اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

موسيقى عروض الصوت والضوء


elbana

Recommended Posts

في مدينة أبوسمبل (حوالي 270كم) جنوب أسوان ، تعمل وزارة الاثار على افتتاح مشروع جديد للصوت والضوء ، وأود أن أنتهز هذه الفرصة لأتحدث عن أمر لم أتمكن من إثارته سابقاً ، ألا وهو الموسيقى المصاحبة لعروض الصوت والضوء المنتشرة في شتى الأماكن الأثرية بمصر المحروسة سواء في القاهرة ، أو الأقصر أو أسوان ، وأخيراً في أبوسمبل ، حيث قام بتاليف الموسيقى الخاصة بكل تلك العروض موسيقيين أوربيين من إيطاليا أو إليونان ودول أوربية مختلفة ، وإنني لأعجب بشدة من لجوءنا إلى موسيقيين غربيين للقيام بتلك المهمة التي أرى أننا أقدر الناس على أدائها ، كيف ترى وزارة الآثار والهئية العامة للصوت والضوء أن مؤلفي الموسيقى المصريين ليسوا أهلاً لوضع موسيقى تعبر عن تاريخ أجدادهم؟ ومن الذي قال أن العاملين في حقل التأليف الموسيقي عندنا ليسوا على قدم المساواة مع أولئك القادمين من أوربا؟ أنا لا أنكر مقدرة فناني أوربا الموسيقية وحرفيتهم العالية ، ولكني لا أستطيع أيضاً أن أبخس مؤلفي الموسيقى في مصر حقهم ، وخاصة في مجال التأليف الموسيقي الذي ظلم كثيراً لمصلحة الموسيقى التجارية التي تلقى رواجاً بين العامة ، وتدر أرباحاً طائلة لأصحاب شركات الإنتاج الغنائي ، ولكن كل هذا لا يعني أننا لا نملك مؤلفين موسيقيين ذوي قدرات لا ينكرها أحد ، وهم ابناء مدرسة أسسها سيد درويش منذ عقود وتطورت مفرداتها وأصبح لها روادها .

لماذا لم يتم تكليف عمر خيرت ومحمد نوح ، ومن قبلهم فؤاد الظاهري وعلي إسماعيل وغيرهم كثيرون بوضع موسيقى تغترف من الإحساس المصري الخالص ، وتتلفع بالعباءة الشرقية الأصيلة ، وتخرج للعالم في ثوب عالمي معاصر لا يقل روعة في مفرداته أو توزيعه عما قام بوضعه الموسيقيون الأجانب لعروض الصوت والضوء بمصر؟ بل إنني أذهب بعيداً فأؤكد أننا لو فرض ولم نجد في مصر من يستطيع القيام بهذا العمل _ وهذا لم يحدث ولن يحدث أبداً _ فإنه كان من الأكرم اللجوء إلى الأخوين رحباني في لبنان لأنهم أبناء حضارة عربية يشاركوننا اللغة والهم والحلم والإحساس والشجون ، وهم أقدر على التعبير عن تاريخنا المصري ، لماذا نستحي من موسيقانا وموسيقيينا؟ لماذا نخجل من أحد أهم مفردات حضارتنا؟ لماذا نتعهامل مع موسيقانا على أنها عورة يجب أن تستر ، بينما نجد أن هناك فنانين شباب مثل محمد منير استطاعوا أن يجذبوا أنظار الآخرين إلى ما نمتلك من تراث موسيقي نوبي شرقي أصيل ، وذلك انطلاقاً من قاعدة ثابتة وهي أننا لسنا أقل من الغرب في عالم الموسيقى ، فلربما استطاع الغرب أن يصوغ موسيقاه في قالب مميز ، ولربما حاز مؤلفوه شهرة واسعة ، ولكن هذا لا يعني أبداً أن موسيقيينا هم أقل من نظرائهم في الغرب ، كلا ، فالمسألة هنا مسألة إحساس وفن ، وقدرة على الإبداع ، وهذه كلها مفردات لا ينفرد بها مجتمع دون غيره أو حضارة دون سواها ، كلا ، فهناك فن في الهند وآسيا على مستوى رائع ، وكذلك في أفريقيا ، وأمريكا اللاتينية ، وبالتالي فمن العيب أن نلجأ إلى غيرنا ليتحدثوا عن تاريخنا نيابة عنا .

أعلم تماماً أن دول أوربا المطلة على البحر المتوسط وخاصة فرنسا وإليونان وإيطاليا على اطلاع كبير ودراية ممتازة بالحضارة والتاريخ المصريين ، وأن حضارات كل من إليونان وإيطاليا تفاعلت مع الحضارة الفرعونية بشكلل واضح وأن الموسيقيين القادمين من تلك البلاد يملكون قدرة على إتمام عمل من هذا النوع بقدرة عالية ، ولكن السؤال لماذا استبعدنا الموسيقيين المصريين من المنافسة؟ ، ولماذا لم نحاول إشراكهم في هذا الأمر أو إيكاله لهم بشكل كامل؟ لقد ظلم فنانونا ظلماً كبيراً حين أعرضت عنهم الدولة في أمر كهذا ، ويكفي أن نعرف أن موسيقى فيلم المهاجر لمحمد نوح كانت مثار إعجاب وإشادة من قبل كل من شاهد الفيلم في أنحاء العالم ، كما أن موسيقى عمر خيرت ملء الأسماع ولا تحتاج إلى تعريف ، وأعمال فؤاد الظاهري وعلي إسماعيل وأبوبكر خيرت (أول من وضع كونشرتو مصري حسب علمي) أيضاً لا تحتاج إلى تعريف .

إن الأمر في نظري يحتاج إلى إعادة نظر ، وإعادة تقييم لمؤلفي الموسيقى في مصر لكي ننزلهم المكانة التي يستحقون .

رابط هذا التعليق
شارك

تمتاز موسيقى علي اسماعيل بما يسمى (البناء الصرحي) حيث تميل موسيقاه إلى الشموخ ، وتشبه مؤلفاته الخطوط المعمارية الصرحية التي تتجه كلها إلى أعلى في عزة وإباء . ومع ذلك فهو قادر على وضع مؤلفات ذات طابع هادئ حالم ، وباستخدام آلات أقل حدة وأكثر رقة من النحاسيات التي تستخدم عادة للألحان الوطنية ، وموسيقى أغنية (حلاوة شمسنا) خير مثال للموسيقى الرقيقة الوادعة التي تتحدث _ دون الحاجة إلى كلمات _ عن جماليات وادينا بشمسه وظله وقمره ونخيله .

كما ظهرت براعة علي اسماعيل حين وزع اللحن الخصب للعبقري سيد درويش (زوروني كل سنة مرة) واستخدم تيمته كمكون أساسي للموسيقى التصويرية لفيلم (بين القصرين) بحيث تحولت أغنية (زوروني كل سنة مرة) من أغنية عاطفية إلى لحن وطني يهز القلوب ، تلك كانت مقدرة علي اسماعيل الرائعة على توظيف الآلات وإعادة توزيع الألحان بشكل يتفق والدراما التي تصاحبها تلك الألحان ، وينسجم والتأثير المراد إحداثه في نفس المستمع .

تلك المقدرة لم تغب عن محيطنا الموسيقي ، بل ما تزال شاخصة في مؤلفين كعمار الشريعي ، وعمر خيرت ، وكذا في أعمال مصطفى ناجي المايسترو المصري المعروف الذي وزع نشيد (الجهاد) ، ونشيد (دعاء الشرق) بأسلوب رائع ، كما تجلت تلك المقدرة في توزيع أعمال وطنية عديدة تتحدث عن مراحل تاريخنا النضالي وتعبرعن الانتكاسات ثم الانتصارات .. وهكذا ، وقد عرضت كل تلك الأعمال على شاشات التلفزيون في احتفاليات دار الأوبرا ، ورأينا فيها مزجاً بديعاً بين أداء التخت الشرقي ، والأوركستر الغربي ، وهو أمر عكس فهماً موسيقياً عالياً ، وقدرة لدى موسيقيينا _ الذين نثق في قدراتهم الخلاقة _ على الدمج الموسيقي دون إخلال ، ولا أنسى هنا المايسترو (سليم سحاب) الذي سعدت بحصوله على الجنسية المصرية ، فهو أحد القلائل القادرين على قيادة جموع المغنين (الكورال) مع التخت الشرقي ببراعة فائقة حتى أن الكورال يصل على يديه لدرجة من الانصهار تجعل السامع يظن أنه يستمع لشخص واحد فقط . كما لا أنسى المايسترو (يوسف السيسي) ، و(حسين جنيد) ، ولا الموسيقي الرائع (مدحت عاصم) ، و(كمال الطويل) و(عطية شرارة) ، وغيرهم ممن خدموا الموسيقى الشرقية وعملوا على نقل التراث الموسيقي من الآباء إلى الأبناء ، ذلك التراث الذي بات مهدداً بالنسيان والانكماش ، بعد أن قلت الفعاليات التي تعمل على ترويجه وإبقائه حياً في الأذهان .

إن الثقافة ليست هي العروض الراقصة التافهة التي تقدم بمناسبة وبدون مناسبة ، وليست تلك الأعمال التي يقوم بها محترفو سرقة الآذان ممن يقبضون أجوراً لا يستحقونها عن أعمال مكررة تمجد في شخص الحاكم في المناسبات الوطنية من نوعية (وعشان كده إحنا اخترناك) ، إن على وزارة الثقافة أن تبذل جهداً أكبر في الحفاظ على التراث الموسيقي المهدد بالإبادة على يديها وبالاتفاق غير المعلن مع وزارة الإعلام .

رابط هذا التعليق
شارك

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة
×
×
  • أضف...