(4) الميدان

[سيناترا]

(4) الميدان

سألته .. فقال :

سيكون صعباً على أي شخص أن يصف ما حدث، إلا أنا ... فأنا كنت هنا أشاهد من موقعي بينما كانوا جميعا – هناك – يتزاحمون ويتشابكون ، لا يدرى أحد منهم بما يدعو للآخرين .

أعددت نفسي جيدا لتلك اللحظة ، ظللت أعواماً طويلة جالساً هكذا أراقب من نافذتي كل ما يحدث ، فأنا من شباك صغير كهذا – أستطيع رؤية كل شيء ، أشاهد ميلاد ضوء الشمس وموته وأرصد تفاصيل حياته بين هاتين اللحظتين أشاهد الميدان وهو يبتلع زحام الشوارع التي تلفظ ناسها فيه .

.. سيرة حياة المدينة مكتوبة على وجوه الناس ، خطوهم ، كلامهم ، ملابسهم ، زجاج سياراتهم ، سجائرهم ، كل شيء تراه عاديا أراه أنا غير ذلك ، أعواما طويلة تدربت خلالها على قراءة الميدان ... فأنت تستطيع أن تدرك من حركة الناس فيه أمورا كثيرة ، أو دعنى أقول أنني أستطيع إدراكها .. وليس أنت بالطبع .

قال :

إذا أنصت قليلا ستسمع صوت البحر الهامس يناجي مدينتي وينادي علي ... هذا البحر حملهم إلينا رافعين رايات حلفائنا ن وعندما خرجنا لملاقاتهم فرحين بقدومهم ، دهسونا بعرباتهم وأمطرونا برصاصهم ، على أرض الميدان قتل أهلنا وأصدقاؤنا ن لذلك فإننا عند انسحابهم ملأنا الميدان رقصا وغناء ن كأنما نرثى شهدائنا ونتقبل فيهم العزاء .

هو نفس الميدان الذي يملأ نافذتي الآن فلا أرى سواه ، وهو نفس البحر ، أستمع لصوت موجه يأتيني بالخبر اليقين ، فأهل مدينتي يبوحون بهمومهم للبحر، ويطيرون أحلامهم للسماء .

قال :

صدقني .. أنا لا أكره مدينتي ، لكنني لا أحب هؤلاء الرجال الذين يجلسون خلف مكاتبهم يصدرون الأوامر دون أن يستمعوا إلينا،هم يظنون أن ما يفعلونه صواب ، لكننا أبناء هذه الأرض نعرف خيرها وصلاحها ... ونعرف أيضا ما يضرها .

بعد انتهاء ما بدأ ، جعلوا مدينتنا متجراً كبيراً وقالوا فليسترح المقاتلون ، لكننا - صدقني - عندما عاد أهلنا لم يهمهم سوى أن يطمئنوا على مساكنهم وشوارعهم ، وأن يجلسوا على مقاهيهم متفاخرين بنصر أبنائهم وعودتهم ، لم يتاجر غير من أتى طمعا في الربح ، فربح واغتنى واحتلنا ورسم على وجه المدينة قناعا زائفاً قبيحاً ، لم تفلح مساحيق التجميل الرخيصة في إخفائه .. وعندما أفاق أهل مدينتي كان كل شيء قد ذهب .. وقالوا : لقد سرقتم كل شيء ..

قال :

أعوام عديدة مرت ، ومدينتي لا يكف أهلها عن التزاحم في الشوارع والطرقات والأسواق زحاما ميتا ، أحاول قراءة أحوالهم، وأتفرس في همومهم فأرى ما لا يراه الآخرون . كنت منتظرا لهذا اليوم الذي يفيقون فيه ، ومشتاقا لسماع صوتهم الذي يهز الميدان ويرج الأرض رجاً ... وقد كان، لقد شاهدت من هنا كل ما جرى .

قال :

ابنتي الوحيدة خرجت معهم بالأمس ، لم أعطها سوى ذكريات قليلة عن ساق مبتورة وأغنية من أغاني الحرب ودمعة تسيل من قلبي حزنا وخوفا عليها ، فأنا فقدت – تقريبا - كل شيء ، وقلبي الموجوع ليس بقادر على أن يجرب الفقد من جديد .

[shahd]

قوي هو اسلوبك .. متمكن في طرح افكارك.....

تحيه تقدير واعجاب لكاتب متألق

تم تعديل 16 ديسمبر 2007 بواسطة شهد