اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

الأميرالاي محمد عبيد .. الجندي النجيب المجهول


محمد عبده العباسي

Recommended Posts

الأميرالاي محمد عبيد .. الجندي النجيب المجهول .

=-=-=-=-

الأميرالاي محمد عبيد هو واحد من قافلة المصريين البواسل في تاريخ الحياة العسكرية ، أتصوره مصرياً عملاقاً يطاول قامات النخيل في شموخها ، عبقرياً لا يطاوله أحد في الدهاء والمناورة وحسن التخطيط والتدبير ممالا يتوافر في غيره ، سريع البديهة حاضر الذهن متقد الحماس ، مثابر ككل الشرفاء لا يقبل الضيم أبداً بل يضع نصب عينيه دائماً هدفه الوطني ، رأسه علي كفه مناضلاً من أجل شرفه العسكري..

إنه أحد الأفذاذ المغاوير الذين يستحقون منا كل تحية علي الرغم من مضي زمن طويل يفصلنا عنه ..

محمد عبيد أحد أهم القادة البواسل في تاريخ العسكرية المصرية علي مدي تاريخها المشرف وأحد الذين أدوا دورهم في كل معركة خاضها ، وقد حدث في معركة التل الكبير أن صب الإنجليز جام غضبهم علي الآلاي الذي يقوده محمد عبيد وكبدهم الخسائر الفادحة ، فكانت نيرانهم بلا توقف ومحمد عبيد وهو بين جنوده الثلاثة آلاف يحثهم ويدفعهم لمواصلة القتال والنيل من العدو دون يأس أو استسلام ولم يلقوا بالسلاح ..

ولد محمد عبيد في كفر الزيات والتحق بالجيش المصري جندياً عادياً وشق طريقه وسط مصاعب جمة ليثبت وجوده وعلي قدر جهده أنصفه القدر مثل غيره من الجنود المصريين الذين ترقوا إلي رتبة الضباط وصار محمد عبيد يترقي من رتبة إلي أخري حتي وصل إلي رتبة البكباشي في آلاي السودان في مايو 1880م ، وللأسف الشديد لم يحظ محمد عبيد مثل غيره بالذكر والشهرة في كتب التاريخ التي لم تشر إلي بطولاته فلم تورد عن حياته أية تفاصيل وهو القائد الذي تمثلت فيه معالم النخوة والشهامة والتضحية من أجل الغير وتلك من السمات الأصيلة المتجذرة في شخصية الجندي المصري عن غيره من أجناد الأرض ..

***

في تلك الفترة كان عثمان رفقي باشا ناظراً " وزيراً " للجهادية وكان قد اتخذ موقفاً عدائياً من محمد عبيد نفسه ووضعه ضمن القائمة المغضوب عليها وقرر نقله من موقعه ليحل مكانه أحد الضباط الشراكسة ..

وحين تناهي النبأ لمسامع محمد عبيد انتفض وهبّ قاصداً بيت الزعيم أحمد عرابي وبصحبته قائده عبد العال حلمي حكمدار الآلاي السوداني ليطلعاه علي مؤامرة عثمان رفقي وتدابيره التي يخطط لها لمصلحة الشراكسة وما ينتظر البلاد من سوء المصير.

امتلأت نفس عرابي حنقاً وزاد حماسه ولم يجد مناصاً سوي العمل بما يمليه عليه الموقف ، فقام علي الفور بتحرير عريضة وجهها إلي رئيس الوزراء رياض باشا يطلب فيها عزل ناظر الجهادية ، وقام بالتوقيع عليها ومعه عبد العال حلمي وعلي فهمي ، وأقسم الضباط المصريون علي الدفاع عن موقفهم وعن مواطنيهم مهما كلفهم الأمر ..

وما أن وصلت العريضة لرئيس الوزراء حتي انقلب حاله تماماً معتبراً أن إقدام هؤلاء الضباط علي إصدارها يعد بمثابة الجرأة التي لا تصح أن تصدر عن أبناء " الفلاحين"..

واستقر قراره وهو يتوعدهم بالويل والثبور وعظائم الأمور في الوقت الذي سعي عثمان رفقي وأنصاره في الجانب الآخر علي تأجيج الصراع وإضرام النار أكثر لإشعال الموقف خاصة وأن رياض باشا زاد في احتقاره وازدرائه للمصريين وقلل من شأنهم بأنعت الأوصاف ..

وهنا أصدر رياض باشا أمراً بإحالتهم إلي المحاكمة أمام مجلس عسكري بأسلوب غير حضاري في التعامل مع أمثالهم بدعوتهم للمثول أمام المجلس بل لجأ إلي حيلة رخيصة تدل علي كرهه وحقده وعداءه لكل المصريين بما تمتلئ به نفسه المغرورة من غطرسة وتعالٍُ اتصفت به شخصيته بما فيها من سوء النية والخداع ، فقام بدعوة ثلاثتهم إلي ديوان الجهادية بجهة قصر النيل بدعوي الإستعداد لحفل زفاف إحدي الأميرات وخشي أن يعلمهم بالأمر الحقيقي وأخفاه عنهم تماماً..

لم يكد عرابي ورفيقاه عبد العال حلمي وعلي فهمي يصلون إلي ديوان الجهادية حتي راح جمع من الضباط الشراكسة يسبونهم سباباً مقذعاً ويعايرونهم بأنهم " فلاحون" وتكالبوا عليهم بالسيوف وعلي الفور صدرت الأوامر بنزع سلاحهم والزج بهم في السجن دون محاكمة ومعاملتهم مثل عتاة الإحرام ..

***

لم يكن يدر في خلد محمد عبيد أن يصل الأمر إلي هذا الحد وهو الذي كان ينتظر ماسيسفر عنه الموقف ، وحين شعر بتأخرهم في العودة بدأت الشكوك تساوره وتوجست نفسه خيفة من أن شراً قد حاق بهم ..

كان محمد عبيد في تلك الفترة هو ضابط قشلاق الحرس في قصر عابدين ، وعلي الفور أصدر أوامره إلي جنوده بالإستعداد للإتجاه إلي ديوان نظارة الحربية بقصر النيل ، ووقت وصولهم حاول قائده الشركسي خورشيد باشا أن يحول بينه وبين السير قدماً في تنفيذ مقصده فلم يمتثل محمد عبيد لأوامره وأعلن أنه لابد أن يقوم بإنقاذ إخوانه وإنفاذ مهمته مهما كلفه ذلك ، ولم يجد محمد عبيد سبيلاً للتخلص من خورشيد باشا سوي ماتفتق سريعاً في ذهنه المتقد بالحماس والنخوة إلا بالقبض فوراً علي خورشيد نفسه وحبسه بإحدي غرف المعسكر والمضي قدماً في سبيل الوصول إلي غرضه في قصر الخديوي محمد توفيق الذي كان يكره رئيس الوزراء رياض باشا وابتهج لما حدث فأرسل ياوره الخاص راشد حسين إلي محمد عبيد ليرتد علي أعقابه إلا أن الأخير لم يمتثل للأمر ومضي ينفذ خطته وهو يعلم تماماً بأنه بذلك يقوم بمخاطرة كبري سوف تؤثر علي مستقبله العسكري لكن واجبه وشرفه جعلاه ينظر للأمر من ناحية أخري فقد وضع نصب عينيه مهمة انقاذ إخوانه من الشرك الذي وقعوا فيه وراح ينفذ مايري وهو شامخ الرأس عالي الجبين ، ولم يكد عثمان رفقي ورفاقه يشعرون بالخطر يحاصرهم حتي داهمهم الخوف ولم يجدوا سبيلاً للنجاة سوي الفرار بأنفسهم ..

وعلي الفور دخل محمد عبيد وجنده البواسل مقر نظارة الجهادية وبحثوا عن السجناء حتي عثروا عليهم وأطلقوا سراحهم وحلوا مافي أيديهم من وثاق وأعادوا لهم حريتهم التي افتقدوها ..

ولولا ما أقدم عليه محمد عبيد من بطولة لكانت الفرصة قد سنحت لإصدار الأوامر بنفي عرابي وصحبه إلي السودان أو اقتيادهم إلي حبل المشتقة ، ولولا وقفة الضباط والجنود صفاً واحداً خلف قادته من المصريين ما تزحزح عثمان رفقي عن موقفه قيد أنملة وما شغر منصبه أو تم عزله منه ليصبح الطريق ممهدة ليتولي رجل بقامة محمود سامي البارودي مرشح كل المصريين لإعتلاء منصب ناظر الجهادية..

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

محمد عبده العباسي

بورسعيد

مصر

رابط هذا التعليق
شارك

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة
×
×
  • أضف...