اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

جولة في ربوع الوطن الجميل " جزيرة تنيس "


محمد عبده العباسي

Recommended Posts

تنيس

تنيس مدينة من مدن مصر القديمة تقع في الناحية الشرقية متاخمة لمدينة بيلوز ( الفرما ) ..

هي الآن جزيرة صغيرة تقع في وسط بحيرة المنزلة التي كانت تدعى من قبل بحيرة تنيس ،وأول من أطلق عليها اسم بحيرة المنزلة هو خليل الظاهري كما ورد في كتاب " على ضفاف بحيرات مصر ـ الجزء الأول" أما المسعودي في كتابه "مروج الذهب" يقول :

" قبيل القرن الثالث الميلادي لم تكن توجد في هذه المنطقة أية بحيرات فقد كانت أرضاً زراعية لم يكن في مصر بأسرها مايضارعها من استواء وتربة طيبة ، وبها من الجنات والنخيل والكروم والشجر والزرع مالا يضاهيها ، حيث كان مائها يتحدر فيها دونما انقطاع في الصيف أو في الشتاء ، يصب هذا الماء في البحر من عند موضع يسمي " أشتوم الجميل " ..

في القرن السادس الميلادي ضرب زلزال المنطقة التي تقع فيها مدينة تنيس ، طغي ماء البحر علي الأراضي الواطئة المحيطة بها بينما بقيت تنيس و بعض الجزر العالية.

وجاء في كتاب " فتح العرب لمصر " لمؤلفه د. الفريد . ج . بتلر وترجمة محمد فريد أبو حديد ، بأن اسم تنيس كما يزعم المؤرخ "كاترمير"مشتق من اللفظ اليوناني " نيسوس " ومعناها الجزيرة وقد أضيف في أوله علامة التعريف " تي " القبطية للمؤنث فإذا صح ذلك كان لابد من أن تلك البلاد غمرت بالمياه منذ زمن بعيد قبيل القرن السادس ، ويرجح المؤلف هذه بقوله "بأن (كاسيان ) وكان في مصر سنة ( 390 - 397م ) يقول على وجه اليقين بأن Thinnesus تنيس جزيرة يحيط بها من جميع جهاتها بحر أو بحيرات ملحة حتى أن أهلها كانوا يعتمدون كل الاعتماد على البحر في الانتقال من مكان إلى مكان ، وكانوا يأتون بالطين في السفن إذا أرادوا أن يوسعوا أرضاً ليبنوا عليها بناء".

ويقول " كاترمير" أن مساحة المدينة كانت ميلاً مربعاً فقط ، وهذا في الواقع من الأخطاء ، فقد حدث وأن دُمرت تنيس بأسرها في سنة 624من الهجرة ، ولم يتبق منها سوي بعض الأطلال ، وجزيرة تنيس لم تزل حتي الآن قائمة ولا تزال توجد بها آثاراً قديمة ..

كانت تنيس تسمي " بغداد الصغري " وهي تقع في الجنوب الغربي من مدينة بورسعيد علي بُعد مسافة تسعة كيلومترات ، ومن جهة أخري يذكر المقريزي بأن جزيرة تنيس يرجع اسمها إلي اسم تنيس بن حام بن نوح وقد بناها أحد ملوك الأقباط وكان بها مائة باب ولكبرها وعظمتها وهي من أكثر المدن المنتجة للحرير .

وفي كتاب " مناظرات يوحنا كاسيان مع آباء البرية " جاء في وصفه للبرية التي كانت بها تنيس بأنها كانت قبلاً أغنى منطقة وكما يقال أن مائدة الملك كانت تعد من منتجاتها ،وأن هذه الأرض طغى عليها البحر وصارت خراباً ثم تحولت إلى مستنقعات مالحة حتى ليكاد من يراها يظن أنها هي التي قيل عنها في المزامير " سيجعل الأنهار قفاراً و مجاري المياه متعطشة والأرض المثمرة سغبة " ( مز 107 : 23 , 24).

و يستطرد " في هذه البقاع دمرت مدن كثيرة وهجرها أهلها وتحولت إلى جزائر وصارت مسكناً لراغبي الوحدة " العزلةمن النساك القديسين" ومضى يصف من بينهم ثلاثة رجال تقدموا في السن حيث قال عن أحدهم " انه جاوز المائة من عمره وانحني ظهره بعامل الزمن مع دأبه في صلاة دائمة ، كان يبدو وكأنه قد عاد لطفولته مرة أخرى وهو يزحف بيديه اللتين تدليتا لأسفل وهما تكادان أن تلامسان الأرض.

سأله يوحنا كاسيان بأن يقول له كلمة ويعرفه بالتعاليم ، تنهد الناسك بعمق وكان مما قاله :

" أي تعاليم يمكنني أن أعلمها لكم ، وأنا قد وهن العظم مني وأنا في سن وضعف ؟".

وجاء عن تنيس في كتاب فتح العرب لمصر حيث يقول " وكانت الأرض التي تغطيها مياه بحيرة المنزلة إلى ما قبل الفتح العربي بقرن واحد لا يضارعها في بلاد مصر كلها أرض أخرى في جودتها وخصبها وغناها إلا إذا قلت بلاد الفيوم فقد تكون مساوية لها ، كانت أرضها ترويها ترع لا تنضب مياهها تأتى من النيل ، فكانت تنبت نباتا يانعاً من القمح والنخيل والأعناب وسائر الشجر .

غير أن البحر طغى عليها فأقتحم ما كان يحجزه من كثبان رملية، كانت المياه يزيد طغيانها عاماً بعد عام حتى عمت السهل الوطئ كله ،ولم يبق فوق بعضها إلا عدداً من الجزائر بعد أن أكلت المياه ما كان هناك من حقول و قرى فلم ينجى منها إلا ما كان عالياً لا تناله المياه .

وأعظم ما نجا من قرى تلك الأرض مدينة تنيس الشهيرة وكانت مدينة لها شئ من الإتساع والكبر وكانت ذات بناء جميل تجود بها صناعة المنسوجات الرقيقة ، وكانت في البحيرة التي تخلفت مدائن أخري اشتهرت ببراعة صناعتها في النسيج مثل طونة ـ دميرةـ دبيق ، ولكن لم تبلغ واحدة مبلغ ماوصلته تنيس ، إذ كانت تضارع دمياط وشطا في دقة منسوجاتها وجودة أنواعها فما كان في البلاد كلها غير تنيس ودمياط وشطا مايستطيع أن يخرج ثوباً من الكتان يبلغ ثمنه مائة دينار .

ويذكرالمسعودى في تاريخه أن ثوباً صنع هناك للخليفة من عرض واحد بلغ ثمنه ألف دينار وكان مصنوعاً من خيوط الذهب مخلوطة باليسير من دقيق الكتان" خيوطه ". وقد ورد في الأخبار كذلك أن تجارة كانت بين تنيس وبين العراق وحده بلغت مابين عشرين ألف دينارإلي ثلاثين ألف دينار في السنة الواحدة ، كانت ذلك قبل أن تُفرض عليها الضرائب الفادحة .

كانت تنيس جزيرة فسيحة وكانت تصل إليها من الجنوب ترعة اسمها بحر الروم ، ولعلها كانت بقية فرع النيل التنيسي الذي كان يصل إلي الصالحية أو علي الأقل بينها وبين " الطينة " وهي ثغر الفرما علي ساحل البحر.

وقيل أن تنيس كان لا يزال بها إلي القرن العاشر آثاراً قديمة ، كان بها من المساجد وعدتها مائة وستون ، تزين كل واحد منها مئذنة عالية ، وكان بها من الكنائس اثنتان وسبعون كنيسة ، وكان بها من الحمامات ستة وثلاثون حماماً ..

كانت تنيس محصنة بأسوار وبها عدد تسعة عشر باباً مصفحة بالحديد الثقيل ، وقيل أن الموتي في الجزائر الأخري كانت تحمل لتدفن في تنيس ، ويبدو أنها كان يتم تحنيطها هناك .

زارها بعد ذلك بقرن الرحالة الفارسي ناصري خسرو في عام 1047 للميلاد فعجب مما رآه من ثرائها ورواج أسواقها فهو يذكر أنه كان بها عشرة آلاف متجر وخمسين ألفا من الناس وكانت في جزيرتها مراسى تكفي ألف سفينة ولم يكن بها شئ من الزرع بل كانت تعتمد في كل أقواتها على تجارتها .

وكان النيل إذا علا وفاض يطرد ما حول الجزيرة من مياه البحر المالح وملأ بالماء العذب ما كان فيها من الصهاريج ومخازن المياه الدفينة في الأرض وكانت تلك المياه كافية لشرب الناس طول الحول.

وقد بلغت منسوجات القطن البديعة ذات الألوان شأناً عظيماً لم تبلغه في وقت من الأوقات، فكان للسلطان مناسج خاصة تنسج فيها الأثواب له وحده .

كان الثوب لعمامته تبلغ نفقته أربعة آلاف دينار ، ولكن الأثواب التي كانت تصنع للسلطان لم تكن مما يعرض في الأسواق .

وقد طلب إمبراطور الروم أن يأخذ تنيس ويعوض عنها بمائة مدينة من مدائن دولته ولكنه لم يجب إلي ذلك .

كان مما يصنع في في تلك المدينة سوي هذه الأثواب الملكية نوعاً من الأثواب اسمه " بو قلمون " وكان الحرير المتغير اللون حيث كانت لمعته زاهية حتي قيل أنه كان يبدو في ألوان متغيرة في كل ساعة من ساعات النهار.

وكانت صناعة السلاح المتخذ من الصلب من الصناعات التي كانت تبلغ في تنيس مبلغ منسوجاتها وكانت على ذلك مدينة من أعجب المدائن وأعظمها شأناً.

ويروي في القصص أن حاكم تنيس كان وقت الفتح الإسلامي لمصر كان رجلاً من العرب النصاري واسمه " أبو طور" وأنه خرج لقتال المسلمين علي رأس عشرين ألف من القبط والروم والعرب ، فلقيهم في سيرهم إلي تنيس بعد أن فتحوا دمياط فناجزهم في مواطن كثيرة قبل أن يظفر العرب ويهزموا جيشه ويأخذونه أسيراً ، ومنذ تم لهم ذلك فتحوا المدينة وغنموا أموالها وقسموها ثم ساروا إلي الفرما .

كانت جزيرة تنيس مكشوفة للغزو من جهة البحر عليها أنها كانت محصنة فيها رباط قوي ، وأمر صلاح الدين الأيوبي بإخلائها عام 1192م ثم جاء من بعده الملك الكامل عام 1227م فهدم حصونها وأسوارها حتي تركها أطلالاً .

ويذكر المقريزي في الخطط عن مدينة شطا بأنها تقع بين تنيس ودمياط وأن اسمها يرجع لرجل اسمه " شطا بن الهموك " وهذا الاشتقاق ليس له أي أثر من الصحة .

وتذكر القصة بأن العرلاب حين حاصروا دمياط وفتحوها خرج إليهم حاكمها شطا ومعه ألفان من الناس فأظهر إسلامه ، وكان قبلها عاكفاً علي درسه والنظر فيه زمناً طويلاً ، ثم أن الرجل لملا رأي أن العرب أبطأ عليهم فتح تنيس جمع جيشاً من البرلس ودميرة وأشمون وطناح ، وجهزه ولحق بإمداد المسلمين الذين بعث بهم عمرو بن العاص ثم سار حتي إلتقي بالعدو وأظهر من الشجاعة وحسن البلاء مايظهره الأبطال وقتل بيده اثني عشر رجلاً من فرسان أهل تنيس وشجعانهم وظل يقاتل حتي قًتل في ذلك اليوم ودُفن في ظاهر المدينة ..

أما عن خرابها وتدميرها يقول اللواء عبد المنصف محمود بعد ما ذكر الكثير من تاريخ تنيس ما يأتي بنصه:" ولكن العرب لم يجدوا ما يحبب لهم المقام في هذه المدينة وأشباهها من الجزائر التي كانت وسط البحيرة فبقيت إلى أن قضي عليها وزالت أخبارها".

وذكر المسعودي أن " بحيرتها الآن يصطاد منها السمك وهي قليلة العمق يسار فيها بالمعادي " المعديات " ، ووسط البحيرة عدة جزائر تعرف اليوم بالعزب " المراحات " ويسكنها طائفة من الصيادين.

رابط هذا التعليق
شارك

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة
×
×
  • أضف...