اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

سيرة حماس الذاتية.. قراءة في فلسفة المواجهة!!


Recommended Posts

سيرة حماس الذاتية..

قراءة في فلسفة المواجهة!!

كمال جابر

تقديم:

إن الإختلال في موازين النظم الموضوعية، والفقر في مقومات إثبات الجدارة بالبقاء والأحقية بالوجود لدى أمة من الأمم أو شعب من الشعوب يضعه امام مواجهة قسرية غير متكافئة، ثنائية الأبعاد، واحدة تتعلق بالسبب وهو الإختلال والأخرى تتعلق بما نتج عنه وهو واقع غير مرغوب كأن يكون احتلال أو هيمنة سياسية أو طغيان ثقافة ما، وعندما تعكس هذه المواجهة مجابهة الواقع الظاهر للعيان والواضح المعالم بوصفه نتيجة مباشرة للإختلال والفقر الآنفا الذكر، فإن ثغور هذه المواجهة لا تتوقف عند هذا الحد، لأن التحدي في حقيقته يتعدى الوقوف عند حدود النتائج دون المقدمات، فالقدرة على اكتشاف مواطن الخلل في نظم السياسة والتربية والإقتصاد والثقافة والإجتماع والسعي الجاد لذلك، ثم التصدي المدروس لإصلاحها ،واستبانة أسباب النقص المفضية للتآكل امام فرصة البقاء والعمل على ردمها، هو الوجه الأول والأهم للمعركة لتتعزز بذلك تلقائيا شروط المواجهة الكلية إيجابيا، فمواجهة التحدي الناجم عن الإختلال في هذه الموازين وما نتج عنها من تسلل للأعداء الى ألأرض يحتاج الى نظرية للمواجهة متكاملة ناضجة تأخذ بالحسبان تجليات المعركة وأبعادها في الزمان والمكان .

الحديث عن نظرية المواجهة التي عمدتها حماس، والغوص في تفاصيلها يتطلب التطواف الواسع على أدبيات ومواقف الحركة منذ بدايات الصراع، لأن المواجهة هي حالة دائمة ممتدة زمانا وليست مقصورة على اللحظة الراهنة فحسب، فإرهاصاتها تبدأ من الماضي وتداعياتها تمتد الى المستقبل، لذلك فإن القبض على شروط المواجهة الموزونة الشاملة يتطلب أن لا نكون أسرى يومنا الحاضر فحسب، فتيار الحياة المتدفق لن ينتهي بهذا اليوم، كما أن السعي الحميد للإستنهاض ينبغي أن لا يبدأ من ظرف اليوم متجاوزا خبرة التاريخ وسنن الحياة الماضية، فالمواجهة المثمرة بمعناها الواسع لا تتوقف على حمل البندقية في وجه العدو، فأشكالها متعددة وتراكمية، ويعزز بعضها بعضا، ويهيء بعضها الطريق للآخر ليأخذ دوره في وقته المناسب على الأرض .

وبهذا المعنى فإن حماس كانت في صلب المواجهة منذ بدايتها ،لكن الذي يفتح عينيه على الواقع المنظور ويجتهد في ابتداع الحلول لما فيه من مشاكل دون أن يكلف نفسه عناء دراسة هذا الواقع بوصفه محطة عبر سياق متكامل يجتمع في نسج بنوده التاريخي والحضاري والقيمي والقوة بأسبابها والضعف بتداعياته، وحلقة ضمن سلسلة متتابعة من الأحداث ومسبباتها ونتائجها، ثم التعسف في رسم خطة الخلاص التي تتجاوز القواعد السليمة والمطالب الحقيقية لإنجازها ،عبر رسم معالمها على العفوية وردات الفعل غير المضبوطة والإرتجال المدفوع بالعاطفة المشبوبة ،كل ذلك مرده غفلة الحس عن استيعاب المشكلة بأبعادها المترامية، وهذه الغفلة ذاتها هي ما يمنع رؤية حماس حيث هي في المعمعان الملتهب .

إن دراسة نظرية حماس ونقدها وتقييمها، يستدعي التدقيق في المباديء والخطوط العامة التي رسمت المنهاج وطرائق المواجهة، وعلى ضوء ذلك بالإمكان التقرير إن كانت حماس حاضرة في صلب المشهد منذ البداية أو غائبة عنه، وما إذا كانت الرؤية التي استندت اليها خطة الإنطلاق صحيحة تصدقها نتائج ما آل اليه حال حماس أو تكذبها، فالقدرة على النظر في النهايات وربطها بالبدايات ميسرة ولا تحتاج إلى كثير من الجهد أو مزيد من التمحيص ،، فمن السهولة استبانة وجاهة طرائق الإنطلاق من وحي النتائج الماثلة .

فمسيرة حماس الممتدة والتي تجاوزت بها المنعطفات الحادة، والتحديات الخطيرة وتقلبات الزمان، تفسح المجال واسعا لرصد سلوكها وتقييم نظريتها للمواجهة التي بنتها على أساس أن مساحة التقابل الحالية مع العدو الصهيوني هي جزء من المعركة الممتدة في ثنايا الزمان والجغرافيا معا.

المأساة وردات الفعل

أعتقد أن المأساة المتمثلة بوقوع فلسطين وسائر بلاد المشرق الإسلامي بيد الإستعمار الغربي كانت بمثابة النتيجة الطبيعية والتتويج الحتمي لحالة الضعف والإنحسار والتردي الذي ألمت بالأمة، ومن ناحية ثانية فإن هذه النتيجة المترتبة على مقدماتها، لا تتعارض مع سنن الله في كونه ،لا بل تنسجم معها وتعبر عن قانون التدافع والخفض والرفع الذي يجري على المؤمن والكافر على حد سواء، وعندما نفهم المأساة ومسبباتها بهذا السياق، فإن الخطة الموضوعة لمعالجة تداعياتها يجب أن لا تغفل المسببات إن لم تولها جل الإهتمام، ومن الأهمية بمكان أن يتلمس الحراك المضاد للواقع الذي جسدته المأساة كل المعالم والحقائق التي أفضت لهذا الواقع ككل متكامل، وبناء خطة العمل وفقا لهذا الكل وعندها من الممكن أن يثمر هذا الحراك على وجه التأكيد.

أما التصدي للنتائج دون مسبباتها والظروف التي هيأت لها فيعتبر قصورا عن فهم الصورة بكل أبعادها، وانسلاخا عن خبرات التاريخ وما يوفره من طاقة وروافد تسهم في تشكيل خطة العمل الهادفة للتصدي للإختلال في القيم والنظم وما نتج عنها من إحتلال يستبيح الأرض والإنسان، ومدخلا للمتاهة التي لا تفضي إلا الى المزيد من الضعف الذي لا يساعد في الحفاظ على الهوية من الذوبان والإنسحاق، فكيف بتحرير الأرض ورد العدوان، والنتيجة المؤكدة لكل ذلك هي العبثية والفشل والإنحدار.

ولكن ماذا عن واقع الهزيمة وجيلها، هل كان بإمكان واقع الهزيمة أن يبدع توجهات ثورية قادرة على مواجهة العدوان وتحرير الأرض ؟ وهل كان بالإمكان للجيل الذي شهد الهزيمة أن يكون ندا حقيقيا وكفؤا في لحظة السقوط ذاتها؟ بحيث يضع مشروع التحرر المستند الى الرؤية الشاملة على السكة ؟ لو كان ذلك صحيحا لما سقطت البلاد ولا العباد في أيدي الغاصبين، خصوصا أن المحتلين لم يهبطوا الى الأرض فجأة ودون مقدمات، بل كانت إرهاصات ذلك جلية على مدار عقود خلت، فوقوع الإحتلال كان نتيجة طبيعية لظروف متتابعة نضجت على نار هادئة، ولذلك شكل هذا الإحتلال حالة اختبار حقيقي لوعي أبناء الشعب الفلسطيني والأمة جمعاء، وتحدي عميق يستهدف كل شي الإنسان والأرض والحضارة، ومحفز لاستدعاء المهارات ووضع التصورات وخطط العمل، وظهرت حركات التحرر ورفعت السلاح عاليا في الميدان، فخاضت حروب وكان لها صولات وجولات عبرت بها الحدود واخترقت الآفاق !

ولكن أين كانت حماس في ذلك الوقت ؟ هل كانت حاضرة أم غائبة؟ وماذا قدمت لمواجهة المحتل ؟ وهل كانت تمر بسبات حقيقي كما يقول البعض؟ الإجابة في الحلقة القادمة !!

موقع حماس في خارطة الصراع مع الصهاينة المحتلين

من المعلوم أن حركة حماس هي انبثاق عن الحركة الأم (الإخوان المسلمون)، ومن المعلوم أيضا أنه لم يسبق أحد هذه الجماعة إلى فلسطين من الفعاليات الشعبية العربية والإسلامية، لا بل إنها نافست الحكومات العربية في ميدان المعركة عام 48 داخل الأراضي الفلسطينية، فالرؤية المتقدمة والأفكار الناضجة التي امتلكتها هذه الجماعة تجاه مسار الأحداث وتطوراتها السريعة، وما نتج عنها من حضور فاعل وقوي في الميدان الذي سيحدد شكل الخارطة والتوازنات اللاحقة، استدعى كل ذلك أن تتفتح أعين القوى الناهضة على أنقاض الأمة، وأن تتنبه للخطر الجدي الذي تحمله هذه الجماعة للمشاريع الإستعمارية المتصاعدة.

فكان القرار السريع والحاسم لضرب هذا الإنبعاث وقتله في مهده قبل أن يستفحل أثره ويتعاظم تأثيره، فسيق المجاهدون الأبرار الذين أذاقوا اليهود الغاصبين مر الكأس في مواقع تمتد من الفالوجة جنوبا وعصلوج والتبة 86 وصولا لصور باهر وضواهي القدس، من ساحات المعركة مباشرة إلى المعتقلات المظلمة، وحيكت المؤامرة الدنيئة بليل لإغتيال الإمام المؤسس حسن البنا في أولائل عام 49، ودخلت الجماعة في محنة رهيبة لاقت خلالها صنوفا من العذاب والعنت والشقاء على مدى ربع قرن من الزمان، كما لاقى أصحاب الرسالات والدعوات على مر الزمان غن لم يزيد.

لا أقصد أن أقول من خلال الكلام السابق أن حماس كانت تقاتل عام 48، على الرغم من أن حماس هي امتداد طبيعي وحقيقي لجماعة الإخوان المسلمين، وكأني بكتائب الإخوان التي دخلت فلسطين لقتال اليهود من مصر وسوريا ومجموعات من العراق وغيرها عام 48 ترفع عقيرتها عاليا بالنشيد "هو الحق يحشد أجناده" فيردد جند حماس من خلفهم "ويعتد للموقف الفاصل"، في مشهد يعكس صفحات التاريخ المبثوثة في ثنايا الزمان بامتداده الرحب وآماده الطويلة، ليرشدنا إلى أن هذا التاريخ لن يكون محكوما بسني أعمار جيل من الناس حتى لو عُمروا قرنا من الزمان، وما الموقع الحقيقي للجيل من الناس بالنسبة لدورة الزمان سوى جزء من كل، وفان في ممتد، وقصير من طويل، فكيف به يريد تطويع حركة الزمان المتطاول لمقتضى حياته القصيرة، من هنا تبدو الفترة الزمنية الفاصلة ما بين دخول كتائب الإخوان أرض فلسطين عام 48، وظهور حماس الرسمي عام 87، قياسا على أعمار الأمم والشعوب والجماعات تقارب الفترة الزمنية التي تفصل ما بين الإنتهاء من إنشاد الشطر الأول من نشيد الكتائب، والبدأ بإنشاد الشطر الثاني منه قياسا على أعمار الناس كأفراد .

وعندما نأتي على ذكر الدور البطولي الذي قام به الإخوان في ساحات المعارك في فلسطين عام 48، لا أقصد أن أقول مرة أخرى أين كان أولئك القوم الذين لم يكفوا عن ترديد التساؤل، أين كانت حماس عندما أطلقنا الرصاصة الاولى عام 65؟ لا أقصد ذلك حقيقة لأنني ببساطة لا أؤمن بأن تاريخ القضية الفلسطينية كان قد بدأ عام 65، ولم ينتهي عام 93، ولن ينتهي بانقراض من يؤمن بذلك، ولأنني أرفض أن يتم اختطاف فلسطين التاريخ بسعته والقضية بجلالها والإنسان بقيمته السامية، ومن ثم يتم حشرها قسرا في سياق رؤية وفعاليات فرد ما أو فئة بعينها أو برنامج أملت محدداته ظروف الإنهزام، بحيث لن تكون فلسطين أو المدخل لها على الأقل إلا من جهة النافذة التي يشير إليها هذا الفرد أو تلك الجماعة، حتى ولو كانت صاحبة الرصاصة الأولى كما يزعمون !

بالتأكيد لقد كانت التجربة قاسية، والثمن الذي دفعته جماعة الإخوان لقاء تجرؤها ودخولها المعركة في فلسطين باهظا، ولا شك أن تداعيات ذلك ما زالت ماثلة أمامنا حتى اليوم، ولكن الدرس البليغ الذي تم اقتباسه من تلك التجربة المريرة أسهم بشكل فاعل فيما بعد في التمهيد لظهور حماس (الفكرة)، فما هي حماس الفكرة ؟ وما هو مضمونها ؟ وكيف ومتى تشكلت؟

يتبع...........

تم تعديل بواسطة أسامة الكباريتي

يا حيف ع اللي جرحهم جرحي وفوق الجرح داسوا

صاروا عساكر للعدى وكندرة العدو باسوا

2_471137_1_209.jpg

حسبنا الله ونعم الوكيل

رابط هذا التعليق
شارك

مفاعيل النكبة وخلاصات الحراك الشعبي المضاد

بعد أن أقام الصهاينة كيانهم الغاصب على ما يزيد عن ثلاثة أرباع فلسطين عام 48 وما تلاه مباشرة من الهزيمة المدوية للجيوش العربية ، أصابت الصدمة البالغة الشعب الفلسطيني المكلوم ، فلم يستسلم للواقع الجديد كما لو كان قدرا محتوما ، وبات التحرك الحثيث لمواجهة الإحتلال أمر لا جدال فيه ، وقد شكلت الخيبة القاسية التي ألمت به جراء فشل الجيوش العربية في التصدي للكيان الغاصب حافزا آخر لأخذ زمام المبادرة وتولي مسئولية مواجهة المحتل بنفسه ، فقد بات الشعب على درجة من التعبئة الذاتية والتحفز العالي والتهيؤ للإنطلاق الذي ينتظر إشارة البداية .

فكان له ما أراد بإلإعلان عن ميلاد حركة التحرير الوطني الفلسطين (فتح) بداية عام 65 ، وهنا كان الإلتقاء بين إرادة شعب مجروح الكرامة يعاني مرارة الإحتلال ، ويتشوق لكل فعل يواجه به هذا البلاء ، وبين إعلان الإطار المعرف بنفسه كحركة تحرر وطني تستهدف مقاومة الإحتلال بكل السبل المتاحة لتخليص البلاد والعباد من قبضته ، فالشعب الفلسطيني في ذلك الوقت لم تكن تنقصه العزيمة ولا إرادة المواجهة ، ولا الرغبة في خوض غمارها ، ولكن ما كان ينقصه هو القيادة الواضحة التي تدير دفة السفينة وتأخذ بيده نحو الوجهة التي يريد، إنها المواجهة وقبول التحدي ، ومن هنا فقد وجد هذا الشعب ضالته في حركة فتح التي اعلنت الثورة والعزم على تحرير الارض كلها دون التفريط في شبر واحد منها ، والمقصود هنا القسم الاكبر من فلسطين الواقع تحت الإحتلال منذ عام 48 .

وما يلفت والحال هذه ، أن الإنخراط في مواجهة المحتل وهو أمر مطلوب ولا مندوحة عنه ، قد دفعت اليه الحماسة وحدها، لا بل حماسة الفتيان بالنظر لأعمار الشباب الذين أعلنوا عن إنطلاقة فتح ، هذه الحماسة حجبتهم عن رؤية الأمور على حقيقتها المجردة ، والتداعيات التي انتهت بها إلى ذلك ، وسياق الأحداث العام والخاص الذي دفعها لهذا المنحى أو ذاك ، وبالتالي فوتت عليهم فرصة رسم خطة العمل بناءً على الحقائق الماثلة ، فكانت على الاماني العذبة ، فطاشت بهم الآمال وارتفعت بهم الأحلام ، فأعلنوا السعي لتحقيق الاهداف الكبار والآمال العراض ، دون أن يملكوا السند الموضوعي المعين على تحقيقها ، أو حتى دون العمل الجاد والحقيقي الذي سيفضي لها ، ولكن عندما تلاشت حماسة الثائرين بعد عقدين او ثلاثة منذ انطلاقتهم ، وتجاوزوا مرحلة الفتوة ، وبدلا من الإنتقال من عالم الاماني الحالمة بالتحرير ومن البحر إلى النهر ، الى عالم يكون فيه حضور للواقعية بمعناها الإيجابي ( السعي للتغيير الجاد وفق الإمكانات المتاحة) ، إلا أنهم باتوا لا يؤمنون بشيء سوى الإيمان بالواقعية بمعناها السلبي القبيح ( التعامل مع الواقع كما هو كقدر لا مفر منه) .

ولكن في المقابل كانت هناك (فكرة) أخرى آخذة في التشكل على نار هادئة ودون ضجيج مفتعل ، هذه الفكرة أنضجها بعدان ، الاول استند إلى تجربة عملية تمثلت بخوض كتائب الإخوان المسلمين المعركة في الميدان على أرض فلسطين ، خلاصة التجربة تقول أنك حتى تكون مؤهلا لمواجهة الصهاينة المحتلين ، فإنك لا بد وأن تحارب على عدة جبهات متعددة ، مختلفة الأشكال والمضامين ، وإن لم تفعل فإنك وإن كنت قادرا على إلحاق الأذى بالمحتلين فإن الطعنات الغادرة ستأتيك من الخلف ، لأن الجبهة الخلفية وإن كنت تظن أنها خاصتك إلا أنها محسومة لأعدائك ، ولكن الشاهد في الأمر أن الإمكانات لإدارة مواجهة متعددة الاوجه من هذا القبيل لم تكن متوفرة ، ولو كانت متوفرة أساسا لما وصل الحال بنا إلى هذه الوهدة ، أما البعد الآخر وإن كان ذو علاقة بالاول فينطلق من النظرة الثاقبة والمتفحصة لحقائق الامور على الأرض ، وموازين القوى والإمكانات المتاحة والأولوية لبذل الجهد وتوجيه الطاقات ، وتغليب لغة العقل على اندفاعات العاطفة ، وتقديم نداء الحكمة على ردات الفعل غير المحسوبة.

وقد كان عماد الفكرة التي تمهد السبيل لمواجهة المحتل ، بناء الإنسان البناء السليم في إيمانه وأخلاقه وتحمل مسئولياته ، وتأهيله بطريقة لائقة بوصفه العنصر الأهم والأساس في المواجهة ، فالإنسان بذاته قابل لأن يكون أمنع الثغور أو أوهى الحصون ، وعندما يتنبه المتصدون لأمر القضايا الكبرى لهذه الحقائق ، ويعملون وفقا لها وعلى أساسها، فإن النجاح فيما يؤملون قريب ومتاح لأنهم إنما يأتون البيوت من ابوابها ، ولا شك فإن الجهد المبذول في هذا المجال يعتبر أحد أشكال المواجهة المطلوب التصدي لها ، وبحسمها يتم ضمان كسب واحدة من المعارك المتعددة المطلوب خوض غمارها ، وفي المحصلة يتم رصد هذا الكسب وحشده في المواجهة المباشرة مع المحتل قبل أن تبدأ على الأرض ، ولكن لا بد وأن يكون للتجربة الاولى إيجابيات وللأخرى سلبيات ، فما هي إيجابيات الأولى وسلبيات الثانية ؟ سنرى ذلك لاحقا..

من أين وكيف تبدأ المعركة ؟

من الواضح أن الخيار الذي اعتمد حمل السلاح أولا وخوض المجابهة حالا ،، كان خيار الغالبية الساحقة ، وأن هذا الخيار جاء تعبيرا عن ردة الفعل واستجابة لندائها ، فهو لم يصدر عن رؤية استنهاض شاملة ، تقتضي أن يكون حمل السلاح والنزول للميدان أحد بنود تلك الرؤية المتكاملة ، وعندما تتركز الجهود في بعد واحد فإن تكلفة الرؤية البديله الضائعة ستكون باهظة ، لا سيما فقدان نقطة الإتزان التي تضبط الحراك المتعدد وفقا للرؤية المستوعبة لجوانب المعركة، وبذلك يصبح الخيار الوحيد والمفضل عبئا على المسيرة ، ويتسبب لها بالعثرات .

فحمل السلاح ليس محل انتقاد أبدا ، والمفاضلة هنا لا تجري على أساس اعتماد خيار السلاح أم لا ، ولكنها تتم على أساس التذكير بأن التأهيل الذي يسبق حمل السلاح هو مقدم على حمله ،لأن التأهيل سلاح بحد ذاته، والتأهيل هنا لا يكون مقتصرا على مهارات الإمساك به(السلاح) وحسن استخدامه فحسب ، وإنما يتعدى ذلك لتعلم أخلاق الفرسان ، واكتساب صفات المقاتلين ، وحمل روح الثائرين ، فسلاح الفارس أخلاقه ، فإن فُقدت ، كان منطق القوة الموهومة هو الحاكم على المسيرة ، وربما برزت هذه القوة في غير موضعها وربما اختفت في الموضع الذي يطلبها ، وهذا شأن المسير الذي يفقد ضابطه ، والمقاتل يتميز برفض الظلم ، فإن فقد ميزته فما أسهل أن يظلم .

أما الروح فشأنها جد عظيم ،لأن الإنطلاق بروح الثائرين سيثمر النصر لا محالة ، أما الثورة بلا روح فسرعان ما تنحرف ويجرفها تيار الأحداث ، فالثائر ينطلق احتجاجا على فقدان جملة من القيم والمباديء وسيادة أخرى ، والإحتلال إنما يكون بسيادة قيم الظلم والعدوان والطمع ، وبمقدار ما يوطن الثائر نفسه على أن لا يكون ظالما او عدوانيا أو طامعا ، بمقدار ما يكون أهلا لمواجهة الإحتلال ، وكفؤا لإحباط مساعيه ، وإلا فإن الإنخراط في مواجهة المحتل مع عدم القدرة على مفارقة الظلم والعدوان والطمع لا يكون سوى بحث عن عمل باسم الثورة ، وسعي للتكسب من باب الوطن ، ومحاولة استباقية لإحتكار الميدان ومن ثم الأرض والقضية ، ويكون من شأنه كذلك كالساعي إلى الهيجا بغير سلاح ، ولو استصحب روح الثائرين لصار كالساعي إليها بكل سلاح، ولكن التداعيات المترتبة على هذا الحال لا تتوقف على الفشل في تحقيق الإنجاز ، وإنما تتعداها للوقوف في وجه من خاض المران لإستحضار الروح وانطلق بها صوب من يحتل الأرض وينتهك العرض .

وكما أن الظلم والإحتلال يستدعيان الثورة لتحقيق العدل والحرية، فإن الكذب والخداع يستدعيانها أيضا انتصارا للصدق ، وعندما نجدهما (الكذب والخداع) كأمضى سلاح (للثائرين) ، تأكد لنا أنهم ثوار مغشوشون ، ولما كان من أبرز سمات الثائر الحق نكران الذات بحيث يتحرك لأجل القيمة السامية والهدف النبيل ، لا لإشباع حظوظ النفس وحاجات الذات ، يتأكد لنا أن الثائرين الذين أثروا واتخموا بالأموال والمصالح ، هم تجار وطن وليسوا أصحاب قضية ، وما كان ذلك كله ليتم لولا الفراغ في القيادة والمبادرة الحاصل لشعب واقع تحت الإحتلال ، والفراغ هنا له أسبابه الموضوعية ، فينبغي السعي لملئه على ذات قاعدة الأسباب ، وهو لم يتشكل عرضا أو بطريقة مفاجئة ، ولذلك فالسعي لمواجهته لا تتم بالتسرع والإرتجال ، وهنا تظهر الحاجة الماسة لتأهيل الفرد والجماعة للمواجهة بأبعادها الممتدة .

التأهيل ضرورة ملحة لمن يعهد اليه حمل السلاح ، ولكن ثمة جوانب تحتاج تأهيلا من نوع خاص ، فما سبق من الوان التأهيل يتعلق بظرف معركة السلاح ، ولكن عندما تشتعل هذه المعركة في الميدان ، فإنه يوازيها معارك أخرى غير منظورة ، سياسية وأمنية وثقافية ومعلوماتية ، وهذا الصنف من المعارك لا يتوقف لا في سلم ولا في حرب ، ويبقى أوارها محتدما حتى يتم القضاء على أحد الفريقين قضاءً مبرما ، فالرشد السياسي ، والحصانة الامنية ، والسعي الحثيث للمعلومة كلها مهمات كبيرة يجب التصدي لها بقوة ، لأن قيام سلطان الإحتلال على أرض ما يعني انهيارا سياسيا وآخر أمنيا لأهل هذه الأرض ، وزلزال عنيف يطال الثقافة وكثير من المسلمات والقيم ، وفوق كل ذلك سقوطا عسكريا ، وربما أدى حمل السلاح لمواجهة هذا الإحتلال إلى ردم جزء يسير من الفجوة المتعلقة بالسلاح وما يترتب عليه من قوة ، ولكن ماذا عن بقية البنود ؟ وماذا صنع (مفجرو الثورة) لتحصين الجبهة الداخلية وتعزيز فرص النجاح من خلال العمل على تلك البنود ؟ وهل الممارسة السياسية والواقع الأمني لتلك الطليعة التي تقدمت يوما ما يشير إلى حسن البناء والتأسيس لهذه الجوانب المفصلية في جهود الشعوب التي تتوق للحرية ؟ أم أن ما آل إليه الحال يدل على أن الفزعة لحمل السلاح جاءت في سياق الرغبة بالتهويش استجابة لنداء الطبع عند كثير من الناس ، لا في سياق العمل المدروس والمخطط له؟

ولكن مع كل ذلك فإن حمل السلاح ومواجهة المعتدي في الحال لا يخلو من فائدة ، تربك خططه وتشتت جهوده ، وتشاغله ، فجهد المشاغلة مطلوب وممارسته بحنكة يؤتي ثماره ويراكم المفعول ، ولكن المراكمة هذه تحتاج إلى خلفية منظمة وبيئة مساعدة ، يصعب إيجادهما مع افتقاد الرؤية الشاملة ، فتضيع آثار المشاغلات لأنها لا توظف بطريقة صحيحة ، أو تستثمر بطريقة خاطئة ومتسرعة لجني مكاسب آنية بسيطة، ولكن ثمة فرق في مضمون المشاغلة ، فمشاغلة يقصد منها كسب الوقت كي تتغير ظروف المواجهة نحو الأفضل ، أو تلك التي تستهدف الإبقاء على روح القتال عالية وجذوة المقاومة مشتعلة فهذه مشاغلة مطلوبة وحميدة ، أما المشاغلة التي يقصد من ورائها كسب الشرعية للمساومة على الأرض والقضية ، فهي خطيرة وتؤدي نتائج كارثية .

أما حماس (غير المعلنة ) ، فقد تجاذبها طريقان ، ينقلبان ما بين الإعداد والتأهيل أو الإنخراط ، ففكرة التوجه للإعداد أملتها تجربة سابقة واستقراء للواقع ، ويضاف إلى ذلك ضعف الحركة وقلة الأنصار في حينه ، فهي لا تعدو كونها فكرة آمن بها أفراد من الناس متفرقين في المدن والقرى في طول البلاد وعرضها ، فمن الخطأ محاولة البحث عن حضور حماس وفاعليتها قبل ثلاثة عقود أو أربعة ، وفقا لصورة حماس اليوم وحجمها وقوتها ، لأن هذه الطريقة في القراءة تُسلمنا للقول إنها كانت تغط في سبات ، ولكن واقع حال الحركة اليوم يخطيء هذه النظرة ، لأن هذا الحضور الفاعل لم يأت من فراغ أو دون مقدمات ، لا بل إن نجاح حماس في تخطي المحن وتجاوز الصعاب ، وانتقالها من مرحلة إلى أخرى أكثر قوة وصلابة يؤكد سلامة المنطلق ، وصحة ترتيب أولويات العمل ، ويكفي أن نقارن مآل حماس اليوم ومآل من كان يملأ طباق الأرض صخبا وضجيجا في الوقت التي يشار فيه بالسبوت في حق حماس ، أليست العبرة بالنتائج ؟ وهل تنقلب النتائج الباهرة من مقدمات خاطئة أو غير سليمة ؟ اللهم إلا إذا كان معيار العمل الصحيح في حينه هو حمل السلاح والسلاح فقط .

ولكن على الرغم من حسم خطة العمل وطريقتها في حينه بالنسبة لحماس غير المعلنة وهي التأهيل والإعداد ، إلا أن فكرة الإنخراط لم تزل حاضرة وبقوة ، ولم تزل مجموعات من أبناء الحركة تخوضه في غير موقع ، ولم تزل قواعد الحركة المتشكلة مع مرور الوقت يلحون بضرورة الإنخراط بقوة ، ولم يزل قادتها يعاودون البحث في الخيارات ويفاضلون ما بينها كل فترة من الوقت وهم يرقبون البناء الناشيء بعد تمتين الأساس ، ويتدارسون جرعات الإعداد وأشواط التاهيل التي خاضها أبناء الحركة ، وهل هي كافية لخوض الغمار أم أن الجنود ما زالوا بحاجة للمزيد ، حتى كان 14/12/1987 ..فماذا يعني هذا التاريخ ؟ أهو انطلاقة أم إعلان خروج من سبات؟ أم ماذا ؟ .

يتبع............

يا حيف ع اللي جرحهم جرحي وفوق الجرح داسوا

صاروا عساكر للعدى وكندرة العدو باسوا

2_471137_1_209.jpg

حسبنا الله ونعم الوكيل

رابط هذا التعليق
شارك

ماذا يعني 14/12/1987م ؟

بعد بضعة عقود من وقوع الواقعة ، أعلنت حماس عن نفسها في الميدان ، وفي الوقت الذي لا يعني عدم الإعلان الغياب الكلي بالضرورة ، فإن ملابسات هذا التأخر، مردها أسباب تتداخل فيما بينها لتعكس في المحصلة النهائية تلك الأسباب المفضية للهزيمة ذاتها ، ولما كانت حماس تعني النقيض للإحتلال ، فإن البحث عن الموقع الذي تشغله حماس في ذات الجغرافيا والزمن الذي سطع فيه نجم هذا الإحتلال ، هو بحث عابث ، لأن لحظة الوصول للقمة بالنسبة لأحد النقيضين يقتضي انتفاء الآخر ابتداء وعزله عن المشهد إن كان موجودا ، أو سحب خيوط المبادرة من بين يديه وأوراق القوة بشكل مسبق ، كي لا يعيد بناء الظروف والشروط التي تؤهله لخوض المجابهة مع نقيضه المنتصر .

ومن هنا ندرك أن الهزيمة تعني غياب حماس ، والعكس صحيح ، وبذا يكون السؤال لماذا هزمنا يؤدي ذات مضمون السؤال الآخر لماذا لم نر حماس في الميدان في الوقت الذي ارتفع فيه صوت المحتل عاليا ؟ ونحن إذ نتحدث عن حماس هنا ، إنما نتحدث عن المشروع المنبثق عن روح الأمة والمنطلق من وجدانها والملتصق بماضيها وحاضرها ومستقبلها سواء بسواء ، ولما كان الأمر كذاك فإن من أبرز سمات هذا المشروع هو الحضور وعدم الإنقطاع ، أو الأنفصال عن حركة الزمان الماضية ، غير أن الذي يختلف هو قوة هذا الحضور أو ضعفه ، شدته أو وهنه ، لأسباب غاية في الموضوعية .

وعندما كان هذا المشروع في أوج قوته كانت مهابة حامليه ورواده تخترق كل افق وناحية ، ولما ضعف وانحدر اختلت الموازين والقياسات فتسلل من ضربت عليهم الذلة والمسكنة لموقع الصدارة على حسابنا ، فكانت تلك النقطة الحرجة التي آذنت بارتفاع العدو على حساب الأمة هي من يحفز في ذات الوقت للعمل لإعادة الإعتبار والقوة للمشروع المهمل ، كأفضل طريق لمواجهة الإختلال وأنجع حل لكنس آثاره القائمة على الأرض ، ومن هنا انطلقت حماس وهكذا بدأت العمل ، ببث الحياة في النفوس ونزع معاني الإنكسار والضعف عنها حتى أعلنت عن نفسها بوضوح في 14/12/1987 .

إن عدم فهم المرحلية ودوافعها التي اعتمدتها حماس كخطة للعمل المدروس عند بعض المراقبين أو المغرضين ، يجعلهم غير قادرين على رؤية حماس إلا بعد الرابع عشر من كانون أول عام 87م، فهم لا يستطيعون الإحساس بوجود حماس طالما هي لم تصدر بيانا موقعا باسمها ليدلل عليها اسما وشكلا ومضمونا ، هذا المنطق في النظر هو ذاته الذي استدعى البعض أن يعتبر أن ميلاد القضية تزامن مع الإعلان عن هذه الحركة او تلك ، وعليه فينبغي أن يتم حلها قبل أن يغيب قائدها الرمز ، وقبل أن يأفل نجمها الساطع ، وعندما تضيق المدارك عن استيعاب المشهد بخلفياته الواسعة ، وظلاله الممتدة ، وجزئياته الدقيقة ، تتقدم كثير من الأشكال على كثير من المضامين ، وعندها لا يبدو هنالك كبير فرق بين التضحية من أجل القضية والوطن ، أو التضحية بهما معا من أجل مصلحة الفرد أو الفئة .

والحقيقة أن ما جرى في التاريخ المذكور هو انتقال من حال حماس الفكرة إلى حال حماس الواقع القائم ، ومن حال العمل بصمت من خلف الكواليس لحال العمل المتحرك وتحت الإضواء ، وبصيغة أخرى فإن جدلية العلاقة التي تربط هذا التاريخ بحماس تقوم على أساس أنه يشكل نقطة الفصل ما بين حماس الفكرة أوغير المعلنة وبين حماس المعلنة ، وإن النجاح الذي حققته حماس باطراد، وما أظهرته من قدرات على امتصاص الضربات وتفويت المؤامرات التي كانت تعترض طريقها وما تزال يرجع في المقام الأول إلى الإعداد والتأهيل الذي خاضته بجدارة ودراية في المراحل ما قبل الإفصاح عن نفسها بشكل مباشر.

ما يعنيه 14/12/87 أن حماس كقوة فرضت نفسها في الميدان بالطريقة والكيفية التي ارادتها هي وفي االوقت الذي حددته بذاتها ، فهي لم تجد نفسها مضطرة للنزول للميدان كاستجابة سريعة للتطورات والحقائق الناشئة بفعل الإختلال في منظومتي القوة والقيم في الساحة ، فإفصاح حماس عن ذاتها لم يتم كنتيجة لظروف مستجدة ضاغطة وإنما تم وفقا لرؤية نضجت على نار هادئة من العمل الدؤوب الذي أجاد استشراف ما هو قادم ، فكان الإعلان خطوة رشيدة في خطة محكمة.

حماس ما بين المقاومة والتحرير..

لقد ألحقت حماس باسمها صفة المقاومة لا التحرير ، فما هو الفرق بين كل منهما ؟ ما دلالات هذه وتلك ، وماذا يترتب عليهما؟ من نافلة القول أن الحكمة وبعد النظر وصحة التشخيص قيد ميز حماس عبر مسيرتها الطويلة ومنذ اللحظة الأولى ، حيث لم تتحرك من وحي العاطفة ولا تحت ضغط الأمر الواقع ، ولا تفاديا لإنتقادات اللائمين والمشككين ، فالتوازن والصدق مع الذات في تقييم ما هو واقع بقي حاضرا بقوة في لحظة الإفصاح عن الذات ، فلم تنسب حماس لنفسها من المهمات ، أو تدعي أن لها من ألأهداف مالا تسمح موازين القوة في المديين الحاضر والمنظور على أقل تقدير بتحقيقه ،ولأن المعركة طويلة ومعقدة ، وتحتاج لعدة مراحل لبلوغ نهاياتها المحتومة بالنصر ، فإن الحنكة بل والصدق والأمانة تقتضي أن يتم تسمية الأشياء بمسمياتها التي تناسب المرحلة المخصوصة .

لكن قد يقول البعض ما العيب في الإعلان عن العزم بالتحرير ؟ إنه سؤال وجيه حقا ، وأنا هنا لا أعيب أن يكون مطلب التحرير حاضرا وبقوة ، ولكن ينبغي أن لا تغيب عن الأذهان تلك المخاطر والعواقب المترتبة على خوض مرحلة تسمى (مرحلة التحرير)، في الوقت الذي تغيب فيه كل متطلبات التحرير قصرا ، أو تتوارى فيه شروط النصر ، لأن مصير هذه المخاضة سيكون الفشل بامتياز ، وعندما تفشل الجهود (المدعاة) بالتحرير ، فإن الآثار السلبية لهذا الفشل لا تتوقف على بناء القناعات الخاطئة باستحالة التحرير وكسر العدوان ، بل ستمتد لتشكل عائق كبير أمام جهود التحرير الحقيقية ، حين يأنِ أوانها ، وهذا الذي نراه واقعا حقيقيا الآن ، وهو ما نكتوي بأوار ناره.

ليس هذا فحسب ، ولكن ادعاء التحرير ، ورد العدوان واستعادة الحقوق كاملة دون توفر رصيد مادي أو أدبي لتحقيق ذلك ، يوهم أصحاب هذه الدعاوى بمشروعية تصرفهم بمصير القضية والأرض ، أليسوا هم الثوار وطلاب التحرير ؟ بلا ! فمن الذي يمنعهم من التوقيع على هذا الإتفاق او ذاك ؟ فهم الممثل الشرعي والوحيد ، وفق شرعة الناس جميعهم ، عربهم وعجمهم ، فلم لا يكون التحرير يعني سلطة شكلية ، وأجهزة أمنية يرتبط اسمها بفلسطين ، ولكنها تسهر على خدمة من يستبيحها صباح مساء ، وفي ظني ما كان لمهزلة مثل هذه أن تتم لولا أن القائمين عليها قد ألصقوا أسماءهم وأسماء تشكيلاتهم بالتحرير سنين طويلة ، حتى باتت دعوة التحرير كتعويذة تجب كل النجاسات والنقائص ، حتى العمالة المكشوفة والتبعية الواضحة للإحتلال البغيض .

فركوب قطار التحرير غير المقدور عليه ، هو تكريس لواقع الهزيمة لأنه يسهم في تفريغ المفهوم السامي من مضامينه الحقيقية، ولما كان المشروع الذي حملته حماس وانطلقت منه وبه يعتبر تحرير فلسطين كلها من بحرها إلى نهرها مجرد جزء من المشروع الحضاري الذي تجندت لخدمته ، فإن إنجاز هذا التحرير كاملا لا يعني البتة اكتمال بنود المشروع الطموح ، وبذلك فإن البيان الاول الذي أفصحت فيه حماس عن نفسها بتاريخ 14/12/1987 ، يعتبر إعلانا مسبقا بالنصر المبين القادم لا محالة بإذن الله.

تم تعديل بواسطة أسامة الكباريتي

يا حيف ع اللي جرحهم جرحي وفوق الجرح داسوا

صاروا عساكر للعدى وكندرة العدو باسوا

2_471137_1_209.jpg

حسبنا الله ونعم الوكيل

رابط هذا التعليق
شارك

التوأمان وثالثة الأثافي

لقد كانت حماس والإنتفاضة الأولى -انتفاضة الحجارة أو انتفاضة المساجد - توأمان بحق ولدا معا ، وارتبط كل منهما بالآخر ارتباطا عضويا ومصيريا حتى باتا يشكلان ثنائيا لا ينفك أحدهما عن الآخر، فلو ذُكرت حماس في مقام ما ، كانت الإنتفاضة طيفها الجميل ، وإن حضرت الإنفاضة في مشهد ، كانت حماس ظله البارز ، فحماس التي باتت تتحفز للإنطلاق وقد شبعت إعدادا ، كانت تنتظر الإشارة المواتية لذلك ، فوجدتها في التحركات الشعبية التي انطلقت لمواجهة المحتلين عقب تعمد شاحنة صهيونية لصدم سيارة فلسطينية في جباليا وسحق من فيها فكانت تلك الشرارة التي أوقدت نار المسير للتوأمين معاً .

والإنتفاضة التي عبرت عن حالة متقدمة من العطاء ، تتبدى من خلالها الروح الشعبية الوثابة لمنازلة الإحتلال من جهة والقدرة على تجاوز بيروقراطية تحرك الهياكل الرسمية المتلبسة بالمشهد السياسي طوعا أو قسرا من جهة أخرى، كانت بحاجة لمن لا يُقدم على المقامرة بمصيرها في متاهات السياسة وألاعيبها وحساباتها بحيث تبدو كرقم يتم استثماره لجني مكاسب تافهة بعيدا عن تطلعات الشعب المضحي وآماله المشروعة وآلامة الكبيرة ، أو تسخيرها وتقنينها كي لا تخرج عن نطاق المسار المسموح للساسة أن يتحركوا ضمن ردهاته الضيقة ، كما كانت الإنتفاضة بحاجة لمن يطورها ويراكم على بنائها لا أن يبترها في منتصف طريقها أو يطعنها من خلفها ، فوجدت ضالتها في حماس كقوة صاعدة متحررة من الحسابات والقيود التي قد تصنع حاجزا ما كضريبة حتمية للإرتهان بتلك الحسابات والقيود يحول بينها وبين الإرادة الحرة التي تميز الشعب صاحب المبادرة .

هذا التلاقي والتزاوج لم يرق للكثيرين وخصوصا الفرقاء المحليين ، ولذلك فقد أُريد للتوأمين أن يموتا معا كذلك ، بحيث يُسحب الغطاء المبرر لوجود الأول ، إن تم إجهاض الثاني ، هكذا أرادوا وعلى هذا الأساس عملوا فكانت أوسلو ، وقد اجتمع على تمني الموت لهما أطرافُ عديدة ، تحاكي في تنوعها تلك الاطراف التي تحاصر حماس اليوم وتروم خنقها ، فكل الجهات المنخرطة اليوم في حصار حماس ، وتتمنى زوالها من الوجود ، كانت قد انخرطت في هذه الحرب منذ اليوم الاول الذي أفصحت فيه حماس عن نفسها ، وإن مشهد التكتل المحلي ، الإقليمي الدولي الماثل للعيان اليوم بوضوح والمرصود في مواجهة حماس هو منعقد حقيقة منذ اللحظة الأولى التي بدى فيها صوت حماس مسموعا ، والفارق يكمن في حجم وشكل وطريقة الإستهداف فقط أما المضمون فواحد لا يتغير.

محطات بارزة في استهداف التوأمين

الأولى: كانت بعيد انطلاق الإنتفاضة الأولى مباشرة ، فقد كانت كل المؤشرات الأولية تدل على أن من يقف خلف تأجيج الأحداث في أيامها الأولى هم أبناء الحركة الإسلامية لا أبناء فصائل (م ت ف)، وخصوصا في قطاع غزة ، ظهر ذلك من خلال المسيرات المنطلقة من المساجد ، فضلا عن دور المساجد التعبوي والتحريضي ، كما ظهر من خلال انتماء الشهداء والجرحى ، ولأن الإنتفاضة كانت عفوية ولم يخطط لإشتعالها أحد من الفصائل ، ظنت فصائل المنظمة أن الأعمال سارت وفق مخطط معد مسبقا من قبل الحركة الإسلامية (حماس) ولذلك فلم تنخرط فصائل المنظمة بما فيها فتح بثقلها وبشكل رسمي في الإنتفاضة لإعتقادها أن هذا الإنخراط يصب في مصلحة الخصم القديم والقادم الجديد (حماس)،(الحديث هنا يتم عن المواقف الرسمية للفصائل لا الشعبية التي لم تتخلف في مجملها يوما واحدا عن المواجهة) .

وبقي هذا الموقف ثابتا ورسميا حتى مر على اندلاع الإنتفاضة أكثر من شهر كامل ، وعندها أدركت فصائل المنظمة ، أن مزيدا من التلكؤ في تحديد الوجهة إن كانت مع الإنتفاضة أم لا ستتسبب بخسائر فادحة لها ، فكان قرار الإنخراط الرسمي والذي تمثل بالبيان الأول لفصائل المنظمة المتأخر شهرا ونيف عن تاريخ بدء الإنتفاضة ، في صورة تعكس الإنتهازية السياسية لفصائل المنظمة ، التي كانت وما تزال ترد الأفعال والمواقف حتى لو كانت (مقاومة الإحتلال )لمعيار المصلحة الحزبية الضيقة ، والمكسب الفصائلي الذي لا يمت بأي صلة لقيم المقاومة والتحرر التي ما انفكوا يتغنون بها ، لا يفوت أن أنوه أن شكل الإستهداف هنا يتعلق بالرغبة بإجهاض القادميَن ، حتى لا تستحوذ حماس على نصيب ما في الساحة الفلسطينية ، وكي لا تضع لنفسها موطيء قدم بين الناس وعلى الأرض ، على حساب فصائل المنظمة مجتمعة .

أما الثانية ، فقد تم إنضاجها عبر طبخة أطلق عليها أوسلو والتي استهدفت في المقام الأول إيجاد المبررات لإنهاء الإنتفاضة ومواجهة الإحتلال، وقد تم ذلك بالإتكاء على حجة تشكيل سلطة سُميت فلسطينية بينما تقوم بمهام صممت خصيصا لخدمة الإحتلال ، والتخفيف من الأعباء الملقاة على عاتقه ، بينما لا تتمتع هذه السلطة بأي شكل من أشكال السيادة الحقيقية سياسية كانت أم أمنية أو حتى جغرافية ، ولم يكن غريباً أن الطرف الفلسطيني الذي تلكأ بداية في الإنخراط في الإنتفاضة هو ذاته من استثمرها الإستثمار الخاطيء إذ خرج علينا بأوسلو الشؤم وملحقاتها البائسة ، فالتلكؤ بداية كان محكوما بالمصلحة الفصائلية لا الوطنية ، وركوب موجة الإنتفاضة ومن ثم استثمارها نهاية تم كذلك لذات المصالح الفئوية الضيقة بعيدا عن الذي تمناه شعبنا من إنجاز الحرية وكنس الإحتلال ، فالمشهدان هنا متماثلان وينقلب أحدهما عن الآخر ، لأنهما محكومان بمعيار واحد يتعلق بالذوات لا بالوطن ، الأمر الذي يؤكد أن حماس هي توأم الإنتفاضة لا غيرها ، وأن علاقة الغير بها ترتبت على أساس المصلحة الضيقة ، لا على أساس الترابط العضوي اللصيق ، ما يؤكد ذلك أيضا أن حماس لم تتنكر للمقاومة بعد أن دخلت الحكومة ولم تساوم على شرعيتها وبقائها ، فهل يعقل أن تساوم حماس على توأم وجودها؟

والثالثة: كانت بعد نجاح حماس المدوي في الإنتخابات التشريعية والبلدية المنقضية ، فبعد أن فجر الشعب الفلسطيني انتفاضته النوعية الثانية ، تأسيسا على ما أرساه من قواعد ومفاهيم وقناعات رسختها لديه الإنتفاضة الاولى ، ارتقت ألأعمال المحمودة في مواجهة الإحتلال من حال (الإنتفاض) إلى حال الضرب وإيلام العدو المحتل وإيقاع الخسائر في صفوفة ورد الصاع بالمثل ، فقد باتت الإنتفاضة مقاومة ناضجة تمتلك مقومات الثبات والتقدم وقادرة على تطوير نفسها ذاتيا ، وباتت حماس قوة سياسية تستعطي على الكسر، وقادرة على إملاء بعض ملامح السياسة العامة أو على الأقل قادرة على قول (لا) في وجه السياسات المفصلة خصيصا لخدمة الإحتلال وعدم القبول بها أو العمل بمقتضاها، التقدم الواضح للتوأمين استدعى رفع سقف الحرب المعلنة ضدهما، فقد بات أمر تسفيه المقاومة والسخرية منها مألوفا لدى قيادة فريق اوسلو وإن تم سابقا بطريقة مواربة ، وقد باتت المخططات لضربهما واضحة المعالم ، كما بات المتجندون لإشعال أوارها لا يجدون غضاضة في الإعلان عن ذلك بجلاء ودون أن يهتز لهم جفن.

أما ثالثة الأثافي، فكانت البيان الأول الذي تزين بتوقيع (حركة المقاومة الإسلامية) عليه ، في 14/ 12/ 1987 والذي كان بمثابة إعلان تثبيت وتوثيق للتوأمة المباركة ، وما يزيد في القيمة الإعتبارية لهذه الوثيقة الثمينة أن كان كاتبها الشهيد الرنتيسي رحمه الله ، وإذا كان المكتوب يُقرأ من عنوانه كما يقولون ، فلنا أن نتخيل العطاء الذي يضع عنوانه كبير كالرنتيسي، وإذا أردنا توقع الثبات الذي يبديه هذا المشروع في وجه المؤامرة ، فلنا أن نستحضر صلابة الرنتيسي في ذكرى رحيله الخامسة ، وإذا أراد البعض أن يبحث في حظوظ قدرة التوأمين على البقاء رغم ما يعترض المسير من تحديات ، عليه أن لا يغفل من علق جرس الإنطلاق المزدوج لهذا المسير المبارك.

تم تعديل بواسطة أسامة الكباريتي

يا حيف ع اللي جرحهم جرحي وفوق الجرح داسوا

صاروا عساكر للعدى وكندرة العدو باسوا

2_471137_1_209.jpg

حسبنا الله ونعم الوكيل

رابط هذا التعليق
شارك

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة
×
×
  • أضف...