اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

من العيادة النفسية


الليثي

Recommended Posts

ما رأيكم أن نبدأ معا في سلسلة من الحلقات أسميتها "من العيادة النفسية " أطلعكم فيها على بعض وأهم الحالات النفسية التي كنت أعاينها في مشفاي الذي كنت أعمل فيه في أرض الكنانة مصر .. وهذه الحلقات من شأنها عزيزي القارئ عزيزتي القارئة أن تطلعك على ما يدور في عيادات الأمراض النفسية التي يكتنفها الغموض أحيانا عند كثير من الناس , كما تعم الفائدة بالتعرف وبطريقة عملية وشيقة على أعراض الأمراض النفسية وكيف يأتي المريض بشكواه أو حتى أهله وما الخلفية الإنسانية والاجتماعية لهذه الشكوى , وفي نفس الوقت أسترجع ذكريات جميلة لعمل كنت أستمتع بكل دقيقة فيه ..فمن دون تحيز إذا كان الطب هو أسمى المهن فإن الطب النفسي هو أسماها على الإطلاق ولا أجد تحيزا فيما نسب للإمام الشافعي من قول : ما رأيت بعد الحلال والحرام أنبل من الطب .

ما هي قصة اليوم ؟, إنها قصة امرأة في الخامسة والعشرين من عمرها متزوجة ولها ثلاثة أولاد بنتان وولد من أسرة متوسطة الحال وعلى قدر كبير من الجمال لدرجة أن زوجها تزوجها من أول نظرة عندما كانت في طريقها لمنزلها , إذا فالود والحب بين الزوجين موجود من البداية والزوج ميسور الحال فلا مشاكل مادية , إذا أين المشكلة ؟؟ المشكلة كانت في حماتها المسيطرة المستبدة والتي أعدت لها حقيبة ملابسها لتكون أمام أعين هذه المسكينة طوال فترة الحمل الثالث وكانت تهددها إذا أنجبت البنت الثالثة ستحمل هذه الحقيبة وتتوجه إلى بيت أهلها فورا ّ!!! فالمولود الثالث يجب أن يكون ولدا ولا شيء غيره!!!إنه فرمان لا يمكن الرجوع عنه .. لا حول ولا قوة إلا بالله ...

هل تتخيل عزيزي القارئ مدى الضغط النفسي الذي تحملته هذه السيدة طيلة التسعة أشهر إنه ضغط نفسي رهيب لا يتحمله بشر ولكن ماذا حدث بعد ذلك ؟ّ؟ . أنجبت هذه السيدة طفلها الثالث ولأن الله عز وجل رحيم بعباده فكان الولد الذي تمنته حماتها وكانت الفرحة العارمة, وتم تفريغ الحقيبة المشؤومة و إعادة الملابس إلى مكانها .. ولكن لم تعد الحالة النفسية لهذه السيدة إلى ما كانت عليه!! فماذا حدث ؟؟

لقد أصيبت هذه السيدة بما يعرف في الطب النفسي بذهان ما بعد الولادة ويا له من مرض !!.. الأعراض بدأت بعد أسبوع تقريبا من الولادة ..قلق , توتر , قلة نوم , خوف من المولود الجديد , ضلالات واعتقادات خاطئة تجاه المحيطين بها , احساس وهمي بأنهم يريدون التخلص منها. أسباب هذا المرض غير معروفة بدقه ومنها :إما خلل هرموني مفاجئ يحدث بعد الولادة أوضغوط نفسية شديدة أثناء الحمل .. أهمل المحيطون بها هذه الأعراض واعتقدوا أنها إرهاق من الولادة .. فماذا حدث ..ذهب الزوج إلى عمله وبينما هي جالسة في بيتها مع وليدها والبنتين .بدأت الحالة تتدهور بدأت تنظر لوليدها نظرات غريبة , تقترب منه بشدة , تضع يديها حول رقبته , الفكرة مسيطرة عليها , بدأت في خنقه , أحكمت قبضتها حول عنقه , الولد يتحول لون جسمه إلى اللون الأزرق , صرخاتها تتعالى , وبناتها كذلك .. يأتي الزوج صدفة .. تصعد حماتها إليها على صوتها العالي.. الجميع في صدمة مما يحدث..الجميع يحاولون تخليص الولد من يديها .. الجميع يفشلون بعد أن حاولوا كثيرا... ما الحل ؟..

الزوج يحضر مقصاً ليقص ملابس الولد حتى يستطيع أن ينقذه وبالفعل نجح وبأعجوبة في إنقاذه ..على الفور تم وضعها في السيارة عنوة وأحضروها لي ليلا حوالي الساعة الحادية عشر مساء واستمعت إل التفاصيل السابقة من الأهل .. بعد إلمامي بالتفاصيل أيقنت أنني أمام تحد من نوع جديد .. وهو أنه إذا لم أنجح في علاج هذه السيدة في أقصر وقت ممكن مستعينا بتوفيق الله .. فسيكون ذلك ذريعة لهذه الحماة المستبدة التي سوف تشجع ابنها ضعيف الشخصية على الزواج من أخرى وتطليق هذه " المجنونة " فهي تخشى على حفيدها منها .. فاستعنت بالله وتوكلت عليه وبدأت رحلة العلاج المكثف والذي شمل العلاج الدوائي والعلاج الكهربائي ويجب هنا أن أشير إلى أن العلاج الكهربائي لعب دوراً مهما جدا في تسريع الشفاء بإذن الله حيث يأخذ العلاج الدوائي وقتاً أطول .. وبالفعل شفيت تماماً خلال سبعة عشر يوما وهو وقت قياسي بالنسبة لأمراضنا وعادت إلى طبيعتها وأجهشت في البكاء ولم تتذكر شيئا مما حدث .. وتم الجلوس مع حماتها وتبديد مخاوفها من معاودة المرض لزوجة ابنها وكذلك تم الجلوس مع زوجها وإرشاده كيف يتعامل معها وضرورة تحجيم تدخل والدته في شؤونهما الخاصة ..كانت النهاية سعيدة وحمدت الله على أدائي لواجبي بنجاح وتوفيقه لي . أرجو أن نكون قد أخذنا فكرة عن مرض ذهان ما بعد الولادة ..شكرا لمتابعتكم والحلقة القادمة مع تلك الزوجة الموسوسة والتي أدى مرضها النفسي هذا لتهديد زوحها لها بالطلاق ... أراكم قريبا .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

د. عادل الليثي

من السعودية

رابط هذا التعليق
شارك

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة
  • الموضوعات المشابهه

    • 0
      مازلنا فى رحلة البحث عن النسخة الأفضل بداخلنا لا شك أن كل منا يحمل نسخته بداخله ولكن ربما تكون نسخ البعض ليسعرض الصفحة
    • 0
      أنا محظوظة بما يكفى ليأتى يوم على يختصنى الله فيه بشرف مسؤولية عظيمة وهى نعمة الاستماع من القلب وبالقلب.. الاعرض الصفحة
    • 0
      أعلن أول الأسبوع الجارى عن تدشين مؤسسة فاهم للدعم النفسى ووقعت المؤسسة بروتوكول تعاون مع الأمانة العامة لعرض الصفحة
    • 0
      المشترك فى انتحار مراهق غياب دعم المحيطين خصوصا الأهل ربما تكون الحياة مفتوحة على اتساعها أمام كل منتحر إذاعرض الصفحة
    • 23
      لا أحد ينكر مزايا شبكة المعلومات الدولية "الانترنت" فى سهولة البحث عن المعلومات و التواصل بين أشخاص يعيشون فى بلدان بعيدة. فمثلا نحن هنا فى محاورات المصريين قد كونا علاقات صداقة و ودد قوية بين الأعضاء و بعض... ومنهم من أصبحت صداقتهم حميمة... ثم أدى الأمر أننا خرجنامن وراء الشاشات للقاءات على أرض الواقع. ولكن للإنترنت مساوئ عديدة (غير فاتورة التليفون)... منها أنها تؤدى إلى نوع من الإدمان لاستخدامها... فنجد الشخص يهمل كل شئون حياته ويتفرغ للاتصال بالشبكة.. ويقال أن هذا النوع من الإدمان يؤدى غال
×
×
  • أضف...