اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

الغربة


Recommended Posts

تمشي غريبًا. شعورٌ قاتل بالغربة يملأ كلَّ زاوية من جسدك الغريب. تنظر إلى الأشياء نظرات عابرة. أنت تعرفها جيدًا: زيف وحسب. لا تتذكر وصفًا آخر؛ أو ربما تتذكر وتستبعد على الفور، لأن كلَّ الأوصاف الأخرى، كلَّ الكلمات والتعابير، زيف أيضًا.

الغربة... وتنعطف في جهة لا تختارها. حين تنتفي الإرادة، الجهات تختارك، لا أنت تختارها. تفكر: الغربة ليست لاانتماءً، ليست اختلافك عن الأشياء المحيطة. الغربة الحقَّة انتماء كامل، أو لنقل، حالة تسبق الانتماء الكامل. ليست انفعالاً أو حساسية شعرية، ليست نفورًا أو قرفًا أو... إنها حالة فذة تعني رفضًا لكلِّ شيء، رفضًا عميقًا قائمًا على الإدراك. فأنت تعرف كلَّ هذه الأشياء. لقد خبرتَها حتى آخر نقطة دم.

الانتحار؟! لا. فبعد ثلاث محاولات لم توصلك إلا إلى سرير أبيض وذاكرة بيضاء، صرتَ تعرف أنه هروب وحسب. نعم، مهما بدا جميلاً وعميقًا، لكنه هروب. لأن الغربة ليست اللاجدوى واللامعنى. فيما سبق (في المحاولات الثلاث السابقة) كنت تراها كذلك. لكنك تدرك الآن أنها بريئة من هذه الأوهام.

تطفو كزيت على ماء ذاكرتك. الذاكرة غريبة هي الأخرى. ترفض كلَّ تفصيل تقذفه إلى السطح بين الحين والحين، وتقول: هذه التفاصيل ليست أنا؛ إنها ذاكرتي. وإذ تحسُّ أنك غريب عنها هي أيضًا، تزداد ألمًا. لكنك تستدرك وترفض أن تتألم، لأن الألم من الذاكرة هو الآخر.

حين تعود إلى البيت، يقفز إلى ذهنك سؤال غريب: "لماذا عدتُ إلى هذا البيت؟!" وتدرك أنت وحدك أن السؤال يحمل في أحشائه إدانةً لكلِّ أشكال الملكية والعلاقات الاجتماعية. لكنك متعب، وغير قادر على ارتكاب إجابة ما.

عشرون سنة... هه! عشرون مليون، أو ربما مليار. لا تعرف، لكنك تحسُّ، على نحو مبهم، بعمق البحر الذي تتقاذفُكَ أمواجُه. قامة طويلة وعملاقة، تمتد من أعماق الأرض إلى أجواز السماء. لكنك تدرك الآن أنها قامة هشَّة، وأنها ذرات غبار يجمعها صمغٌ وهمي. أية ريح تحتاج لتُبَعْثِرَها. أية ريح؟! ريح الغربة ربما!

تنظر إلى بياض السقف: البياض هو الشكل الوحيد المحتمَل، لأنه يحمل في ذاته الألوان جميعًا. البياض عمق كينوني محض. وتدرك أن غربتك الآن هي متاهة البياض، وأن المتاهة وهمٌ تختلقُه الرغبة في الوصول. لذا تدرك أيضًا أنك ينبغي ألاَّ تسير في دهاليز المتاهة، بل تبقى حيث أنت، هناك، أبيض وصامتًا، إلى أن... لا تعرف كيف تكمل. ولو عرفت فلن تعرف كيف تصف، بل لن تصف أصلاً.

يغزوك النعاس. تحسُّ بإنهاك الذرات في قدميك ورأسك. تفكر في اليقظة: هل أستطيع؟!

لكنك لا تستطيع، وتنام.

mrizs2yd_ZaBaDo.gifصبح صبح يا عم الحاج
رابط هذا التعليق
شارك

ما صباح الخير بقى يا عم الحج.

يمكن عشت فى اول ايام حياتى نفس شعورك بس دلوقتى بقالى 13 سنه وبقيت زى الفل انت بس خد الأمور ببساطة وهى هتمشى لوحدها وهيبقالك زكريات حلوة فى بلد الغربة ولا تنسى انة قدرك ولا أحد يستطيع ان يهرب من قدرة كلامك رجعنى لكلام شبيه بالى كنت بكتبة عن الغربة فى بداية حياتى بس الحمد لله بشوف أولادى قدامى بنسى كل شى وهم دول بلدى

افتكرت أول كلمة قلتها لاخى وهوبيستقبلنى فى المطار (كان معايا فى نفس البلد )

وكان الجو نارطبعا (دولة خليجية ) فى الصيف وانا خارج من المطار

بقوله يا ه الجو حر عندكو قوى لا يا عم انا عايز اروح ...............ضحك وقلى هو اللى بيجى هنا بيروح وفعلا سعتها كان نفسى ارجع مصر :blush:

هااااااااااااااااااا الكلام كتير عن الغربة بس مش عايز اصدعك معايا انا كنت بفضفض زيك بكلمتين وشكرا. :blink:

رابط هذا التعليق
شارك

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة
  • الموضوعات المشابهه

    • 0
      لا يجد العرب والمسلمون فى الغربة خلال شهر رمضان الكريم أفضل من الطاولة المصرية وتجمعات الجالية المصرية فى أورعرض المقال كاملاً
    • 0
      يختلف شهر رمضان الكريم هذه السنة عن العامين الماضيين بالنسبة لأبناء الجاليات المصرية المقيمين فى الخارج لاسيمعرض المقال كاملاً
    • 3
      شعور دفين داخلي   هو دائمآ هاجسي منذ غادرت مصر ... و ها أنا علي مشارف 30 سنة غربة ...  غادرتها و لكني لم اتركها  و لم انفصل عنها ابدآ .. و عاد حوار جانبي بين اخي الكبير ابو محمد و الزميل العزيز فولان بن علان ليضيف حطبآ علي شعلة لم و لن تنطفيء ... معظم المغتربين منا يحلمون بالعودة يوما ما إلى مصر ..  وينتظرون تحقيق هذا الحلم بفارغ الصبر.. هناك من فعلها بكل سعادة و هناك من شعر بصدمة  بعد العودة  عندما يكتشف  أن الوطن لم يعد كما تركه وأن نار الغربة قد تكون أرحم. و لكن دعوني أسألكم سؤ
    • 7
      كواحدة قضت معظم حياتها مغتربة مع الوالدين ثم مع زوج وابناء دايما كنت بأدور على الوطن الغائب عني كل حد اتغرب وحس يعني ايه غربة بيدور على كيان ينتمي له حتى لو كان كيان افتراضي في فضاء الانترنت المحاورات هنا كانت الكيان ده على مدى سنوات تجاوزت العشرة بقليل المكان هنا غير كتير في مفهومي للعديد من القيم قيمة الوطن مصاحبة لشعور الانتماء الجذر أو القبيلة الانتماء لأشباهك ماتحسش وسطهم انك غريب يمكن كنت محظوظة ان تواجدي في السعودية ماكانش اغتراب كبير للتشابه إلى حد كبير ما ب
    • 4
      السلام عليكم ورحمة الله وبركاته    انا في حيرة من امرى ... شغال ف السعودية بقالي سنتين ونصف ف شركة مقاولات مهندس كهرباء راتبي 4500 غير البدلات وقدمت ف شركة الكهرباء ف مصر وحددولي موعد مقابلة    محتاج راي حضراتكم هل اترك الشركة ف السعودية واشتغل ف مصر  ولا السعودية افضل ؟ انا ف حيرة من امرى جدا  ياريت تفيدونا بخبرتكم وجزاكم الله خيرا
×
×
  • أضف...