اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

أبو علاء ..


Recommended Posts

أبو علاء ..

ماذا ستفعل بكل ذلك الدم؟!

بقلم : الاستاذ محمد أبو عزة

في المعاجم العربية كلمة "تهافت" تعني "السقوط"، فيقال:"تهافت" الشيء.. تساقط قطعة قطعة متتابعا، و"تهافت" الناس.. تساقطوا أمواتا، وتهافت الفراش على الضوء.. وقع عليه وارتمى، و"تهافت" الناس على الشيء ..أتوه.

وحديث "التهافت" أشهر من نار على علم، ورد على الأقل في عنوانين لكتابين شهيرين هما:"تهافت الفلاسفة" للإمام الغزالي، و"تهافت التهافت" لابن رشد.

وفي الحقيقة لسنا هنا في وارد الحديث عن الكتابين ولا عن العالمين الكبيرين، نحن هنا بصدد واقعة أو وقائع، لم نجد لتوصيفها إلا كلمة واحدة هي "التهافت"، أي السقوط، أو الإمعان في السقوط بشكل متتابع.

ففي الوقت الذي يوجه 21 سياسيا ومفكرا عربيا من "مصر ، وسوريا، وفلسطين المحتلة والعراق المذبوح والمملكة العربية السعودية وتونس وبلدان الاغتراب" رسالة إلى الرئيس الأمريكي "جورج بوش الابن" يطالبونه فيها بعدم لقاء رئيس حكومة الاحتلال الصهيوني "أرئيل شارون" الشهر المقبل آذار – "يعلن رئيس حكومة السلطة الفلسطينية أحمد قريع بالفم الملآن، أنه يسعى ويعمل ويتوسل..منذ ثلاثة أشهر، للإعداد للقاء مع أرئيل شارون ما غيره، وأن الفريق الذي كلفه-قريع- بالتباحث مع الجانب الصهيوني للتحضير "جدا" لهذا الاجتماع، قد عقد فعلا أربعة اجتماعات مع الفريق الصهيوني، وأن الاجتماع الخامس كان سيتم نهار الأحد الماضي، لولا العاصفة الثلجية التي ضربت المنطقة . واختار أحمد قريع للإعلان عن مساعيه السرية عشية قيام وكالات الأبناء ببث نص رسالة المفكرين والسياسيين العرب!!

لقد اختار المفكرون العرب كلمات رسالتهم الموجزة بعناية، فجاءت هكذا:" من منطلق اعتقادنا الراسخ أنه لا مستقبل للديمقراطية في الشرق الأوسط دون حل شامل للصراع العربي "الإسرائيلي"، وتطبيق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني الجماعية والفردية، فإننا نطالب الرئيس الأمريكي ألا يستقبل رئيس وزراء "إسرائيل" الحالي أرئيل شارون، لأنه رمز لكل ما هو معاد لحقوق الإنسان والتعايش والتسامح ، والعقبة الأساسية أمام السلام في المنطقة .."

ولا بد أن الرئيس الأمريكي جورج بوش أطلق تنهيدة ارتياح كبيرة وهو يتلقى أنباء مساعي قريع لكي يوافق شارون على استقباله..

إن "بوش" الذي التهم العراق، ويستعد لوضع يده على منطقة الشرق الأوسط الموسع، بما في ذلك الوطن العربي ومحيطه الإسلامي القريب، عبر إعادة صياغة شاملة، سياسيا واقتصاديا وثقافيا لمجمل دوله، ويحرص في الوقت نفسه على تغليف مشروعه بالسكر، والظهور بمظهر المحضر المدافع عن الديمقراطية..لن يشعر بأدنى حرج من استقبال شارون، طالما أن الطرف المتضرر جدا من ممارسات شارون في الأربعين شهرا الأخيرة، يكاد يستجدي هذا اللقاء استجداء!!.

نحن نعرف بالتأكيد أن الرئيس الأمريكي-أي رئيس-لا يستطيع أن يرفض استقبال وزير أو سفير أو خفير "إسرائيلي"، ناهيك عن "أرئيل شارون" خصوصا وأن السنة الحالية هي سنة الانتخابات الرئاسية التي تسفر في الخريف القادم عن صعود رئيس من أحد الحزبيين اليمينين "الجمهوري والديمقراطي" وهي معركة انتخابي من نوع "كلب يعض كلبا".

إن أمريكا ومنذ خمسة عقود ونصف ملتزمة كليا بضخ الحياة في شرايين إسرائيل وقرار التقسيم"عام 1947" لم يصبح واقعا اسمه " إسرائيل" إلا بدعم أمريكا. بدون أمريكا ما كان يمكن لإسرائيل أن تقوم..

وهذا الذي نقوله ليس مجرد افتراض، بل هو الحقيقة –التي تعترف بها حتى الصهيونية نفسها بل هي أولى الحقائق التي تعترف بها الصهيونية.

هذه مذكرات "هرتسل"، وهي منشورة ومبذلة للجميع، وليس فيها إلا تنقلات "هرتسل" بين مراكز القوى العالمية أواخر القرن الماضي، بين روسيا القيصرية، وألمانيا القيصرية، بل وحتى الدولة العمانية وحاضرة الفاتيكان، بالإضافة إلى بريطانيا ..كل هذا لكي يجد أبو الصهيونية "هرتسل" قوة دولية عظمى، تتبنى الفكرة الصهيونية، وبالتالي تقيم لها دولة في فلسطين.

وليس هذا هو الشاهد الوحيد، فإن أول تعليق للصهيونية بعد صدور "وعد بلفور" هو :إننا –أي اليهود- لازلنا نبكي على صهيون وأورشاليم ألفي عام دون جدوى، حتى جاءت بريطانيا، وجاء تصريح بلفور، فدخلت الأماني إلى حيز الواقع.

ومن البديهي أننا لا نورد هذه من باب "التعزية الذاتية" ، أو رفع العتب عن أمتنا العربية.. كلا، أننا نلح على جذرية دور "القوة الدولية العظمى الغاشمة" في تحويل قرار التقسيم إلى "دولة" .نلح على هذا الدور لأسباب عملية محصنة، لأن القبض على هذه الحقيقة باليدين يهدينا إلى العدو الأساسي. والوقائع العربية هي مصداق ما نقول، ففي الثلاثينات ثار الفلسطينيون ثورة عظيمة ظافرة،اضطرات بريطانيا إلى إصدار "الكتاب الأبيض" الشهير، الكتاب الذي يعني التراجع عن "تصريح بلفور" ، أي عن إقامة الدولة الصهيونية.. وهذه الواقعة يعرفها المهتمون بالتاريخ، ولكن الذي قد لا يعرفونه هو تعقيب حاييم وايزمن –أول رؤساء "إسرائيل" – على ذلك التراجع البريطاني .

لقد شعر وايزمن من أن تخلي بريطانيا عن الصهيونية يعني نهاية الحلم الصهيوني، وكتب في مذكراته:" عند صدور الكتاب الأبيض شعرت –أي وايزمن- أنني "كلب" ليس أكثر.." وإليكم واقعة أخرى ، فقد تساءلوا مرة في "إسرائيل"، أي في الجامعات ومراكز البحوث والدوائر السياسية المتخصصة ..عن مصير "إسرائيل" إذا تخلت أمريكا عنها، وأجاب "أوري افنيري" عن السؤال في كتاب ضخم، عقد فيه مقارنة بين دولة الفرنجة المعروفة الصليبية – ودولة إسرائيل ، واختمه بالقول إن مملكة القدس اللاتينية- أي الصليبية - انتهت وماتت عندما انقطع الإمداد الأوربي عنها .

وقد يتذكر الناس أنه في عهد "غوالدا مائير" – حين كانت رئيسة للوزارة الصهيونية- انطلقت إدانات مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة رشا لا دراكا، ورغم ذلك قالت غوالد:" إن إدانة مائة دولة ودولة لا تخيف إسرائيل إذا كانت الولايات المتحدة مع إسرائيل.. أو حسب تعبير رؤساء أمريكا: ما دامت الولايات المتحدة الأمريكية ملتزمة بأمن إسرائيل إلتزاما مطلقا.

ولسنا نظن أن الرئيس الأمريكي الحالي أقل التزاما بأمن إسرائيل من أسلافه، وهو الذي قدم لها فرصة ذهبية لا تعوص من خلال احتلاله للعراق، والمرابطة بقوات كثيفة على أرضه، ساحبا من التداول رؤيته أو خارطته، وتاركا لشارون أن يقرر مصير الأرض والشعب في فلسطين، حسب رؤية بوش الشارونية .

بعد هذا الاستطراد الضروري، يمكن لنا أن نسأل: ألم يكن الأجدى أن يوجه المفكرون والسياسيون العرب رسالتهم للسيد أحمد قريع وليس جورج بوش خصوصا وأن السيد قريع أقام جدار فصل بينه وبين التاريخ؟!.

لقد قال للصهاينة الذين اجتمع بهم سرا في أوسلو قبل نيف وعقد من الأعوام:" دعونا لا نصل التاريخ بحثا، فلن تقنعوني بأحقيتكم في فلسطين، ولن أقنعكم بأحقيتنا في إسرائيل.. تعالوا نبحث الموضوع بعيدا عن التاريخ"

ولا بد أن أعضاء الوفد الصهيوني آنذاك فركوا أيديهم غبطة، لأن محاورهم قدم لهم هدية مجانية، لا تقل عن تلك التي قدمها السيد ياسر عرفات ذات عام في باريس ، عندما أعلن أنه يشطب "الميثاق الوطني الفلسطيني" تماما ونهائيا ،ويفعل ذلك ك"كادوك" –أي هدية بالفرنسية- ل"الإسرائيليين".

وبصرف النظر عن هذا النمط المتلقي بذاته ، والمشروع لذاته في الوقت الذي يتظاهر بالتشريع للآخرين ..يتوجب تذكير السيد أحمد قريع ببعض صفحات التاريخ الذي أدار له ظهره ، مخالفا النصيحة التي تقول : من يطل نيران مسدسه على الماضي ، يطلق المستقبل نيران مدافعه عليه .

يتوجب تذكير أحمد قريع بأن أرئيل شارون يتحمل المسؤولية الجنائية عن سقوط ثلاثة آلاف شهيد وما يقرب أربعين ألف جريح، وتهديم ألاف المنازل، وتجريف آلاف الدونمات، وإقامة حيطان العزل والحنق والمحاصرة، وشن حرب مؤبدة..في الأربعين شهرا الماضية.

أرئيل شارون قاتل زينم، ومجرم أثيم، وصهيوني رجيم،يتحمل مسؤولية الأرواح التي أزهقت ، والأقوات التي نفذت، والجوع الذي يحوم في بيوت مئات الآلاف من أبناء شعبنا الذي فرغ لتوه من مواراة 33 شهيدا التراب ، بينهم ستة أطفال، تم اغتيالهم فقط في النصف الأول من شهر شباط 2004، بأوامر من شارون، جزار صبرا وشاتيلا..

فكيف سيمد قريع يده ليصافح يد شارون التي يقطر منها دم أهلنا..؟

ومن أين له القدرة على التحمل لكي ، يجلس وجها لوجه مع قاتل أطفالنا ..أطفاله؟!.

إن صائب عريقات –كبير المفاوضين- يقول مبررا:" بيننا وبين الجانب الإسرائيلي" التزامات واستحقاقات على الجانبين من خارطة الطريق" فأي التزامات وأي استحقاقات هذهّ .

لقد أورد صائب عريقات ذاته 49 خرقا "إسرائيليا" لمفاصل رئيسية لاتفاق أوسلو، منها استمرار الاستيطان ، ومصادرة الأراضي، والطرق الالتفافية، وعدم فتح الممرات الأمنة، وعدم الإفراج عن الأسيرات والأسرى، واستمرار سياسة الإغلاق، وخنق الضفة والقطاع..إلخ.

والخروقات والمخالفات اليوم أخطر وأدهى وأكبر..

لا ننازلك على المنصب والمغنم حين نطالبك بعدم اللقاء بشارون، ولذلك لا داعي لأن ترفع صوتك وتجهر بالقول:لا أحد يستطيع أن يقول لنا قابلوا أو لا تقابلا..

نقول لك لا تلتقيه أو لا تقابله، ويكفي هذا "التهافت" ..فليس هناك إلا الخواء وقبص الريح، والذلة والمسكنة والدنية .

ثم ..ماذا ستفعل بكل ذلك الدم..؟!

يا حيف ع اللي جرحهم جرحي وفوق الجرح داسوا

صاروا عساكر للعدى وكندرة العدو باسوا

2_471137_1_209.jpg

حسبنا الله ونعم الوكيل

رابط هذا التعليق
شارك

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة
×
×
  • أضف...