اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

الفساد يشفط مصــر


مصرى

Recommended Posts

عندما ترسل الأسر المصرية ابناءها منذ الفجر ليصطفوا فى طوابير الخبز، نقول: إننا فى خطر، وعندما يشترى ثلاثة عساكر ثلاثة أرغفة بمبلغ 75 قرشا ثم يسألون البائع: هل لديك قليل من الملح؟.. نقول: إننا فى خطر، وعندما نشترى الدولار بمبلغ 7 جنيهات، وعندما نغلق المصانع فى أكتوبر والعاشر، نقول: إننا فى خطر، ونقول: لماذا لا نغير السياسات التى أوصلتنا إلى هذا الخطر، هل مصر مجبرة على هذه السياسات؟ وإذا كانت الأعمال تقاس بنتائجها، وإذا كانت سنوات الانفتاح التى جاوزت الثلاثين عاما وسنوات عمر هذا النظام التى وصلت إلى "22" عاما قد أسفرت عن كل هذا الفشل وكل هذا الخطر فلماذا يتم السكوت عليها؟.

من منا لا يقول الآن هذا الكلام؟ لا أحد، ولكن الذى يقول هذه المرة هو الدكتور عزيز صدقى أول وزير للصناعة فى مصر فى عام 1956، ومساعد رئيس الجمهورية والذى كان رئيسا للوزراء، رجل آخر ومن عصر آخر، عصر كان يشعر بالخطر على الشركة وعلى المصنع وعلى الإنسان وعلى الوطن، ولأنه كذلك فقد وصفه الوزير بطرس غالى وهو رجل آخر من عصر الانفتاح السداح مداح، رجل من عصر طابور الخبز، وعصر أمريكا التى تلوح بالعصا والحذاء وتعين الوزراء بأنه "مخرف".

وعزيز صدقى هنا فى مقر اللجنة المصرية للتضامن، برئاسة أحمد حمروش، وفى وسط نخبة من السياسيين والمثقفين لا يتحدث بوصفه الايديولوجي، ولا يطعن فى أحد ولكنه يتحدث كمصرى ويتصور أن البلد بلدنا، ومن حقنا أن نقول رأينا خصوصا إذا كانت الحالة خطرة.

ويفترض منذ بداية حديثه فرضية منطقية جدا وبسيطة جدا، فيقول: ممكن أن يأخذ المريض الدواء ويكتشف أن حالته تسوء، عند هذا لابد أن يعيد النظر فى الدواء، وهذا ليس عيب، أننا وصلنا إلى وضع فى تاريخ مصر لابد فيه أن نعيد النظر فى الدواء، لم تصل مديونية مصر إلى ما وصلت إليه، لم تصل المؤشرات الاقتصادية إلى ما وصلت إليه الآن، وهذا ليس طعنا فى أحد، ولكن هذا النظام عمره "22 عاما" كانت أمامه فرصة ليغير ويجرب، هل نحن مجبرون على السير فى المسار الذى وصل بنا إلى ما نحن فيه؟ هذا احتمال وارد، وإذا لم نكن مجبرين، فلماذا نسير فيه مادمنا وصلنا إلى درجة أنه لا يوفر "رغيف العيش"، أى شعب له احتياجات، وحتى تؤدى هذه الاحتياجات لابد أن تتوفر امكانات، وإذا وصل الحال إلى أن الامكانات المتوفرة أقل من توفير الحد الأدني، لابد أن نسأل: كيف وصلنا إلى هذا؟ وكيف نسكت على هذا؟ وإذا كانت مصر منذ 30 عاما كان لديها مخزون سلعى فى زمن الحرب فكيف ونحن فى زمن السلم نرسل الأبناء إلى طابور الخبز فى ساعات الفجر الأولي، وكيف يسأل العسكرى عن قليل من الملح يسند به رغيف الخبز؟.

من يريد أن يحكم مصر لابد أن يعيش هذا، نقطة البداية هى السياسة التى تريدها الدولة.

السياسة

يقول الدكتور عزيز صدقي: عندما تقرر السياسة أن يقوم القطاع الخاص ب 70% من الخطة كما قال الرئيس فهذا معناه أننا نطلب من القطاع الخاص ألا ينجز سوى 5 أو 7% من الخطة، ومعناه أننا قررنا ضمنا ألا تنفذ الخطة، لأن القطاع الخاص لن ينفذ إلا ما يقدر عليه والباقى ليس فى قدرته ومعناه أننا تركنا 70% من الخطة وهو المشروعات أى التنمية الإنتاجية كلها للقطاع الخاص، وقلنا له منذ 30 عاما: انت قاطرة التنمية فى مصر، ومعناه أننا ضمنا لا نطلب من القطاع الخاص ألا يكسب ولا يعمل حسب مصلحته، ومنذ انفتاح أنور السادات والقطاع الخاص يعمل حسب مصلحته وليس مهما هنا غالبية الشعب، لأن المسار الذى بدأ منذ 30 عاما قرر هذا، وهذا المسار ليس معنيا بتحديد أولوية تحيزاته، مع من ومن يخدم! والدولة هنا فى حالة "ماليش دعوة"، بعد أن كانت مصر تقدم للعالم العربى الخيرات التى يعيش عليها، يأتى إلينا اليوم رجل من تونس ليقول لنا كيف نحدث الصناعة!. وصلنا إلى هذا بسياسة الانفتاح، وخلى الناس ترتاح، كما قالها السادات ومن يريد أن يستورد، يستورد، وكان هذا على حساب الإنتاج المحلي، وانهارت كثير من الشركات لأنه اعتمد الاستيراد بدلا من الذات، وما نحن فيه ترجمة لهذا.

والآن عندما تصرح الحكومة: أننا لدينا فائض فى ميزان المدفوعات، فلن يصدقها طفل صغير، لأنى اشترى الدولار ب "7" جنيهات، وإذا كان لدينا فائض فلماذا رفعت الحكومة سعر الدولار من 340 قرشا إلى 614 قرشا وأنا اشتريه ب "7" جنيهات!.

دور الدولة

ومن السياسة والمسار إلى دور الدولة ينتقل بنا الدكتور عزيز صدقى ويقول: إذا كان 95% من الشعب المصرى محدودى الدخل، فلماذا لا تكون الأولوية لهؤلاء، وبمنطق أن ال 5% الباقية تستطيع أن تخدم نفسها، كيف أضع سياسة لا تتماشى مع هذا الواقع، كيف يقول وزير التموين فى مصر: أنا غير مسئول عن التسعير؟! عندما لا يستطيع هؤلاء ال 95% أن يجدوا رغيف الخبز، نقول: إننا فى حالة فشل تتطلب العلاج السريع، وعند هذه النقطة، نتحرج، هم يعلمون ولكن يسأل الدكتور عزيز:ماذا يمنع العلاج؟!.

ويقول: الفساد بلغ جميع المستويات وهذا هو الخطر، وشارك فى اتخاذ القرار وهذا ما حدث، وما تذكره صحف المعارضة أقل من الحقيقة، هنا لابد أن نقف ونسأل: كيف وصلنا إلى هذا؟.

ويقدر الدكتور صدقى حجم ما هرب من أموال مصر إلى الخارج وفقا للدكتور إسماعيل صبرى عبدالله ب "200 مليار دولار" ويسأل: ما قدرة الاقتصاد المصرى على شفط هذه الأموال إلى الخارج؟.

ما العمل

وعندما يصل بنا الدكتور عزيز صدقى إلى هذا الحد لابد أن يجيب عن سؤال ما العمل؟.

ويسأل هو بدوره لماذا لا تعمل الحكومة بجد على استرداد هذه الأموال التى هُربت إلى الخارج؟ لماذا لا يعتبر الهاربون مجرمين بدلا من التصالح معهم.. لماذا لا تطلب الحكومة القبض عليهم؟.

ويجيب "لأن فيه ناس إحنا مش عايزين نقبض عليهم"، ويؤكد: الفساد حقيقي، وحقيقى لأنه مسنود، وأنا مستعد لأن أقدم الأسماء، وقدمت الأسماء وبالمستندات، ولا اتكلم من فراغ، ومصر لا تستحق هذا.

ومن العام إلى التفاصيل ينطلق الدكتور عزيز صدقى ويقترح أن يتخذ قرارا بتخفيض الميزانية من 10 20%، ويقول: أنا أتحدى أن توجد وزارة تنفذ الميزانية بالكامل، أخذنا قرارات بخفض عدد الخطوط التليفونية فى كل وزارة بحوالى 20% وأن تخلى كل وزارة 20% من الشقق المؤجرة وتردها للملاك، وتم حظر استيراد أو شراء أى سيارة للقطاع العام والحكومة ونفذت هذه القرارات إلى أن قامت حرب أكتوبر ولا البلد وقفت ولا جرى شيء، والآن ونحن نشاهد فى أى احتفال رسمى حوالى "50" سيارة مرسيدس آخر موديل، نسأل: لو نقصوا "10" سيارات ماذا يحدث لابد من إعادة النظر ونقول: فى الأزمات تتخذ الإجراءات الى تحل الأزمة، ويسأل: ماذا لو قررت الحكومة تخفيض مصروفاتها وأخذت ما توفره ووجهته للتخفيف الجزئى عن محدودى الدخل "الدعم" ستحل جزءا من المشكلة.

وينتقل الدكتور عزيز إلى ضرورة استغلال الامكانات المهدرة، ويقول: أكبر دخل يأتى من المصريين العاملين فى الخارج، وقناة السويس والبترول، ولدينا استثمارات تمت ولم تستغل لماذا اغلقنا مئات وآلاف المصانع بعد شهر أو شهرين من تشغيلها فى مدن العاشر وأكتوبر والسادات ماذا يحدث؟ أين الدولة فى قصة الحديد؟.

ورغم كل هذا يقول مازال هناك أمل فى أن نقف على أرجلنا مرة أخري.

الانفتاح مظلوم

وفى مداخلته أمام الندوة قال الدكتور عبدالعزيز حجازى رئيس الوزراء الأسبق: التاريخ فترات، ولكل فترة ايجابياتها وسلبياتها، والانفتاح مظلوم أنا وضعت سياسة الانفتاح ولم استمر غير سنة واحدة ولم تتح لى فرصة للتطبيق، وما خططت له لم ينفذ كما وُضع فى ذلك الوقت، ومن أجل هذا أصبح الموضوع يحتاج إلى تحليل حقيقي، النظرة إلى المستقبل الآن أصبحت ضرورة، مصر رايحة فين؟ وأنا انزعج كرجل محاسب الآن عندما أسمع أن حجم الدين كله 550 مليارا، الدكتور عزيز تكلم عن المصانع المغلقة، وأول شيء انجزناه بعد الانفتاح أننا شغلنا الطاقات المعطلة، عندما أسمع أن 200 مصنع مغلق فى أكتوبر من ألف مصنع أقول إن هذا يحتاج لقرار عاجل، نريد القيادة التى تنفذ، مصر غنية ولكن نحن أفقرناها بالإدارة، وتقرير الرد على بيان الحكومة الذى وضعته لجنة الرد فى مجلس الشعب كان فيه حقائق لو ركزوا عليها سنصل إلى حلول.

إعادة نظر

وفى مداخلته قال الدكتور مصطفى الرفاعى وزير الصناعة السابق: عبدالناصر أعطى للصناعة أولوية، وعزيز نفذ سياسات جمال عبدالناصر، ومع مرور الوقت ندرك أهمية الدور الذى قامت به الصناعة فى عهد عزيز صدقي، والوضع الحالى فيه اتجاهان، اتجاه ينادى بتدخل الدولة واتجاه يسمى اتجاه ليبرالي، والفترة الأخيرة شهدت تراجعا كبيرا فى دور الدولة، جهات أجنبية رأت أن السياسات القديمة لابد أن يحدث عكسها، دور الدولة اضمحل، وأيضا لأن المؤسسات الحكومية ضعفت والكوادر لا تسمح أن تكون الدولة قوية، أنا مدرك لخطورة الموقف ونحتاج لإعادة نظر.

وفى مداخلته تساءل محمود المراغي: هل قصة الانفتاح أسيء استغلالها؟ الدكتور عبدالعزيز حجازى قال فى عام 1976 هذا ليس الانفتاح الذى أقصده، والدكتور عزيز صدقى يرى أن الانفتاح توسع فى الاستيراد، وأن هذا أثر على الاقتصاد، هل الخطأ الأساسى أننا اعتمدنا على ما سُمى بالأربعة الكبار وأهملنا الجانب الإنتاجى والخطأ بدأ فى نقطة الهيكل، من الناحية الفنية الاقتصاد يحتاج إلى تغيير، ومن الناحية الاجتماعية نسأل: الحكم مع من؟ مع الفقراء أم مع الأغنياء؟.

الحكومة اختارت الأغنياء منذ السادات إلى أن وصلنا لنقول الآن: إننا أمام إدارة غير كفء ومشكوك فى أمانتها ومطلوب إدارة أخري، ونحن نتحدث دائما عن الانتقال السلمى للسلطة، دعونا نطلب أن يتحول ما هو مطروح الآن على الأحزاب إلى جد، ويتحول ما هو مطروح الآن من دعاوى الإصلاح السياسى إلى جد.

وفى مداخلته قال الدكتور سمير فياض نائب رئيس حزب التجمع: إن العبرة ليست باختيار التوجه، العبرة فى اختيار التوجه الملائم لهذا الشعب فى هذه المرحلة، والأمر الثاني: إنك إذا توافقت مع منظومة أى إن كانت فلابد أن تتوافق مع المنظومة ككل ولا تأخذها نصف نصف، أن تقرر تنمية شاملة تعتمد على الذات فتكون تنمية شاملة تعتمد على الذات، أما الصيغة الموجودة الآن فهى أن تبيع كلاما وتفعل أفعالا أخري، والقصة أعمق مما يبدو على السطح.

وعاد الدكتور عزيز صدقى معلقا على مداخلات الحضور ويقول كل ما أثير يؤكد أن القصة تبدأ بالسياسة وصانع السياسة تكون لديه الإرادة ليحقق أهدافه التى وضعها، وتاريخنا يخبرنا بذلك، نقطة البداية أن تقرر ماذا تريد، عندما قررنا بناء السد العالي، تم بناء السد العالي، تقابلنا المشاكل ونجد الحلول، المهم أن يكون للحكم هدف.

أنور السادات كان هدفه العبور، وفى بداية حكمه لو أعلنا أن هدفنا العبور، لربما ضحك الناس علينا ولكن تم العبور والذى اتخذ القرار هو أنور السادات، ولكن بدون هدف وبدون تخطيط يحدث ما يحدث الآن، أطالب بأن توضع خطة، لدينا وزارة تخطيط مهمشة، أطالب بأن يحدد النظام ما هو الهدف وتتوفر لديه ولدينا الإرادة لتحقيق هذا الهدف، ولكن كيف تطلب منى أن أسير معك وأنا لا أعرف إلى أين أنت ذاهب؟.

وأنهى أحمد حمروش الندوة بالدعوة إلى تكوين لجنة عمل تكون مهمتها وضع خطة وتصور للإصلاح الاقتصادى وطرح هذا التصور على القيادة فى مصر وذلك على غرار اللجنة التى تشكلت منذ أسابيع فى التضامن لوضع تصور للإصلاح السياسى والتى بادر بالدعوة إليها الكاتب الصحفى محمد عودة لدى مناقشة التضامن لإمكانية الإصلاح السياسى فى مصر.

جريدة العربى الناصرى

عزيمة فرد واحد يمكن أن تحدث فرقاً .. وتصنع التغيير

رابط هذا التعليق
شارك

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة
×
×
  • أضف...