي‏..‏ ولو كنت استطيع شيئا آخر لفعلته لكن مصلحة أبنائي فوق كرامتي وفوق كل شيء‏,‏ ولقد أهملنا زوجي وأصبح مقصرا معي ومع أبنائي‏,‏ ولست أكتب إليك لكي تناشده أن يطلق هذه السيدة ويرجع إلي أبنائه لأنه لن يفعل ذلك للأسف‏,‏ وإنما لكي تناشده العدل معي ومع أبنائي‏,‏ وأيضا لكي تحذر الزوجات والأزواج ممن يرتدون مسوح الاصدقاء وهم ليسوا كذلك‏!‏

:ولكاتبة هذه الرسالة أقول‏

لو أننا اهتدينا بهدي ديننا وعملنا في حياتنا الخاصة بأحكامه ونواهيه لخلت الحياة من كثير من الآثام والشرور‏,‏ ومن ذلك علي سبيل المثال أن هذه الوصية التي أوصي بها زوج الصديقة السابق زوجك‏,‏ وصية باطلة من الأصل ومخالفة لأحكام الدين‏,‏ ولهذا فقد فتحت الباب علي مصراعيه للخيانة والغدر بالزوج الغائب‏,‏ إذ ما معني أن يوصي زوج رشيد رجلا أجنبيا عن زوجته بأن يرعاها في غيابه مهما كانت درجة صداقته به وثقته فيه‏,‏ وللزوجة أهل يستطيعون رعايتها وأطفالها في غياب زوجها‏,‏ ويمكنهم إذا رغبوا في المساعدة أن يلجأوا لمثل هذا الصديق لإعانتهم علي ما يستعصي عليهم من أمور‏,‏ وما معني أن يستبيح هذا الصديق المخلص التردد مرارا وتكرارا علي زوجة رجل آخر في غيبة زوجها بغير أن يصطحب معه زوجته في كل زيارة أو يكلفها دونه بالقيام بما يريد القيام به تجاه زوجة صديقه؟ ثم ماذا كان ينتظر ذلك الزوج السابق من زوجته وصديقه وقد مهد لهما الأرض بغفلته وثقته غير المبررة في هذا الصديق لإحياء الحب القديم‏,‏ والتخطيط لاستكمال القصة الناقصة ولماذا لم تنتبهي انت يا سيدتي من البداية إلي أن لهذه الصداقة العائلية خلفيات قديمة قد تنذر بتجدد الحب بين زوجك وصديقتك في أية لحظة‏,‏ فتعضي لهذه الصداقة حدودا لا تتجاوزها أو تبتريها من الأصل وقد بدا واضحا منذ البداية أن وراءها ما وراءها من نذر وغيوم‏.‏

لقد كان الحكيم الإغريقي إيسوب يقول‏:‏ فكر قبل أن تثق‏!‏

ونحن نثق في بعض الأحيان قبل أن نفكر ونتدبر ونمتحن جدارة الآخرين بثقتنا فيهم‏.‏

ولقد خان زوجك ثقة زوج الصديقة وثقتك فيه وخانت تلك الزوجة ثقة زوجها وثقتك أنت كذلك فيها‏,‏ ومن المؤسف حقا أن يدفع أربعة أطفال فضلا عنك وعن زوج الصديقة السابق ثمن رغبة عاشقين في استكمال قصتهما علي حساب سعادة غيرهم وأمانهم واستقرارهم‏.‏

فليهنأ كل خائن بما فعل‏..,‏ وليوطن نفسه من الآن علي أن يدفع ضريبته العادلة ذات يوم قريب أو بعيد‏,‏ لأن الحياة ديون لا مفر لأحد من سدادها‏.‏ وكما ظلمنا نحن الآخرين فلسوف يظلمنا ذات يوم من لا قبل لنا بهم‏..‏ فيكون ظلمهم لنا قصاص السماء منا‏.‏

أما زوجك الذي لا يعدل بينك وبين غرامه القديم ويقصر في حقوق أبنائه فليس عندي ما أقوله عنه سوي أن من يفعل بصديقه الحميم مافعل‏,‏ لايتوقع منه أن تؤثر فيه كلماتي أو تعيده إلي جادة‏,‏ العدل والانصاف‏,‏ فاستعيني عليه بأهله وأهلك واحتمي بابنائك والتمسي فيهم العزاء والسلوي عما تعرضت له مادمت عاجزة عن أي خيار آخر‏,‏ وليفعل الله بك وبأبنائك مافيه خيركم جميعا ان شاء الله والسلام

"نحن شعب ينتحر -بمزاجه- إنتحاراً جماعياً ببطء كين

~~~~~

قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "انها ستكون سنون خداعات .. يخون فيها الأمين ويؤتمن فيها الخائن .. ويكذب فيها الصادق .. ويصدق فيها الكاذب .. وينطق فيها الرويبضة .. قالوا وما الرويبضة يا رسول الله ؟ قال : الرجل التافه يتكلم فى أمر العامة

~~~~~

فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا (41) يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا (42){النساء}

رابط هذا التعليق
شارك

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة

×
×
  • أضف...