اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

عمرو الشوبكي ومقال اعجبنى


سكر

Recommended Posts

القاهرة- كتب الدكتور عمرو الشوبكي في جريدة المصري اليوم مقالا تناول فيه الأوضاع السياسية في مصر في الوقت الراهن بعد أحداث اضراب 6 ابريل وفيما يلي نص المقال:

في سبتمبر عام 1981، قرر الرئيس السادات اعتقال معظم قادة المعارضة المصرية، وبعدها بشهر، وتحديدا في 6 أكتوبر، اغتيل الرئيس، وربط كثيرون بين الاعتقالات العشوائية التي استهدفت «الجميع»، وبين ما عُرف بحادث المنصة، وهو الأمر الذي دفع خلفه الرئيس مبارك إلي الإفراج التدريجي عن كل المعتقلين السياسيين في بادرة تصالح وانفتاح.

والمؤكد أنه بعد حوالي 27 عاما علي تلك الأحداث الأليمة، عادت مصر لتشهد أجواء شبيهة بالتي رأيناها في سبتمبر 1981، ليس من زاوية استهداف القوي والأحزاب السياسية، لأنها في الحقيقة لم تعد موجودة، إنما في التقدير الخاطئ للأخطار المحيطة بالبلاد، وبسط يد الأمن لتطال توليفة من البشر والسياسيين لم يشكل أي منهم خطرًا حقيقيا، ولم يكن لأي منهم علاقة بأحداث المحلة السابقة والمقبلة.

والحقيقة أن هذه الطريقة شبيهة بتلك التي استخدمها الرئيس السادات في نهاية حكمه، حين تسرع واعتقل رموزًا سياسية متعددة المشارب الفكرية والسياسية، لم تكن لهم علاقة بالخطر الحقيقي الذي كان يهدده في ذلك الوقت، وهو جماعات العنف الجهادية.. والآن وبعد أن غابت الأحزاب، وانتصرت الدولة علي جماعات العنف، صار الخطر هو غياب السياسة وليس من تبقي من السياسيين.

ولم يعد الخطر في رسائل الإنترنت التي تدعو لإضراب افتراضي، إنما في هشاشة وضعف السلطة التي تهتز من مثل هذه النداءات، وأيضا من حجم العنف العشوائي الذي شهدته مدينة المحلة، بصورة لم تدفع مسؤولا واحدا إلي البحث في أسبابه الحقيقية، بعيدا عن لغة التخوين والتجريح، واسترجاع قاموس الاتهامات الذي راج في سبتمبر 1981.

وجاءت الأحكام العسكرية القاسية علي 25 من قيادات الإخوان المسلمين، لتلقي بظلال قوية علي مخاطر هذا المنحي الاستئصالي تجاه الجماعة، خاصة أن النظام الذي يواجهها لا يحمل أي مشروع أو رؤية تدعم رغبته في احتكار السلطة، علي عكس ما جري في عصر الوفد في الأربعينيات، وعهدي عبدالناصر والسادات، حين كانت السياسة حاضرة بجوار الإجراءات الأمنية.

وأغُلق باب العمل السياسي المنظم بالكامل عقب احتكار جناح في الحزب الحاكم المجال السياسي، وسيطر بـ«عبقرية» علي مجلس الشوري والمجالس المحلية، في انتخابات غاب عنها الناخبون.

وبدت أزمته الحقيقية أنه يواجه الجميع متسلحًا فقط ببطش الأجهزة الأمنية، فلا هو يمتلك ليبرالية الوفد، ولا زعامة عبدالناصر، أو مهارة السادات، ولم يقدم مشروعا للتنوير والعقلانية كما جري قبل الثورة، ولا عدالة اجتماعية وتحررًا وطنيا كما حدث مع الثورة، ولا وعد بالرخاء الاقتصادي كما فعل الرئيس السادات.

ومع ذلك وقعت النظم السابقة في أخطاء كثيرة، ودفع قادتها ثمنا باهظا وفوريا لها، كما حدث مع الرئيس عبدالناصر عقب هزيمة 1967، ودفع الرئيس السادات ثمنا سريعا لقراره الانفعالي باعتقالات 5 سبتمبر.

أما الرئيس مبارك، فالمؤكد أنه لم يتخذ أي قرار انفعالي، بل إن اتخاذ أي قرار من الأصل يحتاج أشهرًا وربما سنوات، وهذا ما جعل التدهور في مصر أشبه بـ«الزحليقة» التي يستعملها الأطفال، فالتدهور كان بطيئا، ونزلنا بشكل متدرج حتي فوجئنا بأننا وصلنا إلي القاع، وصار من الصعب إصلاح أي شيء، بعد أن اعتبر الجناح المسيطر أن ما يقوم به إصلاح.

وأنه لتعميق الإصلاح يجب أن تزّور الانتخابات، ويحوّل المدنيؤن إلي محاكمات عسكرية، ويروع الأبرياء في المحلة وباقي المدن المصرية، حتي يقبلوا الغلاء والفقر وانهيار الخدمات، وهم منكسرون مطأطئو الرؤوس.

وتصبح اللحظة التي لا يصاحب فيها القمع والاعتقال أي إنجاز سياسي أو اقتصادي، هي مرحلة الخطر، فإذا كانت هناك إنجازات اجتماعية حققها عبدالناصر، غفرت لدي الكثيرين تجاوزات أجهزته الأمنية، فإن هؤلاء لم يعودوا موجودين حاليا، لأنه ليس هناك شيء يساعدهم علي تحمل مشاعر القهر والتهميش وعدم العدالة.

ويبدو أن مكمن الخطر هو في تلك اللحظة الفارقة، التي لا يشعر فيها المواطن أن هناك شيئًا ما يجعله يتحمل أخطاء السلطة، لأنها تنجز في بعض المجالات، فمصر عبدالناصر تحررت من الاستعمار وأسست النظام الجمهوري، ومصر السادات وقعت اتفاقية سلام واعتبرها قطاع واسع من الشعب المصري أنها ستخلصه من ويلات الحروب.

وستؤسس لنظام اجتماعي جديد يحمل الديمقراطية والرخاء، أما الآن فيشعر المصريون بالسخط والحنق من سوء الأوضاع القائمة، ولم يجدوا شيئا يعوضهم، لا في كبريائهم الوطني والقومي ولا في إنجاز اقتصادي أو اكتشاف علمي.

أو حتي كلمة طيبة من مسؤول يربت علي أكتافهم وقت الشدة، إنما قسوة وامتهان يوميا لكرامتهم، وفوضي ومعارك حربية علي الطرقات وفي الشوارع، جعلت الناجين هم فقط أصحاب المواكب الخاصة وليس حتي أصحاب السيارات الخاصة، كما كان في السابق.

رائحة الخطر تزكم الأنوف، حين يكون هناك عجز كامل عن وضع اليد علي مواطن الخلل وأماكن الفشل، حتي لو تعثرت روشتة النجاح، فالشعب المصري علي استعداد لأن يغفر الاجتهاد الخطأ ويكتب له أجر واحد.

ولكنه في الحقيقة ليس علي استعداد لأن يتحمل الإصرار علي الخطأ وعمي الألوان وعدم الإحساس بأن الانهيار يلتهم كل يوم أرضًا جديدة، فالغلاء لم يعد يمس فقط سلعًا اعتبرت كمالية، إنما صار يمس المأكل والمشرب، أي رغيف الخبز ومياة الشرب في بلد النيل.

رائحة الخطر تحاصر الجميع ،حين تتحول أزماتنا نتيجة سوء الإدارة والتسيب إلي معضلة مستعصية علي الحل، وحين يكون الفشل في امتلاك رؤية سياسية واحدة نفهم بها طبيعة المشكلات التي تعاني منها مصر، وحين يتحول المسؤولون إلي موظفين محدودي الكفاءة معدومي الخيال، ويعترفون بفخر بأنهم سكرتارية للسيد الرئيس.

رائحة الخطر لن تزول، حين نتصور أن تغيير حكومة فاشلة مثل حكومة نظيف هو الحل، فالمطلوب هو تغيير السياسات الفاشلة والمسؤولين عن ترك البلاد أسيرة للنهب والفساد وعدم المحاسبة، فالمطلوب ليس تغيير حكومة، إنما تغيير السياسات التي جلبت هذه الحكومة.

وهذا لن يتم إلا إذا بحثنا جميعا في كيفية انتقال السلطة بعد أن طالت في مواقعها، ومن حق المصريين أن يفكروا في بدائل عاقلة تُبقي علي النظام ومؤسسات الدولة وتغير الحكم قبل، أن تذهب البلاد نحو فوضي غير خلاقة

رابط هذا التعليق
شارك

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة
×
×
  • أضف...