اللغة الرمادية

[عادل أبوزيد]

أزعم أن لهذا الموضوع علاقة بموضوع "ضرورة صحوة الفكر" بل و أزعم أيضا أن اللغة التى نستعملها لها دور كبير فى أداء المجتمع و أقصد باللغة أسلوب اللغة و ليست اللغة نفسها و كونها عربية أو فرنسية.

ما سبق كان إستهلالا لابد منه.

يذكر الكثيرين من جيلى أو ربما الأجيال اللاحقة أيضا أننا كنا ندرس أساليب البلاغة فى العصور المختلفة و أذكر أنها فى بعض العصور - أظن المملوكى - كانت تتسم بكثرة المحسنات اللفظية و كان أساتذتنا يعلموننا الإحساس بالفرق بين الأساليب الأدبية المختلفة.

و هنا أعرض لأسلوب جديد ظهر فى مصر مع بدايات الثورة المباركة و أزعم أنه لفت نظرى من وقتها رغم سنى.

هذا الأسلوب أطلق عليه "اللغة الرمادية" و هو بإختصار شديد أن تتكلم كثيرا و لا تقول شيئا جديدا و مهما قلت فكلامك يحتمل كافة الإتجاهات و المواقف هل تذكرون مقالات بصراحة و التى كان يميزها أنها أقل رمادية من غيرها.

تستطيعون هنا فى محاورات المصريين أن تكتشفوا بعض الكتابات باللغة الرمادية.

فى الرمادية يدور الكاتب أو القائل حول الموضوع و لا يدلى برأى و لكنه يشير إلى كتاب آخرين أو كتب أخرى أو آراء قيلت حول نفس الموضوع.

أو يحكى قصة حصلت فى "مارادونيا " مثلا و لا يقدم أى تعليق عليها.

أكيد هناك أسباب تاريخية لهذا و لكن للأسف تترسخ هذه اللغة يوما بعد يوم بل أن لغة العمل نفسها أصبحت تصطبغ باللغة الرمادية.

حاول قراءة أى جريدة يومية و تصل إلى معلومة قاطعة ستجد "كل الكلام عايم" و يحتمل كثيرا من التأويل فى إتجاهات متناقضة.

أكاد أجزم أن إستخدام لغة واضحة مختصرة حاسمة هى الخطوة الأولى أو من الخطوات الأولى لتفعيل صحوة الفكر و ما يستتبعها من نقلة نوعية فى سلوكيات الإنسان المصرى.

[Tafshan]

عاجبني ثقافة الالوان في تصنيف الاحاديث ، فنجد لغة رمادية و تعني الحديث المميع الغير محدد و الذي يخاف من اللغة الحمراء التي قد تحذف و تنقل اللغة الرمادية من مواضعها و اخرى سوداء تقول الحقيقة كما هى و مصيرها معروف :blink:

و طبعاً هناك لغة صفراء تم اباحتها على فضائيتنا و صحفنا و استباحت حرمات بيوتنا جميعا ..

عزيزي ، يجب ان تكون للاقلام الصريحة رداء واقي من الرصاص الصادر من الاقلام الحمراء التي تعس في بلادنا فساداً تحت شعارات مثل حماية الذوق العام .. الامن العام ..الخ

[عادل أبوزيد]

الفاضل طفشان

قد يكون كلامك صحيحا فى ظروف معينة و ربما من يستعمل اللغة الرمادية عنده التبريرات أو المخاوف التى تجعله لا يقول و لا "لا يقول" مجرد "زن".

و لكن المأساة أن يتم تشرب هذه اللغة الرمادية فى باقى جوانب حياتنا فى التعليم و الإقتصاد و الرياضة إلخ

و المأساة أيضا أننا نسمى الأشياء بغير أسمائها فنتقبل هذه اللغة و نتعايش معها و يتأخر كل ما نريد إنجازه حتى نصل إلى فهم ماذا نقصد و ماذا يقصد الطرف الآخر.

حاول يا سيدى أن تستفسر عن أى شئ و أكرر أى شئ عن طريق التليفون و لاحظ كيف أن الطرف الآخر كيف يلف و يدور من أجل إما أن تذهب إليه شخصيا أو من أجل أن يحصل على مزيد من المعلومات لاتهمه ؟

ربما بداية اللغة الرمادية كانت من خلال الكلام فى السياسة مثلا و لكن العدوى إنتشرت و إنتقلت إلى كل جوانب الحياة.

الحقيقة الوحيدة أننا نستعمل اللغة الرمادية و هذا يجب أن يتغير أما معرفة سبب إستخدام هذه اللغة فقد لا يكون الحديث فى السياسة هو السبب فى وجودها !!!

تذكرت قصة الفلاح الفصيح لغته أيضا من قبيل اللغة الرمادية !!

[عادل أبوزيد]

فى صباح اليوم كالعادة تناولت جرائد الصباح و بعد إطلالة سريعة على العناوين الرئيسية إنتبنى شعور عميق بالزهد و عدم الرغبة فى الإستمرار.

من عادتى أقرأ الخبر أكثر من مره و أحاول إستنتاج باقى الخبر - و الغير منشور - و تصبح الجريدة أو الصحيفة معى كما لو كانت جزء من الكلمات المتقاطعة ... لأنها بساطة مكتوبة بلغة رمادية أو لغة عايمة .. و تعودنا أن نتعايش مع تلك اللغة - أرجو أن تلاحظوا تغير لغة كتابتى بدءا من هذه الفقرة - و سائلت نفسى ما هو الجديد ؟

ووجدتنى قضيت أمس وقتا طويلا فى حزب الغد و إستمعت إلى أيمن نور و هو يخاطب الحضور ( و هم خليط من كل المصريين و كما وصفتهم "مغرفة من وسط الحلة " ) و كذلك ممثلى الصحافة و كانت لغة الرجل بسيطة وواضحة و مباشرة ببساطة "كان الكلام على بلاطة"

شعرت بعد خروجى بالأمس و كأنى ألقيت عبئا ثقيلا من على كاهلى ..

و اليوم لم أستطع الإستمرار فى محاولة فهم المكتوب فى الأهرام و توصلت لكم العبئ الذى كنت أفرضه على نفسى لفك طلاسم جريدة يومية مكتوبة باللغة العربية !

و حتى الآن أتكلم على مجرد اللغة و طريقة اللف و الدوران .

[مهيب]

السيد الفاضل عادل أبو زيد ... حقا أصبحت اللغة الرمادية منتشرة بيننا بشكل مخيف ... و أجرؤ على القول أنها حتى تسللت الى الدراسات و الأبحاث العلمية المقدمة من الحكومة ... ولعل موضوع ردم جزء من النيل دليل على هذا ... فالدراسة التى قدمت فى البداية كانت دراسة رمادية تماما ....

ولعل من أبرز مسببات اللغة الرمادية أن صاحبها يريد بها أن يحيك عبارات قابلة للتفسير فى أى اتجاه ... و فى النهاية المسؤلية لا تقع عليه ... ربما لاختلاط المفاهيم الشديد ... حتى النفاق قد أصبح غامضا و يحتاج لمجهود و فكر ... و أنا بشكل او بآخر أشفق على منافقين هذا العصر ... فان مهمتهم صعبة ... اليوم هناك مؤسسة حاكمة و هناك أمريكا و هناك اعلام مفتوح و فضائيات ...

ان الحاجة للرمادية أصبحت ملحة ... و اذكر أننى استمعت يوما لحديث لفاروق حسنى عن الارهاب الفكرى و الحرية ... و قلت ساعتها أننى لو مكان الرئيس لأقلته فورا ... انه لم يتمالك أعصابه ... و أوضح لأى مستمع أنه لا ينطق الا هراءا ولا يدرى عما يتحدث ... و قد أظهر المؤسسة الحاكمة فى صورة بلهاء .. رغم انه لم يبغ الا النفاق .. أى كان مبتغاه حسن النية ان صح التعبير ....

هناك الكثيرين من مستخدمى اللغة الرمادية حولنا .... حتى فى مجال عملى فى هندسة البرمجيات ... ترى ايميلات عمل كثيرة مليئة باللغة الرمادية ... خاصة اذا كان هناك مسئولية ما ستقع ....

لقد أصبح كبار الصحفيين و الكتاب بين شقى الرحى سيدى الفاضل ... فى الماضى كانوا يعلمون الطريق .... تحدث بوضوح .. امدح الزعيم و فه التبجيلا ... اخرج كل طاقاتك اللغوية فى هذا الاتجاه ... أما الآن فانهم مثيرون للشفقة أكثر .... يحملون أقلامهم و هم تائهون ... الخوف من السير فى أى اتجاه يغلبهم ... لذا فستجدهم دائما من يفسرون الماء بالماء .... فى النهاية لا مسئولية هنالك ....

ربما هناك فعلا تشابها كبيرا بين ما نحيا فيه و عصر المماليك من هذه الناحية ... لا تنس أن أيام المماليك لم يكن خطباء المساجد يعلمون لمن سيدعون فى خطبة الجمعة الا قبلها بيومين .. وبالتالى فالرمادية و كثرة المحسنات البديعية كانت مطلوبة ... ونحن اليوم لا نعلم الى أين تسير الأمور ...

و الصحفى أيضا من الصعب عليه أن يسب و يلعن فى أمريكا على اطلاقها ... انها صديقتنا ... ومحدش ضامن لظروف .. كما أنه لن يستطيع انتقاد المؤسسة الحاكمة لأنها قلة أدب مثل ما تعلمنا .... كما أن الشعل أغلبه من الجهلة ... فحتى مواريات مثل رحلات جاليفر لـ(دين جوناثان سويفت) والتى لم تقصد بها أن تكون روايات خيالية كما اعتقد الكثيرون .. لكنها كانت تسخر بشكل ما من الاوضاع السياسة فى بريطانيا فى ذلك الوقت ... حتى مثل تلك المواريات لن يفهمها الكثيرون ....

[وليد صفوت]

للرفع و التذكير ,....

و خصوصاً انى أريد من الاعضاء الذين شرفونا ها هنا جديداً ان يقرأوا هذا الموضوع , و ان يفهموا المواد ان يُقال منه ,...

و خصوصاً انى لاحظت الكثيرين يستخدمون اللغة الرمادية فى المناقشة و المحاورة مع الاخوة هنا ,.. و هذا مؤشر سيئ ,... فلا يجب ان نفعل نحن ما كنا نعيب على حكومتنا فعله ,...

اليس كذلك ,....؟

تحياتى,...

[White heart]

انا أتفق تماما مع رأى العزيز Tafshan ...

اذا تحدثنا عن "الملقى" - فمنطقيا يجب أن نتحدث عن "المتلقى"!!

اذن تقييم اسلوب الكلام و تصنيفه، يعتمد بالشكل الأول عن نوع المتلقى = أعنى أى نوع رد فعل سيصدر عنه و بصورة تلقائية طبيعية - مدى تقبله، و استعداده لتقبل أو رفض ما يلقى عليه و كيفية التعبير عن هذا القبول أو الرفض.... انا أعتقد ان الخبرات المكتسبة لدى الفرد (مع ملاحظة الفروق الثقافية و الإجتماعية) هى من تتحكم و تلعب دورا هاما فى إختياره "لون" لغته.

[عادل أبوزيد]

الموضوع قديم و لكن يبدو أنه إبن الساعة ، كنت أتصفح أحد الموضوعات هنا فى محارات المصريين و على التو خطر فى ذهنى هذا الموضوع.

ما سبق كان إستهلالا لابد نه

لا حظت على لغة الإعلام فى الأسابيع الأخيرة شبه تراجع فى اللهجة الناقدة ، و قوة المواجهة و صراحتها ، كما أن السلطة نفسها إستأسدت و أصبحت تجهر بما كانت تهمس به - لاحظ تصريحات رئيس الوزراء التى يعترف بأنه لولا تدخل الحكومة لنال الإخوان 40 مقعدا إضافيا أو 40 % من المقاعد على إختلاف الرواية و قد وصفت هذه التصريحات بالبجاحة - ف:ان هناك ضوءا اخضر أو ÷ناك توجيه ما بإنهاء حالة ما كان يسمى الحراك السياسى فى الشارع المصرى و العقل المصرى ... إلخ.

أنتهز هذه الفرصة و أدعو الجميع لعدم السقوط فى جب الخوف الداخلى أو قل الحياء الداخلى .... فلنرفض جميعا اللغة الرمادية و لنتكلم "على بلاطة" و أخيرا هذه بلدنا نحن مهما إدعى الآخرون

[Tafshan]

جميل جداً ان يظل النقاش مفتوح لأكثر من عام و يظل الموضوع كما هو :wub:

الحقيقة اننى اكتشفت ان اختيار القلم الرمادى هو الاختيار الوحيد لأنه بأختصار لم يتبقى لنا اقلام بالوان اخرى و لم نستعملها بمحض ارادتنا !!!

القلم الرمادى او القلم الرصاص هو القلم الوحيد المسموح به لسهولة طمسه و تغير كلماته .. و على العكس ارتفع صوت القلم الاحمر الحكومى الصنع ليقمع اي خط رمادى باهت يحاول ان يبحث عن صوته ..

اخشى ان تنكسر المنابر و نكتفى بحظائر انتاج اللحم الآدمى الرخيص و نتوقف عن البحث عن اصواتنا

[Sherief AbdelWahab]

نمسك بقى اللغة الرمادية .. كمصطلح:

كلمة "الرمادي" في الموروث الفكري واللغوي لمجتمعاتنا كناية عن المراوغة..

مين أكثر ناس بتراوغ؟

السياسيين .. دة أولاً..

الاقتصاديين.. ثانياً..

الساعين للوصول لمناصب سياسية أو اقتصادية أو نقابية..ثالثاً..

بعض الإعلاميين والمفكرين .. رابعاً..

مع بداية الثورة اتسع نطاق ممارسة السياسة ، بعد ما كانت بس قاصرة على نخبة معينة من الناس أو التكنوقراط أو الأرستقراط .. وبقى فيه في كل مجال ، من النقابات للجامعات للبنوك للوسط الفني لكل حتة اللي بيسعى لمنصب سياسي..

وعلشان كدة بيستعمل لكنة مراوغة ..ليه؟ علشان يحفظ مكانه وسط توازنات القوى اللي حواليه..

يفضل سبب تاني تاريخي رسخ لاستخدام اللغة الرمادية في وسائل الإعلام والفن بالذات .. وهو إنه كانت في المرحلتين السياسيتين السابقتين الناصرية والساداتية كانت هناك قيود وخطوط حمراء سياسية بالذات لم يكن من المسموح تجاوزها .. فحفاظاً على النفس - قبل أن يكون دفاعاً عنها - كان استعمال اللغة الرمادية وسيلة تحقق الحماية لصاحبها من السلطة وفي الوقت نفسه تتيح له حرية إخراج ما بداخله من أفكار .. يعني كدة بالبلدي الفصيح يمسك العصاية من النص..

والأخطر من اللكنة المراوغة هو التفكير المراوغ الرمادي .. وقد طرحت قبل أشهر موضوع اسمه "منطق العيال الوحشين في خدمة الفساد".. هذا المنطق المبني على عبارات رمادية صرف ..

http://www.egyptiantalks.org/invb/index.php?showtopic=19115

خلص الكلام

[عادل أبوزيد]

مرة أخرى أجدنى مدفوعا للكتابة فى هذا الموضوع ، منذأسبوع تقريبا سجل عندنا عضو جديد هو الفاضل Muath و من توقيعه هو عضو فيما يسمى جهاز التواصل الإليكترونى فى وزارة الخارجية الأمريكية ، و يبدو من لغة الرجل أنها ليست لغته الأصلية و لكنها واضحة و مفهومة.

حتى هنا لا جديد و لكنى لاحظت بعدها أن أحد الأعضاء و هو الفاضل يحى الشاعر تداخل فى الحوار عددا كبيرا من المرات و بكل صدق و أمانه لم أفهم ما يريد أن يقول يبدو أنه يوجه رسائل مختلفة لمجموعات مختلفة من المشاهدين و أقول يبدو لأنى فعلا بعد قراءة ثلاث أو أربع أسطر من مداخلات الفاضل يحى الشاعر فى الحوار مع Muath أفقد السياق و أجدنى فعلا لا أفهم شيئا ، و كمحاولة ساذجة منى للفهم يبدو أن الرجل - يحى الشاعر - يشعر بحرج من الكتابة لأنه يكتب بإسمه الصريح و يخشى من إتهامات مجهولة أو أن خلفيته فى العمل السرى تفرض عليه ألا يكون واضحا.

رجاء للجميع من يريد أن يكتب فليكتب بصراحة ووضوح لغة ابيض و أسود و ليس لغة رمادية ، و إذا كنت لأى سبب تتحرج من الكتابة فيمكنك الإكتفاء بقراءة الموضوعات الثقافية و عندنا هنا فى محاورات المصريين كنوز منها .

[رمضان]

الاستاذ عادل أبو زيد اتفق مع حضرتك تماما في كل ما قلته فأنا أعاني من هذه اللغة كثيرا ومنذ ان تخرجت حتى اصبحت انا شخصيا استعملها في كثير من الاحيان والأغرب أنني وجدت انها اللغة التي يجبرك كثيرا من الناس ان تخاطبهم .

الا تجد نفسك انت شخصيا مضطرا ان تستعملها في بعض الاحيان الا تجد انه من الافضل في التعامل مع بعض البشر ان تجعل لنفسك خط رجعة.

لقد وجدت ان هذه اللغة يستعملها البعض كبديل عن الكدب الصريح .

عندنا تعرفت على منتدى محاورات المصريين اعجبني كثيرا ووجدت انه فرصة مناسبة للتحدث بصراحة مطلقة دون ان أضطر لان أحور في كلامي وبالفعل قمت بالتسجيل وباسمي الحقيقي ، ولكن حدث ما كنت اخشاه ، لقد وجدت انني عندما اتكلم بصراحة اكون مخطئ ولا أجد كلام ابرئ به نفسي لاني قلت كل شيء وكلامي كان واضح ولا يقبل التأويل ، وقد اسيء فهم كلامي في كثير من الاحيان وتم تحويره وكنت أنا المخطئ ، وكدت ان احذف من المنتدى ، لماذا لانني قلت ما عندي بدون تجميل ولا مجاملة ، اذن الا تجد حضرتك انها اصبحت اللغة الاساسية وغير ذلك هو شاذ .

لقد تربيت وتعلمت منذ صغري على الصراحة والوضوح والكلمة اللي اقولها لازم انفذها وما انكرها وما الى ذلك ولكن الواقع والحياة العملية غير ذلك تماما .

لحديثي في هذا الموضوع بقية فأنا اريد ان اتكلم فيه كثيرا فهو موضوع مهم جدا أشكرك عليه