اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

نوم الظهيرة‏..!‏


moody00x

Recommended Posts

نهر الحياة - ‏**‏ صور من حياتهم‏**‏

نوم الظهيرة‏..!‏

بقلم : عبد الوهاب مطاوع

تزوجته وهي طالبة بالثانوية العامة عمرها‏17‏ سنة‏.‏ أصرت علي رفضه‏,‏ لكن أباها صمم علي أن يزوجها له‏..‏ ناقشها في أمره بمنطق بعض الأباء الذي لايقيم للمشاعر العاطفية وزنا كبيرا‏.‏ قال لها ماذا يعيبه؟‏..‏ مهندس وشاب والمستقبل مفتوح أمامه‏..‏ ولم تنجح حججها لرفضه في إقناعه‏..‏ ثقيل الظل؟ وهل تريدين أن تتزوجي ممثلا كوميديا؟ لايهتم بمظهره؟ وهل هو عارض أزياء‏..‏ هكذا يكون مظهر الناس الجادين‏..‏ تريدين استكمال دراستك الجامعية؟ وماذا يمنع استكمالها وانت زوجة وأم؟ لايتحدث عن الحب ولاينشدك كلمات الغزل؟ وهل هو مطرب عاطفي؟ لم تحبيه ولم تتقبليه نفسيا؟ سيحدث كل ذلك بعد الزواج فلا تتعجلي الأمور‏.‏

وهكذا ضاقت الحلقة حولها وسلمت لإرادة أبيها وتزوجته وبدأت معه حياتها الجديدة‏.‏

وفي العام الأول من زواجهما ترسخ نفورها منه واستقر في زوايا قلبها‏.‏ وساهم في إحكام غلق أبوابه دونه مالمسته من بخله المخجل معها ومع الجميع‏.‏ وجمود مشاعره وافتقاده لأية لمسة عاطفية أو شاعرية‏.‏ وبعد سنوات قليلة التحقت خلالها بالجامعة كانت المشاعر قد تحجرت تماما واصبح طعم الحياة كئيبا ومملا‏.‏

في الصباح يخرج الي عمله وتخرج هي الي كليتها‏,‏ يلتقيان في المسكن الخالي في الظهيرة يتناولان طعام الغداء بلا كلمة واحدة في معظم الاحيان‏..‏ يغادر المائدة الي غرفة النوم‏..‏ يدخل الفراش يسحب الغطاء فوقه‏..‏ يروح في نوم عميق لمدة ساعتين لو انفجرت خلالهما بجواره قنبلة لما احس بها‏.‏

يستيقظ في أول المساء‏..‏ يرتدي ملابسه ويخرج ليلتقي باصدقائه ويعود آخر الليل طالبا العشاء ثم يخلد الي النوم العميق حتي الصباح‏.‏

يوما بعد يوم‏..‏ وشهرا بعد شهر بلا تغيير‏..‏ ولا محاولة لتجديد الحياة أو خلق المشاعر‏.‏ أو نسج خيوط مشتركة من الاهتمامات‏.‏ ورزقت بطفل وأملت في أن يقرب الوافد الجديد بينهما فلم تشهد حياتهما أي تغيير‏..‏ فكرت في حل آخر لحياتهما‏,‏ دخلت عليه غرفة النوم بعد الغداء وعرضت عليه ان تنقطع عن الدراسة وتتفرغ له ولطفله مقابل أن يعطيها ما تفتقده من حب وحنان واهتمام‏,‏ وان يخرج معها مرة او مرتين كل اسبوع واضعا يدها في يده‏..‏ وان يصحبها مرة كل شهر الي السينما او المسرح‏..‏ ان يسافر معها مرة كل ستة شهور‏,‏وإلي أي مكان لمدة ايام‏..‏ أن يقول لها في الصباح‏:‏ صباح الخير ياحبيبتي وفي المساء تصبحي علي خير ياروحي‏.‏

أن يمضي فترة الظهيرة معها يتحدثان عن شئون الحياة‏..‏ أن يمضي معها بعض الامسيات او يعود لها مرة كل فترة بهدية صغيرة تشعرها بحبه لها واهتمامه بأمرها‏.‏

وكان يستمع اليها وهو يغالب ثقل النوم الذي يتسلل اليه بتأثير العادة والوجبة الدسمة‏,‏ فقال لها بصوت بطئ‏:‏ هذا كلام أفلام‏.‏

ثم سحب الغطاء‏..‏ وارتفع شخيره بعد لحظات عازفا انغام الخيبة والإحباط‏.‏

وتخرجت في كليتها وانجبت طفلة أخري لم تضف الي علاقتهما معا أي جديد‏..‏ وازداد جفاف المشاعر بينهما‏..‏ وتعدي حدود السلبية إلي حدود الإيذاء‏.‏ إذا حاولت مداعبته نهرها‏,‏ واذا وضعت بعض خطوط الماكياج في البيت لتشعر بأنوثتها معه سخر منها‏,‏ واذا حاولت تجميل علاقتها الخاصة معه التي تحولت بحكم الملل والعادة الي طعام حيواني يسد رمق الجائع حين يفترسه الجوع‏..‏ هزأ بمحاولاتها‏.‏ وأرادت ذات مرة ان تستقبل عودته بعشاء شاعري علي ضوء الشموع‏,‏ فتساءل بغباء‏:‏ هل انقطعت الكهرباء؟

وسلمت باليأس والاحباط وطالبته بأن يسمح لها بالعمل‏.‏ ووافق بشرط ان تسلمه مرتبها كل شهر‏.‏ وقبلت بكل ترحيب فهي لم ترد العمل إلا لرغبتها في تجديد حياتها بعد ان افترسها الملل‏..‏ وعملت بإحدي الشركات وألحقت طفليها بمدرسة للحضانة واقبلت علي عملها الجديد بحماس‏,‏ وتفانت في خدمة مديرها الذي عملت سكرتيرة له‏,‏ واكتسبت ثقته الكاملة وكان مديرا ناجحا ومهذبا مع الجميع‏.‏

وشهرا بعد شهر بدأت تحس بدبيب الحياة يتحرك في روحها الخامدة‏.‏

وبدأ ميل جارف يجتذبها الي شخص مديرها‏..‏ ثم اصبح فارس خيالها المحروم‏,‏ تفكر فيه وهي ترقب زوجها النائم في فراشه بعد الغداء وتتمني لو كان زوجها مثله‏,‏ أو لو كانت قد تزوجته‏,‏ وترافقها صورته في أفكارها طوال ساعات المساء التي يغيب فيها زوجها في سهراته المقدسة مع الاصدقاء‏..‏ ويصاحبها في نومها الي جواره في الليل وهي تسمع عزف شخيره المزعج‏,‏ وتسأل نفسها تري هل يعزف الملائكة من أمثال مديرها مثل هذا العزف المنفر؟

وادركت عمق الهاوية التي تقترب منها‏,‏ فقررت ان تنقذ نفسها قبل فوات الآوان‏,‏ وطالبت زوجها ذات يوم بأن يتخلي هذه المرة عن عادته في النوم بعد الغداء وان يستمع اليها‏..‏ ونظر اليها بضيق وهو يتحرك الي غرفة النوم‏..‏ ولاحقته حتي جلس في فراشه‏,‏ ثم سألها عما تريد الكلام فيه‏..‏ فأعلنته أنها تريد الاستقالة من عملها‏.‏

وتثاءب‏,‏ وهو يتساءل عن الاسباب‏..‏ فلم تستطع ان تفصح له عن حقيقتها‏,‏ لكنها قالت له انها فقدت حماسها له‏,‏ وانها تخشي ان تتعرض فيه لبعض المضايقات في المستقبل‏,‏ فاستسخف الفكرة‏..‏ واستسخف تفكيرها في أن تضحي بمرتبها الكبير لمجرد الخوف من مضايقات قد تحدث في المستقبل‏,‏ ونصحها بالعدول عن ذلك‏.‏

ثم سحب الغطاء‏..‏ ونام‏!‏

وبكت بدموع غزيرة وهي تراه يستسلم في سهولة للنوم في اطمئنان‏..‏ وتمنت في أعماقها‏:‏ لو كان قد حاصرها بالاسئلة عن نوع هذه المضايقات التي تخشاها‏..‏ وممن تتوقعها‏,‏ وما هي مؤشراتها‏,‏ ولماذا تدعوها للاستقالة؟‏!..‏ ثم يقسم عليها بأنها لن تذهب للعمل مرة أخري‏,‏ ولو كان مرتبها هو موردهما الوحيد‏,‏ فتبكي هي بين يديه وتقسم له ان شيئا مما جنح اليه خياله لم يجر في خاطرها‏..‏ لكنها أرادت فقط ان تتفرغ لاطفالهما وله‏..‏ فلا يتنازل عن رأيه ابدا ويعلنها بإصرار أنها لن تذهب للعمل غدا‏.‏

لكنه لم يفعل للأسف‏..‏ واستسلم لاطمئنان الغافلين وذهبت الي عملها في اليوم التالي فلم تجد مديرها في مكتبه‏..‏ وانتابها القلق والضيق لتأخره عن الحضور علي غير عادته‏..‏ ولم تمض دقائق حتي تلقت مكالمة تليفونية تنبئها أنه مريض ونقل الي مستشفي خاص‏,‏ بعد ازمة مرضية طارئة‏,‏ وفقدت كل مابقي من أسلحة مقاومتها وانفجرت في بكاء عنيف في مكتبها ثم غادرته الي المستشفي بلا وعي‏..‏ واندفعت تقتحم غرفته‏,‏ وما أن التقت عيناها بوجهه المبتسم الحنون‏..‏ حتي انهمرت الدموع من عينيها كالمطر‏..‏ ومد إليها يده ليصافحها‏,‏ فإذا بها تلتقط يده في لهفة وتمنع نفسها بصعوبة من أن تقبلها‏.‏

ونظر اليها في فهم وتأثر ولمعت دمعة في عينيه‏.‏

وعادت إلي بيتها منهارة‏..‏ وانخرطت في بكاء مرير وانزعج طفلاها وسألاها عما ألم بها‏,‏ فلم تدر بماذا تجيب‏.‏ وعاد زوجها من الخارج فأبلغه طفلاه بأن أمهما تبكي بلا انقطاع منذ عادت من عملها فلم يبد أي انزعاج‏..‏ وطلب منها بهدوء قاتل أن تعد له طعام الغداء ليأكل وينام‏,‏ ونهضت متثاقلة فأعدت له المائدة‏,‏ ورفضت أن تشاركه الطعام ورفض طفلاها أن يتركاها وحيدة‏.‏ وعزفا عن الأكل تأثرا بحالتها‏.‏ وتناول هو طعامه وحيدا ثم اتجه الي غرفة النوم فوجدت نفسها تنهض بانفعال وتجذبه من ذراعه بشدة حتي كاد يسقط علي الأرض وهي تصرخ فيه‏:‏ لماذا لا تسألني عما أعانيه؟‏!..‏ لماذالا تحس بوجودي؟‏!‏ لماذا تعاملني وتعامل أطفالك بهذا الجمود وهذه القسوة وهذا البخل في المال وفي العواطف؟‏!..‏ لقد حاولت طوال‏14‏ عاما ان اقترب منك‏,‏ وأنت تصر علي أن تبتعد عني‏..‏ فلماذا لا تحاول استردادي قبل أن أضيع منك إلي الأبد أو أقع في هوي رجل آخر يعطيني مالا تعطيني إياه‏..‏ ألا تحبني ؟‏..‏ ألا تحب أولادك ؟‏..‏ ألا تريد لهم أن ينشأوا في بيت مستقر بين أبوين سويين ؟

ثم توقفت فجأة وقالت له بكل حقد الدنيا‏:‏ طلقني‏!‏

ونظر إليها مندهشا‏,‏ ثم قال لها بهدوء‏:‏ ماذا جري لك‏...‏ هل جننت ؟

ثم نحاها عن طريقه ودخل غرفة النوم‏!‏

ولم تستطع الذهاب الي عملها في اليوم التالي وحصلت علي أجازة لمدة أسبوع‏,‏ لم تتصل خلاله بمديرها‏..‏ وعافت نفسها كل شيء حتي الاهتمام بشئون طفليها‏..‏ وزوجها يواصل روتين حياته اليومي بلا تغيير‏,‏وكلما فاتحته في طلب الطلاق‏,‏ رفض مناقشة الأمر بغير انفعال وعادت الي عملها بعد الاجازة فقدمت طلبا بنقلها من مكتب المدير العام الي إدارة أخري‏..‏ واستدعاها المدير بعد عودته من مرضه‏,‏ وسألها برقة عن سبب طلبها للنقل فلم تجبه بغير الدموع‏..‏ وأحمر وجهه خجلا وطالبها بمعاودة التفكير في الأمر‏,‏ وطلب لها كوبا من عصير الليمون فلم تستطع يدها المرتجفة حمله‏,‏ فقدمه لها بيده‏..‏ وراح يحاول إقناعها بالاستمرار في العمل معه‏,‏ مؤكدا لها أن قربها منه يساعده علي تحمل عناء العمل ويخفف من عناء حياته الخاصة‏,‏ وأنه لا يسمح لنفسه بتجاوز حدود المشاعر الخرساء مع زوجة رجل آخر‏,‏ لكن هذه المشاعر نفسها ترطب من جفاف الحياة وتعين المهمومين علي احتمال أقدارهم‏!‏ وتلاقت العيون في فهم صامت‏.‏

وعادت الي بيتها وهي أكثر إصرارا علي وضع حل لمشكلتها مع زوجها‏..‏ وطالبته من جديد بالطلاق فلم يتزحزح عن موقفه‏..‏ ولجأت إلي أهلها لتستعين بهم عليه فلم يناصرها أحد‏..‏ وتركز حديث الأهل والأصحاب علي الأطفال ومستقبلهم‏.‏

وجري كل ذلك تحت بصر زوجها وسمعه‏,‏ من غير أن يخرج علي إطار حياته المطمئنة أو يحاول الاقتراب من زوجته ومساعدتها علي النجاة‏.‏

وواصلت الحياة سيرها الكئيب‏.‏

ثم عادت بعد أيام من عملها فوجدت طفليها يلهوان بإعادة تركيب لعبة معقدة اشترتها لهما من مرتبها‏,‏ فدخلت الي غرفة نومها وبدلت ملابسها وخرجت الي الصالة‏,‏ فسمعت طفلتها سوسن تسأل شقيقها بصوت هامس‏:‏ مع من سنعيش اذا تركت ماما بابا ؟

فتوقفت مذهولة‏..‏ وأرهفت سمعها لتسمع رد خالد الصغير علي سؤال شقيقته‏..‏ ورأته يتوقف عن اللعب حائرا ويفكر قليلا‏,‏ ثم يقول في ضيق‏:‏ لا أعرف‏!‏

فأمتلأت عيناها بالدموع‏..‏ وقفز وجه مديرها الباسم إلي مخيلتها‏..‏ فهزت رأسها بعنف كأنها تحاول طرده منها‏,‏ ثم اتجهت متظاهرة بالمرح الي طفليها وهي تدعوهما لمشاركتها في إعداد وجبة جديدة مبتكرة لطعام الغداء‏.‏ ووزعت الأم الأدوار والمهام ووقف الجميع في المطبخ يعملون في حماس ومرح وهم يتبادلون التعليقات والضحكات والتوقعات عما ستكون عليه هذه الوجبة الجديدة‏,‏ فإذا بصوت رتيب كئيب يأتي إليهم من الصالة قائلا‏:‏

ـ الغداء بسرعة‏..‏ أريد أن أنام‏!‏

http://shabab.ahram.org.eg/ahram/2004/2/1/RIVR1.HTM

" إملأ عيناك بوجه من تحب فسوف تفتقده كثيراً فى يومٍ ما"

رابط هذا التعليق
شارك

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة
×
×
  • أضف...