اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

مشاهداتي في رحلة الصيف! ( زيارتي قبل الأخيرة)


Recommended Posts

مشاهداتي في رحلة الصيف! ( زيارتي قبل الأخيرة)

اختفاء الوجه البشوش لأبناء إسكندريتي!

مسحة من الكآبة تحتها طبقة من الحزن وفوقها بــَــشرة من الغضب اجتاحت وجوه المصريين، وأصبح الاستثناءُ هو إظهار ابتسامة دافئة وجميلة وودية!
قلت لبائع في محلات فتح الله بالمنتزه: هل فعلتُ لك شيئاً لتغضب مني؟ ردَّ قائلا: أنا قرفان من البلد! 
في كافتيريا تريانون الشهير بمحطة الرمل قال لي النادل، الجرسون: لا تستطيع وزوجتك تناول الطعام في الخارج، ولكن مسموح لكما بتناوله في الداخل حيث يملأ دخان الشيشة والسجائر المكان كله، أما هنا في الهواء الطلق فمحجوز لمن يكتفي بالمشروبات فقط! ثم أردف قائلا ليقطع عليَّ الحوار: هذه أوامر الإدارة!

في كافتيريا كوستا بسان استيفانو رفض الجرسون أن يأتي لي بالحساب رغم طلبي منه عدة مرات، والسبب أنه لا يريد منا مغادرة المكان لئلا يأتي آخرون ويضطر للعمل، فغضبتُ غضبا شديداً نزل على رأس العاملين درساً في الأخلاق، فقدَّموا اعتذارهم!
في كافتيريا دليس الشهير بمحطة الرمل وهي وريثة عهد الجمال والأبهة والخواجاتية في عهد اليونانيين والفرنسيين خلال الخمسينيات والستينيات، رأيت مومياوات كسالى. انتظرت وزوجتي عشرين دقيقة مع طلبات متكررة، لكن السلحفائيين لا يتحركون. خرجنا، وقبل الخروج ألقيت درسا على مسامع مديرة الكافتيريا، وقمت بتذكيرها بالعصر الذهبي، وجاء العاملون يرجونني العودة إلى الطاولة وعلى حساب الكافتيريا، وكل كاذب منهم يزعم أنه لم ينتبه لوجودي أو زوجتي. وطبعا خرجت ولم أعد!

في كافتيريا فاخرة بالقرب من نفس المكان، وكان الجرسون غاضبا ومحتقراً إياي حتى كدت أعتقد أن بيننا ثأراً قديما.
ألقى الفاتورة على الطاولة بغضب، رغم أنني شديد التهذيب في العلاقات العامة.
تناولها علىَ أن يعيد إليَّ الثلاثين جنيها الباقية ولم يفعل. انتظرت ربع الساعة، ثم أطل من بعيد ليتأكد أنني غادرت المكان، وأخيرا جاء أكثر غضباً. ألقاها على الطاولة منتظرا بوقاحة وتناحة أن أعطيه بقشيشاً! ناديت على زميله وهو شاب صغير السن كان مهذبا، فأعطيته الإكرامية أمام الوقح قائلا: أنت تستحقها وليس غيرك!
بحثت عن المصري الأصيل فلم أجده إلا قليلا!
بحثت عن الابتسامة الجميلة التي كانت رأسمال المصري في المحن والأزمات، فلم أعثر عليها إلا نادراً، فهي أيضا خرجت ولم تــَــعُــدْ!

البيع والبلاهة مترادفان، وسلوكيات أبناء بلدنا عبثت بها الأزمنة الفاسدة.
أما الدين فليس له أي أثر في الكلمة الطيبة أو التعاملات اليومية، فالدين مظهر ولحية ونقاب وكلام مكرر ومكبرات صوت وإعلانات ( هل صليت على النبي اليوم)؟
نعم، هناك جوانب كثيرة إيجابية ومــُــبشـّـرة، لكنني أفتقد ابتسامة أخي المصري، فكيف نـُـزيل الطبقات الثلاث من على وجهه .. الكآبة والحُزن والغضب؟

تغطية وجه المرأة هي أكبر صفعة على الوجه للمرأة وعلى القفا للرجل، فانشغال الجماعات الدينية لأعوام طويلة باخفاء المرأة، ووأدها، واقناعها أنها مبني للمجهول، وأن مهمتها في الحياة التلصص على من حولها من وراء نقاب، فهي عورة وعار وشهوة وشبق، والرجل إذا شاهد وجهها وأنفها وعينيها وأذنيها وشفتيها لا يحتاج لأكثر من دقيقتين حتى يصل إلى منتهى شهوته!
ينبغي أن أعترف بأنني أشعر باحتقار شديد تجاه المرأة التي تُصرّ على لعب دور الجارية فتستبدل بشبــّـاك بيتها غطاء وجهها، ولا تقتنع أو تفهم أنها عاصية لله، تعالى، وأن الله، عز وجل، خلقنا شعوبا وقبائل لنتعارف، ونتبادل المشاعر، ونكره ونحب ونغضب ونحترم ونحتقر ونصدّق ونُكــَــذِّب و.. نمارس الحياة بصورة طبيعية وليس كما يفعل الجواسيس والمخبرون والارهابيون والمتحرشون.

المشهد قبيح بكل تفاصيله، فتسير المنقبة وسط زحام الناس رافضة هويتها في وجهها، سعيدة بالبصقة التي قذفها الرجل في وجهها الطيب الممثل لمعجزة الخالق فتقتنع بأنها جاءت من ضلع أعوج، وأن الذكر يحدد لها دينها وتفسيراته، وأنه قائم على عقلها وجسدها وحيضها وفي النهاية يكذبون على رسول الله(ص) فيزعمون أنه قال : لو أمرتُ أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها!
نعم، أنا أحتقر المرأة التي تغطي وجهها وتفضل أن تتلصص عليَّ وعلى الناس، وترفض الافصاح عن إنسانيتها وشخصيتها؛ فالشاة تسمع وتطيع كما تفعل مع زوجها في البيت والفراش.
تغطية وجه المرأة طعنة في دين الله، ورفض لسبب الخَلـْـق، أي شعوبا وقبائل لنتعارف، وقناعة الذئب أن الرجال كلهم ذئاب مثله!
ليس دينا وليست حرية شخصية إنما هو هوس جنسي يفترض في عيون الآخرين كلهم نظرة الاشتهاء.
لقد انتصر الكشكيون والحسانيون والحوينيون والبرهاميون على المصريات العفيفات، وأقنعوهن أن الرجال كلهم شياطين!
تغطية وجه المرأة أعفن صور التخلف المــَــرَضي!

شخير الدين أمام الفساد!
الفساد الذي صنعه عهدُ الطاغية مبارك له ألف وجهٍ و .. وجه، وفي كل وجه ألفُ عين و .. عين، وكلما جاءت سلطة إلىَ القصر إمــَّـا أنْ تراه فتسكت، أو .. لا تراه فتصمت!
من أين جاء الفاسدون بهذه العبقرية التي تتحايل في كل مكان لتبتز أو تسرق أو تنهب أو ترتشي فتجعلك تضع يدَك في جيبك، وتُخرجها فإذا هي تُكافيء الفاسد وتقتل بعضا من ضميرك؟
في محطات البنزين أطل الفسادُ في عيونٍ وقحة، فتملأ خزانَ سيارتك ويعطيك العامل ورقة بيضاء، أي فاتورة تقوم أنت بتحديد ما تراه مناسباً لتقديمها لجهة العمل أو المؤسسة أو صاحب السيارة التي تعمل أنت عليها، في مقابل أن تنفح العامل مبلغاً من المال .. أو قطعة من نار جهنم.
زيارتي هذه المرة أثبتت لي وأكدت رؤيتي التي أعتنقها منذ بدأت الكتابة لسنوات طويلة خلت، أعني أن الإصلاح يأتي من القصر وليس من الكوخ، وأن السيد هو الذي يصنع الضمير أو يــُـميته، والرعية بمفردها وبدون أوامر وتوجيهات وسلطة وقوانين يتابعها السيد لا تُحرك ساكناً، بل تحتضن الفساد، وتقوم بتربيته في صدرها وقلبها وقد يصل إلى إيمانها، حيث يغط الدينُ في نوم عميق، ويــُـصدر شخيراً يظنه الساذجون آيات مقدسة!
طبيب أنف وأذن وحنجرة لكل مصري!
ثلثا الأمراض النفسية والعصبية والعقلية قادمة من أجمل وأطهر وأسمى البينات، فالمصريون في سباق المزايدة الدينية جعلوا من يحب سماع القرآن الكريم ليلا ونهاراً، يتمنى أن ينصت إلى أغاني بدرية السيد أو ناي محمد طه أو حتى تسجيل قديم غير واضح لمنيرة المهدية!

عليك أن تسمع رغم أنفك، ولن تستطيع أن تتحدث مع أحد، أو تنام في بيتك نوما هادئاً، أو تقنع طفلك الصغير الذي ينتفض فزعاً أن الله، تعالى، لم يأمر بازعاجه وتخويفه.
في محل فودافون باسكندر ابراهيم في ميامي لم أسمع كلمة واحدة من البائع ولم يفهم حرفا واحداً من حديثي، فالوقت صلاة التراويح، ومكبر الصوت، ولا أبالغ، يخترق طبلة أذُن رائد فضاء يسير على كوكب بلوتو، وقاريء القرآن ومقيم الشعائر يشعر بمتعة شديدة فقد جعل المصريين ينفرون من سماع أجمل آيات الذكر الحكيم.

والمصريون يخشون اتهامهم بأنهم يضيقون ذرعاً بكلمات الله البينات، لذا طاردهم ذئاب الميكروفونات ومتوحشو مكبرات الصوت في يقظتهم ومنامهم، فالمسلم يصمت إذا صفعته على وجهه باسم الدين، والقبطي يصمت خشية أن يتهمه شركاء وطنه من المسلمين بأنه يكره سماع القرآن الكريم!

كلنا جبناء أمام الهجمة الصوتية المزعجة فهي لا ترحم مريضا أو طفلا، ولا يتخيل المتخلفون الغوغاء والقساة وغلاظ القلب والمنافقون أنهم يعتدون على القرآن بالقرآن، وأنهم يجبرون أناساً على الإنصات وهم في دورات المياه يتغوطون، وفي الفراش يمارسون الجِماع، وفي اجتماعات، وفي دقائق نوم يختلسونها ليكملوا أعمالهم.
كلنا جبناء لأننا مرضى ونعرف سبب المرض ولا نقترب من الفيروس، بل جعلنا حرب القرآن بالقرآن في كل مكان، ومطعم، ومحلات، وشوارع، وأسطح منازل، ومؤسسات حكومية وخاصة وسيارات أجرة عادية أو توكتـُـكيــّـة!

في مصر عليك أن تخرس، وتبتلع كرامتك، وتلطم وجهك أمام أمك المريضة أو رضيعك المسكين أو جدك المُسن، فمكبرات الصوت ستجعلك تصاب بالجنون، وتكره أجمل ما أنزل الله، وتتمنى أن تقوم بتكسير كل مكبرات صوت الوطن بعدما سرقها الشيطان وقام بتعيين منافقين عليها.
مكبرات الصوت هي العدو الأول لصحة المصريين، وهي إيبولا أرض الكنانة، وهي التي ستجعلك أصمَّ، إنْ عاجلا أو آجلا!
إذا بحثت عن سبب هجرة نصف المصريين للخارج لوجدت مكبرات الصوت تــُـخرج لك لسانــَــها، وهي سبب الإنتاجية المنخفضة للعاملين، وهي علامة النصر التي يرفعها إبليس في وجوه المصريين.

لا أخاف على مصر من سدّ النهضة ولا من داعش ولا من الطعام المسرطن ولا من الغلاء ولا حتى من الإرهاب أكثر من خوفي عليها من مكبرات الصوت، خاصة تلك التي تنتفض لها مسامات جسدك في صلاة الفجر.
رأيت فيما يرى النائم أهل النار، وحملقت فيهم فعرفتهم! إنهم الغوغاء القساة المنافقون الذين يربطون حبالهم الصوتية الصدئة بمكبرات الصوت!
أكثر المصريين الذين يكرهون بلدهم تعود الكراهية إلى أنكر الأصوات التي ترتكب جريمة تشويه القرآن الكريم!

الوجاهة والجيب المثقوب!
عندما تغيب الدولة عن مراقبة أسعار السلع والخدمات، يتلاعب بجيوب الغلابة التجار والبائعون، بل يحيلون حياة المواطن اليومية إلى جحيم مقيم!
أنا أقيم منذ أربعة عقود في واحدة من أكثر عواصم الدنيا غلاء في المعيشة بعد طوكيو، ومع ذلك فقد رأيت أن أسعار البضائع والمواد الغذائية التي يعرضها السوق المصري تتفوق على مثيلاتها في كل دول شمال أوروبا وحتى سويسرا وألمانيا!

المشكلة أن المصري المهاجر والعائد للزيارة يتظاهر أن جيبه مليء، وأن محفظته مكدسة بالعملة الورقية، والحقيقة أننا، نحن المغتربين الزائرين لوطننا الأم، كاذبون حتى النخاع، ونخجل من التبرم أمام الأسعار النارية لئلا نــُـتــَــهـَـم بالبخل!
ترى كيف يتدبر أهلنا في مصر يومياتهم بعشرة آلاف جنيها مصريا في الشهر، ولا أقول خمسة أو ثلاثة أو أقل من ألف؟
الشباب الذين يعملون في فندق هيلتون دريمس بشرم الشيخ يحصلون على 700 ج شهريا، أي 25 جنيهاً في اليوم وهذا يعني أن الشاب يعمل أربعة أيام ليشتري شبشب زنوبة لا يتحمل المشي به أسبوعين!
سبعة من كل عشر سلع ومواد غذائية في محلات فتح الله وكارفور أغلى سعراً من مثيلاتها في النرويج، وإذا أردتُ شراءَها بنصف الثمن فالسويد على مقربة ساعتين بالسيارة فأشحن سيارتي مواد غذائية أفضل وأرخص وأكثر تنوعا مما في مصر!

وقس على هذا كل الاشياء، ثم اذهب إلى ربة بيت متوسط ولديها ثلاثة أبناء في المدارس وزوج يعمل في مركز مرموق في مصر، ثم قم بتقبيل يدها لأنها أكثر عبقرية من وزير الاقتصاد وكل مساعديه!
الدولة تغيب، السُعار والجشع والاحتيال لدى التجار يزداد تغولا وتوحشاً!
المواطن المصري لم يتعلم بعد أن مواطــَــنته في قدرته على مقاطعة المحلات التي تشرب لتراً من دمه في كل مرة يــتـبضع لأولاده.
عتابي على الأغنياء أو الزاعمين أن أوضاعهم المالية جيدة، لكنهم يُصرّون على الشراء من تجار الجشع .. أعني شيلوك في تاجر البندقية.
المصري يشتري وبدلا من أن يذهب إلى بائع آخر يبيع السلعة بثمن معتدل، يذهب إلى بيته ويلطم وجهه لأنه فرَّغ جيبه المثقوب أصلا.
كل ما نراه في مصر من تقطيع أوصال الأسرة المصرية بواسطة تجار الجشع ليس له إلا حل واحد: المقاطعة .. المقاطعة .. المقاطعة!
لو قاطع المصريون اللحوم ستة أشهر فقط فسيقوم الجزارون بتقبيل أقدامهم، وبيع اللحوم بربع ثمنها، والجزار أيضا رابح.
لو امتنع المصريون عن شراء المشروبات نصف عام واكتفوا بالمياه، فسيشترونها بعد ذلك بخُمس ثمنها مع قـُـبلة من البائع ، وهو أيضا رابح!
ثقافة المقاطعة تختصر أوجاع المصريين، ولكن مادام المصري يظن أن البائع يمــُــنّ عليه، فستتضاعف صرخاته اليومية ليسد جوع أبنائه وأسرته، والجوع هو المقدمة الأولى للكُفر!
الحجاب والمؤخرة!
إذا أرادت الفتاة أن تخالف ذكور قومها دون أن تغضبهم فتستطيع أن تفعل ما تريد، بل أيضا ما لا تريد ولو كانت في بروج مشيدة!
التيارات الدينية ودعاة المنابر لا يعرفون في الدنيا شيئا أهم من المرأة وجسدها وحجابها ونقابها وخمارها والطهارة من دورتها الشهرية ثم طاعتها للرجل ولو كان فظا غليظ القلب، بخيلا ضيق الجيب، جاهلا هلامي المخ، منافقاً سلولي السلوك!

وظلت الجماعات طوال ربع قرن تــُــلح في تغطية رأس المرأة، فالشــَـعْر لا يختلف عن عورات الجسد كله، والرجل الذي يشاهد شعر رأس امرأة لا يختلف عن الزاني!
تلك أقصى أمانيهم وأحلامهم وأفكارهم، فماذا كانت النتيجة؟
أبدت المرأة طاعة جعلتهم يُعلنون النصر على قوى العلمانية والإلحاد والكفر، وأصبحت أكثر نساء مصر تحت قطعة القماش التي تغطي شعرها، لكن الإثارة ليست هنا، فالمرأة أذكى من الرجل إذا أرادت أن يجافي النوم عينيه وهو يفكر في الجنس ويتقلب على جنبيه ولو كانت زوجته بجواره!

وأصبح الحجاب فوق رأس يستند على جسد يهتز كأمواج البحر، وتسير المحجبة ( غالبا ) وهي تميل ذات اليمين وذات الشمال وبعلــُـها باسط ذراعيه على جنبيه، كأنه فقأ عيون من ينظر إلى حريمه.
شاهدت الحجاب المثير في القاهرة والإسكندرية وشرم الشيخ، ورأيت الفتاة وقـد استبدلت بفتنة شعرها ( كما يحلو للجماعات أن تــُـسمــّـيه ) مؤخرة ترائبية تسرق عيون الرجال أينما ولــّـوا وجوههم.
انتصر محاربو فرض تغطية شعر الرأس، وتدعوشوا ابتهاجاً، لكن جسد الفتاة لا يزعم انتصاره لئلا يغضبهم، وعيون الرجال شاهدة على ذلك.
الحجاب في مصر نصر للاثنين: تيارات التأسلم في المزايدة الدينية وهي تنظر إلى رأس المرأة، وعيون الرجال وهي تعرف موضع الإثارة الجنسية.
الحجاب المثير نتيجة طبيعية لحماقة وتخلف وعباطة وهبالة وذكورة ذكور مصر الذين يرون العفة في قطعة قماش تمنع شعر الرأس من التنفس والتشمس والنضارة، لكن المرأة هي الأذكى والأدهى فالرجال .. ناقصو عقل ودين!
الحجاب المثير للفتيات المراهقات يظهر مفاتن الجسد، ويجحظ عيون الرجال، ويــُـرضى المُعتــَـلــّـين و.. المعتــَـلـــين منابر ترى الدين كله في بنات حواء!
الحجاب المثير يتمخطر، ويتدلل، ويُشعل الأرض وذكورَها، ويوحي لكل طرف أنه المنتصر في حرب المزايدة!
الحجاب المثير ضــَــرَبَ اللحية المتهدلة في مقتل، وما تزال المرأة الضعيفة تزعم ضعفها وتبالغ فيه، ثم تضرب الرجل على قفاه فيرفع علامة النصر!
الحجاب المثير يؤكد أن الازدواجية السلوكية هي هزيمة للمجتمع كله!

إسكندريتي!
خلق الله القدمين للإنسان لكي يسير بهما، وللمصري لكي يركب بهما المواصلات!
ينتظر المصري نصف ساعة لكي يركب ميكروباص لخمس دقائق، وينتظر الأتوبيس ساعة ليذهب لمدرسته أو كليته أو معهده على مسافة ثلاث محطات.
التوكتوك صورة قبيحة مستوردة من الهند وغير مناسبة أو لائقة للمجتمع المصري، رغم أن الهند حققت تقدما يزيد عشرة أضعاف التقدم الذي حققته مصر، لكن لكل مجتمع خصوصياته.

ارتبك الشارع المصري فأصبحت القمامة من نصيب الرصيف، والشارع مقسم إلى أربعة أقسام، سيارة صف أول يصعد نصفها على الرصيف، سيارة صف ثان، ثم الصف الثالث التي يتركها صاحبها لتربك حركة المرور.
في الناحية الأخرى هناك صفان متجاوران من السيارات ليصبح الطريق في النهاية صالحاً لمرور سيارة واحدة، ذاهبة أو قادمة!
محافظ الاسكندرية مشغول عن مدينته بأشياء أخرى، والعقلية المصرية المرورية ينبغي أن يتم دفنها في معبد الكرنك أو أبو سنبل أو وادي الملوك.
الناس تتحرك بين السيارات كأنها في سيرك محمد الحلو، والأولوية لراكب السيارة خلافا لكل دول الدنيا!
المصري يقضي ربع عُمره في المواصلات، راكبا أو منتظراً، وهو لا يفعل شيئاً في السيارة غير التفكير في الوصول بعد الموعد بساعة، فيحمد الله، أو بساعتين فيشكره، سبحانه وتعالى.

لا مكان للمشاة فالمواطن ينظر يمينا وشمالاً حتى يلتقط مسافة بين سيارتين في ثانيتين ليكتب لنفسه عُمراً جديداً.
كارثة المواصلات آخر اهتمامات المحافظ والمسؤولين والناس، وكل طفل يمر وهو يمسك بيد أبيه أو أمه يبدأ حياة جديدة.
إسكندريتي الجميلة التي عشقها كلود فرانسوا وجورج موستاكي ونانا موسكوري وأحمد فؤاد نجم ويوسف شاهين وابراهيم عبد المجيد وداود عبد السيد والبابا كيرلس تختفي الآن بين حرب الأسفلت وأكوام القمامة، بين سرقة البحر وسرقة الطبيعة!

المحافظ رفع يده، والدولة قررت التضحية بالعاصمة الثانية، والمؤمنون في المساجد والكنائس يتنفسون هواء ملوثا وهم يقرأون الكتب المقدسة، ومكبرات الصوت لا تختلف عن داعش في تهجير المواطنين، والبلادة تهيمن على الجميع.
صليـّـت العيد في الشارع مع الجماعة السلفية المتخلفة لأنني وصلت متأخراً فلم أجد غيرها، واستمعت إلى آيات الله البينات ورائحة القمامة تزكم أنفي!
حزين .. حزين .. حزين، فاسكندريتي محتلة من السلفيين ومكبرات الصوت وجبال القمامة وسيارات ملتصقة ببعضها والأزرق الكبير اختفى خلف مافيا الشواطيء!

كنت في الاسكندرية فبحثت عنها ولم أجدها، أعني لم أتعرف عليها.
تحدثت مع كريم الطالب في كلية الآداب والذي يبيع الكتب في مكتبة صغيرة فقال لي إنه لم يقرأ كتابا واحدا في حياته!
تجولت في مدينتي صانعة الثقافة المتوسطية، وعاشقة ضيوفها، وملهمة فنانيها، فرأيت دموعها تتساقط على وجهها الذي كان جميلا!
تأملت في فن العمارة فإذا به قد أصبح علامات الموت في أبراج آيلة للسقوط! 
محافظ الاسكندرية تجوسق فنسي وظيفته.
شاهدت فيلم الصعاليك منذ ثلاثين عاماً، لكنني هذه المرة شاهدت وقائعه حيـّـة بكل تفاصيلها.
كنت مؤمنا بأن من لا يحب الاسكندرية فهو لا يحب مصر، أما بعد زيارتي هذه المرة فقد أجد له بعض العــُــذر!
أيها القتلة، ماذا فعلتم بحبنا الكبير؟
من الطابق العاشر في بيتنا بآخر طريق جمال عبد الناصر بالمندرة في مدينة الإسكندر المقدوني جحظت عيناي دهشة وتعجباً من قدرة الأسفلت على تحمل سيارات ملتصقة ببعضها ويزعم أصحابها أنها تسير، وكلاكسات تنبعث، وتنشر غضبها على أطفال ومسنين ومرضي يبحثون عن دقيقة واحدة يزور النوم فيها أعينهم! 
الضوضاء درجة من درجات الإرهاب والاعتداء على الآخرين!
الضوضاء مقياس للتحضر!
الضوضاء قد تكون المسبّب الأول للزهايمر المصري، فهي لا تصيب الأذن فقط، إنما تخترق الجمجمة وتعبث بموطن الذاكرة فيها.
الضوضاء جريمة بكل المعايير.
الضوضاء تسبب الإعاقة الذهنية ولو بعد حين!

إســَّـامو عليكو .. إيــ الأغبار؟

اختفت تقريبا التحيات العادية وحلــَّتْ محلها التحية الجديدة والعجيبة والكوميدية .. إســَّــامو عليكو .. إيــ الأغبار؟
لا تعرف سبباً لها، ولماذا توصــَّــل العقل الفهلوي المصري إلى جمع كل التحايا في هذه الجملة السيركية التي تناسب الجدّي والمهرج، المثقف والجاهل، الوقور والبهلوان، وعليك في كل مرة أن تستخرج سببا دون آخر، وتعرف ما تخفيه.

إيــ الأغبار .. قد تكون تحية عاطرة، أو فراغاً لغوياً، أو عبقرية المصري في التهرب من الانتماء لجماعة أو طائفة أو طبقة اجتماعية!
إيـــ الأغبار؟ مختصر لغة الشارع المصري، قد تكون هباءً لسانياً، أو تسوّلا محترماً، أو سدَّاً يحجز خلفه مفردات تنقرض رويدا .. رويداً!
إيــ الأغبار هو اللسان المصري الجديد الذي يــُـلقي عليك التحية لكنه يهرب من وضعها في خانة اجتماعية معينة ومحددة سلفاً!
إيــ الأغبار هي مختصر خمسة عقود مصرية بحيث تقف على نفس المسافة من الجميع، وعبقريتها في أنها لا تطلب منك الإجابة إنما تسمح لك بالحديث أو الصمت!
يخرج المصري من المسجد أو الكنيسة بعد لقاء مع الله وتصطدم عيناه بمقلب قمامة تحوَّل مع الأيام إلى مركز للأمراض والحشرات والروائح الكريهة، لكن المصري يقنع عينيه بأنه أمر طبيعي لا يتعارض مع اللحظات الروحية التي عاشها أو التي سيعيشها في المسجد أو الكنيسة.

يسير محافظ الاسكندرية والزوار والسائحون وأهل الثغر والوزراء والضيوف بجوار مقالب قمامة احتلت الأرصفة والميادين، لكن الضميرين، الاجتماعي والديني، غابا تماماً لأن السلطة غائبة عن أهم مشروع، بل أكثر المشروعات سهولة ويُسراً لو كان هناك عقل يخطط ويقف على رأس التنفيذ والمتابعة.
القمامة جزء من المشهد الطبيعي فأنت تسير فوقها وبجوارها، بل تؤدي صلاة الجمعة والعيدين على مقربة منها ولا تشعر أن الروائح تزكم أنف السماء وطيورها وملائكتها.
لم أكن في زيارتي عابراً أو سائحاً أو مغتربا عائداً، لكنني كنت حالما مصلحاً ولو كانت أضغاث أحلام، لو أنني كنت محافظ الإسكندرية، وأقسمت بيني بين نفسي على وضع حلول لمعظم مشاكل عروس البحر المتوسط. ثم لزمت الصمت، وتبعه صمت الصمت لئلا يسمع أحد أو يلاحظ أحلامي ، وأسرْتــُــها في نفسي.
إسكندريتي الجميلة تحتضر قمامة، وتتنفس زبالة، ويعتدي على جمالها أهل القبح، والمحافظ لم يتلق التوجيهات أن النظافة من صميم عمله!

محمد عبد المجيد
طائر الشمال
عضو اتحاد الصحفيين النرويجيين
أوسلو ( مشاهداتي عام 2014)

رابط هذا التعليق
شارك

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة
×
×
  • أضف...