اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

المعوّقُون.


محمود تركى

Recommended Posts

المُعوّقُون.




سأبدأ مقالى اليوم بالحديث عن المُعوّقين, و لن يكون كلامى عن المُعوّق المصرى, , فإن رعاية المعوق و كبير السن فى مصر لا تحتل الأولوية التى يحظى بها المواطن فى بعض البلاد الأخرى .



هل تتذكرون الدكتور طه حسين؟ عميد الأدب المصرى, و وزير التعليم فى فترة الهواء و الماء؟



لقد أصيب بالعمى فى سن الطفولة, و تعلم فى كُتاب القرية , ثم درس فى الأزهر, و سافرا الى فرنسا, و حصل على الدكتوراة من جامعة السربون, كل ذلك رغم أنه كان قد فقد نعمة الإبصار.



وفى إحدى مظاهرات طلبة الجامعة أثناء توليه وزارة المعارف العمومية, ردد بعض الطلبة هتافات تقول: يسقط الوزير الأعمى.( كما يفعل بعض الطلبة تقريبا نفس الشيئ الآن)



و قد كان هذا الهتاف من أقذر الهتافات التى استعملت فى أى مظاهرة طلابية, وأستنكرها أغلب شباب الجامعة, حيث أنه كان أول من طالب بمجانية التعليم الجامعى, و جعل التعليم حق مثل حق الحصول على الماء و الهواء.



و لكن طه حسين لم يفوت الفرصة لكى يرد على هذه الهتافات, فقد قال فى حفل تكريم له فى الجامعة:



الى من نادوا بسقوط الوزير الأعمى, أقول لهم , أحمد الله أنه جعلنى أعمى, حتى لا أرى وجوهكم.



سبب الكلام عن الدكتور طه حسين هو أنى قابلت شخصية مرت بظروف تماثل ظروف الدكتور طه حسين ( باشا).



عندما تم ترشيحى لتدريس القانون فى جامعة ملبورن, طلبوا منى مقابلة البروفوسير ماكريدى, عميد مدرسة الحقوق( أى كلية الحقوق), و كان قد تحدد لى ميعادا, و كنت فى مكتب سكرتيرته فى الساعة المحددة بالضبط.



إبتسمت السكرتيرة, ثم قالت, البروفوسير فى إنتظارك, هل ترغب فى فنجان من الشاى أثناء المقابلة؟ فشكرتها بالقبول.



دخلت حجرة العميد, و رأيته جالسا على مقعده خلف مكتبه, مرتديا نظارة غامقة اللون, ووقف فور دخولى الحجرة, و مد يده الى مصافحا, ثم سألنى بأدب شديد أن أجلس.



و استمرت المقابلة 30 دقيقة, تناولت خلالها فنجان الشاى, و تحدثنا فى أمور الوظيفة و متطلباتها, ثم وقف مادا يده, مصافحا, قائلا:



مرحبا بك فى الفريق.



شكرته, و غادرت مكتبه, وودعتنى السكرتيرة, و قبل مغادرة مكتبها, سألتها: لماذا يرتدى بروفوسير ماكريدى نظارة سوداء رغم أن الإضاءة فى المكتب لم تكن وهاجة؟



فابتسمت,و قالت:



أوه, أنت لا تعرف؟ البروفوسير فقد النظر فى حادثة سيارة منذ كان عمره 10 سنوات.



و تركت مكتب العميد و انا أتذكر الدكتور طه حسين.



إذن لماذا أكتب هذه الكلمات الآن؟



السبب بسيط:



زارنى منذ أسبوعين صديق و زميل سابق من كلية أخرى, وهو أستاذ فى الأدب الإنجليزى, و يصغرنى بحوالى 6 سنوات, و قد تقاعد منذ عشرة سنوات, و كنا نتزاور باستمرار, و لكن فى الفترة الأخيرة, لم أره و لم أسمع منه . فقررت أن أسأل عنه, و فى مكالمة تليفونية, طلبت منه زيارتى حيث أنى, لظروفى الخاصة التى يعلمها الجميع الآن, لم أكن أستطيع زيارته لنتبادل الحديث.



قال صديقى عند زيارته لنا أن الجامعة طلبت منه العودة (بارت تيم) , لكى يقوم بعمل إنسانى مدفوع الأجر:



طلبت الجامعة من صديقى الأستاذ أن يساعد طالب معوق فى إستيعاب بعض الدروس فى الأدب الإنجليزى, لمدة ساعتين , مرتين أسبوعيا, حتى يتمكن من دخول امتحان القبول فى أحد أقسام الكلية.



و الطالب مصاب بعمى جزئى فى عين, و عمى كلى فى الأخرى, و مصاب بضمور فى عضلات الأرجل واليد اليمنى, و يستعمل كرسى متحرك بالكهرباء.



و قال صديقى أنه يقوم بزيارة هذا الطالب فى بيته مرتين كل أسبوع, و كما ذكرت , لمدة ساعتين فى كل زيارة , من الناحية الرسمية , و لكنه يقضى معه أحيانا أربع ساعات, متطوعا بفرق الزمن, لأن ما يقوم به هو واجب إنسانى.



و صرح لى صديقى أنه يعمل وقتا إضافيا فى البيت لكى يُحضّر, و يصحح عمل الطالب المقعد, و لا يتقاضى أجرا عن الساعات الإضافية



بالمناسية, تقوم الجامعة بتحمل كل هذه المصاريف, بما فيها مصاريف انتقاله.



سوف أترك لكم التعليق على هذا.



تقبلوا تحياتى.

تم تعديل بواسطة محمود تركى

مع تحيات محمود تركى..... "متفرج" سابقا

رابط هذا التعليق
شارك

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة
  • الموضوعات المشابهه

    • 0
      دردشة: المعاقون و كبار السن. كتبت سابقا فى “ دردشة” موضوعين, أحدهما عن المعوقين, و الآخر عن المسنين, و فى هذه الحلقة, سأتكلم عن كيف تقوم المحليات هنا فى إنجلترا , بواجبها فى رعاية هذه الفئات, و كيف تجعل الخدمات التى يستحقونا تُقدم لهم بمنتهى الكفاءة, و السرعة, و الإحترام. عند زيارتى الأسبوع الماضى لعائلة زوجتى,( فى بلدة تبعد حوالى 200 ميل من محل إقاماتنا) للإطمئنان على والد زوجتى المعوق ( شلل نصفى) ووالدتها( كبيرة السن) , حضرت الموظفة التى تعطيه الحمام اليومى, و تقص له أظافره عند الضرورة.
    • 17
      المعوقون. سأبدأ دردشتى اليوم بالحديث عن المعوقين, و لن يكون كلامى عن المعوق المصرى, , فإن رعاية المعوق و كبير السن فى مصر لا تحتل الأولوية التى ييحظى بها المواطن فى البلاد الأخرى المتحضرة. هل تتذكرون الدكتور طه حسين؟ عميد الأدب المصرى, و وزير التعليم فى فترة الهواء و الماء؟ لقد ولد أعمى, و تعلم فى كُتاب القرية , ثم درس فى الأزهر, و سافرا الى فرنسا, و حصل على الدكتوراة من جامعة السربون, كل ذلك رغم أنه كان قد فقد نعمة الإبصار. وفى إحدى مظاهرات طلبة الجامعة أثناء توليه وزارة المعارف ال
×
×
  • أضف...