اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

الفقه الإسلامى أم الفقه الوضعى؟


Sharkiah

Recommended Posts

طارق البشري

كثيرا ما يثار أن الفقه الإسلامي يحتاج إلي التجديد‏,‏ ويوصم بالجمود‏,‏ لأن نصوصه ثابتة‏,‏ وأحكامه وردت إلينا من هذه النصوص الثابتة التي اشتملها القرآن الكريم وسنة المصطفي عليه الصلاة والسلام‏.‏ ويقارن هذا الأمر مع الفقه الوضعي الذي يتغير مع اختلاف الزمان والحاجة والظروف الاجتماعية‏,‏ هذه المقولة تحتاج إلي وقفة وشرح‏,‏ فالفقه الإسلامي لا يحتاج إلي التجديد في أصوله مثلما يحتاج إلي ذلك الفقه الوضعي‏..‏ لماذا؟؟

عندما كنا ندرس القانون المدني الوضعي في كلية الحقوق وبعدها‏,‏ كانت الكتب تشير دائما في شروحها إلي القانون الفرنسي‏,‏ وهو المصدر الذي كان قد أخذ عنه القانون المدني المصري في ‏1883,‏ ثم استمر للقانون الفرنسي أثر ثقافي لدي أساتذة القانون الذين اضطرد سفرهم في دراساتهم العليا في فرنسا‏,‏ رغم أن السياسة التشريعية في مصر‏,‏ عدلت منذ أواخر الأربعينيات من القرن العشرين ـ عن أن تكتفي بالقانون الفرنسي مصدرا لتشريعاتها الكبري‏. في ذلك الوقت المبكر من دراستي للقانون المدني في أوائل الخمسينيات ,‏ لاحظت أن نصوصا فرنسية كانت تفسر عند صدورها في بداية القرن التاسع عشر بعكس ما صارت تفسر به في نهايات القرن ذاته‏.‏ وقد استوقفني وقتها قول للدكتورعبدالرازق السنهوري رحمه الله ,‏ ذكر به في سطر واحد أن الظروف الاجتماعية في نهاية القرن هي ما أدت إلي تغيير التفسير علي هذا النحو الواسع‏.‏

كان يتحدث عن مسئولية صاحب الآلة الميكانيكية عما تحدثه من إصابات للعامل الذي يديرها ,‏ في بداية القرن كان لابد أن يثبت العامل إهمال صاحب الآلة أو خطأه في صيانتها وتشغيلها حتي يستحق العامل التعويض عن الإصابة ,‏ وفي نهاية القرن صار صاحب الآلة مسئولا عن التعويض بموجب ما سمي بالخطأ المفترض أي دون حاجة ليثبت خطأه وإهماله‏.

النص القانوني في التقنين المدني الفرنسي هو هو ,‏ لم يتغير ولم يتعدل‏ ولكن التفسير هو الذي تغير وتعدل ,‏ والسبب في ذلك كما قالها الدكتور السنهوري في سطرين اثنين ,‏ إن الظروف تغيرت‏ وأنه في أوائل القرن كان أصحاب الآلات يحتاجون إلي تشجيع‏ وفي نهايته قويت الحركة العمالية التي تحمي حقوقهم‏.

فقد قالوا بفكرة الخطأ المفترض أي أن صاحب الآلة لابد أن يكون مخطئا إلا إذا أثبت هو أنه لم يكن مخطئا ‏,‏ وكيف يثبت ذلك؟ قالوا إنه يتعين أن يثبت أن الإصابة حدثت بفعل العامل أو المصاب نفسه ‏,‏ وأنها حدثت بفعل طرف ثالث غير صاحب الآلة والمصاب ‏,‏ أو أنها كانت ـ قوة قاهرة ـ يستحيل درؤها‏.‏ هذه حيلة قانونية صاغتها العقلية الفقهية والقضائية ‏,‏ وهي تفضي إلي موقف إنساني لصالح الطرف الضعيف‏ ,‏ ولكنها تظل حيلة قانونية وصياغة فكرية تكاد أن تكون صورية غير واقعية ‏,‏ وقد أفضت إلي عكس ما يصرح به النص‏.‏

الفقه الإسلامي في عمومه‏,‏ لا يحتاج إلي هذه الافترضات ولا إلي التصورات الصورية ‏,‏ لكي يحقق العدالة‏ ,‏ ولكي يقف مع الضعيف‏.‏ وفي صدد المثل السابق يكفيه أن يستخلص من أصوله المرجعية في الشريعة الإسلامية قاعدة فقهية مفادها أن الغرم بالغنم وأنه إن كان لك نفع الشيء فعليك تبعته كذلك‏.‏ أي عليك أن تعوض المضرور من الشيء الذي تنتفع به‏.‏

والفقه الإسلامي لا ينظر إلي الظلم علي أنه مبرر وسائغ في أحيان وأوقات معينة ‏,‏ كما نظر الفقه والقضاء الفرنسي إلي حماية صاحب الآلة تشجيعا لاستخدامه للآلة‏ ,‏ وإن كان ذلك علي حساب العمال ‏,‏ ثم لا يعدل بنظرته إلي صالح الطرف الضعيف إلا بعد أن يكون الضعيف قد قوي فعلا ‏,‏ وصار إلي حركة اجتماعية انصاع إليها الفقه والقضاء‏.

ذلك أن الفقه الإسلامي ‏,‏ يصدر عن مرجعية دينية ويصدر عن نصوص وأحكام ثابتة وردت إلينا من الغيب ‏,‏ وهي القرآن الكريم وسنة النبي صلي الله عليه وسلم ‏,‏ والخطاب بهذه النصوص يرد من الغيب إلي البشر جميعا وهو يقف دائما مع الضعيف ليأخذ الحق له‏.

ونحن نعرف أن النظام القانوني في أي مجتمع إنما يعتمد في تقرير أحكامه وصياغة نظام الحقوق في المجتمع‏,‏ يعتمد في ذلك علي مبدأين أو أصلين ‏,‏ أولهما قيم العدالة والمساواة والأخلاق السائدة في المجتمع ‏,‏ وثانيهما استقرار الأوضاع في المجتمع واستقرار الحقوق‏.‏ ومن المزج بين هذين الأصلين تتقرر حقوقه وتتحدد أساليب تعاملاته‏.‏

ومن هذه البداية ‏,‏ يتقرر فارق حاسم بين فقه الشريعة الإسلامية وبين فقه القانون الوضعي الذي أخذناه عن الغرب ‏,‏ الفقه الغربي يعطي أولوية لمبدأ استقرار الأوضاع أو ما يمكن أن نسميه الأمر الواقع ‏,‏ وإن كان جانب القيم الخاصة بالعدالة والأخلاق وغيرها موجودة لديه ولكن نسبتها تقل نوعا ما ‏,‏ وهي تتواري أحيانا أمام مبدأ الأمر الواقع الذي يسمي بأنه استقرار الأوضاع ‏,‏ لذلك نجد في الفقه الغربي مبدأ اكتساب الملكية بوضع اليد لمدة طويلة ‏,‏ أصلا مستقرا وثابتا ‏,‏ ووضع اليد هنا هو نوع من الغصب توافر له الهدوء والاستقرار ‏,‏ هنا يتحول الأمر الواقع إلي حق ‏,‏ والأمر الواقع بطبيعة الحال عادة ما تفرضه القوة ‏,‏ ومن ثم تصير المعادلة هي القوة وهي تفضي إلي الأمر الواقع وهو يفضي إلي الحق‏.‏ ولذلك لا يجد الفقه والقضاء الوضعي أنفة في أن لا يعترف بحق المصاب من الآلة في التعويض ‏,‏ تشجيعا لصاحب الآلة علي امتلاكها ‏,‏ ولم يتحول إلي مراعاة حق المصاب إلا بعد أن وقفت قوة اجتماعية يخشي بأسها تدافع عن هذا الحق‏ ,‏ وعلي العكس فإن الفقه الإسلامي يقر من أول أعماله له أن من انتفع بشيء فعليه تبعة هذا الشيء جزاء وفاقا ‏,‏ كما أنه لا يكاد يعترف بحق مبعثه الأمر الواقع إلا أن يظهر ولو ضمنا سماح ‏,‏ أو ترك ‏,‏ ممن يمكن أن يكون صاحب‏.‏

ثمة جانب آخر يتصل باختلاف أساسي بين الفقهين ‏,‏ فإن النظرية الإسلامية للفقه الإسلامي تبدأ نظمها ونسقها المعرفي بأن الحسن والقبح مصدرهما النص والحكم المنزل من الله سبحانه ‏,‏ سواء بالقرآن الكريم أم بالسنة الشريفة‏.‏

ونحن لا نكتفي بالقول بأن الإرادة الإنسانية هي مصدر الالتزام بالعقود مثلا ‏,‏ ولا نكتفي بالقول بأن حرمة ملك المالك أساسها فقط أن الملكية حق مقدس ‏,‏ إنما نقول إن أساس الالتزام في العقود بالإرادة الإنسانية أن الله سبحانه أمرنا بأن نوفي بالعقود ‏,‏ وأن أساس احترام ملك غيرنا أن الشارع الحكيم جعل لملك الإنسان حرمة كحرمة دمه‏.‏ أما في القانون الوضعي وفقهه‏,‏ فإن النظرية المعرفية للمنهج الوضعي ‏,‏ تبدأ مسلمتها الأولي بأن العقل هو مصدر معرفة الحسن والقيم ‏,‏ والعقل المقصود هنا هو العقل البشري في زمانه هذا ومكانه هذا ‏,‏ لأن الإنسان هو الحقيقة الأولي التي يريد التيقن عنها ويبدأ بها‏.‏ ويتفرع علي ذلك أن الوفاء بالعقود وهدره مبدأ مطلق وضعه الإنسان هو سلطان الإرادة الإنسانية ‏,‏ واحترام ملكية غيرنا أساسه قداسة حق الملكية الفردية حسبما تفتق عنه الوعي الإنساني‏.‏

يتفرع من هذا الخلاف أمر هام جدا‏,‏ وهو أنه في النظر الفقهي الإسلامي‏,‏ فإن الإرادة الإنسانية ليست هي المصدر الأول للالتزام ‏,‏ لأنها ما اكتسبت حجيتها وقوتها إلا بجعل من الله سبحانه وما قدرت علي إنشاء الالتزام إلا بأمر الله سبحانه لنا بأن نفي بالعقود ‏,‏ فالإرادة هنا مشروطة وليست شارطة ‏,‏ ولأنها لا تكتسب حجيتها إلا لأن الله سبحانه أمرنا بالوفاء بالعهود ‏,‏ فإنها لابد لكي تكسب هذه الحجية أن تكون جارية في إطار أوامر الله ونواهيه ‏,‏ ولا عبرة لها ولا احترام إن تجاوزت ذلك وخالفت أمرا للقرآن أو للسنة أو نهيا لأيهما‏.‏

وكذلك الشأن بالنسبة للملكية وحمايتها ‏,‏ فهي ليست محمية إلا في إطار ما تؤديه حقا لله سبحانه وللجماعة‏.‏ وهي من أصلها مقيدة بكونها استخلافا من الله سبحانه لعباده علي الشيء المستخلف ‏,‏ وهي أمانة وليست حقا فقط‏.‏

أما النظرية الفقهية للقانون الوضعي ‏,‏ فهي تجعل الإرادة هي الحق الأول أو المصدر الأول ‏,‏ ومن ثم فهي تطلقها وتعبر عن ذلك بعبارة سلطان الإرادة‏ ,‏ ثم تفاجأ بعد ذلك بأن هذه الإرادة الطليقة تمارس أحيانا الظلم وترتكب الغش وتمارس الغضب والقهر ‏,‏ فيبدأ الفقه يوضع قواعد أخري من خارج هذه الإرادة الطليقة ليقف دونها ويقلم أظافرها ‏,‏ ويفترض الافتراضات ويضع التصاوير الصورية‏..‏ ليحد من غلواء ما أطلقه هو بنفسه أولا‏.‏ وكذلك الشأن بالنسبة للملكية يطلقها لأنها عنده حق مقدس ومصدر أصلي‏ ,‏ ثم عندما يلحظ سوء إعمالها بما يضر غيرنا والمجتمع‏ ,‏ يضع عليها القيود من خارجها‏ ,‏ وهذا الفقه لم يصل إلي أن الملكية وظيفة اجتماعية إلا مع بدايات القرن العشرين علي يد الفقيه الفرنسي دوجي‏.‏

لذلك نلحظ في الفقه الوضعي نظرة صراع بين ما أطلق ثم ما عاد لغيره لصالح الآخرين ‏,‏ بينما الفقه الإسلامي ينشيء الحق مقيدا منضبطا بسياق أعماله في إطار أوامر الله سبحانه ونواهيه‏.‏ ونحن نكون هنا بإزاء تنسيق بين الحقوق الفردية ولسنا في نطاق صراع بين الحقوق الفردية حسبما يصورها النظر الوضعي‏.‏

ويبقي السؤال‏,‏ أي فقه من هذين يكون أكثر استجابة لصالح الجماعة وأكثر قابلية للتجدد وفقا لما يجد من متغيرات الواقع ‏,‏ أليس هو فقه الشريعة الذي لا ينشيء لأحد حقا إلا منضبطا بأوامر الله ونواهيه وصالح الجماعة ‏,‏ فمن من الفقهين وقفا لأصوله يحتاج إلي التجديد‏...‏ والحمد لله‏*

بسم الله الرحمن الرحيم ـ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً ـ صدق الله العظيم

رابط هذا التعليق
شارك

إلغاء عقوبة الزنا يفتح أبواب أوروبا للأتراك

‏ رسالة أنقرة ـ عبد الحليم غزالي

عندما أقدم رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان علي خوض مواجهة مع الاتحاد الأوروبي حول بند تجريم الزنا في مشرع قانون العقوبات الجديد ‏,‏ تحدث الكثير من المحللين السياسيين الأتراك عما اعتبروه تفتتا وسوء تصرف من أردوغان ‏,‏ لكن المتأمل للطريقة التي انتهت بها المواجهة يستطيع أن يدرك أن الرجل كان يمارس لعبة في إطار حرب الأعصاب مع الاتحاد الأوروبي مع اقتراب موعد السادس من أكتوبر الذي ستصدر فيه المفوضية الأوروبية تقريرها النهائي بشأن الإصلاحات في تركيا والذي سيحدد ما إذا كانت تستحق أن تنال موعدا لبدء مفاوضات انضمامها إلي الاتحاد خلال قمة دول الاتحاد التي ستنعقد في بروكسل في شهر ديسمبر المقبل‏.‏

نجح أرودغان في نيل تعهد من الاتحاد ممثلا في رئيس المفوضية رومان برودي ومعه جونتر فيرهوجن مسئول توسيع الاتحاد بأنه لن تكون هناك شروط أخري تعوق منح تركيا الموعد الذي تريده بلا تأخير ‏,‏ ويبدو أن أردوغان خاض لعبة شد حبل مع الاتحاد وعندما أصر علي ضرورة تجريم الزنا في قانون العقوبات الجديد الذي يبدو متحفزا سيتشدد في مواقفه ومن يقبل بغير إلغاء البند بديلا ‏,‏ وبالفعل هذا ما حدث حيث أعلن فيرهوجن بوضوح أن تركيا لن تنال موعدا إلا بهذا الإلغاء‏.

وذهب أردوغان إلي بروكسل يحمل في يده ورقة بند تجريم الزنا وألقاها علي المائدة وقبل التخلي عنها مقابل إنهاء شبح الشروط الجديدة وقد كان له ما أراد ‏,‏ واعترف فيرهوجن بأنه ليست هناك عقبة أمام منح تركيا موعدا لبدء مفاوضات الانضمام ‏,‏ وهذا هو الانتصار الحقيقي لأردوغان ‏,‏ خاصة أن أزمة مشروع قانون العقوبات جاءت وسط موجة شكوك متبادلة علي الجانبين وبدت تركيا في حرب الخوف والأمل ‏,‏ الخوف من ضياع الحلم الأوروبي والأمل في تحقيقه ‏,‏ خاصة بعد زيارة فيرهوجن لها حيث خلف وراءه إشارات متناقضة وتزامنت زيارته مع مواقف أوروبية سلبية مثيرة للجدل‏.‏

فلقد جاء فيرهوجن إلي تركيا متلبسا شخصية المفتش العام الذي يريد أن يري كل شيء بنفسه فلم يكتف بزيارة أنقرة وإنما أصر علي التجول في جنوب شرق تركيا حيث تعيش الأقلية الكردية الكبيرة وفي ديار بكر كبري المدن هناك نزل فيرهوجن إلي الشوارع وتحدث إلي الناس وتذوق الطعام الكردي ‏,‏ وعقد اجتماعات مع قيادات المجتمع المدني واستمع إلي شكاواهم بشأن الإصلاحات التي أجرتها الحكومة التركية لمنح الأكراد حقوقهم الثقافية وكيف أنهم يرون أنه علي الورق حدثت تطورات كبيرة إيجابية شملت السماح للأكراد بالتعلم بلغتهم والبث الإذاعي والتليفزيوني بها ولكن في الواقع فإن التقدم الذي طرأ محدود للغاية‏,‏ ومن هنا أطلق فيرهوجن تصريحه الملفت للنظر من ديار بكر‏:‏من الضروري أن تمنح تركيا الأكراد مزيدا من الحقوق الثقافية‏.‏

وتوغل فيرهوجن أكثر في حقل الألغام الكردي بزيارة قرية توزلا القريبة من مدينة ديار بكر التي هجرها الكثير من أهلها أثناء اشتعال الحرب بين الجيش التركي وحزب العمال الكردستاني المستمرة ومثل هذه القرية مئات أخري ‏,‏ فحث تركيا علي ضرورة العمل علي الإسراع بإعادة المهجرين الأكراد إلي منازلهم ‏,‏ خاصة أن منظمات حقوق الإنسان تقول إن السلطات لا تسمح بعودة أي كردي إلي بيته المهجور في هذه القري إلا بعد أن يوقع علي شهادة يتهم فيها حزب العمال الكردستاني بأنه المسئول عن تهجيره وتدمير بعض منازل القرية‏.‏

وحزب العمال الكردستاني نفسه استغل زيارة فيرهوجن إلي ديار بكر في القيام بعملية عسكرية ضد الجيش وكأنه يبعث برسالة يقول فيها أنا موجود والمشكلة الكردية لم تحل والصراع العسكري لايزال قائما خاصة أنه صعد هجماته وعملياته في الأسابيع الأخيرة بعد أن أعلن إنهاء الهدنة التي كان قد أعلنها من جانب واحد قبل خمس سنوات إثر اعتقال زعيمه عبد الله أوجلان الذي صدر ضده حكم بالإعدام خفف إلي المؤبد نتيجة الإصلاحات المطلوبة أوروبيا والتي شملت إلغاء عقوبة الإعدام‏.

وذهب فيرهوجن إلي مدينة أزمير النشطة اقتصاديا في غرب البلاد وهناك تحدث بلهجة سلبية مختلفة عما قاله لدي وصوله إلي أنقرة حيث أجري محادثات مع رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان ووزير خارجيته عبد الله جول وكانت مانشيتات الصحف كلماته‏:‏جاءت ساعة الحقيقة بالنسبة لتركيا وقرأ الجميع هذا المعني بشكل إيجابي حيث أردفه بقوله بأن تقويم الإصلاحات التي أجرتها تركيا سيتم بشكل عادل ونزيه وأمين‏.‏

ومشكلة تركيا أنها لا تري أن تعامل الاتحاد الأوروبي معها يتم وفقا لهذه المعاني إنما هي تخضع لمعايير مزدوجة وتواجه مواقف معلنة مختلفة عما يقال في الغرف المغلقة وهذا ما قاله رومان برودي رئيس المفوضية الأوروبية السابق بوضوح عندما اتهم الدول الأوروبية بالنفاق في التعامل مع تركيا وأن بعضها لا يريد لها أن تكون عضوا في الاتحاد أبدا في حين يدعي عكس ذلك‏!

وهذا ما أقلق الأتراك من تصريحات فيرهوجن في أزمير حيث تحدث عن أوجه قصور في الإصلاحات وتدخل في قضية مثيرة للجدل والانقسام في البلاد هي تجريم الزنا في مشروع قانون العقوبات الجديد الذي يصر عليه حزب العدالة والتنمية الحاكم ذي الجذور الإسلامية ويرفضه حزب الشعب الجمهوري المعارض ذي التمثيل البرلماني الواسع والمنظمات النسائية وجمعيات حقوق الإنسان بحجة أنه يمثل توجها رجعيا ويفتح الباب أمام مزيد من الاضطهاد للمرأة‏,‏ علي الرغم من أن النص الذي اقترحه الحزب الحاكم يقضي بمعاقبة الرجل أو المرأة في حالة ارتكاب أي منهما لجريمة الزنا وهما متزوجان‏,‏ أي لا عقوبة لغير المتزوجين وهناك مساواة في العقوبة بين الجنسين وقد اعتبر أردوغان أن هذا النص يخدم النساء ويعاقب الرجال الخائنين وأنه تعبير عن خصوصية ثقافة تركيا وأخلاقها ورفضه غير مبرر‏.‏

وبالطبع وقف فيرهوجن إلي جانب معارضي تجريم الزنا بدعوي أنه لا توجد قوانين مماثلة في دول الاتحاد الأوروبي وأنه قد يمثل عقبة أمام منح تركيا موعدا لبدء مفاوضات الانضمام له ‏,‏ مع أن الحزب الحاكم خضع لبعض ضغوط المعارضة ومنظمات المجتمع المدني وأدخل تعديلا علي المشروع ينص علي أن العقاب الذي يصل إلي ثلاثة أعوام سجنا لا يكون إلا بعد أن يقدم أحد الزوجين شكوي ضد الآخر وأن المتضرر فقط هو صاحب الدعوي بمعني أنه لا يجوز لجار مثلا أن يتهم جارته بالزنا باعتباره غير ذي صفة ولا حتي من حق الدولة ذاتها رفع قضية علي الزاني أو الزانية‏!‏

وقد لمس فيرهوجن وترا حساسا بتدخله في هذه القضية التي أعطت البعض مؤشرا علي أن الاتحاد الأوروبي ربما يعمل علي تذويب خصوصية تركيا استغلالا لرغبتها في الانضمام إليه‏.‏

غير أن فيرهوجن بعد أن غادر تركيا أطلق تصريحا مناقضا لما قاله خلال وجوده في أزمير حيث أعلن بصراحة ووضوح أن عدم منح تركيا موعدا لبدء مفاوضات انضمامها إلي الاتحاد الذي سبق أن قال إنها ستستغرق‏10‏ سنوات علي الأقل ‏,‏ سيقود إلي كارثة وقد يؤدي إلي خروج قطار الإصلاحات عن قضبانه‏ ,‏ وهو أمر أثار ارتياحا في تركيا لكنه لم يغلق باب الهواجس والشكوك والجدل‏.‏

فقد ألقي فرانز فيشر مفوض الاتحاد الأوروبي لشئون الزراعة قنبلة من العيار الثقيل علي حلم تركيا الأوروبي بإعلانه رفضه القاطع لأن تصبح عضوا في الاتحاد وأبدي دهشته لأنه لا أحد يجرؤ علي القول بأن مثل هذه العضوية ستلحق ضررا كبيرا بدوله‏ ,‏ قائلا إن تركيا من الناحية الثقافية دولة شرقية وجغرافيا آسيوية ومن الناحية الجيوإستراتيجية أشبه بصندوق الشرور في الميثولوجيا الإغريقية‏ ,‏ بل تحدث فيشروهو نمساوي بلهجة عنصرية بقوله إن ضم تركيا إلي الاتحاد الأوروبي يعني أن صمود فينيا أمام الإمبراطورية العثمانية في القرن الخامس عشر الميلادي قد ذهب هباء‏!

والأخطر من استدعاء التاريخ والأساطير ما قاله فيشر عن أن انضمام تركيا إلي الاتحاد الأوروبي سيكلف الاتحاد حوالي ‏14‏ مليار دولار سنويا في صورة مساعدات ودعم لقطاع الزراعة الذي يحتاج إلي إصلاحات جوهرية وهذا نوع من التخويف العملي للأوروبيين من عضوية تركيا‏.‏

لقد انتهت أزمة مشروع قانون العقوبات الذي أقره البرلمان يوم الأحد قبل الماضي بعد إسقاط بند تجريم الزنا وقبلها طويت زيارة فيرهوجن لكن تبقي حرب الأعصاب والمأزق الذي يواجهه الطرفان في علاقة تشبه الزواج غير المرغوب فيه علي الأقل من أطراف أوروبية كثيرة وإن كان هناك من يري أن لأوروبا مصلحة حقيقية في هذا الزواج لأن تركيا متماسة ومتداخلة مع القارة‏ ,‏ ويبقي أن إعطاء موعد لبدء المفاوضات بين الطرفين ليس إلا أول بوابة أمل للحلم التركي لأن هذه المفاوضات ستدوم عشر سنوات علي الأقل ولابد لكل الدول الأعضاء في الاتحاد أن تقبل عضوية تركيا ولا أحد يدري ماذا سيجري في هذه السنوات ويبقي الحلم يصارعه الخوف‏!*

بسم الله الرحمن الرحيم ـ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً ـ صدق الله العظيم

رابط هذا التعليق
شارك

مبدأ اكتساب الملكية بوضع اليد لمدة طويلة ‏,‏ أصلا مستقرا وثابتا ‏,‏ ووضع اليد هنا هو نوع من الغصب توافر له الهدوء والاستقرار ‏,‏ هنا يتحول الأمر الواقع إلي حق ‏,‏ والأمر الواقع بطبيعة الحال عادة ما تفرضه القوة ‏,‏ ومن ثم تصير المعادلة هي القوة وهي تفضي إلي الأمر الواقع وهو يفضي إلي الحق‏.‏ ولذلك لا يجد الفقه والقضاء الوضعي أنفة في أن لا يعترف بحق المصاب من الآلة في التعويض ‏,‏ تشجيعا لصاحب الآلة علي امتلاكها ‏,‏ ولم يتحول إلي مراعاة حق المصاب إلا بعد أن وقفت قوة اجتماعية يخشي بأسها تدافع عن هذا الحق‏ ,‏ وعلي العكس فإن الفقه الإسلامي يقر من أول أعماله له أن من انتفع بشيء فعليه تبعة هذا الشيء جزاء وفاقا ‏,‏ كما أنه لا يكاد يعترف بحق مبعثه الأمر الواقع إلا أن يظهر ولو ضمنا سماح ‏,‏ أو ترك ‏,‏ ممن يمكن أن يكون صاحب‏.‏

للأسف

مازال القانون المصرى يسير تبعا للقانون الوضعى ولا يأخذ بالفقه الاسلامى

ويعطى حق انتقال ملكية العقارات منزل أو أرض للمغتصب لمدة طويلة لا أتذكر كم عام الآن دون مراعاة للمالك الأصلى تحت زعم الحيازة المستقرة والهادئة ودون الاعتراف بعقود المالك

شكرا

للأخ شرقية لنشر هذه الدراسة الوافية

مصر أكبر من نظام الحكم الفردى الديكتاتورى الإستبدادى

الذى فرضه علينا عسكر حركة يوليو فى الخمسينات

وصار نظاما لحكم مصر

برنامج الرئيس الإنتخابى لإسكان فقراء الشباب ..

سرقه مسؤولون وزارة الإسكان مع المقاولين ..!

رابط هذا التعليق
شارك

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة
×
×
  • أضف...