اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

غاندي


أسامة الكباريتي

Recommended Posts

غاندي والصهيونية

د. عبد الوهاب المسيري

كانت فلسطين بحكم موقعها نقطة انطلاق لأصحاب الأحلام الإمبراطورية. فحينما فكر الإسكندر الأكبر في تكوين إمبراطوريته الهيلينية فتح فلسطين ومصر، وهكذا فعل الرومان من بعده. وقد تصاعدت الرغبة في الاستيلاء على فلسطين مع زيادة شراهة التشكيل الاستعماري الغربي الحديث.

فقد حاول نابليون أن يستولي على فلسطين، وأن يؤسس فيها دولة يهودية حتى يسد على الإنجليز الطريق إلى الهند. كما ساند كثير من المفكرين الاستعماريين الإنجليز فكرة إنشاء دولة يهودية في فلسطين تضم البريطانيين اليهود "بوصفها وسيلة لتأمين الطريق إلى الهند" التي كانت توصف بأنها جوهرة التاج البريطاني.

ولأن الاستعمار الغربي كان يرى فلسطين باعتبارها بوابة غزو الشرق وتأمين خطوط الإمداد للهند، فقد حرصت الحركة القومية الهندية على أن تبقى فلسطين عربية حتى لا تستخدم كقاعدة للهجوم على الهند أو الإضرار بها. ففي فبراير/شباط 1938 أصدر "حزب المؤتمر الهندي" قراراً يدين بريطانيا لقيامها بتبني مشروع لتقسيم فلسطين.

وسجل الحزب إدانته الشديدة لاستخدام سياسة القمع في فلسطين لإجبار العرب على قبول الوضع الجديد. وعبّر الحزب عن تعاطفه الكامل مع العرب في صراعهم ضد الاستعمار من أجل الحرية.

يفند غاندي الادعاء الصهيوني بضرورة إقامة وطن لليهود في فلسطين قائلا: إن التصرف النبيل يقضي بأن يتلقى اليهود معاملة عادلة حيث وُلدوا وتربوا، وأن يعوضهم الغربيون عما اقترفوه في حقهم من جرائم

وفي سبتمبر/أيلول من العام نفسه، تبنى الحزب قراراً يطالب بريطانيا "بالتخلي عن سياستها وترك الأمر لليهود والعرب لإصلاح ما بينهم من مشكلات"، كما ناشد الحزب اليهود "بألا يتخذوا من الإمبريالية البريطانية ملاذاً لهم".

وكان المهاتما غاندي برفضه الاستعمار والعنف هو العامل الأساسي المؤثر في تشكيل وجهة النظر الهندية نحو القضية الفلسطينية. ففي إحدى افتتاحيات صحيفة الهاريغان عام 1938 عبَّر غاندي عن تعاطفه مع يهود أوروبا المضطهدين، ولكن هذا لم يمنعه من أن يرى الفلسطينيين على أنهم بشر وليسوا مجرد وحدات إحصائية.

ومن هذا المنظور أدان غاندي الصهيونية واتجاهاتها العدوانية واللاأخلاقية، وكتب يقول "إن الدعوة إلى إنشاء وطن لليهود لا تعني الكثير بالنسبة لي، إذ إن فلسطين تنتمي للعرب تماماً كما تنتمي إنجلترا للإنجليز أو فرنسا للفرنسيين، ومن الخطأ فرض اليهود على العرب، وما يجري الآن في فلسطين لا علاقة له بأية منظومة أخلاقية".

ويمضى غاندي في مقاله مفنداً الادعاء الصهيوني بأن إقامة "وطن قومي" لليهود على أرض فلسطين يُعد حلاً لمشاكل الجماعات اليهودية في أوروبا، فيقول: "إن التصرف النبيل يقضي بأن يتلقى اليهود معاملة عادلة، حيث وُلدوا وتربوا، وإذا كان اليهود قد عانوا على يد العالم الغربي، فعلى الغربيين إذن أن يعوضوهم عما اقترفوه في حقهم من جرائم".

وفي المقال نفسه حذر غاندي يهود فلسطين من الصهيونية والعدوانية العرقية، وتساءل "لماذا لا يقوم اليهود الصهاينة -شأنهم شأن كل شعوب الأرض- بأن يجعلوا وطنهم البلد الذي وُلدوا فيه ويكسبون رزقهم على أرضه". ثم أضاف "إذا لم يكن لليهود أي وطن غير فلسطين كما يدعون، فهل يمكنهم أن يتقبلوا فكرة طردهم من بقية أرجاء العالم".

ثم دفع غاندي بهذه الأطروحة إلى نهايتها المنطقية حين قال "إن الدعوة لإنشاء وطن قومي لليهود سيقدم مبرراً قوياً لطرد اليهود من ألمانيا". ويميز غاندي بين الارتباط الديني اليهودي بفلسطين والرغبة الصهيونية الاستعمارية في الاستيلاء عليها، فيقول "إن فلسطين التي يرد ذكرها في الكتب المقدسة ليست موقعاً جغرافياً، إنها في قلب اليهود، وعن طريق التفاوض يمكنهم أن يحولوا المشاعر العربية لصالحهم، فالفعل الديني لا يمكن أن يتم عن طريق السلاح أو العنف".

واستمر غاندي قائلاً إنه رغم أنه كان يتمنى أن يختار العرب المقاومة السلمية، فإنه لا يمكن أن يلقي باللوم على المقاومة التي انتهجوها "فقد تآمر اليهود (أي الصهاينة) مع البريطانيين على نهب أناس لم يلحقوا بهم أي أذى".

وعندما سئل المهاتما غاندي في الأربعينيات عن رأيه في القضية الفلسطينية أجاب بأنها أصبحت قضية لا حل لها، واستطرد موضحاً سبب ذلك في رأيه فيقول "لو كنت يهودياً لقلت للصهاينة: كفاكم سخفاً ولا تلجؤوا للإرهاب لأنكم بذلك تضرون بقضيتكم التي كان من الممكن أن تصبح قضية عادلة دون اللجوء لمثل هذه الوسائل".

وقد حاول الفيلسوف الصهيوني مارتن بوبر إقناع غاندي بوجهة النظر الصهيونية فكتب له قائلا "إن المستوطنين الصهاينة لم يأتوا إلى فلسطين بوصفهم مستعمرين، ولم يأتوا من الغرب ليقوم السكان الأصليون بالعمل نيابة عنهم.. إنهم يعملون بأيديهم ويحملون المحراث على أكتافهم". ثم أضاف بوبر في لغة صوفية "هذه الأرض تعرفنا لأننا نعرفها".

ولم يكلف غاندي خاطره بالرد على خطاب بوبر لأنه كان يعلم تمام العلم أن الصهاينة هم في نهاية الأمر مجموعة من المستعمرين الاستيطانيين الإحلاليين الذين يسعون إلى الاستيلاء على أرض الغير، وذلك رغم كل اعتذارياتهم المصقولة، ورغم كل الذرائع الدينية والتاريخية التي يخفون وراءها حقيقة مشروعهم الاستعماري.

يكن غاندي احتقاراً عميقاً للصهيونية ولكل ما تتسم به من انتهازية، ويعتقد بأن "الدولة اليهودية" المنشودة -آنذاك- لن تكون سوى إضافة جديدة لمستعمرات الرجل الأبيض وقاعدة لحماية المصالح الاستعمارية

وفي مقال كتبه في يوليو/تموز 1946 بيّن غاندي موقفه من العنف الصهيوني (ربما للمرة الأخيرة في حياته) فعبر عن حزنه لمعاناة اليهود في أوروبا، وأشار إلى أن التحامل على اليهود المبني على قراءة خاطئة للعهد القديم هو وصمة عار في جبين العالم المسيحي بأجمعه. ثم أضاف "لقد تصورنا أن المحنة ستعلم اليهود درس السلام"، ولكن ما حدث هو العكس، إذ يحاول اليهود فرض أنفسهم على فلسطين بمساعدة الأسلحة البريطانية والأموال الأميركية، ومؤخراً عن طريق الإرهاب المباشر".

وتثير آراء المهاتما غاندي عدة ملاحظات، من بينها:

- أن غاندي يستخدم كلمة "اليهود" للإشارة إلى المستوطنين الصهاينة على وجه الخصوص وليس اليهود بشكل عام ومطلق. وقد استندت الدعاية الصهيونية إلى بعض العبارات الواردة في مقالات غاندي وتصريحاته -بعد اقتطاعها من سياقها- لوصمه بتهمة "العداء للسامية" (أي العداء لليهود)، وهي تهمة جاهزة تُوجه لكل من يجرؤ على انتقاد المشروع الصهيوني، ولم يسلم منها كثير من الكتاب والمفكرين والسياسيين على مر العصور، من شكسبير وحتى كورت فالدهايم وروجيه غارودي.

غير أن أية نظرة منصفة لهذه العبارات والمواقف في إطار الرؤية الكلية لغاندي تبين أنه بعيد كل البعد عن أية نزعات عنصرية، ولعل تعاطفه مع محنة يهود أوروبا أكبر دليل على تمييزه بين اليهود كجماعة بشرية والمستوطنين الصهاينة كجزء من المشروع الاستعماري، وهو في هذا لا يختلف عن كثير من العرب الذين يشيرون إلى "اليهود" وهم يعنون في واقع الأمر الصهاينة.

- كان الدافع الأساسي لتعاطف غاندي مع معاناة يهود أوروبا هو نزعته الإنسانية ورفضه لكل أشكال العنف والاضطهاد وإيمانه بفكرة المقاومة السلمية، إلا أن ذلك لم يدفعه للتخلي عن تعاطفه مع عرب فلسطين ومع حقوقهم المشروعة ورفضه لما يتعرضون له من عدوان.

ويعد هذا موقفاً أخلاقياً مركباً ومتسقاً يعجز الكثيرون في الغرب عن التوصل إليه. فإذا كان اضطهاد الجماعات اليهودية في بعض بلدان أوروبا أمراً يستوجب الإدانة والرفض، فإن هذا الموقف لا يكتمل إلا برفض وإدانة أي شكل من أشكال الاضطهاد تتعرض له أية جماعة بشرية أخرى، ولا سيما إذا كان ضحايا الأمس هم أنفسهم من يرتكبون جرائم اليوم ويلتمسون لها مختلف الأعذار.

- يكنّ غاندي احتقاراً عميقاً للصهيونية ولكل ما تتسم به من انتهازية، فقد أدرك المهاتما أن الدولة الصهيونية أنشئت عن طريق "الأسلحة البريطانية" التي دفعت فاتورتها كل من بريطانيا وأميركا، ومن ثم أحس أن "الدولة اليهودية" المنشودة لن تكون سوى إضافة جديدة لمستعمرات الرجل الأبيض وقاعدة لحماية المصالح الاستعمارية.

- أدان المهاتما مراراً أشكال العنف الصهيوني في فلسطين، واعتبرها نوعاً من الإرهاب. ولا شك أن مثل هذه الإدانة تمثل صدمة للعالم الغربي الذي يقبل الإرهاب الصهيوني للعرب وإجلاء الفلسطينيين عن ديارهم بالقوة العسكرية وتدمير قراهم وحقولهم ومصادرة حقوقهم، في حين يصنف المقاومة الفلسطينية لهذه الأعمال باعتبارها إرهاباً.

ورغم نبذ غاندي لأشكال المقاومة العنيفة فإن موقفه يعكس تفهماً واعياً للدوافع التي حدت بالفلسطينيين إلى انتهاج هذا الشكل من أشكال المقاومة في مواجهة عدوان يهدف إلى محوهم من المكان والزمان على حد سواء.

رغم نبذ غاندي لأشكال المقاومة العنيفة فإنه يبدي تفهماً واعياً لدوافع الفلسطينيين لانتهاج المقاومة المسلحة في مواجهة عدوان يهدف إلى محوهم من المكان والزمان

وربما كان موقف غاندي هذا أكثر تطوراً من مواقف بعض المسؤولين العرب الذين يسارعون إلى إلقاء اللوم على الفلسطينيين والمساواة بين صور العنف الصهيوني والمقاومة المشروعة له بدعوى أن الاثنين يندرجان تحت المسمى الفضفاض "أعمال العنف"، بالإضافة إلى إسداء النصح للفصائل الفلسطينية بالتحلي بمزيد من "التعقل" و"الاعتدال"، وهي نصيحة لا تعني سوى القبول بالأمر الواقع، الصهيوني بطبيعة الحال.

- تبين آراء غاندي أنه لا يمكن اعتبار العداء العربي للصهيونية ولإسرائيل أمراً غير عقلاني أو بدافع من نزعة قومية متعصبة أو من "عقد" ورواسب نفسية. فالقادة غير العرب -من أمثال غاندي- يشتركون مع العرب في وجهات النظر لأن القضية الفلسطينية قضية أخلاقية بالدرجة الأولى، حيث إنها تنطوي على قاعدة أخلاقية بسيطة ألا وهي أن الإنسان يجب ألا يخضع للعنف والظلم وأنه يجب أن يدافع عن أرضه وكرامته ضد المستعمرين والمستغلين.

فالعداء العربي لإسرائيل متجذر في الواقع التاريخي/الاجتماعي للقارة الآسيوية، ولا يمكن توجيه تهمة العدوانية لمن يدافعون عن وطنهم ويقاومون كتلة بشرية وفدت من أوروبا -بدعم استعماري غربي- وادعى أعضاؤها أن هذا الجزء من آسيا يخصهم منذ ألفي عام.

ولكل هذه الأسباب تكتسب آراء غاندي الإنسانية أهمية قصوى في التصدي للدعاية الصهيونية وتفنيد بعض الادعاءات التي يستند إليها المشروع الصهيوني. ونظراً للمكانة التي يحظى بها زعماء من أمثال غاندي في الأوساط الغربية، فمن الضروري أن يسعى الإعلام العربي لإلقاء الضوء على هذه الأفكار والمواقف في الدوائر الغربية، باعتبار ذلك أحد الأساليب التي قد تغير من إدراك الغرب للصراع العربي الإسرائيلي.

ـــــــ

مفكر مصري

يا حيف ع اللي جرحهم جرحي وفوق الجرح داسوا

صاروا عساكر للعدى وكندرة العدو باسوا

2_471137_1_209.jpg

حسبنا الله ونعم الوكيل

رابط هذا التعليق
شارك

المهاتما غاندي.. داعية اللاعنف

1_76184_1_5.jpg

الزعيم الهندي المهاتما غاندي

وهب الزعيم الهندي المهاتما غاندي حياته لنشر سياسة المقاومة السلمية أو اللاعنف واستمر على مدى أكثر من خمسين عاما يبشر بها، وفي سنوات حياته الأخيرة زاد اهتمامه بالدفاع عن حقوق الأقلية المسلمة وتألم لانفصال باكستان وحزن لأعمال العنف التي شهدتها كشمير ودعا الهندوس إلى احترام حقوق المسلمين مما أثار حفيظة بعض متعصبيهم فأطلق أحدهم رصاصات قاتلة عليه أودت بحياته.

الميلاد والنشأة

ولد موهندس كرمشاند غاندي الملقب بـ"ألمهاتما" (أي صاحب النفس العظيمة أو القديس) في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول 1869 في بور بندر بمقاطعة غوجارات الهندية من عائلة محافظة لها باع طويل في العمل السياسي، حيث شغل جده ومن بعده والده منصب رئيس وزراء إمارة بور بندر، كما كان للعائلة مشاريعها التجارية المشهورة. وقضى طفولة عادية ثم تزوج وهو في الثالثة عشرة من عمره بحسب التقاليد الهندية المحلية ورزق من زواجه هذا بأربعة أولاد.

دراسته

سافر غاندي إلى بريطانيا عام 1888 لدراسة القانون، وفي عام 1891 عاد منها إلى الهند بعد أن حصل على إجازة جامعية تخوله ممارسة مهنة المحاماة.

الانتماء الفكري

أسس غاندي ما عرف في عالم السياسية بـ"المقاومة السلمية" أو فلسفة اللاعنف (الساتياراها)، وهي مجموعة من المبادئ تقوم على أسس دينية وسياسية واقتصادية في آن واحد ملخصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمحتل عن طريق الوعي الكامل والعميق بالخطر المحدق وتكوين قوة قادرة على مواجهة هذا الخطر باللاعنف أولا ثم بالعنف إذا لم يوجد خيار آخر.

اللاعنف ليس عجزا

وقد أوضح غاندي أن اللاعنف لا يعتبر عجزا أو ضعفا، ذلك لأن "الامتناع عن المعاقبة لا يعتبر غفرانا إلا عندما تكون القدرة على المعاقبة قائمة فعليا"، وهي لا تعني كذلك عدم اللجوء إلى العنف مطلقا "إنني قد ألجأ إلى العنف ألف مرة إذا كان البديل إخصاء عرق بشري بأكمله". فالهدف من سياسة اللاعنف في رأي غاندي هي إبراز ظلم المحتل من جهة وتأليب الرأي العام على هذا الظلم من جهة ثانية تمهيدا للقضاء عليه كلية أو على الأقل حصره والحيلولة دون تفشيه.

أساليب اللاعنف

وتتخذ سياسة اللاعنف عدة أساليب لتحقيق أغراضها منها الصيام والمقاطعة والاعتصام والعصيان المدني والقبول بالسجن وعدم الخوف من أن تقود هذه الأساليب حتى النهاية إلى الموت.

شروط نجاح اللاعنف

يشترط غاندي لنجاح هذه السياسة تمتع الخصم ببقية من ضمير وحرية تمكنه في النهاية من فتح حوار موضوعي مع الطرف الآخر.

كتب أثرت في غاندي

وقد تأثر غاندي بعدد من المؤلفات كان لها دور كبير في بلورة فلسفته ومواقفه السياسية منها "نشيد الطوباوي" وهي عبارة عن ملحمة شعرية هندوسية كتبت في القرن الثالث قبل الميلاد واعتبرها غاندي بمثابة قاموسه الروحي ومرجعا أساسيا يستلهم منه أفكاره. إضافة إلى "موعظة الجبل" في الإنجيل، وكتاب "حتى الرجل الأخير" للفيلسوف الإنجليزي جون راسكين الذي مجد فيه الروح الجماعية والعمل بكافة أشكاله، وكتاب الأديب الروسي تولستوي "الخلاص في أنفسكم" الذي زاده قناعة بمحاربة المبشرين المسيحيين، وأخيرا كتاب الشاعر الأميركي هنري ديفد تورو "العصيان المدني". ويبدو كذلك تأثر غاندي بالبراهمانية التي هي عبارة عن ممارسة يومية ودائمة تهدف إلى جعل الإنسان يتحكم بكل أهوائه وحواسه بواسطة الزهد والتنسك وعن طريق الطعام واللباس والصيام والطهارة والصلاة والخشوع والتزام الصمت يوم الاثنين من كل أسبوع.. وعبر هذه الممارسة يتوصل الإنسان إلى تحرير ذاته قبل أن يستحق تحرير الآخرين.

حياته في جنوب أفريقيا

بحث غاندي عن فرصة عمل مناسبة في الهند يمارس عن طريقها تخصصه ويحافظ في الوقت نفسه على المبادئ المحافظة التي تربى عليها، لكنه لم يوفق فقرر قبول عرض للعمل جاءه من مكتب للمحاماة في "ناتال" بجنوب أفريقيا، وسافر بالفعل إلى هناك عام 1893 وكان في نيته البقاء مدة عام واحد فقط لكن أوضاع الجالية الهندية هناك جعلته يعدل عن ذلك واستمرت مدة بقائه في تلك الدولة الأفريقية 22 عاما.

إنجازاته هناك

كانت جنوب أفريقيا مستعمرة بريطانية كالهند وبها العديد من العمال الهنود الذين قرر غاندي الدفاع عن حقوقهم أمام الشركات البريطانية التي كانوا يعملون فيها. وتعتبر الفترة التي قضاها بجنوب أفريقيا (1893 - 1915) من أهم مراحل تطوره الفكري والسياسي حيث أتاحت له فرصة لتعميق معارفه وثقافاته والاطلاع على ديانات وعقائد مختلفة، واختبر أسلوبا في العمل السياسي أثبت فعاليته ضد الاستعمار البريطاني. وأثرت فيه مشاهد التمييز العنصري التي كان يتبعها البيض ضد الأفارقة أصحاب البلاد الأصليين أو ضد الفئات الملونة الأخرى المقيمة هناك. وكان من ثمرات جهوده آنذاك:

- إعادة الثقة إلى أبناء الجالية الهندية المهاجرة وتخليصهم من عقد الخوف والنقص ورفع مستواهم الأخلاقي.

- إنشاء صحيفة "الرأي الهندي" التي دعا عبرها إلى فلسفة اللاعنف.

- تأسيس حزب "المؤتمر الهندي لنتال" ليدافع عبره عن حقوق العمال الهنود.

- محاربة قانون كان يحرم الهنود من حق التصويت.

- تغيير ما كان يعرف بـ"المرسوم الآسيوي" الذي يفرض على الهنود تسجيل أنفسهم في سجلات خاصة.

- ثني الحكومة البريطانية عن عزمها تحديد الهجرة الهندية إلى جنوب أفريقيا.

- مكافحة قانون إلغاء عقود الزواج غير المسيحية.

العودة إلى الهند

عاد غاندي من جنوب أفريقيا إلى الهند عام 1915، وفي غضون سنوات قليلة من العمل الوطني أصبح الزعيم الأكثر شعبية. وركز عمله العام على النضال ضد الظلم الاجتماعي من جهة وضد الاستعمار من جهة أخرى، واهتم بشكل خاص بمشاكل العمال والفلاحين والمنبوذين واعتبر الفئة الأخيرة التي سماها "أبناء الله" سبة في جبين الهند ولا تليق بأمة تسعى لتحقيق الحرية والاستقلال والخلاص من الظلم.

صيام حتى الموت

قرر غاندي في عام 1932 البدء بصيام حتى الموت احتجاجا على مشروع قانون يكرس التمييز في الانتخابات ضد المنبوذين الهنود، مما دفع بالزعماء السياسيين والدينيين إلى التفاوض والتوصل إلى "اتفاقية بونا" التي قضت بزيادة عدد النواب "المنبوذين" وإلغاء نظام التمييز الانتخابي.

مواقفه من الاحتلال البريطاني

تميزت مواقف غاندي من الاحتلال البريطاني لشبه القارة الهندية في عمومها بالصلابة المبدئية التي لا تلغي أحيانا المرونة التكتيكية، وتسبب له تنقله بين المواقف القومية المتصلبة والتسويات المرحلية المهادنة حرجا مع خصومه ومؤيديه وصل أحيانا إلى حد التخوين والطعن في مصداقية نضاله الوطني من قبل المعارضين لأسلوبه، فعلى سبيل المثال تعاون غاندي مع بريطانيا في الحرب العالمية الأولى ضد دول المحور، وشارك عام 1918 بناء على طلب من الحاكم البريطاني في الهند بمؤتمر دلهي الحربي، ثم انتقل للمعارضة المباشرة للسياسة البريطانية بين عامي 1918 و1922 وطالب خلال تلك الفترة بالاستقلال التام للهند. وفي عام 1922 قاد حركة عصيان مدني صعدت من الغضب الشعبي الذي وصل في بعض الأحيان إلى صدام بين الجماهير وقوات الأمن والشرطة البريطانية مما دفعه إلى إيقاف هذه الحركة، ورغم ذلك حكمت عليه السلطات البريطانية بالسجن ست سنوات ثم عادت وأفرجت عنه في عام 1924.

مسيرة الملح

تحدى غاندي القوانين البريطانية التي كانت تحصر استخراج الملح بالسلطات البريطانية مما أوقع هذه السلطات في مأزق، وقاد مسيرة شعبية توجه بها إلى البحر لاستخراج الملح من هناك، وفي عام 1931 أنهى هذا العصيان بعد توصل الطرفين إلى حل وسط ووقعت "معاهدة دلهي".

الاستقالة من حزب المؤتمر

قرر غاندي في عام 1934 الاستقالة من حزب المؤتمر والتفرغ للمشكلات الاقتصادية التي كان يعاني منها الريف الهندي، وفي عام 1937 شجع الحزب على المشاركة في الانتخابات معتبرا أن دستور عام 1935 يشكل ضمانة كافية وحدا أدنى من المصداقية والحياد.

وفي عام 1940 عاد إلى حملات العصيان مرة أخرى فأطلق حملة جديدة احتجاجا على إعلان بريطانيا الهند دولة محاربة لجيوش المحور دون أن تنال استقلالها، واستمر هذا العصيان حتى عام 1941 كانت بريطانيا خلالها مشغولة بالحرب العالمية الثانية ويهمها استتباب أوضاع الهند حتى تكون لها عونا في المجهود الحربي. وإزاء الخطر الياباني المحدق حاولت السلطات البريطانية المصالحة مع الحركة الاستقلالية الهندية فأرسلت في عام 1942 بعثة عرفت باسم "بعثة كريبس" ولكنها فشلت في مسعاها، وعلى أثر ذلك قبل غاندي في عام 1943 ولأول مرة فكرة دخول الهند في حرب شاملة ضد دول المحور على أمل نيل استقلالها بعد ذلك، وخاطب الإنجليز بجملته الشهيرة "اتركوا الهند وأنتم أسياد"، لكن هذا الخطاب لم يعجب السلطات البريطانية فشنت حملة اعتقالات ومارست ألوانا من القمع العنيف كان غاندي نفسه من ضحاياه حيث ظل معتقلا خلف قضبان السجن ولم يفرج عنه إلا في عام 1944.

حزنه على تقسيم الهند

بانتهاء عام 1944 وبداية عام 1945 اقتربت الهند من الاستقلال وتزايدت المخاوف من الدعوات الانفصالية الهادفة إلى تقسيمها إلى دولتين بين المسلمين والهندوس، وحاول غاندي إقناع محمد علي جناح الذي كان على رأس الداعين إلى هذا الانفصال بالعدول عن توجهاته لكنه فشل.

وتم ذلك بالفعل في 16 أغسطس/آب 1947، وما إن أعلن تقسيم الهند حتى سادت الاضطرابات الدينية عموم الهند وبلغت من العنف حدا تجاوز كل التوقعات فسقط في كلكتا وحدها على سبيل المثال ما يزيد عن خمسة آلاف قتيل. وقد تألم غاندي لهذه الأحداث واعتبرها كارثة وطنية، كما زاد من ألمه تصاعد حدة التوتر بين الهند وباكستان بشأن كشمير وسقوط العديد من القتلى في الاشتباكات المسلحة التي نشبت بينهما عام 1947/1948وأخذ يدعو إلى إعادة الوحدة الوطنية بين الهنود والمسلمين طالبا بشكل خاص من الأكثرية الهندوسية احترام حقوق الأقلية المسلمة.

وفاته

لم ترق دعوات غاندي للأغلبية الهندوسية باحترام حقوق الأقلية المسلمة، واعتبرتها بعض الفئات الهندوسية المتعصبة خيانة عظمى فقررت التخلص منه، وبالفعل في 30 يناير/كانون الثاني 1948 أطلق أحد الهندوس المتعصبين ثلاث رصاصات قاتلة سقط على أثرها المهاتما غاندي صريعا عن عمر يناهر 79 عاما.

___________

المصادر:

1- A Brief History of Mohandas K. Gandhi

2- Mahatma Gandhi's Life

3- infoplease, Gandhi, Mohandas Karamchand

4- غاندي، موهندس كرمشاند (المهاتما)، موسوعة السياسة، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، المجلد الرابع، الطبعة الأولى 1986، 315 - 321

الجزيرة.نت

يا حيف ع اللي جرحهم جرحي وفوق الجرح داسوا

صاروا عساكر للعدى وكندرة العدو باسوا

2_471137_1_209.jpg

حسبنا الله ونعم الوكيل

رابط هذا التعليق
شارك

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة
  • الموضوعات المشابهه

    • 18
      للأسف غاندي طلع شمال .... حد يصدق !!!! http://www.7tribunes.com/2012/6497.html
    • 1
      ] ولد مُهندَس كرمشاند غاندي الملقب بالمهاتما (أي صاحب النفس العظيمة أو القديس، بالإنجليزية: Mohandas Gandhi) في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول 1869 سافر غاندي إلى بريطانيا عام 1888 لدراسة القانون، وفي عام 1891 عاد منها إلى الهند بعد أن حصل على إجازة جامعية تخوله ممارسة مهنة المحاماة مع زوجته أسس غاندي ما عرف في عالم السياسية بـ"المقاومة السلمية" وقد أوضح غاندي أن اللاعنف لا يعتبر عجزا أو ضعفا، ذلك لأن "الامتناع عن المعاقبة لا يعتبر غفرانا إلا عندما تكون القدرة على المعاقبة قائمة فعل
    • 2
    • 1
      ( 1 ) غاندي سرق الحركة الوطنية من المسلمين ، الهندوسي الهندي المتعصب الذي أخفى هندوسيته البغيضة وراء المغـزل والشاة . غاندي كان أول سياسي طالب بتأجيل الاستقلال منادياً بمهادنة السلطة وعدم مناوأة حكومة الاستعمار . وكانت فلسفة غاندي التي استقاها من ( تولســتوي ) ولقنوها لنا في الشرق هي التعامي تصرفات المستعمر والاستسلام له . والحقيقة أن الزعماء المسلمين هم الذين أعلنوا استقلال الهند الحقيقي ، وقد ظهرت آثار المسلمين واضحة في الحركة الوطنية وضعفت وطنية الهندوك ، فحاربوا المسلمين بكل سلاح حتى سلا
×
×
  • أضف...