اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

العثمانية والاسلام


Mohammad Abouzied

Recommended Posts

- في التاريخ:

عندما نتأمل في تاريخنا والعثمانية منذ منتصف القرن التاسع عشر وحتى نهاية الحرب العالمية الأولى، حيث اندثرت العثمانية رابطة ودولة، يجب ألا نكتفي بمعرفة كيفية ما حدث، بل ينبغي أن نعرف لماذا حدث..؟ ولماذا اتخذ في حدوثه نهجًا قوميًا محضًا..؟ ولماذا حاول العرب حتى اللحظة الأخيرة التمسك بالعثمانية..؟ ولماذا بقي قادة العرب في ذلك القرن مستمسكين بالإسلام حتى حينما كانت الأحداث تدفع بهم إلى السير على الدرب القومي..؟ وأخيرًا هل انفصل العرب عن العثمانية أم انهم انفصلوا عن الطورانية. أو بالأحرى ان الطورانية هي التي فصلتهم عن أشقائهم الأتراك..؟

ولا جدال أن الأجوبة عن الأسئلة المطروحة أعلاه مشروطة أولاً بمعرفتنا بالعلاقات التي كانت تربط بين شتى القوميات التي تألفت منها الدولة العثمانية التي أسفرت عن وجهها الإمبراطوري في عهد جمعية الاتحاد والترقي. وتستوجبنا ثانيًا معرفة التيارات الأيديولوجية وبخاصة تلك التيارات التي تأثرت بأيديولوجية الثورة الفرنسية ربيبة عصر التنوير. وتستلزمنا ثالثًا معرفة منطلقات التجمعات إن لم أقل الشلل العسكرية والأحزاب السياسية في الدولة العثمانية وذلك في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. وتستوجبنا رابعًا معرفة القوى الخارجية التي كانت تتحفز للإنقضاض على العثمانية رابطة ودولة وشعوبًا. وتفرض علينا خامسًا معرفة ما كان للعوامل الأربعة المذكورة من أثر في إيقاظ الروح القومية داخل الامبراطورية العثمانية وفي إذكاء شهية الاستعمار في تركة "الرجل المريض".

فنحن لا نستطيع أن نعزل التاريخ بعامة وتلك الحقبة منه بخاصة، عن عواملها الأساسية ولا سيما عن الحركات القومية وكافة الأحداث المصيرية المرتبطة بتلك العوامل والناشئة عنها.

والحق يقال إن التيارات الفكرية والأحداث السياسية والثورات الشعبية التي عرفتها تلك الحقبة، من القرن التاسع عشر، لم تكن بتراكمات كمية من الأحداث والأزمات والأشخاص، بل كانت إرهاصات يقظة وبوادر انبعاث. ولذلك فنحن لا نستطيع فهمها الفهم الصحيح إلا من خلال القوانين التي انتظمتها وشكلت منها ظاهرات وأحداثًا وحددت تفاعلاتها الحية وغيرها من العناصر والعوامل، فضلاً عن القوى والظروف التي انفعلت بها وتفاعلت معها وحوّلتها من تراكمات كمية إلى تحولات كيفية أمست منعطفات حاسمة في مجرى التاريخ.

ولا خلاف أن القرن التاسع عشر كان قرن القوميات.. فابتداءً بمنتصفه تفجّرت الروح القومية في كافة البلدان الأوروبية وبعض الأقطار الآسيوية، وعلى الرغم من أن القومية لم تكن بالمذهب الجديد لكن ديناميكيتها وسيطرتها المذهلة على الشعوب والأمم خلال ذلك القرن جعلتا منها قوة طاغية طغيانًا لم يسبق له مثيل، الأمر الذي جعل بعض علماء الإجتماع يربطون بينها وبين الداروينية الإجتماعية.

يأتي في آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من خير قول البرية يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية لا يجاوز إيمانهم حناجرهم فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم يوم القيامة

رابط هذا التعليق
شارك

ب- التكامل:

وفي خضم التيارات القومية العنيفة التي هبّت في القرن التاسع عشر واستبدلت العثمانية بالطورانية كان العرب هم وحدهم بين كافة القوميات الأخرى في الدولة العثمانية، الذين جاهدوا للحفاظ على العثمانية أو بالأحرى الإسلام رابطًا عضويًا بين المسلمين لا فقط داخل الدولة العثمانية، بل وفي كافة بقاع الأرض، وذلك على الرغم من قناعتهم بأن العثمانية لم تكن لتتفق في الممارسة والإسلام نصًا وروحًا. فالعرب يؤمنون بالفطرة بأن ثمة تكاملاً تامًا بين العروبة والإسلام، ويعرفون المعرفة الوجدانية أن فصل العروبة عن الإسلام يعني فصل العرب عن الرسول الأعظم e بأن: "ليس منّا من دعا إلى عصبية وليس منّا من قاتل على عصبية، وليس منّا من مات على عصبية".. ويؤمنون أيضًا بما ورد في خطبة النبي e حيث قال: "أيها الناس ليست العربية بأحدكم من أب ولا أم، وإنما هي اللسان فمن تكلم العربية فهو عربي.." ويؤمنون كل الإيمان بما ورد في كتاب الله العزيز: ] إنا أنزلناه قرآناً عربيًا لعلكم تعقلون [ ولكنهم مع ذلك كله يؤمنون أيضًا كل الإيمان بما جاء على لسان الرسول الأعظم e إذ قال: "إذا ذُلّ العرب ذُلّ الإسلام".. وهنا ينبغي أن لا ننسى أن الشعوبية التي ضربت العرب هي التي جاءت بالباطنية لضرب الإسلام.

يأتي في آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من خير قول البرية يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية لا يجاوز إيمانهم حناجرهم فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم يوم القيامة

رابط هذا التعليق
شارك

ج- هم ونحن:

ما كادت الأمور تستتب للطورانيين في السلطة حتى قاموا بمحاولاتهم المجنونة الرامية إلى تتريك العرب. ولقد مهّدت لتلك الحملات ورافقتها حملات دعائية مسعورة على العرب أمة وحضارة وتاريخًا. وقد كان أشد تلك الحملات تجنيًا على العرب، هي حملات جلال نوري وأحمد راسم في جريدة "استانبول" وحسين جاهد في جريدة "طنين" التي أمست منبرًا دعائيًا مسمومًا لركنين أساسيين من أركان الدعوة للجامعة الطورانية، وأعني بهذين يوسف أقتشورا وأحمد أفايت. فضلاً عن جرائد "إقدام" و"ترجمان حقيقت" و"العرب" التي كانت تصدر باللغة العربية، وكان يرأس تحريرها الشيخ عبيدالله نائب إيدين، وكانت تنطق بلسان الجمعية الطورانية المتطرفة "تورك أوجاغي"، وكذلك مجلة "اجتهاد" وقد بلغ التطرف ببعض أولئك الصحافيين مبلغًا جعل جلال نوري الشخصية الطورانية البارزة يطالب بتحويل الأقطار العربية إلى مستعمرات تركية. وقد طالبت جريدة "إقدام" بتنقية اللغة التركية من الكلمات العربية. وذهب الطورانيون إلى تلقين تلامذة المدارس أناشيد وقصائد تجعل من جنكيز خان المثل الأعلى للطورانية. وقد أجزلوا العطاء للأندية التي أوجدوها لنشر مبادىء القومية الطورانية.. وعملوا على نشر الكتب والكراريس المحرضة على العرب والمعززة للدعوة الطورانية.. ولعل أشهر تلك الكتب التي صدرت خلال الحقبة الطورانية كانت "قوم جديد" و"مستقبل تاريخي" و"ميرصوك كتاب". وقد تضمن كتاب "قوم جديد" خطبة ألقاها الشيخ عبيدالله في مسجد "أيا صوفيا" جاء فيه قوله:

"ما هذا الجهل..؟! وما هذه الغفلة التي استولت عليكم..؟! أتعلقون أسماء خلفاء العرب على جدران جوامعكم ولا تذكرون بالإحترام اسمًا من أسماء خلفاء الترك..؟!"

ولا جدال أن قول الشيخ عبيدالله هذا يكشف عن التعصب المسعور الذي تميزت به القومية الطورانية. ومن المضحك أن الطورانيين حاولوا أن يستعيضوا عن العثمانية بما سموه بالإتحاد الطوراني Panturanianis. وكانت هذه الحركة تهدف إلى توثيق الروابط بين الشعوب الناطقة باللغة التركية الأمر الذي يعني تحوّل الدولة العثمانية إلى امبراطورية استعمارية مظهرًا وجوهرًا.

وقد ورد في الصفحة 57 من الكتاب المعروف بعنوان "تركيا" والذي وضعه توينبي وكركوود ما يلي:

"إن الدرس الذي تعلّمه أعضاء تركيا الفتاة هو أن الرجوع بالشعب التركي إلى مؤسساته الاجتماعية قبل دخوله في الإسلام من شأنه أن يعود بهم إلى إحياء الروح الوطنية، وفي الوقت نفسه يكون أساسًا للتقارب والتعاون بين الأتراك وبين الشعوب التركية خارج حدود الدولة العثمانية".

ولا ريب أن القارىء الكريم يعرف حق المعرفة أنه لم تكن ثمة مؤسسات اجتماعية تركية قبل دخول الأتراك في الإسلام. إلا إذا اعتبرنا العشائرية مؤسسة اجتماعية حضارية. وهذا مما يتنافى وأبسط مفاهيم الحضارة.

وجماع القول إن الطورانية وحتى قبل أن تتجسد قومية ودولة، أخذت تتحدى الكرامة العربية في أعزّ ما لها من تراث، في دينها ولغتها، وقد استشرس تحديها هذا بعد أن آلت إليها مقاليد الأمور، الأمر الذي أرغم العرب إرغامًا على الاتجاه اتجاهًا انفصاليًا عن الدولة العثمانية أو بالأحرى عن الامبراطورية الطورانية. وقد ورد في مذكرات الملك عبدالله بن الحسين وفي الصفحة 24 منها قوله:

"إذا قال العرب نحن وأنتم أهل الإسلام قالوا نعم.. ولكن نحن السادة وأنتم التبع".

ويستطرد الملك عبدالله قائلاً:

"وقد ذهب الكثيرون إلى القول إن ظلم السلطان عبدالحميد كان عدلاً محضًا إذا ما قيس بما ارتكبه الاتحاديون من صلب وتشريد وإدارات عرفية وصولات في اليمن وبلاد الشام".

وقد جاء في مذكرة رفعها السفير البريطاني في استانبول إلى وزير الخارجية البريطانية بتاريخ 28 يونيه 1910م ما يلي:

"إن العرب على العموم شعروا بخيبة أمل شديدة عندما اكتشفوا بعد عودة الدستور أن الاتحاديين استولوا على مقاليد السلطة وأنهم منساقون بميولهم التركية، ولا ينوون انتهاج سياسة لا مركزية كان يتوقعها العرب. وأن ما كان يترقبه العرب بعد عودة الدستور هو تطوير الولايات العربية نحو المزيد من الحرية الذاتية تحت سيادة الدولة العثمانية".

ويستطرد السفير البريطاني قائلاً في مذكرته:

"أما الآن فلقد أخذ الكثيرون من العرب يعلنون أن رابطة الخلافة قد انفصمت وأن القضية أمست قضية ترك وعرب".

وقد سبق لي أن قلت في مقالة سابقة أنه بعد عودة الدستور أجريت انتخابات نيابية واجتمع مجلس النواب العثماني (المبعوثان) في 17 ديسمبر من عام 1908م. وكانت نسبة عدد النواب إلى عدد سكان الدولة العثمانية تدل دلالة واضحة على عدم المساواة بين الأتراك والعرب.

فلقد قدّر عدد سكان الدولة العثمانية بـ22 مليونًا ونصف المليون نسمة. وكان عدد العرب منهم يبلغ عشرة ملايين ونصف المليون نسمة، بينما أن عدد الأتراك لم يكن يومذاك يتجاوز سبعة ملايين ونصف المليون، وبالرغم من هذا التفاوت الملحوظ في النسبة، فإن ذلك المجلس كان يضم 150 نائبًا عن الولايات التركية وستين نائبًا فقط عن الولايات العربية. أما مجلس الأعيان الذي كان يتألف من 45 عضوًا فإنه لم يكن فيه من العرب سوى خمسة أعضاء.

يأتي في آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من خير قول البرية يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية لا يجاوز إيمانهم حناجرهم فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم يوم القيامة

رابط هذا التعليق
شارك

د- مخالب الصهيونية:

قلت في مقالتي السابقة (رقم 5) إن هرتزل Herzel بعد فشله في إقناع السلطان عبدالحميد بالسماح بالهجرة الجماعية لليهود إلى فلسطين اقتنع بأن قيام الدولة اليهودية مشروط بانهيار الامبراطورية العثمانية وتقطيع أوصالها. ومن ثم استطردت قائلاً: لذلك تراني أعتقد بأن الصهيونية ساعدت على قيام جمعية الاتحاد والترقي. وقد وقع بين يدي ما يثبت صحة ما ذهبت إليه شكوكي.

فلقد أورد ستون Seton Watson في الصفحة 135 – 136 من كتابه المعروف بعنوان "نشوء القومية في بلاد البلقان" ما يلي:

"إن الحقيقة البارزة في تكوين جمعية الاتحاد والترقي أنها غير تركية وغير اسلامية.."

ويضيف ستون قائلاً: "إن أصحاب العقول المحركة ورواد الحركة كانوا يهودًا أو مسلمين من أصل يهودي. وأما العون المالي فكان يردهم عن طريق "الدونمة" ويهود سالونيكا الأثرياء.. كما كانت تأتيهم معونات مالية من الرأسمالية الدولية أو الشبيهة بالدولية – من فيينا وبودابست وبرلين وربما من باريس ولندن أيضًا .."

"أما يهود الدونمة أي "المرتدون" فهم يهود سالونيكا. وهم شركاء فعليون في ثورة جمعية الاتحاد والترقي. وان الشائع عنهم أنهم مسلمون بالإسم فقط، أما من حيث الواقع فهم من أتباع العهد القديم.

"والحق أنه لم يكن ثمة انسان واحد يتوقع أن هذه الفئة المغمورة من اليهود والمعروفة بـ(الدونمة) ستلعب دورًا رئيسيًا في ثورة كانت لها نتائج خطيرة في مجرى التاريخ".

ومن الطريف أن فكرة الاتحاد الطوراني مستمدة أيضًا من كتاب عالم فرنسي يهودي يدعى ليون كاهون حيث يقول كاهون هذا ما يلي:

"إن الطورانيين كانوا فيما مضى شعبًا ذكيًا ممتازًا لكنه أخذ بالتقهقر والانحلال عندما تخلى عن الخصائص التي كان يتميز بها في صحارى آسيا الوسطى واعتنق الاسلام دينًا وحضارة".

ومن أطرف الطرائف أن المدعو تكين ألب Tekin Alp مؤلف كتاب "التركية والاتحاد التركي" هو يهودي أيضًا وأن اسمه الحقيقي هو ألبرت كوهين Albert Kohen.

يأتي في آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من خير قول البرية يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية لا يجاوز إيمانهم حناجرهم فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم يوم القيامة

رابط هذا التعليق
شارك

هـ- الإسلام أولاً:

ولكن بالرغم من كل ذلك بقي العرب متمسكين بالإسلام دينًا وبالعثمانية رابطة. فعبدالرحمن الكواكبي "1848-1902" الذي يعتبر البعض لونه القومي واضحًا للغاية، وذلك من حيث مطالبته بعودة الخلافة إلى العرب، فإن عروبته لم تكن وفقًا للأنموذج الأوروبي، أي القول باللادينية في التطبيق السياسي. فالكواكبي كان يؤمن بأن وحدة اللغة والتاريخ والحضارة إنما هي مقومات تعززت بالإسلام. ولذلك كان يشدد على ضرورة الاستمساك بالجامعة الاسلامية وكان يرى أن كل اصلاح يجب أن يكون مستندًا إلى قواعد الإسلام وسننه. وكان جمال الدين الأفغاني قد اقترح قبل الكواكبي بأعوام قليلة استبدال اللغة التركية باللغة العربية "لغة الدين الحنيف" كما وصفها، وكان يقول للسلطان انه إذا نفّذ اقتراحه فإن الامبراطورية العثمانية كدولة اسلامية والسلطان كخليفة للمسلمين "يزدادون قوة ونفوذًا" وكان يردد في مجالسه أن الدولة العثمانية لو اتخذت اللسان العربي لسانًا رسميًا وسعت لتعريب الأتراك لأصبحت على أمنع جانب من القوة.."

وكان دائمًا يتحسر قائلاً:

"ولكن الدولة العثمانية فعلت العكس إذ فكرت وحاولت تتريك العرب"، وكان يعلق على ذلك قائلاً:

"ما أسفهها من سياسة وأسقمه من رأي..!"

وقد ذهب الأفغاني في اقتراحاته على السلطان عبدالحميد إلى حد النصح بنقل عاصمة الخلافة من استانبول إلى مدينة عربية. وبالطبع فإن السلطان رفض كافة اقتراحات جمال الدين الأفغاني الذي أصبح بعد ذلك محطًا لشكوك عبدالحميد ووساوسه.

ويجدر بي أن أشير هنا إلى أن الأفغاني كان من دعاة وحدة الأمة الإسلامية الشاملة، ولم تكن دعوته مقصورة فقط على شعوب الدولة العثمانية المسلمة.

ومن المفجع أن السلطان عبدالحميد بعد أن دبّ في قلبه الهلع الشديد من دعوة الكواكبي استأجر من حضر إلى القاهرة ودسّ السم للكواكبي في طعامه، فتوفي ودفن في القاهرة وذلك في عام 1902. وهناك أيضًا المناضل المسلم محمد رشيد رضا (1865-1935م) السوري المولد كالكواكبي، وصاحب مجلة "المنار" التي تابعت حمل مشعل رسالة مجلة "العروة الوثقى" التي أسسها جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده. أقول لقد كان محمد رشيد رضا يؤمن أن الإسلام نظام ديني صالح لكل مكان وزمان. وأن الشريعة شريعة عملية وأداة صالحة للحكم. وأن "المصلحين" السياسيين القوميين من الأتراك والعرب معًا ليسوا بالمسلمين لأن نظرتهم القومية لا تستند إلى أسس دينية، بل إلى أسس علمانية..

وفي النصف الثاني عندما بدأت الجامعة الإسلامية تبرز إلىالوجود، حاولت بريطانيا إجهاضها. وكلفت بهذا العمل رجلين متمرسين في الأعمال "السوداء" وهما صموئيل لنت Lunt وولفرد سكاون Scown.. وقد اعتمدا خطة ترمي إلى فصل الأقطار العربية عن الدولة العثمانية ورفع أعلام العروبة في مواجهة رايات الإسلام. وقد عرض لنت أفكاره على صديقه الشيخ محمد عبده. قد أجابه الشيخ محمد عبده قائلاً: "إنني أكره أعمال السلطان العثماني لجبنه وخنوعه، وتسلط حاشية السوء عليه. ولكن لا يوجد مسلم واحد يريد بالدولة سوءًا. فالدولة العثمانية سياج لنا جميعًا. فإذا سقطت أصبحنا نحن معشر المسلمين كاليهود، لا بل دون اليهود، وذلك لأن اليهود لديهم ما يخافون عليه ويحفظون به مصالحهم وجامعتهم وهو المال.."

وقد ختم جوابه لـ "لنت" قائلاً:

"إن الشعبين التركي والعربي هما أقوى شعوب الإسلام، فإذا اختلفا فاقتتلا فستكون العاقبة إضعاف الإسلام".

ذلك ما قاله محمد عبده. أما التيار السياسي العربي فلم يكن يومذاك أقل تمسكًا بالإسلام وبالعثمانية من التيار الديني. ففي اليوم الثالث والعشرين من شهر أغسطس لعام 1913 أقامت جمعية الاتحاد والترقي مأدبة عشاء دعت إليها الأعيان والوجهاء من العرب والأتراك. وكان في عداد المدعوين الوفد العربي المطالب بالإصلاح وبخاصة باللامركزية. وقد ألقى عبدالكريم الخليل كلمة في المدعوين أعرب فيها عن إخلاصه للهلال العثماني وعن ضرورة توثيق عرى الأخوة بين العرب والأتراك وعن وجوب تحقيق الوعود بالإصلاح التي قطعها الأتراك على أنفسهم.

أما في العراق وبفضل النشاط السياسي الذي كان يقوم به النادي العلمي الوطني برئاسة طالب النقيب، فقد تألفت لجنة الاصلاح العربية البصراوية ووضعت برنامج عمل يتألف من سبع وعشرين مادة. وكانت المادة الأولى من مواد ذلك البرنامج تنص على "ان وطننا العزيز سيكون ملكية عثمانية يرفرف عليه علم الهلال العثماني". وقد نصت المادة الثالثة منه على "أن الدولة العلية دولة إسلامية على رأس السلطة فيها خليفة المسلمين".

ولكن جمعية الإصلاح العربية البصراوية كانت تدرك الخطر الشديد الذي تشكله جمعية الاتحاد والترقي على العثمانيين والسلطان معًا. فبعد أن وزعت جمعية الاصلاح البصراوية برنامجها، قام السيد كرو Crow القنصل البريطاني العام في البصرة فأرسل تقريرًا مؤرخًا في اليوم الثامن والعشرين من شهر أغسطس 1913 إلى وزارة الخارجية جاء فيه:

"ان البيان (البرنامج" الذي وزعته جمعية الاصلاح البصراوية يدعو للثورة على الوزارة التركية الحالية حيث يتهم البيان بأنها تتآمر على خلع السلطان".

وفي يوم الخامس والعشرين من شهر سبتمبر لعام 1913 أرسل السيد مارلنغ Marling سفير بريطاني في استانبول إلى السير إدوارد غراي وزير الخارجية البريطانية تقريرًا جاء فيه:

"يبدو في الواقع أن الدوافع التي دفعت بجمعية الاصلاح العربية البصراوية للوقوف في صف المعارضة كانت كراهية أعضاء هذه الجمعية لحكم جمعية الاتحاد والترقي أكثر مما كانت مطالبة بالانفصال عن العثمانيين

يأتي في آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من خير قول البرية يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية لا يجاوز إيمانهم حناجرهم فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم يوم القيامة

رابط هذا التعليق
شارك

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة
  • الموضوعات المشابهه

    • 0
      من الواضح أن إصلاح المؤسسة الدينية لا يزال يقع ضمن نطاق الاهتمام للعديد من المنشغلين بالشأن العام.. وهو الأمرعرض المقال كاملاً
    • 1
      سياسة التجويع العثمانيّة قضت على 250 ألف لبناني إضافة إلى مذابح السريان والأرمن والآشوريين أم هزيلة تحضن ولديها خلال المجاعة التي ضربت لبنان بين عامي 1914 و1918. باسكال عازار 24 نيسان 2015 تذكر الإبادة الأرمنيّة في مئويّتها الأولى ذاك اللبناني المطبوع بالنسيان في مواجهة مع تاريخه المخضّب بالدم والموت، بشهداء قضوا حتماً في مجزرة سبّبتها سياسة تجويع ممنهجة. وتتسلّق أرواح شهداء سياسة التجويع التي فرضها العثمانيون على لبنانيي المتصرّفية سلّم الزمان، تحاول إيجاد مكان ينصفها أمام منصّة الذاكرة، ت
    • 16
      الدولـــة العثمانية ( 923 - 1213 هـ / 1517 - 1798 م ) ينسب العثمانيون إلى عثمان خان بن ارطغول بن سليمان شاه بن قيا ألب الذى بفضله تكونت الدولة العثمانية ، وينتمي العثمانيون إلى عشيرة قابي إحدي قبائل الغز التى اضطرت إلى الهجرة عندما أغار جنكيز خان سنة 624 هـ / 1226 م على بلاد أسيا الصغرى فاضطر سليمان شاه إلى التراجع إلى شمالي غربي أرمينية ، وعندما هاجم السلاجقة خراسان وخوارزم عاد سليمان شاه إلى أسيا الصغري حيث توفي سنة 629 هـ / 1231م واستطاع ابنه ارطغول أن يلتحق بخدمة السلطان علاء الدين كيقباد
    • 22
      أسباب سقوط الدولة العثمانية لماذا اختيار هذا الموضوع ؟ أهمية البحث في مثل هذه المواضيع ؟ لقد دعا القرآن الكريم إلى دراسة شؤون الأمم الغابرة وبين كيف أنها سقطت وتلاشت حينما ظلمت { ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون } { و إذا أردناأن نهلك قريةأمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا } فالشرط في تصاعد الخط البياني هو عدم الانحراف عن منهج الله وقد أشار ابن خلدون على الرغم من آرائه الأخرى حول موضوع الدولة إلى ضر
    • 50
      السلام عليكم ورحمة الله وبركاته منذ عامين تقريبا قام احد رجال الاعمال السعوديين بشراء فندق جراند حياة القاهرة ، وكان من اول ما فعله ان قرر حظر بيع الخمور بالفندق واتلاف الكميات الموجودة فيه.. وقتها رصدت عدد من وكالات الانباء هذا الخبر بصورة ان السعودية تريد نقل تجربتها الوهابية الى مصر مدعومة باموال النفط .. كما قيل ان مثل هذا التصرف يعد ضربة قوية للسياحة المصرية وان سعودة مصر قادمة .. سؤالي هنا : هل اصبح منع الخمر مظهراً وهابياً فقط ؟ ام هو امر اسلامي صريح ورد النص فيه باكثر من موضع بالق
×
×
  • أضف...