اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

حدث ذاتَ غُدُوٍّ وإياب


علاء زين الدين

Recommended Posts

alex-night-bw_thumb3.jpg?imgmax=800

حدث ذاتَ غُدُوٍّ و إياب

بين صاحبنا والنعاس كرٌّ وفرّ .. يغلب النعاسَ تارة وتارة يغالبه. إذا أمضى الليل ينجز عمله ويخفف حمله كانت له الكرّة. ثم تكون للنعاس بعد الفجر عليه كرة .. إذ كلما حاول صاحبنا أن يكمل تسبيحةً قبل شروق الشمس تأخذه سِنةٌ فتتلعثم شفتاه بالذكر.. وتظل تلك وتيرته حتى يترك الأذكارَ.. تحرُّفاً لقتالٍ فلا تظنُّه فرارا.

يغدو صاحبنا إلى ملتجأٍ يحتمي فيه بيقظتَه ..

لِهواء البحر وبرودة رذاذه سطوة ينحسر أمامها الأعداء، فتخلو الساحة لصاحبنا ويتم بفضل الله الأوراد.. ويخسر النعاس الكرّة.

كانت عليه أعباءً كثيرة في يومه هذا توجب عليه أن يعود ليختطف قسطاً من الراحة يسيرا، يستقبل به ما قُدِّر من جولات قادمة، فحربه لا هوادة فيها ولا مهادنة.

لكنّ عزيمته لم تقوَ على ترك الموج يتلاطم على الشاطئ والسحاب يتبعثر في السَمَا، وهواء الفجر يُجلي الصخر والنفس من أدران يوم مضى. ما بين إشراقٍ لم يزل بعد يطل من وراء الأفق على استحياءٍ من خلفه، وأضواء الساحلِ تتلألأ في ليلٍ لم يبرح بعد غرب المدينة من قِبَله، جلس على حواف الصخر وسرح في إقبال الأمواج وإدبارها، متسابقة تارة وتارة متعانقة.

انصرف بصرُه تجاه ساحل المدينة أمامه فتذكر غيبته الطويلة .. ”أحقاً عُدت .. أهذي مدينة طفولتي وذاك شاطئها.. أأناذا هاهنا ناظرٌ بحقٍ إليها؟ أحمد الله على العودِ فالعود حقاً أحمدُ“.

غاب في أمواج البحر وأفُقِ مدينته حتى جادَت سماها بمطرٍ نزل عليه بسَكينة وسَكَن، وتحركت بين جنبيه مشاعر ندية كانت خاملةً غمرت عينيه بماءٍ عذب، فاكتمل لهذا الصبح نَداهُ وفاض الساحل بنور الفلق..

وتنبَّه فتذكر ما عليه أن ينجز قبل حلول الأعياد.. فنهض.

في الطريق من الساحل إلى البيت رأى توابيتَ قائمةً على الرصيف على جانب أحد المتاجر المغلقة. لم يعبأ بما رأى ولم يلق لها بالاً. لا نُسيء الظنّ بصاحبنا، فما عهدناه ببليد الحِسِّ بل لَيِّنَ الجنبِ إنساناً.

لقد عرِف صاحبات الجثامين المتواريات في تلك التوابيت، وقد كان يرى أخواتٍ لهن بالنهار في الذهاب والمجيء بداخل المتجر، خاويات القلب، كأنهن خُشُب مسندة، مائلات مميلات، تتناولهن أيدي الزبائن فلا يتمنعن وتأخذ برقابهن فلا يبتعدن وتلعب على أوتارهن فيطلقن أصواتهن في امتثال، يخفضن تارة باستخفاء ويرفعن تارة بصخب.

كان محل القيثارات مغلقاً كعادته في تلك الساعة المبكرة، وعلى غير العادة كانت بعض بضائعه تنتظر على الرصيف وبجوارها رجل نحيل معها ينتظر، تكاد تخُطُّ هيئته وشَعره وملبسه لافتةً تهتف ”موسيقارٌ أنا!“.

لما رأى العازف صاحبنا سائراً ناحيته، قرأ في وفرة لحيته ما أغناه عن تعارفٍ بسؤال وخبر. أخذ ينقر على أحد التوابيت وهو يتطلع تلقاء القادم يوشك أن يدركَه، ينقُر ويرقُبُ كالذي يتحسس بالرأس ”بطحةً“ ليس يدري عسى أن تكون بائنة.

بمهارة الجوارح ترَيَّث حتى إذا دَنَت الفريسة حيث لا مفر ولا مهرب، رمى بسهمٍ ماضٍ لا يحيد ولا يخطئ: ”الموسيقى بتأدِّي دور مُهِم في الحياة !“ ..

قالها بتؤدةِ الواعظين وثبات العارفين.

أُخِذ صاحبنا على غِرَّة، لكن صدرَه لم تُغيِّرَ البغتةُ صفاهُ، ولا أذهبَت سَكينةً كان تحرّاها بين فجرٍ وضُحاهُ. ولا هو استشعر شَنَئاناً ولا أحَسَّ مِن ثَمّ عُدوانا.

دون أن يتوقف عن السير ردّ بلطيفةٍ لا تصيب ولا تقتل، إنما تعيد ترتيب تضاريس النزال بقَدَر: ”صحيح .. بس دور كويس ولا وِحِش .. هو دا المُهِمّ!“ ..

لكن العازف البارع كان بإعداد نباله منشغِلا، فما أفسح في صدرهِ لهذا الرد مُتسَعا، بل كان للنزال الأسبقَ، وكانت رميته الأسرعَ لمّا باغَت محاورَه، ساخراً كان أو كان مداعبَه: ”الإسلام هو الحل!“

فيا للعَجَب .. جهولٌ وصَدَق.

_____

علاء زين الدين/4 نوفمبر 2010

تم تعديل بواسطة علاء زين الدين

أيام الصَّـبر:

http://ayamalsabr.blogspot.com/

رابط هذا التعليق
شارك

استاذنا / علاء

ارى انك تفوقت على نفسك وعلينا

النص رائع روعه حضورك الاخاذ

والسيجال الصامت بين العازف

وذى اللحيه.. يغنى على اوتار

النفس نشج ألم مضنى.

لكن القيثاره تداعبها اصابعك

بنعومه تاره.. وخشونه تاره

فتنساب الانغام الصاخبه

لتثير فى قلوبنا نشوه

الحاضر الغائب.؟

وتتقاطر دموع بسخونه حلم

الغُدُوٍّ لنا والإياب لك

رووووووووووووووووووعه

تم تعديل بواسطة طائر الليل الحزين

وكالريح لا يركن إلي جهه

إلا وهيأ لأخري راحله ...

 

رابط هذا التعليق
شارك

استاذنا / علاء

ارى انك تفوقت على نفسك وعلينا

النص رائع روعه حضورك الاخاذ

والسيجال الصامت بين العازف

وذى اللحيه.. يغنى على اوتار

النفس نشج ألم مضنى.

لكن القيثاره تداعبها اصابعك

بنعومه تاره.. وخشونه تاره

فتنساب الانغام الصاخبه

لتثير فى قلوبنا نشوه

الحاضر الغائب.؟

وتتقاطر دموع بسخونه حلم

الغُدُوٍّ لنا والإياب لك

رووووووووووووووووووعه

يا طائر الليل اللطيف،

جميل ولا شك أن تتلقى الثناء على كلمات كتبتها،

لكن ما أجمل أن يكون النص منفذاً تعبر منه الأفكار،

تقبل شكري وامتناني على تفاعلك مع هذا السرد.

أيام الصَّـبر:

http://ayamalsabr.blogspot.com/

رابط هذا التعليق
شارك

لغة القص واعدة

الألفاظ الرصينة فيها بعض المبالغة

الأهتمام بتمرير الأفكار طغى أحيانا على الاهتمام بفنية النص

التوازن مطلوب

أرجو تقبل مروري

تحبة وتقدير

وقولوا للناس حسنا

رابط هذا التعليق
شارك

لغة القص واعدة

الألفاظ الرصينة فيها بعض المبالغة

الأهتمام بتمرير الأفكار طغى أحيانا على الاهتمام بفنية النص

التوازن مطلوب

أرجو تقبل مروري

تحبة وتقدير

الفاضل فولان،

أشكرك على تفاعلك القيم والنقد التحليلي.

يهمني رأيك، لذا أود أن أستوضح ما قصدت بأن الألفاظ الرصينة فيها بعض المبالغة.

شكراً لك أخي الكريم.

تم تعديل بواسطة علاء زين الدين

أيام الصَّـبر:

http://ayamalsabr.blogspot.com/

رابط هذا التعليق
شارك

أشكرك على سعة الصدر

ورحابة الأفق

بالتأكيد هي وجهة نظر قد تكون في غير محلها

ما أقصده هو الاهتمام اللغوى واستخدام اللفظ القرآني كثيرا

أحيانا تحتاج الحكاية (الحدوتة ) إلى بعض التبسط واستخدام اللغة الدارجة

لك عظيم الاحترام

وقولوا للناس حسنا

رابط هذا التعليق
شارك

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة
×
×
  • أضف...