اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

إنسان ما بعد الدين!


طائر الشمال

Recommended Posts

لدىَ البعض يكون الانتحارُ قفزًا بين صفحات كتاب مقدس للوصول إلى حياة ما بعد الدين؛ بعدها يصعب التمييزُ بين الحياة وبين الموت.
يحملق المُنتحرُ دينيــًــا في طبقات السماء كأنه سيقفز إلىَ الأعلىَ، وينسىَ النظرَ لقدميه؛ فيتعثر في فهم حياةٍ جاءها أملا في استيعاب أخرى؛ فيخسر الاثنين معــًــا.
إذا أردتَ الانتحارَ من خلال الدين فعليكَ أنْ تطلي وجهــَـك بأصباغٍ من العصر الحجري، تم تجديدُها في العصر القديم، وعندما وصلتْ إلينا كانت قد جفـَّــتْ.
كلُّ دين يحمل وجهين: الوجه الأول وعيٌ وإشراق، والثاني تصلـُّـب وضباب؛ ولكن كيف تقنع صاحبَ الوجه الثاني أنْ يفتح عينيه وهو خائفٌ أنْ يرىَ وجهَ الأول.
لم أتوقف عن التساؤل غير النهائي: لماذا يُصِرّ المتديــــّـن أنْ يقتل خلايا وجهه علىَ الرغم من أنَّ المفترَضَ تجديدها بآياتِ الكتب المقدسة، فهل يتصور صاحبــُـنا أنَّ الابتسامة شرٌّ يره؟
أحتاجُ لقرنين من الزمان لدراسة أسباب التجَهُم لدىَ المرء كلما غاصَ في تعاليم السماءِ التي تحضّه علىَ المحبة والتسامح والإنسانية، فإذا به يستدعي من حياة الغاب تفسيرًا لإنسانِ ما بعد التديـُّـن.
الإنسانُ الطبيعي يهرب من الموت ليرتمي في أحضان الحياة، أما الإنسان المُشـَـوّه نفسيــًـا وعقليــًـا وعاطفيــًـا فينفر من الحياة معتقدًا أنَّ الشمسَ تشرق في القبور، وأنَّ دودَ الأرض يتحول إلىَ فراشات ملوّنة بين الأتربة.
الدينُ حالةُ وعيٍ ناصعةُ البياض، تتحول مع بعض الناس إلىَ حُمَّىَ لا شفاء منها.
راقبتُ كثيرًا تعبيراتِ وجوه بعض لصوص الكراهية من إبليس، فوجدتهم تفوّقوا على المسروق، فوجدي غنيم، مثلا، لا يخالجك شكٌّ في أنه هارب من كوكب محترق وما تزال الجرثومات عالقةً في لسانه رغم أنَّ كل أحاديثه مُطـَـعـَـمة بآيات سامية. أبو إسلام، مثلا، لو رفع إبليس قضية ضد شخص سرق قرنيه لما وجد أفضل منه. موريس صادق، محامٍ عن أناس لم يمنحوه توكيلا. بحث في ماضيه كله فلم يعثر على لحظة سعادة، مصادفة، مع شريك وطنه قبل أن يغادر وطنه. ياسر الحبيب في قناة" فدك" مصّاص دماء بابتسامة تُسحر مريديه، فهو لا يتوقف عن بث الكراهية مستخدما حوادث، وحواديت، وحكايات مرت عليها ألف ونيف من السنوات، فجدّدها، وعصرَنها، وطأّفــها، فبدتْ مشاهد التاريخ القديم كأنها عاشوراء كل يوم.
المتطرف تديـّـنـًـأ يبحث عن الخلاص في السماء عن طريق حدود طائفته مع الآخرين، ويقرأ في كتابه المقدس فيجعله كـِـتابَ قرية صغيرة هجرها أهلها ولم يبق فيها غيره.
المتطرف دينيــًـا يملك قدرة عجيبة على جعل أحلامه كوابيسـَـنا، وهو يقتل في خياله خيالـَـنا، ويمزق في نومه يقظتـَـنا، فإذا استيقظ ألقتْ عليه فتاوىَ الغدر والكراهية والحقد تحية الصباح، فيخرج من بيته متعجبـًـأ أن هناك أحياءَ يمشون في الأرض.
عندما أصلي الجمعة أو العيدين أخشى أن أنظر لجاري فربما يكون شبحـًـأ متلبسـًـا جسد ابن آدم. أتذكر منذ ثلاثة أعوام عندما صليت العيد في أحد المراكز الإسلامية هنا في أوسلو التي تتلقىَ الدعم من الدولة المضيفة؛ فشاهدت أحدَهم، قبل التكبيرات الأولى، وهو يمسك قدم ابني الأصغر ( كان عُمره وقتها 15 عاما) ويحاول أن يلصقها بأصابع قدمه لئلا يمر الشيطان بينهما، وكاد ابني يسقط على الأرض.
بعث الله الأديان لتحارب الجهل والصغائر والتفاهات، لكن الإنسان يقف بالمرصاد للوعي والفكر والعقل.
لماذا تظل تجربة التديــّـن محفوفة بالعبث؟
أتذكر تلك الحمقاء التي أعرفها منذ طفولتها في الإسكندرية، فلما أصيبتْ بلوثة الجهل الديني، وأردتُ مصافحتها قالت: المفترض أنني لا أصافحك لأنني تعرفت على الإسلام من جديد، ولكن بما أنك تقيم في أوروبا وأصبحت نـِـصْفَ مسلم، فقد رضيت بمصافحتك!
الدين مساحة واسعة في الحياة، والمتديـّـن المحدث يغادرها ليبحث عن المنفىَ الديني حتى لو كان في تجمع سرديني لا يرىَ أحدٌّ وجه الآخر.
الحمد لله لقد عرفنا الإسلام الحقيقي في الخمسين عاما المنصرمة، فتحجبن وتنقبت نساؤنا، وظهرت زبيبة صلاة في جبهة أو رأس المسلم لتناسب لحيته! يقول لك أحمق لم يتقدم بأوراقه بعد إلى التلفزيون.
عندما عاد آياتُ الله إلى الدنيا وقُم، تبعهم الملايين؛ فمفتاح الجنة أصبح أرخص من قفلها، ولا يحتاج الأمر لأكثر من عملية بيع وشراء الحياة والموت.
وعندما عاد الأتراك من عُمق التاريخ وعلى صدورهم آثار شارة الاتحاد الأوروبي التي لم يضعوها، ظن أكثر المسلمين أنهم سيقومون بغزو الدول الإسكندنافية، ففيها شقراوات، حسناوات ينافسن الحور العين، لكن الشهداء العثمانيين قرر لهم الخليفة أن يمروا على دولة قطر، فربما يحتاجون في الجنة لبعض الريالات.
العجيب أن أكثر المسلمين ينفون صلة القرابة بينهم وبين أهل الكهف، فالسياق التاريخي يؤكد رابطة الدم بدليل الحمض النووي لدىَ الدواعش والاخوان المسلمين والسلفيين.
سيقول قائل إن حديثي هذا يرتدي عباءة اللادينية، والحقيقة الأسطع من شمس مكة المكرمة أنه حديثُ الإيمان بكل عُمق؛ لكنني فشلت في شرحه، وتوصيل رسالتي.
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
عضو اتحاد الصحفيين النرويجيين
أوسلو   النرويج

  

رابط هذا التعليق
شارك

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة
×
×
  • أضف...