اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

الحرب السيبرانية و أشياء أخرى


عادل أبوزيد

Recommended Posts


الحرب السيبرانية وأشياء أخرى

  بقلم   د.عبد المنعم سعيد    ١٨/ ٧/ ٢٠١٧

ربما يكون ما حدث خلال الانتخابات الرئاسية الأمريكية فى عام ٢٠١٦ هو أول المشاهد فى «الحرب السيبرانية» التى سوف تشكل تاريخ العالم الآن وفى المستقبل. ما كان قبله لم يكن أكثر من إرهاصات، وسرقة الوثائق ونشرها على طريقة «ويكيليكس» ربما لن يزيد ذكرها عن سطور فى كتب التاريخ. ولكن ما جرى قبل عام اتفقت جميع وكالات المخابرات الأمريكية على أنه كان حرباً سيبرانية شنت فيها روسيا الاتحادية حرباً على الولايات المتحدة، ليس بهدف تدمير طاقتها العسكرية، أو شل قدراتها الاقتصادية، وإنما لتقرير مصير انتخابات الرئيس، بحيث يكون دونالد ترامب ولا أحد غيره، لا من داخل الحزب الجمهورى، ولا من الحزب الديمقراطى. صحيح أن الشعب الأمريكى هو الذى ذهب إلى صناديق الاقتراع، ومن الثابت أنه ذهب إلى الانتخابات التمهيدية للأحزاب، ومن بعدها شاركت وفوده فى تسمية الرئيس فى مؤتمرات الأحزاب، وأخيراً فإنه اختار ترامب وليس كلينتون. ولكن المفترض فى هذه العمليات كلها أنها تجرى وسط مناخ متوازن ومتعادل وعادل، وما حدث أنها سُمّمَت بفعل التدخل الروسى السيبرانى فى البريد الإلكترونى للجنة القومية للحزب الديمقراطى، وعدد من رجال الحملة الانتخابية للمرشحة هيلارى كلينتون. حدث الاختراق وبدأت عملية تسريب المعلومات، قطعة بعد قطعة، وأصبحت كل قطعة واقعة ضمن قصة كبيرة سلبية، وجاءت آخر الدفعات قبل موعد الانتخابات بعشرة أيام، كانت هى الحاسمة فى تشويه المرشحة الديمقراطية إلى الدرجة التى جعلتها تخسر السباق.

لم يكن ما جرى فى الولايات المتحدة من قبيل محاولة وحيدة للتحكم فى النظام السياسى لبلد ما، وإنما كانت جزءاً من سلسلة من المحاولات التى استخدمتها موسكو للتأثير فى سياسات غربية. الثابت أن محاولة جرت فى فرنسا للتأثير على انتخاباتها وهزيمة «ماكرون» من جانب، ونجاح لوبان من جانب آخر من قبل روسيا، التى باتت تتفنن فى العمل على نجاح اتجاهات يمينية محافظة، ولكنها، وربما كان ذلك هو الأهم، ذات طبيعة انعزالية. ولم يكن مستبعداً أن النجاح المفاجئ لاستفتاء «البريكسيت» الخاص بالخروج البريطانى من الاتحاد الأوروبى لم يكن بعيداً عن ألاعيب بوتين هذه. كانت روسيا تلعب بالورقة «الوطنية»، وتشكك فى الليبرالية والديمقراطية وقدرتها على تجميع الخلق بطريقة تطوعية يجرى فيها تبادل المصالح، وتوازن وجهات النظر. «الحرب السيبرانية» بدت ممكنة، ورخيصة، وغير مكلفة، خاصة أن الغرب بدأ يستنفد رصيده الليبرالى ونصره فى الحرب العالمية الثانية، والأهم «الحرب الباردة».

«الهجوم السيبرانى» الروسى على الغرب لم يكن ممكناً دون التقدم التكنولوجى الهائل الذى تحقق على مستوى الكون كله، وكما هى العادة فإن روسيا ذات التقاليد «السوفيتية» حولت كل أشكال التكنولوجيا إلى تطبيقات استراتيجية تفكك وتفرق من ناحية، وتعطى لروسيا نوافذ عسكرية من ناحية أخرى، سواء كانت فى جورجيا أو أوكرانيا أو سوريا. هى واحدة من تطبيقات استراتيجية عسكرية وضع أسسها عقيد، ويا للعجب، فى القوات الجوية الأمريكية لاتخاذ القرار فى العمليات العسكرية والتى تدور على ثلاث عمليات تقوم على المراقبة للمسرح Observe، وتطويع هذا المسرح عن طريق تشكيل الخصم وتوجيهه تبعاً لدرجة مناسبة Orient، والحسم فى اتخاذ القرار Decide، وفى النهاية القيام بالفعل الذى يحدث التغيير Act. إنها OODA التى أتت من الحروف الأولى باللغة الإنجليزية لتتابع العمليات أثناء عملية المواجهة، فمراقبة المسرح السياسى والاستراتيجى الأوروبى والشمال أمريكى، أو الغربى عامة، قرأ التشققات التى طرأت على البنية السياسية وجعل من الممكن تشكيل هذه البيئة من جديد حول شعارات «شعبوية» تقوم على شعارات وطنية، ولكنها فى النهاية تؤدى إلى العزلة، وبناء الحوائط العازلة. وهكذا فإن ما كان واحداً من الثورات الكبرى التى أعطت الإنسان «تمكيناً» لم يحدث له فى التاريخ مثيل بعد، أن جعل الفرد قادراً على التواصل مع ملايين من البشر بالتجارة والتبادل وحتى بمجرد الحديث. ولكن تحويل كل ذلك إلى تلاعب بالأدوات واختراقها وتوجيهها وتركيب رسائلها من جديد جعل كل ذلك أداة للتطويع وكسر الإرادة ربما فى مستقبل ليس ببعيد.

«الحرب السيبرانية» تضع العالم كله أمام اختبار صعب، ما بين إجراء أكبر عملية للتواصل السريع بين البشر، أو إطفاء كافة قنوات التوصيل والالتقاء العقلى بين بنى الإنسان. التواصل يعنى إمكانية الاختراق، وفرصة الهجوم، ولحظة التوجيه والتركيب، والعزلة لا تعنى أقل من الزحف إلى التخلف والتراجع. وإذا كان ممكناً اختراق الولايات المتحدة كلها إلى هذه الدرجة التى يتم فيها التأثير على نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية، فماذا يكون عليه الحال فى بلادنا أو فى بلاد أخرى مثلنا؟ الإرهابيون استخدموا أدوات الحرب السيبرانية للتجنيد والتقاط العناصر الجاهزة سواء لأن أصولها «إسلامية» أو لأنها تشعر بالاغتراب لسبب أو آخر فى بلادها. فليس مفهوماً أبداً لماذا يذهب ١٠٣ من الأستراليين إلى «داعش» فى سوريا والعراق، اللهم إلا لأن الالتقاط جرى، وإعادة تركيب خلايا الفهم حدث، ولأن قراراً حاسماً اتخذ باللحاق بحزمة من القتلة وممارسة القتل معهم. هذه عملية مركبة، ولكنها ليست جديدة بشكل مطلق، فتجنيد الشيوعيين فى منظمات إرهابية، وكذلك الحال مع الجماعات النازية وأشباهها مر بمراحل قريبة من ذلك.

السؤال البديهى هنا هو كيف يمكن مواجهة كل ذلك؟، فعندما يصير هناك بليونان من البشر على شبكة «فيسبوك»، ويكتبون ويتواصلون ويتناقشون على مدار الساعة، فإن النتيجة محسومة لصالح منظمات إرهابية، أو مؤسسات مثل المخابرات الروسية. فى مصر عرفنا فى وقت من الأوقات الكتائب الإلكترونية التى جهزها وبعث بها الإخوان المسلمون، والتى مازالت تعمل حتى الآن وتشن حملات وتواجه وتعلق على صفحات وآراء، وحتى يمكن التعرف عليها عندما تجد فجأة رأياً واحداً، وكلمات واحدة، تستخدم فى مناطق متباعدة. الأمر لا يحتاج ذكاءً كبيراً لكى تعرف أن المصدر واحد، وأن هناك غرفة عمليات فى مكان ما تدير هذ الحرب السيبرانية بقدر غير قليل من الكفاءة. وفى الولايات المتحدة مؤخراً دفع «ستيف بانون»، مستشار الرئيس الأمريكى للشؤون الاستراتيجية، فى اتجاه التشاور مع رجال الأعمال فى كيفية شن الحرب على الإرهاب، مثل ذلك كان مفاجأة، ففى أمور الحرب والاستراتيجية العسكرية فإن الجنرالات عادة هم مصدر النصيحة والاستشارة والفتوى. ولكن رجال الأعمال توصلوا إلى أنه لا يمكن شن الحرب على فواعل غير دولية فى النظام العالمى من قبل الدول التى لها مؤسساتها، ولها قيود على حركتها بفعل الدساتير والقوانين. الحل أن يحارب الإرهاب شركات خاصة متحررة من القيود التى لا تجعل الدول، بما فيها الولايات المتحدة، لا تستطيع الانتصار حتى بعد مرور ١٦ سنة على تفجيرات الحادى عشر من سبتمبر والحرب فى أفغانستان، ومهما كانت النتيجة بعد سقوط الموصل، فإنه لا أحد يقطع بأن معنى ذلك هو نهاية «داعش». فإذا كان الحديد لا يفله إلا الحديد، فإن المنظمات الإرهابية لا تواجهها إلا منظمات إرهابية مثلها، أو حتى أكثر إرهاباً وقسوة.

هذه بالطبع أفكار لاتزال فى إطار التفكير الاستراتيجى، وبعضها يمتد إلى خصخصة الحرب السيبرانية، بنفس الطريقة التى جرت بها خصخصة الشركات وتسويق السلع، وتحويل الموانئ والمطارات إلى شركات خاصة. وجدير بالذكر أن عرض هذه الأفكار ليس يعنى تبنيها، وإنما هى متابعة لما يجرى من أفكار فى العالم الآخر، أقصد فى أمريكا وأوروبا، حيث يصل الاجتهاد إلى آفاق لا تخصنا!.

 

مواطنين لا متفرجين


رابط هذا التعليق
شارك

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة
×
×
  • أضف...