اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

جدوى الحوار الديني بين الغرب والإسلام


Gharib  fi el zolomat

Recommended Posts

جدوى الحوار الديني بين الغرب والإسلام

عداؤهم لنا بين سوء العرض وسوء الفهم وسوء القصد

بقلم :د يحيي هاشم حسن فرغل

yehia_hashem@ hotmail .com

http://www.yehia-hashem.netfirms.com

أصبح من المعروف أن نداء الحوار الديني في صيغته الحالية لم يكن نابعا من تاريخ الفكر الإسلامي الطويل الذي مارسه المسلمون بأسلوب موضوعي علمي وبحرية كاملة على جانبي الحوار وأنتج من ثم تراثا عقليا جدليا على المستوى الأعلى - مازالت تحفل به المكتبة الإسلامية - على يد كبار الأئمة والأعلام من مثل أبي حامد الغزالي ، والطبري ، وأبي الحسن العامري وابن تيمية ، وعبد الرحمن البغدادي ،إلخ .. ، وفي المحدثين : رحمة الله الهندي وأبي زهرة ووافي وأحمد عبد الوهاب وديدات وبعض أساتذة العقيدة بالأزهر ؟ وفي كتب التوحيد والتفسير والحديث ،وكانت قدوتهم في ذلك كله القرآن الكريم والحديث الشريف

إننا نعرف اليوم أن هذا الحوار الديني المعاصر بدأ بتخطيط من المخابرات الفرنسية ولأغراضها - ضمن جهات أوربية أخرى - ، بقيادة مديرها الأكبر الكونت دي مارانش ، منذ أوائل السبعينات من القرن الماضي ، في حركته نحو احتواء الإسلام سياسيا واقتصاديا في صيغة سماها " الحوار الإسلامي المسيحي" ثم طورها من بعد إلى ما سماه " الحوار الديني " ، المصدر : وثائق الأستاذ محمد حسنين هيكل في مقاله بمجلة " الكتب :وجهات نظر " ( مايو 2001) التي تصدر بالقاهرة .

هكذا يتبين المنطلق السياسي المخابراتي للدعوة إلى هذا الحوار

ثم يتبين المنطلق الكنسي التبشيري لهذا الحوار من مبادرة الفاتيكان إليه وتخطيطه له ، وأهدافه منه ، ويتبين ذلك مما كتبه أليكسي جورافسكي في الفصل السادس من كتابه بعنوان ( الإسلام والمسيحية من التنافس والتصادم إلى الحوار والتفاهم) ترجمة خلف محمد الجراد ومراجعة وتقديم محمود حمدي زقزوق، دمشق 2000. وهو يتضمن قصة المساعي الكاثوليكية المعاصرة في مسألة الحوار مع الإسلام. حيث ذكر أنه ( ينطلق من الكنيسة والمحافظة عليها كحامية للدين. إذ كان يتخوف البابا ليون الثالث عشر عندما يغادر رجل الدين الأوروبي إلى البلدان الأفريقية والآسيوية ولا يجد فيها هيئة دينية تحمي المصالح الكنسية.

من هنا كان اهتمام الكنيسة الكاثوليكية بمسألة الحوار، من جهة، ورغبتها فيه، من جهة أخرى ؛ ولذلك طالبت بهيئة دينية مستقلة تقود الكنائس المحلية وكنائس الشرق الأدنى والشرقية، مع تناسي الشقاقات القديمة بينها. وعندما تطورت حركة التحرر الأفروآسيوي غيَّرت الكنيسة نظرتها لمسألة القيادة الكنسية، فجعلتها تتكيف مع ظروف كل بلد، مع إطلاق مفهوم "مراعاة مصالح السماء".

أما قضايا الإسلام في المجمع الفاتيكاني من حيث الحوار معه، فقد عولجت لأول مرة من 1962 إلى 1965 على مستوى مذهبي عقائدي، وفي ضوء الدستور العقائدي والدستور الرعوي في الكنيسة، وعالم اليوم، ومع تنامي فكرة الحوار مع الإسلام.

….. وفي عام 1965 حدد المجمع الكنسي العلاقة مع الإسلام من خلال التصريح الذي جاء فيه: "إن الكنيسة تنظر بعين الاعتبار – أيضاً – إلى المسلمين الذين يعبدون الإله الواحد الحي القيوم الرحيم القادر على كل شيء ….و يُجِلُّون يسوع كنبيٍّ، وإن لم يعترفوا به كإله، ويكرمون أمَّه مريم العذراء ".

ثم دعا المجمع الكنسي إلى تناسي كل الخلافات القديمة تحت مفهوم العقيدة الإلهية النهائية التي تجمع الدينين (التوحيد)، مع الاحتفاظ ببعض الخلافات الجزئية،{!!} كتأليه النبي يسوع، من جهة، ونبوَّة محمد p1.gif، من جهة ثانية، وتعدد الزوجات، وما نتج عنه من انحلال خلقي برأي بعض الأساقفة { !! }. )

ومع تزايد عدد مناصري الحوار مع الإسلام في الفاتيكان، لاحظ المؤلف ( أن السكرتارية تنظِّم مدارس صيفية للقساوسة عام 1979، ومعهم المبشرون والعاملون في البلدان الإسلامية، من أجل تعريفهم بالشكل المعمَّق لفهم الإسلام {!} . وثمة مؤتمرات وملتقيات في بلاد عربية وأوروبية دعت إلى هذا النوع من الحوار بحضور شخصيات إسلامية معروفة. ) وذكر المؤلف في هذا السياق ( ما قام به سكرتير أمانة شؤون الديانات غير المسيحية الذي زار السعودية والقاهرة ودعا علماء المسلمين لزيارة الفاتيكان لتصل مسألة الحوار الإسلامي–المسيحي إلى مرحلة وضع الأسس اللاهوتية والجوانب الاجتماعية والثقافية للحوار)

كما يتبين المنطلق التبشيري للحوار متحالفا مع الأهداف السياسية الصهيومسيحية من كتاب الدكتورة زينب عبد العزيز أستاذ الحضارة والأدب الفرنسي وعنوانه "حرب صليبية بكل المقاييس " نستشهد هنا بما رصدته المؤلفة من أن المجمع الفاتيكانى الثاني الذي انعقد في المدة من 1962-1965 كان بمثابة الخطة التنفيذية للحرب الصليبية الدائرة حالياً، أو لتلك الحرب العالمية الرابعة كما يطلق عليها البعض، والتي أدخل ما يسمى " الحوار الديني " عصبا أساسيا فيها ، وأن ذلك الحوار المسيحي الإسلامي المزعوم لا يهدف إلا إلى اجتثاث الإسلام بالتدريج تفادياً لأية مصادمات : حماية للأقليات المسيحية التي تعيش وسط أغلبية مسلمة على حد قول البابا يوحنا بولس الثاني الذي أدان في البداية الحرب على العراق وكان يصفها على أنها – فعل إجرامي وفى أحاديث أخرى بأنها "من وحي الشيطان" ! ثم حدث التحول الذي كشف سره مراسل مجلة "إكسبريس" جان ميشيل ديمينز فى مقالة بتاريخ 17/5/2003 قائلاً: "أن حقيقة ما يخيف البابا من هذه الحرب هو أن تؤدى إلى رد فعل لدى الأصوليين الإسلاميين وتزايد الأخطار على الأقليات المسيحية المحاطة أو المحاصرة في الأراضي المسلمة .. أي أن البابا يوحنا بولس الثاني لم يكن يعارض الحرب حباً في الإنسانية ، ولكن دفاعاً عن الأقليات التابعة له ، والتي يستعين بها ويعتمد عليها فى عملية التنصير التى يقودها.

ليس ذلك فحسب ولكن من أجل فتح الباب أمامه في الدول الإسلامية الخالصة كما يجري حاليا في دارفور كمثال : فمن حديث الوزير السوداني محمد أحمد هارون وزير الدولة السوداني للشئون الداخلية في ندوة له بالقاهرة في 7\8\2004 ( كشف عن أن عدد المنظمات التبشيرية الأوربية والأمريكية العاملة في دارفور يبلغ أكثر من 30 منظمة أوربية وأمريكية. وقال: إن هذه المنظمات باتت "واحدة من آليات النظام السياسي العالمي الجديد، وإنها أصبحت مسئولة عن إعداد مسارح الحرب للآخرين، وإنها تقوم بأدوار في غاية الخطورة ، وتستغل العمل الإغاثي في عمليات التبشير في دارفور التي يعتبر غالبية سكانها مسلمين، ولا يوجد بها كنيسة واحدة ) المصدر نشرة إسلام أون لا ين في 8\8\2004

وكما ترى الدكتورة زينب عبد العزيز فقد كان من أهم أصداء هذه الحرب الصليبية وإنعكاساتها الحوارية ذلك المؤتمر الذي انعقد بالقاهرة في رحاب وزارة الثقافة في الأيام الثلاثة من شهر يوليو 2003 تحت عنوان : "نحو خطاب ثقافي جديد: من تحديات الحاضر إلى آفاق المستقبل" . وعلى الرغم من أن العنوان المعلن للمؤتمر هو نحو خطاب ثقافي جديد، إلا أنه قد ناقش محورين أساسيين هما نقد الخطاب الثقافي السائد وتجديد الفكر الديني ‍‍‍‍{!} ، وإذا ما أخذنا في الاعتبار – كما ترى الأستاذة الدكتورة زينب عبد العزيز - أهم وأغرب ما تم طرحه من مقترحات في هذا المؤتمر لأدركنا أن المغزى الحقيقي لهذا الحشد الثقافي هو طرح كيفية اقتلاع الإسلام تمشياً مع مآرب هذه الحرب الصليبية الحوارية ولمواكبة الحضارة الأمريكية والغربية المسيحية فى انفلاتها الجامح.. ولا أدل على ذلك من أن تتولى جماعة من العلمانيين الموالين للغرب مناقشة الخطاب الديني وتحديد آفاقه المستقبلية!

وهنا يظهر التلاحم بين التبشير والصهيومسيحية والعلمانية المحلية

فلقد تراوحت الجلسات منذ الجلسة الافتتاحية حتى الجلسة الختامية – وفقا لمتابعة الدكتورة زينب - بين منطق التكفير وآفاق التفكير ومحاولات التفكيك التي طالت كل الثوابت الإسلامية والتاريخية المراد مراجعتها بدءاً من الدين نفسه.. الأمر الذي يضع علامات استفهام حول المخططات الأمريكية الصليبية التي لاحت في المؤتمر وحول أولئك المسلمين الذين تباروا في مطالب جد غريبة ، فمنهم من طالب بحذف آيات وكلمات من القرآن الكريم، وعدم الاعتراف بالسلف الصالح، ونبذ التراث والمساس بالفقهاء القدامى، ومنهم من طالب بعمل لاهوت إسلامي جديد، وانتقاد ثبات النص القرآني ، والمطالبة بالانطلاق نحو الحياة والمتعة بدلاً من القيم والأخلاق البالية ، وبتطبيق قيم فلسفة عصر التنوير ، والاستفادة من مدرسة الحداثة ، ومنهم من طالب الغرب المسيحي رسمياً بالتدخل لإصلاح الشأن الديني في البلدان الإسلامية ، بما أنه صاحب المصلحة الأولى في هذا التخريب ، ومنهم من طالب بتغيير المناهج الدراسية العربية وفقاً لوقاحة السياسة الأمريكية ومطالبها ، ومنع تدريس القرآن الكريم في المدارس ، وإنتاج خطاب ديني متطور يواكب العصر في انفلاته الأخلاقى ، ومنهم من طالب بحقوق المرأة في كل شيء ؟؟؟ الأمر الذي استوجب عدة علامات استفهام وتعجب ، وتحرير الوعي الإسلامي من قاعدة الحلال والحرام إلخ.

ثم يظهر الخط الاستشراقي في هذا المخطط الحواري إذ تؤكد المؤلفة أن هذه المطالب لم تخرج عن مطالب المستشرقين المتعصبين الذين لم يكفوا عن تكرار هذه المطالب بصورة أو بأخرى ، وأنها امتثال واضح لمقولة المستشرق المبشر زويمر، الذى قال في مطلع القرن الماضي " إنه لن يقتلع الإسلام إلا أيد مسلمة من داخل أمة الإسلام" .

هكذا يتبين لكل ذي عينين أن هذا الحوار إنما يقع داخل أسوار من صنع تحالف عالمي خماسي الأضلاع يتكون من

1- المخابرات الغربية

2- والتحالف الصهيومسيحي

3- والتبشير

4- والاستشراق

5- وأذنابهم من العلمانيين المحليين ؟

فما ثمرته لنا نحن المسلمين – غير الخسران المبين - وقد بدأ في يد هؤلاء ، وما يزال تحت إدارتهم ، وفي أحضان تخطيطهم ووفق توجيههم ؟ وما يزال العزف مستمرا على أنغامهم ؟

بل ما ثمرته من وجهة النظر الدينية الخالصة سواء للمسلمين أو المسيحيين وقد وقع بين براثن السياسة العالمية المعاصرة بأغراضها في السيطرة والتوسع والإمبريالية وتصفية العدو " القديم \ الجديد" ؟

وما الذي يقذف بالأزهر في خضم هذا المختبر المسموم ؟

ويقفز بعضهم فوق مائدة الحوار ليقول مشاغبا : ولم لا ؟ لم لا يقتحم الفكر الإسلامي الساحة ليقدم الحقيقة ويعدل من هذا المسار لصالح الإسلام ؟

فهل كان هؤلاء العلمانيون في المؤتمر المشار إليه آنفا بحاجة إلى من يعلمهم ألف باء الإسلام وهم من قلب المجتمع الإسلامي وثقافته ؟

وبصرف النظر عن العلمانيين المشاغبين العاملين ضمن مخطط هذا الحوار التبشيري الاستشراقي الاستعماري فإنه لمن المؤسف أن نجد من لا يزال في صفوفنا من بيننا من يبتلع الطعم – طعم ما يدعى بالحوار الديني المستورد في سياق هذا المنظور التبشيري ووفق أحكامه سالف الذكر – ما زلنا نجد من لا يزال مستغرقا في حالات جلد الذات { لاحظ عزيزي القارئ أنه : جلد ذات المجموع يجري وفق عملية نفسية باطنية يتم فيها جلد المجموع من أجل تبرئة الذات وتمجيدها ؛ ذات الفرد : الفرد الناقد } ، فينسب الصورة المشوهة عن الإسلام في الغرب وما أدت إليه من تجذير عداوته للإسلام .. ينسبها إلي سوء العرض منا بدلا من سوء القصد منهم ؟ داعيا إلى هذه المؤتمرات الاحتفالية للحوار التي سبق أن خطط لها الغرب لأغراض مخابراتية سياسية صهيونية تبشيرية استشراقية ، ولأغراض أخرى في نفس يعقوب ، لكي يشارك فيها بعض المسلمين ، إمعانا لا في جلد الذات فحسب ولكن في تجميل التابع لصورة المتبوع مما يعود بالتجميل علي الطرفين طرف التابع وطرف المتبوع ؟

وإذا كانت التصريحات التي تخرج اليوم عن استمرار وتشجيع هذا الحوار الديني ترغب في طمأنة المتشككين فيه بأنه لن يتناول مسائل العقيدة " والعقيدة لا تباع ولا تشترى " ( حسب تصريحات شيخ الأزهر بتاريخ 16 \7\2004)

ففي أي شيء يكون الحوار إذن ؟

أيكون في العبادات وما أحسبها إلا ملحقة بالممنوع من العقيدة ؟

أيكون في الأخلاق وهي مسلمات لدى الطرفين ؟

أيكون في السياسة وهي محرمات لدى الطرفين رسميا ما لم يكن بسند سلطوي ؟

أيكون في المناسبات والتقريظ والمجاملات الاجتماعية فما حاجتها إذن إلى الحوار ؟

أم ليكون من أجل طمأنة الفاتيكان على مستقبل تحركاته وأقلياته في العالم الإسلامي ؟

ألا يعني هذا أن فكرة الحوار التي كانت قد بدأت ولها بالنسبة إلينا موضوع قد انتهت إلى غير موضوع ، وما بقي منها غير لقاءات " بوس اللحى " ؟

فهل دارت دائرتها المفرغة إلى نقطة البداية ، أم إلى نقطة الصفر ؟

أيها المبتلعون طـُعم الحوار في صفوفنا : مكانكم ، فليست القضية اليوم قضية الحوار ، لأنه ليست القضية أنكم أنتم المسلمين .. المسئولون عن عداء الغرب لنا ، حيث تسيئون عرض الإسلام … مع أنكم تفعلون {!} ، ليست هذه هي القضية ، إنها على العكس من ذلك ، إنهم في الغرب يتجاوزون سوء العرض هذا ، ويفهمون عرضيته أوجانبيته أوهامشيته ، ويذهبون إلي عمق علاقتهم بالحضارة الإسلامية ؛ باعتبارها الخطر الموضوعي علي حضارتهم .

إنه من السطحية والسذاجة ــ إن لم يكن من التآمر ــ أن يظن البعض منا أن المسألة ترجع إلي طريقة عرض الإسلام... وتنتهي المشكلة .

وإلا فإنه في كل دين ، وفي كل مذهب ، وفي كل نظرية ، وفي كل أيديولوجية هناك من يسئ العرض ، ولا أحد غير الهازلين يتوقف عند أولئك الذين ينبتون علي هامش هذه الأديان والمذاهب ممن يسيئون العرض ؛ جهلاً أو قصداً .... في المسيحية هناك من يسئ العرض . وفي الديموقراطية هناك من يسئ العرض . وفي الليبرالية هناك من يسئ العرض . وفي الاشتراكية هناك من يسئ العرض . ولا تكون هناك نهاية المطاف .

ويبتلي الإسلام بمن يسئ العرض من المبشرين والمستشرقين وأنصاف العلماء ، والمثقفين الجهلاء ، والجهلاء الجهلاء .. تماماً كما هو الحال مع غيره ، لكنه هو وحده الذي يقولون عنه : لولا سوء العرض ...

يا سادة : لا تضيفوا إلي سوء العرض منا سوء الظن بهم !!!؟؟…

يا سادة : إن في الغرب رجالاً ولجانا ومراكز بحث ، وجامعات ، و.. و.. يحققون ، ويدققون ويذهبون إلي المصادر الأصلية ، كعلماء وخبراء وفلاسفة ، وإعلاميين ، واستراتيجيين ....فما هي القضية إذن ..

ليست القضية إذن قضية سوء فهم ، نشأ من سوء عرض .. فما هي القضية إذن : ؟

القضية أنهم هناك يدركون الخطر الموضوعي الذي يأتيهم من انبعاث الحضارة الإسلامية مرة أخري ، ثم يذهبون يشوشون علي منطلقاتهم وأهدافهم ويستأجرون العملاء من سماسرة الثقافة والإعلام ، والأعلام ، والعلمانيين ليشيعوا مقولات ساذجة تبعدنا عن أصل المشكلة وتضللنا عن جوهر القضية .

وإلا فقولوا لنا ..

هل كان أرنست رينان المستشرق الفرنسي الشهير متأثراً بسوء عرض الجهلاء منا للإسلام وهو يقدم كراهيته للإسلام في ذورته الأكاديمية : إذ يقول في خطاب افتتاحي في الكوليج دوفرانس حول تصنيف الشعوب السامية في تاريخ الحضارة ..( . الشرط الأساسي لتمكين الحضارة الأوربية من الانتشار هو تدمير كل ماله صلة بالسامية الحقة : تدمير سلطة الإسلام الثيوقراطية ، لأن الإسلام لا يستطيع البقاء إلا كدين رسمي ، وعندما يختزل إلي وضع دين حر وفردي فإنه سينقرض . { ؟؟‍‍‍‍‍ } هذه الحرب الدائمة، الحرب التي لن تتوقف إلا عندما يموت آخر أولاد إسماعيل بؤسا ، أو يرغمه الإرهاب { أي إرهاب يعني ؟!! } علي أن ينتبذ في الصحراء مكاناً قصيا .

الإسلام هو النفي الكامل لأوربا ، الإسلام هو التعصب ، الإسلام هو احتقار العلم ، القضاء علي المجتمع المدني ، إنه سذاجة الفكر السامي المرعبة ، يضيٌق الفكر الإنساني ، يغلقه دون كل فكرة دقيقة ، دون كل عاطفة لطيفة ، دون كل بحث عقلاني ، ليضعه أمام حشو سرمدي : " الله هو الله " . المستقبل هو إذن لأوربا ولأوربا وحدها ، ستفتح أوربا العالم ، وتنشر فيه الدين الذي هو الحق، الحرية ، احترام البشر ، هذا الاعتقاد القائل بأن ثمة شيئاً ما إلهياً في صلب الإنسانية{ عقيدة التجسد !! } … ) !! أنظر كتاب " الإسلام اليوم لمارسيل بوازار " بحث الحبيب الشطي الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي ووزير خارجية تونس الأسبق صــ 34 ــ 35 طبعة 1986 ــ اليونسكو .

فهل تريدون منا أن نصدق أن أرنست رينان – وهو من هو في قمة الاستشراق - في صورته المشوهة عن الإسلام عمدا قد تأثر بسوء العرض منا ؟

أو فقولوا لنا لماذا يكتب " باول شمتز " المستشرق الألماني المعروف مثلاً في كتابه " الإسلام قوة الغد العالمية " ــ قبيل الحرب العالمية الثانية ــ ليُحذر من تواكب الحركة الإسلامية مع الحركة القومية الإسلامية " وما يمثله ذلك من خطر محدق بالغرب !! يقول المؤلف ( إن انتفاضة العالم الإسلامي صوت نذير لأوربا ، وهتاف يجوب آفاقها يدعو إلي التجمع والتساند الأوربي لمواجهة هذا العملاق الذي بدأ يصحو ويزيل النوم عن عينيه. فهل يسمع الهتاف أحد ؟ ألا من يجيب ) .انظر كتابه " الإسلام قوة الغد " ترجمة د. محمد عبد الغني شامة صــ 356

. حتى إنه ليقلل من أهمية افتقاد العالم الإسلامي للتقدم التكنولوجي في هذه المعركة التي ينذر قومه بها ، إذ يقول ( من الممكن أن يعارض المرء هذا الرأي .. فإن الإسلام فقد سيطرته علي بعض الأشياء المادية ، وخاصة ما يتصل بالحرب ، فهو لم يلحق بالتقدم التكنولوجي الحديث . ولا أستطيع أن أدرك لماذا لم يعوض الشرق الإسلامي ما فاته في هذا الميدان ، إذ لا تحتاج العلوم الحديثة إلي طبيعة عقلية خاصة ، بل يتطلب الإلمام بها والتفوق فيها الخبرة وتوجيه الخبراء ، ومن المؤكد أنه غالباً ما يحدث أن تكون حضارة ذات منزلة عالية في التقدم التكنولوجي .. هي أقل درجة من حضارة أخري لم تبلغ تطورها بعد في هذا المجال ما بلغته الأولي ، إذن فهناك احتمال كبير في أن يصبح شعب ظهر حتى الآن أن مواهبه في الناحية التكنولوجية ضعيفة سيداً علي شعب آخر استولت التكنولوجيا علي حواسه ومشاعره ، فلم ينقذه أحد .. لماذا لا يتعلم العالم الإسلامي ما تعلمناه في مجال التكنولوجيا ، وفي مقابل هذا : سوف يكون من الصعب علينا استعادة التعاليم الروحية التي فقدتها المسيحية ، بينما لم يزل الإسلام يحافظ عليها . ) المصدر السابق.

ويبني المؤلف تحذيره علي ما يلمسه من مصادر القوة التي يملكها العالم الإسلامي ؛ وهي : الموقع الجغرافي ، والخصوبة البشرية ، والثروات والمواد الخام والدين الإسلامي ( الذي له قوة سحرية علي تجميع الأجناس البشرية تحت راية واحدة بعد إزالة الشعور بالتفرقة العنصرية من نفوسهم ، وله من الطاقة الروحية ما يدفع المؤمن به علي الدفاع عن أرضه وثرواته ، بكل ما يملك مسترخصاً في سبيل ذلك كل شئ حتى روحه .. يحرص علي التضحية بها فداء لأوطان الإسلام . ) .

ثم يتساءل : ( أي قوة وجدانية بعثت هذه الإرادة اليوم في الشرق ؟ ) ثم يجيب برؤية صحيحة ( قوة الوحدة الفكرية للإسلام ، ووجود الإحساس الحي للدين الإسلامي ، فهو ينتصر في كل مكان ينزل فيه الميدان مع الأيديولوجيات الأخرى ) .

بل إنه ليستشعر الخطر من مجرد أداء المسلمين لفريضة الحج واتـجـاهـهم إلي القبلة في صلواتهم .. إذ يقول ( إن اتجاه المسلمين نحو مكة ــ وطن الإسلام ــ عامل من أهم العوامل في تقوية وحدة الاتجاه الداخلي بين المسلمين ، وأسلوب يضفي علي جميع نظم الحياة في المجتمع الإسلامي طابع الوحدة ، وصفة التمسك . ).

بل إن ناشر الكتاب الألماني يقدم له بهذه العبارة ( باول شمتز عاش في القاهرة عدة سنوات ويعرف جيداً الأسس التي ينبثق عنها تطلع الشعوب الإسلامية إلي الاستقلال ، الذي يعد أهم مشكلة سياسية في الوقت الحاضر ، وهذا الكتاب يوضح الخطر المتوهج الذي يمر عليه الإنسان في أوربا بكل بساطة ، وفي غير اكتراث ، فأصحاب الإيمان بالإسلام يقفون اليوم { قبيل الحــرب العالمية الـثــانية } في جبهة موحدة معادية للغرب … وهذا الكتاب هو نــداء وتحذير يجب أن يلقى الاحترام الجدي من أجل مصالح الغرب وحدها. ) .هكــــذا ، فهل كتب باول شمتز ما كتب بعد الحادي عشر من سبتمبر ؟ أو كتبه عن سوء فهم ؟ أو لما وجده من سوء عرض للإسلام يرتكبه بعض الجهلاء من هنا أو من هناك ؟ !!!

أو فقولوا لماذا نشر المفكر الأمريكي " صامويل هانتنجتون " الأستاذ بجامعة هارفارد كتابه المعروف باسم ( صدام الحضارات ) وفيه يبشر لصدام مستقبلي هائل بين الديانات والثقافات الحديثة ممثلة في الثقافة الأوربية الأمريكية الغربية من ناحية ، وبين الديانات والثقافات القديمة .. لكنه خص الحضارة العربية الإسلامية بأكثر قدر من التركيز لأنها ـ كما يعتقد ـ ستكون أولي تلك الحضارات القديمة وأقدرها علي الازدهار وتحدي الغرب قريباً ، ولذلك يقول الرجل : ( يجب علي الغرب الاستعداد من الآن لصدام المستقبل هذا ، بل العمل علي إجهاض قوة الحضارات الأخرى ، خاصة الإسلامية قبل أن تكتمل . ) .

، فهل كتب صامويل هننجتون ما كتب بعد الحادي عشر من سبتمبر ؟ أو كتبه عن سوء فهم ؟ أو لما وجده من سوء عرض للإسلام يرتكبه بعض الجهلاء من هنا أو من هناك ؟ !!!

وفي نفس اتجاه هنتنجتون نجد دراســة أخــري نـشـرتـها مجلة الايكونومست البريطانية في 8 يناير عام 1994 ، ركزت علي أن مستقبل العالم مهدد بقوتين كامنتين أمامهما فرصة البزوغ ، بل الصدام مع الآخرين : هما اليابان والقوة الإسلامية المنتظرة! مقال صلاح حافظ ــ الخليج 25/2/1994 .

وها هو الرئيس الأسبق للولايات المتحدة الأمريكية ــ ريتشارد نيكسون : يدرك السمة الحضارية للإسلام ، حيث يقول ( إن الإسلام ليس ديناً فقط ، وإنما هو أساس حضارة رئيسية ، إننا نتحدث عن العالم الإسلامي بصفته كياناً واحداً ــ ليس لأن هناك مكتباً إسلامياً يوجه سياساته ، ولكن لأن الدول منفردة تشترك في اتجاهات سياسية وثقافية مشتركة مع الحضارة الإسلامية ككل . ) (انتهزوا الفرصة ــ ترجمة حاتم غانم ، طبعة فبراير 1992 صــ 40 .) فهل كتب نيكسون ما كتب بعد الحادي عشر من سبتمبر ؟ أو كتبه عن سوء فهم ؟ أو لما وجده من سوء عرض للإسلام يرتكبه بعض الجهلاء من هنا أو من هناك ؟ !!!

ثم يقول ريتشارد نيكسون : ( للعمل في العالم الإسلامي فإن علي صناع السياسة الأمريكية المناورة داخل وكر أفعي من سم النزاعات الأيديولوجية والصراعات الوطنية ) .والمدهش أنه يعترف بعد ذلك بأن بعض الأمريكيين ( يتغاضون عن حقيقة أن الإسلام لا يشمل مبدأ ارهاب وأن ثلاثة قرون قد مرت منذ أن انشغل المسيحيون في حروب دينية في أوربا . ) فهل من سوء عرضنا فهم نيكسون ؟ .

ثم يعترف بفضل الحضارة الإسلامية فيقول : ( بينما ذبلت أوربا في العصور الوسطي تمتعت الحضارة الإسلامية بعصرها الذهبي ، وقد أسهم الإسلام بمجهودات هائلة في مجال العلوم والطب ، والفلسفة ، وفي كتابه "عصر الإيمان " لاحظ ول ديورانت أن الإنجازات الهامة في كل الميادين قد تحققت علي يد مسلمين في هذه الفترة ، وكان ابن سينا أعظم الكتاب في الطب ، والرازي أعظم طبيب ، والبيروني أعظم جغرافي ، وابن الهيثم أعظم صانع للآلات البصرية ، وجابر أعظم كيميائي .. وكان العلماء العرب فاعلين في تطوير الفكرة العلمية .. وعندما دفع الرجال العظام من عصر النهضة الأوربية إلي الأمام حدود المعرفة .. فقد رأوا أكثر لأنهم وقفوا علي أكتاف العمالقة من العالم الإسلامي . ).

ثم يقول ريتشارد نيكسون ( إن حضارتنا ليست متفوقة علي حضارتهم الموروثة ، إن شعوب العالم الإسلامي كانوا أكثر مقاومة لجاذبية الشيوعية من مقاومة أولئك في الغرب ، وإن رفضهم الواسع للمادية وثقافة الغرب الأخلاقية المسموح بها ـ أي في الغرب ـ رجعت عليهم بالفضل . )

وطيلة خمسة قرون من 700 إلي 1200 م ــ كما يقول نيكسون ــ فإن العالم الإسلامي تقدم وتفوق علي العالم المسيحي فيما يتعلق بالقوة الجيوبوليتيكية ، ومستوي المعيشة ، والمسئولية الدينية ، وتقدم القوانين ، ومستوي تعلم الفلسفة ، والعلوم والثقافة .

ثم يرجع انحسار الحضارة الإسلامية إلي انتصارها في الحروب الصليبية ، كما يرجع تفوق الغرب إلي انهزامه إذ يقول ( إن عقوداً من الحرب قلبت الطاولات ، وكما كتب ديورانت : إن الغرب خسر الحرب الصليبية ، لكنه ربح العقائد (!! ) ، وتم طرد كل محارب مسيحي من أرض اليهودية والمسيحية المقدسة ( كذا !! ) . لكن الإسلام استنزف نتيجة انتصاره المتأخر ، ودمر وخرب علي يد المغول ــ بالمقابل ــ في عصر من ظلام الغموض والفقر ، بينما المهزوم مدفوعاً بالجهد ونسيان الهزيمة تعلم كثيراً من عدوه ، ورفع الكاتدرائيات في السماء ، وعبر بحور العقل ، وحوٌل لغاته الجديدة إلي لغة دانتي وفيلون ، وتحرك بروح معنوية عالية إلي النهضة ) فهل كتب نيكسون ما كتب تحت سوء عرض منا للإسلام .

وحين أصدر جان بيرك المستشرق الفرنسي ترجمته لمعاني القرآن عام 1990 وجدناه يبرر اهتمامه بتقديم معاني القرآن للغرب بقوله ( لأن الكثير من المفكرين والناس الآن ينبذون الصورة المادية للحياة المعاصرة ، ويرفضون مجتمع الاستهلاك ، هذا المجتمع المادي المحض .. ويفضلون علي المدنية المعاصرة مدنية الإسلام الروحية وينادون بالعودة إليها )

فهل كتب جان بيرك ما كتب تحت سوء عرض منا للإسلام

ولكن بيرك يلتف بخبث فيقدم في ترجمته للقرآن الكريم بعض معاني القرآن مشوهة فكأنه أراد أن يقول للمفكرين الغربيين الذين أصبحوا يرفضون حضارة الغرب الآن ويرون أنها علي وشك الانهيار، لأنها فقدت الأساس الروحي والأخلاقي .. يريد أن يقول لهم : وهذا هو الإسلام أيضاً ملئ بالخرافات والتناقضات .. ) ألخ مقال رجب البنا صــ 9 ، الأهرام 6/3/1994 .

أما جان بيرك نفسه فيكاد يلتمس لنفسه العذر فيما يكون قد حدث من مخالفة في ترجمته للقرآن الكريم يعتذر بالرجوع إلي وجوب الأخذ بالمنهج التاريخي إذ يقول : ( يبقي صحيحاً القول بأن الديناميكية الدينية ذاتها تتطور عبر التاريخ ــ ليس في مبادئها وأصولها بالطبع ، ولكن في صياغتها وأشكالها وتطبيقاتها ، فتلك أشياء خاضعة للتأقلم والتطور وتختلف باختلاف العصور والأزمات ) الأهرام 29/7/1995 .

ومن الواضح لدينا أن استثناءه ( المبادئ والأصول ) من عملية التأقلم.. الخ ، ليس إلا تغطية لفظية لهدفه من الترجمة ، وهو إيصال الديناميكية الدينية التاريخية إلي ( صياغة ) المبادئ والأصول ، وما ذلك إلا صياغة كلمات الله تعالي ما دمنا بصدد ترجمة القرآن الكريم خلافا لتصريحه ، وهذا المنهج التاريخي هو المدخل " الحديث " لنسف أصالة المسلمات الإسلامية .

فهل ذهب جان بيرك إلي ذلك نتيجة سوء فهم أو سوء عرض .

وإذا كان ما تقدم أمثلة مستوحاة من بؤرة المستشرقين فلنا مقال قادم نستوحي أمثلته من ساحة المبشرين ، والتربويين ، والسياسيين ، ثم نعقب بالتساؤل عن موقف الأزهر

وَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ

لقد کفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثه

رابط هذا التعليق
شارك

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة
×
×
  • أضف...