البحث في الموقع
عرض النتائج للدليل 'مختارات اعجبتني'.
-
ندي القصبي : العاشق يصـفح.. والمشتاق يقتل! nada “اختر الحب.. الحب! فمن دون حياة الحب العذبة، تمسي الحياة عبئاً ثقيلاً – كما ترى” جلال الدين الرومي. إذا قرأت رواية “قواعد العشق الأربعون” – إليف شافاق، فستأخذك إلى عالم الصوفية والعشق الإلهي، الحب والعشق.. ستكتشف الحب داخلك وتسمح له بالخروج ليرى النور: ” لسنا بحاجة للبحث عن الحب خارج أنفسنا، بل كل ما علينا عمله هو أن نتمكن من إزالة العقبات التي تبعدنا عن الحب في داخلنا”. ستعرف حقيقة أن على عقيدتك أن تجعلك محباً، لا كارها، كما يقول الدراويش، وبالرغم عنك ستجد نفسك تتوق لحب مثل الذي يتحدثون به. فأين لك الطريق؟ وهل ستصبر على رحلة إيجاد الحب؟ “السعي وراء الحب يغيرنا.. فما من أحد يسعى وراء الحب إلا وينضج أثناء رحلته.. فما إن تبدأ رحلة البحث عن الحب، حتى تبدأ تتغير من الداخل ومن الخارج” هل ستتمكن من إخلاء السبيل بينك وبين الله؟ “يجب ألا يحول شيء بين نفسك وبين الله، لا أئمة، ولا قساوسة، ولا أحبار، ولا أي وصي آخر على الزعامة الأخلاقية أو الدينية، ولا السادة الروحيون، ولا حتى إيمانك.. آمن بقيمك ومبادئك، لكن لا تفرضها على الآخرين، وإذا كنت تحطم قلوب الآخرين، فمهما كانت العقيدة الدينية التي تعتنقها، فهي ليست عقيدة جيدة” ستستعد لبحثك عن الله دون حاجز بينك وبينه، ستبحث عن حبه لتسمو إليه روحك، وستتساءل كيف أبحث عن الله؟ كيف أعرف الله؟ فيرد شمس التبريزي مخاطباً المومس: “عندما تعرفين نفسك، فإنك ستعرفين الله”. بعد قراءتي لقواعد العشق، يصعب أن أقول إن حياتي استمرت كما هي، جزء مني لم يعد كما هو.. أصبحت أبحث عن الحب.. أجده وأهبه.. كلما ضاقت بي الدنيا أعدت قراءة الرواية وتوقفت عند القواعد الأربعين، متجاهلة كل الكراهية التي تحاك بخيوط عقيدتي.. أشد على خيوطي وأحيك بها الحب كما فعل جلال الدين، أقبِل أطفالي وأحيك لهم من العقيدة حبا يتناسب وقلوبهم النقية. وحين صدرت مؤخرا رواية “شوق الدرويش” للأديب السوداني حمّور زيادة، ظننت من العنوان أن الأمر يحمل كمية أخرى من الحب والدروايش والبحث عن الله، فأحببت أن استكمل المسيرة على طريق الحب. تدور أحداث الرواية قرب منبع النيل البعيد، حيث النيل مختلف عن ما عهدناه هنا. shawq_darawish “نيل وحشي، بكر كما صنعته يد الرب.. متحمس.. ذو عنفوان، لم تهزمه المشاوير كنيل مصر”. وخلافاً لظني فإن الرواية لا تتحدث عن الحب، بل عن الشوق وألمه.. كل من في الرواية بطل يتحّمل شوقه الخاص. “بخيت” يشتاق حبيبته التي أغتالتها الكراهية.. يحاول أن يسكن الألم في قلبه وروحه بفراق حبيبته، لكن شوقه لا يسكن إلا بالقتل، فيقتل حتى يشبع الشوق ويلتقي بروحها مقتولا. و”حسن” يتخبط في شوقه إلى الله ورغبته في القرب منه.. يستمع لنصائح شيخه بشغف. “يا حسن.. طريق الجنة التسليم، سيزرع الله في قلبك النور فلا تكذبه.. إن قال الله فلا تقل لا “.. يزيده في النصح “يا حسن إن صدق العبد ربه ملّكه أمره وأمر غيره“، فيشتاق حسن للنصر، لكن الشوق يعمي عينه، فلا يبتغي النصر من الله، بل بالانضمام لصفوف المهدي، فيتخبط في الدم حاملا دم الصغيرة على يديه، فيجزع ويهرب لا يدري أين نصر الله! يحاول العودة فلا يعود، فيبقى محاصرا بشوقه لله، وشوقه لفاطمة التي فقدها. وبين حسن وبخيت مدينة عريقة كمدينتهما بطلة بما تحتمله من أحداث.. مدينة تشتاق للخروج من الظلم.. تأن من الكراهية والظلمة.. تتوق لزمن النور.. تتوق لنصرٍ من الله لينزع عنهم ظلم الدولة وفجور الحكومات، فيعلقون آمالهم على “المهدي”، منتظرين الخلاص.. يشتاقون النور، فيعيثون في الظلمة أكثر. الخادمة العجوز ابنة المدينة المشتاقة، تقول للراهبة: “لو كان هو مهدي الله، فسيدخل هذه المدينة ويذبح الكفّار ويقيم العدل.. – الكفار يعني نحن يا فضل عزيز؟ – طبعا أيتها الصبية.. سنذبحكم ويوم القيامة تدخلون النار. – وأنت يا فضل عزيز ستتركينه يقتلنا ؟ ألا تحبيننا؟ تقطب العجوز وتقول: – أنا أحبكم وأحبك أنت بشدة أيتها الصبية، لكن من يقول لمهدي الله لا؟ هذا أمر الله.. علينا تقبله” ستستغرب كيف يمكن أن يعمي الشوق القلب؟ فيتبدل الحب كرها ويمتلئ القلب حقدا! كيف تبدل حال البلد والناس واختلط الحق بالباطل، وانقطع طريقهم إلى الله، لأنهم تمسكوا بغيره يظنون سوءا أن أحدا يمكنه أن يكون وسيطا بينهم وبين الله، فلم يزدهم إلا تخبطا وبعدا عنه، فكيف يمكن أن تنتهك قدسية الروح التي خلق الله، لأنك تشتاقه! كيف تعصيه لتتقرب إليه؟ فإذا ما زال عنهم الشوق زادت حيرتهم، فما عادوا يدرون بأي شيء قَتلوا / قُتلوا؟ “في يوم ما، لم يحن أوانه بعد، سيجلس الناجون منا ليسألوا أنفسهم: كيف نجوا من كل هذا الإيمان، ويتعجبون إنهم ما هلكوا تحت ركام اليقين الذي انهال علينا” حين تسير في ركب الحب، ستصفح وتغفر، وتتمنى أن يذوق حلاوة الحب كل من حولك، وأن يهدي الله قلوبهم لعشقه والحياة برضاه، لكن حين تجن بشوق لشيء لا تحسه، شيء لا يمكنك أن تراه، فإن جنونك يجعلك تعيث فسادا، فتكره وتتمرد وتخاف، ولا بأس أن تقتل! قال الله: “الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا”. وصف الله الذين يجرهم إيمانهم وشوقهم إلى الضلال بالخاسرين.. خسروا رغم ظنهم أنهم على حق لأن العقيدة واحدة لا تختلف مهما اختلف معتنقوها، لكن العتب على التأويل. يقول شمس التبريزي: “تنبع معظم مشاكل العالم من أخطاء لغوية ومن سوء فهم بسيط “ هكذا إذاً يختل النسيج.. خطأ بسيط في الحياكة لا تتبينه إلا متأخراً، ولا تستطيع رؤيته إن لم تنظر نظرة شاملة، فالكفر والإيمان مخيفان على حد سواء، أو كما يقول حسن في “شوق الدراويش”: “فرط الإيمان يكاد يؤدي بي إلى الكفر“