اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

في رفض شعاري: "الإسلام هو الحل" و"الحل الإسلامي" د. معتز بالله عبد الفتاح


Ahmad Foaad

Recommended Posts

في رفض شعاري: "الإسلام هو الحل" و"الحل الإسلامي"

د. معتز بالله عبد الفتاح

كلية الاقتصاد والعلوم السياسية

جامعة القاهرة

الوفد، 22 مايو 2007

www.aladl.net

في كل انتخابات سيظل مطروحا على الحياة السياسية والثقافية المصرية قضية رفع البعض، سواء من الإخوان أو غيرهم، لشعاري "الإسلام هو الحل" و"الحل الإسلامي." وهما شعاران مطروحان ليؤكدا على الهوية الإسلامية لرافعيهما ويؤكدا أيضا على تحدي المنطق السائد بين الأحزاب المدنية والمثقفين غير الإسلاميين، الذين يرون أن طرح هذا الشعار يخل بمبدأ تكافؤ الفرص بين القوى التي ترفع شعارات دينية وتلك التي لا ترى أن يستخدم الدين أو أن يطرح كواحد من أسهم جماعة أو قوة على حساب غيرها.

والغرض الأساسي لهذه المقالة أن نطرح موضوع شعار "الإسلام هو الحل" وقرينه "الحل الإسلامي" من منظور المعنى المباشر لهما وكيف يعكسان فكرا قد يدعو في ذاته إلى التخوف منه، رغما عن أننا كمسلمين في أغلبنا نرى في كلام الله وفي سنة نبيه (ص) كل معاني الإطمئنان. فالإسلام الذي هو أصلا ملاذ كل مسلم يتحول بهذا الشعار إلى مصدر من مصادر القلق والريبة. وفي الأمر تفصيل.

فيظن بعض المسلمين، بحكم مفارقة اعتزازهم بالإسلام وجهلهم به، أن هناك طريقة "إسلامية" لعلاج كل مشاكل المجتمع وكأن المسلم ليس إنسانا يخضع لما يخضع له غيره من البشر من قواعد وإنجازات. وعلى هذا يظن بعض هؤلاء أن هناك طريقة إسلامية للتحول الديمقراطي وهناك طريقة إسلامية لعلاج مشاكل التصحر والمجاعات والجريمة المنظمة وهناك تنمية بالإيمان وهناك حل حضاري إسلامي لكل مشاكل المسلمين. ومثل هذه الطريقة في التفكير تحوي الكثير من العاطفة أكثر مما تحمل من رؤية ناضجة لحاجات البشر للتفاعل والتعلم المتبادل.

نظريا أعتقد أن المسلم يستخدم لفظة "إسلامي" ليعني أمرا من ثلاثة. فهو إما يعني "إسلامي" أي ابتدعه الإسلام على غير مثال سابق، وهي دائرة شديدة الضيق لا تنهض بمصالح العباد. أو ثانيا "إسلامي" بمعنى أنه من فضائل الأعمال التي وجدت قبل الإسلام وحض الإسلام عليها وجعلها منه بالتوظيف دون الابتكار، وهي دائرة أوسع كثيرا من الدائرة الأولى. أو ثالثا "إسلامي" بمعنى أنه لا يتناقض مع ما هو قطعي الدلالة والثبوت من مباديء الإسلام، وهي دائرة أوسع من سابقتيها بل وينبغي أن تزداد اتساعا بحكم التطور الفكري والتكنولوجي الذي نعيشه.

المعنى الأول لـ"الإسلامي" أي الذي ابتدعه الإسلام على غير مثال سابق يحسر الإسلام حسرا معيبا يجعل من الإسلام دينا يرفض التكنولوجيا والتطور ومنجزات الحضارة المعاصرة بحكم أن الإسلام هو ما نطق به الشرع صراحة وما دون ذلك "خارج عن الإسلام متناقض معه". والمسلم العاقل يعلم أن أغلب ما جاء به الإسلام ليس من ابتكاره وإنما هو استمرار لما كان سابقا علي. فنحن نعلم مثلا أن الصيام كتب علينا كما كتب على الذين من قبلنا وكذا الصلاة والجهاد وتعدد الزوجات بشرط العدل معهن إلى آخره. حتى عقيدة التوحيد تنسب إلى آدم عليه السلام وتسمية الإسلام نفسها تنسب إلى أبينا إبراهيم الذي سمانا المسلمين من قبل. لكن لا شك مثلا أن هيئة الصلاة التي يصلي عليها المسلم وتفاصيل الوضوء والحج وحدود العقوبات الشريعة هذه كلها تفصيلات ابتدعها الإسلام على غير مثال سابق.

وقد رفض منطق حصر الإسلام والحل الإسلامي في حدود منطوق النص الديني من قرآن وسنة. فهذا الرسول الكريم يقول لأحد أصحابه: "وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تُنزلهم على حكم الله فلا تُنزلهم على حكم الله، ولكن أنزلهم على حكمك، فإنك لا تدري أتصيب فيهم حكم الله أم لا،" رواه مسلم.

إذن فأنت لا تدري حكم الله وحكم رسول الله في أمور الحكم والسياسة وإنما أنت تجتهد، ويجوز أن يكون اجتهادك متفقا مع صحيح الإسلام أو يتناقض معه بحكم أن البشر لا يستطيعون، إلا ظنا، أن يفقهوا عن الله مراده. فكيف يستطيع بشر أن ينسب لنفسه أنه يعرف "الحل الإسلامي" أو حدود الخروج عن الإسلام في أمور يغلب عليها الاجتهاد والمصلحة المرسلة؟

وهذا أبو الوفاء بن عقيل الحنبلي الذي عرف السياسة الشرعية على أنها "هي ما يكون فعلا معه الناس أقرب للصلاح وأبعد عن الفساد وإن لم يضعه الرسول أو ينزل به الوحي"، وقد رد عليه فقيه شافعي بقوله " لا سياسة إلا ما وافق الشرع" فقال له ابن عقيل " إن أردت بقولك ما وافق الشرع أي لم يخالف ما نطق به الشرع فصحيح، وإن أردت لا سياسة إلا ما نطق به الشرع فغلط وتغليط للصحابة فقد جرى من الخلفاء الراشدين ما لا يجحده عالم بالسنن". أي أنك إذا كنت تقصد أن الإسلام هو الحل بمعنى أن الحل هو ما نطق به الإسلام فغلط لأنه من المتوقع أن يأتي المسلمون بحلول لم تقل بها نصوص الشرع الشريف بل على العكس، وكما يقول ابن عقيل فإن الخلفاء الراشدين أتوا من المستحدثات ما لايمكن إنكاره مثل قتال ابي بكر للمرتدين رغما عن أنهم ينطقون الشهادتين عكس أمر الرسول بألا نقاتل من نطق بهما، وجمع عمر الناس في صلاة التهجد ونفيه نصر بن حجاج وتوزيع الأنفال على أساس ما جاء في آيات سورة الحشر رغما عن صراحة النص والعمل الملازم له بآيات سورة الآنفال على نحو ما فصلت في مقال سابق، وجمع عثمان الناس على مصحف واحد ولم يكن هذا على عهد الرسول الكريم، وتحريق علي للزنادقة في الأخاديد، رغما عن النهي باستخدام هذه العقوبة، بل في تجميع أقوال الرسول في كتب السنن رغما عن وجود حديث ينهي عن ذلك.

بيد أن الأغلبية الكاسحة من عقيدة الإسلام وآخلاقياته (آوامره ونواهيه) التي نصفها بأنها إسلامية هي واقع الأمر من الأخلاقيات التي وجدت قبلنا وحضنا الإسلام عليها وتكفي المقارنة بين الوصايا العشر والآيات 149-151 من سورة المائدة للتدليل على ذلك.

فكلتاهما نصتا صراحة على ألا نشرك بالله شيئا وبالوالدين إحسانا ولا نقتل أنفسنا ولا نقرب الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا نقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وألا نأكل مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأن نوفي الكيل والميزان بالقسط وألا نقول إلا بالعدل حتى لو تضرر منه ذوو القربى. ذلك وصانا به لعلنا نتقي ونتذكر ونعقل، كما جاء في القرآن الكريم. والأمر ليس ببعيد عن العقيدة التي جاءت نصا في أمر الله لنا بأن نؤمن بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى الأنبياء دون أن نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون ومن يبتغ غير الإسلام دينا، فلن يقبل منه وفقا لعقيدة المسلمين.

وعليه فإن مساحة ما ابتدعه الإسلام على غير مثال سابق ضيقة للغاية حتى في أمور المعاملات ولنأخذ مثلا مفهوم الشورى "الإسلامية" الذي يقدمه البعض كبديل عن الديمقراطية "المستوردة." فنحن نعلم بيقين أن قصي بن كلاب الجد الخامس للرسول محمد (ص) هو الذي أنشأ دار الندوة كي تتشاور قريش في شئونها. ونحن نعلم بيقين أيضا أن الرسول جاء على فترة من الرسل لقوم خلا فيهم نذير وبالتالي فلم تكن دار الندوة استجابة لتوجيه إيماني. كما نعلم أن بلقيس ملكة سبأ قبل أن تسلم مع سليمان لرب العالمين قررت ألا تقطع أمرا حتى يشهد (أي يشيرعليها) أهل الرأي في مملكتها. أي أن الشورى "الإسلامية" هي إسلامية بالحض والاستيعاب وليس بالابتداع والإنشاء. ولو عاش الرسول الكريم في غير زمانه أو عرف العرب الأولون آليات الديمقراطية الآثينية لربما ذكرها لنا القرآن أو مورست بتفصيل أكبر. وهذا ليس بغريب فكان المسلمون الآوائل يعلمون أنهم يهتدون بكتاب جامع ومنهج شامل يقول لهم "ما فرطنا في الكتاب من شيء" ويقول لهم أيضا "فأسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون" فلا تفهم الآية الأولى إلا في إطار فهم الثانية.

إن من يكتفي بالآية الأولى يفترض أن كتاب الله سيكون عند الكيمائيين كتابا في الكيمياء، وعند الرياضيين كتابا في الرياضة وهكذا. وهذا ليس بصحيح. فهو كتاب في العقيدة والآخلاقيات أساسا. وخلا هذين المجالين، فكل شيء يمكن أن يكون إسلاميا بسؤال أهل الذكر عن الفائدة والضررمن قبيل: "أحل لكم طعام الذين أوتو الكتاب." لذا "سم الله وكل مما يليك." لا فرق إن كنت تأكل ضأنا عربيا ممتلا باللحم أو بيتزا إيطالية طالما أنها تخلوا مما حرم الله كما قال الشيخ محمد الغزالي رحمة الله عليه. فالطعام في الحالتين "إسلامي" لأنه لا يتناقض مع ما هو قطعي الدلالة وقطعي الثبوت من الإسلام.

ومن هنا لم يتساءل المسلمون عن طريقة إسلامية في حفر الخندق بدلا من الطريقة الفارسية التي رواها سلمان الفاراسي. ولم يرفض المسلمون الأوئل ركوب الجمال لأنها ليست "إسلامية". ولم يبحثوا عن منهج آخر غير منهج الشورى الذي مارسه غير المسلمين من قبل. ذلك أن أي حل لأي مشكلة لا يتناقض مع العقيدة والأخلاق فهو من الإسلام.

ولهذا فقد قبل أبو حامد الغزالي، رغما عما عرف عنه من رفض للتفلسف، الحق المكتوب في كتب أهل الباطل طالما أنه لا يتناقض مع ثوابت الدين من عقيدة أو أخلاق. فهل نرفض ديمقراطية تضمن الحريات وتعدد مراكز صنع القرار والتداول السلمي للسلطة لأنها غير مذكورة بلفظها وتفصيلاتها في القرآن؟ الإجابة قطعا لا. إن أي خير يحقق العدل للناس هو من الإسلام حتى وإلم يأت به رسول أو ينطق به وحي كما قال ابن القيم رحمه الله. والله أعلم.

وعليه فإن الكون مفتوح لنا نحن المسلمين، "نأسلم" فيه ومنه ما جعله الله لا يتناقض مع ثوابت ديننا من عقيدة وأخلاق.

وبالتالي ليس صحيحا أن منطوق الإسلام هو الحل أوأن هناك حلا إسلاميا يقوم على النص. ولكن هناك حل إنساني يقبله الإسلام وبالتالي هو من الإسلام. وعلى هذا، فأنا أرفض على أساس ديني وفلسفي، وليس فقط سياسيا، رفع شعارات من قبيل "الإسلام هو الحل" أو "الحل الإسلامي." فالحل، أي حل لا يتناقض مع القرآن والسنة، إسلامي؛ أي أن ما يحل أي مشكلة نواجهها فهو من الإسلام، وعليه فقد يجري الحل الإسلامي على لسان شخص ليبرالي أو ماركسي أو ناصري. ألم يقل الرسول الكريم على قول "لبيد" (كل ما خلا الله باطل) أنه من خير ما نطق به الشعراء رغما عنه أنه لم يكن مسلما. فكل حل يكون معه الناس أقرب إلى الصلاح والعدل هو من الإسلام حتى وإن لم ينطق به الرسول العظيم أو جاء صراحة في القرآن الكريم.

تم تعديل بواسطة Ahmad Foaad
رابط هذا التعليق
شارك

  • بعد 5 سنة...

رايت هذا الموضوع امس في معرض تصفحي للموضوعات الموجودة في أرشيف محاورات المصريين لاسباب لم اتوصل اليها و ربما ترجع الى النظام السابق

ما سبق كان استهلالا لابد منه

الموضوع يتحدث بنظرة تحليلى في معنى تعبير إسلامي. و حل اسلامي. و الكاتب من رجال الحياة السياسية و الحياة الاكاديمية

ادعوكم بقراءة الموضوع كاطلالة. على نظرية الاسلام هو الحل

مواطنين لا متفرجين


رابط هذا التعليق
شارك

رايت هذا الموضوع امس في معرض تصفحي للموضوعات الموجودة في أرشيف محاورات المصريين لاسباب لم اتوصل اليها و ربما ترجع الى النظام السابق

ما سبق كان استهلالا لابد منه

الموضوع يتحدث بنظرة تحليلى في معنى تعبير إسلامي. و حل اسلامي. و الكاتب من رجال الحياة السياسية و الحياة الاكاديمية

ادعوكم بقراءة الموضوع كاطلالة. على نظرية الاسلام هو الحل

شعار الإسلام هو الحل هو مقولة صحيحة بذاتها ولكنها خاطئة بأيدي مستخدميها.

كيف آمن لشخص يدعي التقوى والورع وهو مجرد بشر تنفذ الى جنباته كل وساوس الشيطان فنرى منهم الكذاب والملفق والشتام ومن يمارس الرذيلة والزاني ومنهم المنافق والمداهن والسارق والمرتشي والمرائي إلى آخر القائمة السيئة في أخلاق البشر.

شعار الإسلام هو الحل او المسيحية هي الحل او اليهودية هي الحل لايصلح البشر لتطبيقها، ربما تكون الملائكة قادرة على ذلك.

أما البشر الذين يلهيهم التكاثر وتنخطف أبصارهم ببريق السلطة فلا يصلحون لذلك، ولذلك نطالبهم بأن لايسيسوا الدين ولايدينوا السياسة.

--

{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ}(11){اَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ}(12)وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ}(11)

new-egypt.gif

ذو العقل يشقى في النعيم بعقله *** وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم
***************
مشكلة العالم هي أن الحمقى والمتعصبين هم الأشد ثقة بأنفسهم ، والأكثر حكمة تملؤهم الشكوك (برتراند راسل)
***************
A nation that keeps one eye on the past is wise!A
A nation that keeps two eyes on the past is blind!A

***************

رابط القرآن كاملا بتلاوة الشيخ مصطفى إسماعيل برابط ثابت مع رابط للقراءة
***************
رابط
القرآن كاملا ترتيل وتجويد برابط ثابت مع رابط للقراءة
***************
رابط سلسلة كتب عالم المعرفة

رابط هذا التعليق
شارك

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة
×
×
  • أضف...