اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

من التاريخ ... هل يكفى راتب حاكم مصر ليقيم أفراحا لأنجاله.... ؟


يحى الشاعر

Recommended Posts

سؤال من أيـــــــــام زمــــــــــــــــــــان .... لكى ننسى هذه الأيام

يحى الشاعر

هل يكفى راتب حاكم مصر ليقيم أفراحا لأنجاله.... ؟

أفراح الأنجال

فى أول خطاب للخديو اسماعيل بعد توليه عرش مصر عام 1863 قال " ......إنى موطن العزم حقا على تخصيص كل ما أوتيت من قدرة وإرادة على ترقية شئون القطر الملقاة على وتقاليد حكمه الى أن يتحقق الرخاء والاستقرار وبما أن أساس كل إدارة جيدة إنما هو الاقتصاد والنظام فى المالية فإنى سوف اجعلهما نبراساً فى كل أعمالى وأعمل على توطيد أركانهما بكل ما فى وسعى ولكى أقدم مثالا صادقا للجميع.. ودليلاً محسوساً على إرادتى هذه فإنى عزمت منذ الآن على ترك النهج الذى سار عليه أسلافى وتقرير مرتب ثابت لى لن أتجاوزه أبداً فأتمكن بذلك من تخصيص عموم ايرادات القطر لتنمية شئونه الزراعية وتحسينها...

كانت الكلمة التى ألقاها حاكم مصر الجديد الخديو اسماعيل آنذاك ذات دلالة واضحة على أن سلفه ممن سبقه فى حكم البلاد لم يجعل حداً فاصلاً واضحاً بين ذمته المالية الشخصية وذمة الأمة التى يحكمها وينصح ذلك من قوله فإنى عزمت من الآن على ترك النهج الذى سار عليه أسلافى وتقرير مرتب ثابت لى لن أتجاوزه أبدا...

ولأن النوايا الحسنة لا تكفى لإدارة شئون دولة خاصة بحجم وثقل الأمة المصرية.. فواقع الحال كذب ما تعهد به لسان خديو البلاد اسماعيل.. فما هى الا سنوات قليلة حتى ذابت تماما الحدود والخطوط الفاصلة بين ذمة حاكم البلاد والعباد الخديو اسماعيل وذمة خزانة المالية المصرية.

فهو ينفق مبلغ 6958 جنيها استرلينيا لشراء أطقم قهوة من الذهب المرصع بالماس، كما ينفق مبلغا قدره 39 ألف فرنك فرنسى لتوريد حديد لبناء سرايا أبنائه الأمراء حسين وحسن والأميرة فاطمة.

كما اصدر أوامره بتحمل المالية المصرية وخزانة البلاد ديونا على بعض أفراد أسرته!!

وأغلب الظن أن هذه الأموال أنفقها الخديو اسماعيل بطبيعة الحال دون أن يعلم عنها المصريون شيئاً.. فالأوامر تصدر والخزائن تفتح والأموال تنفق بأوامر خديوية كريمة ولا أحد يسأل ولا أحد يجيب!!

وبعد مرور 10 سنوات على ولاية الخديو اسماعيل صارت الأمور أكثر فجاجة.. والبذخ والاسراف من خزانة الدولة على حاجات خديو البلاد الشخصية أكثر علانية.. ربما تستر الانفاق البذخى للخديو قبل ذلك وراء مشروعات أقامها باسم تحديث البلاد ورقى العباد.. ولكن ما هى مصلحة البلاد والعباد فى أن تتحمل الدولة.. تكاليف أفراح أنجال الخديو؟!!

كان ذلك فى مطلع عام 1873 وتحديدا فى شهر يناير حين قرر الخديو اسماعيل ان يزوج أربعة من أبنائه معاً ثلاثة من الأمراء ومعهم أميرة والأمراء هم الأمير توفيق/ ولى عهد مصر والذى تولى العرش بعد ذلك حين تم عزل والده اسماعيل وفى عهده وقع الاحتلال الانجليزى لمصر والأمير الثانى كان الأمير حسين والذى تولى عرش مصر بعد ذلك باسم السلطان حسين كامل.

والأمير الثالث هو الأمير حسن الى جانب الأميرة فاطمة والتى ساهمت بعد ذلك فى مشروع انشاء الجامعة المصرية وتبرعت بأراضى ومجوهرات وحفظ لنا التاريخ سيرتها لما قدمت للتعليم فى مصر والذى انعكس بدوره على التعليم فى العالم العربى فيما بعد.

وصف أفراح الأنجال

انطلقت الاحتفالات فى المنطقة الواقعة بين قصور ملكية ثلاث هى قصر الوالدة باشا أم الخديو اسماعيل والمعروف بالقصر العالى والقصر الثانى هو سراى الجزيرة حيث يسعد الخديو اسماعيل بإقامة الحفلات والقصر الثالث هو قصر القبة حيث كان مقر اقامة ولى عهد

مصر والرجل الثانى فى البلاد الأمير توفيق وبين القصور الثلاثة أى من جاردن سيتى الى الزمالك الى القبة زينت شوارع القاهرة بالفوانيس والشموع والزينات وأقواس النصر فقلبت ليل القاهرة الى نهار وشارك الفنانون بثقلهم فى تلك المناسبة فأقيمت مسارح فى الهواء الطلق ومثل الممثلون أمام المارة دون مقابل وسارع المطربون ومعهم فرقهم الموسيقية بالعزف والغناء فى الشوارع وشهدت حفلات مطرب مصر الأول وقتها عبده الحامولى أعدادا ضخمة من المصريين ومدت الحبال لألعاب البهلونات وسط الناس وأما جهاز العريس ولى عهد مصر السعيد الأمير محمد توفيق وزوجته الأميرة أمينة هانم إلهامى والذى يطلق عليه فى المصادر التاريخية اسم الشوار يقول الكاتب إلياس الأيوبى فى كتابه عن عصر الخديو اسماعيل:

كان شوار الأميرة أمينة هانم زوجة ولى العهد أول ما خرج من ذلك النوع فسير به الى قصر القبة تخفره صفوف الفرسان بزى عربى بديع وآلاى بيادة بأسره بملابس بيضاء ناصعة كالثلج تتقدمه جوقة موسيقية من أمهر العازفين وكانت الهدايا موضوعة فى أسبتة مكشوفة فوق عربات مكسوة بالقصب على مخدات من القطيفة المزركشة بالذهب والماس يغطيها شاش فاخر يمسك بأطرافه أربعة عساكر فى كل عربة ويتبعهم ضباط بملابسهم الرسمية والسيوف مشهرة فى أيديهم. وكانت تلك الهدايا عبارة عن مجوهرات سنية وقلائد ماس ساطعة من النوع المعروف عامة باسم البرلنتى ومناطق من الذهب الخالص وأقمشة مطرزة باللؤلؤ العديم المثيل وزمرد فى حجم البيض وملابس بيضاء مطرز عليها رقم الأميرة باللالئ والحجارة الكريمة وآنية متنوعة من الفضة الصب الخالصة بكمية عظيمة وثمن ذلك كله يفوق الحصر والعد وكان بين الهدايا المقدمة من اسماعيل لأكبر أبنائه سرير من الفضة الصب الخالصة شبيه بالذى أهداه الى الامبراطورة الفرنسية أوجونى أثناء إقامتها بمهر، محلى بماء الذهب الإبريز وعواميده الضخمة مرصعة بالماس والياقوت الأحمر النادر والزمرد والفيروز، فاجتاز الموكب المهيب شوارع العاصمة بين سياج حى من العساكر الشاكى السلاح وتقدم يتهادى فى سيره مختالاً كأنه طرب بذاته شاعر بقيمته ولم يكن هناك فرق كبير بين جهاز عروس ولى العهد وغيرها من الأميرات فالكل حصل على الثمين والغالى من أجل الزواج السعيد وأقيمت العديد من حفلات الرقص وشوهدت قطع المجوهرات على نحور وأكتاف عارية وزادت الموائد عن الحد فى أصناف الأكل التى عليها وانتشر السفرجية لخدمة الضيوف وامتلأت المطابخ الملكية بالطهاة وظهرت الأوانى الذهبية وأطقم الموائد الفاخرة الثمينة وتوافد رجال السيرك الانجليز لإمتاع المشاهدين فى القصور وبعد رحلة جهاز العروس أو الشوار جاء الدور على العرايس للذهاب الى بيوت العرسان فى احتفالات مهيبة وتراصت الجنود وهم راكبى الخيول بلا صوت ولا نفس ولا إشارة ولا اهتزاز لإسعاد العروس الجميلة بمنظرهم وهم صامتون وكما وصفهم إلياس الأيوبى.

وهم فى كسوتهم الفولاذية جامدون كأنهم قدوا من جلمد أو من حديد، قطعة واحدة كفرسان شاهين شاه وصلاح الدين والظاهر بيبرس.

ويصف الكاتب دى ليون فى كتابه مصر الخديو مراسم زواج الأميرة فاطمة اسماعيل فيقول.

تتقدم كإلهة من آلهات الأزمنة الماضية نحوهن، بمعيتها وجواريها صعدت كواعب كالبدور على كراس ورائهن وأخذت تنثر عليهن خيرات ذهبية ضربت لتلك المناسبة فتعلق برءوسهن وملابسهن فامتلأت القاعة على سعتها بالأميرات والسيدات والجوارى والراقصات والمغنيات وتألقت كلها بالديباج الساطع والذهب الوهاج وبثت فى كل مكان منها زهور البرتقال والورود ونثرت فوق الملابس اللامعة البراقة وكانوا قد أقاموا فى صدر تلك القاعة فوق منصة مرتفعة ثلاثة عروش مكسوة بالحرير الأبيض فجلست دولة الوالدة باشا أم الخديو اسماعيل على عرش اليمين والأميرة أم العروس على عرش الشمال وجلست العروس وعلى رأسها تاج من الماس ثمنه أربعون ألف جنيه على عرش الوسط وكان لباسها من الحرير الأبيض الفرنساوى الأغلى ثمناً كله مرصع بأنفس أنواع اللؤلؤ والماس وله ذيل طوله 15 مترا رفعته الجوارى وراءها وهن راكعات فتقدمت المدعوات وهنأنها.

أما المصريون فقد نالهم نصيبا من الطعام.. والشراب والأموال التى كانت تنثر على المواكب تحية للانجال.. ورفع البعض منهم على استحياء الأكف بالدعاء لحضرة خديو مصر وأنجاله

على ما رأوه من كرم وسخاء خلال الأربعين يوماً الساحرة.

ومما لا شك فيه أن الخديو اسماعيل من حقه وبصفته أبا أن يفرح بأولاده ويزوجهم ليرى أحفاده على عين حياته يلعبون فى حديقة قصر عابدين.

لكن ليس من حقه أن يحلم بأن يكون الوطن حديقة يلعب فيها الأحفاد من بعده اذا نظرنا الى صفته الأخرى وهو أنه خديو مصر!

فكما ورد فى بعض الوثائق الرسمية بلغت تكاليف أفراح أنجال الخديو اسماعيل التى استمرت أربعين ليله مبلغا وقدره 10 ملايين جنيه و573 و743 قرشا فضة. حتى صارت هذه الأفراح الاسطورية حديث الناس ليل نهار.

ومما يحكى عن الخديو اسماعيل فى احتفالاته بزواج أنجاله هو فتح باب المناقصة بين عدد من المحال التجارية لتوريد مفروشات قصور الأمراء، حتى استقرت المناقصة على محل تاجر فرنسى وما إن علم الخديو بذلك طلب من ناظر الخاصة الخديوية ان يكون حظ توريد المفروشات من نصيب تاجر مصرى تشجيعاً للتجارة الوطنية وقد تم ذلك بالفعل رغم أن اسعار التاجر المصرى تزيد 25% على سعر التاجر الفرنسى..

وهى من عجائب أفعال الخديو اسماعيل الذى حرص على مراعاة الحرص والشفافية فى الإنفاق على أفراح الانجال حين فتح باب المناقصة العلنية لتوريد مفروشات قصور الأمراء الانجال بينما غابت الشفافية حين كانت تدار شئون الدولة المالية لتصل الى حد البذخ والاسراف.

نواب البرلمان صامتون

ومن المفارقات أنه فى نفس الشهر الذى قرر فيه الخديو اسماعيل إقامة أفراح أنجاله الاربعة وهو شهر يناير من عام 1873 والذى تكلفت فيه خزانة البلاد ملايين الجنيهات.. افتتح الخديو فى نفس الشهر دور الانعقاد الثالث لمجلس شورى النواب وهو الهيئة البرلمانية التى صنعها الخديو.

وكانت حالت البلاد المالية قد ساءت بسبب القروض والديون التى عقدها الخديو اسماعيل على مدى السنوات العشر التى مضت من حكمه ومنذ تعهده بتحسين أحوال البلاد والعباد!

ومن المعلوم والمفهوم أن يصمت برلمان صنعه الحاكم عن سؤاله أو مسألته من أين يتم الانفاق على أفراح الانجال التى قررت لها أربعين يوماً وليلة! بعد أن ذابت الفروق بين ذمة الحاكم وذمة الدولة لكن من غير المفهوم أن يصمت اعضاء المجلس النيابى ومعظمهم من الأعيان عن 7 ملايين جنيه قامت الحكومة بتحصيلها كضرائب بقانونش جديد اسمه قانون المقابلة دون أن يرد ذكرها فى بند ايرادات أو مصروفات الحكومة المصرية!!

هذا وقد بدأت البلاد والعباد تستعد لمشهد أفراح الانجال ابناء الخديو اسماعيل على خلفية مشهد مالى قاتم بلغت ديون الدولة فيه 25 مليون جنيه وهى الديون السائرة فقط بخلاف القروض الثابتة.. كما صرح بذلك اسماعيل صديق باشا المفتش فى إحدى جلسات مجلس النواب فى محاولة تبرير زيادة الضرائب.

المشهد الانسانى قاتم

أما عن خلفية المشهد الانسانى لأفراح الانجال والذى دائماً ما يرسمه المواطن المصرى البسيط فكان مثيرا للسخرية أشبه بالعبث.

فالمصريون الذين مدت لهم بمناسبة أفراح انجال حاكم البلاد موائد الطعام ووزعت عليهم بعض الصدقات فأكل عامة المصريين فى موائد نحاسية مملوءة بالأرز المطهى باللحم والذى أطلق عليه اسم أرز اسماعيل، وخرجوا جماعات فى هذه المناسبة التى جعلها الخديو عيداً عطلت فيه المدارس.. وعلقت فيه الزينات..

كان هؤلاء المصريون البسطاء هم أنفسهم الذين استبد بهم الضيق والضنك من ضرائب حكومة الخديوى المفروضة عليهم والتى حصلت منهم بوسائل الضغط والاكراه فاضطروا للاستدانة من المرابين الاجانب، لسداد الضرائب المستحقة عليهم، ويكفى ما وصف به المؤرخ عبد الرحمن الرافعى لحال الفلاح المصرى آنذاك بقوله:

وكان الضرب بالكرباج عادة مألوفة فى جباية الضرائب.. ولم يكن هناك قانون ولا قضاء يحميان الضعيف وينصفان المظلوم.

كان هذا هو المشهد حين احتفلت البلاد بأفراح انجال الخديو.. مالية مصرية متخمة بالديون زادها رهقاً وعبئاً ميزانية جديدة ومصروفات تحت بند أفراح أولاد أفندينا ومواطن مصرى مطحون خرج يبارك ويهنئ أفندينا بزواج ابنائه نهاراً.. ويلعنه فى سره بعد أن يأوى الى داره ليلا.. وبعد أن رمى به فى نار المرابين وهم الدين.

وبعد أن انتهت الأربعون يوماً المقرره لأفراح الانجال استيقظ المصريون على صوت قرض جديد اقترضه الخديو اسماعيل من أحد بيوت المال الأجنبية، وكان ذلك فى يوليو من نفس العام 1873، وقد أطلق عليه المؤرخون اسم القرض المشئوم والذى بلغ قيمته 32 مليون جنيه وصفه البعض بأنه أكبر قروض الخديو اسماعيل من حيث القيمة واسوأها من حيث الشروط فقد رهن الخديو من أجل هذا القرض ما بقى من ايرادات الدولة ولعل اهمها ايرادات السكك الحديدية والتى قدرت ب 750 ألف جنيه فى السنة. ومن باب الاحتياط رهن كل الموارد التى كانت مخصصة لسداد ديون سابقة متى صارت حرة.

وأغلب الظن بطبيعة الحال فقد كانت مفاوضات القرض المشئوم مع بيوت المال الأوروبية قد بدأت قبل ذلك بكثير وربما والبلاد تحتفل بأفراح انجال الخديو اسماعيل.. تلك الافراح التى انقطعت معها فى رأيى آخر شعرة بين ما هو خاص.. وما هو عام فى ذمة حاكم جلس على عرش مصر اسمه الخديو اسماعيل تعهد عند ولايته قائلا.

إنى عزمت من الآن على ترك النهج الذى سار عليه أسلافى وتقرير راتب ثابت لى لن أتجاوزه أبدا وهو تعهد كربونى مع اختلاف العبارات والكلمات لكل من يجلس على كرسى الحكم وليتساءل الناس!! هل يكفى راتب حاكم البلاد ليقيم أفراحا لأنجاله تستمر أربعين ليلة يأكل فيها الناس فى أوانى نحاسية؟!!

...."

إنتهى النقل ... والتسلية

تم تعديل بواسطة يحى الشاعر

لن يمتطى شخص ظهرك ، ما لم تقبل أن تنحنى له

إسـلـمى يـــــامـــصــــــــر

الوجه الآخر للميدالية ، أسرار حرب المقاومة السرية فى بورسعيد 1956

yamain8vi2xi.jpg

رابط هذا التعليق
شارك

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة
×
×
  • أضف...