اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

هل صحيح الإمام الشافعي غير مذهبه في مصر مراعاة للعوائد والبيئة المصرية


dr/alfa

Recommended Posts

ما صحة القول بأن الإمام الشافعي غير مذهبه في مصر مراعاة للعوائد والبيئة المصرية؟

علوي بن عبدالقادر السَّقَّاف

السؤال:

هل ثبت أن الإمام الشافعي كان يفتي في العراق بفتاوى ولما ذهب إلى مصر أصبح يفتي بخلاف ذلك لاختلاف البيئة بين مصر والعراق وبالتالي أصبحت له فتاوى تناسب أهل العراق وفتاوى تناسب أهل مصر؟ هكذا ذكر أحد المشايخ على قناة فضائية واستدل بفعل الشافعي على تغير الفتاوى بتغير المكان.

الجواب:

الحمد لله

لا، لم يثبت أنه كان للإمام الشافعي رحمه الله فتاوى تناسب أهل العراق وأخرى تناسب أهل مصر، ولكن المقرر في كتب المذهب الشافعي هو أن الإمام الشافعي كان له مذهبان مذهب في العراق وهو المذهب القديم تلقاه عنه تلاميذه هناك وألَّف فيه كتباً ثم إنه عندما انتقل إلى مصر مروراً بمكة التقى بعدد من العلماء ونقلة الأحاديث وتراجع عن كثير مما كان عليه بالعراق، وهو ما أصبح يُعرف بالمذهب الجديد، ولم يكن آنذاك يُعرف بمذهب العراق ومذهب مصر. وهذا المذهب الجديد قيل إنه تشكَّل قبيل مغادرته العراق إلى مكة، وقيل قبل مغادرته مكة، لكن من المقطوع به أنه كتبه وأصَّله في مصر، فهو إذن لا علاقة له بكونه في مصر أو في العراق

ومما يدل على ذلك:

1- أنه لو كان الأمر مجرد فتاوى تناسب كل بلد لما أمر رحمه الله بشطب كتبه التي ألَّفها في العراق وحرَّم على الناس روايتها، فقد كان يقول: (ليس في حلٍّ من روى عني القديم) (البحر المحيط) للزركشي (4/584)، بل لجعل لكل بلد فتاواه التي تناسبه.

2- ولو كان الأمر كما يزعم هؤلاء لأفتى أصحابه بالعراق بأقواله القديمة والواقع خلاف ذلك.

3- أن أئمة المذهب الشافعي والذين هم أدرى به لم يذكر أحدٌ منهم هذا السبب، فهل هؤلاء المتأخرون أعلم بذلك منهم؟!. بل عندما اختار بعضهم شيئاً من أقواله القديمة لم ينسبوها إليه، بل اختاروها لرجحان أدلتها من وجهة نظرهم.

4- أن أئمة المذهب الشافعي صرَّحوا بأنه لا يجوز تقليد الشافعي في مذهبه القديم ولو كان المقلِّد من أهل العراق، فكيف يزعم هؤلاء أن السبب اختلاف البيئة واختلاف المكان.

5- لو صح أن سبب تغيير الإمام الشافعي لمذهبه في مصر اختلاف المكان لما قلَّده الشافعية في غير مصر والمعلوم لدى طلاب العلم أن أئمة الشافعية أين ما كانوا قد أخذوا بمذهبه الجديد الذي أسسه في مصر حتى أهل العراق أنفسهم، وكتاب الأم وهو العمدة في المذهب الشافعي إلى الآن؛ ألَّفه في مصر، لذلك قال النووي في المجموع (1/66): (كل مسألة فيها قولان للشافعي رحمه الله قديم وجديد، فالجديد هو الصحيح وعليه العمل)، وقال (1/68): (ليس للمفتي ولا للعامي المنتسب إلى مذهب الشافعي رحمه الله في مسألةِ القولين أو الوجهين أن يعمل بما شاء منهما بغير نظر بل عليه في القولين العمل بآخرهما) ولم يفرق بين كون هذا المفتي في العراق أو مصر أو غيرهما.

والعجيب في الأمر أن الذين يزعمون أنه غيَّر مذهبه لتغير عوائد الناس وطبائعهم إنما يريدون بهذا الزعم إصدار فتاوى تيسر على الناس ولو خالفت الدليل زاعمين أن الإمام الشافعي أفتى بفتاوى تناسب أهل مصر تيسيراً عليهم، وجهل أولئك أن فتاوى الإمام حسب أصوله في مصر أشد من فتاواه في العراق، ومذهبه في العراق أقرب إلى التيسير، وأنه بنى مذهبه الجديد على الاحتياط، وعدم القول بالمصالح المرسلة التي يدندن حولها القوم، ولا عبرة بالعرف عنده بل العبرة بالنص والالتزام بظاهر النصوص كما سيظهر ذلك من خلال بعض الأمثلة التي سأوردها لك بعد قليل، ولا توجد مسألة واحدة تراجع عنها الإمام لتغير الظروف بين مصر والعراق، والبينة على المدعي، وهيهات!.

ومن أمثلة الفتاوى التي أفتى بها في مصر وكان رأيه فيها أشد من رأيه في العراق كما هو مبثوث في كتب الشافعية:

1- استعمال أواني الذهب والفضة، في القديم: يكره كراهة تنزيه، وفي الجديد: يكره كراهة تحريم.

2- المسح على الخفّ المخرق، في القديم: إن كان الخرق لا يمنع المشي عليه جاز، وفي الجديد: إن ظهر من الرِّجل شيء لم يجز.

3- ترك الفاتحة نسياناً، في القديم: تسقط عنه القراءة بالنسيان، وفي الجديد: لا تسقط.

4- الغسل من ولوغ الكلب، في القديم: لا يجب غسله، وفي الجديد: يغسل ستاً.

5- ترك الترتيب في الوضوء ناسياً، في القديم: صحيح، وفي الجديد: باطل.

6- النوم في الصلاة، في القديم: لا ينقض الوضوء، و في الجديد: ينقض.

7-امرأة المفقود، في القديم: تتربص أربع سنين من وقت انقطاع خبره، ثم تعتد عدة الوفاة: أربعة أشهر وعشرة أيام، وفي الجديد: لا تعتد ولا تنكح أبداً حتى يأتيها يقين وفاته، فأخذ في القديم بقول ابن عباس رضي الله عنهما الأيسر، وأخذ في الجديد بقول علي رضي الله عنه الأشد.

والأمثلة كثيرة يمكن الرجوع إليها في مظانها، ويلاحظ أنه لا أثر لاختلاف المكان والبيئة في اختلاف قولي الإمام الشافعي القديم والجديد في هذه المسائل كلها، وإنما يرجع سبب الاختلاف إلى إحكام مذهبه وضبطه بالأدلة الشرعية كما قال تلميذه الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله لما قيل له: (ما ترى في كتب الشافعي التي عند العراقيين أحب إليك أم التي عند المصريين؟، قال: عليك بالكتب التي وضعها بمصر، فإنه وضع هذه الكتب بالعراق ولم يحكمها، ثم رجع إلى مصر فأحكم ذلك).(مناقب الإمام الشافعي للبيهقي 1/263(

فهذا تلميذه وأعرف الناس به أرجع سبب تغير مذهب إمامه إلى الإحكام والضبط، ولو كان للبيئة والمجتمع سبب في ذلك لذكره.

فالقول بأن هذا هو السبب قول باطل وعري عن الصحة ولا يستقيم مع التحقيق العلمي ولا يقوله إلا جاهل أو صاحب هوى.

وليس معنى ذلك أن الفقيه لا يجوز له أن يغير فتواه بتغير الزمان والمكان، بل هذا ممكن في المسائل الاجتهادية المبنية على العرف والمصالح ورفع الحرج، أما المسائل المبنية على الأدلة الشرعية الصحيحة، فهي ثابتة وصالحة لكل زمان ومكان .

والله أعلم.

قال الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه : " أيعجز أحدكم أن يكسب في كل يوم 1000 حسنة! فسأل سائل من جلسائه: كيف يكسب1000حسنة؟ فقال: يسبح 100 تسبيحة فيكتب له 1000 حسنة أو يحط عنه 1000 خطيئة " رواه مسلم.

رابط هذا التعليق
شارك

الموضوع قيم جداً يا دكتور وأحب أن أستزيد فى القراءة فيه بدون تعمق فأنا لست متخصص فى الفقه ومذاهبه ولكن مطلع عادى جداً وأقل من العادى كمان. فهل تستطيع أن تدلنى؟

رابط هذا التعليق
شارك

هذه المقالة في صورة فتوي توضح أن الامام الشافعي لم يغير مذهبه لتغير المكان والبيئة كما يدعي الكثير ممن أراد ان يروج لتلك الدعوي لهدف فى صدره وهو تمييع الثوابت والمفاهيم التي لا تتناسب مع البيئات التي يعيشون فيها ننتيجة تاثر تلك البيئات بعوامل خارجية كانتشار الفكر العلماني أو وجود ضغوطات خارجية .

فالعبرة عند الامام الشافعي رحمه الله فى الدليل الشرعي

وقد يستند العالم المجتهد فى فتواه او فى بناء مذهبه على إما دليل خاطي لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم

وهنا تكون الفتوي او الحكم الشرعي فى تلك المسألة غير منضبطة وغير سليمة ولا يجوز العمل بها إذا ثبت صحة ما يخالفها

والعالم فى اجتهاده إما مخطي فله اجر وإما مصيب فله اجران

او قد لا يصله الدليل أصلا فى مسألة من المسائل فيعتمد فى حججه على القياس مثلا فيجتهد فى المسألة دون أن يستند الى دليل من السنة

ولا شك ان القياس من الادلة التي اقرتها معظم المذاهب الفقهية

ثم لما انتقل الشيخ رحمه الله الى مكة في طريقه الى مصر وصل الى علمه أدلة جديدة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجدها صحيحة فما كان منه الا أن رجع عن كثير من الأحكام التي كان قد اقرها سابقا وهذا من ورعه وتواضعه .

فكثير من اهل العلم لا يرجع عن فتواه حتي ولو صح عنده الدليل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لهوي فى نفسه .

والشافعي رحمه الله يقول (إذا صح الحديث فهو مذهبي ) وهذا دليل على تقدييس العلماء للدليل واحترامهم له ولكونه المستند الثاني بعد القرآن فى تشريع الاحكام والعقيدة .

تم تعديل بواسطة dr/alfa

قال الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه : " أيعجز أحدكم أن يكسب في كل يوم 1000 حسنة! فسأل سائل من جلسائه: كيف يكسب1000حسنة؟ فقال: يسبح 100 تسبيحة فيكتب له 1000 حسنة أو يحط عنه 1000 خطيئة " رواه مسلم.

رابط هذا التعليق
شارك

لكن يا دكتور ما أعلمه أن الفتوى قد تتغير بتغير الزمان والمكان والشخص "لا أقصد الحكم الشرعى" ولكن الفتوى.

فهناك من الحرام ما قد يفتى بجوازه ولا يأثم الشخص بفعله لعموم البلوى ولإستحالة العيش إلا بالوقوع فى فيه، وهو تابع للقاعدة الفقهية "الضرورة تبيح المحظورات" والضرورة تقدر بقدرها. ويتنتفى الفتوى بالجواز لمجرد جواز السبب، فهل هذا يتعارض مع ذاك؟

تم تعديل بواسطة msayed
رابط هذا التعليق
شارك

هذه المقالة في صورة فتوي توضح أن الامام الشافعي لم يغير مذهبه لتغير المكان والبيئة كما يدعي الكثير ممن أراد ان يروج لتلك الدعوي لهدف فى صدره وهو تمييع الثوابت والمفاهيم التي لا تتناسب مع البيئات التي يعيشون فيها ننتيجة تاثر تلك البيئات بعوامل خارجية كانتشار الفكر العلماني أو وجود ضغوطات خارجية .

هذه العبارة بالتحديد لفتت نظري ... هل نحن هنا بصدد فتوى شرعية أن الشافعي لم يغير رأيه أم مجرد رأي في موضوع تاريخي لباحث قد نتفق معه أو نختلف ... ألاحظ أن كلمة فتوى أصبحت تستخدم في غير محلها كثيرا هذه الأيام ولابد لنا من وقفة لتحديد المعايير التي تصل بالرأي العادي أو حتى المتخصص الى مرتبة الفتوى الشرعية.

إن فشلنا في الوصول للحكم ولتغيير البلد .. لا تقلقوا .. نحن فكرة .. الفكرة لا تموت ... تستمر لا تتوقف

البرادعي 15/10/2011

رابط هذا التعليق
شارك

اذا لم تتغير الفتوى بتغير الزمان و المكان و الظروف البيئيه و الاجتماعيه لأصبح دينا جامدا سهل مقارعته نزل لمجموعه معينه من البشر في زمن معين و مكان معين و ظروف معينه و ما ينطبق عليهم يجب ان ينطبق على كل العالم في كل مكان و زمان و ظروف

سيدنا رسول الله لم يفسر القرآن و اظن ان لهذا سبب معين يجب ان نحاول فهمه

Vouloir, c'est pouvoir

اذا كنت لا تقرأ الا ما يعجبك فقط فإنك لن تتعلم ابدا

Merry Chris 2 all Orthodox brothers

Still songs r possible

رابط هذا التعليق
شارك

فلنحاول جميعا ان نستوعب ان الاسلام نزل لكوكب الأرض

و حاجات كتير من اللي ممكن نعملها هنا مالهاش معنى في حته تانيه

فصلاة الإستسقاء مثلا ليس لها اي معنى في فانكوفر بكندا لإنهمار الأمطار فيها معظم ايام السنه!!

و الصوم و الافطار على رؤية الهلال ليس له اي معنى في فانكوفر أو لندن مثلا لأن السحاب مغطيها معظم السنه و صعب جدا يشوفوه!!

ده على مستوى اختلاف الطقس بس

و الكثير الكثير

ياريت تصلوا ع النبي

Vouloir, c'est pouvoir

اذا كنت لا تقرأ الا ما يعجبك فقط فإنك لن تتعلم ابدا

Merry Chris 2 all Orthodox brothers

Still songs r possible

رابط هذا التعليق
شارك

اللهم صلي وسلم على نبينا محمد

الناس ليه دخلين متحمسين قوي كدة ياريت نفترض حسن النوايا

في فرق بين الأحكام والفتاوى

والكلام المنقول عن مذهب الشافعي طبعا يخص الأحكام الفقهية المنتمية لمذهب الشافعي وده كلام صحيح ، أنما الفتاوى لا أحد يستطيع أن ينكر أنها تتغير بتغير الزمان والمكان والأشخاص

ehm448.gif

رابط هذا التعليق
شارك

  • بعد 2 أسابيع...

الاخ الفاضل الغريب فتح الله عليك

كلامك جيد جدا

انا أقصد أن صاحب الموقع جاء له سؤال ورد عليه بمقال جيد المحتوي يبين فيه ان الامام الشافعي انما غير كثيرا من المسائل الفقهية فى مذهبه استنادا الى دلائل من السنة لم تكن عنده حين أقر مذهبه فى العراق .

فالمقال لم يتطرق الى مسألة ان الفتوي تتغير بتغير المكان والزمان فهذا قد يحدث ولا تحضرني أمثلة الآن لها .

ولكن المقصود هنا ان الاحكام الشرعية لا يجوز التلاعب بها ولا الاجتهاد فيها الا بنص وهذا هو الراجح من أقوال الأئمة .

الاستاذ mzohairy

شكرا على تعقيبك

لكن هل يعني ان بعض الامور الفقهية التي لم يعد لها استخداما ان نتركها دون دراسة وتحقيق وتعلم

لمجرد انها لم يعد لها احتياج ؟؟

أظن ان الصواب خلاف لما ذهبت اليه فأبواب الفقه لا يمكن الاستغناء عنها ولا يمكن استبعاد بعضها بحجة عدم الملائم للزمن او المكان

فعلى كلامك لا يجب مدارسة أحكام الرق والعتق والجهاد والسياسة الشرعية والخمس والجزية وكثيرا من أحكام البيوع التى ماعادت لها حاجة عند أكثر الناس وكذلك باب الحدود الشرعية .

وهذا امر لا يمكن ان يوافقك عليه أهل العلم

قال الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه : " أيعجز أحدكم أن يكسب في كل يوم 1000 حسنة! فسأل سائل من جلسائه: كيف يكسب1000حسنة؟ فقال: يسبح 100 تسبيحة فيكتب له 1000 حسنة أو يحط عنه 1000 خطيئة " رواه مسلم.

رابط هذا التعليق
شارك

  • بعد 9 شهور...

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

هذا المقال من موقع الدرر السنية

علوي بن عبدالقادر السَّقَّاف

يزعم بعض الناس أن الإمام الشافعي كان يفتي في العراق بفتاوى ولما ذهب إلى مصر أصبح يفتي بخلاف ذلك لاختلاف البيئة بين مصر والعراق وبالتالي أصبحت له فتاوى تناسب أهل العراق وفتاوى تناسب أهل مصر؟ وهذا الزعم ليس بصحيح فلم يثبت أنه كان للإمام الشافعي رحمه الله فتاوى تناسب أهل العراق وأخرى تناسب أهل مصر، ولكن المقرر في كتب المذهب الشافعي هو أن الإمام الشافعي كان له مذهبان مذهب في العراق وهو المذهب القديم تلقاه عنه تلاميذه هناك وألَّف فيه كتباً ثم إنه عندما انتقل إلى مصر مروراً بمكة التقى بعدد من العلماء ونقلة الأحاديث وتراجع عن كثير مما كان عليه بالعراق، وهو ما أصبح يُعرف بالمذهب الجديد، ولم يكن آنذاك يُعرف بمذهب العراق ومذهب مصر. وهذا المذهب الجديد قيل إنه تشكَّل قبيل مغادرته العراق إلى مكة، وقيل قبل مغادرته مكة، لكن من المقطوع به أنه كتبه وأصَّله في مصر، فهو إذن لا علاقة له بكونه في مصر أو في العراق

ومما يدل على ذلك:

1- أنه لو كان الأمر مجرد فتاوى تناسب كل بلد لما أمر رحمه الله بشطب كتبه التي ألَّفها في العراق وحرَّم على الناس روايتها، فقد كان يقول: (ليس في حلٍّ من روى عني القديم) (البحر المحيط) للزركشي (4/584)، بل لجعل لكل بلد فتاواه التي تناسبه.

2- ولو كان الأمر كما يزعم هؤلاء لأفتى أصحابه بالعراق بأقواله القديمة والواقع خلاف ذلك.

3- أن أئمة المذهب الشافعي والذين هم أدرى به لم يذكر أحدٌ منهم هذا السبب، فهل هؤلاء المتأخرون أعلم بذلك منهم؟!. بل عندما اختار بعضهم شيئاً من أقواله القديمة لم ينسبوها إليه، بل اختاروها لرجحان أدلتها من وجهة نظرهم.

4- أن أئمة المذهب الشافعي صرَّحوا بأنه لا يجوز تقليد الشافعي في مذهبه القديم ولو كان المقلِّد من أهل العراق، فكيف يزعم هؤلاء أن السبب اختلاف البيئة واختلاف المكان.

5- لو صح أن سبب تغيير الإمام الشافعي لمذهبه في مصر اختلاف المكان لما قلَّده الشافعية في غير مصر والمعلوم لدى طلاب العلم أن أئمة الشافعية أين ما كانوا قد أخذوا بمذهبه الجديد الذي أسسه في مصر حتى أهل العراق أنفسهم، وكتاب الأم وهو العمدة في المذهب الشافعي إلى الآن؛ ألَّفه في مصر، لذلك قال النووي في المجموع (1/66): (كل مسألة فيها قولان للشافعي رحمه الله قديم وجديد، فالجديد هو الصحيح وعليه العمل)، وقال (1/68): (ليس للمفتي ولا للعامي المنتسب إلى مذهب الشافعي رحمه الله في مسألةِ القولين أو الوجهين أن يعمل بما شاء منهما بغير نظر بل عليه في القولين العمل بآخرهما) ولم يفرق بين كون هذا المفتي في العراق أو مصر أو غيرهما.

والعجيب في الأمر أن الذين يزعمون أنه غيَّر مذهبه لتغير عوائد الناس وطبائعهم إنما يريدون بهذا الزعم إصدار فتاوى تيسر على الناس ولو خالفت الدليل زاعمين أن الإمام الشافعي أفتى بفتاوى تناسب أهل مصر تيسيراً عليهم، وجهل أولئك أن فتاوى الإمام حسب أصوله في مصر أشد من فتاواه في العراق، ومذهبه في العراق أقرب إلى التيسير، وأنه بنى مذهبه الجديد على الاحتياط، وعدم القول بالمصالح المرسلة التي يدندن حولها القوم، ولا عبرة بالعرف عنده بل العبرة بالنص والالتزام بظاهر النصوص كما سيظهر ذلك من خلال بعض الأمثلة التي سأوردها لك بعد قليل، ولا توجد مسألة واحدة تراجع عنها الإمام لتغير الظروف بين مصر والعراق، والبينة على المدعي، وهيهات!.

ومن أمثلة الفتاوى التي أفتى بها في مصر وكان رأيه فيها أشد من رأيه في العراق كما هو مبثوث في كتب الشافعية:

1- استعمال أواني الذهب والفضة، في القديم: يكره كراهة تنزيه، وفي الجديد: يكره كراهة تحريم.

2- المسح على الخفّ المخرق، في القديم: إن كان الخرق لا يمنع المشي عليه جاز، وفي الجديد: إن ظهر من الرِّجل شيء لم يجز.

3- ترك الفاتحة نسياناً، في القديم: تسقط عنه القراءة بالنسيان، وفي الجديد: لا تسقط.

4- الغسل من ولوغ الكلب، في القديم: لا يجب غسله، وفي الجديد: يغسل ستاً.

5- ترك الترتيب في الوضوء ناسياً، في القديم: صحيح، وفي الجديد: باطل.

6- النوم في الصلاة، في القديم: لا ينقض الوضوء، و في الجديد: ينقض.

7-امرأة المفقود، في القديم: تتربص أربع سنين من وقت انقطاع خبره، ثم تعتد عدة الوفاة: أربعة أشهر وعشرة أيام، وفي الجديد: لا تعتد ولا تنكح أبداً حتى يأتيها يقين وفاته، فأخذ في القديم بقول ابن عباس رضي الله عنهما الأيسر، وأخذ في الجديد بقول علي رضي الله عنه الأشد.

والأمثلة كثيرة يمكن الرجوع إليها في مظانها، ويلاحظ أنه لا أثر لاختلاف المكان والبيئة في اختلاف قولي الإمام الشافعي القديم والجديد في هذه المسائل كلها، وإنما يرجع سبب الاختلاف إلى إحكام مذهبه وضبطه بالأدلة الشرعية كما قال تلميذه الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله لما قيل له: (ما ترى في كتب الشافعي التي عند العراقيين أحب إليك أم التي عند المصريين؟، قال: عليك بالكتب التي وضعها بمصر، فإنه وضع هذه الكتب بالعراق ولم يحكمها، ثم رجع إلى مصر فأحكم ذلك).(مناقب الإمام الشافعي للبيهقي 1/263(

فهذا تلميذه وأعرف الناس به أرجع سبب تغير مذهب إمامه إلى الإحكام والضبط، ولو كان للبيئة والمجتمع سبب في ذلك لذكره.

فالقول بأن هذا هو السبب قول باطل وعري عن الصحة ولا يستقيم مع التحقيق العلمي ولا يقوله إلا جاهل أو صاحب هوى.

وليس معنى ذلك أن الفقيه لا يجوز له أن يغير فتواه بتغير الزمان والمكان، بل هذا ممكن في المسائل الاجتهادية المبنية على العرف والمصالح ورفع الحرج، أما المسائل المبنية على الأدلة الشرعية الصحيحة، فهي ثابتة وصالحة لكل زمان ومكان .

والله أعلم.

رابط هذا التعليق
شارك

ما كنتش مقتنع بموضوع تغيير الامام الكبير الشافعي لمذهبه , لان الفقيه لا يغير مذهبه طبقا لعادات أحد , تحياتي على المقال الرائع.

الامام الشافعي

هو محمد بن إدريس الشافعي الهاشمي المطَّلبي، الذي وُلِدَ في غزة بفلسطين سنة 150هـ، وتُوُفِّيَ في مصر سنة 204هـ وعمره 54 سنة، وقد وضع مذهبه الجديد فيها.

وبالنسبة إلى أشهر كتبه؛ فإنه لمَّا ظهر الشافعي بعلمه ومواهبه، ولَفَتَ الأنظار إليه في مجالسه في المسجد الحرام، ثم في لقاءاته بالعراق، أرسل إليه بعض علمائها، وهو عبد الرحمن بن مهدي (ت 198هـ) رسالة يطلب إليه فيها أن يكتب لهم كتابًا يُبَيِّن فيه معاني القرآن، ويجمع فيه قبول الأخبار، أي شروط قَبُول الحديث، ويُبَيِّن لهم حجية الإجماع، والناسخ والمنسوخ من القرآن والسنة، وقد أكَّدَ ذلك الطلب وتلك الحاجة العالم علي ابن المَدِينِيِّ الذي قال للشافعي: أجب عبد الرحمن بن مهدي عن كتابه، فقد كتب إليك يسألك وهو متشوِّق إلى جوابك. قال: فأجابه الشافعي، وهو كتاب الرسالة الذي كتب عنه بالعراق، وإنما هي رسالته إلى عبد الرحمن بن مهدي، وقد أطلق الناس على كتابه هذا "الرسالة"؛ نظرًا لهذا السبب، ولكن الشافعي يسمِّيه "الكتاب"، أو "كتابي".

وبحسب الروايات السابقة فإن الشافعي يكون قد ألَّف رسالته هذه في مكَّة، وأرسلها إلى عبد الرحمن بن مهدي في العراق، وذلك هو المشهور، ولكن هناك رواية أخرى تذكر أن الشافعي ألَّف كتابه هذا في العراق، قال الرازي: "اعلم أن الشافعي صنَّف كتاب الرسالة ببغداد، ولما رجع إلى مصر أعاد تصنيف كتاب الرسالة وفي كل منهما علم كثير". ومن هذه الرواية نعلم أيضًا أنه قد أعاد تأليفها في مصر بعد انتقاله إليها، ولا تعارض بين الروايات، فمِنَ الجائز أن يكون الشافعي قد ألَّف رسالته ثلاث مرَّات، لا ينشئها إنشاءً، ولكن يُعِيدُ النظر فيها وفي ترتيبها بالإضافة والحذف أو التقديم والتأخير.

وتستمدُّ الرسالة قيمتها العلمية، ومكانتها الفقهية والأصولية من الشافعي نفسه، وهو مَن عَرَفْنا من العلم والفقه والحديث واللغة؛ لذلك فإن كل فضل في هذه الرسالة انعكاس لفضل الشافعي، ومكانته بين العلماء، كما أن كل ثناء على الشافعي نجده بصورة أو بأخرى في ثنايا هذه الرسالة، وقد تكلَّم العلماء كثيرًا في فضل هذه الرسالة وقيمتها بما يضعها في قمَّة كتب الفقه وأصوله، وفي قمة كتب الشافعي أيضًا.

وهذا طرف من ثناء العلماء على هذه الرسالة، وآرائهم في قيمتها ومكانتها؛ فقد قال عبد الرحمن بن مهدي الذي أرسل إليه الشافعي رسالته هذه: "لما نظرتُ الرسالة للإمام الشافعي أذهلتني، لأنني رأيت كلامَ رجلٍ عاقل فصيح ناصح، فإني لأُكْثِرُ الدعاءَ له". وقال: "ما أُصَلِّي صلاة إلاَّ وأنا أدعو للشافعي فيها". وقال المزني: "أنا أنظر في كتاب الرسالة عن الشافعي منذ خمسين سنة ما أعلم أني نظرتُ فيه من مرَّة إلاَّ وأنا أستفيد شيئًا لم أكن عرفته".

وكتاب الرسالة هذا هو أوَّل كتاب منظَّم في أصول الفقه وفي أصول الحديث أيضًا؛ وذلك لأن الناس قبله كانوا يتكلَّمون في المسائل الأصولية حسبما اتُّفِقَ، ولم يكن لهم نظام جامع ولا قواعد كلية، إلى أن ألَّف الشافعي رسالته هذه، فوضع فيها القواعد الكلية والقانون الجامع في أصول الفقه، وفي ذلك يقول الفخر الرازي: "اعلم أن نسبة الشافعي إلى علم الأصول كنسبة أرسطو إلى علم المنطق، وكنسبة الخليل ابن أحمد إلى علم العَرُوض؛ وذلك لأن الناس كانوا قبل أرسطو يستدلُّون ويعترضون بمجرد طباعهم السليمة، ولكن ما كان عندهم قانون في كيفية ترتيب الحدود والبراهين، وكذلك الشعراء كانوا قبل الخليل بن أحمد ينظمون أشعارًا وكان اعتمادهم على مجرَّد الطبع، فكذلك ههنا الناس، كانوا قبل الإمام الشافعي يتكلَّمون في مسائل أصول الفقه ويستدلُّون ويعترضون، ولكن ما كان لهم قانون كلي مرجوع إليه في معرفة دلائل الشريعة، وفي كيفية معارضتها وترجيحاتها، فاستنبط الشافعي -رحمه الله تعالى- علم أصول الفقه، ووضع للخلق قانونًا كليًّا يُرجَع إليه في معرفة مراتب أدلَّة الشرع، واعترف الجميع للشافعي بالرفعة والجلالة والتميُّز على سائر المجتهدين بسبب هذه الدرجة الشريفة". ثم يقول -أي الفخر الرازي-: "والناس وإن أطنبوا بعد ذلك في علم أصول الفقه إلا أنهم عيال على الشافعي فيه؛ لأنه هو الذي فتح هذا الباب، والسبق لمن سبق".

وقد تناول الشافعي في هذه الرسالة مصادر الأحكام الرئيسية: القرآن الكريم والسنة النبوية، والإجماع، والقياس، والاجتهاد، تناول ذلك كلَّه بالبيان الذي يوضِّح مكان كلٍّ منها من بين المصادر، وعَلاقة المصادر الأخرى به، ومكان الحُجة فيه، كما يتحدَّث عن الاستحسان، وأسباب الاختلاف في الحديث والفقه، ويقسِّم الشافعي ذلك في الرسالة على ثلاثة أجزاء، ويبدو أن هذا التقسيم تقسيم كَمِّيٍّ أو وقتيٍّ، بمعنى أن الشافعي قسَّمها هذا التقسيم حسب كمية الموضوعات التي تناولها في كل جزء، أو عند الانتهاء منها أنهى ذلك الجزء، ثم عند استئناف الإملاء ابتدأَ جزءًا آخر، وهكذا.

مع تحياتي:roseop:

تم تعديل بواسطة nightmare

فداك أبي وأمي ونفسي ومالي يا رسول الله

http://www.youtube.com/watch?v=yOblBbK5FqI&feature=related

رابط هذا التعليق
شارك

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة
×
×
  • أضف...