اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

العلمانية ودورها في إنشاء ديانة شمعية ميتة !!


Gharib  fi el zolomat

Recommended Posts

بقلم :د: يحيى هاشم حسن فرغل

yehia_hashem@ hotmail .com

إذا كان الأستاذ جون فول أستاذ التاريخ الإسلامي وتاريخ العالم في جامعة جورج تاون بواشنطن، قد ذهب في مقاله عن نهاية العلمانية إلى ( أن سياسات "فصل الكنيسة عن الدولة" أو "فصل الدين عن السياسة" لم تكن محايدة دينيا. أي إن الدعوة للعلمنة والعلمانية اتخذت في حد ذاتها موقفا أيديولوجيا ودينيا. ) المصدر موقع الجزيرة في السبت 30/5/1425هـ الموافق 17/7/2004م

فإننا نذهب إلى أبعد من ذلك في توضيح دور العلمانية في إنشاء ديانة جديدة لها ما للدين بوجه عام من خصائص هيكلية عامة وإن تكن شمعية ميتة .

إن العلمانية - سواء بموقفها المحايد من الدين ، أو بموقفها المقاتل – تحارب الدين المنزل من الله ، وتقوم من ثم بدورها كعامل إسناد للإلحاد العلمي المعاصر وهي في الوقت نفسه تقوم بدورها في إسناده في الدعوة إلى " ديانة وضعية" ومزيفة من صنع البشر

ونعني بالإلحاد العلمي المعاصر ذلك الذي يختلف عن أشكال الإلحاد الذي ظهر سابقا في التاريخ ويتميز عنه بادعاء الاستناد إلى العلم التجريبي

ومرجعنا في ذلك إلى أن للأديان بشكل عام خصائص هيكلية عامة وأن الإلحاد العلمي المعاصر يدعو أو يقوم على هذه الخصائص :

1- التسليم الأولي أو الاعتقاد الذي لا يشترط البرهان

2- وضع مجموعة من المبادئ العليا التي لا يمكن الاستغناء عنها ومع ذلك فهي غير قابلة للبرهنة

3- الإيمان بموجود لا يمكن إدراكه بالحواس سواء كان هذا الإدراك مباشرا أو غير مباشر

4- الخضوع أو التعبد لقانون أو إرادة ذلك الموجود

5- انتظار الآخرة أو المستقبل الذي يعالج نقائص الوضع الحاضر

ولا أظن أن خلافا يقع بين الأطراف كلها على أن هذه الخصائص هي خصائص الدين ما صح منها وما لم يصح بوجه عام

وسنبين فيما يلي توافر هذه الخصائص في المنظومة التي يقوم عليها الإلحاد العلمي المعاصر والذي تروج له العلمانية بجميع أشكالها

وهم في ذلك يحاكون المصورين الملعونين الذين يقدمون لك تماثيل الشمع في متاحفهم ، وماهي غير صورة صنمية قابلة للانفضاح عند أول اختبار

يقول الأستاذ موريس هاوزر أستاذ ورئيس قسم الاجتماع بجامعة شيكاغو ( العلم نوع من الأديان ، والعالـِم رجل دين وهب نفسه للقيم التي آمن بها من البحث عن المعرفة ، وأنت تجد فيه نفس التعصب الذي تجده في المبشر أو القسيس ) أنظر كتاب " من حياة العلماء " لتيودور بيرلاند ترجمة الدكتور أحمد بدران – نشر دار النهضة العربية ص 344

أما عن الخاصة الأولى وهي التسليم الأولي الذي لا يشترط البرهان ، باستثناء الدين الصحيح الذي نعرف أنه غير محصور في هذه القاعدة - فنورد هنا طائفة من أقوال العلماء التجريبيين أو فلاسفتهم الذين يحتج بهم ويعترفون بوقوعهم فيها :

يقول ألبرت بروس سابين عالم الميكروبات الشهير وصاحب مصل شلل الأطفال " سابين " ( إن العلم والدين كليهما يقومان على الإيمان ) المصدر السابق ص 345

ويقول الدكتور تشارلز هارد تاونز ( أصبح الإيمان في العلم شيئا تلقائيا حتى لم يعد يراه الناس ، ففي العلم إيمان بأن للكون نظاما يمكن للعقل فهمه …. ولكننا لا نستطيع أن نثبت بأي طريقة أساسية أن الكون منظم ومنطقي وإنما نزعم ذلك ، ونعتبر أن الأمر كذلك ، ونجد أن أفعالنا تنطبق على الحقائق ، ولكن هذا شيء لا يمكن إثباته ، إنه في حقيقة الأمر إيمان ، إيمان يبدو أن له ما يبرره ) المصدر السابق ص 98-90

ويقول الدكتور جيمس ب كونانت أستاذ الكيمياء ورئيس جامعة هارفارد من عام 1932 –1953 : ( إنه ليس بين الملاحدة واللاأدريين من كان في قلبه من الإيمان باطراد الطبيعة واتساقها ما يكفي لممارسة العلم وتجارب العلماء ) أنظر " آراء فلسفية في ازمة العصر " لأدريين كوخ أستاذة التاريخ بجامعة كاليفورنيا ترجمة محمود محمود نشر مكتبة الأنجلو بالاشتراك مع مؤسسة فرانكلين ط 1963

ويقول أينشتاين وهو غني عن التعريف : ( إن العلم لا يخترعه إلا أولئك المتشبعون تماما بحب الحق والإدراك السليم ، وهذا مصدر من مصادر الشعور ينبع من ميدان الدين ، ويتصل بهذا الميدان الإيمان بأن من الممكن أن تكون القواعد التي تنطبق على عالم الوجود معقولة ،أي يمكن إدراكها بالعقل ، ولا يمكن أن أتصور عالـِما بغير هذا الإيمان العميق ، ويمكن التعليق على هذا الرأي بهذه الصورة : العلم بغير دين أعرج ، والدين بغير علم أعمى ) المصدر السابق

ويقول هرمان راندال في كتابه " تكوين العقل الحديث " ( إن النظرة الكونية العلمية التي عرفت في نهاية القرن التاسع عشر كانت بالطبع إيمانا يمكننا أن نصفه بأنه ضرب من التشبث ) ويقول : ( لقد كان من المستحيل أن يتجنب الباحث انتخاب حقائقه التي يريدها على نور نظرية سبق أن اعتقد بها ) أنظر كتابه المشار إليه ترجمة د جورج طعمة ، نشر دار الثقافة بيروت ج2 ص349 –350 – 282- 178

ويقول جون كيمني أحد مساعدي أينشتاين واستاذ الرياضيات في جامعة دارتموث ( إنه لا يمكن أن نسوغ فرضية معينة ، إلا أن علينا أن نؤمن بفرضية على شاكلتها إذا أردنا للحياة أن تغدو ممكنة ) أنظر كتابه " الفيلسوف والعلم" ترجمة د أمين الشريف ، نشر مؤسسة فرانكلين بالاشتراك مع المؤسسة الوطنية للطباعة والنشر بيروت ط 1965م ص 183

ويقول جيمس كونانت رئيس جامعة هارفاد سابقا : ( إن باستور كان يدفعه في كل ما صنعه إيمان قوي بالفروض يبتدعها من عند نفسه ، وكان إيمانه الشديد تعمده وتسنده أشياء أخرى غير الحقائق وما يخرج منها بالمنطق ، فهذا مثل لما أعني : حمله إلى النصر فيه الإيمان القوي الذي لم يعتمد فيه إلا على الدليل القليل ) ويقول ( إن الفروض التمهيدية الكبرى التي جاء بها تاريخ العلم نشأت نتيجة لعملية ذهنية يعبر عنها أحيانا بأنها " مسة من عبقرية " أو " خاطرة ملهمة " أو " ومضة من خيال باهر " وقلما يتبين فيها الناظر أنها كانت نتيجة تمحيص للنتائج كلها أو تحليل منطقي لها ) المصدر : كتابه " مواقف حاسمة في تاريخ العلم " ترجمة د أحمد زكي ، نشر دار المعارف ط 1963ص 318 ، ص 82 وباستور هو مكتشف الميكروب 1895 م

ويقول وليم جيمس الفيلسوف الأمريكي المعروف : ( نحن نؤمن كل الإيمان بان الأشياء حتى ما يبدو منها كثير التعقيد لابد أن يصاغ يوما في قاعدة جلية واضحة ) المصدر " العقل والدين " ترجمة د محمود حب الله ط البابي الحلبي عام 1949 م ص 88- 89

ويقول جون كيمني : ( مفتاح التحقق من النظريات أننا لا نتحقق منها ألبتة ، ذلك لأن ما نتحقق منه هو المترتبات المنفردة للنظرية وليس النظرية بالذات ) المصدر السابق " الفيلسوف والعلم " ص 151 - 154

ويقول كارل بيرسن أستاذ الفيزياء بمعهد كاليفورنيا مكتشف البوزيترون ، والميزون ، والذي نال جائزة نوبل في الفيزياء عام 1963 م : ( القانون العلمي ليس كشفا لعلاقات موجودة في طبيعة الأشياء ، وإنما هو اختراع لهذه العلاقات ، وهو وصف مختصر لطريقة الانطباعات الحسية في مجال معين أو اختزال ذهني يحل لدينا محل الوصف المطول لتعاقبات الانطباع الحسي ) المصدر : أنظر تلخيصا لكتابه " أركان العلم " ترجمة د فؤاد زكريا بمجلة تراث الإنسانية العدد 12 مجلد 3 ص 922

هذا هو الأصل الأول : " الإيمان الأولي غير المشروط ببرهان " نجده كامنا في أعماق العلم التجريبي

أما عن الأصل الثاني : وهو " وضع مجموعة من المبادئ العليا التي لا يمكن الاستغناء عنها ومع ذلك فهي غير قابلة للبرهنة ، كأساس للبحث العلمي التجريبي فنجده – مثلا - فيما يقرره هربرت سبنسر الفيلسوف الإنجليزي المعروف في كتابه " المبادئ الأولى " في كلامه عن الأفكار العلمية القصوى : أن العلم مضطر إلى الاستعانة بالكثير من المفاهيم الغامضة التي لا سبيل إلى تفسيرها كالزمان والمكان والمادة والحركة والقوة وليس في استطاعة العقل البشري أن يستغني عن هذه المفاهيم .

ومع أن هربرت سبنسر يحاول أن يكشف عن شيئ من هذه المفاهيم فإنه ينتهي إلى أن ما يعلم منها يدل على حقيقة مجهولة نسلم بوجودها من غير أن نعرفها .

وهكذا نجد أنه في التعليل النهائي الذي يقدمه سبنسر لما يسميه الأفكار العلمية القصوى تنهار الحدود التي يضعها الماديون للمادة لتقف في نفس موقف المجردات المسلَّمة . المصدر تلخيص " المبادئ الأولى " لهربرت سبنسر ، للدكتور زكريا إبراهيم بمجلة تراث الإنسانية – العدد الأول من المجلد الثالث .

ويقرر برتراند رسل الفيلسوف الإنجليزي المعاصر ذائع الصيت بالرغم من لا أدريته التي يوظفها لمحاربة الدين : ( أن المبادئ العامة لتدعيم الاستدلالات العلمية غير قابلة للبرهان بأي معنى مألوف )

ومما يستدل به على ذلك ما يسميه " التوقع الحيواني " الذي لا يمكن البرهنة عليه منطقيا ، كتوقع الحيوان في خبرته رائحة بعينها تدله على صلاحية الأكل أو عدم صلاحيته ، هذا التوقع الذي يرقى حتى يستخدم في أرقى قوانين الفيزيا الكمية

ويؤكد أنه ( ليس من الممكن أن ننتقل خطوة واحدة إذا نحن بدأنا من الشك الديكارتي )‍‍ { والكلام لجارتنا طه : ي }

ويقول : ( فعلينا إذن أن نبدأ من تسليم عريض بكل ما يبدو أنه معرفة أيا ما كانت ، وأنه ليس ثمة سبب معين لرفضه )

ويذهب في تعداد المسلمات التي يراها إلى خمس مسلمات هي كما يسميها : مسلمة شبه الدوام ومسلمة الخطوط السببية القابلة للانفصال ، ومسلمة الاستمرار المكاني والزماني ، والمسلمة البنائية ومسلمة التمثيل ، ونحن لا نجد إمكانية لشرح هذه المسلمات ، ولكننا نود أن نوضح أنه يستبدل هذه المسلمات بمسلمات أخرى هي مسلمة السببية ، وانتظام الطبيعة ، بدعوى أن مسلماته أكثر تحديدا وفاعلية ، - المصدر : كتابه " فلسفتي كيف تطورت " ترجمة عبد الرشيد صادق ، نشر مكتبة الأنجلو المصرية عام 1960 ص 245 - 251

هكذا بغير برهان ، هكذا لأنها أكثر تحديدا ، هكذا لأنها من الناحية العلمية ضرورية ، وهل يعتقد المتدين شيئا يستغني فيه عن البرهان بأكثر من ذلك ؟

ويقول إميل بوترو الفيلسوف الفرنسي المعروف : ( إن مقالة ريبوا ريموند ( 1818 – 1896) المشهورة التي اختتمها بقوله " لا أعلم " لم تزل منذ سنة 1880تتعقب عقول المفكرين ، فقد نص على ألغاز سبعة أربعة منها على الأقل لا تقبل الحل أبدا وهي : ماهية المادة وأصل الحركة وأصل الإحساس البسيط والحرية ) المصدر العلم والدين ترجمة د فؤاد الأهواني نشر الهيئة العامة للكتاب عام 1973 م ص 111

وإذا كان أرنست هيكل ( 1884 – 1919 ) الفيلسوف وأستاذ علم الحيوان المعروف في كتاب ألغاز الكون لم يقبل ما أعلنه ديبوا ريموند وقرر : ( أن جميع ألغاز ديبوا ريموند قابلة للحل أو قل إنها منذ الآن قد حلت ) تبعا لمذهبه الواحدي فإنه استبقى منها سرا هو الجوهر ، إذ يقول : ( فما هو هذه القوة الهائلة التي يسميها العالـِم الطبيعة أو العالـَم ؟ ويسميها المثالي الجوهر أو الكون ؟ ويسميها المؤمن الخالق أو الله ؟ )

وهكذا يمكننا أن نقول : إنه حتى في نظر أرنست هيكل الملحد يتساوى التسليم بالله أو التسليم بالطبيعة أو التسليم بالجوهر من حيث كونه تسليما بما هو أعمق وأشد خفاء كلما خيل إلينا أننا نعرف عنه شيئا

أما عن الأصل الثالث من خصائص الدين بوجه عام : وهو الإيمان بموجود لا يمكن إدراكه بالحواس سواء كان هذا الإدراك مباشرا أو غير مباشر:

فلنذهب لنتعرف إلى نظرة العلم الحديث عن " المادة "

ألا تتركب من عناصر ؟ وألا يتركب العنصر من ذرات ؟ وماذا عن مادية الذرة ؟ أليست تتركب الذرة – على اختلاف بينها باختلاف العناصر – من الألكترون ، والبروتون، والنيترون، والبيزوترون والميزون والموميزون إلخ ما اكتشف منها ، مما أصبح يسمى جزيئات الذرة أو الصغيرات في تسمية أخرى ، ماذا بقي فيها من المادية ؟

يقول أرثر كوستلرالكاتب البريطاني ( يذهب العقل المحايد إلى الاعتقاد بأن النيوترونات ذات نسب بالأشباح وهو العقل الذي لا يرفض وجودها، وليس هذا القول مجرد استعارة لفظية ) ويقول : ( إن علماء الفيزياء النظريين يدركون تماما الطبيعة السريالية للعالم الذي خلقوه ‍ (!) ولكنه في الوقت نفسه عالم ينطوي على قدر هائل من الغموض ) ويقول : ( إن افتقار النيوترون إلى الخصائص الفيزيائية العيانية شجع التفكير العياني بشأن إمكان وجود جزيئات أخرى تكشف لنا عن الحلقة المفقودة بين المادة والعقل ) المصدر : المصدر مجلة العلم والمجتمع : الطبعة العربية من مجلة IMPACT عدد خاص عن العلم والظواهر الخارقة نشر اليونسكو العدد 19 عام 1975 ص 8-10

ويقول فرينر هايزنبرج – الذي نال جائزة نوبل في الفيزياء عام 1932 - عن لا مادية الذرة ( ليس الجوهر جسيما ماديا في الفضاء والزمن وإنما هو بشكل ما مجرد رمز تتخذ قوانين الطبيعة عند تقديمه شكلا سهلا واضحا ) ويبين أن ( تركيبات الذرة هي التي تحدث خصائص المادة من اللون ، والرائحة ، والزمن ، وشغل الفراغ ، أما الذرة نفسها فليس لها شيء من ذلك ، وعلى هذا جردت الذرة بالتدريج من كل الخصائص الحسية ) المصدر كتابه " المشاكل الفلسفية للعلوم النووية " ص 56-72-74 ،

وإلى المعنى نفسه ذهب كل من لويس دي برولي الذي نال جائزة نوبل في الفيزياء عام 1929 - في كتابه " الفيزيا والميكروفيزيا ترجمة د : رمسيس شحاتة ود : محمد مرسي احمد ط عام 1967 ص 23 ، وجون كيمني في المصدر السابق : كتابه " الفيلسوف والعلم " ص 88- 89 ، وهرمان راندال في المصدر السابق في كتابه " تكوين العقل الحديث " ج2 ص 137

وكما رأينا كبار العلماء التجريبيين ينكرون في البداية الجاذبية ثم ينكرون الكهرباء وجدناهم أيضا ينكرون النظرية الذرية في بداية الأمر، وهم كانوا في إنكارهم مدفوعين بارتباطهم بالمنهج التجريبي الذي لا يعترف بغير ما يدرك حسيا ، يقول الدكتور جون كيمني ( رفض بعض الأوائل من دعاة الفلسفة العلمية القول بالنظرية الذرية لأن المفاهيم التي تستند إليها غير قابلة للتحديد بواسطة عمليات حسية ، أي لأن الذرات غير مرئية ، غير أن هذه النظرية تغلبت على كل انتقاد ) المصدر " الفيلسوف والعلم " ص 183-197

وما هي الجاذبية ؟ يقول إدوارد هيوي ( إن قانون الجاذبية من أهم قوانين الطبيعة رغم أن الجاذبية نفسها ما زالت لغزا عميقا ) المصدر في كتابه " كيف تدور عجلة الحياة " ترجمة د محمد صابر سليم نشر دار المعارف المصرية عام 1957م ص 117

وما هي الكهربا ؟ يقول إدوارد هيوي : ( إننا نعلم ما الذي تفعله الكهرباء ونعلم كيف تفعل ذلك ولكننا لا نعلم بالضبط لماذا تعمل الكهرباء ما تعمله ، إننا نستعمل الكهرباء ولكننا لا نستطيع أن نفهمها تماما ) المصدر السابق ص 54

لقد تم التسليم بوجود جزيئات الذرة وما أشبهها لا لكونها خاضعة للإدراك الحسي بأي وجه من الوجود ، ولكنه تم لأمرين : الأول الضرورة المنطقية اللازمة لتفسير الوقائع المشاهدة ، والثاني ما لها من آثار ، وعلى سبيل المثال ما ينتج عن الألكترون وهو يدور في مساره من آثار معينة يمكن اختبارها تجريبيا . المصدر " النسبية في متناول الجميع " ص75

وماذا من حقائق الدين إلا ويرتكز على هذين الأساسين : الضرورة المنطقية والآثار ، فنحن وكافة المؤمنين بالله إنما يؤمنون بالله لهذين الأمرين ، وإذن فالإيمان بجزيئات الذرة والمادة بسبب هذين الأمرين يقتضي الإيمان بالله لنفس السبب ، والكفر بالله بالرغم من تحقق هذين الأمرين يقتضي الكفر بالمادة والذرة وجزيئاتها على الأساس نفسه

ولقد اعترف برتراند رسل بالمعضلة التي وضعها العلم الحديث في طريق إلحاده إذ يقول : ( أخذت المادة تشف تدريجيا كقطة تشيشاير حتى لم يبق منها إلا الابتسامة الناجمة فيما يبدو من الضحك على من لا يزالون يظنون أنها موجودة ) وهو يستعمل أسطورة تحكى عن قطة تظهر ليلا أمام الساهرين في بعض القصور ثم تخفت وتشف حتى تختفي ، ولا يبقى غير السخرية بمن كان يظن أنها موجودة عيانا ، هكذا صارت المادة

ثم يقول ( أصبح دارسو علم الطبيعة مثاليين وأصبح كثير من علماء النفس على حافة المادية ) ويقول : ( والحقيقة بالطبع أن العقل والمادة كليهما وهم ، وهو ما يكتشفه علماء الطبيعة بدراسة المادة ويكتشفه علماء النفس بدراسة العقل )

ثم يقرر أن عالم الطبيعة الذي يعترف به علم الطبيعة الحديث أصبح شيئا آخر يختلف عن عالم المادة كما تدركه حواسنا ، وأنه أي عالم المادة في الفيزيقا الحديثة يدرك بالاستنتاج ، يقول ( علم الطبيعة وعلم وظائف الأعضاء فيما بينهما يؤكدان لنا أن الكرسي القائم هناك مستقلا عن إبصاري شيء لا يشبه مطلقا ما تصورته ، بل هو رقصة جنونية ترقصها بلايين الكهيربات تحت تأثير بلايين التحولات الكمية وعلاقتي بهذا الشيء غير مباشرة ولا تتأتى معرفتها إلا بالاستنتاج ) المصدر كتابه " العقل والمادة ترجمة أحمد إبراهيم الشريف ، مراجعة الدكتور زكي نجيب محمود ط 1975 ص 189 ، و197

هكذا صار حال ما كان يسمى المادة ولا يزال يتحجر في عقول الملحدين ، فإذا لانت عقولهم تحت ضربات العلم الحديث لكي يسلموا بالمادة أو بجزيئاتها في وضعها الجديد فقد صار لزاما عليهم أن يسلموا بوجود الله لنفس الأسباب ونفس الاستنتاج

والمهم هنا : أنه هكذا أصبح الإلحاد العلمي المعاصر – وبحكم العلم الحديث الذي يستند إليه - يقوم على التسليم بموجودات غيبية ( غير محسوسة )

وتلك هي الخصائص الأساسية الثلاثة من خصائص الدين ، فهل ترى هذا الإلحاد في طريقه لصناعة ديانة جديدة تقوم على الإيمان بغيبيات لمحض أنها قد استندت إلى الضرورة المنطقية والآثار ؟ ؟

إن الأمر لا يقتصر على هذا الحد

وإنما هناك الخاصة الرابعة من خصائص الدين نكتشف أن هذا الإلحاد يصطنعها

خاصة عبادة موجود يسمى المادة ، ولكنه هو في كنهه غير محسوس بما يعنيه ذلك من الخضوع أو التعبد لقانون أو إرادة ذلك الموجود

فهاهو الفيلسوف الإنجليزي المعروف هربرت سبنسر بعد أن ابتعد عن الديانة المسيحية قد اخذ يتعبد لما سماه " المطلق "

وهو يصف هذا " المطلق " بأنه " لا يمكن معرفته " ويصف هذه اللاأدرية بأنها ( على التحقيق عند العقل البشري الاتجاه الديني نفسه ) ويصف هذا المطلق – مع ذلك - بأن له وجودا يبلغ من سموه على العقل والإرادة مبلغ سمو العقل والإرادة على الحركة الميكانيكية ) وهو يرتعد فرقا عندما يخلو لنفسه ليتأمل هذا المطلق ، ويعلق أميل بوترو على ذلك فيقول : ( ألا يحق لنا القول بأن مذهب الفيلسوف اللا أدري هذا يفصح في هذا الموضع عن اتجاه روحي صوفي ) ؟؟ المصدر : العلم والدين ص 88-97

وهاهو أوجست كونت الفيلسوف الفرنسي الوضعي يضع في فلسفته الوضعية ما سماه " ديانة الإنسانية " وفيها تكون الإنسانية هي المعبود " وفيها تكون معشوقته " كلوتيد " رمزا لهذا المعبود ، يقول أميل بوترو : ( لا تتجه عبادة المذهب الوضعي إلى ذكرى أبطال الإنسانية بل موضوعاتها الأساسية : الموجود الأعظم أو الإنسانية ، والمعبود الأعظم أو الأرض ، والبيئة العظمى أو المكان ، هذه الأقانيم الثلاثة تكون ثالوث المذهب الوضعي ) المصدر : العلم والدين ص 3- و 89 و 53

وفي الفلسفة الماركسية التي اضطرت لقولها بقدم المادة والحركة معا ذهبت إلى وصف المادة والحركة بصفات الله ، فهي أصل الوجود ، وهي باقية لا تفنى ، وقانونها الديالكتيك يفرض نفسه على كل الأشياء

إنه في البناء الماركسي يقوم الجانب العلمي على الجانب الاعتقادي ، وليس كما يقتضيه شعار الاشتراكية العلمية ، ففي مقال نشرته البرافدا في عام 1949 يقول رئيس أكاديمية العلوم في الاتحاد السوفيتي ( السابق ) س . ا. فاينلوف تحت عنوان " لينين والمسائل الفلسفية

" إن الفيزياء السوفيتية تبني عملها على ما اعتنق العالم من المادية الديالكتيكية { وليس العكس كما هو المتوقع علميا } تلك التي رفع أمرها تآليف لينين وستالين ، ولكنا لا يمكن أن نغفل حقيقة واقعة وهي أن بعضا من فيزيائيينا مازال عندهم بقايا من آراء من المذهب التصوري { غير المادي } إن من اخطر الواجبات علينا أن نحارب هذه البقايا من ذلك المذهب المنقرض {!} بالنقد الذي لا يرحم .. ) المصدر : مواقف حاسمة في تاريخ العلم لجيمس كونانت ص 289- 490

فهل نجد كبير فرق بين هذا المذهب وبين موقف الكنيسة من العلم في العصور الوسطى ؟

ثم ذهبت هذه الماركسية خطوة أعمق في طريقها إلى جعل هذه الفلسفة دينا حيث رأت ضرورة إدخالها في عقول العمال وقلوبهم باعتبارها فلسفة الشغيلة التي يعتمد عليها وعليهم في تغيير المجتمع وتثويره ، ومن أجل ذلك أدخلوا زعماءهم في إطار القداسة التي تضفي على الأنبياء ، وكان لهم أصنام ومزارات يحج إليها الناس من أرجاء البلاد .

بل إن عبادة المادة عند هؤلاء عندما تصطدم بصعوبة التعبير عن إلههم يعتذرون بمثل ما يعتذر به المؤمنون من ضيق وعاء اللغة البشرية عن استيعاب حقائق الألوهية ، وهذا ما يعبر عنه مقال ديمتري ب جورسكي عن التمثيل العلمي وصعوباته " وهذا ما قاله لينين عن الحركة وصعوبة التعبير عنها ( نحن لا نستطيع أن نحقق الحركات أو نعبر عنها أو أن نمثلها بدون أن نعطل التيار المتصل وبدون أن نعمد إلى تقسيمها وقتل الحساسية فيها ) المصدر مجلة ديوجين العدد الثامن نوفمبر 1968 ص 142

أما أرنست هيكل صاحب الفلسفة الواحدية فإنه يدعو إلى فلسفة علمية لنتائج العلم ، تعالج فيها المسائل التي تركت من قبل للدين والميتافيزيقا ويقول : ( نحن نرى أن المادة لا يمكن أن توجد بغير العقل ) حسن : لقد اضطر هيكل إلى الرجوع – مؤقتا – إلى قاعدة التأليه

وهو يقول أيضا : ( المادة التي فرضناها لا تتنافى مع الله .. )

لكنه ما لبث أن زاغ إذ يقول : ( بل هي – أي المادة – الله نفسه ، إله داخل الطبيعة متطابق معها)

وهنا يصبح لهيكل دين خاص به ، وإله مزيف يدعي أنه استنبطه من العلم وأنه – وياللعجب – يرفضه إن جاء من الوحي ، يقول : ( الأديان تقوم على الوحي ، والعلم لا يعرف إلا التجربة ، ولا يمكن لصاحب عقل مستنير أن ينتمي لكليهما في آن واحد ، بل يضطر إلى الاختيار ، واليوم لا يملك الشخص الغريب عن الثقافة الحديثة – يقصد الفلسفة العلمية – من العقل إلا مقدار ما كان يملكه أقاربنا من الثدييات كالقردة أو الكلاب أو الفيلة )!!

يقول أميل بوترو في تعليقه على هذا الاتجاه ( نحن إذا مضينا مع النتائج العلمية لهذه الفلسفة أفضت بنا إلى العبادة الثلاثية للحق والخير والجمال ، وهو ثالوث واقعي يحل محل الثالوث الوهمي للمسيحية ) انظر كتاب " الدين والعلم لأندرو ديكسون وايت ترجمة الأستاذ إسماعيل مظهر ص 19-110-، 111 والعلم والدين لأميل بوترو ص 113

ولقد كان هيكل واهما عندما اعتقد أنه بواحديته هذه يهدم الأديان لثنائيتها ، ذلك أن الأديان تقوم أيضا على مذهب الوحدة ، وهو لم يفعل إلا أن اقترح دينا زائفا يقوم على مذهب ميتافيزيقي – لاعلمي – في وحدة الوجود ، إنه : ( يختم تعاليمه في الواحدية بالابتهال إلى الله المبدأ المشترك للخير والجمال والحق ويقول : إن الحق والخير والجمال هي الآلهة الثلاثة التي نركع أمامها في إخلاص ، ولتمجيد هذا المثل الأعلى " الله الواحد والثلاثة حقا سيرفع القرن العشرون الهياكل ) المصدر " العلم والدين " لأميل بوترو ص 121-127

***

إنها صناعة العرائس الشمعية التي أجادها الغرب ، لسنا بصدد تتبعها تفصيلا في هذا المقال بأكثر من إظهار أن هذا الإلحاد العلمي المعاصر ومن ورائه العلمانية المترهلة قد كذبوا على الناس وعلى التاريخ عندما تقدموا بمشروعهم في استبعاد الدين فإذا هم يخبئون تحت القبعة دينا شمعيا لا يصمد أمام وخزة بحث صادق

وبحسب هدفنا المحدد في هذا المقال يكفي أن نستشهد ونحن بصدد فضح هذا الهدف العلماني الإلحادي العلمي المعاصر بما قاله الأستاذ إسماعيل مظهر في تعليقه على أحد كبار العلمانيين في البلاد العربية في بداية القرن العشرين إذ يقول : ( لماذا حمل دكتور شبلي شميل على الأديان ؟ حمل عليها متابعة لرأيه المادي جريا وراء غاية محدودة ، غاية سعى إليها كثير من ماديي القرن الثامن عشر ، وتنحصر تلك الغاية في أن يتبدل الناس بدينهم دينا آخر .. وما هو ذلك الدين ؟ هو عبادة المادة ، أرادوا أن ينظروا إليها على أنها المصدر الأول للإنسان ، والعلة الأولى التي فطرته ، وأنها التي تحبوه بأسلوب الحياة التي ينعم بها فوق هذه الأرض ، ناهيك عن أن إليها مرده وعاده ) المصدر كتابه " ملقى السبيل في مذهب النشوء والارتقاء وأثره في الانقلاب الفكري الحديث " ص 34، 155

وكما يقول ليوبولد فايس عن عبادة الأوربي المعاصر – قبل ظهور الانقلاب الديني المسيصهيوني أخيرا وبالرغم منه - : ( إن الأوربي العادي سواء أكان ديموقراطيا أو فاشيا أو رأسماليا أو بلشفيا ، صانعا أو مفكرا : يعرف دينا واحدا هو التعبد للترقي المادي ، أي الاعتقاد بأن ليس في الحياة هدف آخر سوى جعل هذه الحياة نفسها أيسر فأيسر ، أو كما يقول التعبير الدارج " طليقة من ظلم الطبيعة "

أما هياكل هذه الديانة فهي المصانع العظيمة ، ودور السينما ، والمختبرات الكيميائية ، وباحات الرقص ، وأماكن توليد الطاقة .

وأما كهنة هذه الديانة فهم الصيارفة والمهندسون وكواكب السينما وقادة الصناعات وأبطال الطيران

وأن النتيجة التي لا مفر منها في هذه الحال هي الكدح وبلوغ القوة ، والمسرة

وذلك بخلق جماعات متخاصمة مدججة بالسلاح ومصممة على أن يفني بعضها بعضا حينما تتصادم مصالحها المتقابلة

أما على الجانب الثقافي فنتيجة ذلك خلق نوع بشري تنحصر فلسفته الأخلاقية في مسائل الفائدة العملية ، ويكون أسمى فارق لديه بين الخير والشر إنما هو التقدم المادي ) المصدر : كتابه " الإسلام على مفترق الطرق " ، ترجمة د عمر فروخ ط بيروت التاسعة 1977 ص 47-48

أما عن الخاصة الخامسة من خصائص الدين بشكل عام ما صح منه وما لم يصح فتلك هي : انتظار الآخرة أو المستقبل الذي يعالج نقائص الوضع الحاضر

وقد يستغرب القارئ العزيز عندما نؤكد أن اتجاهات الإلحاد العلمي المعاصر تشترك على اختلافها في الاعتقاد بنوع مزعوم من الحياة المؤجلة التي يستكمل فيها ما نقص من هذه الحياة الحاضرة

وهذه هي السمة الهيكلية الخامسة من سمات الدين التي أشرنا إليها في مستهل هذا الفصل ، مع التأكيد الأشد على أن الإلحاد العلمي المعاصر إنما يقدمها بالطريقة الشمعية ذاتها

وليست نظرة الإلحاد العلمي المعاصر إلى المستقبل مجرد نوع من التوقع أو التكهن لما يأتي في الغد ، وإنما عقيدة لازمة من أجل تبرير ما يستمسك به من نظرة إلى الماضي وإلى الحاضر ، وبدون هذه النظرة المستقبلية الاعتقادية ينهار البناء الكلي للاتجاه الإلحادي

يقول وليم جيمس الفيلسوف الأمريكي المعروف : ( إن ثورة العلم ضد الكرامات وخوارق العادات وثورة بعض الفلاسفة ضد حرية الإرادة لم تنبت كلها إلا من أصل واحد هو كراهية الاعتراف بوجود عنصر يمكن أن يشككنا فيما عرفناه عن المستقبل ) المصدر الدين والعقل ص 50 فهؤلاء يستنيمون في غيبوبة إلى عقيدة غيبية عن المستقبل تزعجهم عنها الكرامات (!!) .

ففي مجال العلم البحت مثلا لا بد من هذه النظرة عند سماسرة الإلحاد لتصح دعواه في كفاية العلم التجريبي لتفسير الوجود وتفسير المستقبل وإزاحة الدين والميتافيزيقا من هذا الطريق

وكمثال على ذلك ولما كان مبدأ عدم التحدد في حركة جزيئات الذرة قد فتح الباب مرة ثانية أمام الفكر الديني لإسناد النظام والتحديد إلى إرادة الخالق فإن برتراند رسل يلجأ إلى أمنية في رؤية مستقبلية يأمل فيها أن تعود الفيزياء إلى فكرة التحدد الصارم في حركة جزيئات الذرة وقفل الباب – حسب زعمه - أمام التفسيرات الإلهية حول هذه القضية

وفي ديانة الإنسانية عند أوجست كونت كان لا بد من تلفيق نظرة مستقبلية في مكافأة أبطال الإنسانية الذين لا يلقون الجزاء في حياتهم بأن يكون هذا الجزاء فيما يسميه " الخلود في الإنسانية " أو الإنسانية الخالدة ، و عنده أن الإنسانية تتألف من الأموات أكثر مما تتألف من الأحياء ، هؤلاء الأموات يعيشون في ذكرى الأجيال الحاضرة ، وهي فيما يتخيل أو يتوهم ( ذكرى متحركة فعالة مؤثرة ، فالأموات يؤثرون في الأحياء بما يبعثونه فيهم من غيرة نبيلة، تدفعهم إلى أن يكونوا جديرين بالانضواء تحت لواء أجدادهم العظماء ) !!

هذه ليست حياة للأموات ولو اقسم على ذلك أوجست كونت بشرف آبائه ، إنها نوع من الارتكاس إلى عبادة الأسلاف في الديانات الوثنية ، ولكن على مستوى عال من الشعوذة ، وبما لا يستحق التعليق بأكثر

وفي الديانة الماركسية نجد الحلم الذي تنصبه للإنسانية في قيام مستقبل تزول فيه الطبقات والدولة وتتحقق الشيوعية وتتوفر الاحتياجات كلها لكل الأفراد ، وهي إذ تمني الشعوب الرازحة تحت سلطانها بمستقبل " آخرة " غير منظورة فإنها تفعل ذلك لتبرير ما تقوم به من سحق الأجيال الحاضرة وتخديرها عن عذاباتها الراهنة " الدنيوية " وهذا ما سجلته الوقائع التاريخية ، ومن هنا فإنه لينبغي القول بأن هذه الفلسفة أحق بوصف " أفيون الشعوب " الذي رمت به الأديان من قبل

إن للإلحاد نظامه المثلوب للمستقبل ، وتوقعاته الكسيحة التي يرسمها له ، وهو يدعو إليه بما يخفيه من منطق الإيمان " والدين الوضعي الجديد ، لا بما يعلنه من منطق النقد العلمي الذي استعمله في هدم بعض الأنظمة الأخرى ، ولا نكون مبالغين إذا ذهبنا مع القول بأن ثورته ضد الخوارق والمعجزات ليست إلا كراهية للاعتراف بوجود عنصر يمكن أن يشككنا في المستقبل الذي يروج له كذبا باسم العلم

وإذا كان صحيحا ما يقوله وليم جيمس من أنه ( لابد لكل مذهب فلسفي أو عقيدة دينية من تحديد إجمالي للمستقبل ) وإذا كان من الصحيح أيضا ما يقوله من أنه لا بد لكي ينجح هذا التصور المستقبلي من أن ( يتناسب مع قوانا وميولنا الذاتية ) - أنظر كتابه المترجم العقل والدين ص 50-51 - فإننا نقول : لابد لهذا التصور من أن يتصف قبل ذلك وبعد ذلك بالصدق ، والقداسة ، واليقين ، والخلود الموضوعي ، والربط بين الدنيا في مقابلة الحاضر ، والآخرة في مقابله المستقبل ، ولا شك أن الأنظمة الإلحادية لا تتصف واحدة ة منها بشيء من ذلك ، بل هي على العكس من ذلك : تعلن إنكارها لها ، أو تجاهلها إياها ، أو استخفافها بها ، وهذا سر من أسرار عجز المذاهب المادية وعجز أوثانها - مهما تسلحت بالعلم أو تدرعت بالعلمانية - عن أن تحوز قبول الإنسان ، وإن لم يمنعها ذلك من إنشاب أظفارها في كيانه .

إن الإلحاد العلمي العلماني المعاصر وهو يهاجم الدين لم يفعل إلا أن استبدل دينا بدين ، استبدل الدين المزيف بالدين الحق ، استبدل الشمع بالروح ، ولقد انطوى دينه الشمعي الزائف على الخصائص العامة التي هوجم الدين الحق من أجلها : الاعتقاد الأولي ، والتسليم بالغيبيات ، وعبادة الموجود الذي يرجع إليه العالم ، والوعد بالمستقبل ، وإن قدمها شمعية ميتة ، وهذا في حد ذاته كاف في نقض هذا الإلحاد بما فيه من انفضاح للكذب ، واستبدال المعبودات الشمعية بالمعبود الحق ، ولم يفعل إلا أن دعا الناس إلى الهبوط بمستوى معبودهم إلى ما دون أقدامهم ، وإلا أن دعاهم إلى الشرك والانتكاس إلى الوثنية باسم التقدم !!

وهذه واحدة – فقط - من فضائح العلمانية

والله اعلم

وَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ

لقد کفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثه

رابط هذا التعليق
شارك

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة
×
×
  • أضف...