اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

مختارات من أعمال محمود درويش


Recommended Posts

في بيت أمي

جديد - محمود درويش

في بيت أُمِّي صورتي ترنو إليّ

ولا تكفُّ عن السؤالِ:

أأنت، يا ضيفي، أنا؟

هل كنتَ في العشرين من عُمري،

بلا نظَّارةٍ طبيةٍ،

وبلا حقائب؟

كان ثُقبٌ في جدار السور يكفي

كي تعلِّمك النجومُ هواية التحديق

في الأبديِّ...

[ما الأبديُّ؟ قُلتُ مخاطباً نفسي]

ويا ضيفي... أأنتَ أنا كما كنا؟

فمَن منا تنصَّل من ملامحِهِ؟

أتذكُرُ حافرَ الفَرَس الحرونِ على جبينكَ

أم مسحت الجُرحَ بالمكياج كي تبدو

وسيمَ الشكل في الكاميرا؟

أأنت أنا؟ أتذكُرُ قلبَكَ المثقوبَ

بالناي القديم وريشة العنقاء؟

أم غيّرتَ قلبك عندما غيّرتَ دَربَكَ؟

قلت: يا هذا، أنا هو أنت

لكني قفزتُ عن الجدار لكي أرى

ماذا سيحدث لو رآني الغيبُ أقطِفُ

من حدائقِهِ المُعلَّقة البنفسجَ باحترامً...

ربّما ألقى السلام، وقال لي:

عُدْ سالماً...

وقفزت عن هذا الجدار لكي أرى

ما لا يُرى

وأقيسَ عُمْقَ الهاويةْ

لا ينظرون وراءهم

لا ينظرون وراءهم ليودِّعوا منفى،

فإنَّ أمامهم منفى، لقد ألِفوا الطريق

الدائريَّ، فلا أمام ولا وراء، ولا

شمال ولا جنوب. "يهاجرون" من

السياج الى الحديقة. يتركون وصيةً

في كل مترٍ من فناء البيت:

"لا تتذكروا من بعدنا

إلا الحياة"...

يسافرون" من الصباح السندسي الى

غبارٍ في الظهيرة، حاملين نُعوشَهُم ملأى

بأشياء الغياب: بطاقة شخصية، ورسالةٍ

لحبيبةٍ مجهولةِ العنوانِ:

"لا تتذكري من بعدنا

إلا الحياة

و"يرحلون" من البيوت الى الشوارع،

راسمين إشارة النصر الجريحة، قائلين

لمن يراهُمْ:

"لم نَزَلْ نحيا، فلا تتذكّرونا"!

يخرجون من الحكاية للتنفُّس والتشمُّس.

يحلُمون بفكرةِ الطيرانِ أعلى... ثم أعلى.

يصعدون ويهبطون. ويذهبون ويرجعون.

ويقفزون من السيراميك القديم الى النجوم.

ويرجعون الى الحكاية... لا نهاية للبدايةِ.

يهربون من النعاس الى ملاك النوم،

أبيضَ، أحمرَ العينين من أثر التأمُّل

في الدم المسفوك:

"لا تتذكروا من بعدنا

إلا الحياة"...

هو هادئٌ، وأنا كذلك

هوَ هادئٌ، وأنا كذلك

يحتسي شاياً بليمونٍ،

وأشربُ قهوةً،

هذا هو الشيءُ المغايرُ بيننا.

هوَ يرتدي، مثلي، قميصاً واسعاً ومُخططاً

وأنا أطالعُ، مثلَهُ، صُحُفَ المساءْ.

هو لا يراني حين أنظرُ خلسةً،

أنا لا أراه حين ينظرُ خلسةً،

هو هادئٌ، وأنا كذلك.

يسألُ الجرسون شيئاً،

أسألُ الجرسونَ شيئاً...

قطةٌ سوداءُ تعبُرُ بيننا،

فأجسّ فروةَ ليلها

ويجسُّ فروةَ ليلها...

أنا لا أقول لَهُ: السماءُ اليومَ صافيةٌ

وأكثرُ زرقةً.

هو لا يقول لي: السماءُ اليوم صافيةٌ.

هو المرئيُّ والرائي

أنا المرئيُّ والرائي.

أحرِّكُ رِجْليَ اليُسرى

يحرك رجلَهُ اليُمنى.

أدندنُ لحن أغنيةٍ،

يدندن لحن أغنية مشابهةٍ.

أفكِّرُ: هل هو المرآة أبصر فيه نفسي؟

ثم أنظر نحو عينيه،

ولكن لا أراهُ...

فأتركُ المقهى على عجلٍ.

أفكّر: رُبَّما هو قاتلٌ، أو رُبما

ر هو عابرٌ قد ظنَّ أني قاتلٌ

هو خائفٌ، وأنا كذلك!

...

الظلّ

الظلُّ، لا ذَكرٌ ولا أنثى

رماديٌّ، ولو أشعلْتُ فيه النارَ...

يتبعُني، ويكبرُ ثُمَّ يصغرُ

كنت أمشي. كان يمشي

كنت أجلسُ. كان يجلسُ

كنت أركضُ. كان يركضُ

قلتُ: أخدعُهُ وأخلعُ معطفي الكُحْليَّ

قلَّدني، وألقي عنده معطفَهُ الرماديَّ...

استدَرْتُ الى الطريق الجانبيةِ

فاستدار الى الطريق الجانبية.

قلتُ: أخدعُهُ وأخرجُ من غروب مدينتي

فرأيتُهُ يمشي أمامي

في غروب مدينةٍ أخرى...

فقلت: أعود مُتّكئاً على عكازتين

فعاد متكئاً على عكازتين

فقلت: أحمله على كتفيَّ،

فاستعصى...

فقلتُ: إذنْ، سأتبعُهُ لأخدعهُ

سأتبعُ ببغاء الشكل سخريةً

أقلِّد ما يُقلِّدني

لكي يقع الشبيهُ على الشبيه

فلا أراهُ، ولا يراني.

لي حكمة المحكوم بالإعدام

ليَ حكمةُ المحكوم بالإعدامِ:

لا أشياءَ أملكُها لتملكني،

كتبتُ وصيَّتي بدمي:

"ثِقُوا بالماء يا سُكّان أُغنيتي!"

ونِمْتُ مُضرّجاً ومتوَّجاً بغدي...

حلِمْتُ بأنّ قلب الأرض أكبرُ

من خريطتها،

وأوضحُ من مراياها ومِشْنَقتي.

وهِمْتُ بغيمةٍ بيضاء تأخذني

الى أعلى

كأنني هُدْهُدٌ، والريحُ أجنحتي.

وعند الفجر، أَيقظني

نداءُ الحارس الليليِّ

من حُلْمي ومن لغتي:

ستحيا ميتةً أخرى،

كما هي،

واسمَه الأصليّ في ما بعد/

كلُّ قصيدة أُمٌّ

تفتش للسحابة عن أخيها

قرب بئر الماء:

"يا ولدي! سأعطيك البديلَ

فإنني حُبْلى..."/

وكُلُّ قصيدة حُلمٌ:

"حَلِمْتُ بأنّ لي حلماً"

سيحملني وأحملُهُ

الى أن أكتب السطر الأخيرَ

على رخام القبرِ:

"نِمْتُ... لكي أطير"

... وسوف أحمل للمسيح حذاءَهُ الشتويَّ

كي يمشي، ككُلِّ الناس،

من أعلى الجبال... الى البحيرة كما هي،

واسمَه الأصليّ في ما بعد/

كلُّ قصيدة أُمٌّ

تفتش للسحابة عن أخيها

قرب بئر الماء:

"يا ولدي! سأعطيك البديلَ

فإنني حُبْلى..."/

وكُلُّ قصيدة حُلمٌ:

"حَلِمْتُ بأنّ لي حلماً"

سيحملني وأحملُهُ

الى أن أكتب السطر الأخيرَ

على رخام القبرِ:

"نِمْتُ... لكي أطير"

... وسوف أحمل للمسيح حذاءَهُ الشتويَّ

كي يمشي، ككُلِّ الناس،

من أعلى الجبال... الى البحيرة

يختارُني الإيقاعُ، يَشْرَقُ بي

أنا رَجْعُ الكمان، ولستُ عازِفَهُ

أنا في حضرة الذكرى

صدى الأشياء تنطقُ بي

فأنطقُ...

كُلَّما أصغيتُ للحجرِ استمعتُ الى

هديلِ يَمامةٍ بيضاءَ

تشهَق بي:

أخي! أنا أُخْتُكَ الصُّغْرى،

فأَذرف باسمها دَمْعَ الكلامِ

وكُلَّما أَبْصَرْتُ جذْعَ الزّنْزَلخْتِ

على الطريق الى الغمامِ،

سمعتُُ قلبِ الأُمِّ

يخفقُ بي:

أنا امرأة مُطلَّقةٌ،

فألعن باسمها زيزَ الظلامِ

وكُلَّما شاهدتُ مرآةً على قمرٍ

رأيتُ الحبّ شيطاناً

يُحَمْلِقُ بي:

أنا ما زلْتُ موجوداً

ولكن لن تعود كما تركتُك

لن تعود، ولن أعودَ

فيكملُ الإيقاعُ دَوْرَتَهُ

ويشرَقُ بي..

تم تعديل بواسطة أسامة الكباريتي

يا حيف ع اللي جرحهم جرحي وفوق الجرح داسوا

صاروا عساكر للعدى وكندرة العدو باسوا

2_471137_1_209.jpg

حسبنا الله ونعم الوكيل

رابط هذا التعليق
شارك

عظيم الاخيار...

احساسي دايما وانا ..اشعر..كلمات محمود درويش...

احساس من تقتله وهو راض ....لانك بهذا تريحه ..مما هو به .

اقولك كيف ؟؟؟

وان كنت انا نفسي ..حقيقه..لا اجيد التعبير جيدا عن مشاعري ...

كلماته عباره عن حقيقه ...لاتدخل الي العقل او القلب ..

بل تذهب مباشره الي ..العظام .

اتدري كيف يتعذب من يصل جرحه مباشره الي العظام ؟؟؟

لاتحميك انسجه ولالحم ولاشيء.

حقيقه ...شفافه ...قاسيه ...قسوه رهيبه ...تتقبلها لانها ...واقعك .

لي حكمه المحكوم بالاعدام ....

صدقت................ يا محمود في كل مكان .

سلامي

(وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً)

[النساء : 93]

رابط هذا التعليق
شارك

شعر محمود درويش بالنسبة الى شعر شديد الخصوصيه

قد لا يكون الشاعر الكبير فى حاجه الى رايى لكنى اكتبه لانى لم اكن ممن يتذوقون الشعر

ولكن مع كلماته لا تملك الا ان تستمتع بما تقرا

هذه القصيده ذكرتنى بعمل آخر له بعنوان الى امى .. اعلق بعضا من كلماته امامى دائما .. يقول فى مطلع القصيده :

احن الى خبز امى

وقهوة امى

ولمسة امى

وتكبر فى الطفوله

يوما على صدر يوم

واعشق عمرى لانى

اذا مت

اخجل من دمع امى

"أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونٌَ"

صدق الله العظيم

-----------------------------------

قال الصمت:

الحقائق الأكيده لا تحتاج إلى البلاغه

الحصان العائد بعد مصرع فارسه

يقول لنا كل شئ

دون أن يقول أى شئ

tiptoe.gif

مريد البرغوثى

رابط هذا التعليق
شارك

لست أدري لماذا تقترن في خاطري أعمال الفنان الفلسطيني اسماعيل شموط مع أعمال محمود درويش وسميح القاسم ..

كلما طالعت عملا لدرويش قفزت إلى مخيلتي لوحة من لوحات شموط .. أو زوجه تمام الأكحل ..

فالفن عندهما شكل من أشكال النضال المتواصل ..

لهذا حرص شارون فور اجتياحه لبيروت (1982) على نهب وثائق مركز الأبحاث الفلسطيني .. واعتقال اسماعيل شموط ونهب أعماله الفنية ..

حتى تحكموا على تصوراتي هذه .. تعالوا سويا لنلقي نظرة:

http://www.shammout.com/palestine/index.htm

يا حيف ع اللي جرحهم جرحي وفوق الجرح داسوا

صاروا عساكر للعدى وكندرة العدو باسوا

2_471137_1_209.jpg

حسبنا الله ونعم الوكيل

رابط هذا التعليق
شارك

  • بعد 2 أسابيع...

الأرض

الشاعر: محمود درويش

-1-

في شهر آذار، في سنة الإنتفاضة، قالت لنا الأرضُ أسرارها الدموية. في شهر آذار مرّت أمام البنفسج والبندقيّة خمس بنات. وقفن على باب مدرسة إبتدائية، واشتعلن مع الورد والزعتر البلديّ. افتتحن نشيد التراب. دخلن العناق النهائي – آذار يأتي إلى الأرض من باطن الأرض يأتي، ومن رقصة الفتيات – البنفسج مال قليلاً ليعبر صوت البنات. العصافيرُ مدّت مناقيرها في اتّجاه النشيد وقلبي.

أنا الأرض

والأرض أنت

خديجةُ! لا تغلقي الباب

لا تدخلي في الغياب

سنطردهم من إناء الزهور وحبل الغسيل

سنطردهم عن حجارة هذا الطريق الطويل

سنطردهم من هواء الجليل.

وفي شهر آذار، مرّت أمام البنفسج والبندقيّة خمس بناتٍ. سقطن على باب مدرسةٍ إبتدائيةٍ. للطباشير فوق الأصابع لونُ العصافيرِ. في شهر آذار قالت لنا الأرض أسرارها.

-2-

أُسمّي الترابَ امتداداً لروحي

أُسمّي يديّ رصيفَ الجروح

أُسمّي الحصى أجنحة

أسمّي العصافير لوزاً وتين

وأستلّ من تينة الصدر غصناً

وأقذفهُ كالحجرْ

وأنسفُ دبّابةَ الفاتحين.

-3-

وفي شهر آذار، قبل ثلاثين عاما وخمس حروب،

وُلدتُ على كومة من حشيش القبور المضيء.

أبي كان في قبضة الإنجليز. وأمي تربّي جديلتها وامتدادي على العشب. كنت أحبّ "جراح الحبيب" و أجمعها في جيوبي، فتذبلُ عند الظهيرة، مرّ الرصاص على قمري الليلكي فلم ينكسر،

غير أنّ الزمان يمرّ على قمري الليلكي فيسقطُ سهواً...

وفي شهر آذار نمتدّ في الأرض

في شهر آذار تنتشرُ الأرض فينا

مواعيد غامضةً

واحتفالاً بسيطاً

ونكتشف البحر تحت النوافذ

والقمر الليلكي على السرو

في شهر آذار ندخلٌُ أوّل سجنٍ وندخلُ أوّل حبّ

وتنهمرُ الذكريات على قريةً في السياج

وُلدنا هناك ولم نتجاوز ظلال السفرجل

كيف تفرّين من سُبُلي يا ظلال السفرجل؟

في شهر آذار ندخلُ أوّل حبٍّ

وندخلُ أوّل سجنٍ

وتنبلجُ الذكريات عشاءً من اللغة العربية:

قال لي الحبّ يوماً: دخلت إلى الحلم وحدي فضعتُ وضاع بي الحلم. قلت تكاثرْ!

تر النهر يمشي إليك.

وفي شهر آذار تكتشف الأرض أنهارها.

-4-

بلادي البعيدة عنّي.. كقلبي!

بلادي القريبة مني.. كسجني!

لماذا أغنّي

مكاناً، ووجهي مكانْ؟

لماذا أغنّي

لطفل ينامُ على الزعفران؟

وفي طرف النوم خنجر

وأُمي تناولني صدرها

وتموتُ أمامي

بنسمةِ عنبر؟

-5-

وفي شهر آذار تستيقظ الخيل

سيّدتي الأرض!

أيّ نشيدٍ سيمشي على بطنك المتموّج، بعدي؟

وأيّ نشيدٍ يلائم هذا الندى والبخور

كأنّ الهياكل تستفسرُ الآن عن أنبياء فلسطين في بدئها المتواصل

هذا اخضرار المدى واحمرار الحجارة-

هذا نشيدي

وهذا خروجُ المسيح من الجرح والريح

أخضر مثل النبات يغطّي مساميره وقيودي

وهذا نشيدي

وهذا صعودُ الفتى العربيّ إلى الحلم والقدس.

في شهر آذار تستيقظ الخيلُ.

سيّدتي الأرض!

والقمم اللّولبية تبسطها الخيلُ سجّادةً للصلاةِ السريعةِ

بين الرماح وبين دمي.

نصف دائرةٍ ترجعُ الخيلُ قوسا

ويلمعُ وجهي ووجهك حيفا وعُرسا

وفي شهر آذار ينخفضُ البحر عن أرضنا المستطيلة مثل

حصانٍ على وترِ الجنس

في شهر آذار ينتفضُ الجنسُ في شجر الساحل العربي

وللموج أن يحبس الموج ... أن يتموّج...أن

يتزوّج .. أو يتضرّح بالقطن

أرجوك – سيّدتي الأرض – أن تسكنيني وأن تسكنين صهيلك

أرجوك أن تدفنيني مع الفتيات الصغيرات بين البنفسج والبندقية

أرجوك – سيدتي الأرض – أن تخصبي عمري المتمايل بين سؤالين: كيف؟ وأين؟

وهذا ربيعي الطليعي

وهذا ربيعي النهائيّ

في شهر آذار زوّجتُ الأرضُ أشجارها.

-6-

كأنّي أعود إلى ما مضى

كأنّي أسيرُ أمامي

وبين البلاط وبين الرضا

أعيدُ انسجامي

أنا ولد الكلمات البسيطة

وشهيدُ الخريطة

أنا زهرةُ المشمش العائلية.

فيا أيّها القابضون على طرف المستحيل

من البدء حتّى الجليل

أعيدوا إليّ يديّ

أعيدوا إليّ الهويّة!

-7-

وفي شهر آذار تأتي الظلال حريرية والغزاة بدون ظلال

وتأتي العصافير غامضةً كاعتراف البنات

وواضحة كالحقول

العصافير ظلّ الحقول على القلب والكلمات.

خديجة!

- أين حفيداتك الذاهباتُ إلى حبّهن الجديد؟

- ذهبن ليقطفن بعض الحجارة-

قالت خديجة وهي تحثّ الندى خلفهنّ.

وفي شهر آذار يمشي التراب دماً طازجاً في الظهيرة. خمس بناتٍ يخبّئن حقلاً من القمح تحت الضفيرة. يقرأن مطلع أنشودةٍ على دوالي الخليل، ويكتبن خمس رسائل:

تحيا بلادي

من الصفر حتّى الجليل

ويحلمن بالقدس بعد امتحان الربيع وطرد الغزاة.

خديجةُ! لا تغلقي الباب خلفك

لا تذهبي في السحاب

ستمطر هذا النهار

ستمطرُ هذا النهار رصاصاً

ستمطرُ هذا النهار!

وفي شهر آذار، في سنة الانتفاضة، قالت لنا الأرض أسرارها الدّمويّة: خمسُ بناتٍ على باب مدرسةٍ ابتدائية يقتحمن جنود المظلاّت. يسطعُ بيتٌ من الشعر أخضر... أخضر. خمسُ بناتٍ على باب مدرسة إبتدائيّة ينكسرن مرايامرايا

البناتُ مرايا البلاد على القلب..

في شهر آذار أحرقت الأرض أزهارها.

-8-

أنا شاهدُ المذبحة

وشهيد الخريطة

أنا ولد الكلماتُ البسيطة

رأيتُ الحصى أجنحة

رأيت الندى أسلحة

عندما أغلقوا باب قلبي عليّاً

وأقاموا الحواجز فيّا

ومنع التجوّل

صار قلبي حارةْ

وضلوعي حجارةْ

وأطلّ القرنفل

وأطلّ القرنفل

-9-

وفي شهر آذار رائحةٌ للنباتات. هذا زواجُ العناصر. "آذار أقسى الشهور" وأكثرها شبقاً. أيّ سيفٍ سيعبرُ بين شهيقي وبين زفيري ولا يتكسّرُ ! هذا عناقي الزّراعيّ في ذروة الحب. هذا انطلاقي إلى العمر.

فاشتبكي يا نباتات واشتركي في انتفاضة جسمي، وعودة حلمي إلى جسدي

سوف تنفجرُ الأرضُ حين أُحقّقُ هذا الصراخ المكبّل بالريّ والخجل القرويّ.

وفي شهر آذار نأتي إلى هوس الذكريات، وتنمو علينا النباتات صاعدةىً في اتّجاهات كلّ البدايات. هذا نموُّ التداعي. أُسمّي صعودي إلى الزنزلخت التداعي. رأيت فتاةً على شاطئ البحر قبل ثلاثين عاماً وقلتُ: أنا الموجُ، فابتعدتُ في التداعي. رأيتُ شهيدين يستمعان إلى البحر:عكّا تجئ مع الموج.

عكّا تروح مع الموج. وابتعدا في التداعي.

ومالت خديجة نحو الندى، فاحترقت. خديجة! لا تغلقي الباب!

إن الشعوب ستدخلُ هذا الكتاب وتأفل شمسُ أريحا بدونِ طقوس.

فيا وطن الأنبياء...تكامل!

ويا وطن الزراعين.. تكاملْ!

ويا وطن الشهداء.. . تكامل!

ويا وطن الضائعين .. تكامل!

فكلّ شعاب الجبال امتدادٌ لهذا النشيد.

وكلّ الأناشيد فيك امتدادٌ لزيتونة زمّلتني.

-10-

مساءٌ صغيرٌ على قريةٍ مهملة

وعيناك نائمتان

أعودُ ثلاثين عاماً

وخمس حروبٍ

وأشهدُ أنّ الزمانْ

يخبّئ لي سنبلة

يغنّي المغنّي

عن النار والغرباء

وكان المساءُ مساء

وكان المغنّي يغنّي

ويستجوبونه:

لماذا تغنّي؟

يردّ عليهم:

لأنّي أغنّي

.....

وقد فتّشوا صدرهُ

فلم يجدوا غير قلبه

وقد فتّشوا قلبه

فلم يجدوا غير شعبه

وقد فتشوا صوته

فلم يجدوا غير حزنه

وقد فتّشوا حزنه

فلم يجدوا غير سجنه

وقد فتّشوا سجنه

فلم يجدوا غيرهم في القيود

وراء التّلال

ينامُ المغنّي وحيداً

وفي شهر آذار

تصعدُ منه الظلال

-11-

أنا الأملُ والسهلُ والرحبُ – قالت لي الأرضُ والعشبُ مثل التحيّة في الفجر

هذا احتمالُ الذهاب إلى العمر خلف خديجة. لم يزرعوني لكي يحصدوني

يريد الهواء الجليليّ أن يتكلّم عنّي، فينعسُ عند خديجة

يريد الغزال الجليليّ أن يهدم اليوم سجني، فيحرسُ ظلّ خديجة وهي تميل على نارها.

يا خديجةُ! إنّي رأيتُ .. وصدّقتُ رؤياي تأخذني في مداها وتأخذني في هواها. أنا العاشق الأبديّ، السجين البديهيّ. يقتبس البرتقالُ اخضراري ويصبحُ هاجسَ يافا

أنا الأرضُ منذ عرفت خديجة

لم يعرفوني لكي يقتلوني

بوسع النبات الجليليّ أن يترعرع بين أصابع كفّي ويرسم هذا المكان الموزّع بين اجتهادي وحبّ خديجة

هذا احتمال الذهاب الجديد إلى العمر من شهر آذار حتّى رحيل الهواء عن الأرض

هذا الترابُ ترابي

وهذا السحابُ سحابي

وهذا جبين خديجة

أنا العاشقُ الأبديّ – السجينُ البديهيّ

رائحة الأرض توقظني في الصباح المبكّر..

قيدي الحديديّ يوقظها في المساء المبكّر

هذا احتمال الذهابُ الجديد إلى العمر،

لا يسأل الذاهبون إلى العمر عن عمرهم

يسألون عن الأرض: هل نهضت

طفلتي الأرض!

هل عرفوك لكي يذبحوك؟

وهل قيّدوك بأحلامنا فانحدرت إلى جرحنا في الشتاء؟

وهل عرفوك لكي يذبحوك

وهل قيّدوك بأحلامهم فارتفعت إلى حلمنا في الربيع؟

أنا الأرض..

يا أيّها الذاهبون إلى حبّة القمح في مهدها

احرثوا جسدي!

أيّها الذاهبون إلى صخرة القدس

مرّوا على جسدي

أيّها العابرون على جسدي

لن تمرّوا

أنا الأرضُ في جسدٍ

لن تمرّوا

أنا الأرض في صحوها

لن تمرّوا

أنا الأرض. يا أيّها العابرون على الأرض في صحوها

لن تمرّوا

لن تمرّوا

لن تمرّوا!

يا حيف ع اللي جرحهم جرحي وفوق الجرح داسوا

صاروا عساكر للعدى وكندرة العدو باسوا

2_471137_1_209.jpg

حسبنا الله ونعم الوكيل

رابط هذا التعليق
شارك

الأخت فيروز ..

إليك القصيدة كاملة:

إلـى أمّــي

الشاعر: محمود درويش

أحنُّ إلى خبزِ أمّي

وقهوةِ أمّي

ولمسةِ أمّي

وتكبرُ فيَّ الطفولةُ

يوماً على صدرِ يومِ

وأعشقُ عمري لأنّي

إذا متُّ

أخجلُ من دمعِ أمّي

خذيني، إذا عدتُ يوماً

وشاحاً لهُدبكْ

وغطّي عظامي بعشبِ

تعمّد من طُهرِ كعبكْ

وشدّي وثاقي..

بخصلةِ شَعر..

بخيطٍ يلوّحُ في ذيلِ ثوبكْ

عساني أصيرُ إلهاً

إلهاً أصير..

إذا ما لمستُ قرارةَ قلبكْ!

ضعيني، إذا ما رجعتُ

وقوداً بتنّورِ ناركْ

وحبلِ الغسيلِ على سطحِ دارِكْ

لأني فقدتُ الوقوفَ

بدونِ صلاةِ نهارِكْ

هرِمتُ، فرُدّي نجومَ الطفولة

حتّى أُشارِكْ

صغارَ العصافيرِ

دربَ الرجوع..

لعشِّ انتظاركْ..

يا حيف ع اللي جرحهم جرحي وفوق الجرح داسوا

صاروا عساكر للعدى وكندرة العدو باسوا

2_471137_1_209.jpg

حسبنا الله ونعم الوكيل

رابط هذا التعليق
شارك

شكرا جزيلا يا استاذ اسامه

انا باحب القصيده دى اوى اوى اوى الى اقصى حد

وهناك قصيده اخرى لمحمود درويش للاسف لا اعرف اسمها لكنها تبدا بهذه العباره :

على هذه الارض اشياء تستحق الحياه

القصيده دى فعلا فى منتهى منتهى الروعه .. ووقت ما سمعتها حسيت انها بتعبر عن وجهة نظرى فى الحياه لكن فى اجمل صوره

"أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونٌَ"

صدق الله العظيم

-----------------------------------

قال الصمت:

الحقائق الأكيده لا تحتاج إلى البلاغه

الحصان العائد بعد مصرع فارسه

يقول لنا كل شئ

دون أن يقول أى شئ

tiptoe.gif

مريد البرغوثى

رابط هذا التعليق
شارك

  • بعد 6 شهور...

على هذه الأرض
************

على هذه الأرض ما يستحق الحياة

تردد إبريل

رائحة الخبز في الفجر

آراء أمرأة في الرجال

كتابات أسخيليوس

أول الحب

عشب على حجر

أمهات تقفن على خيط ناي

وخوف الغزاة من الذكريات
************

على هذه الأرض ما يستحق الحياة

نهاية أيلول

سيدة تترك الأربعين بكامل مشمشها

ساعة الشمس في السجن

غيم يقلد سربا من الكائنات

هتافات شعب لمن يصعدون إلى حتفهم باسمين

وخوف الطغاة من الأغنيات
************

على هذه الأرض ما يستحق الحياة

على هذه الأرض سيدة الأرض

أم البدايات

أم النهايات

كانت تسمى فلسطين

صارت تسمى فلسطين

سيدتي: أستحق، لأنك سيدتي، أستحق الحياة
<script>doPoetry()

"أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونٌَ"

صدق الله العظيم

-----------------------------------

قال الصمت:

الحقائق الأكيده لا تحتاج إلى البلاغه

الحصان العائد بعد مصرع فارسه

يقول لنا كل شئ

دون أن يقول أى شئ

tiptoe.gif

مريد البرغوثى

رابط هذا التعليق
شارك

  • بعد 8 سنة...

استراحه

على مقعد غير مريح

وكالريح لا يركن إلي جهه

إلا وهيأ لأخري راحله ...

 

رابط هذا التعليق
شارك

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة
×
×
  • أضف...