تيفى-نسبه للتلفزيون

[tiger1411]

صفوت تيفي وخريطة التفريط

د. صلاح عز

ssezz@link.net

عاتبني أحد الإخوة لما بدا في مقال الأسبوع الماضي وكأنه إشادة بياسر عرفات عندما ذكرت أن الصهاينة عاقبوه بالعزل والتهميش لرفضه تسليم ما تبقي من فلسطين في كامب دافيد. والواقع أن ما قلته ينطوي علي معني آخر هو أبعد ما يكون عن الإشادة. فقد اعتقد عرفات (مستندًا إلي «حكمة» القيادة المصرية) أن أمريكا ستكافئه بالضفة والقطاع والقدس علي تسليمه 78% من أرض فلسطين لإسرائيل. ثم فوجئ وكأنه لم يتنازل عن شيء, وأن المطلوب التنازل عن الـ 22% المتبقية. ولأن عرفات كان دائمًا - بعد مشورة الجهابذة في مصر - يعطي بلا مقابل, فقد تطوع مرة أخري بالتنازل عن حائط البراق, وهو ما أسال لعاب باراك علي المطالبة بالحرم نفسه في كامب دافيد. عندئذ قال عرفات لكلينتون إن هذا يعني نهايته. غير أن الصهاينة لا يعبأون بما يحدث لعرفات أو غيره, فهم جاءوا به إلي أوسلو والبيت الأبيض حتي يتنازل. وهم يفعلون اليوم مع أبي مازن ما فعلوه مع عرفات. وكل الضوضاء التي أثيرت في عواصم الغرب حول «خريطة الطريق» كان هدفها التغطية علي حقيقة أنها خريطة تساعد الحكام العرب علي تمهيد الطريق لمزيد من التفريط. وقد كان أهم إنجازات مؤتمري شرم الشيخ والعقبة هو صهينة الخطاب العربي بما يمهد للتنازل عن حق المقاومة وحق العودة, حيث جاء التفريط في الحق الأول صريحًا بلا مواربة, بينما تُركت المهمة لبوش فيما يتعلق بالحق الثاني. وهي أيضًا خريطة تقود أبا مازن علي طريق تصفية القضية بشن حرب أهلية يصر عليها شارون وتابعه بوش.

وضع الصهاينة الحكام العرب أمام خيارين: إما تسليم الحق والعرض والكرامة أو تسليم عروشهم وسلطانهم. ولأنهم يدركون طبيعة المهمة الصعبة الملقاة علي عاتقهم: تكييف شعوبهم علي التفريط والانسحاق تحت أقدام الصهاينة, كان لابد من تجنيد إعلام فاسد لتولي مهمة التكييف, وهنا تبرز أهمية صفوت تيفي. فالتليفزيون هو أخطر أسلحة العصر النفسية: به تستطيع أن تعبئ أمة للمقاومة, وبه تستطيع أن تخدر أمة للاستعباد.

إن الصهاينة لا يقبلون من المنهزمين العرب عمالة بنسبة 50% أو 80%, فالتنازل المقبول فقط هو 100%, وهو ما عجز عنه عرفات في كامب دافيد وعوقب علي خلفيته حتي يكون عبرة لباقي الحكام العرب الذين ساندوه في رفض التنازل عن الحرم. ولذا لا نسمع من أيهم كلمة عما يجري اليوم من استفزازات إسرائيلية ضد الحرم القدسي. لقد نجح الصهاينة في ربط مصير هؤلاء الحكام وأبنائهم وصفقاتهم بالولايات المتحدة حتي يتيقن كل منهم من أن غضب أمريكا عليهم سيكون ثمنه باهظًا, وأنه لا خيار أمامهم سوي الانبطاح أمام شارون وإعداد شعوبهم لوضع نهاية مؤلمة لقضية العرب والمسلمين. ولأن الدولة العربية الوحيدة القادرة علي إيذاء إسرائيل هي مصر, فإن هناك اهتمامًا أمريكيًا خاصًا بالنظام الحاكم فيها ومدي انصياعه لما يُملي عليه وكفاءته في تخدير الرأي العام وإفساده وإلهائه حتي يسهل التعامل أمنيًا مع ردود الفعل الغاضبة علي ما تنوي إسرائيل أن تقدم عليه من قتل وتهويد واستيطان. هذه الاستفزازات سترتكبها إسرائيل طبقًا لخطة موضوعة علي شكل جرعات يسهل هضمها وتتدرج في تصعيدها بما يمكّن أجهزة الإعلام الصهيوني من تخفيف وقعها علي الرأي العام العالمي, وبما يمكن النظام المصري من احتواء آثارها لضمان عدم تهديدها لاستقراره وأمنه.

ولأن النظام المصري في حالة ذعر متواصلة منذ اشتعال انتفاضة الأقصي , فهو يقحم أمنه في كل صغيرة وكبيرة في مصر. والأمثلة لا حصر لها, ومن أهمها: التواجد الأمني في الجامعات, وحملات الإرهاب التي يشنها أمن الدولة ضد طلاب الجامعة الوطنيين. في فلسطين المحتلة يُعتقل الناشط الفلسطيني علي خلفية حقه المشروع في المقاومة, وفي مصر يُعتقل الناشط الإسلامي علي خلفية حقه المشروع في المعارضة. هي نفس العقلية الأمنية التي تقاتل بشراسة من أجل أمن سلطة ظالمة طاغية.

تدرك المقاومة الفلسطينية أنه بينما تستند إسرائيل إلي قوة عظمي, فإن فلسطين لا ظهر لها بعد أن خانها العرب وتخلوا عنها. ولم تبق سوي مصر التي تشرط تدخلها بموافقة المقاومة علي أجندتها التي تخدم أصلاً أمن إسرائيل. بتعبير آخر, فإن السلطة في مصر -مقابل ضمان أمنها- مسموح لها أن تتدخل فقط من أجل ضمان أمن الاحتلال. وما يأمله النظام المصري من ذلك هو احتواء الاحتلال داخل فلسطين, وتكيف الشعب الفلسطيني مع هذا الواقع والاستسلام له آجلاً أو عاجلا.

http://www.afaqarabia.com/asp/Article.asp?...ArticleNO=18492

http://' target="_blank">