اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

هل العزة والنصرة في الدنيا تستقر للكفار والمنافقين


Gharib  fi el zolomat

Recommended Posts

هل العزة والنصرة في الدنيا تستقر للكفار والمنافقين على المؤمنين؟

رئيسي :تزكية :الأربعاء 4 جمادى الأخرة 1425هـ - 21 يوليو 2004

الإنسان قد يسمع ويرى ما يصيب كثيًرا من أهل الإيمان في الدنيا من المصائب، وما ينال كثيرًا من الكفار، والفجار، والظلمة في الدنيا من الرياسة، والمال، وغير ذلك، فيعتقد أن النعيم في الدنيا لا يكون إلا للكفار والفجار، وأن المؤمنين حظهم من النعيم في الدنيا قليل.

وكذلك قد يعتقد أن العزة والنصرة في الدنيا تستقر للكفار والمنافقين على المؤمنين، فإذا سمع قوله تعالى:{ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ[8]}[سورة المنافقون] وقوله:{وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ[173]}[سورة الصافات]. وقوله:{ كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ[21]}[سورة المجادلة] . وقوله:{وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}[سورة الأعراف،آية:128، سورة القصص آية:83]. ونحو هذه الآيات. وهو ممن يصدق بالقرآن حمل ذلك على أن حصوله في الدار الآخرة فقط، وقال: أما الدنيا فإنا نرى الكفار والمنافقين يغلبون فيها، ويظهرون ويكون لهم النصر والظفر، والقرآن لا يرد بخلاف الحس.

ويعتمد على هذا الظن إذا أديل عليه عدو من جنس الكفار، والمنافقين، أو الفجرة الظالمين، وهو عند نفسه من أهل الإيمان والتقوى، فيرى أن صاحب الباطل قد علا على صاحب الحق، فيقول: أنا على الحق وأنا مغلوب، فصاحب الحق في هذه الدنيا مغلوب مقهور والدولة فيها للباطل .

فإذا ذكر بما وعده الله من حسن العاقبة للمتقين والمؤمنين؛ قال: هذا في الآخرة فقط .

وإذا قيل له: كيف يفعل الله هذا بأوليائه، وأحبائه، وأهل الحق؟

فإن كان ممن لا يعلل أفعال الله بالحكم والمصالح؛ قال: يفعل الله في ملكه ما يشاء ويحكم ما يريد:{ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ[23]}[سورة الأنبياء].

وإن كان ممن يعلل الأفعال، قال: فعل بهم هذا ليعرضهم بالصبر عليه لثواب الآخرة، وعلو الدرجات، وتوفية الأجر بغير حساب.

ولكل أحد مع نفسه في هذا المقام مباحثات، وإيرادات، وإشكالات، وأجوبة؛ بحسب حاصله وبضاعته من المعرفة بالله، وأسمائه وصفاته، وحكمته، والجهل بذلك، فالقلوب تغلي بما فيها كالقدر إذا استجمعت غليانًا فلقد بلغنا وشاهدنا من كثير من هؤلاء من التظلم للرب تعالى واتهامه ما لا يصدر إلا من عدو، وأنت تشاهد كثيرًا من الناس إذا أصابه نوع من البلاء يقول: يا ربي ما كان ذنبي حتى فعلت بي هذا. وقال لي غير واحد: إذا تبت إليه، وأنبت، وعملت صالحًا؛ ضيق عليّ رزقي، ونكد عليّ معيشتي، وإذا رجعت إلى معصيته، وأعطيت نفسي مرادها؛ جاءني الرزق والعون.. ونحو هذا.

فقلت لبعضهم: هذا امتحان منه؛ ليرى صدقك وصبرك: هل أنت صادق في مجيئك إليه، وإقبالك عليه، فتصبر على بلائه، فتكون لك العاقبة، أم أنت كاذب، فترجع على عقبك.

منشأ هذه الأقوال والظنون الكاذبة:

وهذه الأقوال والظنون الكاذبة الحائدة عن الصواب مبنية على مقدمتين:

إحداهما: حسن ظن العبد بنفسه، وبدينه، واعتقاده أنه قائم بما يجب عليه، وتارك ما نهى عنه، واعتقاده في خصمه وعدوه خلاف ذلك، وأنه تارك للمأمور، مرتكب للمحظور، وأنه نفسه أولى بالله، ورسوله، ودينه منه.

والمقدمة الثانية: اعتقاده أن الله سبحانه قد لا يؤيد صاحب الدين الحق وينصره، وقد لا يجعل له العاقبة في الدنيا بوجه من الوجوه، بل يعيش عمره مظلومًا، مقهورًا مع قيامه بما أمر به ظاهرًا وباطنًا، وانتهائه عما نهي عنه باطنًا وظاهرًا، فهو عند نفسه قائم بشرائع الإسلام، وحقائق الإيمان، وهو تحت قهر أهل الظلم، والفجور، والعدوان.

فلا إله إلا الله.. كم فسد بهذا الاغترار من عابد جاهل، ومتدين لا بصيرة له، ومنتسب إلى العلم لا معرفة له بحقائق الدين، فإنه من المعلوم: أن العبد- وإن آمن بالآخرة، فإنه- طالب في الدنيا لما لابد له منه: من جلب النفع، ودفع الضر بما يعتقد أنه مستحب، أو واجب، أو مباح، فإذا اعتقد أن الدين الحق، واتباع الهدى والاستقامة على التوحيد، ومتابعة السنة ينافي ذلك، وأنه يعادي جميع أهل الأرض، ويتعرض لما لا يقدر عليه من البلاء، وفوات حظوظه ومنافعه العاجلة؛ لزم من ذلك إعراضه عن الرغبة في كمال دينه، وتجرده لله، ورسوله؛ فيعرض قلبه عن حال السابقين المقربين، بل قد يعرض عن حال المقتصدين أصحاب اليمين، بل قد يدخل مع الظالمين، بل مع المنافقين، وإن لم يكن هذا في أصل الدين كان في كثير من فروعه وأعماله، كما قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنْ الدُّنْيَا] رواه مسلم.

وذلك أنه إذا اعتقد أن الدين الكامل لا يحصل إلا بفساد دنياه: من حصول ضرر لا يحتمله، وفوات منفعة لا بد له منها؛ لم يقدم على احتمال هذا الضرر، ولا تفويت تلك المنفعة.. فسبحان الله كم صدت هذه الفتنة الكثير من الخلق بل أكثرهم عن القيام بحقيقة الدين،

وأصلها ناشىء من جهلين كبيرين: جهل بحقيقة الدين، وجهل بحقيقة النعيم الذي هو غاية مطلوب النفوس وكمالها فيتولد من بين هذين الجهلين إعراضه عن القيام بحقيقة الدين، وعن طلب حقيقة النعيم.

ومعلوم أن كمال العبد هو بأن يكون عارفًا بالنعيم الذي يطلبه، والعمل الذي يوصل إليه، وأن يكون مع ذلك فيه إرادة جازمة لذلك العمل، ومحبة صادقة لذلك النعيم، وإلا فالعلم بالمطلوب وطريقه لا يحصله إن لم يقترن بذلك العمل، والإرادة الجازمة لا توجب وجود المراد إلا إذا لازمها الصبر.

فصارت سعادة العبد وكمال لذته ونعيمه موقوفًا على هذه المقامات الخمسة:

علمه بالنعيم المطلوب، ومحبته له، وعلمه بالطريق الموصل إليه، وعلمه به، وصبره على ذلك، قال تعالى:{ وَالْعَصْرِ[1]إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ[2]إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ[3]}[سورة العصر] .

أصل هذه الفتنة:

والمقصود أن المقدمتين اللتين تثبت عليهما هذه الفتنة أصلهما:

1- الجهل بأمر الله، ودينه، وبوعده ووعيده: فإن العبد إذا اعتقد أنه قائم بالدين الحق، فقد اعتقد أنه قد قام بفعل المأمور باطنًا وظاهرًا، وترك المحظور باطنًا وظاهرًا..وهذا من جهله بالدين الحق وما لله عليه، وما هو المراد منه، فهو جاهل بحق الله عليه، جاهل بما معه من الدين قدرًا ونوعًا وصفةً.

وإذا اعتقد أن صاحب الحق لا ينصره الله تعالى في الدنيا والآخرة بل قد تكون العاقبة في الدنيا للكفار والمنافقين على المؤمنين، وللفجار الظالمين على الأبرار المتقين، فهذا من جهله بوعد الله ووعيده:

فأما المقام الأول: فإن العبد كثيرًا ما يترك واجبات لا يعلم بها، ولا بوجوبها، فيكون مقصرًا في العلم، وكثيرًا ما يتركها بعد العلم بها وبوجوبها: إما كسلًا، وإما لنوع تأويل باطل، أو تقليد، أو لظنه أنه مشتغل بما هو أوجب منها، أو لغير ذلك.

فواجبات القلوب أشد وجوبًا من واجبات الأبدان، وآكد منها، وكأنها ليست واجبات الدين عند كثير من الناس، بل هي من باب الفضائل والمستحبات، بل ما أكثر من يتعبد لله بترك ما أوجب عليه، فيتخلى وينقطع عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع قدرته عليه، ويزعم أنه متقرب إلى الله بذلك، مجتمع على ربه، تارك ما لا يعنيه، فهذا من أمقت الخلق إلى الله، وأبغضهم إليه مع ظنه أنه قائم بحقائق الإيمان، وشرائع الإسلام، وأنه من خواص أوليائه وحزبه.

بل ما أكثر من يتعبد لله بما حرمه الله عليه ويعتقد أنه طاعة، وما أكثر من يعتقد أنه هو المظلوم المحق من كل وجه، ولا يكون الأمر كذلك بل يكون معه نوع من الحق، ونوع من الباطل والظلم، ومع خصمه نوع من الحق والعدل، وحبك الشيء يعمي ويصم، والإنسان مجبول على حب نفسه، فهو لا يرى إلا محاسنها، ومبغض لخصمه، فهو لا يرى إلا مساويه، بل قد يشتد به حبه لنفسه حتى يرى مساويها محاسن، كما قال تعالى:{ أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا...[8]}[سورة فاطر]. ويشتد به بغض خصمه حتى يرى محاسنه مساوىء كما قيل:

نظروا بعين عداوة ولو أنها عين الرضا لاستحسنوا ما استقبحوا

وهذا الجهل مقرون بالهوى والظلم- غالبا- فإن الإنسان ظلوم جهول. وأكثر ديانات الخلق إنما هي عادات أخذوها عن آبائهم وأسلافهم وقلدوهم فيها: في الإثبات والنفي، والحب والبغض، والموالاة والمعاداة.

من يقوم بالدين الحق علمًا وعملًا هو المنتصر ليس غيره:

والله سبحانه إنما ضمن نصر دينه وحزبه وأوليائه القائمين بدينه علمًا وعملًا لم يضمن نصر الباطل، ولو اعتقد صاحبه أنه محق.

وكذلك العزة والعلو إنما هما لأهل الإيمان الذي بعث الله به رسله، وأنزل به كتبه، وهو علم، وعمل، وحال: قال تعالى:{... وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ[139]}[سورة آل عمران]. فللعبد من العلو بحسب ما معه من الإيمان. وقال تعالى:{...وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ...[8]}[سورة المنافقون]. فله من العزة بحسب ما معه من الإيمان وحقائقه، فإذا فاته حظ من العلو والعزة، ففي مقابلة ما فاته من حقائق الإيمان علمًا وعملًا، ظاهرًا وباطنًا.

وكذلك الدفع عن العبد هو بحسب إيمانه: قال تعالى:{ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا...[38]}[سورة الحج]. فإذا ضعف الدفع عنه؛ فهو من نقص إيمانه.

وكذلك الكفاية والحسب هي بقدر الإيمان: قال تعالى:{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ[64]}[سورة الأنفال]. أي: الله حسبك وحسب اتباعك، أي: كافيك وكافيهم، فكفايته لهم بحسب اتباعهم لرسوله، وانقيادهم له، وطاعتهم له، فما نقص من الإيمان؛ عاد بنقصان ذلك كله ومذهب أهل السنة والجماعة: أن الإيمان يزيد وينقص.

وكذلك ولاية الله تعالى لعبده هي بحسب إيمانه: قال تعالى:{ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ[68]}[سورة آل عمران]. وقال تعالى:{ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا...[257]}[سورة البقرة].

وكذلك معيته الخاصة هي لأهل الإيمان: كما قال تعالى:{...وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ[19]}[سورة الأنفال]. فإذا نقص الإيمان وضعف؛ كان حظ العبد من ولاية الله له ومعيته الخاصة بقدر حظه من الإيمان.

وكذلك النصر والتأييد الكامل إنما هو لأهل الإيمان الكامل: قال تعالى:{ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ[51]}[سورة غافر]. وقال:{ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ[14]}[سورة الصف]. فمن نقص إيمانه؛ نقص نصيبه من النصر والتأييد؛ ولهذا إذا أصيب العبد بمصيبة في نفسه، أو ماله، أو بإدالة عدوه عليه، فإنما هي بذنوبه: إما بترك واجب، أو فعل محرم، وهو من نقص إيمانه.

تحقيق المراد بـ قوله تعالى:{ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا[141]}[سورة النساء]:

وبهذا يزول الإشكال الذي يورده كثير من الناس على قوله تعالى:{ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا[141]}[سورة النساء]. ويجيب عنه كثير منهم بأنه لن يجعل لهم عليهم سبيلًا في الآخرة، ويجيب آخرون بأنه لن يجعل لهم عليهم سبيلًا في الحجة.

والتحقيق: أنها مثل هذه الآيات، وأن انتفاء السبيل عن أهل الإيمان الكامل، فإذا ضعف الإيمان؛ صار لعدوهم عليهم من السبيل بحسب ما نقص من إيمانهم، فهم جعلوا لهم عليهم السبيل بما تركوا من طاعة الله تعالى، فالمؤمن عزيز غالب، مؤيد منصور، مكفي مدفوع عنه بالذات، أين كان ولو اجتمع عليه من بأقطارها إذا قام بحقيقة الإيمان، وواجباته ظاهرًا وباطنًا، وقد قال تعالى للمؤمنين:{ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ[139]}[سورة آل عمران]. وقال تعالى:{ فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ[35]}[سورة محمد].

فهذا الضمان إنما هو بإيمانهم وأعمالهم التي هي جند من جنود الله، يحفظهم بها، ولا يفردها عنهم، ويقتطعها عنهم، فيبطلها عليهم كما يتر الكافرين والمنافقين أعمالهم؛ إذ كانت لغيره، ولم تكن موافقة لأمره.

وأما المقام الثاني الذي وقع فيه الغلط: فكثير من الناس يظن أن أهل الدين الحق في الدنيا يكونون أذلاء مقهورين مغلوبين دائمًا بخلاف من فارقهم إلى سبيل أخرى وطاعة أخرى: فلا يثق بوعد الله بنصر دينه، وعباده، بل إما أن يجعل ذلك خاص بطائفة دون طائفة، أو بزمان دون زمان، أو يجعله معلقًا بالمشيئة- وإن لم يصرح بها-.

وهذا من عدم الوثوق بوعد الله، ومن سوء الفهم في كتابه، والله سبحانه قد بين في كتابه أنه ناصر المؤمنين في الدنيا والآخرة، قال تعالى:{ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ[51]}[سورة غافر]. وقال تعالى:{ وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ[56]}[سورة المائدة]. وقال تعالى:{ إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ[20]كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ[21]}[سورة المجادلة].

وهذا كثير في القرآن، وقد بين سبحانه فيه أن ما أصاب العبد من مصيبة، أو إدالة عدو، أو كسر، وغير ذلك، فبذنوبه، فبين سبحانه في كتابه كلا المقدمتين، فإذا جمعت بينهما تبين لك حقيقة الأمر، وزال الإشكال بالكلية، واستغنيت عن تلك التكلفات الباردة، والتأويلات البعيدة، فقرر سبحانه المقام الأول بوجوه من التقرير: منها ما تقدم.

ومنها: أنه ذم من يطلب النصر والعزة من غير المؤمنين: كقوله:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ[51]فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ[52]وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ[53]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ[54]إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ[55] وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ[56]}[سورة المائدة].

فأنكر على من طلب النصر من غير حزبه، وأخبر أن حزبه هم الغالبون، ونظير هذا: قوله:{ بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا[138]الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا[139]}[سورة النساء]. وقال تعالى:{ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ...[10]}[سورة فاطر]. أي من كان يريد العزة؛ فليطلبها بطاعة الله من الكلم الطيب، والعمل الصالح. وقال تعالى:{ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ}[سورة التوبة:آية 33، سورة الفتح:آية28، سورة الصف:آية9].

وقال تعالى للمؤمنين:{ وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا[22]سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا[23]}[سورة الفتح]. فهذا خطاب للمؤمنين الذين قاموا بحقائق الإيمان ظاهرًا وباطنًا. وقال تعالى:{...إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ[49]}[سورة هود]. وقال:{... وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى[132]}[سورة طه]. والمراد: العاقبة في الدنيا قبل الآخرة؛ لأنه ذكر عقيب قصة نوح ونصره وصبره على قومه، فقال تعالى:{ تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ[49]}[سورة هود]. أي: عاقبة النصر لك، ولمن معك كما كانت لنوح عليه السلام، ومن آمن معه.

وقال:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ[29]}[سورة الأنفال]. والفرقان: هو العز والنصر، والنجاة والنور الذي يفرق بين الحق والباطل... فهذا في المقام الأول'.

وأما المقام الثاني: فقال تعالى في قصة أحد:{ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ...[165]}[سورة آل عمران]. وقال تعالى:{ إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا...[155]}[سورة آل عمران]. وقال تعالى:{ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ[30]}[سورة الشورى]. وقال:{ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ[41]}[سورة الروم]. وقال:{...وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ كَفُورٌ [48]}[سورة الشورى].

وقال:{ مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ...[79]}[سورة النساء].

ولهذا أمر الله سبحانه رسوله والمؤمنين باتباع ما أنزل إليهم وهو طاعته.. وهو المقدمة الأولى.

وأمر بانتظار وعده.. وهو المقدمة الثانية. وأمر بالاستغفار والصبر؛ لأن العبد لابد أن يحصل له نوع تقصير وسرف يزيله الاستغفار، ولابد في انتظار الوعد من الصبر، فبالاستغفار تتم الطاعة وبالصبر يتم اليقين بالوعد، وقد جمع الله سبحانه بينهما في قوله:{فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ[55]}[سورة غافر].

وقد ذكر الله سبحانه في كتابه قصص الأنبياء، وأتباعهم، وكيف نجاهم بالصبر والطاعة، ثم قال:{ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ...[111]}[سورة يوسف].

من كتاب:'إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان' للعلامة ابن قيم الجوزية رحمه الله.

منقول

تم تعديل بواسطة Gharib fi el zolomat

وَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ

لقد کفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثه

رابط هذا التعليق
شارك

أحسنت يا غريب

يأتي في آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من خير قول البرية يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية لا يجاوز إيمانهم حناجرهم فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم يوم القيامة

رابط هذا التعليق
شارك

  • بعد 2 أسابيع...

شكرا على اهتمامك بالرد على مداخلتي يا عزيزي داروين

وآسف للخروج عن سياق حديثكم هذا ..........

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تم تعديل بواسطة Tamsite

قلب الوطن مجروح ........ لا يحتمل أكــتر

نهرب وفين هنروح ......... لما الهموم تكتر

رابط هذا التعليق
شارك

أخي العزيز ..

أصدقك قولا لقد آليت على نفسي وصبرت صبرا جميلا وقرأت ماهو مكتوب في هذه الوصلة وهذه أول مرة لي أزور فيها هذا الموقع ... وصدقني لقد شعرت بالأسف للمسلمين قبل غيرهم .. فحين تنحدر بغة الحوار بالشكل الذي قرأته هناك فلا تستبعد حدوث أي شيء ...فإلى هذا الحد وصلت الألفاظ والشتائم ؟؟ وإلى هذا الحد ينحدر الحوار والمناقشه بين أفراد يفترض فيهم أنهم مثقفون ذوو رأي ؟؟؟ ياسيدي الفاضل لقد قرأت هناك رأي لعضوة تشعر بالزهو أن هذا المنتدى يعطيهم الحق في تبادل الشتائم والسباب

أما بخصوص الموضوع في حد ذاته فرأيي يا أخي أنه حين تستفز الآخر لا تتوقع منه أن يبجلك وأنا للأسف مازلت لا أدرك ماهو مقصدك من نشر مداخلتك هنا ؟؟؟ وماهو المطلوب ؟؟؟

لا أظن أن أي من أعضاء المحاورات على أستعداد أن يدخل في وصلات السباب هذه وأنا أولهم

ولعلمك فأن هناك مواقع عديده على الأنترنت متخصصه فقط في سب الإسلام وكل من ينتمي إليه فهل تظن أن الإسلام والرسول الكريم قد تأثرا بهذه السفالات والوقاحه ... والله لا

يا عزيزي إن تجاهل مثل هؤلاء ومثل هذه الأراء هو أفضل علاج بدلا من أن تقوم بسبه فيعيد سبك وهكذا دواليك

ملحوظه ... خالص شكري للأخ فيولين عن رأيه في المحاورات والذي ذكره هناك

وخالص شكري وتقديري وإكباري لكافة أعضاء محاورات المصريين على أنهم هنا ... كما هم وكما عرفتهم ..... محترمين

القسوة أن ألقاك غريبا ... في وطن ناء عن وطنك

والأقسى غربة أنفاس ... بين الخلان وفي أهلك

رابط هذا التعليق
شارك

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة
×
×
  • أضف...