اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

طفولة وغد..


Recommended Posts

طفولة وغد..

لا شك فى أن فترة الطفولة هى الفترة الخصبة التى تتكون فيها شخصية الإنسان ويتربى فيها المرء ، فمن شب على شئ شاب عليه ، ويقول شاعرنا العربى :

وينشأ ناشئ الفتيان منا على ماكان عوده أبوه..

أما من نتحدث عنه ، فهو شخص يرقد الآن فى سريره يتذوق فى مرضه ـ لا شفاه الله ـ الذى طال ، بعض أو جزء مما ارتكبت يداه من مظالم وقتل وغبن للمواطن العربى الأعزل من السلاح ..

شخصية تقول عن طفولتها " لم أعرف المودة فى ظل عائلتى ، أبى صمويل وأمى فيرا لم يفصحا عن عواطفها أبداً".

هذه أول القصيدة ، طفل نشأ فى كنف أسرة غير حميمية فى العلاقات الإنسانية ، أما الصورة التى بقيت فى ذهنه من عهد الطفولة فتتلخص فى أربع كلمات هى :

القوة ـ العزم ـ العناد ـ العزلة.

والكلمة الوحيدة التى كان يكثر من ترديدها أبيه هى فردى .

منتهى الأنانية والإنطوائية والعناد الذى يورث الغباء والحقد والضغينة ، ولم يكن الأب يقدر على أن يخفى العداء للآخرين ، أما جده لأبيه فقد كان صديقاً لمناحم بيجين..

انظر صديقى لهذه البيئة / المستنقع التى نشأ فيها صاحب هذه السيرة البغيضة لترى وتشعر وتعرف مدى تأثير المكونات الأساسية فى تربية شخصية الفرد ووجدانه ..

الجد قام مع صاحبه الزعيم الإرهابى منذ نعومة أظفاره بنزع الباب الحديدى للمجمع الدينى عنما رفض أحد الحاخامات منحهما الإذن بتنظيم حفل دينى بمناسبة ذكرى هرتزل.

ويقول صاحب السيرة البغيضة أن جده هذا هاجر إلى فلسطين عام 1910م التى ذكرها بإسم إسرائيل قبيل اغتصابها واحتلالها بـ 37 عاماً ..

وكل مايذكره أنه لا يعرف من المفردات الفلسطينية شيئاً ، فكل ماترسب فى وجدانه كلمات مثل يهودا والسامرة ولا يعرف غير اسم أورشليم ..

الأب والأم هربا من بلادهما إلى فلسطين عام 1917م ، أطلق الأب على هذه الرحلة اسم " العودة إلى البلاد"..

عائلة مهيأة سلفاً لكل شئ ، عائلة براجماتية ذرائعية لا يعرف الخيال إليها سبيلاً ، عائلة عاجزة عن مجرد الحلم بل وترفض الإعتراف بالأحلام..

عائلة بدلت اسمها من " تشيرمان " إلى شارون.

هو من مواليد عام 1928م تلقى أول هدية من أمه وهو فى سن الخامسة ، ترى ماذا كانت ؟

ـ بندقية ، أما الأب فقد أهداه خنجراً ..

ألم أقل لك أنها عائلة دموية تغرز فى أطفالها التحفز للآخر والتحصن ضد أى ظرف ، تلك هى الهدايا ، أما الألعاب التى كان يمارسها هذا الشقى الأرعن فهى التلذذ بإدخال القط على الفئران التى كانت تتقافز فى بيتهم والتمتع بمشاهدة آثار المعركة غير المتكافئة ، فالقط يلتهم الفئران المذعورة والطفل الشرس يصفق طرباً حتى يستلقى على قفاه ..

أما الأم فقد كانت شخصية انتهازية ، لصة من نوع فريد ، ترى ماذا كانت تفعل ، كان يراها ممسكة بمقص ضخم لتجز به أسلاك سياج الحديقة لتستولى على المزيد من مساحة الأرض المملوكة للجيران ..

وحين كان يجرى مباحثات الكيلو 101 عقب هزيمتهم فى السادس من أكتوبر 1973م مع الجانب المصرى اتصلت به وهى تعرف بأن جميع المكالمات الهاتفية مراقبة ، وقالت له باللغة الروسية:

ـ لا تصدقهم ، لا تثق بهم ، لا تضع ثقتك فى قطعة من الورق يوقعون لك عليها ..

انظر لتلك الأم التى لا تثق فى أى أحد أبداً ، أما الخال فقد قرر الهجرة إلى أمريكا ، ترى ماذا فعل ، لم يجد بداً سوى التزوير الذى وصل فيه الأمر لتغيير اسمه..

أما عن التحصيل الدراسى فحدث ولا حرج ، لم يكن متفوقاً ولا متوسطاً بل أدنى من ذلك ، بل كان فاشلاً فشلاً ذريعاً ، حاول تعلم الزراعة وفشل ، مارس التجارة أيضاً وفشل ، وباءت مساعيه بالفشل أيضاً فى تعلم الإدارة ..

لذا فلم يحصل على إجازة الحقوق ( 1966) إلا وهو فى سن الثامنة والثلاثين ، أما عن تربيته لأبنائه فقد اصطحب ابنه غور وهو يومئذ طفل بالحضانة لزيارة وحدته العسكرية.

ومن مظاهر النقص فى الشخصية أنه كان دكتاتوراً فى بيته يفرض على أبنائه بأن يؤدوا له التحية العسكرية عند القدوم أو الخروج.

لم يكن ناجحاً سوى فى التدمير والقتل، ولكنه على الرغم من ذلك كله لم يكن عسكرياً منضبطاً ، بل كان متطرفاً فى كل شئ ينفذ مايراه دون الرجوع لقادته ، حماقة مابعدها حماقة ، فها هو يصدر الأوامر لعساكره وهو القائد ، لكنه لم يكن ليجرؤ على الوقوف فى الصفوف الأولى ، بل يقف فى المؤخرة دوماً لأنه شخصية ترتعد أوصالها رعباً من المواجهة ..

أطلق عليه الناس فى الشارع لقب " سيكيورتى" مما يدل على احساسه المتضخم بفكرة الأمن ، فهو انسان مبتز يترسب فى داخله وأعماقه دائماً الخوف الذى قد يصل إلى حد المعنى المرضى لكلمة الجنون.

سجله الأسود منذ سنوات الصبا حافل بكل المساوئ ، فى سن الرابعة عشرة انضم إلى منظمة الهاجاناه السرية التى مارست القتل والإرهاب ضد الفلسطينيين ، وفى العام 1953م وهو فى سن الخامسة والعشرين أسس وحدة كوماندوز .

أما عن قراءاته وثقافته فلم يكن يهتم سوى بقراءة الكتب التى تدعو إلى العنف ، شخصية كسولة ونهمة عند تناول الطعام ، يتناول الطعام بطريقة مزرية دون أن يتذوقه أو يمضغه ، يبتلعه ابتلاعاً وكأنما هو فى حالة من السباق ، وكان لصاً يسرق قرون الخروب التى يقدمها الأب علفاً للحيوانات .

حين وصل للمرة الأولى إلى تل أبيب ـ كان فى سن الثالثة عشرة ـ أول الأمر ظنها مدينة كأنها قطعة من السماء ، روائح الطعام خلبت عقله وأدارت رأسه ، دغدغدت مشاعره رائحة الخبز الطازج وامتزج بلعابه طعم فطائر السبانخ الساخنة وسال ريقه أمام قوة وطغيان رائحة الكباب ، راح كالفلاح الذى بهرته أضواء المدينة يرتشف من عدة قوارير ليمونادة مثلجة مرة واحدة..

هذا غيض من فيض عن سيرة وطفولة الوغد الذى لا شك أن الجميع يعرف اسمه ، سيقول البعض أن الرجل غير قادر على الدفاع عن نفسه ، فأقول لهم وهل قبل ذلك ترك الفرصة لأحد كى يدافع عن نفسه ؟

فإلى الجحيم إذن ، بلا شفقة ولا رحمة ..

ــــــــــــ

محمد عبده العباسي

بورسعيد

مصر

رابط هذا التعليق
شارك

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة
  • الموضوعات المشابهه

    • 0
      أجمل ما فيه أنه آمن بنفسه وبموهبته فآمن به ركب الشعب العربى وسار وراءه لنهاية طريق حياته وأجمل ما فى توليفةعرض المقال كاملاً
    • 6
      دي مقالة عجبتني، فقلت أشارككم فيها. هي مش أدبية - رغم أسلوبها العذب - بقدر ما هي معرفية ... الكاتب فيها عايز ينقل رسالة، أنا متفق معاه فيها. الرسالة ببساطة: يولد الإنسان مبدعًا، ويظل كذلك طالما كان طفلاً. ومع مرور الوقت، تتكفل السنون بتقييد هذا الإبداع بقيود الأعراف الآنية للحضارة ومدخلات الحواس. فلكي تكون مبدعًا، عش بقلب وعقل طفل، كما كنت سابقًا. المقالة في عدد هذا الشهر من مجلة "العربي" الكويتية، والكاتب أردني اسمه/ نوار سكجها. كان عندي ملحوظة على الأطفال. أول مرة بنتي تستخدم التليفون وتكل
    • 3
      من بريدى منقول
×
×
  • أضف...