اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

قصة اللقاء الأول بين المناضل فتحي رضوان والرئيس محمد نجيب


محمد عبده العباسي

Recommended Posts

قصة اللقاء ببن المناضل فتحي رضوان والرئيس محمد نجيب ..

=-=-=-=

يعد فتحي رضوان من الشخصيات الهامة التي أخلصت لهذا الوطن ، وامتد عطاؤها علي مدي نصف قرن من الزمان مؤثراً في الحياة الثقافية المصرية ..

فتحي رضوان شخصية سياسية وخصبة أثرت الكثير من جوانب حياتنا الثقافية ، فهو فنان أديب وكاتب مسرحي ، ومحلل تاريخي ورجل سياسة ومجاهد في سبيل الحق والخير والجمال ..

ولد في الرابع عشر من مايو 1911م كما يدل علي ذلك شاهد قبره الموجود بالقلعة بمدينة القاهرة العظيمة ، حيث يرقد في ثراها جنباً إلي جنب مع رجالات أحبهم وأحبوه من أمثال الزعيم الشاب مصطفي كامل وخليفته في قيادة الحزب الوطني القديم الزعيم محمد فريد والمؤرخ الكبير عبد الرحمن الرافعي ..

توفي فتحي رضوان يوم الثاني من أكتوبر 1988م ، بعد حياة حافلة بالنضال والمقاومة من أجل إرساء مبادئ آمن بها وقيماً حافظ عليها .

تميز فتحي رضوان بنشاط ودأب وحيوية مفعمة بعشق الوطن طوال رحلة حياته سواء قي العمل السياسي أو من خلال كتابته فهو صاحب أسلوب شيق سلس متدفق بفضل ماحباه الله به من موهبة ومايمتلك من عطاء كبير إضافة إلي ثقافة موسوعية وذهن متقد حاضر وقدرة علي إبداء الرأي وسط الأنواء المضطربة ، فكلما فكر المرء في قراءة ما خطه يراعه وجد صاحبه يقف شامخاً قوياً يهدر صوته بقوة فهو محام وهبه الله ملكة الخطابة فهو عاشق لمهنته وقف كثيراً في خندق الناس يترافع عنهم ، وكما يحكي عنه من أقتربوا منه متحدث لبق يتسم بحلاوة الحديث وطلاوة الود وصاحب حضور آخاذ مغلف بروح وجاذبية الفنان وعبق الفكاهة ..

ففتحي رضوان أحد أصحاب الأفكار النيرة التي تواكب الأحداث ، قدم الكثير من الإقتراحات البناءة والتي بذل قصاري جهده من أجل خروجها إلي حيز التنفيذ ، فهو صاحب اقتراح إنشاء وزارة حملت اسم وزارة الثقافة والإرشاد القومي وحمل الرجل علي عاتقه مهمة الإضطلاع بمهامها ..

وقد أصدرت دار الهلال المصرية كتاباً ثرياً بعنوان " فتحي رضوان .. نصف قرن بين السياسة والأدب " ـ ديسمبر 1998م ـ حمل العديد من مقالاته مشاركة منها مع المجلس الأعلي للثقافة في مصر بمناسبة ذكري مرور عشر سنوات علي رحيل فتحي رضوان يوم الثاني من أكتوبر1988.

يقول فتحي رضوان في مقال له نشرته مجلة المصور في 20/ 7/ 1951م تحت عنوان " أنا " ، قال فيه :

ـ لندع التواضع جانباً لتعرف كم "أنا " حطير!!

فأنا " عينة " للمصري العربي الفرعوني .

وللمسلم المتجدد المحافظ ، وللشرقي الغربي ، الأسيوي الأفريقي .

وللوطني المسالم المؤمن بـ" الغاندية " و" المقاومة السلبية".

وللوطني الثائر المعجب بالطريقة الأيرلندية والمقاومة " الإيجابية".

وللمحامي " المتهم" ودارس القوانين الذي لا يرضي عن أكثر القوانين.

ولليساري الذي يبلغ انحرافه في رأي السفارة البريطانيةإلي حد " اللينيينة الستالينية ".

ولليميني الذي تبلغ معه الرجعية إلي حد الجمود ومناصرة

" الرأسمالية ".

أنا المصري الذي أعيا " لغزه" الدارسين والباحثين ، و" الطلسم" الذي أعجز أهل اليسار وأهل اليمين .

أنا المسلم الذي يلبس من أوربا وكأوربا ويقرأ الأوربيين وكالأوربيين ، والذي أراد الزمان أن يقطع صلته الروحية بأعلام المسلمين وبتراثهم الثمين.

أنا وارث العباقرة والفحول ، وأنا " المستقبل المجهول" فهل عرفت من أنا؟

***

صفحة مدهشة وثرية بالمكونات التي تتضمنها شخصية عملاقة واثقة ، صفحة هامة أعيت الباحثين عن مفتاحها وحل لغزها وطلاسمها ..

ولكن دعونا الآن نقرأ مقاله ( محمد نجيب .. الرجل الذي تحالفت عليه فضائله وعيوبه ـ الهلال : نوفمبر 1984م).

يقول فتحي رضوان أنه قد لفت نظره وقت أن كان طالباً يدرس بكلية الحقوق ضابط بزيه العسكري دائماً ما يأتي إلي مبني الكلية في الأمسيات كثيراً وقلما أتاها في الصباح الباكر يحمل تحت إبطه عدداً من الكتب ويسير وحيداً صامتاً لا يحدث أحداً علي وجهه علامات وجوم وانقباض لا أحد يعرف سرهما.

***

وتوالت السنون تلو السنين ـ يقول فتحي رضوان ـ ولا أعرف من يكون هذا الضابط ؟ وماسر تردده علي الكلية ؟ ولم يخطر علي بالي أقرب تفسير لهذه الزيارات المتعددة من هذا الضابط الوحيد الصامت ، وهو كونه طالباً بالكلية يطلب العلم فيها ، يسعي للحصول علي إجازة من إجازاتها ولكن قلة عدد كبار السن الذين يطلبون العلم بعد أن تقدم بهم العمر ، ولو كان العلم الذي يطلبونه ، عن سبيل الدراسات العليا ، هذه القلة التي صرفت ذهني عن تصور أن هذا الطالب كان واحداً من طالبي العلم ، توطئة للحصول علي الدكتوراه .

***

ودارت الأيام وتخرج فتحي رضوان في كلية الحقوق وعمل بالمحاماة وحدث أن وكلت له أمر الدفاع في قضية عسكرية فكان من الضروري عليه كمحامٍ أن يتابع التحقيق فيها عن كثب ، ومن هنا حدث اللقاء الأول بين المحامي فتحي رضوان وبين اللواء محمد نجيب قائد سلاح الحدود الذي ينتمي إليه الضابط الذي وكله للدفاع عنه ، ويصف فتحي رضوان قصة هذا اللقاء :

" وهناك في مكتب القائد رأيت هذا الضابط الذي رأيته في ساحة كلية الحقوق ، وتأملت وجهه الذي كنت ألمحه من بُعد فرأيته وجهاً مريحاً ، تفيض قسماته بالطيبة ".

كما يورد فتحي رضوان قصة تعرفه أول مرة بالضابط " أحمد لطفي واكد" أحد زعماء حزب التجمع المصري ـ بعدئذ ـ والذي كان أركان حرب هذا القائد وكان ضابطاً شاباً وعرف منه الكثير عن هذا القائد الذي حصل علي أكثر من دبلوم من دبلومات الدراسة القانونية العليا التي تؤهله لنيل درجة الدكتوراه ..

كانت القضية التي تولاها فتحي رضوان تبلغ من الطرافة أن موكله ـ وكان طياراً مدنياً ـ اتهم مع طاقم من زملائه بإدخال كمية من المخدرات إلي البلاد وكانوا ضباطاً ، وقام مكتب مكافحة المخدرات بدس أحد مخبريه علي موكله ليعمل خادماً في بيته لينقل الحقائق ويكون قريباً منها ، وسعدت ربة البيت بالخادم النشيط والقوي البنية فأرهقته بالكثير من المهام حتي ناء بها كاهله بما لم يكن في الحسبان ..

وبعد أن قامت ثورة يوليو 1952 كان اللقاء الثاني بين الرجلين وعلي مقربة من مكتب رئيس الوزراء المدني علي ماهر باشا في الأيام الأولي للثورة ، وكان محمد نجيب كما يصفه فتحي رضوان في أعلي حالاته المعنوية كقائد للثورة وإن كان مشتت البال ، ولم تمض أيام قلائل حتي حاكت الأقدار خيوطها ليكون فتحي رضوان أقرب الناس إلي محمد نجيب حيث كان الوزير المدني الوحيد الذي شارك في مداولات تأليف أول وزارة تؤلفها قيادة الثورة وشغل منصب وزير الثقافة والإرشاد القومي ، وكان مقرعمله في نفس المبني الذي يوجد فيه مكتب الرئيس محمد نجيب بمبني رئاسة الوزراء في قصر الأميرة شويكار ..

وكثيراً ماكانت تدور بينهما محادثات تليفونية وكانت تتم دوت أي وسيط بمجرد أن يرفع فتحي رضوان سماعة التليفون .

ومضت الأحداث تتري ، أصبح محمد نجيب وجهاً مألوفاً لدي كل الجماهير المصرية علي امتداد أرض الوطن ويصفه فتحي رضوان بقوله :

" كان محمد نجيب أميناً ونزيهاً إلي أقصي الحدود ، وكان شجاعاً لا يخاف شيئاً ولا شخصاً ، وكان آخر الأمر جذاباً يحصل علي حب الجموع والأفراد بغير قصد منه ولا سعي ، هبة من الله ، الذي يهب بعض الناس وجوهاً جذابة ويهب الآخرين اصواتاً جميلة ، ويهب فريقاً ثالثاً ما لا يعد ولا يحصي ".

***

كان الرئيس محمد نجيب في أوائل أيام الثورة يسكن في منزل متواضع بحي الزيتون بالقاهرة ، وكان رجلاً شديد التقشف والزهد ، وإلي جانب ذلك تشهد حياته العسكرية عن مدي صلابته في المعارك التي خاضها وقدرته علي التصدي للمخاطر حتي أنه أصيب ذات مرة في مقتل في إحدي هذه المعارك ..

كما تتجلي شجاعته في مخاطرة قبوله لقيادة ثورة يوليو وقت قيامها خاصة وأن الضباط الأحرار كانوا جميعاً مجهولون من قبل الشعب المصري وكانوا في الوقت ذاته صغاراً في السن .

وبعد قيام الثورة ألهب اسم محمد نجيب حماس الجماهير وراح يتردد علي ألسنة جميع أهل مصر وتستقبله الجماهير بالترحاب وتحتشد علي الطرقات التي يمر بها موكبه بطول البلاد وعرضها هياماً بشخصه وتعلقاً جارفاً بزعامته وقيادته .

وسرعان ماجاءت الرياح بمالا تشتهي السفن ، فدب الخلاف بين جمال عبد الناصر مدبر الثورة الذي كان يتمتع بجماهيرية كبيرة وبمكانة ذات مغزي بين زملائه من الضباط الشباب ومحمد نجيب وقتها الذي كان شيخاً كبيراً ، فانعدم التجانس بين الفريقين وبان التباين بينهما ، ولعل من قبيل المفارقات العجيبة التي ذكرها فتحي رضوان في مقاله أن محادثة تليفونية جرت بين محمد نجيب بعد إقالته وبين الزعيم الوفدي الكبير مصطفي النحاس اعترف فيها الأول بقوله :

ـ أنا المذنب ..

***

وهكذا انتهت مبكراً مسيرة القائد الذي رأي بنظره الثاقب أن مجرد التفكير فب اتخاذ موقف معادي للثورة قد يضع البلاد علي حافة الهاوية ، فانسحب في هدوء ومن حوله انسحبت الأضواء ، ولكن محمد نجيب ظل حبه في وجدان وقلوب المصريين يذكرونه بكل نبل ومروءة ، وفي نفس الوقت وطدت الثورة أركانها وعلا نجم جمال عبد الناصر، ولكن لم تمر سوي سنوات قليلة حتي حيكت المؤامرات ضد الثورة لتجهض تجربتها فواجهت مسيرتها أعتي الظروف بفضل مازرعه الغرب من مكائد ومصائب حالت دون اتمام الحلم الذي قامت من أجله..

ـــــــــــــــــــــــــ

محمد عبده العباسي

بورسعيد

مصر

رابط هذا التعليق
شارك

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة
×
×
  • أضف...