اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

كمائن الحلول "الإسرائيلية" ومخاطرها!


Recommended Posts

كمائن الحلول "الإسرائيلية" ومخاطرها!

صلاح الدين حافظ

صحيفة الخليج الإماراتية 16/6/2004

على البعد، يبدو مخطط شارون للانسحاب بعيد المدى من غزة، عملاً نافعاً وخطوة إيجابية، على القرب يبدو الأمر مختلفاً.. ذلك أن الأمر نسبي، بقدر ما إن الهدف ملتبس.

فلا يمكن لعاقل أو لوطني غيور، أن يرفض انسحاب العدو المحتل، من أرض فلسطينية أقام فيها واحتل واستعمر ودمر، لكن لا يمكن بالمنطق نفسه لعاقل وطني أن يقبل بظواهر الأمور من دون التعمق في بواطنها، خصوصاً مع عدو مثل "إسرائيل"، ومع سفاح مثل شارون تميز على الدوام بالمخاتلة والمراوغة والخداع.

ونحسب أن أهم الدوافع التي حركت خطة شارون لفك الارتباط مع الشعب الفلسطيني من جانب واحد، هو خبرة التجربة المريرة للجيش "الإسرائيلي" على مدى نحو أربع سنوات، خاض فيها قتالاً شرساً ضد المقاومة الوطنية الفلسطينية التي قادت الانتفاضة منذ عام 2000 حتى الآن، ودفع فيها "الإسرائيليون" ثمناً باهظاً، وصل إلى ألف قتيل وفق الأرقام الرسمية "الإسرائيلية" مقابل ثلاثة آلاف شهيد فلسطيني في الضفة الغربية وغزة.

لكن غزة، ذلك الشريط الأرضي الضيق المطل على البحر المتوسط، المجاور لمصر، أكثر مناطق العالم ازدحاماً بالسكان، كان هو "المقتلة" التي أدمت الجسد "الإسرائيلي"، الأمر الذي فرض على القادة "الإسرائيليين" سياسيين وعسكريين، ضرورة الخروج السريع من هذه المقتلة.

وبصرف النظر عن المناورات والمماحكات السياسية والحزبية، داخل الحكومة "الإسرائيلية"، حول شروط الانسحاب وتفكيك المستوطنات "المستعمرات" اليهودية في غزة - 21 مستعمرة تضم 7500 مستعمر - يبقى أن الخيار الاستراتيجي لشارون، هو التعجيل بالهروب من هذه المقتلة قبل أن تتزايد الخسائر، تماما كما فعلت "إسرائيل" من قبل حين انسحبت من جنوب لبنان.. في الحالتين يظل الانتصار عنواناً على المقاومة الوطنية الباسلة ورمزاً إنسانياً لها.

الجديد في المخطط الشاروني للانسحاب من غزة، هو دخول مصر أولاً، ثم الأردن تالياً، على الخط، ولا نتصور أن هذا الدخول، يعمل على ملء فراغ سوف ينتج في غزة، أو القيام بمهام حفظ الأمن لـ"إسرائيل"، أو تكبيل قوى المقاومة الفلسطينية، ذلك أن الناحية المبدأية تقول بضرورة قيام مصر والأردن خصوصاً، بحكم علاقاتهما القديمة بغزة والضفة، وبحكم الجوار الجغرافي والتلاحم السكاني، بدور رئيسي في الوصول إلى الهدف الاستراتيجي وهو قيام دولة فلسطينية متصلة على الأرض التي احتلها العدو "الإسرائيلي" بعد عدوان 1967 وفقاً للمرجعيات الدولية.

لكن ذلك كله يثير الكثير من المخاوف والعديد من المحاذير، ورغم أن المبادرة المصرية المنشورة، تقوم على أساس المساعدة في تأهيل وتدريب قوات الأمن الفلسطينية في غزة والشيء نفسه بالنسبة للأردن إلا أن الخوف يكمن في استدراج مصر خصوصاً لحقول الرمال المتحركة، إذا ما جاءت لحظة يمكن أن تصطدم قوات أو خبراء مصريون، بفصائل المقاومة الفلسطينية لأي سبب.

وبقدر ما يمكن أن تكون هذه اللحظة مريرة وقاسية، يجب ألا تقع فيها مصر أو غيرها من الدول العربية، بقدر ما يمكن أن تكون لحظة السعادة البالغة لكل "إسرائيل"، ونظن أن هدف شارون الأساسي من هذه الخطة الجديدة هو استدراج مصر إلى غزة، والأردن إلى الضفة، لتعريب القتال أو الصدام المحتمل.. مرة أخرى نحذر من ذلك، ونأمل أن تعي الأطراف العربية كافة، ضرورة التفرقة بين دفع "إسرائيل" للانسحاب من أي أرض محتلة، وتدعيم السلطة الفلسطينية في إضفاء سيطرتها الشرعية على هذه الأرض، وبين الوقوع في شراك الخداع وحبائل الكمائن “الإسرائيلية”. هذه واحدة.

أما الثانية، فتبدو أكثر غرابة وأعمق شذوذاً. ونعني أن مخطط شارون للانسحاب الأحادي الجانب من غزة، على آماد طويلة، وطبقاً لشروط "إسرائيلية" مشددة، يمثل الجزء الأول من المناورة الكبرى، بل قل هو الكمين الأول في طريق الألغام.

أما الكمين الثاني، الذي لا يزال جنيناً، فهو مخطط إقامة الدولة الفلسطينية الكرتونية في غزة فقط، طالما أن هناك إلحاحاً دولياً وإصراراً عربياً ونضالاً فلسطينياً من أجل هدف الوصول لدولة فلسطينية، وقد تتنازل "إسرائيل" مستقبلا عن بعض المناطق المهمشة في الضفة الغربية، لتلحق بدولة غزة عن بعد، دون تواصل جغرافي وتكامل سكاني.

ويلفت النظر هنا الترحيب الأمريكي الشديد بالكمين "الإسرائيلي" الأول، ألا هو مخطط شارون للانسحاب المشروط من غزة، ثم يلفت النظر ثانياً أن عديداً من مراكز الدراسات ودوائر صنع القرار الأمريكي، بدأت منذ فترة في دراسة الكمين الثاني، ومدى قابليته للتطبيق في المستقبل، تطبيقاً "لرؤية الرئيس بوش" في إقامة دولة فلسطينية إلى جوار "إسرائيل"، حتى لو كانت في غزة وفق الرؤية الشارونية.

ولعل ذلك يذكرنا بما جرى قبل عشر سنوات، حين رعى البيت الأبيض الأمريكي، اتفاقيتي أوسلو بين "إسرائيل" والفلسطينيين عامي 1993 حين خرج شعار "غزة أريحا أولا"، وساعتها قلنا وكتبنا، إن الخوف أن تكون غزة أريحا أولاً وأخيراً، وها هو الوقت قد جاء، لنرى الموقف قد تيبس أو كاد عند غزة فقط أولاً وأخيراً.

المهم أن ترويجاً سياسياً وأكاديمياً واسعاً يجري الآن في الآفاق الأمريكية والأردنية، بل وبعض العربية، لمشروع الدولة الفلسطينية في غزة أولاً وأخيراً، ليس فقط بهدف جس نبض الأطراف المعنية -خصوصاً العربية بل وأيضاً دراسة مدى تطبيق المشروع على أرض الواقع، وضمان إمكانات نجاحه واستمراره.. استمرار دولة كرتونية فلسطينية مزدحمة بالسكان فوق شريط أرضي ضيق للغاية، دمرت "إسرائيل" بوحشية رهيبة كل بنياته الأساسية، وحولته إلى "محرقة" عصرية، جعلت أحد الوزراء "الإسرائيليين" يصرخ، إن ما فعلته دبابات وجرافات "إسرائيل" في غزة ورفح، يذكره بما روته له جدته عما فعلته قوات النازي من محارق هائلة "هولوكوست" لليهود في أوروبا!

الآن.. ما هو الكمين "الإسرائيلي" الجديد؟

على مدى السنوات الثلاث الماضية، التقى فكر الأكاديمي بخطط العسكري، أستاذ الجامعة العبرية في القدس "يوشع بن آريه" مع اللواء احتياط "جيورا آيلاند" مستشار الأمن القومي في "إسرائيل"، حول أن الحل التاريخي لتنازع الطرفين "الإسرائيلي" والفلسطيني، حول مساحة صغيرة من الأرض، هي فلسطين يكمن في إقناع الفلسطينيين – إجبارهم- والعرب والعالم، بقبول دولة مستقلة في غزة، مع التنازل عن معظم الضفة الغربية المزدحمة الآن بالمستوطنات اليهودية أكثر من مائتي مستوطنة والتي لن تجد في "إسرائيل" من يقبل التنازل عنها!

يقوم كمين يوشع وآيلاند على المحاور الرئيسية التالية:

1- تقدم مصر شريطاً أرضياً موازياً لحدود غزة، ليضم إليها بهدف توسيع دولة غزة، بحيث تضم نحو 600 كيلو مربع من الأراضي المصرية، حتى العريش عاصمة سيناء الشمالية، وبذلك تقوم دولة لها مساحة جغرافية تسمح باستيعاب اللاجئين الفلسطينيين إلى جوار الغزاويين، وتقام فيها بنية أساسية عصرية خصوصاً الميناء الضخم في العريش، وخط سكة حديد، ومناطق صناعية وتجارة حرة.. الخ.

2- تقوم "إسرائيل" بتعويض مصر، بمساحة 200 كيلو متر مربع في النقب قبالة منطقة "الكونتيلا" المصرية في سيناء، وهى منطقة صحراوية خالية من الاستيطان "الإسرائيلي".. مما يسمح لمصر بممرات أرضية تربطها بالأردن والسعودية وتساعد على الرواج التجاري والاقتصادي!

3 - مقابل ذلك كله، يتنازل الفلسطينيون -وكل العرب - عن معظم الضفة الغربية، خصوصاً المزدحمة بالمستعمرات "الإسرائيلية"، لكي تنضم هذه إلى "إسرائيل"، فتحقق الأمن لجميع "الإسرائيليين".

4- تتعهد "إسرائيل" والجماعات اليهودية في العالم، بحث الولايات المتحدة الأمريكية، والدول الأوروبية والصناعية في العالم، على دعم وتمويل هذا المشروع، وعلى ضخ نحو 20 مليار دولار فوراً، لبناء هياكل الدولة الفلسطينية في غزة الموسعة، لتحل مشكلة الصراع الفلسطيني "الإسرائيلي".

5- لم تعد مبادئ تبادل الأرض بين الدول فكرة مزعجة، فقد سبق طرحها بين مصر و"إسرائيل" خلال مفاوضات كامب ديفيد، وإن رفضتها مصر تماماً، وسبق طرحها بين الفلسطينيين و"الإسرائيليين" منذ اتفاقات أوسلو، بل سبق تطبيقها بين السعودية والأردن، حين تم تبادل الأرض بينهما في الستينات، لتوسيع الظهير الأرضي حول ميناء العقبة!

هذه هي خلاصة ما جمعناه عن تفاصيل المشروع "الكمين" "الإسرائيلي" الأخطر، الذي يجري الآن ترويجه سياسياً وأكاديمياً خصوصاً في أمريكا، وقد نفاجأ به يطرح علناً وإعلامياً غداً لتسويقه، والضغط من أجل تنفيده..

حتى الآن على الأقل.. نثق أنهم لن يجدوا فلسطينياً يتنازل عن حقه التاريخي في أرضه ووطنه الذي كفلته القرارات والمرجعيات الدولية أولاً، ولن يجدوا ثانياً مصرياً واحداً يقبل بالتنازل عن شبر من حدود مصر الدولية المستقرة منذ آلاف السنين، لكنها في النهاية هي الأحلام والمشروعات والكمائن القديمة تتجدد، من حلم "إسرائيل" الكبرى من النيل إلى الفرات، إلى مشروع طرد كل الفلسطينيين إلى الأردن شرقاً وإلى سيناء غرباً، وتصدير أزمتهم إلى العرب!

لذلك نظل نحذر من الكمائن "الإسرائيلية" المتتالية، التي تبدو أحياناً براقة على السطح، خدّاعة قاتلة في الأعماق، وما انسحاب شارون المشروط من غزة إلا واحد منها، وما مشروع دولة غزة الموسعة في سيناء إلا ثانيها، أما ثالثها وعاشرها فما زالا وراء ظلال الأكمة!

آخر الكلام: يقول أبو العلاء المعري:

إذا قلتُ المحال رفعتُ صوتي

وإن قلتُ اليقين أطلتُ همسي!

يا حيف ع اللي جرحهم جرحي وفوق الجرح داسوا

صاروا عساكر للعدى وكندرة العدو باسوا

2_471137_1_209.jpg

حسبنا الله ونعم الوكيل

رابط هذا التعليق
شارك

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة
×
×
  • أضف...