اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

أجمل روائح الكون


Om Zayd

Recommended Posts

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

ربما لا بد من خبرات شخصية و ذكريات طفولة كي تشمها

لكنها حقا عندي أيضا.. أجمل روائح الكون

بقلم محمد البرغوثى 4/ 11/ 2011

لا شىء فى هذه الدنيا يثير دهشتى واستغرابى أكثر من انقطاع إنسان عن جذوره، ليس لضرورة قاهرة، وإنما بمحض إرادته، أو لخضوعه الكامل لما نسميه الظروف والمشاكل وضغوط الحياة.

يحدث كثيراً جداً أن أقاطع شخصاً يحدثنى فى أمر ما، لأطرح عليه هذا السؤال: «إنت منين أصلاً؟»، ويحدث غالباً أن أكتشف أن من طرحت عليه السؤال ينتمى إلى أصول ريفية فى الدلتا أو الصعيد، وأنه لم يذهب إلى قريته طوال عمره إلا مرة أو مرتين، وأن ما رآه خلال زيارة أو زيارتين لم يشجعه على تكرار التجربة.

ليس هذا الانقطاع عن الأصل المكانى هو الذى خرجت به فقط من معظم الذين طرحت عليهم السؤال - وكلهم تقريباً فى عمر يتراوح بين 20 و30 عاماً - ولكنى لاحظت أيضاً فتوراً شديداً فى علاقتهم بأعمامهم وعماتهم الذين يعيشون مثلهم فى العاصمة الكبرى، وفى كل مرة كنت أواصل طرح الأسئلة لاستقصاء الأسباب التى قضت على هؤلاء الشبان والصبايا أن يعيشوا فى حرمان كامل من أروع وأجمل مصادر الفرح والأمان والونس فى الحياة.

بعد سنوات من ممارسة هذا الاستقصاء، تبين لى أن انقطاع هذا الجيل المسكين عن أصوله أو جذوره لم يكن من اختياره، ولم أعثر على أحد منهم لديه أسباب تخصه هو لاختيار هذا الانقطاع، ولكنى وجدت أن الآباء والأمهات هم الذين اختاروا هذا المصير المحزن لأبنائهم.

نعم.. مصير محزن، وعندما أفكر فى أبنائى أو بالأحرى فى مستقبلهم لا أرى لهم مصيراً أكثر تعاسة من أن تأخذهم الدنيا بعيداً عن جذورهم الريفية والعائلية، ولهذا حرصت قبل أن يولد لى طفل على أن أجعل أهلى فى القرية، أو أينما حلوا هم الملاذ والونس والحضن لزوجتى، وعندما جاء أطفالى إلى الدنيا بذلت أقصى ما أستطيع لأحفر فى الصفحات الأولى من أرشيف ذاكرة كل منهم - وهى أغلى وأهم الصفحات على الإطلاق - ملامح وروائح الأهل والبيوت والشوارع والغيطان فى قريتى، ومن الوهلة الأولى راهنت على أن البيوت المفتوحة والشوارع الهادئة الآمنة والغيطان الممتدة فى براح لا تحده غير صفوف من الأشجار، وفضاء لا تقطعه غير طيور برية سارحة، راهنت على أن روائح الخصوبة وأصوات الحيوانات والدواجن والطيور فى حظائر القرية - ستمثل لأطفال المدن الكريهة والمكتظة عالماً مختلفاً ومثيراً.

وقد حدث ما راهنت عليه بأكثر مما تمنيت، وبأعمق مما حلمت، فإذا بالذهاب إلى القرية يصبح أهم مئات المرات لأبنائى وزوجتى من الذهاب إلى المصيف، وإذا بالعودة من القرية تتحول إلى لحظات انخلاع أليم من أكثر الأماكن بهجة وفرحاً وطمأنينة.

قبل رمضان الماضى بيوم واحد، كنت فى الطريق مع أولادى وزوجتى إلى القرية، وعندما وصلنا إلى أطراف حقولها أفقت على ابنى - أولى ثانوى الآن - ينادينى: «بابا.. اطفى التكييف وافتح القزاز.. بسرعة يا بابا أرجوك». فعلت ما أراد، فإذا به يشد نفساً عميقاً ثم يقول: «الله.. أنا باشم أجمل روائح الكون!». وإذا بأخته الصغيرة تقول: «وبعد 5 دقايق هنشوف العيلة كلها.. زمانهم كلهم متجمعين عند أَمَّه» - تقصد أمى.

منذ سنوات، اعتدت أن أترك ابنى طيلة شهر رمضان مع أمى وأعمامه وعماته فى القرية، ومنذ سنوات، وهو يقضى شهوراً كاملة يُحدث كل من يعرفهم عما فعله وشاهده فى القرية، وقد لاحظت أن إدراكه للحياة ونظرته للدنيا أوسع وأعمق من إدراك نظرائه، لا لشىء إلا أنه موصول وبقوة بجذوره الريفية والعائلية.

الأمر ذاته وبالعمق ذاته تحقق أيضاً فى علاقة أبنائى - وعلاقتى قبلهم - بأخوالهم، فليس هناك ما هو أحب إليهم جميعاً من الوجود بين الأعمام والعمات والأخوال والخالات، وعندما أراهم - وقد تركونى وتركوا أمهم وانصهروا بالكامل مع أبناء العائلتين - أشعر فوراً باطمئنان عميق عليهم، وأضرع إلى الله فى السر والعلن أن يديم عليهم نعمة الحضن والونس العائلى.

هل من سبب لكتابة هذا المقال عن أمور تبدو خاصة؟ نعم، هناك سبب، فقد لاحظت، منذ سنوات، أن «العيد» لا يعنى للكثير من الناس غير أنه إجازة من العمل، تتحول غالباً إلى مناسبة للنكد، وكثيراً ما نصحت أُناساً يعانون من الاغتراب والوحدة والضيق النفسى بأن يعودوا إلى جذورهم العائلية..

فليس هناك ما هو أكثر فاعلية فى علاج كل الأمراض النفسية من الحضن العائلى، وليس شرطاً أبداً أن تكون العائلة ميسورة الحال أو خالية من المشاكل، فأياً كانت ظروف العائلة، وستكون أرحم وأروع وأنبل من أن نترك أنفسنا وأبناءنا فى مهب الانخلاع نهباً للوحدة والاغتراب وافتقاد الونس.

تم تعديل بواسطة Om Zayd
رابط هذا التعليق
شارك

يتجسد عبق هذه الكلمات صوراً و خيالات من ماضي بعيد .. جداً .. نتوق شوقاً حتى لأقل مقدار منه .. و لا نجده ..:give_rose:

رابط هذا التعليق
شارك

بقلم محمد البرغوثى 4/ 11/ 2011

فإذا بالذهاب إلى القرية يصبح أهم مئات المرات لأبنائى وزوجتى من الذهاب إلى المصيف، وإذا بالعودة من القرية تتحول إلى لحظات انخلاع أليم من أكثر الأماكن بهجة وفرحاً وطمأنينة.

*

*

*

قبل رمضان الماضى بيوم واحد، كنت فى الطريق مع أولادى وزوجتى إلى القرية، وعندما وصلنا إلى أطراف حقولها أفقت على ابنى - أولى ثانوى الآن - ينادينى: «بابا.. اطفى التكييف وافتح القزاز.. بسرعة يا بابا أرجوك». فعلت ما أراد، فإذا به يشد نفساً عميقاً ثم يقول: «الله.. أنا باشم أجمل روائح الكون!».

.

ياااه .. فعلاً .. أجمل روائح الكون، تلك التي تحفر في الذاكرة و لا تمحوها الأيام .. و الآلام ..

رابط هذا التعليق
شارك

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة
  • الموضوعات المشابهه

    • 0
      عرفت عن قرب الكاتب الكبير الأستاذ محمد عودة واحد من ألمع وأهم نجوم روزاليوسف وعرفته عن قرب أكثر عندما كان يعرض الصفحة
    • 0
      جريدة الديلى ميل الإنجليزية نشرت أن هرم خوفو الهرم الأكبر احتل المركز التاسع عشر ومعبد الأقصر احتل المركزالثال عرض المقال كاملاً
    • 2
      طريقة عمل البصارة كوب فول مدشوش منقوع طول الليل ٣ بصلات مبشورة ٣ فصوص ثوم مهروس حزمة من كل من شبت و بقدونس و كسبرة مفرومة أو مقطعة صغير ٢ ملعقة سفرة نعناع ناشف مفروم ملعقة شاى ملح  ملعقة كمون و نصف كسبرة و فلفل أسود و شطة الطريقة يغسل الفول و يصفى من الماء يوضع الفول مع كوبين من الماء و بصلة مبشورة و الثوم فى حلة على نار هادية و يغطى و يقلب من آن لآخر حوالى نصف ساعة تضاف الخضرة و الملح و البهار و نص كوب ماء و تقلب حتى تستوى البصارة تماما فى هذه الأثناء يحمر البصل جيدا فى
    • 0
      دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- عندما يتعلق الأمر بما يجعل فندقاً معيناً مذهلاً حقاً، فمن الصعب التغلب على ميزة وقوعها على جرف. وتمنح المشاهد الساحرة، سواءً كانت مطلة على المحيط، أو الجبال، أو الوديان، هذه الفنادق جاذبية لا تنتهي. وقال مستشار في "Protravel"، وهي شركة سفر في مدينة نيويورك، جوش ألكساندر: "الممتلكات الموجودة على المنحدرات توفر كل ما تريده في إقامة فندقية"، ثم أضاف: "إنها رومانسية، وخاصة، وعادة ما تكون فاخرة للغاية. وبشكل حرفي ومجازي، ستشعر وكأنك على... View the full
    • 0
      في الصعيد  عرف الرجل أن زوجته أصيبت بالكورونا ... بكل نذالة أخذ أطفاله و ترك زوجته تعاني الجوع و المرض و الوحدة و تنمر الجيران  حتى إتصلت السيدة بإحدى معارفها  التي أتت لإنقاذها  و أحضرت معها بعض الإحتياجات الحياتية   و لاحقها الجيران و الأطفال في الشارع  بالتنمر و طردها من الشارع و المنطقة. في المحلة سيدة تبرعت  ببيت من خمسة أدوار ليكون مكانا لعزل مرضى الكورونا المستشفيات الخاصة التي حصدت الملايين من المجتمع المصري لسنوات  ... هذه المستشفيات تقاعست علنا و على بلاطة من المشاركة في علاج
×
×
  • أضف...