اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

محمد الجوهري عامر " من رجالات التعليم في مصر "


محمد عبده العباسي

Recommended Posts

محمدالجوهري عامر

من رجالات التعليم في مصر

هناك الكثير من الرجال في مصر لم ينالوا حظهم من التكريم ، بل وانطوت صفحات حياتهم طي النسيان دون أن يكون لهم من الذكري مكاناً سوي بين بعض المعاصرين لهم ..

من هؤلاء الرجال الذين يستحقون أن نحييهم وأن نرفع لهم قبعاتنا تكريماً لهم ، هذا الرجل ..

هوالمربي الفاضل محمد الجوهري عامر الذي أدي من جليل الأعمال علي مدي سنوات عمره في خدمة التعليم ورجاله مايستحق الذكر والتكريم ..

كان محمد الجوهري من الرجال الذين شاركوا في وضع حجر الأساس لأول نقابة للمعلمين في مصر تعمل علي تحقيق أحلامهم وآمالهم وتدافع عن مصالحهم .

ولد محمد الجوهري عامر في قرية كفر عليم مركز بركة السبع بمحافظة المنوفية في العام 1901م ، وأتم حفظ القرآن الكريم في " الكُتاب" وهو في سن التاسعة من عمره وأتقن القراءة والكتابة والحساب فألحقه أبوه بالمعهد الأحمدي في طنطا وما أن انتهي من الدراسة فيه حتي وجد نفسه واقع بين خيارين فإما أن يكمل دراسته ويلتحق بالأزهر الشريف أو يدخل مدرسة المعلمين العليا ..

ووجد نفسه تهفو إلي الأخيرة ، وكانت تلك هي البداية والخطوة الأولي ليحمل مثل هذا الرجل فوق كاهله هموم كل معلم مصري في تلك الأونة ..

تخرج الجوهري عامر في العام 1919 م ونظراً لتفوقه علي أقرانه جميعاً رأت محافظة الغربية تعيينه علي الفور معلماً بأحد مدارسها براتب شهري بلغ أربعة جنيهات في الوقت الذي كان زملاؤه يعينون بعد وقت براتب لا يزيد عن 150 قرشاً في الشهر ..

في تلك الفترة كانت الحكومات المتعاقبة تتعامل مع الموظفين فيها بأسلوب يدعو إلي العجب بل وإلي الرثاء ، ووجد التعليم الإلزامي ـ الذي كان أستاذنا الجوهري أحد رجالاته ـ يعاني من الإهمال الشديد ويأخذ طريقه نحو الإنحدار بسبب السياسة التي دعت إلي الحكومة إلغاء المصروفات دون تقديم أي دعم للمدارس أوللعاملين فيها ..

ومن هنا بدأ التفكير في العمل علي إصلاح أحوال المعلم ، وعلي الفور بزغت فكرة إنشاء إتحاد يحمل رأية العمل النقابي ..

وفي العام 1929 م برزت شخصيات قيادية من بينها صاحب هذه السيرة ومعه الشيخ رمضان يوسف وهو معلم من صعيد مصر اتسم بروح وثابة وقلب جرئ ، وكان يؤمن إيماناً تاماً برسالة المعلم وأنه لا سبيل لرفع شأنه سوي اتحاد كلمة المعلمين تحت لواء واحد في كافة ربوع مصر ..

وبالفعل بدأ السعي لأول تجمع للمعلمين ولكن العقبة الكاداء التي واجهت هذا الجمع هو مكان انعقاد الإجتماع الذي ضم ممثلين من رجالات التعليم الإلزامي علي مستوي مصر ملبين علي الفورالنداء ..

ولكن صديقاً للشيخ يوسف ـ هو السيد أحمد أبو السعود التاجر بخان الخليلي ـ قام بحل المشكلة وأعلن عن ترحيبه بعقد الإجتماع في وكالته ، وكان ذلك صباح يوم الجمعة التاسع من فبراير عام 1929م .

وفي مقاله عن الأستاذ محمد الجوهري عامر يحكي الأستاذ عوض الله عثمان في كتاب " الخالدون ـ الجزء الأول " الذي أصدرته نقابة المعلمين عام 1981م في مناسبة احتفالها باليوبيل الفضي علي ميلادها أنه في أثناء إجراء الإنتخابات اعتلي المنصة أحد ممثلي المعلمين وراح يهدر بصوته في خطبة عصماء نال علي أثرها أعلي نسبة من الأصوات مؤيدة إياه ، ولم ينته من الأمر حتي وجد نفسه مدعواً لمقابلة مأمور قسم شرطة الجمالية الذي سأله عن أسباب الإجتماع الذي لم يحصل علي تصريح من السلطات بإنعقاده ، بل وعنّف المأمور الرجل ، الذي عاد لمكان الاجتماع وانكب علي المنصة يكتب ورقة تحمل استقالته ..

وتم انتخاب أول مجلس لإتحاد المعلمين الإلزاميين "نواة نقابة المعلمين " برئاسة الشيخ رمضان يوسف والأستاذ محمد الجوهري عامر والشيخ محمد عيسي موسي وكيلين والأستاذ سلطان سلام سكرتيراً والأستاذ عبد الوهاب عويس أميناً للصندوق والأستاذ أحمد بسيوني رئيساً للهيئة التنفيذية.

ولم تقف الحكومة مكتوفة الأيدي أمام هذه الخطوة ، بل سعت بقضها وقضيضها لهدم هذا الصرح ووأد فكرته وهي لم تزل في بكريات التكوين ، فاستخدمت الحكومة المصرية التي يترأسها صدقي باشا كل إمكانياتها لإلحاق الضرر بتلك الفئة التي رفعت اللواء عالياً ، فقامت بالتنكيل بهؤلاء الرجال ومن تبعهم وأمرت بالعمل علي تشتيتهم في المناطق النائية ..

لم يفت هذا الأمر من عضد الرجال الذين أرسوا قواعد بناء تلك النقابة ووضعوا لبناتها الأولي والتي تعد أقدم نقابة مهنية في مصر..

في تلك الأونة بدأ التفكير في إصدار أول صحيفة للمعلمين الإلزاميين ووقع الإختيار علي الشيخ محمد حسن الفقي المفتش العام بوزارة المعارف ليترأس تحريرها فكان بمثابة العميد ومعه الصحفي عزيز طلحة ، وصدر العدد الأول في مطلع عام 1930م.

وتوالت أعداد صحيفة المعلم رصينة وقوية وجذابة ، واستقطبت أقلام العديد من رجال الدين والسياسة والفكروالأدب من أمثال الدكتور محمد حسين هيكل والشيخ يوسف الدجوي والدكتور يحيي أحمد الدرديري والشيخ طنطاوي جوهري وإبراهيم عبد القادر المازني والسيد محمد رشيد رضا وأحمد فؤاد الأهواني والشاعر محمد الخفيف وكامل كيلاني وحسين شفيق المصري والآنسة زينب الحكيم .

واستطاع إتحاد المعلمين وضع مشكلاتهم علي طاولة وزارة نسيم باشا رئيس الوزراء ـ وقتذاك ـ حيث طلعت الحكومة عبرالصحف بخبر إنشاء كادر خاص للمعلمين يقضي بمنح المعلم راتباً شهرياً قدره أربعة جنيهات شهرياً إضافة إلي مبلغ 25 قرشاً كعلاوة مرة كل سبع سنوات ليصل الراتب بعد ثماني وعشرين سنة إلي ستة جنيهات ، ووقتها انبري الكاتب الكبير عباس محمود العقاد مندداً تحت قبة البرلمان :

ـ إن النفس التي تبدأ حياتها بأربعة جنيهات وتختمها بستة جنيهات نفس وضيعة نربأ أن نقذف إليها بفلذات أكبادنا .

ورفض المعلمون استلام العلاوة حتي جاءت الطامة الكبري بحكومة صدقي ثانية وألغت قانون 1923 م ووضعت محله قانون 1930 م الذي جمد المرتبات بل وقام علي تخفيض رواتب المعلمين الجدد إلي ثلاثة جنيهات ، ولكن حكومة نسيم باشا التي عادت بالهلالي باشا وزيراً للمعارف فسعي في بحث أحوال التعليم ورجاله وقام بوضع أساليب العلاج .

وهنا تقدم اتحاد التعليم الإلزامي بمذكرات تناولت شئون المدارس عن طريق جعل التعليم إلزامياً من جانب وتوفير أماكن لائقة للدراسة ووضع خطط التدريس وتطوير مناهج التدريس وتنظيم سبل الإدارة وحدد مواعيد الإجازات المدرسية ووضع النظم الخاصة بالإمتحانات والعمل علي تثقيف الخريجين والإهتمام بشئون المعلمين .

وكان لهذه المذكرات أثرها البالغ في نفس الوزير الذي حمل علي عاتقه أول الأمر ضرورة إعادة المعلمين الذين تم نقلهم أوفصلهم تعسفياً إلي سابق أوضاعهم ..

ولم يمر غير وقت قصير حتي نشب خلاف بين الهلالي باشا ورئيس الإتحاد الشيخ رمضان يوسف حول أسلوب التعامل وحقوق المعلمين الإلزاميين وآثر الشيخ الإنسحاب ليتولي محمد الجوهري عامر مكانه .

وبحلول عام 1939 م اشتعلت أوار الحرب العالمية الثانية وساد الغلاء وزادت الأسعار بصورة مخيفة وبدأت حكومة النحاس باشا عام 1942م في وضع قانون " الإنصاف " لمعالجة أوضاع موظفي الدولة ولكن رجالات التعليم لم يجدوا في القانون الجديد ما يروي ظمأهم أو يشير من قريب أو بعيد إلي تحسين أوضاعهم من بعيد ..

لم يجد الأستاذ الجوهري عامر مناصاً سوي أن يعلن أمام الوزير المسئول عن أحقية المعلم الإلزامي في الإنصاف .

وكانت تلك هي البداية التي انتصر فيها الأستاذ الجوهري عامر لتلك الفئة التي عانت من الظلم المادي والمعنوي علي مدي سنوات طويلة حتي أصبحوا يعاملوا كباقي موظفي الدولة من الناحية المادية .

في هذه الفترة كانت صحيفة التعليم الإلزامي قد بدأ نورها يخبو وتحيط بها ظلال النسيان وتوقفت عن الصدور ، فما كان من الجوهري عامر إلا أن شد من أزر الجميع وهب منادياً بضروروة إنشاء صحيفة تعبر عن آمال المعلم وأحلامه ، ومن هنا ولدت صحيفة تحمل اسم " المعلم الأول " وصدر عددها الأول عام 1951 فاستقبلتها جموع المعلمين بكثير من الفرحة ونالت إستحسانهم وقد كتب عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين مقدمة رصينة في صدرصفحاتها تشيد بدور المعلم ، وكتب الأستاذ الجوهري عامر مقالاً رائعاً بليغاً .

وفي نفس العام استجابت الحكومة لرغبة المعلمين في إنشاء أقسام للدراسات التكميلية وأسست شعبة العلوم العامة وكانت مدة الدراسة فيها ثلاث سنوات ، وقامت علي إنشاء صندوق الإدخار الذي يمول من خصم نسبة من راتب كل معلم إلزامي ليتم الصرف منه علي من تقاعد منهم أو أصابه العجز الكلي .

وبسبب تفشي حالة الأمية قبيل ثورة يوليو 1952 بين جموع الشعب بدأ الأستاذ الجوهري أولي خطواته للقضاء علي تلك الآفة التي استشرت ، وانعقد بالقاهرة مؤتمر التعليم الإلزامي بالإشتراك مع منظمة اليونسكو حيث ترأس الجوهري عامر وفد مصر وقدم أوراق عمل حملت العديد من الآراء والمقتراحات في هذا المجال .

وتعد تلك الخطوة من مناقب الجوهري عامر الذي كان يعمل دون كلل أو ملل ، بل وسعي للمناداة بمنح المعلمين حق تعليم أبنائهم بالمجان كنوع من التكريم حيث أنهم أصحاب اليد الطولي في مجال رعاية النشء وتربيتهم .

وفي يوم 18فبراير عام 1955م كان الموعد الحقيقي لميلاد أول جمعية عمومية لنقابة المعلمين وتمت انتخاباتها وسط أجواء ديمقراطية وبنسبة حضور لا تقل عن 93 بالمائة ..

وكانت تلك هي اللبنة الحقيقية لما هي عليه النقابة اليوم .

وما أن هل العام 1956 حتي بدأت الدعوة لإنشاء اتحاد للمعلمين العرب والذي عقد بمدينة الأسكندرية وحضرته وفود من الأردن وتونس والجزائر والمغرب واليمن والسعودية وسوريا والعراق والكويت وعمان ولبنان وليبيا ممثلة لأوطانها ، ولكن الظروف التي مرت بها مصر بسبب تأميم قناة السويس وما تبعه من عدوان قامت به إنجلترا وفرنسا وإسرائيل علي مصر حالت دون إنعقاده .

وفي صيف العام 1961 انعقد في لبنان المؤتمر الذي بدأ السعي لتكوينه من جديد ، ووضع علي رأس اهتماماته ضرورة العمل علي تشكيل اتحاد عام للمعلمين العرب ووضع الخطط اللأزمة لتطوير العملية التعليمية مع توفير كل الضمانات الإجتماعية للمعلمين .

وكان من نتائجه أن تم جمع كلمة المعلمين العرب وتوحيد صفوفهم ، ورفع مستوي المعلمين وتطوير نظام التعليم بتحقيق قدر مشترك من المعرفة وتبادل الخبرات ودعم وسائل التثقيف والإعتداد باللغة العربية ، ودعا الأعضاء إلي ضرورة انعقاد مثل هذا المؤتمر مرة كل عامين وكان الجوهري عامر أحد ممثلي مصر في هذه المؤتمرات .

وفي أغسطس من العام 1968 وأثناء انشغال الجوهري عامرفي أعمال مؤتمر اتحاد المعلمين العرب الخامس المنعقد في العاصمة السورية دمشق شعر الأستاذ الكبير بآلام شديدة في أذنه اليمني تحملها في صبر وجلد ثم عاد للقاهرة حيث أجريت له عملية جراحية زادت من آلامه مما حدا به للسفر إلي باريس لإستكمال علاجه فيها ..

ولكن يد القدر سبقت وانتقلت روح محمد الجوهري عامر إلي رحاب ربها راضية مرضية بعد أن أدت دورها بكل شرف وأمانة في أول مايو 1968م .

وانطوت صفحة ناصعة من حياة رجل من رجالات التعليم في مصر بعد أن ضرب المثل الأعلي في العمل النقابي بحيدة ونزاهة وقدم الكثير من الخدمات لنقابة المعلمين وساعد علي تطوير التعليم والرفع من شأنه والدفاع عن رجالاته ..

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

محمد عبده العباسي

بورسعيد / مصر

رابط هذا التعليق
شارك

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة
×
×
  • أضف...