اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

تجربة دانمركية مختلفة للشباب


عادل أبوزيد

Recommended Posts

تجربة دنماركية مختلفة للشباب
2014-635310362219338363-933_main.jpg
الشباب الذين تعج بهم المقاهي، أو ينغرسون فى تطرف وعنف أو يمارسون التحرش أو يقضون ساعات طويلة فى حالة استلاب كامل أمام الانترنت، هؤلاء لا تزال الحكومة تتعامل معهم بنفس الآليات السابقة رغم حدوث هبات ثورية مليونية فى أقل من ثلاث سنوات كان الشباب فى طليعتها.
هناك من يظن أن بالإمكان استعادة نموذج «منظمة الشباب» بوصفه وعاء مؤسسيا ايديولوجيا يستوعب قطاعات عريضة من الشباب، وقد نسى هؤلاء أنه منذ ثورة 25 يناير 2011، اهتزت السلطة الأبوية، وسقطت إمكانية توجيه الشباب، ولم يعد أمام المجتمع سوى تمكين الشباب على ممارسة الديمقراطية، هذه تجربة من مجتمع فكر فى تمكين وليس استيعاب الشباب. فى الدنمارك هناك ما يعرف بمدارس تعليم الديمقراطية أندية مجتمعية تستقبل الشباب والشابات، تعود قصة إنشائها إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية حين حرص المجتمع على إيجاد مدارس لتعليم الشباب الديمقراطية حتى لا ينساقوا مرة أخرى وراء الأفكار النازية والفاشية التى قادت أوروبا إلى الحرب والدمار.

العضوية فى «مدرسة الديمقراطية» اختيارية للمرحلة العمرية من سن 13 ـ 25 عاما، هناك موضوعات كثيرة يتعلمها العضو بدءا من اللغات مثل الإنجليزية واليابانية والفرنسية، مرورا بالرياضيات والعلوم، وانتهاء باليوجا، والرقص، وقيادة الدراجات فوق المرتفاعات، إلخ، إدارة النادى صارمة ضد ممارسة أنشطة تراها«مضرة اجتماعيا» بالفتيان والفتيات، منها ألعاب الفيديو، حيث يرى القائمون على الإدارة أنه ليس من ضمن أهداف النادى تحويل أعضائه إلى «أصنام» تقبع بالساعات أمام شاشات وفى أذنها سماعات تقتل الوقت وتنقل لهم مخيلة العنف لا حوار يتدفق بينهم، ولا عمل مشترك يجمعهم.

تظهر الديمقراطية فى الحوار الذى يجريه الشباب فى المشروعات والأنشطة التى يرغبون القيام بها، وتتولد لدى الشخص ثقافة حياتية تقوم على الوعى النقدي، والنظرة المتعلقة للظواهر والرغبة فى تطوير نوعية الحياة وعادة ما يجرى استطلاع رأى الشباب والشابات حول الأنشطة التى يرغبون فيها قبل وضع برنامج العمل على مستوى النادى، فهم مشاركون فاعلون وليسوا متلقين سلبيين. يضم النادى غرفا متعددة: واحدة تستغل كافيتريا، وأخرى للموسيقي، وثالثة استديو، ورابعة للحرف اليدوية، وخامسة مشغلا للفتيات، وسادسة عبارة عن صالة واسعة تستخدم فى تقديم العروض الفنية، وكذلك للممارسة الرياضية، وتعلم الرقص، ويتوافر فى النادى أجهزة ومعدات وآلات تمكن رواده من ممارسة الهواية أو النشاط الذى يرغبون فيه، فمثلا هناك آلات موسيقية، ومعدات ميكانيكية، وكاميرا تصوير فيديو، ومطبخ مجهز، الخ.. ويوفر النادى للشباب والشابات المترددين عليه «الإرشاد النفسي» من خلال الحوار مع متخصص يساعدهم على حل المشكلات التى تواجههم اجتماعيا فى هذه المرحلة العمرية، وتقديم العون لهم لإقامة علاقات اجتماعية صحية، خالية من العقد النفسية، والأمراض الاجتماعية، ومظاهر عدم النضج الشخصي، فى المجتمع المصرى يبحث الشباب فى مناسبات كثيرة عمن يتحدثون إليه، ويفضون إليه بهمومهم ومشكلاتهم، ولا يجدون سوى أصدقائهم يعيدون من خلال العلاقة معهم إنتاج صور وأفكار سلبية.

أطرف ما فى النادى ما يطلق عليه «مقهى الواجب المدرسي» حيث يذهب الفتيان والفتيات إلى النادى فى طريق عودتهم من المدرسة للقيام بالواجبات المدرسية، هناك من يجدون أساتذة متطوعين أو يتقاضون مبالغ بسيطة يساعدونهم على تلك المهمة هنا تبدو ملاحظة مهمة أن شباب الأمس المشاركين فى النادى عادوا إليه أساتذة متطوعين وغير متطوعين مدفوعين بالذكريات الجميلة، والرغبة فى التواصل مع أحد الأماكن التى تعلموا فيها مدفوعين بالرغبة فى رد الجميل.

مجلس إدارة النادى يضم تسعة أشخاص، من بينهم اثنان من الشباب، وبقية الأعضاء يمثلون أحزابا، ومنظمات مجتمع مدني، الخ وإذا كانت انتخابات مجلس الإدارة تجرى كل عامين فإن المقعدين المخصصين للشباب ينتخبان سنويا لضمان مشاركة أفضل من الشباب، وتعد الانتخابات فرصة مهمة لتعميق الديمقراطية، حيث يتقدم المرشحون ببرامج تناقش بشكل علني، وتنظم مساجلات بين المرشحين، وذلك لتمكين الناخبين من اختيار أعضاء مجلس الإدارة بشكل ديمقراطى فى أجواء تنافسية.

يوجد فى مصر 4300 مركز شباب، ويقدر المسئولون أن نحو ربع هذه المراكز يفتقر إلى التجهيزات والإمكانات التى تتيح له العمل بكفاءة لكننى أعتقد أن المشكلة ليست فى الأماكن ولكن فى فلسفة العمل ذاتها، وقد قصدت من الاستعراض المطول لخبرة أندية الديمقراطية فى الدنمارك، والتى شاهدت أحدها على الطبيعة، أن أؤكد أن المسألة ليست صعبة المنال، وفى الأماكن محاكاة تجارب دول أخرى فى مجال بناء الوعى النقدى للشباب، وغرس الديمقراطية ثقافة ممارسة فى وجدانهم وصرف طاقاتهم فى مبادرات تنموية، ومشروعات اجتماعية، وتحسين نظرتهم للحياة، وهى الروح التى كان عليه قطاعات عريضة من الشعب المصرى عقب ثورة 25 يناير لكن لم تجد حكومة تستثمرها، بل على العكس أشاعت الإحباط فى المجتمع، تكمن الاشكالية فى النظرة إلى الشباب: هل هم «زبائن» بالمعنى السياسى يسعى الحكم«لاستيعابهم»، أم هم مشاركون فاعلون نريد الاستثمار فى تكوينهم العلمى والسياسى والثقافي؟ الإجابة تحدد الاتجاه: منظمة ايديولوجية أم أندية مفتوحة لممارسة الديمقراطية.


لمزيد من مقالات د. سامح فوزى

مواطنين لا متفرجين


رابط هذا التعليق
شارك

زائر
هذا الموضوع مغلق.
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة
×
×
  • أضف...