اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

بين الكوميديا الالهيه لدانتى ورساله الغفران للمعرى


إبن مصر

Recommended Posts

الصديق العزيز المحبط ،، أشكرك جدا على توضيحاتك ،، وهل يمكن أن تدلني من أين يمكن أن أشتري الكتيب الذي نشرته والدتك الفاضلة إذا كان قد اعيد طبعه مؤخرا jmb-)

صديقنا العزيز ابن مصر صاحب الفضل في فتح هذا الموضوع الغني ،،، (مش عارفة ليه مافيش وش واحد طماع) في إنتظار مداخلتك القيمة عن رسالة الغفران cl:

حقيقي يا جماعة أنا سعيدة جدا بالموضوع ده jmb-) jmb-)

رابط هذا التعليق
شارك

لا يزال نص "رسالة الغفران" الذي يحتل مكانا بارزا في ابداع الفيلسوف والشاعر العربي الأشهر أبي العلاء المعرى، كما يحتل مكانا بارزا في "أدب الرحلة الى العالم الآخر" في التراث العربي والعالمي، لا يزال هذا النص الملغز والمعجز يحتاج من الدارسين والباحثين المعاصرين الى فطنة خاصة وموهبة بحثية ونقدية حتى تحل شفرة هذا النص ذي الوجوه المتعددة، وحتى يكشف عن معناه ومغراه الحقيقي. وفي هذا الاطار من الشوق المعرفي والرغبة، في التغلب على التحدي الذي تشكله "رسالة الغفران" للباحثين كي ينفذوا من "تلك الطرافة الفائقة الكثيفة التي تصل الى حد العنف عند ابي العلا.

ونجد اننا مدفوعوةن بعنف عند القراءه الى توجيه عده اسئله «ما الذي كان يعنيه ابو العلاء على وجه الدقة ؟» ماذا كان يقصد برسالة الغفران، هل هناك مجال لمقارنه رسالة الغفران بأدب الرحلة للعالم الآخر في النصوص السابقة عليها والتي عرفتها الآداب العالمية المختلفة، مع مقارنة خاصة برحلة القديس سان براندان “le voyage de saint Brandan” التي كانت تروى شفافيا في القرن السادس الميلادي، وترجع أقدم مخطوطة لها إلى القرن الحادي عشر الميلادي. والقديس براندان راهب ايرلندي نسبت اليه رحلة أدبية خيالية الى «الجنة الأرضية» وهو وان عاش في نهاية القرن السادس الميلادي (ت 583) الا أن روايته لم تنتشر في أوروبا في العصور الوسطى بعد ترجمتها الى اللغات الاوروبية القديمة. وهي رحلة يمر القديس ورفاقه خلالها بسلسلة من المغامرات والعقبات طوال السنوات السبع التي تستغرقها الرحلة حتى يصلوا إلى الجنة الأرضية «التي يقال انها تحمل أوصاف القارة الامريكية.. والنصان: «رسالة الغفران» و«رحلة القديس براندان» ينتميان الى أدب القرنين العاشر والحادي عشر الميلاديين.. حيث كتب أبو العلاء رسالته، ودونت رحلة الراهب الايرلندي.

نبدأ اولا بالقاء الضوء على من هو المعرى

ولد أبو العلاء بمعرة النعمان القريبة من مدينة حلب السورية عام 363هـ وتوفي بها عام 449هـ في أسرة عربية عريقة، كان منها أكثر علماء وقضاة وشعراء المعرة. وأصيب وهو في الرابعة من عمره بالجدري الذي فقد بصره بسببه. وتلقى العلم - على عادة عصره - على أبيه وعلى أئمة علماء الدين واللغة والأدب، ثم قام برحلة إلى عاصمة الخلافة بغداد التقى فيها بكبار الفقهاء والعلماء والأدباء، لمدة ثمانية عشر شهرا ثم عاد الى بلدته وقد قرر ان يعتزل الحياة والناس، وفرض على نفسه نظاما صارما في المأكل والملبس، مقتصرا في طعامه على ما تنبت الأرض وفي ثيابه وفراشه على الخشن واليسير و«له وقف لا يأخذ منه الا ما يسد به حاجة قوته، ويوزع على الناس كل ماله، فلا يمنع نعمته أحدا». وفي عزلته الاختيارية انصرف الى التأليف والتعليم لا يأخذ عنهما أجرا، والتف حوله العديد من التلاميذ الذين عوذوا فضله ونبوغه من القضاة والأئمة والخطباء وأهل التبحر والديانات ونستطيع ان نلمس هنا البدايه التى بدأها واختلاطه باصحاب الديانا مما اثر على ثقافته النقليه تأثير بالغ . وكان يجلس حوله أكثر من مائتي رجل قادمين اليه من مختلف البلدان يسمعون منه ويكتبون عنه، واشتهر أبو العلاء المعرى في الثقافة العربية والعالمية بحياته الغريبة. فقد آثر الغرابة والاختلاف مع الكثير في العالم الذي يحيط به.. فهو زاهد متعبد مؤمن بالله الواحد الأحد، وهو منكر للتدين الشكلي ولنفاق الفقهاء وغلاة الصوفية، مثلما هو رافض للملاحدة، وناقد لاذع للمعتمدين في علوم الدين على النقل والرواية، والمعتمدين على العقل والتأمل الفلسفي معا. لقد كان يبدو في نظر كثير من معاصريه، مثلما يبدو في نظر كثيرين الآن، واحدا ضد الجميع، يصدق عليه ما قاله عن الانسان عامة: «والذي حارت البرية فيه.. حيوان مستحدث من جماد» لقد رآه البعض مفكرا وأديبا متفردا في زمانه، وكل الأزمنة، وفتن بابداعه كثيرون في عصره وعصرنا، فرأوا فيه أعظم شاعر في تاريخ الثقافة العربية قديما وحديثا، وواحدا من عبقريات الثقافة العالمية، وبالطبع فقد نزل به آخرون الى الحضيض، فهو "لا عقل له ولا دين، وهو متحذلق دعي، متظاهر بالحكمة" وهو:

كلب عوى بمعرة النعمان

لما خلا عن ربقة الإيمان

أمعرة النعمان ما أنجبت إذ

أخرجت منك معرة العميان!

وقد اتفق القدماء على سعة علمه، ولكنهم تناقضوا في الموقف من عقيدته، فهو ملحد، زنديق، كافر، عند فريق (ابن كثير -ابن عقيل - العيني - ابن الجوزي) وهو ناسك، ورع، زاهد عابد (ابن العديم -أبو اليسر المعري - العباسي المكي) ويعده الامام الغزالي وليا من أوليا، الله الصالحين !

فأبو العلاء:

- يراوح بين الحيرة والشك والضلال.

- وهو مختلف الأحوال يصل أحيانا الى الجنون والعته والحمق.

- وهو تائب ارعوي وحسن اسلامه في آخر عمره.

- وهو مكذوب عليه، تعمل تلامذته على لسانه الأشعار، يضمنونها أقوال الملاحدة قصدا لهلاكه وحسدا لفضله.

- أو: انه كان يقول ذلك مجونا ولعبا، ويقول بلسانه ما ليس في قلبه، وقد كان باطنه مسلما.

- والناس في أبي العلاء مختلفون، فمنهم من يقول: انه كان زنديقا.. ومنهم من يقول: كان زاهدا عابدا، يأخذ نفسا بالرياضة والخشونة والقناعة باليسير، والاعراض عن اعراض الدنيا.

- مارق عن الاسلام السني ينحو نحو التشيع.

- يذهب مذهب الهنود البراهمة، في إثبات الصانع، وإنكار الرسل، وتحريم أكل الحيوانات وإيذائها.

- قد شككه راهب في دينه.

- صاحب زهد فلسفي، يرى رأي الحكماء وأوائل الفلاسفة، في أن ايجاد الولد واخراجه الى هذا العالم جناية عليه لأنه يعرضه للحوادث والآفات.

يتبع

إن ربا كفاك بالأمس ما كان.... يكفيك فى الغد ما سوف يكون

 

رابط هذا التعليق
شارك

الصديق العزيز المحبط ،، أشكرك جدا على توضيحاتك ،، وهل يمكن أن تدلني من أين يمكن أن أشتري الكتيب الذي نشرته والدتك الفاضلة إذا كان قد اعيد طبعه مؤخرا

الكتيّب قامت والدتى بإعداده و طباعته لمزاجها الشخصى وليس للتداول فى الأسواق (ولذلك لم تقم بطباعة سوى بضع عشرات منه)

سأكون بمصر فى أجازة مع مطلع الصيف , فكّرينى بس فى شهر مايو علشان لمّا أنزل مصر أروح بيت العيلة أدعبس ليكى على الكتيّب فى مكتبة والدتى , ولو هناك رقم فاكس خاص بكِ إرسليه لى عندما تذكّرينى فى مايو حتى أرسل لك الكتيّب بالفاكس (للأسف ماعنديش سكانّر)

<span style='font-family: Traditional Arabic'><span style='font-size:15pt;line-height:100%'><strong class='bbc'>إن أخشى ما أخشاه هو :<br /><br />أن تصبح الخيانة يوما ما.....مجرّد.....وجهة نظر</strong></span></span><br /><br /><br /><br /><img src='http://www.egyptiantalks.org/images_temp/moir.gif'alt='صورة' class='bbc_img' />

رابط هذا التعليق
شارك

  • بعد 2 سنة...

ومن مصادر اخرى نستطيع أن نلخص نشاه وقصه حياه المعرى فى السطور القليله القادمه مع اهم محطات حياته.

نشأ "أبو العلاء المعري" في أسرة مرموقة تنتمي إلى قبيلة "تنوخ" العربية، التي يصل نسبها إلى "يَعرُب بن قحطان" جدّ العرب العاربة.

ويصف المؤرخون تلك القبيلة بأنها من أكثر قبائل العرب مناقب وحسبًا، وقد كان لهم دور كبير في حروب المسلمين، وكان أبناؤها من أكثر جند الفتوحات الإسلامية عددًا، وأشدهم بلاءً في قتال الفرس.

وُلد أبو العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان في بلدة "معرَّة النعمان" من أعمال "حلب" بشمال "سوريا" في (27 من ربيع الأول 363هـ = 26 من ديسمبر 1973م).

ونشأ في بيت علم وفضل ورياسة متصل المجد، فجدُّه "سليمان بن أحمد" كان قاضي "المعرَّة"، وولي قضاء "حمص"، ووالده "عبد الله" كان شاعرًا، وقد تولى قضاء المعرَّة وحمص خلفًا لأبيه بعد موته، أمَّا أخوه الأكبر محمد بن عبد الله (355 - 430هـ = 966 – 1039م) فقد كان شاعرًا مُجيدًا، وأخوه الأصغر "عبد الواحد بن عبد الله" (371 – 405هـ = 981 - 1014م) كان شاعرًا أيضًا.

محنة في محنة

وعندما بلغ أبو العلاء الثالثة من عمره أُصيب بالجدري، وقد أدَّى ذلك إلى فقد بصره في إحدى عينيه، وما لبث أن فقد عينه الأخرى بعد ذلك.

ولكن هذا البلاء على قسوته، وتلك المحنة على شدتها لم تُوهِن عزيمته، ولم تفُتّ في عضده، ولم تمنعه إعاقته عن طلب العلم، وتحدي تلك الظروف الصعبة التي مرَّ بها، فصرف نفسه وهمته إلى طب العلم ودراسة فنون اللغة والأدب والقراءة والحديث.

فقرأ القرآن على جماعة من الشيوخ، وسمع الحديث عن أبيه وجدِّه وأخيه الأكبر وجدَّتِه "أم سلمة بنت الحسن بن إسحاق"، وعدد من الشيوخ، مثل: "أبي زكريا يحيى بن مسعر المعري"، و"أبي الفرج عبد الصمد الضرير الحمصي"، و"أبي عمرو عثمان الطرسوسي".

وتلقَّى علوم اللغة والنحو على يد أبيه وعلى جماعة من اللغويين والنحاة بمعرَّة النعمان، مثل: "أبي بكر بن مسعود النحوي"، وبعض أصحاب "ابن خالوية".

وكان لذكائه ونبوغه أكبر الأثر في تشجيع أبيه على إرساله إلى "حلب" – حيث يعيش أخواله – ليتلقى العلم على عدد من علمائها، وهناك التقى بالنحوي "محمد بن عبد الله بن سعد" الذي كان راوية لشعر "المتنبي"، ومن خلاله تعرَّف على شعر "المتنبي" وتوثقت علاقته به.

ولكن نَهَم "أبي العلاء" إلى العلم والمعرفة لم يقف به عند "حلب"، فانطلق إلى "طرابلس" الشام؛ ليروى ظمأه من العلم في خزائن الكتب الموقوفة بها، كما وصل إلى "أنطاكية"، وتردد على خزائن كتبها ينهل منها ويحفظ ما فيها.

وقد حباه الله تعالى حافظة قوية؛ فكان آية في الذكاء المفرط وقوة الحافظة، حتى إنه كان يحفظ ما يُقرأ عليه مرّة واحدة، ويتلوه كأنه يحفظه من قبل، ويُروى أن بعض أهل حلب سمعوا به وبذكائه وحفظه – على صغر سنه – فأرادوا أن يمتحنوه؛ فأخذ كل واحد منهم ينشده بيتًا، وهو يرد عليه ببيت من حفظه على قافيته، حتى نفد كل ما يحفظونه من أشعار، فاقترح عليهم أن ينشدوه أبياتًا ويجيبهم بأبيات من نظمه على قافيتها، فظل كل واحد منهم ينشده، وهو يجيب حتى قطعهم جمعيًا.

بين اليأس والرجاء

عاد "أبو العلاء" إلى "معرة النعمان" بعد أن قضى شطرًا من حياته في "الشام" يطلب العلم على أعلامها، ويرتاد مكتباتها.

وما لبث أبوه أن تُوفي، فامتحن أبو العلاء باليُتم، وهو ما يزال غلامًا في الرابعة عشرة من عمره، فقال يرثي أباه:

أبي حكمت فيه الليالي ولم تزل | رماحُ المنايا قادراتٍ على الطعْنِ

مضى طاهرَ الجثمانِ والنفسِ والكرى | وسُهد المنى والجيب والذيل والرُّدْنِ

وبعد وفاة أبيه عاوده الحنين إلى الرحلة في طلب العلم، ودفعه طموحه إلى التفكير في الارتحال إلى بغداد، فاستأذن أمه في السفر، فأذنت له بعد أن شعرت بصدق عزمه على السفر، فشد رحاله إليها عام (398هـ = 1007م).

نجم يسطع في سماء "بغداد"

واتصل "أبو العلاء" في بغداد بخازن دار الكتب هناك "عبد السلام البصري"، وبدأ نجمه يلمع بها، حتى أضحى من شعرائها المعدودين وعلمائها المبرزين؛ مما أثار عليه موجدة بعض أقرانه ونقمة حساده، فأطلقوا ألسنتهم عليه بالأقاويل، وأثاروا حوله زوابع من الفتن والاتهامات بالكفر والزندقة، وحرّضوا عليه الفقهاء والحكام، ولكن ذلك لم يدفعه إلى اليأس أو الانزواء، وإنما كان يتصدى لتلك الدعاوى بقوة وحزم، ساخرًا من جهل حساده، مؤكدًا إيمانه بالله تعالى ورضاه بقضائه، فيقول تارة:

غَرِيَتْ بذمِّي أمةٌ | وبحمدِ خالقِها غريتُ

وعبدتُ ربِّي ما استطعـ | ـتُ، ومن بريته برِيتُ

ويقول تارة أخرى:

خُلِقَ الناسُ للبقاء فضلَّت | أمةٌ يحسبونهم للنفادِ

إنما ينقلون من دار أعما | لٍ إلى دار شقوة أو رشادِ

ولم يكن أبو العلاء بمعزل عن المشاركة في الحياة الاجتماعية والفكرية في عصره؛ فنراه يشارك بقصائده الحماسية في تسجيل المعارك بين العرب والروم، كما يعبر عن ضيقه وتبرمه بفساد عصره واختلال القيم والموازين فيه، ويكشف عن كثير مما ظهر في عصره من صراعات فكرية ومذهبية، كما يسجل ظهور بعض الطوائف والمذاهب والأفكار الدينية والسياسية.

وقد عرف له أهل بغداد فضله ومكانته؛ فكانوا يعرضون عليه أموالهم، ويلحُّون عليه في قبولها، ولكنه كان يأبى متعففًا، ويردها متأنفًا، بالرغم من رقة حالة، وحاجته الشديدة إلى المال، ويقول في ذلك:

لا أطلبُ الأرزاقَ والمو | لى يفيضُ عليَّ رزقي

إن أُعطَ بعضَ القوتِ أعـ | ـلم أنَّ ذلك فوق حقي

وكان برغم ذلك راضيًا قانعًا، يحمد الله على السراء والضراء، وقد يرى في البلاء نعمة تستحق حمد الخالق عليها فيقول:

"أنا أحمد الله على العمى، كما يحمده غيري على البصر".

رسالة الغفران

لم يطل المقام بأبي العلاء في بغداد طويلاً؛ إذ إنه دخل في خصومة مع "المرتضي العلوي" أخي "الشريف الرضي"، بسبب تعصب "المعري" للمتنبي وتحامل المرتضي عليه؛ فقد كان أبو العلاء في مجلس المرتضي ذات يوم، وجاء ذكر المتنبي، فتنقصه المرتضي وأخذ يتتبع عيوبه ويذكر سرقاته الشعرية، فقال أبو العلاء: لو لم يكن للمتنبي من الشعر إلا قصيدته: "لك يا منازل في القلوب منازل" لكفاه فضلاً.

فغضب المرتضي، وأمر به؛ فسُحب من رجليه حتى أُخرج مهانًا من مجلسه، والتفت لجلسائه قائلاً: أتدرون أي شيء أراد الأعمى بذكر تلك القصيدة؟ فإن للمتنبي ما هو أجود منها لم يذكره. قالوا: النقيب السيد أعرف! فقال: إنما أراد قوله:

وإذا أتتك مذمَّتي من ناقص | فهي الشهادة لي بأنِّي كامل

وفي تلك الأثناء جاءت الأخبار إلى أبي العلاء بمرض أمه، فسارع بالرجوع إلى موطنه بعد نحو عام ونصف العام من إقامته في بغداد.

العودة إلى الوطن

غادر أبو العلاء بغداد في (24 من رمضان 400 هـ = 11 من مايو 1***م)، وكانت رحلة العودة شاقة مضنية، جمعت إلى أخطار الطريق وعناء السفر أثقال انكسار نفسه، ووطأة همومه وأحزانه، وعندما وصل أبو العلاء إلى بلدته كانت هناك مفاجأة قاسية في انتظاره.. لقد تُوفِّيت أمه وهو في طريق عودته إليها.

ورثاها أبو العلاء بقصيدة تقطُر لوعة وحزنًا، وتفيض بالوجد والأسى. يقول فيها:

لا بارك الله في الدنيا إذا انقطعت | أسباب دنياكِ من أسباب دنياناولزم داره معتزلاً الناس، وأطلق على نفسه "رهين المحبسين"، وظلَّ على ذلك نحو أربعين عامًا، لم يغادر خلالها داره إلا مرة واحدة، عندما دعاه قومه ليشفع لهم عند "أسد الدولة بن صالح بن مرداس" - صاحب حلب - وكان قد خرج بجيشه إلى "المعرة" بين عامي (417،418هـ = 1026،1027م)؛ ليخمد حركة عصيان أهلها، فخرج أبو العلاء، متوكئا على رجُل من قومه، فلما علم صالح بقدومه إليه أمر بوقف القتال، وأحسن استقباله وأكرمه، ثم سأله حاجته، فقال أبو العلاء:

قضيت في منزلي برهةً | سَتِير العيوب فقيد الحسد

فلما مضى العمر إلا الأقل | وهمَّ لروحي فراق الجسد

بُعثت شفيعًا إلى صالح | وذاك من القوم رأي فسد

فيسمع منِّي سجع الحمام | وأسمع منه زئير الأسد

فقال صالح: بل نحن الذين تسمع منَّا سجع الحمام، وأنت الذي نسمع منه زئير الأسد. ثم أمر بخيامه فوضعت، ورحل عن "المعرة".

أبو العلاء النباتي

وكان أبو العلاء يأخذ نفسه بالشدة، فلم يسع في طلب المال بقدر ما شغل نفسه بطلب العلم، وهو يقول في ذلك:

"وأحلف ما سافرت أستكثر من النشب، ولا أتكثر بلقاء الرجال، ولكن آثرت الإقامة بدار العلم، فشاهدت أنفس مكان لم يسعف الزمن بإقامتي فيه".

ويُعدُّ أبو العلاء من أشهر النباتيين عبر التاريخ؛ فقد امتنع عن أكل اللحم والبيض واللبن، واكتفى بتناول الفاكهة والبقول وغيرها مما تنبت الأرض.

وقد اتخذ بعض أعدائه من ذلك المسلك مدخلاً للطعن عليه وتجريحه وتسديد التهم إليه، ومحاولة تأويل ذلك بما يشكك في دينه ويطعن في عقيدته.

وهو يبرر ذلك برقة حاله وضيق ذات يده، وملاءمته لصحته فيقول:

"ومما حثني على ترك أكل الحيوان أن الذي لي في السنة نيِّفٌ وعشرون دينارًا، فإذا أخذ خادمي بعض ما يجب بقي لي ما لا يعجب، فاقتصرت على فول وبلسن، وما لا يعذب على الألسن.. ولست أريد في رزقي زيادة ولا لسقمي عيادة".

وعندما كثر إلحاح أهل الفضل والعلم على أبي العلاء في استزارته، وأبت به مروءته أن يرد طلبهم أو يقطع رجاءهم، وهم المحبون له، العارفون لقدره ومنزلته، المعترفون بفضله ومكانته؛ فتح باب داره لا يخرج منه إلى الناس، وإنما ليدخل إليه هؤلاء المريدون.

فأصبح داره منارة للعلم يؤمها الأدباء والعلماء، وطلاب العلم من كافة الأنحاء، فكان يقضي يومه بين التدريس والإملاء، فإذا خلا بنفسه فللعبادة والتأمل والدعاء.

وكما لم تلن الحياة لأبي العلاء يومًا في حياته، فإنها أيضًا كانت قاسية عند النهاية؛ فقد اعتلّ شيخ المعرَّة أيامًا ثلاثة، لم تبق من جسده الواهن النحيل إلا شبحًا يحتضر في خشوع وسكون، حتى أسلم الروح في (3 من ربيع الأول 449هـ = 10 من مايو 1057م) عن عمر بلغ 86 عامًا.

آثار أبي العلاء

وقد ترك أبو العلاء تراثًا عظيمًا من الشعر والأدب والفلسفة، ظل موردًا لا ينضب للدارسين والباحثين على مر العصور، وكان له أكبر الأثر في فكر وعقل كثير من المفكرين والعلماء والأدباء في شتى الأنحاء، ومن أهم تلك الآثار:

- رسالة الغفران: التي ألهبت خيال كثير من الأدباء والشعراء على مَرِّ الزمان، والتي تأثر بها "دانتي" في ثُلاثيته الشهيرة "الكوميديا الإلهية".

- سقط الزند: وهو يجمع شعر أبي العلاء في شبابه، والذي استحق به أن يوصف بحق أنه خليفة المتنبي.

- لزوم ما لا يلزم (اللزوميات)، وهو شعره الذي قاله في كهولته، وقد أجاد فيه وأكثر بشكل لم يبلغه أحد بعده، حتى بلغ نحو (13) ألف بيت.

ما سبق كان تجميعا من اكثر من موقع ومصدر لهم الفضل فى تلخيص حياه ونشاه ابى العلاء بهذا الشكل فلهم جزيل الشكر.

إن ربا كفاك بالأمس ما كان.... يكفيك فى الغد ما سوف يكون

 

رابط هذا التعليق
شارك

  • بعد 2 سنة...
  • بعد 1 شهر...




 

الله الله..


من أجمل ما قرأت حتى الآن في المنتدى..



منذ يومين قرأت محاضرة لفضيلة الشيخ الدكتور/ عائق القرني تحت عنوان "الصراع بين الإيمان والإلحاد".. على موقع اسلام ويب..


ذكر فيها أن بعض المؤرخين قالوا إن أبو العلاء كان ملحداً مشككاً في الاسلام..




ودللوا على إلحاده بقوله، يخاطب الله عز وجل، معترضا:


ونهيت عن قتل النفوس تعمداً حتى بعثت لقتلها ملكين

وزعمت أن لها معاداً ثانياً ما كان أغناها عن الحالين




اليوم قرأت سيرة حياة أبو العلاء على الويكيبديا.. وقرأت بعض أشعاره.. وسبحان الله أتصفح الآن المنتدى بالصدفة فأقع على هذه المعلومات القيمة..



بعد قراءتي لهذا الموضوع الرائع.. أستطيع القول أني تعلمت الكثير...


شكر الله لك أختنا ضحا.. على إيقاظ هذا الموضوع من نومه في الأرشيف!


جزيتم خيرا أخوتي جميعا..

رابط هذا التعليق
شارك

  • بعد 5 سنة...

موضوع دسم يستحق القراءة و إعادة القراءة و يستحق أن يستكمل

مواطنين لا متفرجين


رابط هذا التعليق
شارك

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة
×
×
  • أضف...