اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

تحريك الناس لغير مصلحتهم - منقول


عادل أبوزيد

Recommended Posts

تحريك الناس لغير مصلحتهم

  •  
يشترك الشاعران «أحمد شوقى» و«وليم شكسبير» فى التنبيه شعراً إلى سهولة جرّ الغوغاء إلى إشعال نار الفتنة الغاشمة، التى تحرق الأخضر واليابس وتقود حملة مشاعلها إلى التحرك ضد مصالحهم، بل إلى غير رغباتهم، ففى مسرحيته «مصرع كليوباترا» يقول أحمد شوقى على لسان «حابى»: «اسمع الشعب دُيُونُ كيف يوحون إليه / ملأ الجو هتافاً بحياتَىْ قاتليه / أثّر البهتان فيه وانطلى الزور عليه / يا له من ببغاء عقله فى أذنيه»! وفى مسرحية «يوليوس قيصر» يجسد شكسبير لعبة التغرير الخطابى بالغوغاء الذين اندفعوا أولاً هاتفين بحياة «بروتوس» وجماعته ثم انقلبوا عليهم فوراً، بعد أن استلمهم «أنطونيو» وسلّط عليهم خطابه المهيج لمشاعرهم، صائحين متوعدين بالحرائق والتحطيم والتخريب، وأنطونيو يراقبهم فرحاً بتفاعل كلماته فوراناً فى أدمغتهم، وقد اطمأن إلى توظيف غضبهم الجامح لمصلحته، قائلاً فى فوز: «أيها الشر إنك على بعد خطوة فاسلك غايتك بالدمار كيفما شئت»! ولأن الشر المتحمس أعمى وأصم، لا يفوت شكسبير أن يبرزه كالثور الهائج، متهكماً، حين يعترض الغوغاء الشاعر «سيّنا» ويسألونه عن اسمه، المتشابه مع واحد من جماعة بروتوس، فيتصايحون: «مزّقوه إنه المتآمر»! وعبثاً يحاول أن يوضح لهم: «إننى سيّنا الشاعر، ولست سيّنا المتآمر»، فيكون الرد من البلطجية: «اقتلوه لرداءة شعره، مزقوه لرداءة شعره»!، وإمعاناً فى الغلظة والتوحش يتضاحكون بالتوصية وهم يمزقونه بلا رحمة: «يكفى اسمه سيّنا، انزع اسمه وحده من قلبه ثم أطلق سراحه»! فى منتصف ستينات القرن الماضى، كتب الشاعر صلاح عبدالصبور قصيدته «مذكرات رجل مجهول» لخّص فيها معاناة المواطن المصرى فى ظل الحكم الناصرى، (الذى اتسم بواجهة عربية زاهية يفرح بها من ليس تحت طائلة استبداده وديكتاتوريته ويعانى من عذابها الشعب المصرى الواقع بين أنياب الجبروت، مخيّب الآمال فيما ظنه حلم الخلاص، مكتوماً مقهوراً تحاصره الأناشيد والرقص الشعبى والهتافات الملحقة بالخطابات الرنانة)، فاضحاً الصمت، الذى لم يكن يوماً دليل الرضا: «هذا يوم مكرور من أيامى..» و«... أعود إلى بيتى مقهوراً، لا أدرى لى اسماً، أو وطناً، أو أهلا..». و«... هذا يوم كاذب، قابلنا فيه بضعة أخبار أشتات لقطاء، فأعنّاها بالمأوى والأقوات، وولدنا فيه كذباً شخصياً»، إلى آخر هذه المقدمات التى تصعد، فى تصوير فنى دقيق، إلى الاحتجاج الصارخ: «يا هذا المفتون البسام الداعى للبسمات، نبّئنى، ماذا أفعل، فأنا أتوسل بك.. .. .. .. .. .. إن كنت حكيماً نبّئنى كيف أجن، لأحس بنبض الكون المجنون، لا أطلب عندئذ فيه العقلَ»، وبهذا التساؤل / الإجابة، ينهى صلاح قصيدته الرائعة، التى تكمن روعتها فى صدق لا ينسحب على زمن كتابتها ونشرها فحسب، ولكن لامتداده المعبّر عن كل الأزمنة القاسية التى استباحت الوطن وإنسانه؛ وإن أشد الأزمنة قسوة هى تلك التى يهتف فيها الشعب بحياة قاتليه، مأخوذاً بكلمات مخادعة، ولقد استوقفتنى ذات مرّة عبارة فى مقال تشير إلى فؤاد سراج الدين بصفته «الراحل العظيم»، رغم أن السيد فؤاد سراج الدين باشا كان وزيراً للداخلية فى وزارة من وزارات النحاس باشا، «الليبرالى الديمقراطى»، وقام سيادته فى أربعينات القرن الماضى بغلق مدارس الرائدة التربوية نبوية موسى 1886/1951. واعتقلها وأودعها سجن الحضرة بالإسكندرية مع «المعوجات من الأجنبيات»، على حد تعبيرها، وذلك بسبب معارضتها السياسية ليس إلاّ!

مواطنين لا متفرجين


رابط هذا التعليق
شارك

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة
×
×
  • أضف...