اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

كتاب فرسان تحت راية النبي - أيمن الظواهري


الطفشان

Recommended Posts

كتب أيمن الظواهري نائب بن لادن في تنظيم القاعدة كتابا بعنوان "فرسان تحت راية النبي"

نشر ملخص هذا الكتاب في جريدة الشرق الاوسط في ديسمبر 2001

و رد عليه المحامي منتصر الزيات في كتاب "أيمن الظواهري كما عرفته" في جريدة الحياة في نفس الشهر

و يتناول الرد بعض النقاط التي تتعلق بالحركة الاسلامية في مصر، و بالذات تنظيمي الجماعة الاسلامية و الجهاد و مرحلة العنف المسلح

كما يتناول بعض اتهامات الظواهري للزيات

و المقالات موجودة على الانترنت في الموقع التالي

http://www.muslimeen.co.uk/maqa/frsan1.htm

http://www.muslimeen.co.uk/maqa/frsan2.htm

و الكتاب مهم جدا تاريخيا

لان فيه تفاصيل مراحل تطور الفكر الجهادي في مصر

و الاعتراف بعمليات كثيرة تمت

الشعب اراد الحياة و القيد انكسر

رابط هذا التعليق
شارك

للأسف

اللينكات لا تفتح

مصر أكبر من نظام الحكم الفردى الديكتاتورى الإستبدادى

الذى فرضه علينا عسكر حركة يوليو فى الخمسينات

وصار نظاما لحكم مصر

برنامج الرئيس الإنتخابى لإسكان فقراء الشباب ..

سرقه مسؤولون وزارة الإسكان مع المقاولين ..!

رابط هذا التعليق
شارك

أعتذر للاطالة

و لكن بما ان الكتاب غير موجود على النت

فسأنشره هنا

تمهيد..

لماذا هذا الكتاب ؟!..

لمن كتب الظواهري ؟..

فرصة ذهبية..

كمال السنانيرى..

القتال ضد الروس ..

لماذا فجرنا السفارة المصرية في باكستان؟

سيد قطب..

السادات أخرج الأصوليين من القمقم..

قضية الفنية العسكرية..

صالح سرية..

إحياء تنظيم «الجهاد»

وكيل نيابة مصري يلجأ لحرب العصابات ..

مظاهرة لـ«الجهاد من مسجد الحسين..

مقتل السادات محطة هامة على درب الجهاد ..

الأثار المترتبة على حادث المنصة ..

عصام القمرى..

تهريب السلاح من الجيش..

ضرب رؤساء أميركا في جنازة السادات..

معركة الجمالية..

الهروب الكبير ...

أحداث عين شمس ..

مقتل المقدم عصام شمس ..

تسارع وتيرة ردود الأفعال ..

أسفنا لمقتل الطفلة شيماء ..

عملية اللواء رؤوف خيرت ..

كسر إرادة الحركة الأصولية..

دخول أمريكا على الساحة ...

هدف المناورات المشتركة مع أميركا ..

تنامي الحركة الأصولية..

المطاردة الدولية للأصوليين ..

تحدى الملا عمر لأميركا ..

أسباب الحرب ضد أفغانستان ..

مبادرة وقف العمل العسكري..

اسئلة حول مبادرة وقف العنف ..

انقلاب في الثوابت ..

ملاحظات على الزيات..

الحصاد المر..

عمر عبد الرحمن ..

تاريخ الصراع اليهودى الاسلامى ..

نابليون وحلم اليهود ..

الإنجليز وعودة اليهود ..

أمريكا ودعم اسرائيل ..

طبيعة الصراع ومعالم المرحلة القادمة..

تقديم جريدة الشرق الاوسط للكتاب ..

حصلت «الشرق الأوسط» على كتاب للدكتور ايمن الظواهري الحليف الأول لاسامة بن لادن وزعيم «الجهاد» المصري. والكتاب يتحدث فيه ثاني اكبر رأس مطلوب في العالم من قبل الولايات المتحدة، عن مفاصل مهمة من حياته ورفاق دربه من «الأفغان العرب» واسباب عداء الحركات للولايات المتحدة.

وفي مقدمة الكتاب يقول زعيم «الجهاد»: « لقد كتبت هذا الكتاب ايضا اداء للامانة الى جيلنا والاجيال التي تليه، فلعلي لا اتمكن من الكتابة بعد ذلك في وسط هذه الظروف القلقة والاحوال المتقلبة. وانا اتوقع ألا ينشره ناشر ولا يوزعه موزع ». ويرصد الظواهري بين صفحات الكتاب واسمه « فرسان تحت راية النبي » وقائع السنوات الأولى في التنظيم، كما عاشها، بدءاً من التحاقه بأول خلية للجهاد في القاهرة سنة 1966 أي قبل أن يكمل السادسة عشرة (الظواهري من مواليد 1951) ومروراً بأحداث هزت العالم. والكتاب تم تهريبه مع اصولي مصري من اعوان الظواهري المقربين اسمه «ع. ص» من احد كهوف افغانستان بمنطقة قندهار الى مدينة بيشاور الحدودية ثم لندن، وتنشر «الشرق الأوسط» اعتبارا من اليوم فصولا منه.

يختبئ زعيم جماعة «الجهاد» المصرية الدكتور أيمن الظواهري، ثاني اكبر رأس مطلوب في العالم من جانب الولايات المتحدة، بعد اسامة بن لادن، في كهف أو مخبأ ما في الجبال المحيطة بقندهار العاصمة الروحية للملا محمد عمر حاكم طالبان او على مقربة من الحدود الباكستانية، ومن غير المستبعد أن يكون دوي قنابل القاذفات الاميركية التي تدك أفغانستان على مقربة منه يقطع عليه حبال تفكيره في الكتاب المقبل الذي ربما يكون قد اقترب من الانتهاء من فصوله الاخيرة عن احداث 11 سبتمبر (ايلول) الماضي، { والغارات الاميركية التي ادت الى مقتل العشرات من قيادات تنظيم «القاعدة»، وابرزهم ابو حفص المصري صهر بن لادن والمسؤول العسكري الاسبق للمنظمة السرية، ونصر فهمي نصر المسؤول المالي لـ«الجهاد» وطارق انور مسؤول العمليات الخاصة…} ؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟

وفي الكتاب الجديد الذي لم ير النور بعد حسب مصادر الاصوليين في لندن، يتحدث الظواهري عن تنظيم «الجهاد» في مصر، واسباب هجرته الشخصية، والدخول في معركة تحت امرة بن لادن « مع العدو البعيد» وهي المعركة التي اتت على الاخضر واليابس في افغانستان ،

{ ومقتل نحو 15 من قيادات «الجهاد» وادت الى ضرب حركة طالبان } ؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟

وتعتقد مصادر الاصوليين ان كتاب الظواهري المقبل لن يقل اثارة عن كتاب مفكر «الافغان العرب» ومنظرهم الاول ابا الوليد وهو اصولي مصري تطالب اميركا بتسلمه، وهو من المقربين جدا من بن لادن والملا عمر، والكتاب يحمل مسمى «تأملات تحت سقف العالم». والظواهري المتحدر من اسرة ثرية مصرية انضم الى صفوف معارضة الرئيس المصري الراحل انور السادات وكان في عمر لا يتجاوز الستة عشر عاما، وقد سجن بتهمة التورط في اغتياله. وشكل الظواهري مجموعة خاصة به، كان هو اميرها، من ضمنها شقيقه محمد، الملقب بالمهندس (تسلمته مصر من الامارات) العام الماضي. وتعرف الظواهري قبل اكتوبر (تشرين الاول) 1981، على ضابط المخابرات الحربية عبود الزمر، الذي اقنعه بالانضمام الى جماعة عبد السلام فرج، واعتقل في قضية اغتيال الرئيس الراحل انور السادات، وقضى 3 سنوات في السجن، وغادر مصر الى بيشاور في باكستان عام 1985، وهناك استطاع ان يوحد جماعات الافغان العرب.

ويتصدر حاليا الظواهري قائمة الـ14 الذين تطالب مصر بتسليمهم، لتورطهم في اعمال عنف، وضمن القائمة، ياسر السري مدير المرصد الاسلامي في لندن (محتجز في سجن بيل مارش البريطاني بتهمة التورط في اغتيال القائد الافغاني مسعود)، الصادر ضده حكمان غيابيان بالاعدام والسجن المؤبد من محاكم عسكرية بالقاهرة، وكذلك عادل السيد محمد، ومصطفى حمزة، الذي تتهمه مصر بالتخطيط لمحاولة اغتيال الرئيس المصري حسني مبارك في اديس ابابا، وكنيته ( ابو حازم)، وتصفه المصادر بانه قائد الجناح العسكري "للجماعة الاسلامية"، وثروت شحاته، ورفاعي طه، وعصام الغمري، وحسين شاميت، ومحمد الاسلامبولي (شقيق قاتل الرئيس السادات)، وعادل عبد المجيد عبد الباري (يحتجز حاليا في سجن بريكستون بجنوب غربي لندن على ذمة الطلب الاميركي، لترحيله بتهمة التواطؤ مع بن لادن). ورغم ان الظواهري ظهر في عديد من المناسبات على انه نائب زعيم منظمة «القاعدة» لكنه يبدو انه هو القائد الأصل من وراء حجاب وحسب احد الاصوليين في لندن فان «الظواهري هو وراء العداء المستحكم في قلب بن لادن ضد الولايات المتحدة والغرب». وعلى رغم كل هذه الظروف ، فإن الظواهري الذي أراد أن يطل على الناس خلال الاسابيع الماضية بـكتاب تم تهريبه من احد كهوف افغانستان الى بيشاور الحدودية ثم لندن يعرض فيه تاريخه، ويرصد بين صفحاته وقائع، كما عاشها، بدءا من التحاقه بأول خلية جهادية في القاهرة سنة 1966 أي قبل أن يكمل السادسة عشرة (الظواهري من مواليد 1951) ومروراً بأحداث هزت مصر والعالم، من بينها اغتيال الرئيس السادات، وانتهاء بما جرى ويجري على الأراضي الأفغانية، طارحاً وجهة نظره في بعض القضايا التي أثيرت طوال رحلته، كالخلاف على اسلوب التعاطي مع السادات، والنزاع الذي تفجر بين أقطاب تنظيمي «الجهاد» و«الجماعة الإسلامية» داخل سجن طرة، بعدما ألقت السلطات المصرية القبض علىهم اثر حادثة المنصة. والكتاب يتكون من ثلاثة اجزاء ويحمل عنوان «فرسان تحت راية النبي» وعنوانا فرعيا آخر هو «تأملات في الحركة الجهادية»، ومن عنوانه يمكن فهم محتواه، فالفرسان الذين قصدهم هم قادة وعناصر الحركات الاصولية. ويلاحظ ان تسمية الكتاب هي رد على التسمية التي شاعت في القرون الوسطى لـ «فرسان القبر المقدس» ابان الحروب الصليبية في الشرق الأوسط.

ويقع كتاب الظواهري في 21 فصلاً تحدث في بعضها عن زملائه القدامى، خصوصاً يحيى هاشم وكيل النيابة الذي كان اقنع الظواهري في النصف الثاني من عقد الستينات بالانضمام إلي خليته الجهادية. وخصص لرفيقه السابق عصام القمري ضابط المدرعات الذي قُتل عقب اغتيال السادات بعدما تمكن من الفرار من سجن طرة، فصلاً خاصاً. وكل من تابع نشأة وتطور الحركات الاسلامية الراديكالية يعرف الصلة الوثيقة التي كانت تربط الاثنين، الظواهري والقمري.

وخصص الظواهري في كتابه فصلا كاملا للعملية التي قادها عناصر «الجهاد» في تفجير السفارة المصرية في اسلام اباد، وخصص فصلين لمن اسماهم «اعداء الاسلام من اليهود والاميركيين». وربما كان انشغال الظواهري في العمل التنظيمي واعادة احياء جماعة «الجهاد» بعد سفره الى أفغانستان بعد ضرب التنظيم إثر اغتيال السادات، والظروف التي عاشها في أفغانستان سبباً في ندرة كتبه. لكن احداث 11 سبتمبر ادت الى رواج في مبيعات كتبه بالمكتبات الاسلامية في لندن مثل كتابيه الشهيرين «الحصاد المر» ويتعرض فيه لعلاقة الاخوان المسلمين، بالسلطة خلال عهود الملك فاروق وعبد الناصر والسادات، وفيه نقد شديد لرموز حركة الاخوان المسلمين، و«الكتاب الأسود» وكتاب اخر تحت مسمى «شفاء صدور المؤمنين»، وهو يتعرض للحكم الشرعي في «العمليات الاستشهادية».

ولم يفت الظواهري التعليق على مواقف بعض الحركات الأصولية الأخرى، مثل الجماعة الإسلامية التي أحدثت تحولاً استراتيجياً حين أصدرت في مارس (آذار) 1999 قراراً تاريخياً قضى بوقف شامل للعمليات العسكرية داخل مصر وخارجها، استجابة لمبادرة سلمية كان القادة التاريخيون للتنظيم اطلقوها في يوليو (تموز) .1997

وفي فصل خاص تحت عنوان «افغانستان الهجرة والاعداد» تحدث زعيم تنظيم «الجهاد» عن أسباب اقتحام الاصوليين عموماً وعناصر «الجهاد» خصوصاً غمار الحرب في أفغانستان، اضافة بالطبع الى الأسس التي استندوا اليها مع بن لادن ضمن «الجبهة العالمية لقتال اليهود والصليبيين في عام 1998»، وتحويل عمليات الجهاد الى استهداف المصالح الاميركية.

وفي مقدمة الكتاب يقول الظواهري: «لقد كتبت هذا الكتاب ايضا اداء للامانة الى جيلنا والاجيال التي تليه ، فلعلي لا اتمكن من الكتابة بعد ذلك في وسط هذه الظروف القلقة والاحوال المتقلبة». ويضيف: «لقد كتبت هذا الكتاب وانا اتوقع الا ينشره ناشر ولا يوزعه موزع». ولذلك اعتبر البعض الكتاب/المذكرات بمثابة « وصية اخيرة».

ويعتبر مكتب المباحث الاميركي (اف بي اي) ايمن الظواهري، اليد اليمنى لابن لادن، العقل المدبر لتفجير السفارتين الاميركيتين في نيروبي (كينيا) ودار السلام (تنزانيا) في اغسطس (آب) .1998 وتصدر ايمن الظواهري وشقيقه محمد ( المهندس)، قضية «العائدون من البانيا» التي نظرتها المحكمة العسكرية بالقاهرة في ابريل (نيسان) 1999 وحكم عليه بالاعدام غيابيا، وكان هناك اسلاميون آخرون رحلوا من عدة عواصم عربية، ومن اذربيجان وبلغاريا والبانيا، على لائحة الاتهام في تلك القضية. وتشير مصادر الاصوليين في لندن الى ان الظواهري على ما يبدو ملأ فراغا كان يعانيه اسامة بن لادن في حياته، حتى انه حين اعتقل في القاهرة في العام 1996 كان بن لادن هو الذي دفع كفالة اخلاء سبيله. ومن هناك توجه الاثنان معا ثانية الى افغانستان حيث هناك خططا على ما يبدو لتفجير السفارتين الاميركيتين في نيروبي ودار السلام في العام .1998 وفي كتاب « فرسان تحت راية النبي» يتعرض الظواهري لفتوى قتل الاميركيين، التي تخالف مبادئ الشرع الاسلامي ؟؟؟!!!!!!!!!! ، وكذلك تخالف استراتيجية منظمة الجهاد وادبياته، التي ترى (ان مقاتلة العدو القريب خير وافضل من العدو البعيد)، وتلك الاستراتيجية هي المنهج الرئيسي لفكر جماعة الجهاد الذي تضمنه كتاب «الفريضة الغائبة»، لمؤلفه المهندس الكهربائي محمد عبد السلام فرج، والذي اعدم في قضية اغتيال السادات.

وتعتبر مصادر الاصوليين ان «توقيع الظواهري على بيان «الجبهة العالمية لقتال اليهود والصليبيين» في فبراير (شباط) 1988، كان نذير شؤم على جماعة الجهاد، لانه تسبب في السقوط السريع الذي اطاح بابرز رموز الجماعة الموجودين خارج مصر، في عمليات تسليم عناصر التنظيم، التي شهدتها العواصم العربية باتجاه القاهرة. ويقول الاصوليون في لندن ان توقيع الظواهري على البيان الشهير جعل السلطات الاميركية تصعد محاربة اعضاء التنظيم الموجودين في اوروبا، (تطالب السلطات الاميركية حاليا بترحيل اثنين من قادة التنظيم يحتجزان في سجن بريكستون، وهما عادل عبد المجيد عبد الباري وضابط المدفعية المصري السابق ابراهيم عيدروس وكلاهما ينتظر مع خالد الفواز حكم مجلس اللوردات خلال ايام). وتضيف المصادر ان ملاحقة السلطات الاميركية لقادة التنظيم بعد تفجير سفارتيها في نيروبي ودار السلام في اغسطس (اب) عام 1998، ادى الى انهيار قواعد التنظيم السرية في العواصم الغربية، بعد اعتقال عدد من ابرز قادة تنظيم «الجهاد» في البانيا، وترحيلهم الي مصر، ضمن قضية «العائدون من البانيا»، كذلك الظهور المفاجـ للقيادي احمد سلامة مبروك ابرز قادة التنظيم والساعد الايمن للظواهري، في محكمة هايكستب العسكرية بشمال القاهرة، والذي صدر ضده حكم غيابي سابقا بالاعدام، زاد من محنة التنظيم، لما افشى به من معلومات هامة .

الشعب اراد الحياة و القيد انكسر

رابط هذا التعليق
شارك

لمن كتب الظواهري ؟..

اما لمن كتب هذا الكتاب ؟ يقول الظواهري: « هذا الكتاب كتبته لتقرأه طائفتان، الاولى هي الشريحة المثقفة. والثانية هي الفئة المجاهدة، ولذا فقد حرصت ان اكون واضحا وبسيطا في كتابتي بعيدا عن اساليب المتخصصين واستدلالاتهم». ويقول الظواهري «انه لم يستطع ان يجمع كثيرا من الوثائق والاسانيد الضرورية لهذا النوع من الكتابة التحليلية، بسبب افتقاد الكاتب للاستقرار الذي يعيشه في افغانستان، بالاضافة الى ان الكاتب لا يملك الا شهادته التي لا يستطيع ان يقدمها مفصلة لان الكثير من ابطالها ما زالوا في خضم المعركة وكثير من احداثها لا زالت تتفاعل في الميدان». ويصف الظواهري نفسه في الكتاب قبل ان يختتم المقدمة: «بانه مهاجر مطارد يشد على ايدي المهاجرين والمجاهدين ويشحذ من عزمهم ، ويذكرهم برحمة الله الواسعة».

ويقول زعيم «الجهاد» ان تسمية الافغان العرب مغرضة، لانهم لم يكونوا عربا فقط، بل مجاهدين من ارجاء العالم الاسلامي كافة، وان كان العرب عنصرا متميزا. ويضيف ان «هؤلاء الشباب احيوا فريضة طالما حرمت منها الامة، بالقتال في افغانستان وكشمير والبوسنة والشيشان». ويقول: «في معسكرات التدريب وجبهات القتال ضد الروس تكون لدى الشباب المسلم وعي واسع وادراك اعمق بالمؤامرة المحاكة، وفهم شرعي تجاه اعداء الاسلام والخارجين وعملائهم». ويمضي قائلا: «بالطبع لم يكن النظام العالمي ليقبل بوجود هذه الظاهرة المتنامية من الافغان العرب المتمردة عليه المهددة لوجوده، بعد ان بذل الاحتلال الغربي والشيوعي جهودا متواصلة على مدى قرابة قرن من الزمان لاخضاع الشعوب المسلمة بالانظمة والقوانين والانتخابات المزورة، وحالات الطوارئ وقوانين الهجرة والجنسية». ويشير الى ان رد الفعل ضد الافغان العرب بدأ بطردهم من باكستان من بداية التسعينات، وبلغ اوجه عام .1992 ويقول «لسخرية القدر فان حكومة باكستان العلمانية طردت من دافع عن حدودها الى المجهول». وعلى الجانب الافغاني من منفذ طورخم الحدودي بين باكستان وافغانستان توجد مقبرة تحوي رفات اكثر من مائة من المجاهدين العرب في افغانستان، تقف دليلا على موقف الحكومة الباكستانية ضد من دافع عن حدودها ضد التهديد الشيوعي». ويذكر الظواهري: «اما الان فقد تشتت جمع الافغان العرب في اصقاع المعمورة ما بين لاجئ او مهاجر او متخف او اسير او قتيل او مقاتل حمل سلاحه لجبهة اخرى من ثغور الاسلام، او يائس يحاول ان ينخرط في حياة الناس العادية، بعد ان رأى شراسة العداء، وشدة المطاردة ضد المجاهدين». ويقول: ان الاعلام العربي والغربي مسؤول عن تشويه صورة الافغان العرب بتصويرهم في صورة انصاف المجانين المهوسين الذين تمردوا على اميركا التي دربتهم ومولتهم من قبل. وزاد ترديد هذه الفرية بعد العودة الثانية للأفغان العرب الى افغانستان في النصف الثاني من التسعينات بعد تفجير سفارتي الولايات المتحدة في نيروبي ودار السلام. وحسب زعيم «الجهاد» المصري فان الهدف من حملة التشويه الموجهة ضد الافغان العرب واضح وجلي، وهو ان تحاول اميركا حرمان الامة المسلمة من شرف البطولة، وكأنها تقول: ان من تعدونهم ابطالا هم في الحقيقة من صنيعتي ومرتزقتي تمردوا علي عندما اوقفت دعمهم. ويقول: «هذه الفرية تحمل في طياتها التناقض، فاذا كان الافغان العرب من صنيعة اميركا، فلماذا اصرت على مدى سنتين على طردهم». ويقول: «الحقيقة التي يجب ان يعلمها الجميع هي ان اميركا لم تدعم المجاهدين بقرش واحد». ويستشهد بقول حليفه الاول بن لادن: «ان الدعم العربي الشعبي للافغان بلغ 200 مليون دولار خلال عشر سنوات». ويوضح: «اذا كان الافغان العرب، مرتزقة لاميركا، تمردوا عليها، كما تفتري، فلماذا تعجز عن شرائهم الآن؟.. أليس شراؤهم اوفر واقل كلفة من ميزانية الامن والوقاية التي تدفعها دفاعا عن نفسها».

الشعب اراد الحياة و القيد انكسر

رابط هذا التعليق
شارك

فرصة ذهبية..

كان ايمن محمد ربيع الظواهري ، نجل عميد كلية الصيدلة السابق انضم الى احدى جماعات «الجهاد» عام 1966، بمنطقة المعادي التي ضمت رائد سلاح المدرعات عصام القمري، الذي هرب من الخدمة العسكرية في ابريل (نيسان) 1981، عقب اعتقال سلطات الامن المصرية لعدد من الضباط العسكريين.

والظواهري خريج الطب من جامعة القاهرة في العام 1974 هو الطبيب الشخصي لأسامة بن لادن حاليا، وكان الاثنان التقيا في مطلع الثمانينات حين انطلق الجهاد الأفغاني ضد الغزو السوفياتي، وكان عبد الله عزام البروفسور الفلسطيني (الأب الروحي لابن لادن) هو وسيلة تقاربهما.

غادر الظواهري الطبيب الجراح وابن العائلة الميسورة مصر اواسط الثمانينات بعد ان امضى عقوبة السجن لثلاثة اعوام بسبب تورطه في مقتل السادات. وتنقل الظواهري بين السعودية والسودان والولايات المتحدة قبل ان يستقر في افغانستان مع بن لادن.

يقول الظواهري «بدأت صلتي بأفغانستان صيف عام 1980 بترتيب قدري حينما كنت اعمل بصفة مؤقتة مكان احد زملائي في مستوصف السيدة زينب التابع للجمعية الطبية الاسلامية وهي احد انشطة الاخوان المسلمين. ففي احدى الليالي كلمني مدير المستوصف ـ وهو من الاخوان المسلمين ـ عن رأيي في السفر لباكستان للعلم في المساعدة الجراحية للمهاجرين الافغان، فوافقت على الفور، اذ وجدت في هذا العرض فرصة ذهبية للتعرف على ميدان من ميادين الجهاد التي يمكن ان تكون رافدا وقاعدة للجهاد في مصر والعالم العربي، قلب العالم الاسلامي، حيث تدور معركة الاسلام الاساسية».

ويتابع قائلا «وكانت مشكلة ايجاد قاعدة آمنة للعمل الجهادي في مصر تشغلني كثيرا، بالنظر الى الملاحقات الامنية التي نتعرض لها والطبيعة الجغرافية السهلة التحكم، حيث يجري نهر النيل بواديه الضيق بين صحرائين ممتدتين لا زرع فيها ولا ماء، تلك الطبيعة التي جعلت نشوء حرب عصابات في مصر امرا غير ممكن، وبالتالي فرضت على سكان هذا الوادي الرضوخ للسلطة المركزية، الى السخرة والتجنيد الاجباري».

ويزعم ان «المتنفس هو الانفجارات المتباعدة كالبركان الخامد الذي لا يدري احد متى سيقذف بحممه، او كالزلزال الذي لا يعلم احد متى ترتجف الارض ـ بما عليها ـ من ضربته، لذا لم يكن غريبا ان يكون تاريخ الحركة الاسلامية المعاصرة في مصر هو تاريخ حملات القمع المتعاقبة منذ الاربعينات حتى اليوم».

(لذلك جاءت هذه الدعوة (للمشاركة في العمل الطبي للمهاجرين الافغان)، على قدر، ووافقت رغبة جادة في التعرف على الميادين المناسبة لاقامة قاعدة آمنة لاستمرار العمل الجهادي في مصر، وخاصة في عهد انور السادات حينما ظهرت ملامح الحملة الصليبية الجديدة واضحة لكل ذي رأي، بادية لكل مهتم بشؤون أمته).

(وبالفعل سافرت الى مدينة بيشاور الباكستانية بصحبة زميل متخصص في التخدير، ثم ما لبث ان لحق بنا زميل آخر متخصص في جراحة التجميل، وكنا نحن الثلاثة اول عرب يصلون للعمل الاغاثي للمهاجرين الافغان).

(وكان قد سبقنا الى بيشاور الاستاذ كمال السنانيري، رحمه الله، وكانت بصماته تسبقنا حيث نذهب، فالمستشفى الذي بدأنا العمل فيه كان هو الرائد في انشائه، وقادة المجاهدين الذين قابلناهم كانوا يحدثوننا عن مساعدته لهم وعن مجهوده في التوحيد بينهم. وكمال السنانيري رغم اني لم التق به، الا ان اعماله وانشطته كانت تدل على بذله وعطائه في سبيل الله).

ويقدم الظواهري رواية عن السنانيري يقول فيها «لم يكن غريبا ان يقتل كمال السنانيري في حملة الاعتقالات التي بدأت بقرارات التحفظ في سبتمبر (ايلول) 1981».

ويقول الظواهري (ان كمال السنانيري قتل تحت التعذيب الذي كان يمارسه عليه حسن ابو باشا مدير ادارة مباحث امن الدولة ثم وزير الداخلية ـ بنفسه). ويعتبر ان قصة قتل كمال السنانيري (رحمه الله) لا بد لها من وقفة.

كمال السنانيرى..

وحسب رواية الظواهري في كتابه «فقد اعتقل كمال السنانيري في سبتمبر (ايلول) 1981، وبعد اغتيال انور السادات في اكتوبر (تشرين الاول) ادرك النظام ان اجهزة مباحث امن الدولة والمخابرات الحربية والمخابرات العامة كانت آخر من يعلم عما يدور داخل مصر من غضب مكتوم» على حد قوله.

«بل بلغ الامر بجهل مباحث امن الدولة بما يدور في مصر انها طمأنت السادات بأن حملتها ـ لاعتقال المعارضين في سبتمبر 1981 قد امنت البلد لصالحه من المعارضة السياسية عامة والاسلامية خاصة»…

ويقول الظواهري في كتابه «لذا سارعت المباحث الى بدء تحقيق جديد مع الاخوان المسلمين رغم قناعتها السابقة انهم مسالمون، وركز التحقيق على مجموعة من الصف الثاني والثالث وكان من اهمهم الاستاذ كمال السنانيري لعدة اعتبارات، منها ان المرشد عمر التلمساني كان كهلا لا يحتمل التعذيب، بالاضافة لوضعه المعنوي كمرشد عام للاخوان، الامر الذي قد يورط النظام في مشاكل، كما ان النظام كان يعلم ان مفاتيح الامور وتفاصيل انشطة الاخوان لم تكن بيد عمر التلمساني، ومنها النشاط الكبير الذي كان يقوم به كمال السنانيري في تحقيق الاتصال بين الاخوان في مصر والتنظيم الدولي في الخارج، ورحلاته المتكررة في هذا الصدد، ومنها تبنيه لقضية افغانستان وريادته في دعم الجهاد الافغاني والاتصال بقادته، ومنها موقع كمال السنانيري داخل تنظيم الاخوان المسلمين».

ويقول الظواهري «ان تركيبة الاخوان المسلمين عجيبة، فالقيادة الظاهرة كان يمثلها المرشد العام (عمر التلمساني) امام الناس والنظام، اما القيادة الحقيقية فقد كانت في يد مجموعة النظام الخاص من امثال مصطفى مشهور، والدكتور احمد الملط رحمه الله، والاستاذ كمال السنانيري رحمه الله. ومن هنا اقتنعت مباحث امن الدولة ان الاخوان المسلمين لو كان لهم تنظيم سري فسيكون سره عند الاستاذ كمال السنانيري.

ويقول الظواهري «وبدأ التحقيق مع كمال السنانيري وحشيا، وحكى لي الدكتور عبد المنعم ابو الفتوح ـ وكان زميلا لي في كلية طب القاهرة ـ اثناء حديث بيننا عبر نافذتي زنزانتينا في معتقل القلعة، كيف ان كمال السنانيري ـ اخذ من بين اخوانه ـ ومنهم منعم ابو الفتوح ـ من احد الزنازين في سجن استقبال طرة، وكان يرتدي جلبابا وعباءة، ثم لم يره عبد المنعم ابو الفتوح بعد ذلك الا في مبنى المدعي العام الاشتراكي حيث كان جسمه متورما وتبدو عليه آثار التعذيب الشديد، وقال لهم انه يتعرض لتعذيب لم يتعرض له ابان عهد عبد الناصر، ثم ذكر هذا التعذيب للمحقق التابع للمدعي العام الاشتراكي».

«وبعد ذلك بفترة اخبر احد الرقباء في السجن عبد المنعم ابو الفتوح ان احد اخوانهم قد قتل اليوم من التعذيب، وتبين له بعد ذلك انه السنانيري». واعلنت وزارة الداخلية انه انتحر بشنق نفسه في ماسورة تصريف حوض المياه في زنزانته الانفرادية بواسطة حبل (الروب) الذي كان يرتديه بعد ان كتب على جدار الزنزانة «قتلت نفسي لاحمي اخواني».

ويدلل على وجهة نظره بقوله «كما حكى لي شاهد آخر كان موجودا اثناء تعذيب الاستاذ كمال السنانيري ـ رحمه الله ـ في آخر ليلة من عمره: انه عذب ـ رحمه الله ـ تعذيبا شديدا».

ويقول الظواهري «العجيب بعد كل هذه الحقائق المعروفة التي يوقن بها الاخوان المسلمون انهم لم يتحركوا للقصاص لدم السنانيري ـ رغم علمهم التام بتفاصيل قتله ـ ولو حتى برفع دعوى قضائية ضد المسؤولين ـ عن قتله ـ وهم معروفون، واثبات الواقعة عليهم سهل، فقد دخل كمال السنانيري السجن على قدميه وخرج جثة هامدة، فمأمور السجن ومصلحة السجون ووزارة الداخلية مسؤولون عما حدث، والصفة التشريحية للجثة ستدحض بجلاء اي قصة كتلك التي اختلقتها وزارة الداخلية».

الشعب اراد الحياة و القيد انكسر

رابط هذا التعليق
شارك

القتال ضد الروس..

وحول فترة اقامته في بيشاور يقول: باحتكاكي بساحة الجهاد الافغاني تبين لي منذ عام 1980 مدى ثراء هذه الساحة ومدى النفع الذي يمكن ان تقدمه للامة المسلمة عامة وللحركة الجهادية خاصة، وادركت ضرورة الاستفادة من هذه الساحة، ولذا بعد ان مكثت فيها ـ اول مرة ـ قرابة اربعة اشهر عدت مرة اخرى في مارس (اذار) عام 1981 ومكثت قرابة شهرين، اضطررت بعدها الى العودة لمصر نظرا للظروف الضاغطة هناك.

ثم شاء الله سبحانه ـ وهو المحمود على السراء والضراء ـ ان امكث في السجن بمصر ثلاث سنوات انتهت اواخر عام 1984، ولكن نظرا لظروف خاصة بترتيب اوضاعي لم اتمكن من العودة الى ساحة الجهاد الافغاني الا منتصف عام .1986 وخلال احتكاكي وتعاملي مع العاملين في هذه الساحة اتضحت لي حقائق في غاية الخطورة لا بد من تسجيلها:

1ـ ان الحركة الجهادية في حاجة الى ساحة جهادية تكون لها بمثابة المحضن الذي تنمو فيه البذرة النابتة، وتكتسب فيها خبراتها العملية والقتالية والسياسية والتنظيمية.

وكان الاخ الشهيد ـ كما نحسبه ـ ابو عبيدة البنشيري ـ رحمه الله ـ يقول: «لقد زاد عمري في افغانستان مائة عام». (والبنشيري غرق في بحيرة فيكتوريا عام 1996).

2ـ خاض الشباب المسلم في افغانستان معركة تحرير الارض المسلمة تحت شعارات اسلامية خالصة، وهو امر في غاية الخطورة، اذ ان كثيرا من معارك التحرير التي جرت على ارض عالمنا الاسلامي اختلطت فيها شعارات القومية الوطنية بالاسلام بل واحيانا بشعارات اليسار والشيوعية.

مما احدث لدى الشباب المسلم انفصاما بين عقيدته الجهادية الاسلامية التي يجب ان تقوم على اساس اخلاص الدين لله، وبين تطبيقها الواقعي.

وقضية فلسطين خير مثال على ذلك حيث اختلطت فيها الشعارات والعقائد تحت شعار التحالف مع الشيطان من اجل تحرير فلسطين، فتحالفوا مع الشيطان وخسروا فلسطين.

ويقول الظواهري «الامر الآخر الهام هو ان هذه المعارك التي تعلوها رايات غير اسلامية او رايات مختلطة قد اضاعت الحدود الفاصلة بين الاولياء والاعداء في منظور الشباب المسلم، فأصبح العدو مشكوكا فيه، أهو العدو الخارجي الذي يحتل ارض المسلمين، ام هو العدو الداخلي الذي يمنع الحكم بالاسلام، ويبطش بالمسلمين، وينشر الفجور والانحلال تحت شعارات التقدم والحرية والقومية والتحرير، سائقا الاوطان الى هاوية الدمار الداخلي والاستسلام للعدو الخارجي، كما هو حال معظم بلادنا في ظل النظام العالمي الجديد».

اما في افغانستان فقد كانت الصورة واضحة جدا: شعب مسلم يجاهد تحت راية الاسلام، وعدو خارجي معتد كافر يسانده نظام داخلي مرتد فاسد.

لذا كان انطباق النظرية على الواقع واضحا وجليا.

وهذا الوضوح افاد ايضا في دحض شبهات كثير من المتصدرين للعمل الاسلامي الهاربين من ساحة الجهاد بحجة غياب الساحة التي يتميز فيها المسلمون عن اعدائهم.

3ـ كما كانت ساحة افغانستان ـ وخاصة بعد انسحاب الروس ـ نموذجا عمليا على جهاد الحكام الخارجين عن الاسلام المتحالفين مع اعداء الاسلام الخارجيين، فقد كان نجيب الله في افغانستان نموذجا متكررا، فهو يصلي ويصوم ويحج، وفي نفس الوقت يمنع الحكم بالاسلام ويتحالف مع اعداء الاسلام ويدخلهم لبلاده ويبطش بالمسلمين المجاهدين.

4ـ كما كانت اهمية معارك الجهاد في افغانستان انها حطمت وهم (القوة العظمى) في اذهان الشباب المسلم المجاهد، فالاتحاد السوفياتي ـ وهو القوة العظمى صاحبة اكبر قوة برية في العالم ـ تحطم وفرت فلوله هاربة من افغانستان امام اعين الشباب المسلم وبمشاركته.

فكان ذلك الجهاد دورة تدريبية في غاية الخطورة لاعداد الشباب المسلم المجاهد لخوض معركته المنتظرة مع القوة العظمى التي تفردت بزعامة العالم الآن.. اميركا.

5ـ كما وفرت مشاركة الشباب المسلم المجاهد ـ من العرب والباكستانيين والاتراك ومسلمي وسط آسيا وشرقها وغيرهم ـ فرصة كبيرة لتعارف الشباب المسلم من مختلف ارجاء العالم الاسلامي على ساحة الجهاد الافغاني، وعبر زمالة السلاح الموجه ضد اعداء الاسلام.

وهكذا تعارف الشباب المجاهد والحركات الجهادية مع بعضها البعض تعارفا وثيقا وتبادلوا الخبرات وتفهموا مشاكل اخوانهم.

واذا كانت اميركا قد دعمت باكستان وفصائل المجاهدين بالاموال والعتاد، فان علاقة الشباب العربي المجاهد بأميركا كانت على النقيض تماما.

بل ان وجود هؤلاء الشباب الافغان من العرب ونموهم وازدياد عددهم مثل اخفاقاً للسياسة الاميركية ودليلا متجددا على الغباء السياسي الاميركي الشهير. لقد كان تمويل نشاط المجاهدين العرب في افغانستان يأتي عبر الدعم الشعبي لافغانستان وكان دعما لا يستهان به.

ولم يتكفل المجاهدون العرب بتمويل انفسهم فقط، بل حملوا ايضا تبرعات المسلمين الى المجاهدين والمهاجرين الافغان.

وقد اخبرني اسامة بن لادن بقدر الدعم الشعبي العربي للمجاهدين الافغان الذي نما الى علمه ـ في الجانب العسكري فقط ـ بمائتي مليون دولار على مدى عشر سنوات. فما بالك بالدعم الشعبي في المجالات غير العسكرية مثل الجانب الطبي والصحي والتعليمي والحرفي والغذائي والاجتماعي (مثل كفالات الايتام والارامل والمعوقين)، ناهيك عن التبرعات التي كانت تأتي في المواسم مثل العيدين ورمضان.. الخ.

وعبر هذا الدعم الشعبي غير الرسمي اقام المجاهدون العرب مراكز التدريب والدعوة وانشأوا الجبهات التي دربت واعدت وجهزت الآلاف من المجاهدين العرب، ووفروا لهم الاعاشة والسكن والسفر والتنظيم.

وعن علاقة الافغان العرب باميركا، يقول الظواهري في كتابه: واذا كان المجاهدون العرب مرتزقة لاميركا تمردوا عليها كما تفتري؟ فلماذا تعجز الان عن شرائهم مرة اخرى؟ ألا يعدون الآن ـ وعلى رأسهم اسامة بن لادن ـ الخطر الاول الذي يهدد مصالح اميركا؟ أليس شراؤهم اوفر واقل كلفة من ميزانيات الامن والوقاية الخرافية التي تنفقها اميركا دفاعا عن نفسها ضدهم؟

ان الاميركان بطريقتهم المعهودة في التضخيم والمبالغة والسطحية في التناول يحاولون بيع الوهم للناس، قافزين فوق ابسط الحقائق. هل يمكن ان يكون اسامة بن لادن الذي نادى في محاضراته عام 1987 بضرورة مقاطعة البضائع الاميركية تأييدا للانتفاضة في فلسطين، عميلا للاميركان في افغانستان؟

واذكر يومها انه زارنا في مستشفى الهلال الكويتي في بيشاور وحدثنا عن هذه المحاضرات، واذكر اني قلت له: منذ الآن يجب ان تغير طريقة حراستك ونظام امنك، فان رأسك منذ الآن اصبح مطلوبا من الاميركان واليهود وليس من الشيوعيين والروس فقط، فأنت الآن تضرب الافعى على رأسها.

وهل يمكن ان يكون الشهيد ـ كما نحسبه ـ عبد الله عزام عميلا لاميركا، وهو الذي لم يكل عن تحريض الشباب ضدها ودعم حركة «حماس» بكل ما يملك؟

وهل يمكن ان تكون الحركة الجهادية في مصر عميلة للاميركان وقد قتل خالد الاسلامبولي ورفاقه أنور السادات، قبل نشوء ظاهرة المجاهدين العرب في افغانستان؟

وهل يمكن ان تكون الحركة الجهادية في مصر عميلة لاميركا، وهي تربي ابناءها منذ نشأتها على رفض اسرائيل وكل اتفاقيات الاستسلام لها وتعتبر ان الصلح معها متناقض مع شريعة الاسلام؟

ان اميركا فوجئت بأن طبختها في افغانستان قد افسدها عليها «الافغان العرب» وأهل الصدق من المجاهدين الافغان.

لقد أرادتها اميركا حربا بالوكالة ضد روسيا، فحولها المجاهدون العرب ـ بفضل الله ـ الى دعوة لاحياء الفريضة الغائبة، الجهاد في سبيل الله.

ولذلك تنبهت اميركا لهذا الخطر في البوسنة، فكان الشرط الاول قبل تطبيق اتفاقية دايتون هو طرد المجاهدين العرب من البوسنة.

8 ـ لقد كانت خطورة وجود الشباب المسلم ـ وخاصة العربي ـ في ساحة الجهاد الافغاني هي في تحويل قضية افغانستان من قضية اقليمية محلية الى قضية اسلامية عالمية تشارك فيها الامة كلها.

لماذا فجرنا السفارة المصرية في باكستان؟

يقدم ايمن الظواهري في كتابه اول رواية مباشرة عن عملية تفجير السفارة في اسلام اباد. فبعد حملة مطاردة المجاهدين العرب في باكستان، بدأت الحكومة المصرية تستأسد في باكستان، مستندة الى الدعم الذي تقدمه لها الولايات المتحدة بنفوذها القوي لدى الحكومة الباكستانية وذلك لان علاقة الحكومة المصرية كانت ـ منذ الخمسينات ـ سيئة مع الحكومة الباكستانية بسبب موقف الحكومة المصرية المساند للهند في قضية كشمير، واعتبار الحكومة المصرية ـ منذ عهد عبد الناصر ـ كشمير مشكلة داخلية هندية.

وبدأت الحكومة المصرية في تعقب من تبقى من العرب والمصريين خاصة في باكستان، ووصل الامر الى ترحيل احد الطلاب المقيمين قانونيا من الجامعة الاسلامية في اسلام اباد، ثم القبض على مصريين يحملان الجنسية الباكستانية لزواجهما من باكستانيتين، ووصل استسلام الحكومة الباكستانية لدرجة انها سلمت الشخصين الحاصلين على الجنسية الباكستانية الى الحكومة المصرية اثناء نظر القضاء في تظلمهما، من دون اعتبار للدستور او القانون الباكستاني.

كما ان توسيع الحكومة المصرية لحملتها المعادية للأصوليين في مصر ونقلها المعركة الى خارجها كان لا بد له من رد.

ولذا قررنا ان يكون الرد منصبا على هدف يؤلم هذا التحالف الخبيث.

وبعد الدراسة تقرر تشكيل مجموعة للرد وكلفت بالاهداف التالية: اولا: ضرب السفارة الاميركية في اسلام اباد، فان لم يتيسر فليضرب احد الاهداف الاميركية في باكستان، فان لم يتيسر فلتضرب سفارة دولة غربية مشهورة بعدائها التاريخي للمسلمين، فان لم يتيسر فلتضرب السفارة المصرية.

وبعد الاستطلاع المكثف والمفصل تبين ان ضرب السفارة الاميركية فوق امكانات المجموعة المكلفة، وتم استطلاع احد الاهداف الاميركية في اسلام اباد، فتبين ان به عددا قليلا جدا من الموظفين الاميركان، وان الاصابات ستلحق معظمها بالباكستانيين.

كذلك تبين ان ضرب السفارة الغربية الاخرى فوق امكانات المجموعة المكلفة. وهكذا استقر الامر على ضرب السفارة المصرية في اسلام اباد التي لم تكن فقط تدير حملة المطاردة للعرب في باكستان، بل كانت ايضا تقوم بدور تجسسي خطير على المجاهدين العرب، بالاضافة الى ما اكتشفته اجهزة الامن الباكستانية في مباني السفارة المدمرة من وثائق تكشف عن التعاون الهندي ـ المصري في مجال التجسس.

وقبيل التفجير ارسلت المجموعة المنفذة تخبرنا عن امكانها القيام بضرب السفارة الاميركية والمصرية معاً اذا دبرنا لها مبلغا اضافيا، ولكن كنا قد قدمنا ما معنا ولم نكن نستطيع تدبير المزيد. وهكذا ركزت المجموعة على نسف السفارة المصرية، وتركت خرائب السفارة رسالة بليغة المعنى واضحة البيان.

الشعب اراد الحياة و القيد انكسر

رابط هذا التعليق
شارك

سيد قطب..

قول الظواهري في كتابه « بدأت الحركة الجهادية في مصر مسيرتها الحالية ضد الحكومة بعد منتصف الستينات حينما قام الحكم الناصري بحملته الشهيرة في سنة 1965 ضد الاخوان المسلمين، وأودع السجون سبعة عشر ألفا، وتم اعدام سيد قطب (أبرز مفكري الاخوان المسلمين) واثنين من رفاقه، وظنت السلطات انه بذلك قد قضي على الحركة الاسلامية في مصر بلا رجعة.

« ولكن شاء الله ان تكون هذه الأحداث هي شرارة البداية للحركة الجهادية في مصر ضد الحكومة .

« والحركة الاسلامية في مصر وان كانت قد مارست الجهد ضد أعداء الاسلام من قبل، ولكن خطها العام لم يكن موجهاً ضد النظام الحاكم، لانه كان موجهاً أساساً ضد العدو الخارجي، وبقي فكر الحركة واعلامها يحاول قدر الامكان أن يتقرب من رأس النظام الحاكم (الملك) وان يخاطبه بصفته السلطة الشرعية في البلاد.

«وقد أدى هذا الفصل المتعسف بين الأعداء الخارجين وعملائهم الداخليين الى عديد من الكوارث والانتكاسات، لأن ابناء الحركة واجهوا بصدورهم عدواً وتركوا ظهورهم عارية لحليفه، ليُطعنوا من خلفهم بأوامر من يواجهونه بصدورهم».

ويتحدث الظواهري عن سيد قطب قائلا: انه أكد على مدى أهمية قضية التوحيد في الاسلام وان المعركة بين الاسلام وأعدائه هي في الأصل معركة عقائدية حول قضية التوحيد، أو حول لمن يكون الحكم والسلطان، لمنهج الله ولشرعه أو للمناهج الأرضية والمبادئ المادية او لمدعي الوساطة بين الخالق وخلقه.

وكان لهذا التأكيد اثره الواضح في معرفة الحركة الاسلامية لأعدائها وتحديدها لهم، وادراكها ان العدو الداخلي لا يقل خطورة عن العدو الخارجي، بل انه الأداة التي يستخدمها العدو الخارجي والستار الذي يحتمي وراءه في شن حربه على الاسلام.

وكانت المجموعة الملتفة حول سيد قطب قد قررت ان توجه ضرباتها ضد الحكومة القائمة باعتبارها نظاماً معادياً للاسلام خارجاً عن منهج الله رافضاً للتحاكم الى شرعه.

وكان تخطيط هذه المجموعة بسيطاً فلم يكن يهدف لتغيير النظام ولا لإحداث فراغ به، ولكنه كان يهدف فقط لتوجيه ضربات وقائية أو دفاعية اوانتقامية اذا خطط النظام لحملة تنكيل جديدة ضد المسلمين.

ولكن المعنى في هذا التخطيط كان اكبر من قوته المادية، فقد كان يعني بوضوح ان الحركة الاسلامية قد بدأت خوض حربها ضد النظام باعتباره عدواً للاسلام بعد ان كانت أدبياتها ومبادئها من قبل ـ والتي لا يزال بعضهم يرددها حتى اليوم ـ تؤكد على أن عدو الاسلام هو العدو الخارجي فقط.

ورغم ان مجموعة سيد قطب تم البطش بها والتنكيل بأفرادها على أيدي الحكم الناصري، إلا ان ذلك كان أعجز من أن يحد من تأثير هذه المجموعة المتعاظم في أوساط الشباب المسلم.

فلقد كانت وما زالت دعوة سيد قطب ـ الى اخلاص التوحيد لله والتسليم الكامل لحاكمية الله ولسيادة المنهج الرباني ـ شرارة البدء في إشعال الثورة الاسلامية ضد أعداء الاسلام في الداخل والخارج، والتي ما زالت فصولها الدامية تتجدد يوماً بعد يوم.

تلك الثورة التي تزداد كل يوم ثباتاً في العقيدة ووضوحاً في المنهج وادراكاً لطبيعة الصراع وخبرة بمشاكل الطريق، طريق الأنبياء والمرسلين وأتباعهم الى ان يرث الله سبحانه وتعالى الأرض ومن عليها.

ذلك الطريق الذي كان للأستاذ سيد قطب دور كبير في توجيه الشباب المسلم اليه في النصف الثاني من القرن العشرين في مصر خاصة والمنطقة العربية عامة.

ويزعم الظواهري انه باعدام سيد قطب اكتسبت كلماته بعداً لم يكتسبه كثير من كلمات غيره، فقد أصبحت هذه الكلمات ـ التي سُطرت بدماء صاحبها ـ في نظر الشباب المسلم معالم طريق مجيد طويل، واتضح للشباب المسلم مدى فزع الحكم الناصري وحلفائه الشيوعيين من دعوة سيد قطب الى التوحيد.

ويقول «وأصبح سيد قطب نموذجاً للصدق في القول وقدوة للثبات على الحق، فقد نطق بالحق في وجه الطاغية ودفع حياته ثمناً لذلك، وزاد من قيمة كلماته موقفه العظيم عندما رفض التقدم بطلب للعفو من جمال عبد الناصر وقال كلمته المشهورة: «ان اصبع السبابة التي تشهد لله بالتوحيد في كل صلاة تأبى ان تكتب استرحاماً لظالم».

وظن الحكم الناصري ان الحركة الاسلامية قد تلقت ضربة قاضية بقتل سيد قطب ورفاقه واعتقال الآلاف من أبناء الحركة الاسلامية، ولكن الهدوء الظاهري على السطح كان يخفي تحته تفاعلاً فواراً مع أفكار سيد قطب ودعوته، وبداية تشكل نواة الحركة الجهادية المعاصرة في مصر».

وهكذا تكونت النواة التي انتمى اليها كاتب هذه السطور، جماعة «الجهاد». وأضافت الأحداث عاملاً خطيراً أثّر في مسار الحركة الجهادية في مصر ألا وهو نكسة .1967 وسقط الرمز جمال عبد الناصر الذي حاول اتباعه ان يصوروه للشعب على انه الزعيم الخالد الذي لا يقهر.

وقال الظواهري «تحول الزعيم الباطش بخصومه المهدد المتوعد في خطبه الى انسان يلهث وراء حل سلمي يحفظ له شيئاً من ماء وجهه.

«وأدركت الحركة الجهادية ان الصنم قد نخر فيه السوس حتى أوهنه، ثم مادت به الأرض من تحته بزلزال النكسة، فخر على أنفه منتكساً وسط ذهول كهنته وهلع عبّاده، فاشتد عزم الحركة الجهادية وأدركت ان خصمها اللدود كان صنماً صنعته آلة الدعاية الضخمة وحملة البطش والاستقواء على العزّل والأبرياء».

ويتابع الظواهري قائلا: ثم تلقى الحكم الناصري الضربة القاضية بموت جمال عبد الناصر بعد ثلاث سنوات من النكسة عاشها وهو يعاني من آثار الهزيمة، بعد أن تحطمت أسطورة زعيم القومية العربية الذي سيلقي باسرائيل الى البحر.

ولم يكن موت جمال عبد الناصر موتاً لشخص وانما كان ـ ايضاً ـ موتاً لمبادئه التي أثبتت فشلها على أرض الواقع، وموتاً لأسطورته الشعبية التي تهشمت على رمال سيناء.

واستطرد الظواهري قائلا: لم تكن جنازة عبد الناصر الحاشدة إلا بقية من حالة الغيبوبة التي سيطرت على الجماهير المصرية بفعل اعلامه القوي، ونوعاً من وداع المصريين لحاكمهم الذين ما لبثوا ان استبدلوا به حاكماً جديداً وجههم وجهة أخرى وبدأ يبيع لهم وهماً جديداً.

لم تمض سنوات حتى أصبح اسم جمال عبد الناصر لا يثير لدى عامة المصريين إلا خليطاً من مشاعر اللامبالاة.

السادات أخرج الأصوليين من القمقم..

ويقول الظواهري في كتابه: وكان تولي انور السادات للحكم بداية لتحول سياسي جديد في مصر فقد انتهى العصر الروسي وبدأ العصر الأميركي.

وككل تحول فانه يبدأ وئيداً ضعيفاً ثم لا يلبث ان يتقوى شيئاً فشيئاً وتتضح معالمه اكثر فأكثر مع مرور الوقت.

وبدأ انور السادات بازاحة بقايا النظام القديم وكانت اقوى اسلحته في مقاومة تلك البقايا هي اتاحة بعض من الحرية للشعب المكبوت.

وما ان ارتفع بعض الضغط عن الحركة الاسلامية حتى خرج المارد من القمقم واتضح مدى النفوذ الشعبي الكاسح للاسلاميين. واكتسح الشباب المسلم مقاعد الغالبية الساحقة من مقاعد اتحادات طلاب الجامعات والمدارس الثانوية في سنوات معدودات. وبدأت الحركة الاسلامية زحفها نحو النقابات.

وبدأت دورة جديدة من النمو للحركة الاسلامية ولكنها هذه المرة لم تكن تكراراً لما سبق ولكنها كانت بناء عليه واستفادة من خبرته ودروسه وأحداثه. فقد بدأت الحركة الاسلامية خوض هذه الحلقة الجديدة من حلقات نموها وقد انتشر بين شبابها وعي عميق بأن العدو الداخلي لا يقل خطورة عن العدو الخارجي. وكان هذا الوعي يتنامى بقوة مستنداً الى أدلة شرعية واضحة وخبرة عملية تاريخية مريرة.

وعبثاً حاولت ـ وما زالت تحاول ـ بعض الرموز القديمة ان تردد المفاهيم التي بليت، من أن القتال لا يكون إلا مع العدو الخارجي فقط، وان الحركة الاسلامية لا صدام بينها وبين حكوماتها. ولكن الوعي الجديد كان أرسخ في أسسه الشرعية وأوضح في خبرته العملية التاريخية من كل هذه الأوهام.

قضية الفنية العسكرية..

قضية «الفنية العسكرية» ويتحدث الظواهري في كتابه عن القضية التي عرفت في مصر باسم قضية «الفنية العسكرية». حيث بدأ تكون مجموعة الفنية العسكرية بوصول صالح سرية الى مصر، وبدأ في الاتصال برموز الاخوان من أمثال السيدة زينب الغزالي وحسن الهضيبي ونشط في تكوين مجموعات من الشباب وحثهم على وجوب التصدي للنظام الحاكم.

ويقول ان صالح سرية كان محدثاً جذاباً ومثقفاً على درجة عالية من الاطلاع والمعرفة، وكان حاصلاً على درجة الدكتوراه في التربية من جامعة عين شمس، كما كان متضلعاً في عدد من العلوم الشرعية، وانه التقاه مرة واحدة أثناء احد المعسكرات الاسلامية في كلية الطب حين دعاه أحد المشاركين في المعسكر الى القاء كلمة في الشباب. و«بمجرد استماعي لكلمة هذا الزائر أدركت ان لكلامه وقعاً آخر، وانه يحمل معاني اوسع في وجوب نصرة الاسلام. وقررت ان أسعى للقاء هذا الزائر، ولكن كل محاولاتي للقائه لم تفلح».

واتسعت المجموعة التي كونها صالح سرية واستطاعت ان تجند عدداً من طلاب الكلية الفنية العسكرية وعلى رأسهم كارم الأناضولي .

«وبدأ الشباب يضغطون عى صالح سرية من اجل البدء في المواجهة، فوافق تحت ضغطهم على القيام بمحاولة لقلب نظام الحكم تتلخص في مهاجمة أفراد الجماعة لحرس بوابة الكلية الفنية في صمت لادخال عدد كبير من الشباب الى الكلية، ثم بعد ذلك الاستيلاء على الأسلحة والسيارات والمدرعات من الكلية الفنية العسكرية بمساعدة اخوانهم الطلبة داخل الكلية مستغلين صلاحياتهم كقادة مناوبين أثناء الليل، ثم التوجه بما حصلوا عليه الى مقر الاتحاد الاشتراكي لمهاجمة السادات وأركان حكمه أثناء اجتماعهم».

ويقول الظواهري «لم تنجح محاولة الانقلاب لعدم مراعاتها للظروف الموضوعية للواقع ووجوب الاعداد الجيد له. فقد كانت تلك المحاولة تفتقر الى التدريب في جانب الشباب المكلف بالهجوم على حرس بوابة الكلية، كما ان الخطة كانت تمر بعنق زجاجة في اكثر من مرحلة.

«ولكن المعنى الذي أود التأكيد عليه هو ان الحركة الاسلامية بعد ضربات عبد الناصر المتتالية أثبتت انها اكبر من أن تستأصل وأقوى من ان تدفع الى اليأس والعجز، فها هي الحركة الاسلامية تفرز جيلاً جديداً بعد سنوات قلائل من محنة 1965 تعود به الى ميدان الجهاد مرة أخرى شاهرة سلاحها في وجه النظام المعادي للاسلام والمتحالف مع أميركا هذه المرة».

« وقال أثبتت هذه العملية ان الشباب المجاهد لا يفرق بين العهد الناصري الروسي القديم والعهد الساداتي الجديد، وانهما في العداء سواء».

صالح سرية..

ورغم ان هذا لعملية قد اجهضت في بدايتها، إلا انها كان ارهاصا بالتغير الجديد في المسار العام للحركة الاسلامية، فقد قررت الحركة الاسلامية ان تحمل السلاح في وجه الحكومة، وحملته ـ بعد حملة البطش الناصرية ـ لتثبت للحكومة ان البطش لا يجدي معها ، وان ما ظنه اعوان عبد الناصر حملة اجتثاث للتيار الجهادي ـ في حملة 1965 ـ لم يكن إلا شرارة الانطلاق ، وسيقت المجموعة الى المحاكمة ، وحكم على صالح سرية وكارم الأناضولي وطلال الأنصاري بالاعدام . وبدأت الحكومة في مساومة الثلاثة على تقديم طلب للعفو الى رئيس الجمهورية، أما طلال الأنصاري فقد قدم طلباً للعفو حصل بسببه على تخفيف للحكم الى السجن المؤبد، أما صالح سرية وطلال الأنصاري فقد أبيا ذلك.

وفي يوم من الأيام تجمع المساجين السياسيون حول صالح سرية في فناء سجن الاستئناف في احدى الفسحات القصيرة التي كان تسمح بها ادارة السجن له خلال حبسه الانفرادي المستمر، وألحوا عليه في تقديم طلب للعفو، فقال لهم في يقين المؤمن: وماذا يملك انور السادات من أمره حتى يملك ان يطيل في عمري شيئاً؟ ثم قال لهم: انظروا الى هذا السجن الكئيب، وهذا الطعام الرديء الذي يقدم فيه، والى هذه المراحيض المسدودة التي نفرغ فيها هذا الطعام. ان هذه هي الدنيا في حقيقتها، فلماذا نتمسك بها؟

وفي الزيارة الأخيرة قبل الاعدام جاءت زوجة صالح سرية ومعها أولادها التسعة لزيارته في السجن، فقال لها: اذا تقدمت بطلب للعفو فأنت طالق.

وفي يوم التنفيذ دخلت قوة من السجن والمباحث على طلال الأنصاري ليوثقوه ويأخذوه الى المشنقة فطلب منهم ان يصلي ركعتي سنة الشهادة، فقال له ضابط مباحث امن الدولة: صلهما عند الذي ستذهب اليه. ويروي الظواهري ان عادل فارس وصلاح فارس السجينين في السجن اوسعا الضابط ضرباً وفقآ له عينيه، وترك بعدها العمل في مباحث أمن الدولة. أما عادل وصلاح فارس فقد هاجرا من مصر، ومضى عادل فارس الى أفغانستان حيث قتل في معركة نهرين في شمال أفغانستان.

الشعب اراد الحياة و القيد انكسر

رابط هذا التعليق
شارك

إحياء تنظيم «الجهاد»

وبعد عدة سنوت حاول بعض من خرج من السجن من تنظيم الفنية العسكرية محاولة احياء التنظيم مرتين، انتهت المحاولة الأولى بالقبض على المجموعة في سنة 1977، وانتهت المحاولة الثانية بالقبض على الشباب في سنة 1979 نتيجة وجود مرشد للمباحث بينهم.

وكان محمد عبد السلام فرج صاحب كتاب «الفريضة الغائبة» بحدود 1979 من الذين لم يقبض عليهم من المجموعة الثانية، وبدأ محمد عبد السلام فرج في الحركة النشيطة في القاهرة والجيزة وشمال مصر.

وفي نفس الوقت كان التيار الجهادي السلفي يسيطر على اتحادات الطلاب في جامعات جنوب مصر، ويرفض محاولات الاخوان لاحتوائهم وادخالهم في خط التهادن مع الحكومة.

وبدأ هؤلاء الشباب في جامعات جنوب مصر يتعرفون على الشيخ عمر عبد الرحمن ويدعونه الى محاضراتهم ومؤتمراتهم ومخيماتهم.

وأخذ نشاط هؤلاء الشباب ينتقل بعد السيطرة على الجامعة الى العمل الجماهيري خارج الجامعة وكان من أهم أنشطتهم المظاهرات والمؤتمرات الحاشدة اعتراضاً على الصلح مع اسرائيل وعلى استقبال السادات لشاه ايران في مصر.

والتقى محمد عبد السلام فرج واخوانه بالشباب في جنوب مصر وباتحاد هذين التيارين تكونت «الجماعة الاسلامية» بامارة عمر عبد الرحمن الذي يقضي عقوبة السجن المؤبد في سجن روشستر مينسوتا بالولايات المتحدة بتهمة التورط في تفجيرات نيويورك.

وكيل نيابة مصري يلجأ لحرب العصابات

« من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ».

لم تكن عملية الفنية العسكرية هي الارهاصة الوحيدة في ذلك الوقت، فعقب هذه العملية بأشهر معدودات قام يحيى هاشم بمحاولة لبداية حرب عصابات من جبال المنيا. ورغم ان هذه المحاولة لم يكتب لها النجاح لانها لم تراع الظروف الموضوعية اللازمة لنجاح هذه الحروب، الا انها كانت مؤشرا آخر على ان التغير في فكر الحركة الاسلامية صار حقيقة ملموسة، وان الشباب المسلم هذه المرة لم يعد كأسلافه في الاربعينات.

ويحيى هاشم رائد من رواد الجهاد في مصر، وحق له ان يكون كذلك. فقد انعم الله عليه بنعمة عظيمة وهي نفسه العزيزة وهمته العالية التي حملته على ان يضحي بكل ما يملك غير مبال بحطام الدنيا ولا ما يتكالب عليه الناس.

وكانت فيه خصلة اخرى حميدة وهي حماسته في سبيل ما يؤمن به، وكان ايضا ـ رحمه الله ـ ذا نفس صافية تحسن الظن وتتعاطف مع اخوانه المسلمين.

وكان يحيى هاشم وكيلا للنيابة وهو منصب يتمناه كثير من الشباب، ولكن يحيى كان لا يعبأ بهذا المنصب وكان دائما على استعداد للتضحية به في سبيل الله، غير مبال بحطام الدنيا التي يتكالب عليها الناس.

تعرفت على يحيى هاشم عقب انضمامه الى مجموعتنا الناشئة في اعقاب نكسة .1967 وكانت بداية انضمامه الينا حادثة فريدة. ففي ذلك الوقت كانت البلد تموج بالمظاهرات ـ وخاصة في الجامعات وبين العمال ـ احتجاجا على كارثة الحكم الناصري وتقهقر قواته امام اسرائيل، فقد تبعثر اقوى جيش عربي، جيش زعيم الامة العربية الذي كان يعده ـ كما كان يكذب على شعبه ـ ليلقي باسرائيل في البحر ـ وليحارب ـ كما كان يزعم ـ اسرائيل ومَنْ وراء اسرائيل. وتحول هذا الجيش الجرار الى فلول تبحث عن مهرب في صحراء سيناء من مطاردة جيش الدفاع الاسرائيلي. وتحطم سلاح الطيران على الارض قبل ان يتحرك.

مظاهرة لـ«الجهاد من مسجد الحسين..

وقررنا ان نحرك مظاهرة من مسجد الامام الحسين ـ رضي الله عنه ـ ونخرج بها الى شارع الازهر ثم الى وسط القاهرة، تضمانا مع مظاهرات الطلبة في الجامعة والعمال في منطقة حلوان الصناعية.

وقصدنا مسجد سيدنا الحسين ـ رضي الله عنه ـ في صلاة الجمعة، ووزعنا انفسنا في انحاء المسجد، وبعد الصلاة وقف يحيى هاشم يخطب في الناس موضحا مدى النكبات التي حلت على الامة المسلمة، وجاوبناه بالتكبير، ولكن المباحث كانت مستعدة ومترقبة في هذه الاجواء المتوترة، فأحاط به المخبرون وأخذوا يدفعونه الى خارج المسجد، والناس مندهشون من هذه الجرأة التي لم يعهدها احد في ظل حكم عبد الناصر.

ولكن يحيى لم يكف عن الصياح بأعلى صوته وقد احاطه المخبرون من كل جانب يمسكون به ويدفعونه.

ولما خرج الى ميدان الامام الحسين ـ رضي الله عنه ـ استمر في الخطابة بصوت جهوري.

فلجأ المخبرون الى حيلة لاسكاته، فتقدم احدهم وامسك بخناقه وقال له: يا لص انت سرقت محفظتي وأخذ يصرخ بصوت اعلى من يحيى. وتجمع عليه المخبرون ودفعوا به الى صيدلية قريبة واغلقوها عليه. وسرعان ما اتت سيارة حملته وذهبوا به الى مدير المباحث العامة ـ في ذلك الوقت ـ حسن طلعت.

وكان الحكم الناصري في ذلك الوقت مبهوتا مترنحا، وكانت اجهزة امنه غير قادرة على التصرف، فقد كانت بين نارين، قيادة شلتها فضيحة الهزيمة تقود حكما نخر فيه السوس والعفن من ناحية، ومقاومة شعبية رافضة كسرت حاجز الخوف وفاجأت هذه الاجهزة بظاهرة جديدة من المقاومة والرفض لم تعهدها من قبل.

وفي مبنى المباحث اوسعوا يحيى هاشم ضربا، ثم ساقوه الى مكتب مدير مباحث امن الدولة حسن طلعت.

وحكى لنا يحيى هاشم ـ عن المقابلة التي حدثت في مكتب حسن طلعت، ومدى الورطة التي وجد النظام نفسه فيها. فالغضبة الشعبية وصلت الى سلك القضاء والنيابة، ووجد مدير مباحث امن الدولة نفسه امام وكيل نيابة ـ يتمتع بالحصانة القضائية ـ والبلد تغلي كالبركان غليانا شل مدير مباحث امن الدولة عن ممارسة اساليبه المعهودة وخاصة مع المسلمين.

وأخذ حسن طلعت يدافع عن نفسه ـ امام يحيى هاشم ـ ويردد انه مسلم يدافع عن الاسلام، وهو الذي ترقى في خدمة الحكم على دماء المسلمين واشلائهم.

ولكن يحيى هاجمه كالاسد الحروب مسفها مزاعمه. وكانت فوق رأس حسن طلعت على الحائط لوحة كبيرة مكتوب فيها اسم الجلالة، فصاح به يحيى: لماذا تضع هذه اللوحة فوق رأسك وانت لا تعرف الله؟

ولم يجد الحكم بدا من الانسحاب والتراجع في هذه الظروف العصيبة، فأفرج عن يحيى هاشم صاغرا.

لقد كانت مظاهرة مسجد الامام الحسين ـ رضي الله عنه ـ فورة عاطفية متناسبة مع اعمارنا في تلك المرحلة.

وانطلق يحيى هاشم لا يترك فرصة في الدعوة والتحريض على النظام ودعوة المسلمين الى الجهاد. وتزامن نشاطه هذا مع موت عبد الناصر وخروج الاخوان على دفعات في بداية عهد السادات.

والتقى يحيى هاشم بعدد من قيادات الاخوان، وبطبيعته الصافية وعاطفته الجياشة توجه اليهم بكل مشاعره، باعتبارهم القادة الشرعيين للحركة الاسلامية كما اقنعوه.

وجاء الينا يحمل تصورهم في العمل. كان تصورهم يقوم على ان تكون لهم القيادة من بعد ولكن لا يتحملون مسؤولية اية مشكلة تحدث لاية مجموعة. فقلت ليحيى: ان هذه هي عين الانتهازية، لهم حسنة القيادة وعلينا سيئتها.

ولكن يحيى كان مندفعا في حبه لهم وحسن ظنه بهم. وشاء قدر الله الغالب ان يكشف له عن الحقيقة في واقع عملي، فقد حدث ان احد اخوانه حدثت له مشكلة امنية اضطرته الى الاختباء من اجهزة الامن، فذهب الى الاخوان ـ وهم قادته ـ ليعينوه في حل المشكلة، ولكنه صدم بردهم، اذ انهم قالوا له عليك ان تتخلى عن هذا الاخ تماما ولا تقدم له اي عون.

وكانت صدمة ادت الى قطيعة بين يحيى هاشم والاخوان. واستمر يحيى هاشم في اعانة اخيه ورعايته حتى اوصله الى مأمنه بفضل الله.

ثم جاءت قضية الفنية العسكرية في سنة 1974، فتعاطف يحيى هاشم معها تعاطفا شديدا وكان يتابع اخبارها بدقة. وفي هذه الاثناء بدأت تختمر في ذهنه فكرة بدء الصدام المسلح مع الحكومة. وبدأ يدعو المقربين منه الى الشروع في حرب العصابات، وفاتحني في هذه الفكرة فلم اوافقه عليها، وقلت له ان طبيعة البلد لا تصلح لهذا النوع من الحروب واعطيته كتابا عن حرب العصابات.

ولكن الفكرة كانت تختمر في رأسه وفي رأس عدد من اخوانه، واخذ يحيى هاشم يتصل بعدد من الاخوة المتهمين في قضية الكلية الفنية العسكرية. واخذ يدبر خطة لهروبهم يستغل فيها منصبه كوكيل للنيابة، وكان اساس الفكرة ان يستصدر امرا مزورا بترحيلهم من سجنهم وفي اثناء الترحيل يتم الهروب. ولكن الخطة انشكفت اذ امسكت المباحث برسالة تهرب من قاعة المحكمة الى قفص المتهمين.

وبعد وقوع الرسالة التي تحتوي على شرح للخطة، قرر يحيى هاشم الهروب، والشروع في مشروعه الخاص بحرب العصابات.

ولجأ يحيى هاشم ورفاقه الى منطقة جبلية في محافظة المنيا على حافة الصحراء، وتمركزوا فيها تحت غطاء انهم وحدة عسكرية بعد ان اشتروا بضع قطع سلاح.

ولكن عمدة القرية المجاورة استراب في الامر فأبلغ الشرطة التي هاجمت موقع الاخوة، وحدثت معركة قبضت فيها الشرطة على الاخوة بعد نفاد ذخيرتهم، وحاول يحيى الانقضاض على قائد القوة فعاجله برصاصات اردته قتيلا وكانت هذه بعضا من سيرته، الذي كان ـ بحق ـ رائدا في الجهاد، مضحيا بكل ما يملك في سبيل ايمانه.

مقتل السادات محطة هامة على درب الجهاد ..

ويقول الظواهري: ان اي صاحب شركة يستطيع ان ينشر اعلانا مدفوع الاجر يطالب فيه بالغاء قانون او قرار اداري، ويستطيع اي ممثل ان يتناول القوانين السائرة في تمثيله، ويستطيع اي كاتب ان يعترض على احكام الشريعة ويسخر منها ويتهمها بما يشاء، وما فرج فودة عنا ببعيد، ويستطيع اي صحافي ان يصف الحكومة بأشد الاوصاف، ويعترض على ادارتها وقراراتها وقوانينها، الا ان الوحيد الذي لا يستطيع ذلك هو خطيب المسجد، لان المادة 201 من قانون العقوبات تنص على: «لا يجوز لأحد ولو كان من رجال الدين ـ داخل دور العبادة ـ ان يقول ـ ولو على سبيل الموعظة الدينية ـ قولا يعارض به قرارا اداريا او قانونا مستقرا او عرفا سائدا، ومن يفعل ذلك حبس وغرم خمسمائة جنيه، فان قاوم ضوعفت الغرامة والسجن».

كما ان الفئة الوحيدة المحرومة من حق تكوين النقابات ـ وهو الحق المكفول في مصر حتى للراقصات ـ هم العلماء والدعاة.

ويقول: بقتل انور السادات انفجرت قضية الجهاد في مصر والعالم العربي، بل اصبحت ممارسة ميدانية يومية، واضحت مواجهة النظام ـ المحارب للشريعة والمتحالف مع اميركا واسرائيل ـ معركة متصلة الفصول لم تتوقف حتى اليوم، بل على العكس تزيد حدتها يوما بعد يوم، ويتسع ميدانها فترة بعد فترة، ويزيد انصارها مرحلة بعد مرحلة، ويشتد تهديدها لاعدائها في واشنطن وتل ابيب طورا بعد طور.

واصبحت القضايا التي فجرها قتل انور السادات وما صاحبه من احداث قضايا اساسية في فكرة الشباب المسلم.

وهكذا اصبحت قضايا حاكمية الشريعة، وردة النظام عن الاسلام، وعمالة الحكم لاميركا واسرائيل، مسلمات يقاتل عنها الشباب المسلم في الميدان بعد ان فجرها محمد عبد السلام فرج واخوانه، وبعد ان اجاب خالد الاسلامبولي ـ قاتل السادات ـ حينما سئل: لماذا قتلت انور السادات؟ بقوله: لانه لم يحكم بالشريعة، ولانه عقد صلحا مع اسرائيل، ولانه اهان علماء الاسلام.

ويعلق على مرحلة ما بعد مقتل الرئيس السادات بقوله: ان العداء لاسرائيل واميركا في قلوب الاسلاميين عداء اصيل لا يتجزأ وهو العداء الذي امد «القاعدة» وملحمة الجهاد في افغانستان بروافد مستمرة من «الافغان العرب»، وان قتل انور السادات على يد ـ الاسلامبولي ورفاقه الكرام ـ كان ضربة قوية للمخطط الاميركي الاسرائيلي في المنطقة.

ويضيف: هذا يثبت مدى الافتراء والكذب في ما تردده العلمانية العربية من ان كثيرا من الحركات الجهادية وخاصة التي شاركت في الجهاد الافغاني هي صنيعة لاميركا.

وان المرء ليعجب من هذه الجرأة في الافتراء من الكتاب العلمانيين، فانهم لما اسقط في ايديهم حينما شاهدوا التأييد الشعبي الكاسح في العالم الاسلامي للحركات الاسلامية المجاهدة ـ بعد انزالها ضربات موجعة بأميركا ـ اختلقوا هذه الفرية، متناسين ان العميل السادات المقرب من اميركا قد قتل على يد الاصوليين في عام 1981 اي في بداية الجهاد الافغاني، وان هؤلاء المجاهدين هم الذين شاركوا في ما بعد في الجهاد الافغاني.

وكان رد فعل الحكومة على هذه الاحداث وحشيا في شدته وفي اسلوبه.

ويقول الظواهري: دارت طاحونة التعذيب والتنكيل بأقصى سرعتها مرة اخرى لتكتب فصلا داميا جديدا في تاريخ الحركة الاسلامية المعاصر في مصر. وكانت طاحونة التعذيب وحشية في دورانها، فقد كسرت العظام، وسلخت الجلود، وصعقت الاعصاب، وازهقت الانفس. وكانت دنيئة في اساليبها لانها اتخذت من رواسب الدين، واحتجاز النساء، والاعتداء الجنسي، وتسمية الرجل بأسماء النساء، والتجويع ورداءة الطعام، وقطع المياه، والاغلاق ومنع الزيارات، وسائل معتدة لاذلال المعتقلين. وكانت طاحونة التعذيب هذه المرة مختلفة عن سابقاتها من ناحيتين: فقد دارت ولا زالت تدور حتى اليوم بلا توقف، كما انها ابتلعت مئات الالوف من الضحايا منذ مقتل انور السادات. فقد قدرت لجنة الشريعة الاسلامية بنقابة المحامين عدد التظلمات المقدمة ضد الاعتقال من 1981 الى 1991 بربع مليون تظلم.

وفي مرة اخرى افرجت الحكومة عن خمسة آلاف تائب مرة واحدة، فكم عدد الذين لم يتوبوا؟

ولا يقل ـ في الحقيقة ـ عدد المعتقلين في السجون المصرية الآن بحال عن ستين الف معتقل، لا سبيل الى الاتصال بهم، ولا الى معرفة احوالهم نظرا للحصار الشديد الذي تفرضه الحكومة عليهم.

واحالت مباحث امن الدولة والمخابرات الحربية المتهمين الى النيابتين المدنية والعسكرية. وكانت تحقيقات النيابة فصلا آخر من فصول المهزلة، فقد كانت النيابة تسرب محاضر التحقيق الى ضباط المباحث ليراجعوا فيها المتهمين، وليحاسبوهم على ما قالوه فيها، ثم يعاد تلقينهم ما يجب عليهم اي يقولوه.

ولكن نيابة امن الدولة كانت في هذه المرة مهتزة في ثقتها بالنظام، فقد رأت بعينها حدة الصراع بين النظام وخصومه، ولذلك حرصت على الا يكون تواطؤها مع المباحث بالقدر الذي يورطها في ادلة مادية ضدها اذا ما انقلبت الاحوال وسقط النظام.

بل بلغ الامر بالمدعي العام العسكري ـ الذي يتولى التحقيق في اغتيال انور السادات ـ انه تجاهل مسؤولياته ولم يذهب الى منصة العرض العسكري الا بعد يوم كامل من وقوع الحادث، رغم ان الحادثة تقع بالكامل في دائرة اختصاصه، اذ ان المقتول هو القائد الاعلى للقوات المسلحة، والمهاجمون من افراد القوات المسلحة، والحادث وقع على ارض عسكرية، ولكنه ترقب النتائج في اعقاب الزلزال الذي اصاب النظام فأصابه بحالة من الشلل.

لقد كان المدعي العام العسكري ينتظر ليرى بأمر من سيحقق مع من؟ ومن سيتهم من؟ ومن سيدعي على من؟

ومن الطرائف ان العقيد محسن السرساوي مأمور سجن استقبال طره في ذلك الوقت عقب اغتيال السادات ـ وهو نموذج لراكبي الموجات ومنتهزي الفرص ـ دخل الى عنبر السجن ذي الطوابق الاربعة والممتلئ بالمعتقلين السياسيين وصاح فيهم: «اخوة النضال، اخوة الكفاح لقد قتل الرئيس انور السادات».

واسرعت النيابة العسكرية بتقديم المتهمين الى القضاء العسكري بتهمة اغتيال انور السادات وتشكلت المحكمة العسكرية برئاسة اللواء محمد سمير فاضل.

ودارت مهزلة جديدة من مهازل اقحام العلمانية العسكرية للجيش المصري في البطش بخصومها المسلمين، بعد ان ادار الجيش المصري ظهره لاسرائيل ووجه سلاحه الى شعبه.

وكانت المحاكمة العسكرية نموذجا متكررا من المواجهات بين الحركة الاسلامية وطليعتها المجاهدة بكل صفائها ونقائها وعطائها، وبين العلمانية العسكرية بكل زيفها ونفاقها وفسادها.

لقد ادعت العلمانية العسكرية الديمقراطية وسيادة القانون، ولكن المحاكمة باجماع كل من شاهدها كانت تمثيلية سخيفة فاسدة الاخراج لحكم اعد مسبقا.

وادعت العلمانية العسكرية دائما انها تحترم الاسلام، ولكن هذا الاحترام كان له عند العلمانية معنى واحد، الا وهو توظيف طبقة من العلماء للتسبيح بحمدها لتبرير ما تفعله، وبالفعل فقد استندت المحكمة لفتوى الشيخ جاد الحق ـ مفتي الديار المصرية حينذاك، ثم شيخ الازهر لاحقا

الشعب اراد الحياة و القيد انكسر

رابط هذا التعليق
شارك

الأثار المترتبة على حادث المنصة ..

اغتيال السادات كان ضمن خطة لقتل رؤوس الحكم والسيطرة على الإذاعة وأسيوط ..

يقول الظواهري في كتابه: دارت احداث تمرد ذي الحجة 1401هـ الاسلامية (اكتوبر/تشرين الاول 1981م) في مصر على محورين: المحور الاول: الهجوم على السادات واركان حكمه خلال العرض العسكري يوم 6 اكتوبر، في محاولة لقتل اكبر عدد من رؤوس الحكم، وما صاحب هذا الهجوم من محاولة للاستيلاء على الاذاعة. وقد نجح التحرك على هذا المحور في قتل انور السادات، اما اركان الحكم فقد نجوا، كما لم تنجح محاولة الاستيلاء على الاذاعة. المحور الثاني: القيام بانتفاضة مسلحة في مدينة اسيوط للاستيلاء عليها. تمرد الانتفاضة بعد اغتيال انور السادات بيومين، اي بعد ان نجح الجيش في السيطرة على البلد وتأمين النظام. وقد نجحت هذه المحاولة في الاستيلاء على بعض مراكز الشرطة، ولكن الحكومة استدعت القوات الخاصة التي بدأت في دك مواقع مقاومة الاخوة فاضطر الشباب المجاهد الى ترك هذه المراكز لما نفذت ذخائرهم. لقد كان محكوما على تمرد اسيوط المسلح بالفشل فقد كانت انتفاضة «عاطفية» ذات نصيب متواضع من التخطيط، فقد جاءت متأخرة عن قتل السادات بيومين، كما كانت تستند الى خطة غير واقعية تهدف الى السيطرة على مدينة اسيوط ثم التقدم شمالا نحو القاهرة لفتحها، متناسية اية ارقام عن قوة العدو وعتاده. وهكذا انتهت «انتفاضة» 1401هـ (1981م) بمكسب اساسي وهو قتل انور السادات، اما ما صاحبها من محاولات فلم يكتب لها التوفيق لعدم توفر الاعداد الكافي اللازم لها. ولكن الامر يجب ألا ينظر اليه بنظرة محدودة تتعلق بمسارح هذه الاحداث الضيقة، بل يجب ان ينظر الى تلك الانتفاضة بنظرة اوسع تتعدى مكانها وتمتد الى آثارها التي تبعتها والحقائق التي اثبتتها. فمن الواضح ان هذه الانتفاضة اثبتت عدة حقائق:

1 ـ اظهرت مدى شجاعة الاصوليين الذين هاجموا قوات تتفوق عليهم اضعافا مضاعفة في العدد والعتاد والخبرة العسكرية.

2 ـ اظهرت الاحداث الطبيعة الهجومية للحركة الاصولية التي قررت ان تهاجم النظام في محاولة للقضاء على رؤوسه في وسط جموعه وحشوده.

3 ـ كما اظهرت الاحداث ان تغيير النظام البعيد عن الاسلام اصبح الفكرة المحورية التي تشغل بال الاسلاميين متخطين بذلك مناهج الاصلاح الجزئي واساليب الترقيع ووسائل تلوين وجه النظام القبيح ببعض الاجراءات الاصلاحية.

4 ـ اثبتت الاحداث ان مرحلة تفرد النظام الحاكم بضرب الحركة الاسلامية قد انتهت، وان على اعداء الاسلام في البيت الابيض وتل ابيب ووكلائه في القاهرة ان يتوقعوا ردود افعال في غاية العنف على كل حملة قمع يقومون بها.

5 ـ اثبتت الاحداث ان فكرة العمل من خلال القوانين الحكومية والخضوع للدستور العلماني المفروض بالاستفتاءات والاعتراف بشرعية الحكومة اصبحت افكارا بالية في نظر الاسلاميين الذين قرروا حمل السلاح ليدافعوا عن العقيدة المغيبة والشريعة الممنوعة وحرماتهم المستباحة ووطنهم المحتل بالاستعمار الدولي الجديد ومقدساتهم التي باعتها اتفاقيات الاستسلام مع اسرائيل.

6 ـ كما اظهرت الاحداث الفشل الذريع لاجهزة الامن التي لم تكن على علم بان البلد يموج بالتيار الجهادي الذي استطاع اختراق القوات المسلحة، بل واخرج منها كميات من الاسلحة، واستطاع الوصول الى قوات العرض العسكري رغم اجراءات الامن الطويلة لتأمين ذلك العرض. أقول: ان شباب انتفاضة عام 1981 كانت فطرته من الصفاء، ووعيه من العمق بحيث تجنب الوقوع في هذه الفخاخ، بل ورفضها، وحمل السلاح دفاعا عن دينه وعقيدته ومقدساته وامته ووطنه.

عصام القمرى..

كان من أهم المجموعات الجهادية التي اكتشفتها أجهزة الأمن، عصام القمري.

وإذا ذكر عصام القمري، فلا بد من وقفة، فعصام القمري من القلائل الأفذاذ الذين لم يأخذوا حقهم في التعريف بفضلهم وجهادهم، لأن أجهزة الإعلام والدعاية في بلادنا في يد جماعات غير موالية للإسلاميين، فهم يقصرون حق النشر عليهم ويحرمونه على الإسلاميين، اتباعاً لسياسة الغرب الذي يسيطر فيه اليهود على وسائل الإعلام والتوجيه.

وعصام القمري، رجل جاد أخذ منذ بداية شبابه قضية الإسلام مأخذ الجد، فقرر أن يدخل الكلية الحربية ليغير النظام الحاكم في مصر، هكذا كانت قناعته وهو لا يزال طالباً متخرجاً من المدارس الثانوية، وقد أخبرني يرحمه الله أنه سأل والده بعد دخوله للكلية الحربية: أتدري لماذا دخلت الكلية الحربية؟ فقال له والده: لماذا؟ فقال له: لكي أقوم بانقلاب عسكري في مصر، وذهل والده، لكنه لم يستطع شيئاً فقد كان عصام قد قبل في الكلية الحربية.

وكان مجموع عصام القمري في امتحان الثانوية العامة يؤهله لدخول عدد من الكليات العملية (كالطب والهندسة ونحوهما)، وكانت عادة الناس وما زالت، أن يفضلوا الالتحاق بالكليات العملية في الجامعة على الكليات العسكرية، لكن عصام خالف هذا العرف السائد لأمر في نفسه.

وفي الكلية الحربية، تعرّف عصام القمري على محمد مصطفى عليوة، شقيق علوي مصطفى عليوة ـ أحد الناشطين في جماعة الجهاد كذلك ـ الذي ضمه مع شقيقه إلى مجموعتنا الجهادية، وهكذا انضم عصام القمري إلى المجاهدين في مصر، ومنذ انضمام عصام القمري إلى هذا الطريق وحتى مقتله، لم يتوقف عن العطاء المثمر والبذل الجاد في سبيل هذا الدين.

وأعانه على هذا المستوى السامي طبيعته وخلقه الراقي، فعصام القمري رجل بكل ما تعنيه كلمة الرجولة من معان، وشهم بكل ما تدل عليه لفظة الشهامة من مدلولات. بل إن كثيراً من المتاعب التي عاناها والتضحيات التي قدمها عصام القمري، برضا واطمئنان، كانت بسبب ما انطوت عليه نفسه الكريمة من شهامة ونخوة.

وبعد تخرج عصام القمري في الكلية العسكرية، انخرط في سلاح المدرعات، الذي أحبه وتفوق فيه وكان يكرر لنا ان هذا السلاح يجب أن يكون سلاح المسلمين لما يتوفر فيه من قدرة على

حسم المعارك وردع الخصم.

وكان تفوق عصام القمري في سلاح المدرعات، تفوقاً ملحوظاً مميزاً، فقد انكبّ عصام على العلم العسكري دراسة وفهماً، وعلى الخبرة الميدانية ممارسة وعملاً، لأنه كان يحتسب هذا الجهد في سبيل الله، لذا لم يكن غريباً أن يتفوق عصام في كل دوراته التدريبية وأن يكون الأول على زملائه فيها.

من أجل ذلك، رشح وهو رائد لدورة قادة كتائب في أميركا، وُعد بعدها أن يعود قائداً لكتيبة في الحرس الجمهوري، وكان عصام ينتظر هذا المنصب باهتمام.

ولم يثنه عن هذه الدورة، إلا اجتهاد أحد الاخوة المبالغين سامحه الله، الذي أقنعه بأن عام 1981، سيكون عام التغيير في مصر، وأنه قادر على أن يحشد عدداً ضخماً من الشباب المجاهد في الجماعات المجاهدة.

تهريب السلاح من الجيش..

ويقول الظواهري انه بناء على هذا الزعم المهول، قرر عصام ألا يسافر إلى أميركا، فرشح بدلاً من ذلك لكلية أركان الحرب، وكان بذلك ضابطاً من الضباط النوادر في سلاح المدرعات الذي يرشح لهذه الكلية وهو ما زال رائداً.

وبناء على قناعة عصام بالرأي القائل بأن عام 1981 يمكن أن يكون عام التغيير، بدأ يجتهد هو واخوانه الضباط الذين جندهم، في إخراج كل ما يمكنهم إخراجه من أسلحة وعتاد من الجيش، وكنا نقوم بتخزين هذه الأسلحة.

وأثناء نقل آخر كمية من هذه الأسلحة من عيادتي إلى المخزن المعد لذلك، وكانت عبارة عن حقيبة أوراق بها بعض الأسلحة مع كتب ونشرات عسكرية، ألقي القبض على حامل الحقيبة، لكنه استطاع الفرار وترك الحقيبة، وعن طريق بعض النشرات التي في الحقيبة، وبعض الخرائط الموضح عليها مواقع الدبابات في القاهرة، أمكن الوصول إلى مجموعة الضباط التابعين لعصام القمري، وأدرك عصام الخطر قبل وصولهم إليه، فهرب، لكن قبض على بعض الضباط من اخوانه.

وظل عصام هارباً من فبراير (شباط) حتى أكتوبر (تشرين الأول) 1981، حتى قبض عليه عقب اغتيال أنور السادات، وطوال هذه الفترة كان عصام صابراً كعادته لا يشكو ولا يتبرم ولا يتذمر ولا يلوم أحداً، بل يهون الأمر ويشد من أزر اخوانه ويقوي من عزيمتهم.

ولم يتوقف عصام عن النشاط في فترة هربه، بل على العكس، كان رغم المشاكل الجمّة التي يواجهها والضغط العصبي والتوتر الذي يعيشه في كل دقيقة، لا يكف عن العمل وبذل الجهد.

فقد استطلع العديد من الأهداف ومواقع القوات ومقار الشرطة وأعد خططاً، وأجرى العديد من التجارب.

وعقب اغتيال أنور السادات، طلب مني عصام أن أوصله بالمجموعة التي نفذت الاغتيال، فقمت بتوصيله بعبود الزمر، وفي هذه اللحظات الحرجة، تدارس عصام القمري الموقف مع عبود وحاول أن ينقذ ما يمكن إنقاذه، لكن الوقت كان قد فات.

ضرب رؤساء أميركا في جنازة السادات..

فقد كان عصام يفكر في محاولة ضرب جنازة أنور السادات بمن فيها من رؤساء أميركا وقادة إسرائيل، كما كان يفكر في إمكانية الاستيلاء على بعض الدبابات وتحريكها لضرب هدف حيوي أو الهجوم على جنازة السادات، لكن الإمكانات المتاحة كانت أقل من طموحاته، وكان الوقت قد فات. وانتهت لقاءاتنا بعبود الزمر، بنصيحتنا له أن يحاول الخروج من مصر في هذه المرحلة ليواصل الهجوم في مرحلة أخرى، لكن عبود اعتذر عن هذا الرأي، لأنه كان قد تعاهد مع اخوانه على مواصلة المعركة، رغم أنه اعترف لي في أثناء السجن أنه كان مقتنعاً برأينا، لكن عهده مع اخوانه ألزمه بعدم قبولها.

وكانت لعصام نظرية في العمل الجهادي حاول جاهداً أن يوفر لها الإمكانات، لكن الاقدار لم تسمح له بذلك.

وهذه النظرية ما زالت تمثل اختياراً عملياً مناسباً إن توفرت لها مقوماتها، من بينها: ـ أن أنظمة الحكم في بلادنا قد فرضت من الاحتياطات الأمنية ما لا يمكن مواجهته إلا بقوة مسلحة تملك قوة نيران كبيرة وعدداً من الدروع تستطيع به أن تفرض سيطرتها على العاصمة وخوض المعركة والصمود فيها من أسبوع إلى أسبوعين.

ـ ان الحركة الإسلامية تملك آلاف الشباب الذين يتسابقون إلى الشهادة، لكن هؤلاء الشباب بلا تدريب ولا خبرة قتالية.

ـ ان اختراق الحركة الإسلامية للجيش سيواجه دائماً بحملات التطهير ومن العسير على الحركة الاسلامية أن تجند عدداً كبيراً من الضباط في صفوف الجيش من دون أن ينكشف أمرهم نظراً للمتابعات الأمنية الدقيقة في صفوف القوات المسلحة.

ـ فكانت فكرة عصام هي تدريب عدة مئات من الشباب المسلم على السلاح وعلى استخدام وقيادة الدبابات ولو بصورة مبدئية.

ـ أما قوات الشرطة والأمن المركزي وما يتبع وزارة الداخلية، فكان عصام ينظر إليها باستخفاف.

ـ وكان عصام ينتقد انشغال الشباب المسلم بالشرطة والهجوم عليها، وعدم نظرتهم إلى الوضع العسكري نظرة عملية تحليلية مبنية على المعلومات.

وكان عصام يثق كثيرا بالشباب المسلم المتدرب ويقول: «إن الشرطة تستأسد علينا، لأن اخواننا غير مدربين، أما إذا دربناهم وأعطيناهم قليلا من السلاح، فلن يقف أمامهم أحد».

هذه النظرية ظلت مجال نقاش بيني وبينه لفترات طويلة قبل السجن وأثناءه، وأشهد أن كثيراً من توقعاته صدقتها الاحداث.

وهذه الخطة خطة جريئة تعتمد على الاستطلاع الدقيق والتحليل العلمي للمعلومات الواقعية، لذلك فهي تتوافق تماماً مع شخصية عصام التي تكاملت فيها هذه العناصر، القلب الجريء والعلم العسكري والعمل الدؤوب.

ولهذه النظرية تفاصيل كثيرة وجوانب متعددة، لكنني فقط أشرت إلى فكرتها المحورية.

معركة الجمالية..

وشاء الله أن يقع عبود في السجن، واكتشف المحققون من تعذيب اخوانه أنه قد التقى بي وبعصام القمري، وكانت المفاجأة ضخمة، ان الضابط الهارب منذ ثمانية أشهر قد ظهر مرة أخرى على سطح الاحداث، وبتكثيف المطاردات تم القبض عليّ ثم الهجوم على مخبأ عصام في حي الجمالية بالقاهرة، حيث دارت معركة الجمالية المثيرة.

وهذه المعركة تحتل أهمية مهمة في تاريخ الحركة، لما أظهرت من حقائق خطيرة في المواجهة بين الإسلاميين وقوات الحكومة، ولما أظهرت من صدق نظرة عصام وبعد نظره.

وهنا لا بد من وقفة لشرح بعض تفاصيل هذه المعركة: دارت هذه المعركة في منطقة منشية ناصر في حي الجمالية، وهي منطقة فقيرة تزدحم فيها بيوت الفقراء المتلاصقة تفصل بينها الحواري والأزقة الضيقة.

وكان عصام مختبئاً في ورشة للخراطة، أنشأها محمد عبد الرحيم الشرقاوي لتكون احدى قواعدنا مع إبراهيم سلامة اسكندراني، ونبيل نعيم، اصدر ضده حكماً بالسجن 7 سنوات في قضية السادات، ثم 15 سنة سجناً في قضية طلائع الفتح الإسلامي، وما زال في سجن العقرب بمصر، وكانت هذه الورشة عبارة عن بيت متواضع يتكون من ممر غير مسقوف على يساره غرفتان وعن يمينه غرفتان، وفي بداية الممر باب حديدي.

وكانت الورشة تقع في زقاق ضيق، مسدود آخره، ويحيط بها عدد من المنازل، العديد منها مكون من أكثر من طابق.

ولما علمت وزارة الداخلية بأن عصام مختبئ في هذه الورشة، حاصرت المنطقة كلها بالشرطة وقوات الأمن المركزي، واستخدمت في الهجوم على الورشة أفضل قواتها، وهي كتيبة مكافحة الإرهاب في الأمن المركزي، واستمرت الكتيبة تحاصر الورشة لعدة ساعات نشرت خلالها أطواقها حول الورشة، واحتلت أسطح المنازل المطلة وركزت عليها مدافعها الرشاشة.

وقبيل الفجر، بدأ النداء من مكبر الصوت على الاخوة في الورشة، بأن الورشة محاصرة وعليهم أن يسلموا أنفسهم، وعقب ذلك مباشرة بدأت مجموعة الاقتحام وهي تتكون من أفضل ضباط الأمن المركزي المرتدين للدروع الواقية، في الهجوم على باب الورشة بإطلاق سيل لا ينقطع من الطلقات مع الصياح على الاخوة بالاستسلام واستيقظ الاخوة على هذا الدوي المفزع.

لكن عصام ورفاقه كانوا مستعدين لهذا الاحتمال، لذا فقد ثبتوا سلكاً للكهرباء على بعد سنتيمترات من الباب الحديدي، وكان معهم رشاشان قصيران متهالكان ومسدسان وعدد من القنابل اليدوية.

ولما اقتحمت مجموعة الاقتحام الباب الحديدي، صعقوا بالكهرباء، فارتدوا للخلف مصدومين مفزوعين، وحينئذ لم يمهلهم عصام فعالجهم بقنبلة يدوية من فوق الباب سقطت في وسط مجموعة الاقتحام فسقطوا بين جريح وقتيل، وما أن سمع ضباط الكتيبة وجنودها ـ بعد ضوضاء الاقتحام ـ صراخ مجموعة الاقتحام حتى شلّهم الرعب، ولف الليل سكون مطبق. وهنا قفز عصام وزميلاه فوق الورشة وبدأوا يمطرون الأسقف المجاورة برصاص الرشاشين اللذين ما لبثا أن توقفا عن العمل، لكن عصام ورفيقيه لم يتوقفا، فأمطروا القوة بعشر قنابل انفجرت فيهم تسع، وانقطعت مقاومة القوة، وهنا أدرك عصام أن الكتيبة قد ضعفت، فخرج الاخوة من باب الورشة فوجدوا في وجوههم جندياً شاهراً سلاحه، لكنه استدار كاشفا ظهره لهم، فأرداه الأخ نبيل نعيم برصاصة في رأسه.

ثم أمرهم عصام بأن يكمنوا وينتظروا إلقاءه لقنبلة يدوية وأن ينطلقوا عدواً في اتجاه انفجارها، وانطلق الاخوة يعدون وسط أطواق الحصار وكأنهم يجرون وسط كتيبة من الموتى والأشباح. واستمر الاخوة في العدو حتى وصلوا لتلال المقطم القريبة، ومن بعد جلسوا يراقبون الكتيبة المثخنة بالجراح وهي تلملم جنودها لينسحبوا إلى سياراتهم. وهنا اقترح إبراهيم سلامة، ان هذه افضل فرصة للهجوم على الكتيبة بما تبقى لدى الاخوة من ذخيرة، لكن عصام قرر الاكتفاء.

واستمر الاخوة في السير في تلال المقطم، وكان في يد ابراهيم سلامة قنبلة يدوية كان قد نزع فتيلها ثم أعاده مرة أخرى، لكنه يبدو أنه قد اهتز من مكانه في أثناء العدو، وتوقف الاخوة قليلا قرب احدى المغارات.

وأراد إبراهيم سلامة أن يقضي حاجته، فاستدار ليواجه مدخل الغار، وظهري عصام ونبيل على بعد أمتار قليلة منه، وهنا سقطت منه القنبلة اليدوية، ويبدو أن الفتيل تزحزح بعد قليل من سقوطها، وسمع الاخوة صوت انفجار الكبسولة، وهنا انكب ابراهيم فوراً فوق القنبلة ليحمي اخويه منها، وتمزق سكون الليل بانفجار القنبلة الذي مزق أحشاء إبراهيم، التي استوعبت كل انفجار القنبلة.

وكانت مفاجأة قدرية اخرى خارج أي توقع، فبعد أن يفر الاخوة سالمين من قوات الأمن المركزي التي تفوقهم قرابة مائة مرة، يسقط ابراهيم على موعد مع قدره الذي لا يعلمه إلا علاّم الغيوب. ووقف عصام ونبيل مشدوهين مذهولين من هول المفاجأة.

ويشاء القدر، أن يقبض على عصام ثم يقدم إلى المحاكمة في قضية الجهاد، ولم تحضره النيابة لقاعة المحكمة، للتواطؤ مع المباحث، في أول جلسة، واحضروه هو ورفاعي طه، (المسؤول العسكري لـ«الجماعة الإسلامية» الذي تسلمته مصر منذ شهور من دمشق)، من حبسهما، في سجن القلعة، في الجلسة الثانية.

وكشف عصام في المحكمة، هذه المكيدة، وأصر على شرح ما يعانيه في سجن القلعة من عدوان ضباط المباحث عليه.

وحاول القاضي أن يمرر الموضوع، لكن عصام أصر على الاستمرار في الكلام، وهدد القاضي عصاماً بالطرد، ولم يأبه عصام، ثم أمر بطرده فرفض عصام، وحاول ضباط الأمن المركزي أن يقتربوا من عصام في حذر، لكنه نهرهم، فخافوا وتراجعوا.

وانفلت زمام الجلسة وثارت ثائرة الاخوة المتهمين، وكنت وقتها مسؤولاً من قبل الاخوة عن إدارة الجلسة، فطلبت من الاخوة الصمت، ثم رفعت صوتي مهدداً بأنه إذا طرد عصام بالقوة، وكانوا يضعونه في قفص وحده، بعيداً عن أقفاص بقية الاخوة المتهمين، فلن تكون هناك محاكمة.

وتوتر جو القاعة وأدرك القاضي أنه ينظر في قضية لا سابق لها، وأنه قد ورط نفسه بالصدام مع المتهمين، وهنا تدخل المحامون لإنقاذ الموقف، فتقدموا إلى القاضي بالاعتذار وسط الصخب والضجيج الذي حال دون سماع ما يقولون. بعدها التقط القاضي الخيط وقال: إن المحكمة قبلت اعتذار المحامين وقررت استمرار الجلسة ..

خطة الهروب من سجن النيل

الهروب الكبير ...

وطوال فترة السجن، لم يكف عصام عن التعلم والتعليم والتدريس لأعضاء الجهاد، وكان أهم ما يفكر فيه هو كيف يدبر نجاة الاخوة المنتظر ان يحكم عليهم بالاعدام.

وشاء الله سبحانه وتعالى أن أتشرف بمرافقته لأشهر عديدة في سجن ليمان طره في زنزانة واحدة، وكان طوال هذه الفترة لا يكف عن إعداد التصورات للمرحلة المقبلة، ووضع الحلول العملية وإجراء الأبحاث لكثير من المشاكل الواقعية. وشاء القدر أن نفترق، فقد حكم عليّ بالسجن لمدة ثلاث سنوات، أمضيت أغلبها قبل صدور الحكم، وحكم عليه بعشر سنوات، استقبلها كالعادة بثباته وهدوئه الفريد، بل كان يثبتني ويشد من أزري ويقول لي: إني مشفق عليك مما ستحمله على كاهلك من عبء.

وبقي عصام في السجن لا يكف عن تدبير الخطط للهروب من السجن وبعد عدة محاولات نجح أخيراً هو وخميس مسلم ومحمد الاسواني في انجاز الهروب من سجن ليمان طره العتيد في 17 يوليو (تموز) 1988. ولم يكن هروباً عادياً، فقد سبقه إعداد طويل ومعقد توج بالهروب الذي اتخذ أسلوب معركة اقتحام أسوار السجن، واختراق أطواق الحراسة من حوله، ثم عبور النيل إلى الضفة الأخرى .

ودون الدخول في تفاصيل، فقد أسقط في يد وزارة الداخلية التي لم تتوقع أبداً مثل هذه الجرأة في عملية الهروب الصاخب الذي بدأ ينزع قضبان نافذة الزنزانة، ثم أسر حراس العنبر، ثم اقتحام السور الذي يبلغ ارتفاعه قرابة أربعة أمتار بعد إلقاء القنابل الصوتية في اتجاهات متفرقة، ثم الاشتباك مع أحد حراس السور وانتزاع سلاحه منه، ثم الخروج من منطقة سجون طره في منتصف الليل وسط الحراسات المشددة.

وبعد هروب عصام القمري ورفيقيه من السجن، عبروا النيل إلى الضفة الغربية، ثم ساروا على أقدامهم وسط المزارع حتى وصلوا إلى وسط الدلتا.

ونظراً لكثرة المشي، فقد بدأت أقدام خميس مسلم في التشقق ثم التقيح الذي أدى لإصابته بحمى ورعشة، وفي محاولة لعلاج خميس، لجأ الاخوة الى خالد بخيت عضو الجهاد الذي ترك لهم منزله بمنطقة مساكن ايديال بالشرابية.

ويشاء القدر أن تهاجم قوة من مباحث أمن الدولة منزل خالد بخيت في فجر يوم 25 يوليو 1988، في حملة الاعتقالات الموسعة التي أعقبت هروب الاخوة الثلاثة.

وهنا تدور معركة اخرى من معارك الشجاعة والبسالة، فبمجرد أن طرق قائد القوة، وهو عقيد بمباحث امن الدولة، باب الشقة حتى انهارت عليه القنابل الصوتية التي اعدها الاخوة، ثم هجم عليه عصام القمري بسكين المطبخ، ففر هارباً، وألقى مسدسه، كما ولى جنوده وضباطه الادبار مذعورين، فالتقط عصام مسدس قائد القوة، وسارع الاخوة بالهرب من العمارة الى الشارع، وأخذوا في العدو.

وعلى ناصية الشارع وقف عصام القمري مشتبكاً بالنيران مع قوة الشرطة ليغطي انسحاب اخويه، فأصابته رصاصة في بطنه سقط فوراً على اثرها، فجاءه اخواه يحاولان أن يحملاه، فنهاهما وأعطاهما سلاحه، وأمرهما بمواصلة الانسحاب، وفاضت روحه إلى بارئها.

ويكفي للتدليل على مدى إحباط الوزارة، تلك الواقعة التي حكاها نبيل نعيم «قيادي اصولي يقضي عقوبة السجن في مصر لتورطه في قضية طلائع الفتح الإسلامي»، حيث حدثني أنه قال لضابط المباحث بسجن ليمان طره، عقب الحادث، بسخريته المعهودة: طبعاً سينفونك إلى الصعيد «جنوب مصر» الآن؟، فرد عليه الضابط بثقة: أبداً لن يستطيعوا، إن عليهم أن يعطوني وساماً لأني قد حافظت على عصام القمري طوال هذه السنوات في هذا السجن، وفعلاً لم ينقل الضابط المذكور من وظيفته!

الشعب اراد الحياة و القيد انكسر

رابط هذا التعليق
شارك

أحداث عين شمس..

ويقول الظواهري قد لا يكون من المناسب ان نقدم هنا سردا تفصيليا لعمليات العنف ضد الحكومة في مصر ولكننا سنحاول ان نقدم عرضا مجملا مع بيان اهم الاحداث ومعانيها في المرحلة الماضية ضد النظام المصري، وسنعرض اولا لاهم العمليات، ثم للدروس المستفادة من هذه العمليات.

يقول الظواهري: «يمكننا ان نبدأ رصد بداية العمليات في مصر بتسجيل عدوان الحكومة على حي عين شمس بالقاهرة حين اقتحمت قوات الشرطة مسجد آدم عقب صلاة المغرب يوم الجمعة 12 اغسطس سنة 1988، حيث تعقد «الجماعة الاسلامية» ندوتها الأسبوعية». ومن الجدير بالذكر ان مسجد آدم قد سبق اقتحامه عدة مرات من قبل قوات الشرطة، كما ان اقتحام المساجد اصبح عادة متكررة لقوات الشرطة يحطمون كل ما بداخلها ويمزقون الكتب، ويطلقون داخلها القنابل المسيلة للدموع وطلقات الرصاص بلا تمييز.

ويؤكد الظواهري في مذكراته: «ان العدوان المتكرر حتى اليوم على المساجد لا يمكن ان يمر بدون عقاب بإذن الله، وهذه الجرائم تتحمل مسؤوليتها وزارة الداخلية،، والادارة الاميركية التي تتم هذه الجرائم برضاهم وتحت سمعهم وبصرهم وتنفيذا لسياساتهم في كبت المقاومة الاسلامية ضد التوسع الاسرائيلي في المنطقة». وقد بدأ الاقتحام بتحطيم نوافذ المسجد، ثم القاء القنابل المسيلة للدموع والقنابل الحارقة داخله لاجبار الموجودين فيه على الخروج، وعندما بدأ الاخيرون بالخروج اقتحمت قوات الشرطة المسجد واطلقت الرصاص بلا تمييز.

وكانت هذه الجريمة كافية لاستفزاز اهالي المنطقة الذين انضموا تلقائيا الى اعضاء الجماعة الاسلامية فاتسع نطاق الاضطرابات حتى شمل المنطقة بأسرها.

وجن جنون وزارة الداخلية فأصدرت الاوامر باطلاق الرصاص وتساقط الضحايا من الاطفال والنساء والشيوخ والشباب، وامتلأت الشوارع والبيوت بالجرحى والقتلى الغارقين في دمائهم، كما امتلأت لوريات الشرطة بمئات المعتقلين.

وكان من الطبيعي ان يرد الاهالي ، واصيب ضابطان واربعة جنود، وتوفي الضابط محمد زكريا متأثرا باصابته بحجر في رأسه.

وبالطبع فرضت اجهزة الامن حظر التجول في جميع شوارع المنطقة، ودفعت وزارة الداخلية باعداد هائلة من القوات التابعة لمختلف الى المنطقة.

ويوضح زعيم «الجهاد» المصري انه كانت الحملة الثانية على حي عين شمس يوم الاربعاء 7 ديسمبر 1988، حين انتهز وزير الداخلية ـ زكي بدر ـ ورود معلومات عن مسيرة سلمية تنوي «الجماعة الاسلامية» تنظيمها الى القصر الجمهوري بالقبة للاعراب عن تأييدها للانتفاضة في فلسطين المحتلة. ولكن الشرطة لم تكن لتسمح لها بأن تترك الجماعة الاسلامية لتعبر عن وجودها في الشارع بمظاهرة مهما كان السبب.

واقتحت الشرطة مسجد آدم قبل صلاة الفجر واعتقلت كل من بداخله، وقامت بحملة اعتقال واسعة النطاق لجميع اعضاء الجماعة الاسلامية في مناطق عين شمس والمطرية والالف مسكن ومساكن عين شمس، واعتقلت اكثر من 180 شخصا.

وخرجت صحف الحكومة ببيان لوزارة الداخلية يتضمن اعترافا بالحملة على عين شمس واعتقال عشرات من اعضاء الجماعة الاسلامية، وزعم البيان انه تم ضبط منشورات واسلحة بحوزة بعض المعتقلين، كما اعترف البيان بأن قوات الشرطة اغلقت مسجد آدم، وانها تواصل تمشيط المنطقة بحثا عن اعضاء الجماعة الاسلامية المطلوب اعتقالهم، ولكن البيان لم يذكر اعتقال النساء من زوجات وامهات واقارب الهاربين واطفالهم كرهائن لاجبارهم على تسليم انفسهم، ولم يذكر ايضا ما تعرضوا له من تعذيب وحشي ليعترفوا بأماكن ذويهم.

مقتل المقدم عصام شمس ..

ويتعرض الظواهري لعملية مقتل المقدم عصام شمس وكيل مباحث شرق القاهرة، فيقول في مذكراته: « في تطور سريع للاحداث طعن بائع بسوق عين شمس ضابط الشرطة المقدم عصام شمس، وتوفي الضابط متأثرا باصابته، وفر البائع الذي ثبت من تحقيقات النيابة ان اسمه شريف محمد احمد، وكان قد تعرض للضرب المبرح عدة مرات على ايدي بعض ضباط المباحث، كما سبق اعتقاله في احداث اغسطس المذكورة انفا وتعرض لتعذيب في قسم عين شمس.وكانت نهاية الاحداث تمثيلية سيئة الادوار قتل فيها شريف محمد احمد وآخرين معه هما خالد اسماعيل واشرف درويش رميا بالرصاص، ثم زعمت وزارة الداخلية في بيان اصدرته ان القتلى الثلاثة قاوموا الشرطة اثناء القبض عليهم لمدة ثلاث ساعات في احد شوارع شبرا، رغم عدم اصابة ضابط او جندي بطلقة. كما زعم البيان انه قد تم العثور على بعض الاسلحة بجوار جثث القتلى الثلاثة، وقتل ايضا احد قيادات الجماعة الاسلامية بالمنطقة ويدعى جابر محمد احمد، وادعت الشرطة كالعادة انه قاوم السلطات وحاول قتل احد الضباط فاضطرت القوات الى اطلاق الرصاص عليه.

وفور وقوع الحادث فرض حظر التجول في شوارع المنطقة، وشنت حملة اعتقالات واسعة على المشتبه في صلتهم بالحادث، وكان من اسباب ذلك الحادث دور الضباط المذكور في التعذيب الوحشي للمعتقلين في قسم شرطة عين شمس.

وزعم الظواهري ان زكي بدر ـ وزير الداخلية حينئذ ـ امر باعتقال 30 سيدة وفتاة من امهات وزوجات وشقيقات قيادات «الجماعة الاسلامية» الهاربين، وعقب تعذيب بشع تعرضن له في قسم عين شمس تم نقلهن الى ادارة مباحث امن الدولة في لاظوغلي، حيث تم تجريدهن من ملابسهن، وتعرضن للصفع والركل وألوان السباب.

ويقول هكذا كانت احداث عين شمس اعتداء صارخا على «الجماعة الاسلامية» بل وعلى الشعب في كل المنطقة، وكان الهدف منها واضحا، وهو تدمير النشاط الدعوي السلمي الذي كانت تقوم به الجماعة الاسلامية في تلك المنطقة، بعد ان حازت تأييد الناس نتيجة للنشاط الاجتماعي والدعوي الذي بذله اعضاؤها، ولكن الحكومة التي انتهجت سياسة قتل افراد الجماعات الاسلامية ومنع اي نشاط لها لم تكن لتسمح بذلك، تلك السياسة التي عبر عنها زكي بدر بسياسته المعلنة (الضرب في سويداء القلب، والضرب في المليان) .

تسارع وتيرة ردود الأفعال ..

ويقول الظواهري في مذكراته ان الحركة الاصولية قررت الرد على احداث عين شمس، وكان الرد هو اعداد كمين لموكب زكي بدر وزير الداخلية بواسطة سيارة ملغومة في 26 ديسمبر 1989، ولكن الكمين فشل لخلل في المتفجرات داخل السيارة وقبض على سائقها.

فردت وزارة الداخلية علينا بقتل الدكتور علاء محيي الدين في الشارع في وضح النهار في 2 سبتمبر .1990 وكان علاء محيي الدين ـ رحمه الله ـ من قيادات الجماعة الاسلامية الداعين للحوار مع الحكومة، وعبر عن ذلك في عدة مناسبات رافعا شعار (مرحبا بالحوار الحر)، وهي سياسة ثبت فشلها تماما مع حكامنا.

وكان قتل علاء محيي الدين رسالة واضحة الى الجماعة الاسلامية ان الدعوة للحوار جزاؤها القتل، وان النظام لن يقبل بوجود الجماعات الجهادية، وكان النظام منطقيا مع نفسه فالجماعات الجهادية هي اخطر معارضة في مواجهته. فهي اقدر الجماعات على تجميع الشباب المسلم والانتشار بينه. وهي اخطر الجماعات على سياسة التطبيع مع اسرائيل، ولن يهنأ لاسرائيل مقام فوق ارض مصر طالما كان تهديد الجماعات الاسلامية قائما. وردت الجماعة الاسلامية على قتل علاء محيي الدين ـ رحمه الله ـ بنصب كمين لوزير الداخلية عبد الحليم موسى، ولكن شاء الله ان يمر موكب رفعت المحجوب ـ رئيس مجلس الشعب ـ بدلا منه فوقع في الكمين وقتل.

وهكذا تحولت الجماعة الاسلامية من خطها الدعوي طويل المدى الى خط العنف بمقاومة عدوان الحكومة عليها بالقتال.

ويقول الظواهري: في مطلع التسعينات حدث تطور مهم آخر، وهو القبض على عدد كبير من اخواننا في جماعة الجهاد وتقديم ثمانمائة منهم الى المحاكم العسكرية في ما عرف بقضايا طلائع الفتح، وحكمت المحكمة على اربعة منهم بالاعدام.

وخرجت الصحف الحكومية مزهوة متفاخرة بالقبض على ثمانمائة عضو في جماعة الجهاد بدون اطلاق طلقة واحدة. وقررنا ان ندخل معركة المواجهة مع الحكومة، بعد ان كان خطنا السابق هو الانتشار وتجنيد العناصر استعدادا لمعركة التغيير.

ويفيد الظواهري في كتابه: كان ردنا هو الهجوم على موكب وزير الداخلية ـ حسن الالفي ـ بدراجة نارية ملغومة، ونجا الوزير من الموت ولم يصب الا بكسر مضاعف في ذراعه، وحالت بينه وبين الموت كومة من الملفات كان يضعها الى جانبه استقرت بها الشظايا. وتلا ذلك هجوم اخوة الجماعة الاسلامية على وزير الاعلام ـ صفوت الشريف ـ ونجا وزير الاعلام من الكمين.

وتزامن مع ذلك هجوم «الجماعة الاسلامية» على قائد المنطقة العسكرية المركزية باعتباره القائد المصدق على احكام المحاكم العسكرية، ولم ينجح الهجوم لان سيارته كانت مصفحة.

أسفنا لمقتل الطفلة شيماء ..

ويتطرق زعيم «الجهاد» الى مقتل الطفلة البريئة شيماء التي اعرب عن اسفه لمقتلها، واستعداده لدفع ديتها، وقال انها كانت في عمر بناته، وقال اخواننا في جماعة «الجهاد» قاموا بالهجوم على موكب رئيس الوزراء ـ عاطف صدقي ـ بسيارة ملغومة ولكن رئيس الوزراء نجا من الهجوم بخروج سيارته من دائرة الانفجار باجزاء من الثانية بعد ان اصابتها شظايا الانفجار.

وقد نتج عن الهجوم المذكور مقتل طفلة تدعى شيماء، كانت تلميذة في مدرسة مجاورة، وكانت تقف قريبا من موقع الحادث.

وقد استغلت الحكومة مقتل الطفلة شيماء ـ رحمها الله ـ وصورت الحادث على انه هجوم من جماعة الجهاد على الطفلة شيماء وليس على رئيس الوزراء عاطف صدقي.

وأظهرت الصحف صور والدي شيماء وهما ينتحبان على ابنتهما، وصور شيماء في طفولتها المبكرة. وحاولت تهييج مشاعر الجمهور بهذه الاساليب، لتبعد انظار الناس عن القضية الاساسية في الصراع بين الاصوليين والحكومة.

وكان اخواننا المنفذون للهجوم ـ عند استطلاعهم لمكانه ـ قد وجدوا مدرسة تحت الانشاء، فظنوها خالية من التلاميذ، ولكن تبين ـ في ما بعد ـ ان الجزء الخارجي من المدرسة فقط هو الذي كان تحت التجديد، اما بقية المدرسة فكانت تعمل.

وقد آلمنا جميعا مقتل هذه الطفلة البريئة بدون قصد. ولكن ما حيلتنا ولا بد لنا من جهاد الحكومة المحاربة لشرع الله والموالية لاعدائه.

وقد انذرنا افراد الشعب من قبل عدة مرات ـ وخاصة بعد الهجوم على وزير الداخلية حسن الالفي ـ ان يبتعدوا عن مقار اركان النظام ومساكنهم وطرق تحركهم.

واركان النظام لا يتميزون في مساكن ومكاتب ومواكب بعيدة عن الجمهور، ولكنهم يختلطون بهم ويحتمون بزحامهم، فليس لنا بد من ضربهم مع انذارنا لعامة الناس.

وقد لخص اخونا السيد صلاح هذا الموقف بقوله ـ عندما سئل في تحقيق النيابة عن قوله في قتل الطفلة شيماء ـ انه يأسف لمقتل هذه الطفلة، ولكن الجهاد لا يجب ان يتوقف.

وقد شرحت هذه المسألة تفصيلا في رسالتي المسماة «شفاء صدور المؤمنين».

وفي ما يتعلق بالآثار المترتبة على اصابة المسلمين ـ دون قصد ـ من هذا الرمي فقد اخترنا قول الامام الشافعي رحمه الله بأداء الدية الى اولياء القتيل اخذا بأحوط الآراء في المسألة.

لذا فنحن نعتبر ان من قتل المسلمين قدرا ـ بدون قصد ـ في مثل هذه العمليات فعلينا لأوليائه حق دفع الدية لهم.

واذا اردنا ان نضع قضية شيماء في الميزان الصحيح فعلينا ان نضع في الكفة الاخرى للميزان بناتنا ونساءنا اللاتي تيتمن وترملن بلا ذنب، بل بسبب قيام آبائهن وأزواجهن بأشرف فريضة، فريضة الجهاد في سبيل الله.

لقد اقتادني النظام ومعي 280 أخا الى المحاكمة وطالبت النيابة باعدامنا جميعا، اي طالبت بالحكم على ابنتي الصغيرة التي كانت تبلغ عامين من عمرها وعلى بنات اخواني بالتيتم، فمن الذي بكى على بناتنا واهتم بهن؟

ويفيد الظواهري ان سيد قرني اقتحمت الشرطة منزله فلما جرت ابنته مذعورة من طلقات الرصاص اردتها الشرطة قتيلة على الفور، فمن الذي بكى على بنت سيد قرني؟

وعشرات الآلاف من نسائنا واخواتنا وامهاتنا يقفن على ابواب السجون على امل زيارة ابنائهن واخوانهن وازواجهن، فمن الذي اهتم لمأساتهن؟

ويقول لقد كسرت ذراع سناء عبد الرحمن حين ضربتها الشرطة ـ بوحشية ـ هي وابنتها خديجة البالغة من العمر ثلاث سنوات امام سجن استقبال طرة، لان الامهات المنتظرات اخذن في البكاء والعويل لما خرج احد المعتقلين في طريقه الى المحكمة، وقال لهن: «المعتقلون بيموتوا، افعلوا اي شيء، اذهبوا للنائب العام»، ونشرت جريدة «الشعب» صورة سناء وذراعها في الجبيرة وبجانبها ابنتها خديجة.

من الذي يمنع الحجاب في المدارس والنقاب في الجامعات محاربة لآداب الاسلام، ولإكراه بناتنا على زي الغرب وتبرجه؟

كما قام اخواننا في جماعة الجهاد باعداد كمين لموكب حسني مبارك على طريق صلاح سالم، ولكنه لم يمر من هذا الطريق في ذهابه لصلاة العيد ففشلنا.

وواكب ذلك محاولة لاغتيال حسني مبارك في مطار سيدي براني قام بها عناصر الجماعة الاسلامية، ولكنها لم تنجح لاكتشافها قبل التنفيذ .

الشعب اراد الحياة و القيد انكسر

رابط هذا التعليق
شارك

عملية اللواء رؤوف خيرت ..

وبالنسبة لأهم العمليات التي نفذتها العناصر الاصولية من «الجماعة الاسلامية» يتطرق الظواهري الى مقتل اللواء رؤوف خيرت في 9 ابريل عام .1994 ويقول: «كان رؤوف خيرت من اخطر ضباط مباحث أمن الدولة المحاربين للاصوليين، وكان يتخذ عددا من الاحتياطات الامنية الشديدة منها تغيير مسكنه كل عدة اشهر، وعدم وضع اي حراسة على منزله، وقيادته لسيارته بنفسه في محاولة للظهور بمظهر الشخص العادي الذي لا صلة له بالسلطة، ولكن اخوة الجماعة الاسلامية استطاعوا التوصل اليه، وعند خروجه من بيته وركوبه سيارته اقترب منه احد الاخوة المجاهدين والقى قنبلة يدوية داخل سيارته، فقتل على الفور». وصعدت الجماعة الاسلامية فهاجمت موكب حسني مبارك في اديس ابابا في صيف 1995، ولكن الهجوم لم ينجح ونجا حسني مبارك بسبب تعطل احدى السيارتين المشاركتين في الهجوم.

وقام اخواننا في جماعة الجهاد بالتخطيط لعمليتين في وقت متقارب واحدة في الخارج لتفجير السفارة المصرية في اسلام آباد في خريف 1995 ـ وقد ذكرناها في سياق هذا الكتاب ـ واخرى في الداخل ضد السياح الاسرائيليين،وعرفت بقضية خان الخليلي.

وفي يوليو عام 1997 اصدرت الجماعة الاسلامية من داخل السجن مبادرة وقف العنف من جانب واحد.

لكن عقب تلك المبادرة قام فريق من اخوة الجماعة الاسلامية بعملية الاقصر ضد السياح الغربيين.

كان ما سبق سردا موجزا سريعا لأهم وقائع العمل الجهادي من عام 1988 حتى عام 1997 متخطين كثيرا من التفاصيل.

كسر إرادة الحركة الأصولية..

هدفت حملة البطش منذ اغتيال انور السادات الى كسر ارادة الحركة الاصولية وخاصة نواتها الصلبة المتمثلة في الجماعات الاصولية، وقد اتخذت هذه السياسة منحى تصاعديا خطيرا منذ تسلم زكي بدر لوزارة الداخلية، حيث بدأ يتبجح علنا بان علاج الجماعات الاسلامية هو الضرب في سويداء القلب.

وكان هدف حملة البطش واضحا ألا وهو زرع اليأس في قلوب الشباب المسلم، وايهامهم بأن اية مقاومة لا جدوى منها، ولن تؤدي باصحابها الا الى الكوارث والنكبات، وان السبيل الوحيد هو الاستسلام.

وكان السكوت عن الرد على هذه الحملة نتيجته المؤكدة هو فقدان الحركة الاسلامية لثقتها في نفسها، وتراجعها الى الخلف والانزواء والصمت والعودة الى عهد الرعب الناصري، وكان هذا التيئيس من جدوى اي مقاومة هو حجر الزاوية في سياسة التوسع اليهودي في المنطقة.

وأدركوا بالتالي ان قمع المقاومة المضادة لهم لن ينجح الا اذا زرعوا روح اليأس في نفوس المسلمين.

ويفيد الظواهري بأن الرد على هذه الحملة الباطشة بالعمليات الجهادية لن يقي الشباب المسلم فقط من اليأس ولكنه ايضا سيملأ نفوسهم بالأمل والثقة بالنفس بعد الثقة بالله تعالى.

وكشف الشباب المسلم ان النيل من الحكومة ورجالها لم يكن امرا صعبا.

ولا تتوقف ثمرة المقاومة الجهادية على بث الامل في نفوس الشباب المسلم بل انها ايضا توجه نفس السلاح الى اعوان النظام، فتنال منهم الحرب النفسية وتتحطم معنوياتهم وهم يرون زملاءهم يتساقطون من حولهم. كما ان تصعيد العمل الجهادي للنيل من الاهداف الاميركية واليهودية يبعث روح المقاومة بين افراد الشعب الذي يعتبر اليهود والاميركان رمزا بشعا على التكبر والطغيان.

من اجل كل هذا كان لا بد من المقاومة، بل ولا بد من استمرار المقاومة. ان أي محلل للوضع يستطيع ان يدرك مدى الكوارث التي كان يمكن ان تقع لو لم يقتل أنور السادات، ولو لم تستمر المقاومة ضد الحكومة المصرية.

وتحليل الوضع السياسي في مصر يظهر أن مصر تتنازعها قوتان: قوة رسمية. وقوة شعبية ضاربة الجذور هي الحركة الاسلامية عامة ونواتها الجهادية الصلبة خاصة.

والقوة الأولى تدعمها أميركا والغرب واسرائيل ومعظم الحكام العرب. أما القوة الثانية فتعتمد على الله وحده، ثم على انتشارها الشعبي الواسع وتحالفها مع الحركات الجهادية على مستوى أمة الاسلام كلها من الشيشان شمالاً حتى الصومال جنوباً ومن تركستان الشرقية شرقاً حتى المغرب غرباً.

ويقول الظواهري أما سبب العداء بين القوتين فواضح في غاية الوضوح، ألا وهو اصرار القوة الأولى على: أ ـ اقصاء الاسلام عن الحكم وابعاده عن مناحي الحياة المختلفة بالقوة والبطش والانتخابات المزورة.

ب ـ وعلى إباحة البلاد لأعداء الاسلام ـ الأميركان واليهود ـ باتفاقيات الاستسلام، ومعاهدات تحريم أسلحة الدمار الشامل علينا فقط، وبنزع سلاح سيناء، والاحتلال الأميركي المباشر لأرضنا، والمناورات المشتركة.

انها معركة عقائد، وصراع وجود، وحرب لا هدنة فيها.

والآن بعد هذا الاستعراض الموجز السريع لتاريخ الحركة الاسلامية في مصر يمكننا أن نقف وقفة نلتفت فيها الى هذا الماضي القريب لنرى ما هو حصاد هذه المرحلة التي استمرت من عام 1966 حتى عام 2000 تقريباً؟

واجابة على هذا السؤال نقول ان حصاد هذه المرحلة يمكن تلخيصه في ما يأتي: 1ـ الانتشار: لا شك ان الحركة الاسلامية المجاهدة قد حققت خلال تلك الفترة انتشاراً واسعاً متزايداً وخاصة بين صفوف الشباب ، وان هذا الانتشار في تنام وتزايد.

2 ـ الصدام: اتسمت الحركة الاسلامية بطابع الهجوم على اعداء الاسلام والمقاومة حتى آخر رمق. وما الأحداث الكبار التي وقعت ابتداء من حادثة الكلية الفنية العسكرية في عام 1974 الى حادثة الأقصر في عام 1997 إلا دليل على ذلك.

3ـ البذل الضخم المتواصل: قدمت الحركة الاسلامية حتى الآن عشرات الآلاف من المعتقلين والمعذبين والمصابين وآلاف القتلى في صراعها المستمر وأثبتت بذلك أمرين: الأول: انها قوة ذات جذور عميقة وروافد خصبة، فرغم كل هذه الضربات والتضحيات ـ التي لا يمكن ان تصمد لها أية قوة سياسية اخرى في مصر ـ ما زالت الحركة الاسلامية المجاهدة في الميدان تواصل العمل والاعداد في سبيل الله.

الثاني: ـ يزعم الظواهري ـ انها لا تزال تمثل الخطر الأول على أمن الحكومة والدليل على ذلك استمرار قوانين الطوارئ والمحاكم العسكرية وقوانين مكافحة الارهاب دون أن يتوقع انتهاء العمل بها في المستقبل القريب، ناهيك من السجون الممتلئة بقرابة ستين ألفاً من الشباب المسلم مضى على بعضهم قرابة اثنا عشر عاماً في السجون دون توجيه تهمة له.

4 ـ التحالف الدولي والمطاردة الدولية: لم يجد النظام بداً من أن يسعى لتحويل المعركة ضد الحركة الاسلامية المجاهدة الى معركة دولية، بعد أن اقتنعت اميركا ان النظام لا يستطيع أن يصمد وحده أمام هذه الحملة الأصولية، واقتنعت ايضاً ان هذه الروح الجهادية ستقلب ـ على الأرجح ـ الأمور في المنطقة رأساً على عقب وتطرد أميركا منها، وحينئذ سيقع الزلزال الذي يرتجف الغرب من احتمال حدوثه ألا وهو، قيام دولة الخلافة الاسلامية في مصر، تلك الدولة التي ان قدر لها ـ ان شاء الله ـ ان تقوم فستصبح ـ بما تمثله مصر من ثقل في قلب العالم الاسلامي ـ قادرة على ان تقود العالم الاسلامي في جهاده ضد الغرب، ومرشحة لأن يلتف حولها مسلمو العالم كله، وحينئذ سيدور التاريخ ـ ان شاء الله ـ دورة جديدة في الاتجاه المعاكس ضد امبراطورية اميركا وحكومة اليهود العالمية.

5 ـ استمرار المعركة: يلاحظ أي راصد لتطور الحركة الاسلامية ان معركتها مع النظام، ما زالت مستمرة حتى اليوم، وان المعركة لم تتوقف طوال الستة وثلاثين عاماً فالحركة الاصولية إما انها في هجوم أو في اعداد لهجوم.

ويحاول النظام واعلامه ـ عبثاً ـ ان يقنعوا الناس في الداخل والخارج أن المعركة قد انتهت، رغم استمرار حالة الطوارئ وميزانيات الأمن الباهظة التي تثبت ان النظام لا يزال في حالة خوف وترقب وحذر بالغ بسبب استمرار المعركة، وان الموقف ما زال قابلاً للانفجار في أية لحظة. والنظام متأكد ان الحركة الدولية تفرخ أجيالاً جديدة يستعصي على اجهزة الأمن القضاء عليها.

ويدعي الظواهري بقوله ان حكومة حسني مبارك قد غيرت حتى الآن ستة وزراء للداخلية يصرح كل منهم بأنه سيقضي على الارهاب ثم ينزل ويأتي من بعده فيكرر نفس التصريحات.

6 ـ ايضاح الفكر والمنهج: استطاعت الحركة الاسلامية ـ الى حد كبير ـ ان توضح المعالم الأساسية لمنهجها مستندة الى أصول قوية من أدلة القرآن والسنة وجماعات الفقهاء المعتبرين، مما وفر لها قاعدة متينة رفعت فوقها رايتها التي تجتذب كل يوم ـ بفضل الله تعالى ـ انصاراً جدداً.

7 ـ ضعف التخطيط والاعداد للأعمال الجهاد ية: لا بد لنا ان نعترف ان التخطيط والاعداد الجيدين كانا غائبين في كثير من الاعمال الجهادية منذ حادثة الفنية العسكرية وحتى احداث أسيوط، وكان القصور في التخطيط ظاهراً.

واذا كان التخطيط في قتل انور السادات وهروب عصام القمري واغتيال المحجوب ونسف السفارة المصرية في اسلام آباد جيداً، إلا ان الحركة الأصولية عليها ان تتخلص من طابع التعجل والعشوائية الذي ما زال مسيطراً على كثير من أعمالها.

8 ـ ضعف الخطاب الشعبي: ما زال خطاب الحركة الأصولية في الأعم الأغلب خطاباً للصفوة والمتخصصين، بدون ان يكون خطاباً مفهوماً للعامة والجماهير، وهذه ثغرة لا بد للحركة الجهادية أن تسعى لسدها بكل جد كما سنفصل لاحقاً.

فاذا أضيف الى ما سبق الحصار الاعلامي المفروض على خطاب الحركة المجاهدة، ثم حملة التضليل التي تقوم بها أجهزة الاعلام الحكومي لاتضح لنا مدى الفجوة في التفاهم بين الحركة المجاهدة وعامة الشعب.

9 ـ نكوص بعض القيادات عن الاستمرار في المواجهة: ولعل اكبر مثال على ذلك هو مبادرة وقف العمل العسكري التي أطلقتها قيادات الجماعة الاسلامية في سجن ليمان طرة، وهو ما سنتعرض له تفصيلاً ان شاء الله.

10 ـ المحصلة: هل فشلت الحركة الجهادية ام نجحت خلال الستة وثلاثين عاماً الماضية؟

الجواب: أ ـ لا بد ان نعترف ان هدف الحركة الاصولية وهو قيام الحكومة الاسلامية في مصر لم يتحقق حتى الآن.

ب ـ ولكن هذا الهدف لم تضع له الحركة الاصولية المجاهدة توقيتاً معيناً للوصول اليه، والأهم من ذلك انه هدف قد يستغرق تحقيقه عدة أجيال، فالصليبيون في الشام وفلسطين خرجوا بعد قرنين من الجهاد المتصل، وكانت الأمة الاسلامية لها سلاطين مجاهدون وجيوش معدة منظمة، ويقودها أئمة اعلام متبعون كالعز بن عبد السلام والنووي وابن تيمية رحمة الله عليهم اجمعين، ومع ذلك لم يخرج الصليبيون في ثلاثين أو خمسين عاماً.

والانجليز احتلوا مصر سبعين عاماً، والفرنسيون احتلوا الجزائر مائة وعشرين عاماً.

ج ـ والذي رآه واضحاً ان الحركة الاسلامية المجاهدة قد قطعت شوطاً طويلاً في طريق النصر.

1 ـ فهي تمتلك منهجاً فكرياً واضحاً يستند الى أسس شرعية ثابتة وحقائق واقعية ملموسة.

2ـ كما انها استطاعت ان تنشر بين الشباب قضايا كانت غائبة عن فكر جماهير الأمة المسلمة مثل حاكمية الشريعة وردة الحكام الذين لا يحكمون بما أنزل الله ووجوب الخروج على الحكام الموالين لأعداء الاسلام.

3ـ كما كشفت الحركة الجهادية عن الصلة الوثيقة بين النظام الدولي والنظام المصري.

4 ـ ولم تكتف الحركة الجهادية بالطرح النظري لهذه القضايا بل طبقتها في أسلوب هجومي هز أركان النظام عدة مرات. واستطاعت قتل رئيس الجمهورية السابق.

5 ـ ونتيجة لما سبق فقد كان للحركة الجهادية تأثيرها القوي على الشباب المسلم فكراً وعملاً، مما أدى الى نشر الروح الأصولية بين جماهير غفيرة من شباب مصر. ليس هذا فحسب، بل لقد أثرت الحركة الأصولية على شرائح عريضة من شعب مصر، فعلى سبيل المثال ذكر لي احد الاخوة المحاكمين في قضية اغتيال السادات ان أحد المحامين اقترب من أقفاص المتهمين وقال لهم بدهشة وحماس: من أنتم ومن أين جئتم؟ فقد أحيا شعب مصر بقتله للسادات الأمل في قلوب الأمة. والمراقب للحركة الاسلامية المجاهدة يستطيع ان يدرك الفرق الواضح في حجم الحركة ووضوح فكرها وازدياد حركتها بين بدايات الحركة وواقعها اليوم.

8 ـ ومن هنا نستطيع ان نؤكد ان الحركة الجهادية في نماء وتقدم على المستوى العام، وإن أصابها شيء من الفتور او التراجع على المستوى الخاص نظراً لحملات البطش او فترات الحصار.

ولذا فعلى الحركة الاسلامية المجاهدة ألا تتوقف عن المقاومة وان تشرك الأمة كلها معها في معركتها.

الشعب اراد الحياة و القيد انكسر

رابط هذا التعليق
شارك

دخول أمريكا على الساحة ...

ويقول الظواهري: رأينا انه لنلقي نظرة على واقع الحركة الجهادية في مصر فلا بد لنا أن نبدأ بنظرة أوسع على منطقة قلب العالم الإسلامي، لذا سنقسم الكلام في هذا الجزء إلى بابين:

الباب لأول: حول أعداء الإسلام.

الباب الثاني: حول التيارات الإسلامية.

وتبرز في سياسة أميركا تجاه الاسلام معالم عدة ابرزها دور أميركا الأساسي في انشاء ودعم اسرائيل. وفي ما عدا اسرائيل التي تعد قاعدة أميركية ضخمة، لم تلجأ اميركا ـ في الفترة السابقة ـ الى الوجود العسكري الظاهر الكثيف لادارة مصالحها في الشرق الأوسط، الى أن وقعت حرب الخليج الثانية فاندفعت اميركا بأساطيلها وقواتها البرية والجوية الى المنطقة لتشرف على ادارة مصالحها بنفسها وتحت فوهات مدافعها.

وبهذا الوجود العسكري الأميركي الظاهر، ظهرت حقائق جديدة منها:

أ ـ انتقال اميركا من دور محرك الأحداث من وراء الستار الى دور الخصم المباشر في معركتها مع المسلمين.

فسواء في الصراع العربي ـ الاسرائيلي أو في ادارة الشؤون الداخلية للدول، كانت الادارة الأميركية تحرص دائماً على ان تظهر بدور المحايد او على اقل تقدير بمظهر الخصم غير المباشر الذي يدعم فقط ـ على زعمها ـ قيم الديمقراطية والحرية ومصالح الغرب.

اما الآن فقد برز دور القوة الأميركية واضحاً في ضرب العراق وفي حماية البترول بل وفي ادارة الشؤون الأمنية في بعض البلاد العربية. ويزعم الظواهري بوجود مكتب للمخابرات الأميركية في مبنى ادارة مباحث امن الدولة في مصر يتلقى يومياً تقارير عن عدد المعتقلين والمفرج عنهم.

وزعم الظواهري كذلك في كتابه بوجود قواعد اميركية في مطار غرب القاهرة ووادي قنا ثم قاعدة رأس بناس البحرية.

هدف المناورات المشتركة مع أميركا ..

ويتابع قائلا: فاذا أضفت الى ذلك المناورات المشتركة مثل مناورات النجم الساطع التي تتدرب فيها اميركا وحلفاؤها على غزو مصر من ساحلها الغربي للوصول الى القاهرة لمهاجمة أي نظام اصولي يصل للحكم فيها، لأدركت مدى بروز هذا الدور المباشر.

ففي المناورات الأخيرة ـ المسماة بمناورات «النجم الساطع 99» شاركت 9 دول بالاضافة الى اميركا ومصر، كما شارك مراقبون من 33 دولة. وكان حجم القوات المشاركة 73 ألف جندي و210 طائرات و55 سفينة بالاضافة لحاملة الطائرات كيندي مع مجموعة القتال البحرية والجوية التابعة لها.

ووصفت تلك المناورة بأنها اكبر مناورة عسكرية في العالم. كما وصفها الجنرال هيرفيه ـ قائد القوات الفرنسية ـ في المناورات بأنها «أهم تمارين متعددة الجنسيات في العالم».

وكان هدف المناورات ـ كما أسلفنا ـ هو التدريب على انزال القوات الغازية على ساحل مصر الغربي ثم التقدم جنوباً وشرقاً حتى القاهرة. أي نفس طريق نابليون بونابرت في حملته لغزو مصر. ويدعي الظواهري في كتابه ان القوات المصرية لا تتدرب ـ الآن ـ على صد الهجوم من اسرائيل المعادية على حدود مصر، بقدر تدريبها على تحرير عاصمتها، او منع وصول الاصوليين الى الحكم، وهو نفس سلوك الخديوي توفيق مع الانجليز عند غزوهم لمصر.

وبعبارة أخرى لم يعد عدو النظام الحاكم في مصر هو عدو مصر التقليدي ـ اسرائيل ـ على حدود مصر الشرقية، وانما أصبح عدو النظام هو الاصوليين في القاهرة.

واكتفى الأميركان بهذ القدر من الظهور وايكال بقية العبء في حماية مصالحهم في مصر الى الحكومة المصرية.

ولكن اذا أحس الأميركان بضرورة توليهم مباشرة لتلك الأعباء في مواجهة الاصوليين فلن يترددوا في ذلك، وهو ما رأيناه في مرحلة لاحقة في افغانستان.

ويزعم الظواهري في مذكراته ان انتقال الأميركان من دور محرك الأحداث من خلف الستار الى دور المدافع مباشرة عن مصالحهم له سببان، «اولهما: عجز الوكلاء ـ في نظر اميركا ـ عن حماية مصالحها والعجز حتى الآن عن اخماد المقاومة الأصولية.

وثانيهما: تصاعد الأحداث في المنطقة الى درجة اضطرت اميركا الى ان تمارس الضغط بنفسها وقواتها وأسلحتها وأجهزة امنها».

تنامي الحركة الأصولية..

ان تنامي الحركة الاصولية وزيادة المقاومة للوجود الصهيوني ولسياسات الاستسلام له بلغت من القوة والحدة لدرجة رأت عندها اميركا ان وكلاءها ليسوا فقط عاجزين رغم كل المساعدات التي تقدم لهم ولكن خصمهم ايضاً قد بلغ من القوة درجة لا بد من التصدي له بالقوة العسكرية المباشرة المستعدة والمتمركزة في ميدان الصراع.

وهذا الوجود العسكري الأميركي المكشوف يمثل خطوة جديدة على طريق التورط في سياسة (الكبت بالقوة) التي اختارتها اميركا في المنطقة. فأميركا ـ كما اسلفنا ـ أدركت ان اقناع الأمة المسلمة بقبول وجود اسرائيل وتوسعها لاقامة اسرائيل الكبرى، واستمرار نهب اميركا لثروات المسلمين، واقناعها بالتخلي عن المطالبة بتطبيق أحكام الاسلام، يعد من المستحيلات.

وأدركت اميركا ومن ورائها الحكومة اليهودية العالمية ان الاسلام هو المطلب الشعبي المجمع عليه لشعوب منطقة قلب العالم الاسلامي، وانه لا سبيل للالتقاء في منتصف الطريق حول هذه القضايا، لذا اختارت اميركا ان تفرض ارادتها بالقوة والبطش والتزوير والاعلام المضلل ثم أضافت الى ذلك الوجود العسكري المباشر.

وهذه السياسة ـ مهما طالت ـ سياسة قصيرة الأجل لا بد ان تتسبب في انفجارات متتالية.

ولكن ما هو البديل لدى اميركا واسرائيل؟

ان أي سماح للحركة الأصولية ببعض من الحرية سيزلزل أركان النظم الموالية لأميركا.

لذا فلتكن سياسة (الكبت بالقوة) وسد فوهة البركان هي السياسة المختارة، على أمل أن فرض الأمر الواقع قد يحدث تغييراً نفسياً لدى الشعوب، وتنشأ أجيال جديدة تنسى عقيدتها المقصاة وحقوقها المسلوبة.

أضف الى ذلك ان سياسة فرض الأمر الواقع بالقوة تسعى الى فرض أوضاع جديدة على الأرض المسلمة، يكون من العسير على أي تحرك اسلامي يصل للحكم أن يغيرها الا بمجهود جبار خاصة في بداية حكمه ما يوفر ضماناً مستقبلياً لأمن اسرائيل.

ولكن التاريخ يكذب كل ذلك. فالصليبيون مكثوا في الشام مائتي عام ثم رحلوا رغم انهم كانوا نموذجاً للاحتلال الاستيطاني مثل اسرائيل اليوم، والشيوعية ذهبت الى متحف التاريخ متبوعة باللعنات بعد سبعين عاماً من القهر وطمس الهوية وترحيل الشعوب.

وهنا تبرز أهمية استمرار المقاومة وعدم التراجع أمام المخطط الأميركي الصهيوني حتى لا يحقق أهدافه وحتى تبقى قضية الاسلام حية في أفئدة أبناء الأمة.

ان استمرار المقاومة يبقي البركان في حالة غليان مستمر وفي حالة استعداد للانفجار عند أقل استفزاز.

واستمرار المقاومة ينقل الغضب الشعبي من جيل الى جيل فيظل الثأر حياً في النفوس.

أما استشراء مفاهيم التصالح والاستكانة والرضا بالواقع فانه قد ينقل ميراثاً من اليأس والركون الى الاستسلام من جيلنا الى ابنائنا.

المطاردة الدولية للأصوليين ..

ويقول الظواهري: اذا سقطت شهيداً دفاعاً عن الاسلام، فسيهب ولدي محمد ليأخذ بثأري، اما اذا انتهيت سياسياً اجادل الحكومات حول بعض الحلول الجزئية فما الذي سيحرك ولدي ليمتشق سلاحي الذي بعته في سوق المساومات. وهذه المقاومة قبل كل ذلك، هي الفريضة الشرعية.

استطاعت أميركا بتفردها بالتفوق العسكري بعد سقوط الاتحاد السوفياتي ان تفرض ارادتها على كثير من الحكومات، وكان من نتائج هذه السيطرة فرض الاتفاقات الأمنية على كثير من البلاد، وبذلك اتسع نفوذ الحكومات التابعة لها في مطاردة المجاهدين في كثير من البلدان، ولا شك ان هذا قد أثر على مرونة الحركة الاصولية، ولكنه تحد جديد واجهته الحركة الجهادية بما يكبحه وهو ادخال أميركا كهدف في المعركة.

ولا يفوتنا هنا ان نشير الى مؤتمر شرم الشيخ الذي عقد في مارس 1996 وحضرته الدول العربية، فيما عدا السودان والعراق وسورية ولبنان، مع أميركا وروسيا والعديد من الدول الغربية، للاتفاق على تأمين اسرائيل من هجمات الاسلاميين وكان المنظر في غاية الاهانة والاذلال ولكن كما قال المتنبي: من يهن يسهل الهوان عليه ما لجرح بميت إيلام وخرج المؤتمر بقرارات علنية واتفاقات سرية تدور حول التعاون الأمني لخدمة أمن اسرائيل.

وبرعاية أميركا وتوجيهها انعقدت مؤتمرات وزراء الداخلية العرب، وانتهت الى توقيع اتفاقية مكافحة الارهاب التي يضيفون اليها كل عام قيدا جديدا.

ولم تكتف أميركا بالاتفاقات والمؤتمرات فقط بل حركت منظمتها (هيئة الأمم المتحدة) لاستصدار قرار بفرض العقوبات الاقتصادية على أفغانستان لامتناعها عن تسليم من تطلبهم أميركا وعلى رأسهم أسامة بن لادن.

الشعب اراد الحياة و القيد انكسر

رابط هذا التعليق
شارك

تحدى الملا عمر لأميركا ..

واجهت أميركا في التسعينات ظاهرة جديدة مثلت تحديا عنيفا لسلطانها وكبريائها; وهي ظهور دولتين اسلاميتين حررتا ارضهما تحت شعار الجهاد في سبيل الله ضد الكفار المحتلين لأراضي المسلمين.

وهاتان الدولتان هما أفغانستان والشيشان، ولم يقتصر الامر على ذلك، اذ ان هاتين الدولتين الناشئتين اصبحتا موئل ومأوى المهاجرين والمجاهدين من انحاء العالم الاسلامي او من تسميهم أميركا بالأفغان العرب او الاصوليين او الارهابيين.. الخ.

ومثل تحدي الامارة الاسلامية الأفغانية ـ تحت امارة «أمير المؤمنين الملا محمد عمر المجاهد» ـ لطلب أميركا بتسليم أسامة بن لادن ورفاقه، ثم استمرارها في التحدي والثبات على موقفها بعد ضرب الصواريخ الأميركية للأراضي الأفغانية، تحديا لم تستطع أميركا استيعابه ولا التكيف معه.

وفي نفس الوقت شكل تحدي الشيشان المجاهدين لروسيا واصرارهم على تحرير القوقاز المسلم واكمال جهاد الامام شامل رحمة الله عليه ضد روسيا القيصرية خطرا كبيرا على نفوذ أميركا ومصالحها: أ ـ فالقوقاز يطفو على بحر من البترول لا يقل في توقعات انتاجه عن بترول الخليج العربي.

ب ـ ونفوذ أميركا في وسط آسيا في تزايد مستمر في صورة القواعد العسكرية ومحطات التجسس وشركات البترول والمناورات المشتركة.

أسباب الحرب ضد أفغانستان ..

وتحرير القوقاز سيشكل بؤرة جهادية او (اصولية كما تسميها أميركا) تؤوى آلاف المجاهدين المسلمين من اركان العالم الاسلامي وخاصة من العرب، مما يشكل تهديدا مباشرا لأميركا يتمثل في دعم وتقوية الحركة الجهادية على مستوى العالم الاسلامي. ووصول المجاهدين من الشيشان والقوقاز الى سواحل بحر قزوين الغني بالبترول يجعل بينهم وبين أفغانستان جمهورية تركمنستان المحايدة فقط مما سيشكل حزاما اسلاميا مجاهدا جنوب روسيا متصلا شرقا مع باكستان ـ التي تموج بحركات الشباب المجاهد في كشمير ـ وحنوبا وغربا مع ايران وتركيا المتعاطفتين مع مسلمي وسط آسيا، الامر الذي سيؤدي الى كسر الحصار حول القوقاز المسلم واتصاله بالعالم الاسلامي عامة والحركات المجاهدة خاصة.

كما ان تحرير القوقاز المسلم سيؤدي الى تفتت روسيا الفيدرالية، والى تصاعد حركات الجهاد الموجودة فعلا في جمهوريتي أوزبكستان وتاجيكستان اللتين تدعمهما روسيا ضد تلك الحركات.

وتفتت روسيا الفيدرالية على صخرة الحركة الاصولية بأيدي مسلمي القوقاز ووسط آسيا سيسقط حليفا اساسيا لأميركا في مواجهة الصحوة الجهادية الاسلامية.

من اجل كل ذلك اختارت أميركا ان تبدأ بسحق الشيشان بالتمويل الغربي للجيش الروسي حتى اذا ما نجحت هذه الحملة الوحشية على مجاهدي الشيشان، توجهت الحملة جنوبا الى أفغانستان إما بواسطة عملاء أميركا من دول الاتحاد السوفياتي او بواسطة روسيا او بمشاركة قوات أميركية تحت دعوى القضاء على الارهاب وتجارة المخدرات ودعوى تحرير المرأة.

وبذلك تكون أميركا قد قضت على بؤرتي المقاومة الباقيتين ضدها في العالم الاسلامي.

ومن اجل ذلك ايضا سكتت أميركا عن المجازر الوحشية وحمم النيران التي تصب على جمهورية الشيشان الصغيرة، تلك المجازر التي لم يشهد العالم مثيلا لها منذ الحرب العالمية الثانية، بل واعتبرت ان الامر مشكلة داخلية وروسية مع بعض الاستنكار والتذمر ذرا للرماد في العيون.

وتجدر الاشارة الى التعاون اليهودي ـ الروسي في الحملة ضد الشيشان، الامر الذي تأكد بوقوع خبراء أمنيين يهود أسرى في يد المجاهدين الشيشان.

أي أن أميركا التي تحاربنا في مصر وتدعم إسرائيل في قلب العالم الإسلامي هي نفسها التي تقود المعركة ضدنا في الشيشان والقوقاز. وفي الصومال قتل ثلاثة عشر الف صومالي في سبيل ما تزعمه أميركا من حملتها لتوزيع الغذاء في الصومال، وارتكبت باسم توزيع الغذاء الفظائع البشعة ضد الصوماليين، والتي كشفت وقائعها في ما بعد والتي تضمنت شتى المعتقلين وانتهاك اعراضهم على أيدي قوات التحالف الدولي التي جاءت لانقاذ الصومال. وفي أفغانستان استهانت أميركا علانية بالشريعة الاسلامية حينما دعتها أفغانستان الى تقديم ادلتها ضد الشيخ أسامة بن لادن الى المحكمة الشرعية. فقد كان رد أميركا انها لا تعترف بمحاكم الشريعة وانها تطالب بتسليم أسامة بن لادن الى بلد يمكن ان يواجه فيه العدالة.

هذه هي أميركا وهذه هي سياستها.

مبادرة وقف العمل العسكري..

ويروي الظواهري: « دخل عبد الله بن الزبير على امه فشكا اليها خذلان الناس له، وخروجهم الى الحجاج حتى اولاده واهله، وانه لم يبق معه الا اليسير، ولم يبق لهم صبر ساعة، والقوم يعطونني ما شئت من الدنيا، فما رأيك؟

فقالت: يا بني انت اعلم بنفسك ان كنت تعلم انك على حق وتدعو الى حق فاصبر عليه، فقد قتل عليه اصحابك، ولا تمكن من رقبتك يلعب بها غلمان بني امية، وان كنت تعلم انك انما اردت الدنيا فلبئس العبد انت، اهلكت نفسك واهلكت من قتل معك، وان كنت على حق فما وهن الدين؟ والى كم خلودك في الدنيا؟ القتل احسن. فدنا منها وقبل رأسها وقال: هذا والله رأيي».

(من وصية السيدة اسماء بنت ابي بكر رضي الله عنهما لابنها عشية مقتله).

اخي فامض لا تلتفت للوراء طريقك قد خضبته الدماء ولا تلتفت ههنا او هناك ولا تتطلع لغير السماء سيد قطب «ابرز مفكري الحركات الأصولية» ويتابع ان الهدف قد شابه بعض الاهتزاز بسبب ما تورطت فيه الجماعة الاسلامية من ايقاف للعمل الجهادي المسلح تحت مسمى (مبادرة وقف العمليات العسكرية). وللاثر الخطير لهذه المبادرة، ولان كل من له صلة ومن ليس له صلة قد تناولها بالبحث، رأيت ان اتناولها بشيء من التفصيل والمصارحة، مع اعتذاري لاخواني في الجماعة الاسلامية ـ الذين اكن لهم الاحترام والمحبة ـ عن مخالفتي لهم في الرأي او نقدي لآرائهم، ولكن الحق ـ حسب اجتهادنا ـ احب الينا واوجب في الاتباع.

ويتعرض الظواهري لمبادرة وقف العنف التي سماها وقف العمليات منذ بدايتها فيقول:

أ ـ بدأت بنداء وجهه خالد ابراهيم مسؤول «الجماعة الاسلامية» بأسوان ـ المتهم في قضية تنظيم الجماعة الاسلامية في اسوان ـ في ابريل 1996، ثم تكرر النداء في قضية اخرى للجماعة الاسلامية في يوليو (تموز) 1997 باسم قيادات الجماعة الاسلامية في سجني ليمان طرة والعقرب. وكان النداء يدعو اعضاء الجماعة الاسلامية في الداخل والخارج الى وقف العمليات العسكرية والبيانات المحرضة عليها.

وطلبت الجماعة من الحكومة ان تتجاوب مع مبادرتها.

ب ـ ردت الحكومة على لسان وزير داخليتها ـ آنذاك ـ حسن الالفي: انها لا تلتفت الى مثل هذه المبادرات التي لا يراد بها الا محاولة تخفيف الاحكام المتوقعة ضد اعضاء الجماعة، كما ان الحكومة لا تتعامل مع الخارجين على القانون.

ثم صرح وزير الداخلية حبيب العادلي: بأن الحكومة لا تتفاوض مع احد وانما هي تفرج عمن يتوب عن العنف والارهاب.

اسئلة حول مبادرة وقف العنف ..

بعد المقدمة التي ذكرناها نرى ان نعرض قضية المبادرة في صورة اجوبة على الاسئلة التالية: أ ـ ماذا يقول المنتسبون للجماعة الاسلامية عن المبادرة؟

ب ـ ما هو توصيف المبادرة؟

ج ـ ما هي قوة مبررات المبادرة؟

د ـ ما هي آثار المبادرة حتى الآن؟

(أ) ماذا يقول المنتسبون للجماعة الإسلامية عن المبادرة؟

قد يستغرب القارئ البدء بهذا السؤال الشكلي في مظهره، ولكني آثرت البدء به لما يترتب على الاجابة عليه من اظهار حقائق تفيد في دراسة هذه المبادرة.

1 ـ اما اول المتحدثين عن الجماعة فكان خالد ابراهيم ـ امير الجماعة الاسلامية في اسوان ـ في المحكمة في ابريل 1996، وشجعه على هذه المبادرة، ونشرها في وسائل الاعلام، وروج لها المحامي منتصر الزيات الذي ادعى يومها انه ينتظر عليها ردودا من الاخوة في الخارج.

2 ـ ثم تحدث باسم قادة الجماعة في ليمان طره محمد عبد العليم اثناء محاكمته في يوليو 1997 في قضية تفجيرات البنوك التي كان يترافع فيها منتصر الزيات. حيث نقل عنهم محمد عبد العليم عدة بيانات. طالبوا في الاول منها افراد الجماعة الاسلامية في الداخل والخارج بوقف العمليات العسكرية ووقف البيانات المحرضة عليها. ثم اعلنوا في بيانهم الثاني انه لا يصح البغي والعدوان على الاقباط بغير حق. واستمروا في بيانهم الثالث يؤكدون تمسكهم بوقف العمليات العسكرية، ووقف البيانات المحرضة عليها في داخل مصر وخارجها. وان هذا البيان ليس وليد تفاوض مع اجهزة الامن او غيرها، لما فيه من مصلحة شرعية للاسلام والمسلمين.

ولما اصدر الدكتور عمر عبد الرحمن من سجنه بأميركا بيانا يؤيد فيه مبادرة قيادات ليمان طرة، تفاعلوا معه، واعادوا تأكيد موقفهم في بيانهم الخامس الذي جاء فيه: «يشكر الاخوة في ليمان طرة شيخهم الدكتور عمر عبد الرحمن على موقفه الواعي والشجاع من مبادرة وقف العمليات. وهذا هو عهدهم به دائما حريصا على حقن الدماء، داعيا الى الله على بصيرة، فجزاه الله خير الجزاء. وندعو وسطاء الخير لرفع المعاناة عنه وإطلاق سراحه من سجنه».

ثم وجه قادة الجماعة في ليمان طرة برقية الى رؤساء الاحزاب والشخصيات العامة نشرتها جريدة «الوفد» في عنوانها الرئيسي. جاء في نصها: «لقد سعينا الى وقف القتال لحقن الدماء بين افراد الشعب، ونريد دعمكم لمبادرتنا، ومناشدة الرئيس والحكومة الاستجابة لها والتفاعل معها».

ثم اصدر الاخوة في ليمان طرة ردا على سحب الدكتور عمر تأييده للمبادرة، سنذكره عند الحديث على تصريحات الدكتور عمر.

3 ـ كما تحدث عن المبادرة اسامة رشدي في تبرئة من حادث الاقصر الذي وقع في 17 نوفمبر 1997 ثم في رده على الاخ رفاعي طه المسؤول العسكري للجماعة الاسلامية، تسلمته القاهرة من دمشق منذ 4 شهور في هذا الصدد. وقد قرأت له حديثا في «الشرق الأوسط» ارى من المفيد ان اثبت بعض ما جاء فيه لانه يعطي بعدا آخر للتحولات الفكرية التي تحدث داخل الجماعة الاسلامية. فهو يرى ان تغير رأي الشيخ عمر عبد الرحمن في المبادرة ـ ذلك التغيير الذي ادى الى سحب تأييده لها ـ انما هو نتيجة ضعف المعلومات التي تصل اليه فيقول: «وبالنسبة لتغير موقف الشيخ من دعم مبادرة وقف العمل المسلح التي اطلقها الاخوة في مصر منذ 3 سنوات، فقد وصل الشيخ لهذا الرأي بناء على المعلومات التي تصل اليه من استمرار التعذيب والاعتقال لعشرات الالاف من المعتقلين، وربما ساهم انعدام التواصل مع اخوانه وعائلته ومحاميه في مصر الى ضعف المعلومات التي تصل اليه عن مجمل الاوضاع في مصر وعن آراء بقية قيادات الجماعة وابنائها».

ومع انه يرى ان ضعف المعلومات الواصلة للشيخ هو السبب في سحبه تأييده للمبادرة فانه يقر بان الاحوال في مصر سيئة وان الحكومة ما زالت تمارس نفس اساليبها فيقول: «وبالنسبة لمبادرة وقف العمل المسلح فان تباطؤ النظام في التعاطي مع استحقاقات هذه المبادرة وخاصة في ما يتعلق باستمرار انتهاكات حقوق الانسان في السجون والمعتقلات والتعاطي مع الحاجات الانسانية الملحة للمعتقلين واسرهم يصيب اكثر المتفائلين بالاحباط».

انقلاب في الثوابت ..

وكلمة (استحقاق) المبادرة كلمة غريبة لا ادري ماذا يقصد بها؟

ويقول ايضا: «اخواننا يعانون التعذيب والنفي في السجون والمعتقلات، وهم محرومون من اي ضمانات قانونية او سياسية».

ويسأله الصحافي: «الافراج عن سبعة الاف معتقل والتعامل بشكل ألطف مع المعتقلين الا يعتبر ايجابيا؟» فيرد مجيبا: «هذا الرقم غير مسلم به، ومن ناحية ثانية فهناك عدة آلاف من ابناء الجماعة معتقلين بلا تهمة ولا محاكمة، وقد مضى على بعضهم اكثر من 10 سنوات في غياهب السجون».

ولا ادري لماذا يعتبر ان المعلومات التي بنى عليها الشيخ عمر سحبه لتأييده للمبادرة معلومات ضعيفة مع انه يقر بصحة نفس هذه المعلومات؟ ام انه يقصد معلومات اخرى؟

فهو يقول ان الشيخ بنى سحبه لتأييده للمبادرة بناء على المعلومات التي وصلته عن استمرار التعذيب لعشرات الالاف من المعتقلين، ويصف هذه المعلومات بالضعف ثم يعود ويؤكد ان الالاف من ابناء الجماعة الاسلامية معتقلون ويعانون من النفي والتعذيب.

ويرى ان الحكومة المصرية مفروض عليها ان تجد حلا لمشكلة عبد الرحمن فيقول: «وأرى ان الحكومة المصرية مقصرة الى حد كبير بعدم تدخلها في الحفاظ على سلامة الشيخ، وضمان حقوقه الانسانية في السجن الاميركي وايجاد حل لقضيته، لانه في النهاية مواطن مصري، كما انه عالم من علماء الاسلام واستاذ في جامعة الازهر وهو شيخ ضرير ومريض، واستمرار اعتقاله ومعاملته بهذه الطريقة غير الانسانية سيكون دائما مصدرا للتوتر على كل المستويات».

ويسأله الصحافي: «في نظرك ما هي ضمانات عدم تحول عمر عبد الرحمن الى مصدر ازعاج لمصر في حالة وقوفها بجانبه وتسليمه الى ارض الوطن»؟

فيجيب: «.... وعهدنا بالشيخ دائما انه يكون مع ابنائه واخوانه وتقديري ان الشيخ لن يكسر الاجماع المنعقد حول ضرورة استمرار وتفعيل المبادرة، وبالتالي فان عودة الشيخ ستكون عامل دعم لاجواء الهدوء السائدة وستنزع فتيل احد المصادر الهامة للغضب الاسلامي والتوتر على المستوى الدولي».

ثم بعد ذلك يلوح بصفقة يقترحها وهي ان يفرج عن عبد الرحمن في مقابل الا يكون مصدر ازعاج للحكومة بل ويكون داعما للهدوء ونزع فتيل التوتر ليس على مستوى مصر وحدها ولكن على المستوى الدولي! ودعما لاجماع الجماعة على ذلك، ولا ادري اين هذا الاجماع الذي يخالفه امثال الشيخ عمر والاخ رفاعي طه؟

ان ذاكرتي تعود بي سبعة عشر عاما الى الوراء الى الاسبوع الاول من سبتمبر سنة 1983 والشيخ عمر عبد الرحمن يزأر في قاعة المحكمة مخاطبا القاضي «انني مسلم احيا لديني، واموت في سبيله ولا يمكن بحال ان اسكت والاسلام يحارب في كل مكان».

ثم يصف الاصولي اسامة رشدي الدولة المصرية بالاب والشباب المسلم بابنائها، وهي علاقة جديدة تطورت من الافكار الجديدة التي بدأت تطل برأسها.

ثم يلمح الى امكانية الالتزام بالشرعية والدستور، فحين يسأله الصحافي: «ما هي الضمانات التي يمكن ان تقدمها الجماعة للتأكيد على التزامها بالشرعية والدستور؟».

فيجيب اجابة السياسي الذي لا يغلق باب التفاهم: «اخواننا يعانون من التعذيب والنفي في السجون والمعتقلات المعزولة، وهم محرمون من اي ضمانات قانونية او انسانية او سياسية ثم انت تطالبهم بتقديم ضمانات اعطني اولا حقوقي ثم طالبني».

يقول الظواهري تحدث باسم الجماعة مسؤول يعتقد ان منتصر الزيات الى المجلة الناطقة باسم الجماعة الاسلامية المقاتلة في ليبيا فذكر: ـ ان المبادرة اضطرار مشروع يهدف الى ما بعده.

ـ ان المبادرة لا تعني تراجعا فكريا عن ثوابت الجماعة ولا تعني إبطال الجهاد.

ـ وانها لا تعني مهادنة الانظمة الحاكمة او اقرارها على ما هي عليه.

ـ وانه لم تعد هناك جدوى من استمرار العمليات.

ـ وان الجماعة اضطرت لبدء القتال دفاعا عن نفسها لايقاف سياسة قتل قادة الجماعة ولايقاف العدوان عليها.

ـ ولا بد من سياسة جديدة يؤمل معها ان توقف الحكومة هجماتها ـ وان لم يتجاوب النظام مع المبادرة فالباب مفتوح ومن اغلق الباب يمكنه ان يفتحه ولكن بعدما ينكشف النظام ويتعرى امام الرأي العام.

ـ وان اجهزة رصد النظام قد تأكدت من سياسة (تجفيف المنابع للارهابيين) وان موقف الجماعة يؤكد ما وصلت اليه هذه الاجهزة.

ـ وان هذه السياسات اثبتت نجاحها في التعامل مع التيار الاسلامي.

ـ وانه يتوقع ان النظام سيكون غدا بحاجة ماسة الى ان يرفع هذه الآلة القمعية عن رقاب الشعب والاسلاميين.

ـ وان من حق الجماعة ان تأخذ قرار وقف العمليات وحدها.

ـ وان هذا لا يمنع ان ترجع الجماعة الى قرارها السابق.

ـ ودعنا من الشعارات ولنكن عمليين، فإن الواقع العملي لا يوفر للجماعة فرصة الاستمرار في الصدام.

ـ وان المبادرة كان يرجى منها في البداية ان تجلب بعض النتائج ولكن تضاءلت هذه الاهداف وضعف احتمال تحققها.

ـ وان هدف الجماعة هو الوجود الدعوي والعلمي والخيري والاجتماعي بين الجماهير المسلمة.

ـ ان استمرار الصدام الآن مفسدة لا مصلحة من ورائها.

ـ وان اي جماعة لا تطبق الجهاد لفترة ما، لا يعني بالضرورة انها قد ابطلت الفريضة.

ـ وان بعض القيادات في الجماعة ما زالت ترى ان المبادرة لا جدوى منها ولكن رأي المجموعة هو الذي يمضي.

كما تحدث الدكتور عمر عبد الرحمن عقب المبادرة فأيدها في بيان تحت عنوان «وقفوا لله واوقفوا لله».

ولكن الدكتور عمر في اوائل يونيو 2000 اصدر تصريحا من سجنه نقلته عنه محاميته لين ستيوارت ذكرت فيه ان الشيخ عمر يسحب تأييده لمبادرة وقف العنف، لانها لم تسفر عن اية نتائج ايجابية للاسلاميين، واضافت ستيوارت على لسان عمر عبد الرحمن: «انه لم يحدث اي تقدم، فآلاف المعتقلين لا يزالون معتقلين والمحاكمات العسكرية مستمرة، وعمليات الاعدام لا تزال تنفذ».

وفي هذا التقييم الواضح من الدكتور عمر عبد الرحمن رد بليغ على البيان الثالث للاخوة في ليمان طرة الذي ذكروا فيه: «انهم متمسكون بموقفهم من وقف العمليات العسكرية والبيانات المحرضة عليها داخل مصر وخارجها، وان هذا البيان ليس وليد تفاوض مع اجهزة الامن او غيرها، ولكن لما فيه من مصلحة شرعية للاسلام والمسلمين».

وبعد عدة ايام عقد منتصر الزيات مؤتمرا صحافيا في مكتبه شكك فيه في ما نسب الى الشيخ عمر على لسان محاميته ورفض اطلاع الصحافيين على رسالة الدكتور عمر لقادة الجماعة في سجن ليمان طرة، وذكر منتصر للصحافيين ان قادة الجماعة في السجن بعثوا برسالة للشيخ عمر تتضمن موقفهم من المبادرة، ووقع على هذه الرسالة: ناجح ابراهيم وعلي الشريف وعصام دربالة وحمدي عبد الرحمن وفؤاد الدواليي وكرم زهدي وعاصم عبد الماجد، ولاحظت جريدة «الشرق الأوسط» ان عبود الزمر لم يوقع على الرسالة.

وبعد اقل من اسبوع نشرت الصحف ردا من الشيخ عمر عبد الرحمن على بيان قادة الجماعة المذكور، حيث ذكرت صحيفة «الشرق الاوسط» ما يلي: «جدد عمر عبد الرحمن الزعيم الروحي للجماعة الاسلامية اكبر الجماعات الاصولية في مصر، تأكيد سحب دعمه لمبادرة وقف العنف التي اعلنها القادة التاريخيون للجماعة الذين يقضون عقوبة السجن... وقال انه لم يلغ المبادرة ولكنه سحب تأييده لها».

وقال عمر عبد الرحمن في بيان موقع باسمه نقلت «الشرق الأوسط» نسخة منه امس، انه طلب نشر تصريحاته عبر محاميته الاميركية لين ستيوارت، والتي كان بعض الاصوليين قد شككوا في صدورها عنه.

ونلقت ستيوارت عن عمر عبد الرحمن قوله امس: «انني لم الغ المبادرة ولكني سحبت تأييدي لها وبينت رأيي وتركت الامر لاخواني للنظر فيها وفي جدواها».

وقال عمر عبد الرحمن: «ان كل التصريحات التي نسبت الي على لسان محاميتي لين ستيوارت صحيحة وصادرة عني بالفعل».

ولا بد لنا هنا من وقفة لنتأمل فيها هذه السهولة والسيولة والمرونة التي يتمتع بها منتصر الزيات تحت مظلة من التسهيلات الحكومية.

ففي الوقت الذي تمنع فيه الزيارات عن السجون منذ اكثر من اربع سنوات، وفي الوقت الذي يقتل فيه العشرات من التعذيب في صمت داخلها، وفي الوقت الذي يمنع فيه الخطباء بنص المادة 201 من قانون الجنايات من الاعتراض على القوانين او القرارات الادارية، وفي الوقت الذي ترزح فيه البلاد تحت وطأة قانون الطوارئ، وفي الوقت الذي يخطف فيه الشباب المسلم من بقاع الدنيا المختلفة، وتخفيهم الحكومة لشهور طويلة قبل ان تعلن عن وجودهم كما حدث في حالة احمد سلامة وعصام محمد حافظ او تنفي معرفتها بمصيرهم اصلا كما حدث في حالة طلعت فؤاد والاخ محمد الظواهري.

في هذا الوقت يهرع منتصر الزيات في نفس اليوم الى داخل سجن ليمان طرة، ويلتقي مع قادة «الجماعة الاسلامية»، ويحمل اليهم رسالة الدكتور عمر، ويحصل منهم على بيان للرد عليها وعلى رسالة منهم للشيخ عمر، ويخرج من السجن ليتصل بالصحف في نفس اليوم، ويبلغها ببيان الاخوة في السجن وبرسالتهم للدكتور عمر، ثم يعقد مؤتمرا صحافيا في مكتبه (تأمل) ويصرح فيه برأيه في تصريحات الشيخ عمر وتصريحات رفاعي طه حول المبادرة (سنعرض لها في ما بعد) ويرفض اطلاع الصحافيين على رسالة الدكتور عمر التي اطلعت عليها اجهزة الامن الاميركية والمصرية حتى لا يعلم الناس حقيقة ما ورد في رسالة الشيخ عمر لاخوانه حول المبادرة.

الا يستدعي كل هذا وقفة للتأمل او للتساؤل او للبحث عن السبب؟

وفي الوقت الذي يتمتع فيه منتصر بهذه الميزات العجيبة في مصر، فان مساعد المدعي العام في مدينة نيويورك باتريك فيتزجيرلد ارسل خطابا الى المحامية لين ستيوارت وبقية فريق الدفاع عن الشيخ يخبرهم فيه بأنهم ممنوعون من زيارة الشيخ ومن التحدث معه هاتفيا، بعدما عقدت لين ستيوارت مؤتمرا صحافيا ـ بناء على طلب الشيخ ـ اعلنت فيه سحب الشيخ لتأييده لمبادرة وقف الاعمال المسلحة في مصر. فتأمل هذا الانسجام المصري الاميركي تجاه المبادرة.

كما تحدث عن المبادرة ايضا الاخ رفاعي احمد طه فرفضها بعد صدورها ثم كرر رفضه لها بعد تصريحات الشيخ عمر بسحب تأييده لها حيث صرح في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «انه بالنسبة لعمر عبد الرحمن ـ الزعيم الروحي للجماعة ـ المحتجز في السجن الاميركي فقد انتهت سياسة الكلام والتهديد والوعيد وسنخاطب الولايات الاميركية باللغة التي تفهمها، وسنكسر قيده ونفك اسره واعتقد ان ذلك اصبح وشيكا».

وردا على سؤال حول امكانية تراجع الجماعة عن اخطاء الماضي، قال: «اما قولكم: ام انه حدث تغيير في منهجها بتحكم المنطق بالتراجع عن اخطاء الماضي، فاذا كنت قد فهمت سؤالكم فأقول: ان الجماعة لم تر انها اخطأت في ما كانت تفعله او تقوله جهادا او امرا بمعروف ونهيا عن منكر او دعوة الى الله تعالى».

وقد سارع منتصر الزيات بعقد مؤتمر صحافي رد فيه على تصريحات رفاعي احمد طه قائلا: «ان قادة الجماعة الاسلامية يكنون له بالغ الاحترام ويقدرون دروه في تحمل اعباء ومسؤوليات الجماعة في وقت من الاوقات ولكنه حاليا لا يعبر الا عن رؤيته الشخصية التي لا تنسحب على موقف الجماعة بالضرورة»، لافتا الى ان اتخاذ القرار في داخل الجماعة مسؤولية قيادتها التاريخية المؤسسة والمؤلفة من السجناء في مصر ومجلس الشورى في الخارج الذي يرأسه مصطفى حمزة»!.

كما تحدث ايضا عن المبادرة كرم زهدي «مبادرة وقف العنف» فقد نقل عنه منتصر الزيات في مؤتمر صحافي قوله: «اذا كان القتال والعمليات المسلحة لم تحقق اهداف الجماعة طوال هذه السنوات في الماضي، فانه يتعين علينا ان نبحث عن وسائل اخرى للعمل».

وهذا القول ان صحت نسبته الى كرم زهدي يعني ان الجماعة قد تركت القتال كوسيلة من وسائل العمل وليس القتال فقط بل ايضا مجرد التحريض على القتال سواء داخل او خارج مصر.

وفي مقابل ماذا؟ وما البديل؟ هل البديل هو ما قام به اصحاب المبادرة من الالحاح المتكرر على الحكومة ان تتجاوب مع مبادرتهم وتوسيط زعماء الاحزاب في ذلك؟

هل هذا هو طريق الجماعة الاسلامية البديل عن الجهاد والتحريض عليه؟

هل اصبح عمل الجماعات الجهادية ـ المنضبط بالشرع وبفهم ائمة السلف وعلماء الامة والاثبات ـ هو الالحاح والتكرار في السؤال على الحكومات العلمانية حتى تأذن لنا بالعمل لاقامة الدولة الاسلامية.

الشعب اراد الحياة و القيد انكسر

رابط هذا التعليق
شارك

ملاحظات على الزيات..

كما تحدث باسم الجماعة منتصر الزيات ولا بد عند الحديث عن منتصر ان نسجل عدة ملاحظات: -

(أ) ان منتصر كان من فترة طويلة يدفع فكرة التوقف عن جهاد الحكومة وحلفائها الاميركان واليهود داخل وخارج مصر. وقد شارك ـ منذ عهد عبد الحليم موسى في وزارة الداخلية ـ في عديد من الاتصالات حول هذه المسألة.

(ب) ان منتصر ـ كما يتضح لاي متابع ـ يتمتع بتسهيلات لا يتمتع بها كثير من الوزراء في مصر. فالزيات يستطيع ان ينفذ ـ في نفس يوم طلبه ـ زيارة الى سجون مصر العتيدة مخترقا كل حواجز الامن، ثم يعقد داخلها اجتماعات مع اخطر القيادات المناوئة للحكومة وينقل اليها رسائل من خارج مصر، ويحصل منها على رسائل وبيانات، يخرج ليعقد مؤتمرات صحافية لنشرها ويوزعها على وسائل الاعلام، ويصرح فيها انه وكيل القيادات التاريخية والمفوض بالتحدث باسمها ويجري اللقاءات الفضائية والاحاديث الاذاعية بهذه الصفة.

بل ان منتصر يكاد يكون هو القناة الوحيدة الموصلة ما بين قيادات الجماعة الاسلامية في السجن والعالم الخارجي، فما يأتيهم من رسائل يمر عبره وما يصدرونه من بيانات يحمله في جيبه او نسمعه على لسانه.

فاذا اضفت الى كل هذا ان المسؤولين في مباحث امن الدولة كانوا قد ابلغوا منتصرا ـ قبيل الافراج عنه ـ في نهاية اعتقاله بسبب اعتصام نقابة المحامين: انك لو تخطيت الخطوط الحمراء فانك لن تكلفنا الا رصاصة بقروش معدودات، لاتضح لك بعدا جديدا في صورة المبادرة.

يتمتع منتصر في حركته بتأييد وتفويض قادة «الجماعة الاسلامية» في السجن وقد تكرر هذا التأييد والتفويض في عدة مناسبات.

1 ـ ففي 5/1/1998 اعلن منتصر اعتزاله العمل السياسي العام تماما، وانه لن يترافع في قضايا الجماعات الدينية مستقبلا، بسبب ما زعمه من خذلان القيادات في الخارج له وعدم تجاوبهم مع مساعيه لوقف العنف، واصدر بيانا جاء فيه: «لم تزل رحى العنف تدور في بلادي والمناخ السياسي ما زال معقدا، حاولت مع غيري ان اكون سببا لوقف العنف وحقن الدماء، لم اكن ابدا محاميا اجيرا ادافع لقاء مال، بيد اني صاحب رسالة حاورت كثيرين في مقدمتهم قادة الجماعة الموجودين حاليا في سجن طرة ويقضون العقوبة في قضية السادات، حاولنا ان نعبر عن آمال اسلامية مشروعة فضاعت ملامحها وسط دخان القذائف واصوات الرصاص».

واضاف: «لم تعد قضيتي التي وهبت نفسي لها واضحة المعالم، ورغم اني تحملت الكثير وسرت وسط اشواك والغام ومحاذير طوال 20 عاما كنت فيها بين مطرقة الحكومة وسندان الجماعات الدينية، الا اني حرصت ان اكون واضحا في عملي وقولي وتعاملاتي، ودون ان اقع تحت طائلة القانون بعلاقات غير مشروعة منذ ان اطلق سراحي في قضية الجهاد العام 1984».

واضاف منتصر: «عاينت كثيرا من تشدد الاخوة الموجودين في الخارج وعدم قدرتهم على اتخاذ قرارات جريئة او تطوير اسلوب العمل، فكل فكرة لها خطابها واسلوبها واستراتيجيتها، نحن كاسلاميين كنا نكسب كثيرا حينما نمارس الدعوة العلنية في المساجد والمنتديات. ورغم كل العقبات فان العلاج لا يكون في استخدام العنف، واذا كان العنف له مايبرره احيانا فليس له اي مبرر اذا فقد المنطق والحجة وصار عملا عشوائيا يمارس ضد الابرياء كما حدث في الاقصر».

ويتضح من القراءة المتأنية لتصريحات منتصر السابقة انه لا ينتمي الى الحركة الجهادية بل ولا يتفق معها في اتخاذها الجهاد طريقا فهو: ـ يسمى الجهاد في سبيل الله عنفا، وهو توصيف الحكومة له.

ـ ويزعم انه حاول ان يكون سببا لوقف العنف وهو وصف الحكومة للجهاد في سبيل الله.

ـ وانه والقادة في ليمان طرة حاولوا ان يعبروا عن آمال اسلامية مشروعة، ولكن ملامحها ضاعت وسط دخان القذائف واصوات الرصاص. أي ان محاولته لوقف ما كانت تعتبره الجماعات الجهادية جهادا في سبيل الله ويسميه هو عنفا ضاع وسط العمليات الجهادية.

الحصاد المر..

« يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين، ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب ان يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطئون موطئاً يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلاً إلا كتب لهم به عمل صالح ان الله لا يضيع أجر المحسنين، ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة ولا يقطعون وادياً إلا كتب لهم ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون».

يقول الظواهري في مذكراته: جماعة الاخوان المسلمين ـ بلا شك ـ هي أوسع الحركات الاسلامية المعاصرة وأسبقها الى النشوء في العالم العربي، وقد استطاعت ان تحقق لنفسها انتشاراً دولياً واسعاً مكنها من الاستمرار رغم ما تعرضت له من عقبات وصعاب في بعض الأوقات.

ويضيف: ولكن الحال الذي وصلت اليه جماعة الاخوان المسلمين عامة وفي مصر خاصة يحتاج الى تأمل وتدبر، فهي قد تنمو تنظيمياً، ولكنها بالقطع تنتحر عقائدياً وسياسياً.

ويزعم الظواهري ان أحد النقاط البارزة في هذا الانتحار السياسي والعقائدي هي مبايعة جماعة الاخوان المسلمين لرئيس لجمهورية في سنة 1987.

ويقول: الحركة أسقطت كل تاريخها في النضال بما يحتويه هذا التاريخ من دماء الشهداء وقروح المعذبين ووجل المطاردين، بل وبكل ما يتضمنه هذا التاريخ من تمسكها بمبادئها وعقيدتها.

انها تسلخ نفسها من تاريخها لتخرج خلقاً جديداً منبت الصلة بأصله متهالكاً على حاضره جانحاً في مستقبله.

واذا كان تاريخ الاخوان فيه ما فيه من الأخطاء والكبوات فما بالك بمن تبرأ من كل خير في هذا التاريخ وتقرب الى عدو الاخوان الذين كانوا يدعون النضال ضد نظامه ودستوره وقانونه ليبايعه على ذلك الدستور والقانون وليثبته على رأس ذلك النظام. ان مرتكب ذلك لن يحظى حتى باحترام العدو الذي بايعه.

ويوضح زعيم تنظيم «الجهاد المصري» وقد كانت هذه المبايعة من الأسباب الهامة التي دفعت كاتب هذه السطور الى كتابة «الحصاد المر، الاخوان المسلمين في ستين عاماً».

ويعترف بالنقد الذي تعرض له بسبب كتاب «الحصاد المر» فيقول «وقد لامني بعض اخواني على منهج الكتاب ومنهم من اعتز بصلتي به وأتشرف بمصاحبته من الاخوان المسلمين، وكان مجمل نقدهم ان هذا الكتاب كتاب ظالم لأنه تتبع عثرات الاخوان ولم يذكر لهم حسنة واحدة مع ان تاريخهم مليء بالحسنات، بل ان بعض حسناتهم العظيمة قد تنكرت لها في هذا الكتاب، بل وصل الأمر بي ـ كما يقولون ـ الى تجريح الشيخ حسن البنا ـ رحمه الله ـ وهو أمر لا يصح من منتسب الى الحركة الاسلامية يعرف قدر الشيخ وفضله رحمه الله».

وكان ردي عليهم كالآتي: أولاً: ان هذا الكتاب هو اجتهاد بشر لا يدعي العصمة ويجوز عليه الخطأ والسهو والنسيان والحيدة والتعدي وسوء القصد وكل ما يمكن ان يلحق بالبشر من عيوب وقصور.

ثانياً: انكم باعترافكم تتفقون معي ان الاخوان المسلمين قد ارتكبوا من الأخطاء ما يصل أحياناً الى حد الجرائم التي تستحق العقاب والقصاص ومن الحسنات ما يصل بهم الى مقامات الأولياء.

وقد انتظرت كثيراً لكي يصحح الاخوان أخطاءهم او ينبهوا الأجيال الناشئة حتى لا تقع فيها، فما وجدت منكم إلا النقد في المجالس الخاصة والصمت والسلبية في تنبيه الأجيال القادمة والشبيبة الناشئة.

ثالثاً: ان كتابي هذا ليس استيعاباً لحركة الاخوان المسلمين حتى يحاسب على اغفال الحسنات ولذلك لم أسمه مثلاً «الاخوان المسلمون في الميزان».

وانما كتابي هذا صيحة تحذير وخاصة للشباب المسلم من أن ينحدر في نفس المنحدر فيصل الى القاع الذي وصل اليه الاخوان وهو يظن انه ينصر الاسلام ويجاهد في سبيل الله.

ويقول الظواهري في مذكراته: ضربت للاخوان المسلمين مثلاً فقلت ان مثلي ومثلكم كمثل طبيب يعالج مريضاً مصاباً بسرطان في المعدة يوشك ان يأتي عليه ويقتله، فليس مقبولاً من هذا الطبيب ان يقول للمريض ان مخك سليم وقلبك سليم وكليتك سليمة وكل أعضائك على خير حال في ما عدا المعدة فان فيها سرطاناً.

بل واجب هذا الطبيب أن يحذر المريض من أنه مهدد بالموت والتلف من مرض خطير، وان عليه ان يبادر الى العلاج المناسب، ولا يتوانى في ذلك، وإلا فمصيره الهلاك، وانه لن ينفعه قلبه السليم ومخه السوي وأعضاؤه الصحيحة طالما لم يستأصل هذا السرطان من معدته.

رابعاً: لا أنكر ان الكتاب به بعض العبارات التي تحتاج لحذف او تعديل مثل: «ويؤيد ما ذكرناه في ان اليهود ما زالوا موجودين بفلسطين ومنذ عام 1948، ولم يقدم الاخوان على إزعاجهم يوماً ما طيلة ما يزيد على أربعين عاماً، طالما ان الحكومة لم تسمح».

ويتراجع الظواهري بقوله: انني أشهد أن الاخوان قد قاتلوا اليهود ولا زال شبابهم في فلسطين يقاتلونهم حتى اليوم.

ولا أنكر ان في الكتاب بعض العبارات التي لا داعي لها وإزالتها لا تؤثر على موضوع الكتاب، وقد قمت بمراجعة الكتاب مرة ثانية وفكرت في اصدار طبعة ثانية له ولا أدري هل سيسر الله لي ذلك أم لا.

خامساً: اما في ما يتعلق بالتعرض لشخص الشيخ حسن البنا ـ رحمه الله ـ بالنقد فقد دفعني لذلك امران: اولهما: ان الشيخ حسن البنا ـ رحمه الله ـ شخصية تاريخية عامة وأي متعرض لجماعة الاخوان المسلمين لا بد ان يتناولها بالدراسة، وأنا لم أقع في تقديس الشيخ حسن البنا كما يفعل كثير من الاخوان المسلمين، كما لم أعتبره ضالاً مضلاً كما يفعل العلمانيون الشيوعيون وانما تناولت أعماله بالدراسة والنقد على قدر طاقتي وحرصت على ان أنقل عنه وعن الاخوان المسلمين قدر ما استطيع.

وللأسف فل يرد عليّ حتى الآن احد من الاخوان المسلمين في ما أعلم.

الأمر الثاني: ان كثيراً ممن جاء بعد حسن البنا ـ رحمه الله ـ كان يبرر أخطاءه بأن حسن البنا قد فعلها او سبقه اليها، ولذا كان لا بد من دراسة هذا السبق عند حسن البنا ومنهج أهل السنة هو معرفة الحق لنعرف رجاله وليس معرفة الحق بالرجال.

5 ـ ولكن ما يؤسف له ان الاخوان المسلمين وقعوا بعد صدور هذا الكتاب في اخطاء عظيمة وسقطات عقائدية، وأصدروا في ذلك بيانات، منها بيان بعنوان «بيان للناس من الاخوان المسلمين» وبدأوا يتحدثون عن فقه جديد لا يعرفه علماء الاسلام. سووا فيه بين المسلمين وغيرهم في كل حقوق المواطنة المادي منها والمعنوي، المدني منها والسياسي، وقد رد عليهم أخونا احمد عبد السلام شاهين في كتابه «فتح الرحمن في الرد على بيان الا خوان».

ويضيف الظواهري في كتابه: صرح الاخوان في بيان سابق للبيان المذكور آنفاً انهم يرون ان للنصارى الحق في تولي كل وظائف الدولة ما عدا منصب رئيس الدولة (لماذا؟)، أي انهم لا يرون غضاضة في ان يتولى رئاسة وزراء مصر نصراني! ترى ولماذا لا يكون ايضاً يهودياً؟ أليس في مصر مواطنون يهود؟ أم ان المسألة مسألة دعاية سياسية وليست مبادئ كما يزعمون؟

6 ـ وعلى مستوى الأحداث العظمى التي تمر بها الأمة المسلمة فان عامة الاخوان وبخاصة اخوان مصر لا يرضون بغير السلبية وترك الجهاد في سبيل الله وهو ذروة سنام الاسلام، بعد كل الكوارث التي حلت بأمتنا واحتلال الأميركان واليهود لأراضينا وطغيان الحكام وعدوانهم على المسلمين.

7 ـ لذا فان على شباب الاخوان المسلمين ان يقوموا بنهضة تصحيحية داخل تجمعات الاخوان المسلمين ليؤكدوا على العودة الى العقيدة الصافية عقيدة السلف الصالح، وعلى الالتزام بالأحكام الشرعية الثابتة، وترك الاختراع والتأليف في ما يسمونه (بالفقه الجديد)، والوقوف صفاً واحداً مع اخوانهم المجاهدين في كل مكان.

8 ـ وعلى شباب الاخوان ان يدركوا ان الهجمة الصليبية الجديدة لن ترضى عنهم حتى يدخلوا في ملة الكفر وأن كل حيل السياسة والمداهنة لن تغني شيئاً، وان من الخير لشباب الاخوان ان يحملوا سلاحهم ويدافعوا عن دينهم في شرف وعزة، بدلاً من ان يعيشوا اذلاء في امبراطورية النظام العالمي الجديد.

9 ـ ان قوى الجهاد اليوم تتجمع وتشكل واقعاً جديداً خاض المعارك ضد دولة الكفار الغربيين وعملائهم المحليين في مصر وليبيا والجزائر وفلسطين وأفغانستان والبوسنة والشيشان وأوزبكستان وتاجيكستان وغيرها، ولا يعقل ان يظل شباب الاخوان وخاصة في مصر على مقاعد المتفرجين والأمة من حولهم تتغير وتتطور وتتقدم.

عمر عبد الرحمن ..

ويتطرق الظواهري الى الزعيم الروحي لـ«الجماعة الاسلامية» عمر عبد الرحمن الذي يقضي عقوبة السجن المؤبد في الولايات المتحدة بتهمة التورط في تفجيرات نيويورك عام 1993، والذي قاد حملة الدفاع عن الاسلاميين في قضية الجهاد الكبرى.

يقول الظواهري في كتابه: « بعد انتهاء فترة التحقيق، ثم انتهاء تحقيقات النيابة، حولت النيابة المتهمين إلى المحاكمة في أكبر قضية عرفها تاريخ القضاء المصري». حيث قدمت النيابة للمحاكمة ثلاثمائة واثنين متهم، وبدأت إجراءات المحاكمة، بعد قرابة سنتين من قتل أنور

السادات.

وكانت المحاكمة فريدة في نوعها مليئة بالمفاجآت، لكن كان أهم حدثين في هذه المحاكمة هما، إلقاء الدكتور عمر عبد الرحمن (يقضي عقوبة السجن المؤبد في الولايات المتحدة بتهمة التورط في تفجيرات نيويورك)، لبياناته الشهيرة على مدى ثلاثة أيام، بالاضافة للشهادة التاريخية التي أدلى بها الشيخ صلاح أبو إسماعيل (يرحمه الله).

وقد سجل الدكتور عمر عبد الرحمن بياناته ـ في ما بعد ـ في كتابه «كلمة حق».

ويقول الظواهري: في هذه البيانات، عرض الدكتور عمر قضية الحكم بالشريعة والجهاد من أجلها بأدلتها التفصيلية من الكتاب والسنة، وإجماع علماء الأمة، ورد على مرافعة النيابة وتقرير الأزهر الذي استعانت به. وقد مثلت هذه الشهادة خطراً على موقف الدكتور عمر عبد الرحمن القانوني، اذ انها تقدم الأدلة على مناصرة الدكتور عمر للجهاد من أجل إقامة الشريعة، وقد حذره القاضي من أن كلامه قد يمثل خطراً عليه، وأن كلام المحامين عنه هو كلام الوكيل عن الأصيل وهو كلام يمكنه أن يتراجع عنه، أما كلامه فهو مأخوذ به.

لكن الدكتور عمر عبد الرحمن، أصرّ على أن يدافع عن قضية الإسلام في المحاكمة، ولو أدى الأمر لإدانته.

بل لقد وضع القاضي في موضع المتهم وحمّله مسؤولية الظلم الذي قد يوقعه على المسلمين، وحذره من عذاب الله وقصاصه، ودعاه إلى الحكم بالشريعة، وحذره من مغبة ترك الحكم بها.

وكان اجتهاد الدكتور عمر عبد الرحمن، أن هذه فرصة لتبليغ قضية الحكم بما أنزل الله لا يجب أن تفوت، كما أن هذه البيانات هي أفضل دفاع يمكن أن يقدمه لإخوانه، خاصة المتوقع صدور الحكم عليهم بالإعدام، وذلك بإظهار عدالة قضيتهم ونبل مقصدهم.

وفعلاً، لم يصدر القاضي أي حكم بالإعدام في هذه القضية، وأعمل الظروف المخففة استناداً لنبل الغاية وشرف المقصد لدى المتهمين، كما بين في حيثيات حكمه.

ولا استطيع أن أترك الحديث عن بيانات عمر عبد الرحمن في المحكمة، من دون أن اقتطف بعضاً من عباراتها القوية المدوية بالحق الراعدة بالصدق في موقف حرج تطالب النيابة فيه باعدامه وتحاسبه على كل كلمة، ولكنه عالم المجاهدين ومجاهد العلماء والله حسيبه.

يقول الشيخ عمر: قالت النيابة: إن أولئك الذين رفعوا شعار الحكم لله، وأرادوا به أن يكون الحكم لهم، قد وصفهم المسلمون ووصفهم التاريخ الاسلامي بأنهم (خوارج) على المجتمع.

نعم (إن الحكم إلا للّه) كلمة حق وصدق، نادى بها من قبل الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم نبي الله يوسف بن اسحاق بن يعقوب بن ابراهيم، نادى بها من داخل سجنه في مصر، ولم تمنعه قيود السجن من أن يعلن الحق الذي يدعو إليه كما أعلنها سائر الرسل.

فهي إذن دعوة المسلمين عبر التاريخ كله.

إن الخوارج قالوها لإمام مصطبر بالحق يعطيه..

قالوها لرابع الخلفاء الراشدين..

فإذا قيلت في العصر الأول فقائلوها خوارج، وإذا قيلت في هذا العصر فقائلوها يجاهدون.

وينقل الظواهري على لسان عمر عبد الرحمن في مذكراته: «دافعت النيابة عن معاهدة الصلح بين مصر وإسرائيل، ولن أرد على النيابة، فقد كتبت في ردي على لجنة شيخ الأزهر ما هو كاف في ذلك، إنما أرد على استدلال العالم الجهبذ في النيابة الذي استدل على صحة المعاهدة بقوله تعالى: (فما استقاموا لكم فاستيقموا لهم)، وبقوله سبحانه: (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها)، نقول: هل استقام اليهود لنا؟ وهل جنحوا للسلم؟ أم أننا الذين جنحنا واستقمنا؟ نبئوني بعلم إن كنتم صادقين؟».

ويقول ايضا: جريمتي انني نقدت الدولة واظهرت ما في المجتمع من مفاسد ومعاداة لدين الله، ووقفت في كل مكان اصدع بكلمة الحق التي هي من صميم ديني واعتقادي.

إنني مطالب أمام ديني وأمام ضميري أن أدفع الظلم والجبروت، وأرد الشبهة والضلالات، وأكشف الزيغ والانحراف، وأفضح الظالمين على أعين الناس، وإن كلّفني ذلك حياتي وما أملك.

أنا لا يرهبني السجن ولا الإعدام، ولا أفرح بالعفو أو البراءة، ولا أحزن حين يحكم عليّ بالقتل، فهي شهادة في سبيل الله، وعندئذ أقول: فزت وربّ الكعبة، وعندئذ أقول أيضاً: ولست أبالي حين أُقتل مسلماً على أيّ جنب كان في اللّه مصرعي إنني مسلم أحيا لديني، وأموت في سبيله، ولا يمكن بحال أن أسكت والإسلام يحارب في كل مكان.

وينهي عبد الرحمن مرافعته عن نفسه بقوله: أيها المستشار ـ رئيس محكمة أمن الدولة العليا ـ لقد أقيمت الحجة وظهر الحق، وبان الصبح لذي عينين، فعليك أن تحكم بشريعة الله، وأن تطبق أحكام الله، فإنك إن لم تفعل فأنت الكافر الظالم الفاسق، لأنه يصدق فيك قول الله: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون)، (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون)، (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون).

ايها المستشار، رئيس المحكمة، ان الله يمنعك من الحكومة، وإن الحكومة لا تمنعك من الله، وإن أمر الله فوق كل أمر، إنه لا طاعة في معصية الله، وإني احذرك بأسه الذي لا يرد عن القوم المجرمين.

أما شهادة الشيخ صلاح أبو إسماعيل (يرحمه الله)، فكانت شهادة خطيرة لأنها تضمنت إجابات واضحة حول عدد من المسائل الخطيرة المتعلقة بالحكم في مصر وموقفه من الإسلام.

فقد أكد الشيخ صلاح أبو إسماعيل في هذه الشهادة أن أنور السادات بإعلانه أن «لا سياسة في الدين ولا دين في السياسة»، قد نفض يده من الإسلام، وسرد الشيخ صلاح أبو إسماعيل في هذه الشهادة محاولاته لتقنين الأحكام عبر مجلس الشعب، وانتهائه إلى اليأس من تطبيق الشريعة عبر هذا الطريق نتيجة لمناورات الحكومة.

وكانت هذه الانتخابات درساً مؤلماً للذين سلكوا هذا الطريق، بدعوى أنهم سيحققون مصلحة الإسلام والحكم بالشريعة عبر مخالفة الشريعة، بزعمهم أن الظروف الحاضرة تتطلب مرونة سياسية في التعامل مع النصوص، فخسروا الدين ولم يكسبوا الدنيا.

أما أحكام المحكمة فجاءت مفاجئة للحكومة وأجهزة الأمن وللنيابة، فلم تصدر المحكمة أي أحكام بالإعدام، وقضت ببراءة 194 متهماً من مجموع 302 متهم.

ويزعم الظواهري ان حيثيات الحكم أهم وأخطر من الحكم: ـ فقد اعترفت المحكمة بأن مصر لا تحكم بالشريعة الإسلامية.

ـ واعترفت بأن الحكم بالشريعة واجب وهو أمل كل مسلم.

ـ كما اعترفت بمناقشة الدستور والقوانين المصرية لأحكام الإسلام.

ـ واعترفت بانتشار الخروج على الإسلام في المجتمع المصري تحت رعاية القانون.

ـ واعترفت بوقوع التعذيب الجسدي على المتهمين مما أدى لإحداث عاهات مستديمة في بعضهم وطالبت بإحالة المسؤولين عن هذا التعذيب للتحقيق.

ويقتطف الظواهري بعضاً من فقرات حيثيات حكم المحكمة التي قال فيها القاضي عبد الغفار محمد: «بخصوص الموضوع الثاني، فالذي استقر في ضمير المحكمة أن أحكام الشريعة الإسلامية غير مطبقة في جمهورية مصر العربية، وهذه حقيقة مستخلصة من الحقيقة الأولى وهي وجوب تطبيق الشريعة».

ثم راح القاضي يسرد الأدلة على غياب الشريعة من الحكم مثل: «وجود مظاهر في المجتمع المصري لا تتفق مع أحكام الشريعة الغراء من ملاهٍ تُرتكب فيها الموبقات ترخص بإدارتها من الدولة، إلى مصانع خمور ترخص بإنشائها من الدولة، إلى محال لبيع وتقديم الخمور ترخص بإدارتها من الدولة، إلى وسائل إعلام سمعية ومرئية ومقروءة تذيع وتنشر ما لا يتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية، إلى سفور للمرأة يخالف ما نص عليه دين الدولة الرسمي وهو الإسلام».

الشعب اراد الحياة و القيد انكسر

رابط هذا التعليق
شارك

تاريخ الصراع اليهودى الاسلامى ..

« ولتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا»

حيفا تئن فهل سمعت أنين حيفا

وشممت عن بعد شذى الليمون صيفا

تبكي فإن لمحت وراء الأفق طيفا

سألته عن يوم الخلاص متى وكيفا

(شعر هاشم الرفاعي)

يقول الظواهري في مذكراته: في استعراضنا لواقع الحركة الجهادية في مصر رأينا انه لا بد لنا ان نعرض للصراع اليهودي ـ الاسلامي بايجاز، وسنتناول بعض معالمه البارزة:

نابليون وحلم اليهود ..

* ويضيف زعيم تنظيم الجهاد المصري في كتابه: فقد سعت دول الغرب الى انشاء اسرائيل منذ اكثر من قرنين من الزمان، واعتبرت وجودها في المنطقة العربية ضمانة اساسية لتحقيق المصالح الغربية باعتبارها تفصل بين مصر والشام، وهما الاقليمان الكبيران اللذان شكلا ـ لقرون عديدة ـ حائط الصمود ضد الغزوات الصليبية والتتارية، وما زالا حتى اليوم يشكلان هذا الثقل البشري في قلب العالم الاسلامي.

اما فرنسا فقد حرصت منذ نهاية القرن الثامن عشر على انشاء اسرائيل، ومن امثلة ذلك:

* ـ حينما توجه نابليون بونابرت الى الشام ـ بعد غزوه لمصر ـ ليفتحها واستعصت عليه عكا في عام 1799م، اصدر نداءه الشهير الى اليهود في كل مكان، وجرى توزيع هذا البيان في فلسطين وفي الوقت نفسه في فرنسا وايطاليا والامارات الالمانية واسبانيا، مما يشير الى ان القضية اكبر بكثير من ظرف محلي واجهه نابليون حينما استعصت عليه اسوار القدس. وكان النداء يقول: «من نابليون بونابرت القائد الاعلى للقوات المسلحة للجمهورية الفرنسية في افريقيا وآسيا الى ورثة فلسطين الشرعيين.

ايها الاسرائيليون، ايها الشعب الفريد، الذي لم تستطع قوى الفتح والطغيان ان تسلبه نسبه ووجوده القومي، وان كانت قد سلبته ارض الاجداد فقط.

ان مراقبي مصائر الشعوب الواعين المحايدين ـ وان لم تكن لهم مقدرة الانبياء مثل اشعياء ويوئيل ـ قد ادركوا ما تنبأ به هؤلاء بايمانهم الرفيع ان عبيد الله (كلمة اسرائيل في اللغة العبرية تعني اسير الله او عبد الله) سيعودون الى صهيون وهم ينشدون، وسوف تعمهم السعادة حين يستعيدون مملكتهم دون خوف. انهضوا بقوة ايها المشردون في التيه. ان امامكم حربا مهولة يخوضها شعبكم بعد ان اعتبر اعداؤه ان ارضه التي ورثها عن الاجداد غنيمة تقسم بينهم حسب اهوائهم.

الإنجليز وعودة اليهود ..

* ويضيف الظواهري: في نهاية سنة 1838م كتب قائد الجيوش البريطانية ـ وقاهر نابليون ـ اللورد ولنجتون تقريرا الى اللورد بالمرستون يقول فيه ملخصا احوال الشرق الادنى: «في هذا العام نشبت ازمة خطيرة بين مصر وتركيا نتيجة لصراعات وتناقضات سببها والي مصر. فقد استطاع محمد علي في عشر سنوات ان ينشئ اسطولا وجيشا يفوقان كل ما يحتاجه للضرورات الشرعية لحكومته... فقد جند مائة الف رجل وحشدهم ضد سيده الخليفة العثماني. ان هذه الاوضاع تتطلب تصرفا سريعا من الحكومة الانجليزية كما تتطلب تدخلا عاجلا يكفل باعادة «الباشا»، الذي يتصور نفسه لا يقهر، الى عقله والى الخضوع والطاعة للسلطان».

والجدير بالذكر هنا ان بريطانيا وهي احدى القوى العظمى اعطت لنفسها حق تحديد الضرورات الشرعية للدفاع لغيرها من الحكومات الاضعف منها وما يزيد عن ذلك يعد غير شرعي. وهو نفس القانون الذي تطبقه اميركا والقوى العظمى على غيرها من الدول، فمن حق اميركا والدول العظمى ان تمتلك اسلحة الدمار الشامل، بينما يحرم ذلك على غيرها من الدول الاضعف.

وانتهز اليهود الظروف السياسية المعقدة في تلك الفترة، فبالمرستون لا يريد ان يموت الرجل المريض (تركيا) الآن قبل الاستعداد لتقسيم تركته، كما انه في نفس الوقت لا يريد له العافية. ونتيجة لذلك فمن الضروري انشاء كيان عازل يفصل بين مصر وتركيا، ويبقي كلا منهما في مكانه، ويمنع ايهما من ان يصبح اقوى مما ينبغي! وحسب الظواهري في مذكراته عن نشأة دولة اسرائيل، ويقول: والحل السريع الممكن هو اقامة عازل بين الدولة العثمانية وبين طموحات محمد علي وحلفائه، وعلى السلطان وحاشيته ان يدركا ان مطامع محمد علي لا تقتصر فقط على شرق البحر الابيض، وانما تمتد مطامعه ايضا الى البحر الاحمر وحتى عدن لكي يؤكد سيطرته على الامبراطورية.

ان العازل الذي يمكن التفكير فيه هو توطين اليهود في فلسطين، لان ذلك يجعل منهم شوكة في خاصرة محمد علي تمنعه من تهديد تركيا من ناحية، كما تمنعه من العربدة في البحر الاحمر كما يحلم.

ان الحكومة الانجليزية سوف تكون مستعدة اذا ما قبل السلطان بمشورتها ان تضع المستعمرات اليهودية في فلسطين تحت حمايتها لكي يكون ذلك تحذيرا دائما لمحمد علي حتى يرتدع عن تهديد الدولة العلية.

وفي عام 1840 فرضت القوى الاوروبية على محمد علي معاهدتين بعد هزيمته; الاولى بحقه وحق ورثته في تولي ولاية مصر، والثانية سميت بمعاهدة (تهدئة الاحوال في سورية) وكان ظاهر نصوصها تحقيق خروج قوات محمد علي من سورية، ولكنها في حقيقة امرها كانت تمهد الطريق لهجرة يهودية واسعة الى فلسطين، ولتحقيق المطلب الاساسي في ارث ممتلكات الخلافة العثمانية في الشرق، وبالتحديد في تلك الزاوية الاستراتيجية الهامة المحيطة بشرق البحر الابيض، حيث مصر والشام.

وفي عام 1849 عقد في لندن مؤتمر يهودي صغير برعاية عائلة روتشيلد، وانتهى الى اعلان مطلبين: (1): اعلان قبول يهود العالم للحماية الانجليزية لهم حيث كانوا.

والثاني: التوجه بالرجاء الى الحكومة الانجليزية بأن تسهل لليهود استعمار فلسطين على نمط ما يحدث في مناطق اخرى.

(2) وفي عام 1875م تسرب الى رئيس وزراء بريطانيا ـ دزرائيلي ـ خبر يفيد بأن والي مصر ـ الخديوي اسماعيل ـ يرغب في بيع حصته من اسهم شركة قناة السويس.

ودزرائيلي هو اول وآخر رئيس وزراء يهودي في تاريخ انجلترا، واذا كان الساسة الانجليز مدفوعين ـ سواء بعاطفتهم الدينية البروتستانتية او بمصالحهم العسكرية السياسية ـ الى انشاء اسرائيل، فان سياسيا يهوديا مثل دزرائيلي وجد ان هذا المناخ لا بد ان يستغل في خدمة ابناء دينه، فقد ذكر على لسان احد ابطال رواياته التي كتبها في بداية حياته: «ان انجلترا اكبر بكثير من ان يحولها بعض ساستها الى مكتب محاسبات تجاري كبير.. ان انجلترا لها قلب ولها ضمير، لهذا فهي تقف مع اليهود مدركة ان الله ذاته يحارب من اجل بعث اسرائيل».

وما ان بلغ خبر رغبة الخديوي اسماعيل في بيع اسهمه الى دزرائيلي حتى ادرك ان هذه هي فرصته الذهبية لكي تضع بريطانيا موطئ قدم لها في مصر ممهدة الطريق لانشاء اسرائيل.

وراح دزرائيلي يفكر بسرعة، وكانت المعضلة امامه ان الخديوي يريد الثمن نقدا ويريد اتمام البيع سرا. وكان هذان الشرطان يمنعانه من عرض الصفقة على البرلمان، ووجد الحل بسرعة في البارون روتشيلد الذي دبر له المبلغ وهو اربعة ملايين جنيه ذهبا في اليوم التالي.

وبشراء انجلترا لحصة مصر في قناة السويس تدافعت الاحداث بسرعة في خدمة اليهود: ـ ففي سنة 1877م، اي بعد ما يزيد قليلا عن سنة من اتمام الصفقة، كانت عائلة روتشيلد تمول انشاء اول مستعمرة استيطانية لليهود في فلسطين على مساحة 2275 فدانا، وهي مستعمرة (بتاح تكفاه).

ـ وفي نفس السنة كانت الحكومة الانجليزية تطلب من السلطان السماح لها بانزال قوات عسكرية في قبرص. لان ذلك ضرورة عسكرية لمراقبة ما يجري في سواحل الشام عن بعد، وذلك تطبيقا لاتفاقية (المساعدة) الانجليزية التركية التي عقدت بعد انتهاء حرب القرم، والتي تعهدت انجلترا للسلطان بمقتضاها ان تحمي ممتلكاته الشرقية! وفي سنة 1882 تذرعت بريطانيا بوجود قلاقل في مصر (ثورة عرابي) واتخذت قرارا باحتلال مصر وقمع الثورة العرابية، وكانت حجة بريطانيا ان عرابي خارج على السلطان. وهكذا دخلت عساكر الكفار ديار الاسلام تحت حماية السلطان! ـ وتزايدت حركة الهجرة اليهودية بشدة عقب الاحتلال الانجليزي لمصر، وارتفع عدد المستعمرات الاستيطانية، حتى انه في ظرف عشر سنوات من احتلال الانجليز لمصر انشئت قرابة عشرين مستعمرة تتراوح مساحاتها ما بين 210 الى 3800 فدانا غرب وشرق نهر الاردن.

(3) ومع بداية القرن العشرين نشبت الحرب العالمية الاولى، وقبيل هذه الحرب كانت السياسة البريطانية تدرك ما تريد تحديدا في فلسطين، وظهر ذلك بجلاء في توصية تقدم بها رئيس الوزراء البريطاني كامبل باترمان في الفترة السابقة على الحرب مباشرة جاء فيها بالنص: «ان اقامة حاجز بشري قوي وغريب على الجسر الذي يربط اوروبا بالعالم القديم، ويربطهما بالبحر الابيض والبحر الاحمر هو مطلب يجب ان يكون هاديا لنا باستمرار. ومن المحتم ان نجد الوسيلة العملية لتنفيذ هذا المطلب. وكان ذلك يعني بوضوح الاصرار على انشاء دولة يهودية في فلسطين.

(4) ـ وفي اثناء الحرب طلبت الحكومة البريطانية سنة 1915 من السير هربرت صمويل ان يضع تصورا لما ينبغي ان يكون عليه وضع فلسطين بعد النصر.

وكتب هربرت صمويل بوصفه عضوا في وزارة الحرب ـ الى جانب كونه يهوديا وصهيونيا ايضا ـ مذكرة بعنوان «مستقبل فلسطين» في 5 فبراير 1915م، وكان مما توصل اليه فيها: «ان الحل الذي يوفر اكبر فرصة للنجاح ولضمان المصالح البريطانية، هو اقامة اتحاد يهودي كبير تحت السيادة البريطانية في فلسطين. ان فلسطين يجب ان توضع بعدالحرب تحت السيطرة البريطانية.

(5) وفي ربيع 1915م ـ اي بعد نشوب الحرب العالمية الاولى بعدة اشهر ـ ظهر على مسرح الاحداث فجأة شخص قدم لليهود اجل الخدمات. ذلك هو ماركس سايكس الذي وقع مندوبا عن بريطانيا في الاتفاقية الشهيرة ـ اتفاقية سايكس بيكو ـ التي ذهبت بآمال حلفاء بريطانيا من العرب ادراج الرياح مع كلمات الشرف التي ضمنها التاج البريطاني.

(6) وتكشف الوثائق البريطانية عن فكرة خطيرة سيطرت على السياسة البريطانية اثناء الحرب العالمية الاولى وظلت مسيطرة عليها لفترة طويلة، ومجمل هذه الفكرة ان الاماكن المقدسة لكل الاديان في الشرق الأوسط يجب ان تكون تحت السيطرة البريطانية.

(7) وتسجل الوثائق البريطانية ان موسى قطاوي باشا رئيس الطائفة اليهودية في مصر توجه في يوليو (تموز) 1916م ليطلب من الجنرال ماكسويل القائد العام للقوات البريطانية في مصر السماح بتشكيل كتائب يهودية تدخل ضمن جيش الجنرال اللنبي الذي كان يستعد للزحف على الاتراك في فلسطين والشام. ووافق الجنرال ماكسويل، وسمح لجنود هذه الكتائب ان يضعوا نجمة داود على مقدمة قبعاتهم لكي يكون واضحا انها كتائب يهودية.

(8) وفي هذه الاجواء المشبعة بالشر في اقتسام تركة الدولة العثمانية وبالكراهية للاسلام والتعصب الاعمى لليهود صدر وعد بلفور في 2 نوفمبر 1917، وكان من نصه ما يلي: «إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بالعطف الى انشاء وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وسوف تبذل قصارى جهدها لتسهيل تحقيق هذا الهدف».

(9) وبعد انتهاء الحرب واثناء اعداد وثائق السلام في مؤتمر السلام في فرساي اصرت الحركة الصهيونية على ضرورة ان يحتوي قرار المؤتمر بانتداب بريطانيا على فلسطين اشارة الى المهمة الرئيسية للانتداب البريطاني على فلسطين هي العمل على انشاء وطن قومي لليهود.

(10وفي سنة 1921 طلب اللورد اللنبي قائد القوات البريطانية ـ التي غزت فلسطين وأخرجت الاتراك منها ـ ثم المعتمد البريطاني على مصر من مدير العمليات في الشرق الأوسط الكولونيل ريتشارد ماينر تزهاجن صياغة مذكرة تحوي توصيات محددة بشأن مصر وفلسطين لترفع الى رئيس الوزراء لويد جورج.

ويقول الظواهري: ولنا وقفة هنا، الجدير بالنظر ان هذه هي السياسة التي طبقت اليوم بنزع سلاح سيناء لتكون عازلا بين مصر واسرائيل طبقا لاتفاقية السلام مع اسرائيل.

(11) ولم تتوقف جهود بريطانيا على الخدمات التي تقدمها لليهود عسكريا وسياسيا بنفسها، بل لقد مارست الضغط على حلفائها العرب الذين ثاروا ـ بالاتفاق معها ـ ضد دولة الخلافة لكي يتقبلوا وجود اسرائيل . . فعند انكشاف بنود معاهدة سايكس بيكو في عام 1917 وما توافق معها من صدور وعد بلفور اصيب الحلفاء العرب بصدمة شديدة، وهنا أرسلت بريطانيا الكوماندور هوجارت ـ ممثلا لمكتب القاهرة ـ لمقابلة الشريف حسين في جدة ليشرح له الظروف ويواصل الضغط على الحليف التابع الذي لم يجد بداً من الانسياق في خط التبعية. ومما جاء في تقرير الكوماندور هوجارت عن المقابلة ما يلي: «في ما يتعلق بسايكس بيكو قال الشريف حسين انه اذا كان هناك تعديل ثانوي في الخطط الاصلية تفرضه ضرورات الحرب، فهو مستعد ان يعترف بمثل هذه الضرورة صراحة. ولكنه طلب ان نبلغه بمثل هذه الصراحة تفاصيل التعديلات المطلوبة والضرورات التي تقتضيها. . ثم اثار الشريف حسين مطالب فرنسا في سورية، ورد عليه الكوماندور هوجارت قائلا: «ان فرنسا صارت ترى الامور بعيوننا (يقصد بعيون الانجليز) في ما يتعلق بسورية، وكل ما تريده فرنسا هو ان تحمي وتساعد على استقلال سورية»، وبدا ان الشريف حسين كان مقتنعا. وفي ما يتعلق بوعد بلفور فان الكوماندور هوجارت راح يشرح للشريف حسين تفاصيل طويلة عن نمو الحركة الصهيونية خلال الحرب وعظم قيمة المصالح اليهودية والنفوذ اليهودي، وانه من المفيد التعاون معهم (يقصد اليهود ومصالحهم ونفوذهم) . . كان رد الشريف حسين يفيد باستعداده لقبول صيغة وعد بلفور»، وروى الكوماندور هوجارت في تقريره لوزارة الحرب في لندن: «ان الشريف وافق بحماسة قائلا: انه يرحب باليهود في كل البلاد العربية»..أما الامير فيصل بن الشريف حسين فقد اقنعه مخطط حركته ضابط المخابرات البريطاني الشهير لورانس بلقاء حاييم وايزمان في العقبة، ثم رتب بعد ذلك لقاء بينهما في لندن ـ تمهيدا لمؤتمر في فرساي ـ في الاسبوع الاول من يناير (كانون الثاني) 1919م، حيث وقعا اتفاقا بينهما جاء فيه: «ان صاحب السمو الملكي الامير فيصل ممثل المملكة العربية الحجازية والقائم بالعمل نيابة عنها، والدكتور حاييم وايزمان ممثل المنظمة الصهيونية والقائم بالعمل نيابة عنها، يدركان القرابة في الجنس والصلات القديمة بين العرب والشعب اليهودي.. وبالنظر الى نصوص هذه الاتفاقية يتبين لنا: ـ ان فيصل قد اعترف بفلسطين دولة على قدم المساواة بالدولة العبرية، بل واعترف بأن تكون هناك حدود نهائية بين الطرفين .

اذن فلم يكن انور السادات هو اول من وقع صلحا منفردا بين العرب واسرائيل.

ـ كما اكدت هذه الاتفاقية على تشجيع الهجرة اليهودية على مدى واسع، بل واعترفت بوعد بلفور .

أمريكا ودعم إسرائيل ..

ويقول الظواهري ان الوقائع والاحداث في هذا الصدد اكثر من ان تحصر، ولكننا هنا نشير الى بعض الامثلة الهامة فقط.

أ ـ ففي حرب اكتوبر 1973 بين العرب واسرائيل انشأت اميركا فور قيام الحرب جسرا جويا بين اميركا واسرائيل، نقلت به الاسلحة والمعدات والذخائر، بل والدبابات من مخازن وحدات الجيش الاميركي العاملة مباشرة الى ميدان القتال.

وعن هذا الجسر الجوي يقول محمد عبد الغني الجمسي وزير الحربية المصري الاسبق: «واستمر الجسر الجوي الاميركي مدة 33 يوما اعتبارا من 13 أكتوبر حتى 14 نوفمبر عام 1973 استخدم حوالي 24 في المائة من حجم طائرات النقل التابعة لقيادة النقل الجوي في اليوم الواحد طول مدة عمل الجسر.

وقد تمكن الجسر الجوي من نقل 22.497 طنا من الاسلحة والمعدات والذخيرة الى اسرائيل، نقل منها حوالي 39 في المائة خلال الفترة 13 ـ 24 اكتوبر عام 1973 وذلك بالاضافة الى 8 طائرات مدنية اسرائيلية من طراز 747، 707، قامت بنقل 5500 طن معدات خلال الفترة نفسها.

واستكمالا لامداد اسرائيل بالاسلحة والمعدات، أنشأت جسرا بحريا خصص اساسا لنقل المعدات كبيرة الحجم، حيث وصلت اول سفينة الى اسرائيل يوم 2 نوفمبر عام 1973 بحمولة 33210 اطنان من الدبابات والمدافع والعربات.

وبلغ اجمالي ما تم نقله بالجسر البحري 74 في المائة من اجمالي حجم خطة الامداد والمعونة العسكرية العاجلة.

وكان الغرض من ذلك هو تعويض خسائر الحرب، وسرعة رفع الكفاءة القتالية.

لقد تنوعت وتعددت الاسلحة والمعدات والذخيرة التي وصلت الى اسرائيل بواسطة الجسر الجوي.

ومن الملاحظ ان الجسر الجوي الاميركي بدأ يوم 13 اكتوبر وهو اليوم السابق لتطوير الهجوم المصري في اتجاه المضايق يوم 14 اكتوبر، وتمكنت اسرائيل من صد هذا الهجوم.

وبهذا الجسر الجوي تمكنت اميركا من رفع الكفاءة القتالية للقوات الاسرائيلية في المرحلة الاخيرة من حرب اكتوبر، الامر الذي جعل ميزان القوة العسكرية يتحول الى جانب اسرائيل. كما ابرزت اميركا دعمها وتأييدها المطلق لاسرائيل في هذه الحرب.

وفي تقديري: كان الجسر الجوي الاميركي، وكذا الاستطلاع الجوي الاميركي لجبهة القناة يوم 13، 15 اكتوبر (...) سببا رئيسيا لاحداث تفوق عسكري اسرائيلي، جعلها قارة على تنفيذ الثغرة (معركة الدفرسوار) بنجاح. وبدون هذا الدعم العسكري لاسرائيل بطريقة مباشرة وسافرة ما كان يمكن لاسرائيل تحقيق هذا النجاح الذي حققته في المرحلة الاخيرة من الحرب».

ـ ولم يتوقف التأييد السياسي لاسرائيل او ممارسة الضغوط على جيرانها يوما منذ انشائها. ومن امثلة ذلك انه في نفس يوم توقيع معاهدة السلام في واشنطن في 26/3/1979، وقعت اميركا واسرائيل اتفاقا باسم (اتفاق التفاهم بين الولايات المتحدة واسرائيل بشأن تقرير الولايات المتحدة لضماناتها العسكرية لاسرائيل في حالة انتهاك معاهدة السلام المصرية ـ الاسرائيلية).

ومما جاء في هذا الاتفاق الخطير:

* واذا ما اتضح للولايات المتحدة ان انتهاكا لمعاهدة السلام او تهديدا بانتهاكها قد حدث، فان الولايات المتحدة تستشير الاطراف حول التدابير الواجب اتخاذها لوقف هذا الانتهاك (….) .

وسوف تتخذ ما تعتبره ملائما من الاجراءات بما في ذلك الاجراءات الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية المذكورة فيما بعد.

* سوف تقوم الولايات المتحدة باتخاذ ما تراه لازما مساندة لما تقوم به اسرائيل من اعمال لمواجهة انتهاكات على هذا النحو لمعاهدة السلام، خاصة اذا ما رأى ان انتهاك معاهدة السلام يهدد أمن اسرائيل، بما في ذلك على سبيل المثال تعرض اسرائيل لحصار يمنعها من استخدام الممرات المائية الدولية، او انتهاك معاهدة السلام بشأن الحد من القوات، او شن هجوم مسلح على اسرائيل فان الولايات المتحدة على استعداد لان تنظر بعين الاعتبار وبأقصى سرعة في اتخاذ اجراءات مثل تعزيز وجود الولايات المتحدة في المنطقة وتزويد اسرائيل بالمستحقات العاجلة، وممارسة حقوقها البحرية لوضع حد للانتهاك.

* سوف تعترض الولايات المتحدة وتعارض عن الضرورة اي عمل او قرار للامم المتحدة يتعارض ـ في وجهة نظرها ـ مع معاهدة السلام!!!

* ان الاتفاقات والتأكيدات القائمة بين الولايات المتحدة واسرائيل لا تلغيها او تعدلها معاهدة السلام!!!».

وسلمت الولايات المتحدة صورة من هذه المذكرة الى السادات في اليوم السابق على توقيع المعاهدة، ولكن ذلك لم يمنع السادات من التوقيع على المعاهدة في اليوم التالي. بل ووقع ايضا على وثيقة جديدة بعنوان (الاتفاق التكميلي الخاص باقامة الحكم الذاتي الكامل في الضفة الغربية وغزة).

وتتبين بالنظر في هذا الاتفاق عدة معان في غاية الخطورة: _

1 ـ فأميركا اعطت نفسها الحق في استخدام قوتها العسكرية ضد مصر اذا حاولت ان تقوم بعمل تعتبره اميركا انتهاكا لمعاهدة السلام او تهديدا لأمن اسرائيل.

2 ـ وأميركا وقعت هذا الاتفاق مع طرف واحد من طرفي المعاهدة ـ وهو اسرائيل ـ وليس مع الطرفين. اي ان تهديد اميركا باستخدام نفوذها وقوتها العسكرية موجه ضد مصر فقط، اذا حاولت انتهاك المعاهدة وليس ضد اسرائيل.

3 ـ واميركا اعطت لنفسها حق الاعتراض على اي عمل او قرار للامم المتحدة يتعارض ـ في نظرها ـ مع معاهدة السلام.

اي ان معاهدة السلام وأمن اسرائيل اهم عند اميركا من الامم المتحدة وقراراتها. ومن هنا يتضح مدى النفاق الاميركي في استخدام الامم المتحدة وضم الشرعية الدولية لخدمة مصالحها.

فأميركا تعلن بصراحة عدم التزامها بقرارات الامم المتحدة في ما يخص امن اسرائيل، بينما تلزم دول العالم الفقير ـ وخاصة الاسلامي ـ بالانصياع التام الى حد الاذلال وقتل مئات الالوف من الاطفال ـ لقرارات الامم المتحدة.

4 ـ وأميركا تعتبر ان هذا الاتفاق لا تلغيه او تعدله معاهدة السلام. اي ان ذلك الاتفاق له الاولوية على معاهدة السلام. بينما نصت المادة السادسة من معاهدة السلام بين مصر واسرائيل على: «في حال وجود تناقض بين التزامات الاطراف بموجب هذه المعاهدة واي من التزاماتها الاخرى، فان الالتزامات الناشئة عن هذه المعاهدة تكون ملزمة ونافذة».

اي ان اتفاقية السلام لها الاولوية على اي معاهدة تلزم مصر باعلان الحرب ضد اسرائيل. وهذا القيد مقصود به تخلي مصر عن التزاماتها التي التزمت بها في معاهدة الدفاع العربي المشترك، والتي تلزم مصر بالتدخل ضد اي عدوان يقع على اي دولة مشتركة في تلك المعاهدة.

وقد ظهر اثر هذا القيد المذل واضحا، فبعد معاهدة السلام ضربت اسرائيل المفاعل النووي في العراق، وغزت جنوب لبنان وأنشأت فيه جيشا عميلا لها، واحتلت جزيرة دهلك في المدخل الجنوبي للبحر الاحمر، وزادت من دعمها للحركة الانفصالية في جنوب السودان، وتحالفت مع تركيا لحصار سورية، بل وتلمح بان أمن اسرائيل يمتد الى باكستان شرقا، في اشارة واضحة الى البرنامج النووي الباكستاني الذي تعده اسرائيل تهديدا لها.

* ومن الامثلة الصارخة ايضا على مدى التأييد الاميركي لاسرائيل الى حد اجبار الانظمة على الاستسلام، ضغط اميركا على النظام المصري للتوقيع على اتفاقية حظر انتشار الاسلحة النووية، في الوقت الذي تعلن فيه اسرائيل علانية انها لن توقع لظروفها الخاصة. ومن ذلك تظهر اميركا تعاطفها معها وتغض الطرف عنها.

ومن المثير للدهشة والاستياء في آن واحد، ان دولا اخرى مثل الباكستان ـ ذات العلاقة القوية باميركا ـ رفضت التوقيع على تلك المعاهدة طالما ان الهند ـ عدوتها ـ لم توقع، ولم تتماد الى الدرك الذي وصل اليه النظام المصري في التخلي عن كل شيء طاعة لأميركا.

يتبين لنا مما سبق ان جريمة انشاء اسرائيل في قلب الامة المسلمة جريمة تواطأت عليها دور الغرب وكان ـ ولا يزال ـ دور اميركا في هذه الجريمة هو دور زعيمة المجرمين.

ويتبين لنا ايضا ان الدول الغربية في ضلوعها في هذه الجريمة كانت مدعومة بتأييد شعوبها. وهذه الشعوب شعوب تتمتع بحرية قرارها. صحيح انها قد تقع تحت تأثيرات ضخمة من التضليل والتشويه الاعلامي، ولكنها في النهاية تعطي اصواتها في الانتخابات لتختار الحكومات التي تريدها، ثم تدفع لها الضرائب لتمويل سياساتها عن رضا، ثم تحاسبها بعد ذلك على طريقتها في انفاق هذه الاموال.

وبغض النظر عن الطريقة التي تحصل بها هذه الحكومات على اصوات الناخبين، فان الناخبين في الدول الغربية يعطون اصواتهم في النهاية باختيارهم.

وهذه الشعوب باختيارها طالبت وأيدت ودعمت انشاء واستمرار دولة اسرائيل.

وهذا المطلب ظلت شعوب الغرب تطالب به لعقود طويلة، وهذه المطالبة لم تأت جزافا، وانما جاءت ثمرة لشجرة رويت بماء الحقد والكراهية للاسلام والمسلمين لقرون عديدة. وبناء على هذه الحقيقة يجب ان تنبني سياستنا الواقعية تجاه الغرب حتى لا نسقط من سماء الوهم فنرتطم بارض الواقع.

ليس هذا فحسب بل يجب ان نقر بأن الغرب وعلى رأسه اميركا الخاضعة لنفوذ اليهود لا يعرف لغة الاخلاق والمبادئ والحقوق المشروعة.

انهم يفهمون فقط لغة المصالح المدعومة بالقوة العسكرية الغاشمة.

لذا إذا اردنا ان نحاورهم، وأن نفهمهم حقوقنا فعلينا ان نكلمهم باللغة التي يفهمونها.

ويتطرق الظواهري الى معاهدات السلام المصرية والاسرائيلية ويقول: المتأمل لمعاهدة السلام المصرية الاسرائيلية يجد انها وضعت لتكون معاهدة دائمة لا تملك مصر منها فكاكا.

اي انها وضعت لتحاول ان توجد، قسرا وكرها، على ارض الواقع وضعا يصعب على اي حكومة معادية لاسرائيل تأتي بعد السادات تغييره.

الشعب اراد الحياة و القيد انكسر

رابط هذا التعليق
شارك

طبيعة الصراع ومعالم المرحلة القادمة..

« وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا، فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين، ولنسكننكم الأرض من بعدهم ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد».

فيا قلب صبراً إن جزعت فربما

جرت سنحاً طير الحوادث باليمن

فقد تورق الأغصان بعد ذبولها

ويبدو ضياء البدر في ظلمة الوهن.

{ محمود سامى البارودى }

والآن.. آن أن نستشرف مستقبل الحركة الجهادية في مصر خاصة وفي العالم عامة.

1 ـ ظواهر تتشكل: يستطيع اي مراقب محايد ان يلمح عدة ظواهر في عالمنا الاسلامي عامة وفي مصر خاصة منها:

أ ـ عالمية المعركة:

فالقوى الغربية المعادية للاسلام حددت عدوها بوضوح وهو ما تسميه بالاصولية الاسلامية ودخل معها في هذا الحلف عدوتهم القديمة روسيا، واتخذوا عدة ادوات لمحاربة الاسلام منها:

(1) الأمم المتحدة.

(2) الحكام الموالون والحاكمون لشعوب المسلمين.

(3) الشركات متعددة الجنسيات.

(4) أنظمة الاتصال الدولية وتبادل المعلومات.

(5) وكالات الأنباء العالمية وقنوات الاعلام الفضائية.

(6) منظمات الإغاثة الدولية التي تستخدم ستاراً للجاسوسية والتبشير وتدبير الانقلابات ونقل

الاسلحة.

وفي مقابل هذا الحلف يتشكل حلف اصولي من حركات الجهاد في بلاد الاسلام المختلفة والدولتين اللتين حررتا باسم الجهاد في سبيل الله (افغانستان والشيشان).

واذا كان هذا الحلف ما زال في بواكيره الاولى وارهاصاته البادئة فان تناميه يتزايد بتسارع ويتضاعف باطراد.

وخطورة هذا الحلف اوضح من ان تشرح، واثره اخطر من ان يوضح، وخوف الغرب منه مسيطر على تفكيره ومستفز لأعصابه ومقلق لمراصده.

فهو قوة تنمو وتتجمع تحت راية الجهاد في سبيل الله خارج قانون النظام العالمي الجديد، متحررة من العبودية لامبراطورية الغرب المسيطرة، ومنذرة للحملة الصليبية الجديدة عن ديار الاسلام بالويل والثبور، ومتحفزة للانتقام من رؤوس التجمع الكفري العالمي، اميركا وروسيا واسرائيل، ومتحرقة للثأر لدماء الشهداء وفجائع الثكالى وحرمان الايتام ومعاناة المعتقلين وقروح المعذبين على امتداد ديار الاسلام من تركستان الشرقية الى الاندلس.

ان هذا العصر يشهد ظاهرة جديدة مستمرة متزايدة، انها ظاهرة الشباب المجاهد الذي ترك اهله وبلده وثروته ودراسته ووظيفته بحثا عن ميادين الجهاد في سبيل الله.

ب ـ لا حل إلا بالجهاد:

ومع ظهور هذه الطائفة الجديدة من الاسلاميين الذين طال غيابهم في واقع الامة، يزداد بين كل ابناء الاسلام الحريصين على نصرته وعي جديد خلاصته: ألا حل إلا بالجهاد.

وقد ساعد على انتشار هذا الوعي فشل كل الوسائل الاخرى التي حاولت ان تهرب من تحمل عبء الجهاد، وكانت تجربة الجزائر درسا قاسيا في هذا الصدد، اثبتت للمسلمين ان الغرب ليس فقط كافرا، ولكنه ايضا كاذب ومنافق، فمبادئه التي يتشدق بها حكر عليه وحده، وملك خاص به، لا يجب ان تشاركه فيها شعوب الاسلام الا كما يشارك العبد سيده في الفتات المتبقي من طعامه.

لقد تعاملت جبهة الانقاذ في الجزائر عن اصول العقيدة وحقائق التاريخ وثوابت السياسة وموازين القوة وقوانين السيطرة، واندفعت نحو صناديق الانتخاب لتدلف منها الى قصور الرئاسة ومقار الوزارة، ولكن على ابوابها كانت الدبابات بانتظارها، وقد وجهت مدافعها المحشوة بالذخيرة الفرنسية الى صدور الذين نسوا سنن المواجهة بين الحق والباطل، فأعادتهم نيران الضباط المتفرنسين الى ارض الواقع بعد ان حلقوا في سماء الاوهام.

لقد ظن رجال «جبهة الانقاذ» ان بوابات الحكم قد فتحت لهم وفوجئوا بمن يزج بهم عبر بوابات المعتقلات والسجون الى زنازين النظام العالمي الجديد.

ومما ساعد على الوصول الى نتيجة: «ألا حل إلا بالجهاد»; شراسة وتعسف الحملة الصليبية اليهودية الجديدة التي تعامل أمة الاسلام بغاية الاحتقار. فاذا بالانسان المسلم عامة والعربي خاصة وقد ضاع منه كل شيء وتهدد منه كل عزيز.

وأصبحنا كالايتام في مأدبة اللئام.

ولعل سائلا ان يسأل: ألا ترى انك تناقض نفسك، فمنذ قليل تحدثنا عن تسرب اليأس الى بعض قيادات الحركة الجهادية والآن تحدثنا عن صحوة جهادية منتشرة؟

والجواب بسيط: ان كل الحركات تشهد عملية من التآكل والتجدد، ولكن المحصلة العامة هي التي تحكم على مسيرة الحركة بالانقراض او النماء.

والحركة الجهادية في نماء وازدهار ـ بفضل الله ـ رغم ما يطرأ على حوافها من تآكل كما يطرأ على كل الكائنات الحية التي تنمو وتتجدد.

2 ـ واجبات تتأكد:

أ ـ يجب على الحركة الاسلامية عامة والجهادية خاصة ان تربي نفسها وابناءها على الثبات والصبر والصمود والتمسك بالمبادئ والثوابت وعلى القيادة ان تضرب القدوة والمثل لأتباعها، فهذا هو مفتاح النصر. ( يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون».

اما اذا بدأت علامات التراخي والتراجع تظهر على القيادة، فعلى الحركة ان توجد من الوسائل ما يمكنها ان تقوم قيادتها، وألا تسمح لها بالخروج عن خط الجهاد.

ان الولاء للقيادة والاعتراف بسبقها وفضلها واجب لا بد ان يؤكد، وقيمة يجب ان تترسخ. اما اذا تعدى الولاء للقيادة الى تقديسها، وتجاوز الاعتراف بفضلها وسبقها الى اسباغ العصمة عليها، فحينئذ ستصاب الحركة بالعمى المنهجي، ويمكن لأي خلل في القيادة ان يؤدي الى كارثة تاريخية ليس على مستوى الحركة فقط بل ـ ربما ـ على مستوى الامة كلها.

وهنا تبرز اهمية قضية القيادة في العمل الاسلامي والعمل الجهادي خاصة. وتبرز ـ ايضا ـ مدى حاجة الامة الى قيادة علمية مجاهدة واعية تقودها خلال العواصف والاعاصير الى هدفها بوعي وحكمة، دون ان تضل طريقها او تخبط على غير هدى، ناهيك ان تنقلب على عقوبتها.

ب ـ تجيش الأمة وإشراكها في الصراع والحذر من صراع النخبة مع السلطة: ـ

يجب على الحركة الجهادية ان تقترب من الجماهير وتدافع عن حرماتها، وتدفع الظلم عنها، وترشدها الى طريق الهداية، وتقودها الى النصر، وتتقدم امامها في ميدان التضحية، وان تجتهد في ايصال قضيتها اليها بأسلوب يجعل الحق ميسورا لكل طالب وليس مستغلقا عن كل راغب، وان تجعل الوصول الى اصول الدين وحقائقه مبسطا خاليا من غلو المصطلحات وتقعر التركيبات.

ويجب على الحركة الجهادية ان تفرغ جناحها منها للعمل الجماهيري، وللدعوة وسط الامة ولتقديم الخدمات للشعب المسلم ولمشاركة الناس في همومهم بكل اوجه العمل الخيري والتعليمي المتاحة، يجب الا نترك مساحة متاحة الا ونملأها، وأن نكسب ثقة الناس ومحبتهم واحترامهم، ولن يحبنا الناس الا اذا احسوا بحبنا لهم واهتمامنا بهم ودفاعنا عنهم.

وبايجاز يجب ان تخوض الحركة الجهادية المعركة وهي وسط الامة وأمامها وأن تحذر كل الحذر من ان تنعزل عن أمتها وتخوض ضد الحكومة معركة الصفوة ضد السلطة.

ويجب الا نلقي باللوم على الامة لانها لم تستجب ولم ترتفع ولم تتزكى، دون ان نلقي على انفسنا بالمسؤولية لاننا لم نبلغ ولم نترفق ولم نضح.

ان على الحركة الجهادية ان تحرص على ان تشرك الامة المسلمة معها في جهادها من اجل التمكين، ولن تشارك الامة المسلمة معها الا اذا اصبحت شعارات المجاهدين مفهومة لدى جماهير الامة المسلمة.

والشعار الذي تتفهمه الامة المسلمة جيدا وتتجاوب معه ـ منذ خمسين عاما ـ هو شعار الدعوة الى جهاد اسرائيل، وفي هذا العقد اصبحت الامة معبأة ـ بالاضافة الىه ـ ضد الوجود الاميركي، واظهرت تجاوبها مع الدعوة لجهاد الاميركان أيما تجاوب.

ان نظرة واحدة الى تاريخ المجاهدين في افغانستان وفلسطين والشيشان تظهر ان الحركة الجهادية اصبحت في قلب قيادة الامة لما تبنت شعارات تحرير الامة من اعدائها الخارجيين، واظهرته على انه معركة الاسلام ضد الكفر والكفار.

والعجيب ان العلمانيين الذين جلبوا الكوارث على الامة المسلمة وخاصة في ميدان الصراع العربي ـ الاسرائيلي، والذين بدأوا مسيرة الخيانة باعترافهم باسرائيل منذ اتفاقيات الهدنة عام 1949م كما بينا، هم اكثر الناس حديثا عن قضية فلسطين.

والاعجب ان المسلمين وهم اكثر الناس تضحية في سبيل القدس، وهم الذين تمنعهم عقيدتهم وشريعتهم من التفريط في أي جزء من فلسطين او الاعتراف باسرائيل كما بينا آنفا، وهم اقدر الناس على قيادة الامة في جهادها ضد اسرائيل، هم اقل الناس تبنيا لقضية فلسطين ورفع شعاراتها وسط الجماهير.

وفرصة الحركة الجهادية لقيادة الامة نحو الجهاد لتحرير فلسطين اصبحت مضاعفة الآن، فكل التيارات العلمانية التي كانت تزايد على قضية فلسطين وتزاحم الحركة الاسلامية على قيادة الامة في تلك الامة في تلك القضية قد انكشفت الآن ـ امام الامة المسلمة ـ باعترافها بحق اسرائيل في الوجود، وتبنيها لأسلوب المفاوضات والتزام القرارات الدولية من اجل تحرير ما تبقى ـ او ما تسمح به اسرائيل ـ من فلسطين، واختلافها فيما بينها فقط على حجم الفتات الذي ستلقي به اسرائيل للمسلمين والعرب.

ان الحقيقة التي يجب التسليم بها هي ان قضية فلسطين هي القضية التي تلهب مشاعر الامة المسلمة ـ منذ خمسين عاما ـ من المغرب الى اندونيسيا، ليس هذا فحسب بل هي القضية التي يجتمع عليها العرب بأكملهم مؤمنهم وكافرهم وبرّهم وفاجرهم.

المجموعات الصغيرة يمكن أن تسبب رعبا للأميركيين

فعبر هذا الجهاد ستتكشف مواقف الحكام وأشياعهم من علماء السلطان والكتاب والقضاة واجهزة الامن، وهنا تثبت الحركة الاسلامية تلبسهم بالخيانة امام جماهير الامة المسلمة، وتثبت للامة ان الذي حملهم على ذلك ما هو الا شرك في العقيدة، حيث انهم والوا اعداء الله على اوليائه، وعادوا المجاهدين بسبب اسلامهم وجهادهم خدمة لأعداء الامة من اليهود والنصارى، وانهم بذلك قد ارتكبوا ناقضا من نواقض التوحيد، حيث انهم ظاهروا المشركين على المسلمين بسبب اسلامهم.

ان تتبع الاميركان واليهود ليس عملا مستحيلا، وان قتلهم بطلقة رصاص او طعنة سكين او عبوة من خليط شعبي او ضربهم بقضيب من حديد ليس امرا مستحيلا، وان احراق ممتلكاتهم بزجاجات المولوتوف ليس امرا عسيرا. ان المجموعات الصغيرة بالوسائل المتاحة يمكنها ان تشكل رعبا مفزعا للاميركان واليهود.

ج ـ ويجب على الحركة الاسلامية عامة والجهادية خاصة ان تخوض معركة توعية الأمة: ـ بكشف الحكام المحاربين للإسلام.

ـ وبابراز اهمية الولاء للمؤمنين والبراءة من الكافرين في عقيدة المسلم.

ـ وبتحميل كل مسلم المسؤولية في الدفاع عن الاسلام ومقدساته وأمته ودياره.

ـ وبالتحذير من عمائم السلطان، وبتذكير الامة بحق علماء الجهاد وأئمة التضحية عليها، وواجبها في نصرتهم وحمايتهم وتوقيرهم والاقتداء بهم والدفاع عنهم.

ـ وبكشف مدى العدوان على عقيدتنا ومقدساتنا ومدى النهب الذي تتعرض له ثرواتنا.

د ـ عدم التخلي عن هدف اقامة الدولة المسلمة في قلب العالم الاسلامي: ولا بد ان تتبنى الحركة الجهادية خطتها على أساس السيطرة على بقعة من الارض في قلب العالم الاسلامي تقيم دولة الاسلام فيها وتستطيع حمايتها وتخوض منها معركتها لاعادة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.

نحو قاعدة أصولية في قلب العالم الإسلامي

فكما ان النصر للجيوش لا يتحقق الا باحتلال المشاة للارض، فكذلك النصر للحركة الاسلامية المجاهدة لن يتحقق ضد التحالف العالمي الا بامتلاكها لقاعدة اصولية في قلب العالم الاسلامي، وكل ما استعرضناه من وسائل وخطط لحشد الامة وتجييشها سيظل مكسبا معلقا في الهواء دون نتيجة ملموسة وعائد مشاهد ما لم يؤد الى انشاء دولة الخلافة في قلب العالم الاسلامي.

لقد خاض نور الدين زنكي ومن بعده صلاح الدين الايوبي رحمة الله عليهما عشرات المعارك حتى استطاع نور الدين تخليص دمشق من ايدي المنافقين ثم توحيد الشام تحت قيادته، وأرسل صلاح الدين الى مصر فخاض المعارك تلو المعارك حتى اخضع مصر لسلطانه ثم بعد ان توحد سلطان الشام ومصر لصلاح الدين بعد وفاة نور الدين ـ استطاع السلطان المجاهد صلاح الدين الايوبي ـ الانتصار في حطين ثم فتح بيت المقدس وعندئذ بدأ التاريخ يدور دورته على الصليبيين.

ان العمليات الناجحة ضد اعداء الاسلام والنكايات الفادحة فيهم ان لم تصب في مخطط يهدف الى اقامة الدولة المسلمة في قلب العالم الاسلامي، فلن تعدو مهما كانت من ضخامتها ان تكون عمليات ازعاج يمكن استيعابها وامتصاص آثارها ولو بعد وقت وبشيء من الخسائر.

ان اقامة الدولة المسلمة في قلب العالم الاسلامي ليست هدفا سهلا ولا مغنما قريبا، ولكنها امل الامة المسلمة في عودة خلافتها بعد ان سقطت واعادة مجدها بعد ان ذهب.

هـ ـ واذا كان هدف الحركة الجهادية في قلب العالم الاسلامي عامة ومصر خاصة هو إحداث التغيير وإقامة الدولة المسلمة، فعليها ألا تتعجل الصدام وألا تستبطئ النصر.

وعلى الحركة المجاهدة ان تصير على البناء حتى تستوفي أركانه، وتحشد من الامكانيات والانصار والخطط ما يمكنها من ان تخوض المعركة في الزمان والميدان اللذين تختارهما.

ولكن يرد هنا سؤال في غاية الاهمية والخطورة وهو: ماذا لو تعرضت الحركة لانكشاف اعضائها او خططها، او لاعتقال افرادها، وصار وجود الحركة مهددا، وبدأت حملة الاعتقالات والمداهمات تلتهم افرادها واموالها وامكانياتها وقياداتها؟

هنا يجب على الحركة ان تسأل نفسها سؤالا محددا ثم تجيب عليه اجابة واضحة.

هل يمكنها ان تختفي من امام العاصفة، وتنسحب من الميدان بأقل خسائر؟ ام ان الصبر غير مجد، ولا يعني الا الهزيمة التامة، ولا مجال للانسحاب؟

او ربما كانت الاجابة مزيجا من الاحتمالين الآنفين، أي انها يمكنها ان تسحب بعض قياداتها وافرادها بأمان، ولكن جزءا منها معرض للأسر والبطش.

والاجابة في رأيي: هو ان تسحب الحركة من تستطيع ان تسحبهم بأمان الى مأمنهم دون تردد او تلكؤ او ركون الى الاوهام، فان اخطر ما يواجه من يضيق عليه الحصار هو قرار الهرب. فمن أقسى الامور على النفس ترك الاهل والوظيفة والمنصب والنمط المستقر في الحياة الى المجهول والقلق والعيش المتقلب.

لكن ما ان يغلق على الاسير باب الزنزانة حتى يتمنى لو أمضى عمره مشردا بلا مأوى بدلا من هوان الاسر ومذلته.

اما اذا قدر للحركة كلها ـ او لجزء منها ـ ان تواجه موقفا قد احكم فيه الحصار عليها، واصبح سقوطها مسألة ايام او ساعات، فحينئذ يجب على الحركة ـ او على هذا الجناح منها ـ ان يبادر بخوض معركة الصدام ضد النظام حتى لا يؤسر او يقتل بغير ثمن.

ولكن كيف وضد من يخوض هذا الصدام؟

هنا علينا ان نستعيد ما اوضحناه من طبيعة تركيب النظام العالمي المعادي للاسلام وعلاقته بالانظمة الحاكمة في بلادنا، وما اكدناه من وجوب حشد الامة في معركة الاسلام ضد الكفر، وما حذرنا منه من خطورة ان تقتل الطليعة المسلمة في صمت في معركة النخبة او الصفوة ضد السلطة.

ضرب الأميركان واليهود

لذا فاذا جرتنا القوى الظالمة الى معركة في وقت لا نريده، فعلينا ان نرد في الميدان الذي نريده ألا وهو: ضرب الاميركان واليهود في بلادنا، وهنا نكسب ثلاث مرات: الاولى: حين نوجه الضربة الى السيد الكبير الذي يحتمي بعميله من ضرباتنا.

والثانية: حين نضم الامة الى صفنا باختيارنا لهدف تؤيد ضربه وتتعاطف مع من يضربه.

ونكسب مرة ثالثة: بكشف النظام أمام الشعب المسلم حين ينقض علينا دفاعا عن سادته الاميركان واليهود، مظهرا وجهه القبيح; وجه الشرطي الاجير المتفاني في خدمة المحتلين اعداء الامة المسلمة.

و ـ واذا كان هدفنا هو التغيير الشامل، واذا كان طريقنا ـ كما بين لنا القرآن وكما علمنا تاريخنا ـ طريقاً طويلاً من الجهاد والتضحيات، فعلينا الا نيأس من تكرار الضربات ومن تعدد النكبات، وألا نلقي السلاح مهما واجهنا من خسائر وتضحيات.

ولنعلم ان الدول لا تسقط فجأة ولكنها تسقط بالمدافعة والمغالبة.

* نقل المعركة إلى العدو

ز ـ ولا بد للحركة الاسلامية وطليعتها الجهادية، بل لا بد للأمة الاسلامية كلها من ان تدخل اكابر المجرمين: اميركا وروسيا واسرائيل في المعركة، ولا تتركهم يديرون المعركة ـ بين الحركة الجهادية وحكوماتنا ـ من بعد وهم سالمون، بل يجب عليهم ان يدفعوا ـ ويدفعوا غاليا.

ان السادة في واشنطن وتل أبيب يستخدمون الانظمة لتحمي مصالحهم ولتخوض بدلا عنهم المعركة ضد المسلمين، فاذا وصلت شظايا المعركة الى بيوتهم واجسادهم فحينئذ سيتبادلون الاتهامات مع عملائهم عمن المقصر في دوره؟ وسيكونون حينئذ بين خيارين ـ احلاهما مر ـ إما ان يخوضوا المعركة بأنفسهم ضد المسلمين لتتحول المعركة الى جهاد واضح ضد الكفار، وإما ان يبدأوا في مراجعة خطتهم من جديد بعد ان يسلموا بفشل المواجهة العنيفة الغاشمة ضد المسلمين.

لذلك علينا ان ننقل المعركة الى ارض العدو حتى تحترق ايدي من يشعلون النار في بلادنا.

ح ـ لا يمكن خوض الصراع من اجل اقامة الدولة المسلمة على انه صراع اقليمي: فقد اتضح مما سبق ان التحالف الصليبي ـ اليهودي بزعامة اميركا لن يسمح لأية قوة مسلمة بالوصول للحكم في أي من بلاد المسلمين، وانه سيحشد كل طاقاته لضربها وازالتها من الحكم ان تمكنت من الوصول، وأنه تحقيقا لذلك سيفتح عليها ميدانا للمعركة يشمل العالم كله، بل سيفرض على كل من يساعدها العقوبات، هذا ان لم يشن عليهم الحرب، ولذلك فاننا تكيفا مع هذا الوضع الجديد، يجب ان نعد انفسنا لمعركة لا تقتصر على اقليم واحد بل تشمل العدو الداخلي المرتد والعدو الخارجي الصليبي ـ اليهودي.

ط ـ لا يمكن تأجيل الصراع مع العدو الخارجي: ويتضح مما سبق ان التحالف اليهودي ـ الصليبي لن يمهلنا حتى نهزم العدو الداخلي ثم نعلن الجهاد عليه بعد ذلك، بل ان الاميركان واليهود وحلفاءهم موجودون الآن بقواتهم كما اشرنا من قبل.

ى ـ التوحيد امام العدو الواحد: ولا بد للحركة الجهادية ان تدرك ان نصف الطريق الى النصر تبلغه بوحدتها واتحادها وارتفاعها عن الصغائر، وبانكار الذات وتعظيم مصالح الاسلام على نزعات النفوس.

ولعله قد اتضح الآن اكثر من أي وقت مضى اهمية الوحدة للحركة الاسلامية المجاهدة. ان على هذه الوحدة ان تبني وحدتها بأسرع ما يمكن اذا كانت جادة في السعي للنصر.

ك ـ الالتفاف حول الدول المجاهدة وتأييدها: لا شك ان دعم ومساندة افغانستان والشيشان والدفاع عنهما باليد واللسان. والرأي هو واجب الوقت، لأنهما رأسمال الاسلام في هذا الزمان، والحملة الصليبية ـ اليهودية قد توحدت كما رأينا لسحقهما، الا اننا يجب ألا نكتفي بالمحافظة عليهما فقط، بل يجب ان نسعى لنقل ميدان المعركة الى قلب العالم الاسلامي الذي يمثل ميدان المعركة الحقيقي ومسرح المعارك الكبرى دفاعا عن الاسلام.

وفي هذا الصدد فان هاتين القلعتين الصامدتين قد لا تساعداننا كثيرا نظرا لظروف كثيرة وضغوط هائلة وضعف ظاهر، ولذا يجب ان نحل هذه المشكلة بأنفسنا بعيدا عن تعريضهما للضغط والضرب، وقد تكون هذه من معضلات الحركة الجهادية، ولكن حلها ليس مستحيلا، بل هو على صعوبته ممكن بعون الله «ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب».

* اختيار الأهداف والتركيز على العمليات الاستشهادية

ل ـ تغيير أسلوب النكاية والضرب: على الحركة الاسلامية المجاهدة ان تصعد من اساليب ضربها ووسائل مقاومتها لأعدائها لكي تقابل الزيادة الهائلة في حجم اعدائها وفي نوعية اسلحتهم وفي قدراتهم التدميرية وفي استهانتهم بكل المحرمات وتناسيهم حتى لأعراف الحروب والصراعات، ونحن هنا نركز على ما يأتي:

(1) الحرص على إحداث أكبر خسائر في الخصم وإنزال أضخم إصابات في افراده، فهذه هي اللغة التي يفهمها الغرب مهما تكلف اعداد مثل هذه العمليات من جهد ووقت.

(2) التركيز على اسلوب العمليات الاستشهادية بوصفها أنجح الاساليب في النكاية في الخصم، وأقلها خسائر للمجاهدين.

(3) يجب اختيار الاهداف ونوع ووسيلة السلاح بحيث تؤثر على مفاصل بنيان العدو، وتردعه ردعا يكفه عن بطشه واستكباره واستهانته بكل المحرمات والاعراف، ويعود بالصراع الى حجمه الحقيقي.

(4) تأكيدا على ما سبق شرحه نعود فنؤكد على ان الاقتصار على العدو الداخلي فقط لن يجدي في هذه المرحلة.

م ـ المعركة معركة كل مسلم: والامر الهام الذي يجب ان نؤكد عليه هو ان هذه المعركة ـ التي يجب ان نخوضها دفاعا عن عقيدتنا وأمتنا المسلمة ومقدساتنا وحرماتنا وأعراضنا وشرفنا وقيمنا وثرواتنا ومقدراتنا ـ هي معركة كل مسلم صغيرا كان او كبيرا شابا او شيخا. وهي معركة تتسع لتمس كل منا في عمله وبيته واولاده وكرامته.

ان الجماهير لكي تتحرك تحتاج الى:

(1) قيادة تثق بها وتقتدي بها وتفهم خطابها.

(2) وتحتاج الى عدو واضح توضح له ضرباتها.

(3) وتحتاج الى كسر قيد الخوف واغلال العجز في نفوسها.

وهذه الاحتياجات تظهر لنا الاثر الخطير لما يسمى بمبادرة وقف العنف وامثالها من الدعوات في تشويه صورة القيادة وارجاع الامة الى سجن العجز والخوف.

ولكي تتضح هذه الخطورة فلنسأل انفسنا سؤالا: ماذا سنروي للجيل القادم عن مآثرنا؟

هل سنقول لهم اننا قد حملنا السلاح ضد اعدائنا ثم القيناه وطلبنا منهم ان يتجاوبوا مع استسلامنا؟

اي قيمة جهادية يمكن ان يستفيد منها ذلك الجيل من تلك السيرة؟

س ـ لابد من إيصال كلامنا الى جماهير الامة وكسر الحصار الاعلامي المفروض على الحركة الجهادية، وهذه معركة مستقلة يجب ان نخوضها جنبا الى جنب مع المعركة العسكرية.

ان تحرير الامة المسلمة ومنازلة اعداء الاسلام وجهادهم لا بد له من سلطة مسلمة ـ فوق ارض مسلمة ـ ترفع راية الجهاد وتجمع المسلمين حولها. وبدون تحقيق هذا الهدف ستظل اعمالنا مجرد عمليات ازعاج متكررة لا تؤتي ثمرتها المنشودة; اعادة الخلافة وطرد الغزاة عن ديار الاسلام.

ان هذا الهدف يجب ان يكون الهدف الاساسي للحركة الجهادية الاسلامية مهما تكلف من تضحيات، ومهما استغرق من وقت، ومهما تكبدنا في سبيله.

الشعب اراد الحياة و القيد انكسر

رابط هذا التعليق
شارك

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة
×
×
  • أضف...